إعــــــداد
د / أشرف محمد طه رشوان
د / صلاح عبد الله محمد حسن

مقدمة :
تواجه المجتمعات على اختلاف درجات تقدمها, ومن وقت لآخر, تحديات وأزمات يمكن أن يكون لها تأثيرها الواضح فيما يحدث فى هذه المجتمعات من تغييرات أو تحولات, والتى يسهل انتقال تأثيرها من مجتمع إلى آخر فى الوقت الراهن, سيما فى ضوء التقدم التكنولوجي وما شهده العالم من ثورة فى الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

وتواجه التربية العربية على اختلاف أشكالها وأنماطها ومؤسساتها تحديات مهمة وخطيرة فى مختلف المجالات وعلى مختلف الأصعدة والمستويات داخليا وخارجيا. ومن المتوقع زيادة هذه التحديات وتسارعها فى المستقبل القريب, خاصة فى ظل ما تتسم به هذه التحديات من إبهار للحواس وسرعة توالى الصور والمعلومات والتأثير غير المباشر على تشكيل الوعي لدى
الشباب ( 28 ، 67 )  .

ولما كان الشباب يعد عصب المجتمع وركيزته الأساسية فى الإنتاج وتحقيق التنمية والتقدم والحفاظ على حضارته وهويته الثقافية, فان قيامه بهذا الدور يتوقف بدرجه كبيرة-على دور التربية فى تسليحه وتزويده بالقيم الأصيلة التى تحميه من التبعية والانسياق وراء موجات التحرر والانفتاحية دون قيد أو ضابط يحكم مسيرته أو تقليده الأعمى,ليس هذا فحسب بل إن إدراكه للتغييرات والتطورات الحادثة من حوله بغية تعرف جوانب الخير منها واتقاء مكامن الشر بها يعد من القيم التجديدية التى ينبغي على التربية إكسابها للشباب، كي تساعده على التفاعل الخصب مع هذه التغييرات والتحديات التكنولوجية ومسايرة ركب التطور من حولهم على نحو محمود ومرغوب .
يتضح مما سبق ضرورة تعرف منظومة القيم لدى الشباب الجامعي فى ضوء التحديات العصرية خاصة التكنولوجية منها، للوقوف على ما أحدثته هذه التحديات من تغيير فيها واقتراح سبل علاج جوانب القصور فيها .
مشكله الدراسة وتساؤلاتها:
فى ضوء ما تموج به الدول العربية من تغييرات وصراعات بين القيم الروحية والقيم المادية, وتشكيك المذاهب الإلحادية فى الأديان والترويج للعلمانية ونبذ كل ما هو غيبي أو روحي والسعى إلى ترسيخ قيم العولمه (20 ، 9 ), وفى ضوء ما أثرت به الثورة العلمية والتكنولوجية من عوامل التغيير الثقافي فى تشكيل الكثير من معارفنا وقيمنا ومفاهيمنا فى الحياة؛ مما جعل الكثير من أفراد المجتمع يقعون فى كثير من الأخطاء فى عدم التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ ,وبالتالي ضعف قدرتهم على الانتقاء والتفضيل بين القيم الموجودة بينهم (3 ، 57 ), وفى ضوء ملاحظة الباحثين لسلوكيات الشباب الجامعي وانتشار بعض القيم الجديدة بينهم؛ تتمثل مشكلة الدراسة فى محاولة التعرف على منظومة القيم لدى الشباب الجامعي فى ضوء التحدي التكنولوجي ,وذلك من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية:
1- ما طبيعة منظومة القيم ؟
2- ما طبيعة التحدي التكنولوجي الذي يواجه الشباب الجامعي؟
3- هل توجد فروق دالة إحصائيا بين استجابات طلاب الكليات العملية , والكليات النظرية والكليات العملية النظرية حول أبعاد منظومة القيم فى ضوء التحدي التكنولوجي ؟
4- هل توجد فروق دالة إحصائياً بين استجابات الذكور والإناث حول عناصر منظومة القيم في ضوء التحدي التكنولوجي ؟

هدف الدراسة :
تهدف الدراسة الحالية إلى تعرف طبيعة القيم ، والتحديات التكنولوجية ، وكذلك تعرف عناصر منظومة القيم من وجهة نظر الشباب الجامعي فى ضوء هذه التحديات .

أهمية الدراسة :
تنبع أهمية الدراسة من أهمية القيم ودورها الفعال فى مواجهة الآثار السلبية للتحديات العصر خاصة التكنولوجية منها ، كما تفيد فى توجيه المؤسسات القائمة على تربية الشباب إلى ما طرأ على منظومة القيم لدى هؤلاء الشباب من تغير ومن ثم وضع برامج علاجية مفيدة لهم هذا بالإضافة إلى أن هذه الدراسة تعد إضافة علمية إلى المكتبة العربية تعالج الندرة فى الدراسات التى تناولت منظومة القيم ومدى تأثرها بالتحديات العصرية.
حدود الدراسة :
اقتصرت الدراسة على الحدود التالية :
- حدود موضوعية : منظومة القيم لدى الشباب الجامعي فى ضوء التحدي التكنولوجي .
- حدود بشرية : مجموعة من طلاب الفرقة الثانية بالكليات العملية ( الهندسة ) ، والكليات النظرية
( الآداب ) ، والكليات النظرية العملية (التربية) .
- حدود زمنية : تم تطبيق أداة الدراسة فى العام الدراسي2003/2004م .
مصطلحات الدراسية :
1. القيم :
أ – القيم لغة : ( القيمة ) قيمة الشي قدره ، وقيمة المتاع ثمنه ، ويقال ما لفلان قيمة أي ما له ثبات ودوام علي الأمر ، وأمر قيم : مستقيم ، والأمة القيمة : المستقيمة المعتدلة (32 ، 768 ) ، وقد ورد فى لسان العرب " القيم " : مصدر بمعنى الاستقامة ( 1 ، 406 ) .
- وعرفها جود (Good) ، بأنها معايير اجتماعية ذات صبغة انفعالية قوية وعامة تتصل من قريب بالمستويات الخلقية التي تقدمها الجماعة ويكتسبها الفرد من بيئته الاجتماعية الخارجية ، ويقيم منها موازين يبرر بها أفعاله ، ويتخذها هادياً ومرشداً ، وتنتشر هذه القيم في حياة الأفراد فتحدد لكل منهم أصحابه وأعداءه . ( 47 ، 113 ) .
ب- القيم اصطلاحاً :
تعرف القيم بأنها " مجموعة من الأحكام المعيارية المتصلة بمضامين واقعية يتشربها الفرد خلال انفعاله وتفاعله مع المواقف والخبرات المختلفة ، ويشترط أن تنال هذه الأحكام قبولاً من جماعة اجتماعية معينة ، حتى تجسد في سياقات الفرد السلوكية واللفظية أو اتجاهاته واهتماماته " (7 ، 43) .
ويوضح عاطف غيث أن هناك قيم إيجابية مرغوب فيها وتشترط قبولاً من الجماعة ، وهناك قيم سلبية مرغوب عنها من الجماعة . ( 40 ، 72 ) .
يتضح مما سبق أن القيم تعد معاييراً أخلاقية يكتسبها الفرد من البيئة المحيطة به بجوانبها المادية المختلفة ومنها التكنولوجية وجوانبها اللامادية أيضاً المستقاه من الدين والأعراف والتقاليد ، والتي تساعد الفرد في أن يسلك طريقاً صحيحاً في حياته يلقى قبولاً من أفراد المجتمع .
جـ- القيم إجرائياً :
يعرفها الباحثان بأنها " معايير اجتماعية مرتبطة بالمستويات الخلقية الواقعية للجماعة ويكتسبها الفرد من خلال تفاعله معهم ومع البيئة المحيطة من وسائل تكنولوجية حديثة ، وتسهم في تشكيل سلوكياته واتجاهاته واهتماماته " .
2. التحدي التكنولوجي :
يعرفه الباحثان بأنه " صعوبة في الاستجابة السريعة والمباشرة لما تفرضه طبيعة التغير التكنولوجي من متطلبات تؤثر في قيم المجتمع " .
خطة السير في الدراسة :
للإجابة عن تساؤلات الدراسة ، تم تنظيم هذا الجزء من الدراسة كما يلي :-
أولاً : للإجابة عن التساؤلين الأول والثاني ، قام الباحثان باستطلاع المصادر والدراسات والبحوث السابقة في مجال القيم وتصنيفها وكذلك التحديات العصرية وآثارها في قيم المجتمع ووعي أفراده بها .
ثانياً : للإجابة عن التساؤلين الثالث والرابع ، قام الباحثان بإعداد استبانة في ضوء ما تجمع لديهما من أبعاد وعناصر لمنظومة القيم في ضوء التحدي التكنولوجي ، ثم تقننيها بصورة علمية وتطبيقها علي مجموعة الدراسة المختارة ، وإخضاع نتائجها للمعالجة الإحصائية المناسبة ، وفي ضوء تلك النتائج تم توضيح مدى التغير في قيم الشباب في ضوء التحدي التكنولوجي ، وأعقب الباحثان ذلك بتقديم بعض المقترحات والتوصيات التي من شأنها الإسهام في علاج بعض جوانب القصور وتدعيم جوانب القوة في منظومة القيم لدى الشباب المصري .
الإطار النظري :
يهتم الإطار النظري بعرض الدراسات السابقة عن القيم وتصنيفها في منظومة والسعي لتعرف ملامح هذه المنظومة سواء لدى شرائح معينة في المجتمع أم في محتوى مواد علمية أو دراسية ، كما يعرض الباحثان من خلال هذا الإطار النظري بعض الدراسات عن التحديات العصرية وآثارها علي بعض فئات المجتمع وبيان دور بعض المؤسسات التربوية في مجابهة أخطارها ، ويمكن تناول الدراسات السابقة في المحاور التالية :
أولاً : القيم لدى شرائح معينة في المجتمع :-
تناولت بعض الأدبيات دراسة بعض القيم الخلقية لدى التلاميذ في بعض المراحل الدراسية وعلاقتها بمستوى تعليم الأم ( 18 ) . حيث توصلت إلى تصنيف للقيم حسب درجة النضج كالتالي : ( قيم ناضجة – قيم متوسطة النضج – قيم غير ناضجة ) ، ودراسة دور المدرسة الابتدائية في تنمية القيم الأخلاقية لدى هؤلاء التلاميذ ( 14 ) ، ودراسة دور ممارسة الأنشطة الرياضية في تنمية القيم الخلقية لدى طلاب الجامعة ( 11 ) ، حيث توصلا إلى ترتيب للقيم يبدأ بقيمة الصدق وينتهي بقيمة التعاون ، وسعى بعض الباحثين إلى دراسة التغير القيمي في بعض المناطق وبيان دور التربية في معالجته ( 38 ) ، ودراسة العلاقة بين التعليم وبين التغير القيمي في منطقة معينة ( 25 ) ، حيث توصلا إلى أن هناك تغير في النسق القيمي في مجتمع الدراسة نتيجة بعض التغيرات في بعض الأنماط والأساليب الاستهلاكية والادخارية والاستثمارية لدى أفراد المجتمع .
ثانياً : القيم في محتوى بعض المواد العلمية أو الدراسية :
وبدراسة الأدبيان في هذا المحور ، تناولت بعض الدراسات القيم الأخلاقية من واقع مناهج تربية المسلم لتلاميذ الصف السادس الابتدائي ومدى تأثيره علي القيم الأخلاقية لهؤلاء التلاميذ ( 21 ) ، وكذلك تعرف القيم الخلقية التي تشتمل عليها كتب القراءة في المرحلة الابتدائية وما يجب أن تكون عليه هذه القيم سواء في المقررات الدراسية المصرية ( 26 ) أم مقارنة مع بعض الدول العربية ( 42 ) ، إضافة إلى دراسة بعض القيم الخلقية في مقررات التربية الرياضية بالتعليم الابتدائي ( 24 ) ، أو في مقررات اللغة العربية ومعلميها بالتعليم الثانوي العام ( 41 ) .
ولم يقتصر الباحثون علي دراسة وتحليل القيم الخلقية في بعض المقررات الدراسية فحسب ، وإنما تناولوها في بعض البرامج الإعلامية المقروءة مثل قصص صحافة الأطفال ( 8 ) ، وفي البرامج المشاهدة مثل المسلسلات التلفزيونية ( 16 ) وكذلك في بعض سور القرآن الكريم ( 19 ) حيث اتفقت هذه الدراسات علي التوصل إلى قائمة بالقيم الخلقية المتضمنة في بعض المقررات الدراسية من خلال تحليلها وهذه القائمة تضمنت ( الصدق – التعاون – النظافة – الأمانة – الكرم – الحياء – حب الوطن – الاهتمام بالرياضة – قول الحق – النظام ) .
ثالثاً : التحديات العصرية ودور مؤسسات التربية في مجابهة أخطارها :
تناول بعض الباحثين دراسة بعض التحديات التي تواجه المجتمع المصري ومدى وعي الطالب الجامعي بهذه التحديات ( 36 ) ، حيث أظهرت نتائج الدراسة وعي الشباب الجامعي بالتحديات التي تواجه المجتمع العربي في ضوء الانتشار الواسع للوسائل التكنولوجية والإعلامية ، ودراسة دور كليات التربية في تنمية وعي طلابها ببعض التحديات التربوية للعولمة ( 2 ) ، وكذلك تعرف بعض مخاطر العولمة التي تهدد الهوية الثقافية للمجتمع المصري وبيان دور التربية في مواجهتها (34 ) ، ( 33 ) ، حيث توصلا إلى ضرورة التحول النوعي في المناخ في الفكري والنظام الثقافي للشباب حتى يتسنى بناء هوية ثقافية تنطلق من قسمات مجتمعنا من تدين ووسطية وعروبة وأخلاق ، وكذلك دراسة متطلبات الطفل المصري من الأساليب التربوية في ظل تحديات القرن الحادي والعشرين ( 28 ) ، حيث توصل إلى أن التحديات التكنولوجية تعد من أهم التحديات التي تؤثر في أفراد المجتمع وأساليب تربيته ، ودراسة أهم الأدوار الجديدة التي ينبغي أن يقوم بها المعلم في ضوء تحديات هذا القرن ( 5 ) .
رابعاً : منظومة القيم :
تناولت بعض الدراسات تصنيف القيم ، مثل دراسة ( فوزية دياب ، 1966 ) ( 31 ) ، حيث صنفت القيم علي أساس أبعادها كالتالي : بعد المحتوى ، بعد المقصد ، بعد الشدة ، بعد العمومية ، بعد الوضوح ، بعد الدوام ، وقد صنفت الباحثة القيم تبعاً لبعد المحتوى إلى : قيم جمالية ، قيم دينية ، قيم اقتصادية ، قيم خلقية ، كما ذكرت أن أحسن تصنيف للقيم قدمه " سبرينجر " Spranger في كتابه أنماط الرجال Types of Men ، حيث تكلم عن ستة من القيم هي : القيم النظرية ، القيم الاقتصادية ، القيم الجمالية ، القيم الاجتماعية ، القيم السياسية ، القيم الدينية .
ويعرض ( محمد الدريج ، 1994 ) ( 35 ) تصنيفين لمنظومة القيم ، أحدهما تصنيف " وايت " White ويتضمن ثمان مجموعات متجانسة من القيم هي : القيم الاجتماعية ، القيم الأخلاقية ، القيم القومية – الوطنية ، القيم الجسمانية ، القيم الترويحية ، قيم تكامل الشخصية ، القيم المعرفية – الثقافية ، القيم العملية – الاقتصادية ، أما التصنيف الآخر لمنظومة القيم فهو لـ " ألبورت " Allport وقد استلهمه من تصنيف
" سبرينجر " حيث صنف القيم إلى : القيم النظرية ، القيم الاقتصادية ، القيم السياسية ، القيم الاجتماعية ، القيم الجمالية ، والقيم الدينية .
من خلال العرض السابق ، تبين الباحثين أن منظومة القيم تتضمن العديد من الأبعاد كما صنفها كلاً من فوزية دياب ، و " ألبورت " ، " وايت " ، و" سبرينجر " ، وخلصت هذه التصنيفات إلى : القيم الدينية ، القيم الخلقية ، القيم الجمالية ، القيم الاجتماعية ، القيم الثقافية ، القيم العلمية ، القيم الاقتصادية ،
والقيم السياسية .
حقيقة أن هناك شبه اتفاق واستقرار في الرأي حول أبعاد منظومة القيم إلا أنه من الصعب أن تحتفظ هذه المنظومة باستقرار في طبيعتها نظراً للتغييرات المتسارعة الحادثة في المجتمع العالمي .
فقد طرأ علي هذه المنظومة القيمية تغييرات مختلفة لاسيما في ظل تحديات العولمة بآثارها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والسياسية والتكنولوجية ، والتي شكلت في ذاتها تحديات تسعى إلى توجيه الرأي العام العالمي نحو منظومة قيم جديدة تتسم بملامح المجتمع المدني العالمي في قضاياها الإنسانية وأساليبها الفكرية والمعيشية (2 ، 44 ) ، وقد كان التغيير التكنولوجي من أبرز هذه التحديات التي أثرت في تشكيل ملامح هذه المنظومة القيمية .
التحدي التكنولوجي :
مر المجتمع الإنساني بموجات ثلاث من التغيير والتي بدأت بالموجة الزراعية واستغرقت ردحاً طويلاً من الزمان ، ثم جاءت الموجة الصناعية وثورة الصناعات الثقيلة ، وأعقبتها الموجة التكنولوجية التي تميزت علي الموجتين السابقتين بوفرة المعلومات وغزارتها .
واحتوت هذه الموجة الثالثة علي متغيرات متنوعة ومختلفة في كافة المجالات ، مثل مجالات الهندسة الوراثية ، والتطورات الإلكترونية المتسارعة لأجيال الكمبيوتر ، واكتشاف أصغر الجزيئات المكونة للمادة والتوغل التكنولوجي في أجواء الفضاء لاكتشاف آفاقه وكذلك المتغيرات المذهلة في وسائل الاتصال وتبادل المعرفة والمعلومات التي فتحت آفاقاً علمية وثقافية لا حدود لها أمام الإنسان المعاصر الذي لابد أنه
سيتغير ( 46 ، 22 ) .
وقد أنعكس تأثير هذه المتغيرات التكنولوجية علي كافة مجالات الحياة ، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، مما ينبئ بأن القرن الحالي سيشهد معدلات للتغير التكنولوجي لم تعرفها البشرية من قبل ، وهذا سيؤدي إلى زيادة معاناة الدول المتخلفة أو المتقاعسة عن اللحاق بهذا الركب وزيادة الفجوة الحضارية بين الدول المتقدمة وبين الدول النامية ( 39 ، 2 ) ، إضافة إلى تعرض الأخيرة إلى العديد من التحديات التكنولوجية والتي من أهمها ما يأتي :-
1. ثورة تكنولوجيا المعلومات :
وانبثقت هذه الثورة من جانبين : أحدهما يتمثل في ثورة الاتصالات التي جعلت العالم قرية كونية صغيرة يعرف الإنسان منها ما يدور حوله في أي بقعة من بقاع الأرض بعد لحظة من وقوعه بالصوت والصورة ، وأحياناً يتابعه لحظة بلحظة ( 46 ، 305 ) ، ويتمثل الآخر في اختراع الحاسب الآلي الذي مكن الإنسان من الاحتفاظ بالمعلومات ومعالجتها واسترجاعها بطريقة يسيرة وسريعة ، وحلت الوسائط الإلكترونية بمختلف أشكالها ، من أسطوانات مدمجة وأقراص مرنة وغيرها من الوسائل ، محل المخطوطات المنسوخة والكتاب المطبوع . ( 12 ، 389 – 390 ) ، ولعل هذا التطور في التعامل مع المعلومات والبيانات يتطلب نوعية متميزة من الكوادر البشرية من حيث إعدادها وتدريبها لتتوافق مع هذه التطورات وتجابه هذه التحديات .
2. ثورة الاتصالات :
تمثلت هذه الثورة في وسائل الاتصال المختلفة من اتصالات أرضية ، سواء أكانت برية أم بحرية من خلال الاتصالات الأرضية الميكروويف والكابلات المحورية وكذلك وسائل الاتصال عبر الأقمار الصناعية والتي تستخدم في إرسال البرامج التلفزيونية ، وفي نقل المحادثات التلفزيونية الدولية ، وفي تبادل البيانات المقروءة بين أجهزة الكمبيوتر المتواجدة في دول مختلفة بالإضافة إلى الإنترنت
والدش ( 17 ، 140 ) .
وقد مثل الإنترنت ووسائل الاتصال عبر الأقمار الصناعية قفزة جديدة هائلة علي طريق المعرفة ، مما جعل عولمة الثقافة والمعرفة واقعاً فعلياً ملموساً ، حيث إن ما يعرض من خلال شبكات الإنترنت والدش ووسائل الاتصال عبر الأقمار الصناعية من رسائل إعلامية تتضمن فريداً من الإثارة لمستخدمي هذه الوسائل لم يشكل إنتهاكاً لحرمة الحياة الشخصية للأفراد فحسب بل تهديداً للأمن القومي لكثير من المجتمعات
أيضاً ( 9 ، 145 – 146 ) .
حقيقة أن الانفتاح الإعلامي والثقافي علي الآخر الغربي بات مطلباً أساسياً في الوقت الراهن ، لأن سياسة الانغلاق لا تتفق مع طبيعة العصر ، غير أن تحصين الشباب ضد ما يعرض من هذه الثقافات الوافدة يعد ضرورة تتطلبها عملية الحفاظ علي الهوية القومية لثقافتنا وقيمنا العربية ، ومن ثم فإنه من الأهمية بمكان تزويد الشباب بأساليب تعتمد الإقناع وتوفر مساحة واسعة من الحرية للإعلام المحلي مع مراعاة الشفافية والصدق في التعامل مع القضايا المختلفة ( 43 ) .
وإذا ما تسنى للقائمين علي تربية الشباب تسليحهم بتلك الأساليب ، أمكن استخدام ذلك الإعلام الوافد إلينا كوسيلة وسلاح للتصدر لهجماته التي تهدد الأمن العربي والهوية العربية ، وقبل ذلك ما يهدد الدين والأخلاق والقيم .

إجراءات الدراسة الميدانية :
(1) منهج الدراسة : اعتمد الباحثان على المنهج الوصفي التحليلي لهذه الدراسة تمهيدا لاستنباط منظومة القيم لدى الشباب في ضوء التحدي التكنولوجي بواسطة استبانة أعدت خصيصاً لهذا الغرض .
(2) أداة الدراسة: تم إعداد استبانة تجمع منظومة القيم في ضوء التحدي التكنولوجي وهذه الاستبانة مرت بعدة مراحل حتى وصلت إلى صورتها النهائية ويمكن إيجازها فيما يلي :-
( أ ) مرحلة الإعداد: من واقع عمل الباحثين وأراء بعض الخبراء وظهور بعض القيم الجديدة لدى الشباب الجامعي تم تجميع العديد من العبارات التي توضح صورة القيم في ضوء التحدي التكنولوجي ، كما استعان الباحثان في بناء الاستبانة بعدد من الدراسات والبحــوث المتصلة بالقيم والتحدي التكنولوجي وتكونت الاستبانة من ستة أبعاد رئيسة هي :-
- القيم الدينية - القيم الخلقية - القيم الاجتماعية
- القيم الثقافية - القيم الاقتصادية - القيم السياسية
وتعتبر هذه الأبعاد بمثابة مؤشرات يتم من خلالها تحديد واقع منظومة القيم في ضوء التحدي التكنولوجي .
(ب) مرحلة التأكد من صدق الاستبانة : تم مراعاة صدق وثبات الاستبانة من جانبين :
أولهما : أن اختيار العبارات والأبعاد تم في ضوء ما جرى من دراسات وأبحاث تخصصت في هذا المجال .
ثانيهما الصدق: فقد تم عرض الاستبانة على مجموعة المحكمين من الخبراء وأعضاء هيئة التدريس بكلية التربية جامعة أسيوط وقد قاموا مشكورين بإبداء بعض الملاحظات من حذف وتعديل بعض العبارات والتي وضعها الباحثان في الاعتبار ،حيث تم حذف العبارة (1) في القيم الثقافية " أفضل تقليد الجديد من ثقافات الفضائيات عن الاستشهاد بالأقوال المأثورة " والعبارة (5) " اهتم بتطبيق ما تعلمته من معارف التقدم العلمي أكثر من المشاركة في رحلة ترفيهية " وحذف العبارة (5) من القيم الاجتماعية " أفكر في حل مشكلات مجتمعي بطريقة عالمية لا محلية " ، كما تم حذف العبارة (4) من القيم الاقتصادية " افضل إنفاق مصروفي في شراء كتب عن إنفاقه في مشاهدة فيلم سينمائي " ، وتم حذف العبارة (3) من القيم السياسية " أفضل تشجيع زملائي على الحفاظ على الممتلكات العامة عن كتابة وقرض الشعر" ، وحذف العبارة " أصارح صديقي بما يقال عنه مهما سبب ذلك لـه من ألم " ، وتبين من الملاحظات أن الاستبانة كانت قبل التحكيم (42) عبارة وأصبحت بعد التحكيم (36) عبارة فقط وهي الصورة النهائية للاستبانة .
وتم تصحيح الأداة بتحويل استجابات أفراد العينة علي الفقرات بشكل كمي فقد وزعت بعلامات على التدريج الثلاثي ، فأعطيت درجة ( موافق ) بثلاث علامات ، ودرجة ( موافق إلى حد ما ) بعلامتين ، ودرجة ( غير موافق ) بعلامة واحدة ، وبالتالي فإن الحد الأعلى للعلامات (108) علامة والحد الأدنى (36) علامة ن واعتبر الباحثان أن علامة (2) من التدريج الثلاثي للأداة هي علامة المحك محدداً لدرجة الموافقة مقبولة له ، أو غير مقبولة فإن كان المتوسط الحسابي (2) أو اكثر اعتبرت درجة الموافقة مقبولة وإذا كان المتوسط الحسابي أقل من (2) اعتبرت درجة الموافقة غير مقبولة .