مقياس التعامل مع السلوك التنمري
مقياس السلوك التنمري للأطفال والمراهقين
تأليف: د. مجدي محمد الدسوقي
الناشر: دار جوانا للنشر والتوزيع
تقديم:
التنمر ظاهرة سلوكية قديمة في المجتمعات، تمارس بدرجات متفاوتة وبأشكال مختلفة، وتظهر كلما توفرت لها الظروف المناسبة، إلا أن الاهتمام بها وبدراستها ظهر حديثاً بنظرة شاملة تعتبر كل هجوم نفسي أو لفظي أو بدني بمثابة تنمر على الضحية.
والتنمر سلوك مكتسب من البيئة، ينشأ مع الطفل منذ الصغر وترتفع ذروته في نهاية المرحلة الابتدائية، قبل أن يبدأ الهبوط تدريجياً في المرحلة الثانوية. وللتنمر آثار سلبية على الضحية خاصة وعلى بيئته عامة. ففي المجتمع المدرسي يشعر التلميذ الضحية بأنه غير مرغوب فيه، وينتابه القلق والخوف فينسحب من الانشطة المدرسية وربما ينقطع عن الدراسة. وبالمقابل قد يُطرد المتنمر من المدرسة وبالتالي ينخرط في أعمال إجرامية ويصبح معاديًا للمجتمع كلّه.
ولعل الاهتمام بظاهرة التنمر بدأ في الدول "الاسكندنافية" في السبعينيات من القرن الماضي، عندما انتحر فيها ثلاثة مراهقين جرّاء تنمر رفقاء المدرسة عليهم، تلتها اليابان حين اكتشفت في الثمانينيات أن ثلث تلاميذ مدارسها المتوسطة تعرضوا لهذا النوع من العنف، ومن ثم أخذت دول كثيرة تهتم بهذه الظاهرة بحلول العام 2000م وتتدارسها.
وقد لخص الباحث سميث (Smith) أسباب الاهتمام بهذه الظاهرة فيما يلي:
الآثار المترتبة عليها تدفع التلاميذ للانتحار أو حتى التفكير فيه.
إدراك الأهالي للمشكلة وضغطهم على المدارس لوقفها.
خطورة ثقافة "البقاء للأقوى" على الأخلاق.
وعليه؛ يعتبر التنمر في البيئة المدرسية مشكلة تربوية واجتماعية بالغة الخطورة؛ لأن التعليم يحتاج بيئة تربوية آمنة.
موسوعية مفهوم التنمر:
بالرجوع إلى أصل المصطلح في اللغة الإنجليزية (Bullying) ومقارنة مقابلاته في العربية؛ نجد أنفسنا أمام خيارات متعددة بمضمون مشترك، منها:
التنمر أو الاستئساد:
أُطلق المصطلح من قِبل طبيبة نفسية في جدة ، وعرّفت التنمر بأنه إلحاق بعض الأطفال الضرر المعنوي أو الجسدي بأطفال آخرين.
والتنمر لغة يقصد به مشابه النمر في طبعه وشراسته، وكذلك الاستئساد مشابهة طبع الأسد.
المشاغب:
ظهر هذا المصطلح عند العاملين في الصحة النفسية: فوقية راضي 2001م، هشام الخولي 2004 تحية عبدالعال 2006 وآخرين.
والشغب لغة هو تهييج الشر وإثارة الفتن. والمشاغب أي المشاكس المثير للشغب.
الترهيب:
في هذا التعبير تأكيد على أن هذا السلوك يضم كل أشكال العنف النفسي المعقدة.
فالترهيب لغة هو التخويف والتفزيع.
البلطجة:
وقد ظهر هذا المصطلح عند العاملين في الخدمة الاجتماعية، باعتباره سلوك مضادًا لقيم المجتمع إذ تستخدم فيه القوة دون مراعاة للقانون ولا الأخلاقيات.
وأصل التعبير تركي بمعنى حامل البلطة. والبلطة هي الفأس وما في حكمها. ويقال بلطجي لمن يسترهب الناس.
تعريف التنمر:
عرّفه منير البعلبكي، في المعجم الوجيز 2001م، بأنه التشبه بالنمر. (نمِر) فلان أي غضب وساء خلقه. و(تنمّر) لفلان أي تنكر له وتوعده بالإيذاء. كما عرّف المتنمر، في قاموسه "المورد"، 2000م، بأنه "المستقوي" أو "المستأسد" على من هم أضعف منه.
ومن التعريفات أيضًا ما ذكره "فرجبي وسلي"، 1993م، من أن التنمر "ظلم أو اضطهاد متكرر جسمياً أو نفسياً ضد شخص أقل قوة".
وعرّفه "أولويس"، 1993م، بأنه "شكل من أشكال العدوان عندما يتعرض طفل أو فرد ما بشكل مستمر إلى سلوك سلبي يسبب له الألم، وقد يكون مباشرًا بالعدوان اللفظي أو البدني أو غير مباشر بنشر الشائعات لإقصائه اجتماعيّا، بشرط عدم التوازن في القوة بين المتنمر والمتنمر عليه، سواء كان الطرفان أفرادًا او مجموعات".
ومن التعاريف السابقة نستخلص النقاط المشتركة الآتية:
التنمر سلوك إرادي واعٍ مقصود ومتعمد.
التنمر سلوك متكرر وليس حادثًا عرضيّا.
التنمر عدوان نتيجة عدم توازن القوى.
الضحية لا يستطيع الدفاع عن نفسه.
يكون التنمر لفظياً أو جسمياً أو نفسياً أو اجتماعياً.
ليس للمتنمر سبب منطقي يدفعه للعدوان.
يشعر المتنمر بمتعة السيطرة على الآخرين.
انتشار التنمر:
ينتشر التنمر بين الأطفال والمراهقين، وينحسر لدى البالغين إذ يقتصر على السخرية بين طلبة الجامعات. وتشير الإحصائيات أن 30% من الطلاب ما بين السادس الابتدائي والأول الثانوي تعرضوا للتنمر من قِبل أقرانهم.
وللتنمر آثار سلبية كبيرة على الصحة النفسية لطرفيه. الضحية يعاني الخوف والانعزال المؤديان إلى الغياب من المدرسة وانخفاض التحصيل المدرسي، والمتنمر يعاني النبذ الاجتماعي المفضي إلى انحرافات سلوكية أكبر.
وتكمن المشكله في أن التنمر محاط بالكتمان. فمعظم الضحايا الذين عمرهم ما بين 10-14 سنة لا يكشفون ما يحدث معهم خوفاً من أن يتعرضوا للإيذاء أكثر أو خوفًا من ردة فعل والديهم. وقد أجرى عدد من الباحثين مسحًا لتقدير عدد مرات تعرض تلاميذ الصفوف من السادس إلى العاشر للتنمر، فخرجوا بالنتائج التالية:
12.8% تعرضوا للتنمر الجسدي في آخر شهرين.
36.5% تعرضوا للتنمر اللفظي.
41% تعرضوا للتنمر الاجتماعي.
كما بينت الدراسات أن انتشار التنمر يرتبط بعوامل عديدة تتعلق بالنوع والعمر. فالبنات أكثر عرضة للتنمر الاجتماعي، والأولاد أكثر عرضة للتنمر البدني واللفظي، والتلاميذ الصغار أكثر ضحايا للتنمر من الكبار.
وفي الدول العربية لم تحظ ظاهرة التنمر باهتمام كافٍ من قِبل الباحثين؛ لذا فالإحصائيات قليلة ومحصورة. وذلك بسبب حساسية القضية في المجتمعات العربية، ومحدودية التبليغ عنها، وعدم توفر آليات فعالة للتبليغ، وضعف الثقة في الجهات المسؤولة.
الفرق بين التنمر والصراع والعدوان:
ثمة خلط ما بين التنمر والصراع والعدوان نوضحه فيما يلي:
أولًا: التنمر والصراع:
التنمر يشترط وجود فرق في القوة بين المتنمر والضحية، وصراع الأقران ينشأ بين اثنين لهما القوة نفسها. والتنمر سلوك متعمد لإلحاق الأذى والضرر بالضحية، أما صراع الأقران فيحدث فجاة نتيجة موقف طارئ بدون نية مسبقة لإيذاء الآخر. وفي التنمر لا يتعاطف المتنمر مع ضحاياه، بينما في الصراع قد يشعر الطرفان بالندم والتعاطف مع بعضهما. المتنمر يسعى لإظهار قوته وسيطرته على الطرف الضعيف، والمصارع يسعى للدفاع عن نفسه.
ثانيًا: التنمر والعدوان:
التنمر سلوك مكتسب من البيئة وموجه نحو الإنسان ومرفوض مجتمعيّا وأخلاقيّا في كل الظروف وعبر الزمن. أما العدوان فقديم قِدم الإنسان، ومرتبط بغريزة البشر الطامحة إلى البقاء وتحصيل المنافع، وقد يكون مبررًا في بعض الظروف، وضحاياه ليسوا من البشر فحسب بل يشملون الطبيعة وبقية المخلوقات.
أشكال التنمر:
ينقسم التنمر إلى أربعة أشكال رئيسة:
التنمر النفسي أو الانفعالي: من أكثر أنواع التنمر تأثيراً على الصحة النفسية للضحية؛ لأنه مصحوب بالسخرية والازدراء.
التنمر البدني: يأخذ أشكالًا مختلفة من الإيذاء الجسدي كالدفع والضرب والبصق وتحطيم الممتلكات، وهو شائع بين الذكور وقليل بين الإناث.
التنمر الاجتماعي: يتضمن عزل التضحية عن الرفاق، ورفض صداقته ومشاركته في الأنشطة الجماعية.
التنمر اللفظي: فيه يستخدم المتنمر الكلمات السيئة والسب والتهديد لإذلال الضحية والتشهير به.
وقد وجدت الأنواع المذكورة طريقًا للانتشار عبر تقنيات الاتصال الحديثة؛ فظهر مفهوم التنمر الإلكتروني.
عوامل تسهم في حدوث التنمر:
تتعدد العوامل التي تسهم في وقوع التنمر، ومنها:
العوامل النفسية: هناك خصائص نفسية تدفع المتنمر إلى التنمر، وهناك خصائص نفسية تجعل الضحية ضحية. من تلك الخصائص درجة الثقة بالذات التي إن زادت يميل صاحبها للاستقواء. فالضحية يشعر بقلة الحيلة والنقص فينسحب ويهرب، والمتنمر يشعر بالقدرة على السيطرة فيعتدي.
العوامل الأسرية: الأساليب التربوية السلبية أو العقوبات البدنية تؤدي بالأبناء إلى سلوك التنمر للشعور بالقوة والهيمنة، تعويضًا عن الدفء الأسري الذي يفتقدونه. والحماية الزائدة أو المفرطة للأبناء تجعلهم ضحايا للتنمر.
العوامل المدرسية: تتمثل في اختلالات ثقافة المدرسة، وسوء محيطها المادي، وكثرة القدوات الطلابية السيئة، وسوء العلاقة بين المعلم والطلاب، وغياب اللجان المختصة والاختصاصيين الاجتماعيين.
عوامل تتعلق بالطفل الضحية: سلوكيات الضحية هي ما تجعله فريسه سهلة للمتنمر، عندما تظهر فيه علامات القلق والألم الاجتماعي وقلة الثقة بالنفس.
عوامل تتعلق بالطفل المتنمر: وهي أسباب تدفع الطفل للتنمر، كالشعور بالإحباط، والعجز عن التواصل مع الآخرين، والاعتقاد بأن القوة تجلب المكانة.
العوامل المؤثرة في نوعية ودرجة التنمر:
النوع (الجنس): اهتمت البحوث بدراسة الفروق المتعلقة بالجنس وعلاقتها مع التنمر، فتوصلت إلى أن الذكور أكثر تنمراً من الإناث، وأن الذكور يميلون إلى التنمر على الإناث لفظيّا، والإناث أكثر عرضة للتنمر الاجتماعي وطلبًا للمساندة الاجتماعية.
العمر: تنخفض سلوكيات التنمر كلما تقدم الطلاب في العمر، نتيجة نضج نظرتهم للأمور؛ ما يدفعهم لبناء علاقات إيجابية مع أقرانهم، عكس الذين يصغرونهم سنّا.
التحكم أو السيطرة: إدراك الطالب لمدى قدرته على التحكم والسيطرة يؤثر على كيفية تعامله مع سلوكيات التنمر. فمن يشعر بالسيطرة والتحكم يطلب المساعدة غالبًا، سواء كان معتديًا يواجه مقاومة أو معتدى عليه يواجه هجومًا، ومن يشعر بالضعف يستسلم إن كان ضحية ويهرب إن كان متنمرًا.
السلوك التنمري من وجهة نظر مدارس علم النفس:
فيما يلي أهم تفسيرات التنمر بحسب نظريات علم النفس:
نظرية التحليل النفسي (النموذج السيكودنيامى): وفيها يرى "فرويد" أن المتنمر نتاج أسرة بها نموذج عدواني يدفعه إلى تقليده.
النظرية السلوكية: أسسها "جون واطسن". ويرى أصحابها أن سلوك التنمر قابل للتكرر إذا ارتبط بالتعزيز، فإذا ضرب طفل طفلًا آخر ليحصل منه على شيء ما، سيعيد هذا السلوك ليحصل على شيء آخر، وهكذا، وإذا لم يحصل على شيء ستتلاشى هذه العدوانية ولن تتكرر. وهذا ما يعرف بسلوك الأثر عند "ثورنديك".
نظرية التعلُّم الاجتماعي: يتّبعها السلوكيين الجدد، وفيها يرون أن المتنمر يتعلم هذا السلوك من خلال الأسرة والأقران من حوله، فيقوم بتقليدهم، فإذا حاز سلوكه على التأييد والتشجيع سيكرره، وإذا عوقب من البداية أو لم يجد تقبلًا فسيمتنع عن إعادته.
نظرية الإحباط-العدوان: من أشهر علمائها "ميللر"، وتربط هذه النظرية بين الإحباط (كمثير) والعدوان (كاستجابة). أي كلما ازداد الإحباط ازداد العدوان؛ لأن الإحباط ينتج دافعاً عدوانياً لإيذاء الآخرين.
النظرية الفسيولوجية: من أصحاب هذه النظرية من يرى أن المتنمر لديه تلف في الجهاز العصبي (التلف الدماغي)، ومن يرى أنه يعاني ارتفاع هرمون التستوستيرون المحفز للسلوك العدواني. أي إن الفريقين يتفقان على أن المتنمر مختلف جسمانيّا عن غيره.
مقياس التنمر:
هناك خطوات بإمكاننا اتباعها لتصميم مقياس مناسب للتنمر، وهي:
الاطلاع على المقاييس السابقة: من مثل مقياس "تومسون" لإدراك الإغاظة ومقياس "أستن" و "جوزيف" للسلوك التنمري ومقياس "معاوية أبو غزال" للاستقواء، وغيرها من المقاييس.
صياغة البنود والعبارات: صياغة بنود المقياس ومصطلحاته.
عرض البنود على المحكمين: للحكم على مدى صلاحية وصدق عبارات المقياس في تقدير سلوكيات التنمر لدى الطفال والمراهقين.
تطبيق المقياس: بمدة لا تتجاوز 10دقائق، وبصورة جماعية على التلاميذ.
طريقة التصحيح: بوضع تدرج لبدائل خمسة يتم الاختيار منها، وكلما زاد المجموع يزيد السلوك التنمري لدى الفرد، والعكس.
مقياس التنمر للأطفال والمراهقين:
هو مقياس أعدّه المؤلف، الدكتور مجدي الدسوقي، وتم التحقق منه كما يلي:
تم تطبيق المقياس على عينة من 500 تلميذاً وتلميذة في المدارس الحكومية بمدينة شبين الكوم، وضمت ثلاث مستويات عمرية ما بين 7 و17 سنة.
تم التحقق من الصدق التلازمي للمقياس بحساب معامل الارتباط بين الدرجات التي حصل عليها أفراد العينة وبيّن درجاتهم على مقياس تقدير أعراض السلوك الفوضوي.
كما تم استخدام التحليل العاملي للتحقق من الصدق التكويني للمقياس، وقد قام الباحث بعرضها تفصيلياً في جداول خاصة.
تم التحقق من الاتساق الداخلي بطريقتين: الأولى بحساب ارتباط درجة كل بند بالدرجة الكلية، والثانية بحساب معدل الارتباط بين الدرجة الكلية للمقياس والدرجة الكلية للعامل.
خاتمة:
كما رأينا، على الرغم من حداثة النظريات والبحوث التي درست السلوك التنمري، إلا أنها قد قطعت شوطاً كبيراً في فهم هذا السلوك وتحليله ودراسة أطرافه، للمتنمر والضحية على حد سواء. ومع ذلك، ما زالت هناك حاجة لإجراء أبحاث أكثر لتقدير حجم هذه الظاهرة في مجتمعاتنا العربي ووضع المعالجات لها.
عدل سابقا من قبل health psychologist في السبت يونيو 27, 2020 1:12 am عدل 1 مرات
مقياس السلوك التنمري للأطفال والمراهقين
تأليف: د. مجدي محمد الدسوقي
الناشر: دار جوانا للنشر والتوزيع
تقديم:
التنمر ظاهرة سلوكية قديمة في المجتمعات، تمارس بدرجات متفاوتة وبأشكال مختلفة، وتظهر كلما توفرت لها الظروف المناسبة، إلا أن الاهتمام بها وبدراستها ظهر حديثاً بنظرة شاملة تعتبر كل هجوم نفسي أو لفظي أو بدني بمثابة تنمر على الضحية.
والتنمر سلوك مكتسب من البيئة، ينشأ مع الطفل منذ الصغر وترتفع ذروته في نهاية المرحلة الابتدائية، قبل أن يبدأ الهبوط تدريجياً في المرحلة الثانوية. وللتنمر آثار سلبية على الضحية خاصة وعلى بيئته عامة. ففي المجتمع المدرسي يشعر التلميذ الضحية بأنه غير مرغوب فيه، وينتابه القلق والخوف فينسحب من الانشطة المدرسية وربما ينقطع عن الدراسة. وبالمقابل قد يُطرد المتنمر من المدرسة وبالتالي ينخرط في أعمال إجرامية ويصبح معاديًا للمجتمع كلّه.
ولعل الاهتمام بظاهرة التنمر بدأ في الدول "الاسكندنافية" في السبعينيات من القرن الماضي، عندما انتحر فيها ثلاثة مراهقين جرّاء تنمر رفقاء المدرسة عليهم، تلتها اليابان حين اكتشفت في الثمانينيات أن ثلث تلاميذ مدارسها المتوسطة تعرضوا لهذا النوع من العنف، ومن ثم أخذت دول كثيرة تهتم بهذه الظاهرة بحلول العام 2000م وتتدارسها.
وقد لخص الباحث سميث (Smith) أسباب الاهتمام بهذه الظاهرة فيما يلي:
الآثار المترتبة عليها تدفع التلاميذ للانتحار أو حتى التفكير فيه.
إدراك الأهالي للمشكلة وضغطهم على المدارس لوقفها.
خطورة ثقافة "البقاء للأقوى" على الأخلاق.
وعليه؛ يعتبر التنمر في البيئة المدرسية مشكلة تربوية واجتماعية بالغة الخطورة؛ لأن التعليم يحتاج بيئة تربوية آمنة.
موسوعية مفهوم التنمر:
بالرجوع إلى أصل المصطلح في اللغة الإنجليزية (Bullying) ومقارنة مقابلاته في العربية؛ نجد أنفسنا أمام خيارات متعددة بمضمون مشترك، منها:
التنمر أو الاستئساد:
أُطلق المصطلح من قِبل طبيبة نفسية في جدة ، وعرّفت التنمر بأنه إلحاق بعض الأطفال الضرر المعنوي أو الجسدي بأطفال آخرين.
والتنمر لغة يقصد به مشابه النمر في طبعه وشراسته، وكذلك الاستئساد مشابهة طبع الأسد.
المشاغب:
ظهر هذا المصطلح عند العاملين في الصحة النفسية: فوقية راضي 2001م، هشام الخولي 2004 تحية عبدالعال 2006 وآخرين.
والشغب لغة هو تهييج الشر وإثارة الفتن. والمشاغب أي المشاكس المثير للشغب.
الترهيب:
في هذا التعبير تأكيد على أن هذا السلوك يضم كل أشكال العنف النفسي المعقدة.
فالترهيب لغة هو التخويف والتفزيع.
البلطجة:
وقد ظهر هذا المصطلح عند العاملين في الخدمة الاجتماعية، باعتباره سلوك مضادًا لقيم المجتمع إذ تستخدم فيه القوة دون مراعاة للقانون ولا الأخلاقيات.
وأصل التعبير تركي بمعنى حامل البلطة. والبلطة هي الفأس وما في حكمها. ويقال بلطجي لمن يسترهب الناس.
تعريف التنمر:
عرّفه منير البعلبكي، في المعجم الوجيز 2001م، بأنه التشبه بالنمر. (نمِر) فلان أي غضب وساء خلقه. و(تنمّر) لفلان أي تنكر له وتوعده بالإيذاء. كما عرّف المتنمر، في قاموسه "المورد"، 2000م، بأنه "المستقوي" أو "المستأسد" على من هم أضعف منه.
ومن التعريفات أيضًا ما ذكره "فرجبي وسلي"، 1993م، من أن التنمر "ظلم أو اضطهاد متكرر جسمياً أو نفسياً ضد شخص أقل قوة".
وعرّفه "أولويس"، 1993م، بأنه "شكل من أشكال العدوان عندما يتعرض طفل أو فرد ما بشكل مستمر إلى سلوك سلبي يسبب له الألم، وقد يكون مباشرًا بالعدوان اللفظي أو البدني أو غير مباشر بنشر الشائعات لإقصائه اجتماعيّا، بشرط عدم التوازن في القوة بين المتنمر والمتنمر عليه، سواء كان الطرفان أفرادًا او مجموعات".
ومن التعاريف السابقة نستخلص النقاط المشتركة الآتية:
التنمر سلوك إرادي واعٍ مقصود ومتعمد.
التنمر سلوك متكرر وليس حادثًا عرضيّا.
التنمر عدوان نتيجة عدم توازن القوى.
الضحية لا يستطيع الدفاع عن نفسه.
يكون التنمر لفظياً أو جسمياً أو نفسياً أو اجتماعياً.
ليس للمتنمر سبب منطقي يدفعه للعدوان.
يشعر المتنمر بمتعة السيطرة على الآخرين.
انتشار التنمر:
ينتشر التنمر بين الأطفال والمراهقين، وينحسر لدى البالغين إذ يقتصر على السخرية بين طلبة الجامعات. وتشير الإحصائيات أن 30% من الطلاب ما بين السادس الابتدائي والأول الثانوي تعرضوا للتنمر من قِبل أقرانهم.
وللتنمر آثار سلبية كبيرة على الصحة النفسية لطرفيه. الضحية يعاني الخوف والانعزال المؤديان إلى الغياب من المدرسة وانخفاض التحصيل المدرسي، والمتنمر يعاني النبذ الاجتماعي المفضي إلى انحرافات سلوكية أكبر.
وتكمن المشكله في أن التنمر محاط بالكتمان. فمعظم الضحايا الذين عمرهم ما بين 10-14 سنة لا يكشفون ما يحدث معهم خوفاً من أن يتعرضوا للإيذاء أكثر أو خوفًا من ردة فعل والديهم. وقد أجرى عدد من الباحثين مسحًا لتقدير عدد مرات تعرض تلاميذ الصفوف من السادس إلى العاشر للتنمر، فخرجوا بالنتائج التالية:
12.8% تعرضوا للتنمر الجسدي في آخر شهرين.
36.5% تعرضوا للتنمر اللفظي.
41% تعرضوا للتنمر الاجتماعي.
كما بينت الدراسات أن انتشار التنمر يرتبط بعوامل عديدة تتعلق بالنوع والعمر. فالبنات أكثر عرضة للتنمر الاجتماعي، والأولاد أكثر عرضة للتنمر البدني واللفظي، والتلاميذ الصغار أكثر ضحايا للتنمر من الكبار.
وفي الدول العربية لم تحظ ظاهرة التنمر باهتمام كافٍ من قِبل الباحثين؛ لذا فالإحصائيات قليلة ومحصورة. وذلك بسبب حساسية القضية في المجتمعات العربية، ومحدودية التبليغ عنها، وعدم توفر آليات فعالة للتبليغ، وضعف الثقة في الجهات المسؤولة.
الفرق بين التنمر والصراع والعدوان:
ثمة خلط ما بين التنمر والصراع والعدوان نوضحه فيما يلي:
أولًا: التنمر والصراع:
التنمر يشترط وجود فرق في القوة بين المتنمر والضحية، وصراع الأقران ينشأ بين اثنين لهما القوة نفسها. والتنمر سلوك متعمد لإلحاق الأذى والضرر بالضحية، أما صراع الأقران فيحدث فجاة نتيجة موقف طارئ بدون نية مسبقة لإيذاء الآخر. وفي التنمر لا يتعاطف المتنمر مع ضحاياه، بينما في الصراع قد يشعر الطرفان بالندم والتعاطف مع بعضهما. المتنمر يسعى لإظهار قوته وسيطرته على الطرف الضعيف، والمصارع يسعى للدفاع عن نفسه.
ثانيًا: التنمر والعدوان:
التنمر سلوك مكتسب من البيئة وموجه نحو الإنسان ومرفوض مجتمعيّا وأخلاقيّا في كل الظروف وعبر الزمن. أما العدوان فقديم قِدم الإنسان، ومرتبط بغريزة البشر الطامحة إلى البقاء وتحصيل المنافع، وقد يكون مبررًا في بعض الظروف، وضحاياه ليسوا من البشر فحسب بل يشملون الطبيعة وبقية المخلوقات.
أشكال التنمر:
ينقسم التنمر إلى أربعة أشكال رئيسة:
التنمر النفسي أو الانفعالي: من أكثر أنواع التنمر تأثيراً على الصحة النفسية للضحية؛ لأنه مصحوب بالسخرية والازدراء.
التنمر البدني: يأخذ أشكالًا مختلفة من الإيذاء الجسدي كالدفع والضرب والبصق وتحطيم الممتلكات، وهو شائع بين الذكور وقليل بين الإناث.
التنمر الاجتماعي: يتضمن عزل التضحية عن الرفاق، ورفض صداقته ومشاركته في الأنشطة الجماعية.
التنمر اللفظي: فيه يستخدم المتنمر الكلمات السيئة والسب والتهديد لإذلال الضحية والتشهير به.
وقد وجدت الأنواع المذكورة طريقًا للانتشار عبر تقنيات الاتصال الحديثة؛ فظهر مفهوم التنمر الإلكتروني.
عوامل تسهم في حدوث التنمر:
تتعدد العوامل التي تسهم في وقوع التنمر، ومنها:
العوامل النفسية: هناك خصائص نفسية تدفع المتنمر إلى التنمر، وهناك خصائص نفسية تجعل الضحية ضحية. من تلك الخصائص درجة الثقة بالذات التي إن زادت يميل صاحبها للاستقواء. فالضحية يشعر بقلة الحيلة والنقص فينسحب ويهرب، والمتنمر يشعر بالقدرة على السيطرة فيعتدي.
العوامل الأسرية: الأساليب التربوية السلبية أو العقوبات البدنية تؤدي بالأبناء إلى سلوك التنمر للشعور بالقوة والهيمنة، تعويضًا عن الدفء الأسري الذي يفتقدونه. والحماية الزائدة أو المفرطة للأبناء تجعلهم ضحايا للتنمر.
العوامل المدرسية: تتمثل في اختلالات ثقافة المدرسة، وسوء محيطها المادي، وكثرة القدوات الطلابية السيئة، وسوء العلاقة بين المعلم والطلاب، وغياب اللجان المختصة والاختصاصيين الاجتماعيين.
عوامل تتعلق بالطفل الضحية: سلوكيات الضحية هي ما تجعله فريسه سهلة للمتنمر، عندما تظهر فيه علامات القلق والألم الاجتماعي وقلة الثقة بالنفس.
عوامل تتعلق بالطفل المتنمر: وهي أسباب تدفع الطفل للتنمر، كالشعور بالإحباط، والعجز عن التواصل مع الآخرين، والاعتقاد بأن القوة تجلب المكانة.
العوامل المؤثرة في نوعية ودرجة التنمر:
النوع (الجنس): اهتمت البحوث بدراسة الفروق المتعلقة بالجنس وعلاقتها مع التنمر، فتوصلت إلى أن الذكور أكثر تنمراً من الإناث، وأن الذكور يميلون إلى التنمر على الإناث لفظيّا، والإناث أكثر عرضة للتنمر الاجتماعي وطلبًا للمساندة الاجتماعية.
العمر: تنخفض سلوكيات التنمر كلما تقدم الطلاب في العمر، نتيجة نضج نظرتهم للأمور؛ ما يدفعهم لبناء علاقات إيجابية مع أقرانهم، عكس الذين يصغرونهم سنّا.
التحكم أو السيطرة: إدراك الطالب لمدى قدرته على التحكم والسيطرة يؤثر على كيفية تعامله مع سلوكيات التنمر. فمن يشعر بالسيطرة والتحكم يطلب المساعدة غالبًا، سواء كان معتديًا يواجه مقاومة أو معتدى عليه يواجه هجومًا، ومن يشعر بالضعف يستسلم إن كان ضحية ويهرب إن كان متنمرًا.
السلوك التنمري من وجهة نظر مدارس علم النفس:
فيما يلي أهم تفسيرات التنمر بحسب نظريات علم النفس:
نظرية التحليل النفسي (النموذج السيكودنيامى): وفيها يرى "فرويد" أن المتنمر نتاج أسرة بها نموذج عدواني يدفعه إلى تقليده.
النظرية السلوكية: أسسها "جون واطسن". ويرى أصحابها أن سلوك التنمر قابل للتكرر إذا ارتبط بالتعزيز، فإذا ضرب طفل طفلًا آخر ليحصل منه على شيء ما، سيعيد هذا السلوك ليحصل على شيء آخر، وهكذا، وإذا لم يحصل على شيء ستتلاشى هذه العدوانية ولن تتكرر. وهذا ما يعرف بسلوك الأثر عند "ثورنديك".
نظرية التعلُّم الاجتماعي: يتّبعها السلوكيين الجدد، وفيها يرون أن المتنمر يتعلم هذا السلوك من خلال الأسرة والأقران من حوله، فيقوم بتقليدهم، فإذا حاز سلوكه على التأييد والتشجيع سيكرره، وإذا عوقب من البداية أو لم يجد تقبلًا فسيمتنع عن إعادته.
نظرية الإحباط-العدوان: من أشهر علمائها "ميللر"، وتربط هذه النظرية بين الإحباط (كمثير) والعدوان (كاستجابة). أي كلما ازداد الإحباط ازداد العدوان؛ لأن الإحباط ينتج دافعاً عدوانياً لإيذاء الآخرين.
النظرية الفسيولوجية: من أصحاب هذه النظرية من يرى أن المتنمر لديه تلف في الجهاز العصبي (التلف الدماغي)، ومن يرى أنه يعاني ارتفاع هرمون التستوستيرون المحفز للسلوك العدواني. أي إن الفريقين يتفقان على أن المتنمر مختلف جسمانيّا عن غيره.
مقياس التنمر:
هناك خطوات بإمكاننا اتباعها لتصميم مقياس مناسب للتنمر، وهي:
الاطلاع على المقاييس السابقة: من مثل مقياس "تومسون" لإدراك الإغاظة ومقياس "أستن" و "جوزيف" للسلوك التنمري ومقياس "معاوية أبو غزال" للاستقواء، وغيرها من المقاييس.
صياغة البنود والعبارات: صياغة بنود المقياس ومصطلحاته.
عرض البنود على المحكمين: للحكم على مدى صلاحية وصدق عبارات المقياس في تقدير سلوكيات التنمر لدى الطفال والمراهقين.
تطبيق المقياس: بمدة لا تتجاوز 10دقائق، وبصورة جماعية على التلاميذ.
طريقة التصحيح: بوضع تدرج لبدائل خمسة يتم الاختيار منها، وكلما زاد المجموع يزيد السلوك التنمري لدى الفرد، والعكس.
مقياس التنمر للأطفال والمراهقين:
هو مقياس أعدّه المؤلف، الدكتور مجدي الدسوقي، وتم التحقق منه كما يلي:
تم تطبيق المقياس على عينة من 500 تلميذاً وتلميذة في المدارس الحكومية بمدينة شبين الكوم، وضمت ثلاث مستويات عمرية ما بين 7 و17 سنة.
تم التحقق من الصدق التلازمي للمقياس بحساب معامل الارتباط بين الدرجات التي حصل عليها أفراد العينة وبيّن درجاتهم على مقياس تقدير أعراض السلوك الفوضوي.
كما تم استخدام التحليل العاملي للتحقق من الصدق التكويني للمقياس، وقد قام الباحث بعرضها تفصيلياً في جداول خاصة.
تم التحقق من الاتساق الداخلي بطريقتين: الأولى بحساب ارتباط درجة كل بند بالدرجة الكلية، والثانية بحساب معدل الارتباط بين الدرجة الكلية للمقياس والدرجة الكلية للعامل.
خاتمة:
كما رأينا، على الرغم من حداثة النظريات والبحوث التي درست السلوك التنمري، إلا أنها قد قطعت شوطاً كبيراً في فهم هذا السلوك وتحليله ودراسة أطرافه، للمتنمر والضحية على حد سواء. ومع ذلك، ما زالت هناك حاجة لإجراء أبحاث أكثر لتقدير حجم هذه الظاهرة في مجتمعاتنا العربي ووضع المعالجات لها.
عدل سابقا من قبل health psychologist في السبت يونيو 27, 2020 1:12 am عدل 1 مرات