طلق على النظرية السلوكية اسم "نظرية المثير والاستجابة" وتعرف كذلك باسم "نظرية التعلم".
والاهتمام الرئيسي للنظرية السلوكية هو السلوك: كيف يتعلم وكيف يتغير. وهذا في نفس الوقت اهتمام رئيسي في عملية الإرشاد التي تتضمن عملية تعلم ومحو تعلم وإعادة تعلم، والتعلم هو محور نظريات التعلم التي تدور حولها النظرية السلوكية.
مفاهيم النظرية السلوكية:
ترتكز النظرية السلوكية وتقوم على مفاهيم ومسلمات ومبادئ وقوانين تتعلق بالسلوك وبعملية التعلم وحل المشكلات، استخصلت من دراسات بحوث تجريبية معملية قام بها رواد وأصحاب هذه النظرية، وفيما يلي أهم المفاهيم وأبرز الرواد.
معظم سلوك الإنسان متعلم: من المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها النظرية السلوكية أن معظم سلوك الإنسان متعلم، وأن الفرد يتعلم السلوك السوي، ويتعلم السلوك غير السوي، أي
أنه يتعلم السلوك المتوافق والسلوك غير المتوافق، ويتضمن ذلك أن السلوك المتعلم يمكن تعديله.
المثير والاستجابة Stimulus and Response: تقول النظرية: إن كل سلوك "استجابة" له مثير. وإذا كانت العلاقة بين المثير والاسجابة سليمة كان السلوك سويا والأمر على ما يرام، أما إذا كانت العلاقة بينهما مضطربة كان السلوك غير سوي والأمر يحتاج إلى دراسة ومساعدة. ونضرب مثلا في مجال المدرسة. هب أن معلما سأل تلميذا: "ما الجذر التربيعي للعدد 25؟ ". إذا أجاب التلميذ: "5"؛ فإن الاستجابة صحيحة وتعني أن الأمر على ما يرام، أما إذا أجاب "7" مثلا فالاستجابة خاطئة وتحتاج إلى بحث سبب ومصدر الخطأ، والعملية هنا عملية "هندسية بشرية". فالمعلم يبدأ في عمل مجسات سلوكية ليبحث عن سبب ومصدر الخطأ، فربما يكون الخطأ عند مصدر المثير، قد يكون هناك مؤثر خارجي كصوت سيارة غلب على صوت المعلم، وقد يكون العيب في المستقبل في أذن التلميذ فلا يسمع صوت المعلم جيدا، وقد يكون هناك نقص معرفي في معلومات التلميذ الحسابية كالجهل أو النسيان، وقد يكون هناك عيب اجتماعي فالتلميذ يرتبك عند التعبير أمام زملائه، وقد يكون العيب انفعاليا فالتلميذ يخجل أو يخاف إذا تحدث في الفصل، وهكذا يبحث المعلم كل الاحتمالات إلى أن يضع يده على سبب مصدر الخطأ حتى يساعد في تصحيحه. وهكذا ففي الإرشاد التربوي، وبالمثل في غيره من مجالات الإرشاد النفسي، لا بد من دراسة المثير والاستجابة وما بينهما من عوامل الشخصية جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا.
الشخصية: والشخصية حسب النظرية السلوكية هي التنظيمات أو الأساليب السلوكية المتعلمة الثابتة نسبيا التي تميز الفرد عن غيره من الأشخاص.
الدافع: ترتكز نظرية التعلم على الدافع Motive والدافعية Motivation في عملية التعلم. فلا تعلم دون دافع، والدافع طاقة قوية بدرجة كافية تدفع الفرد وتحركه إلى السلوك، والدافع إما أولي "موروث فسيولوجي مثل الجنس" أو ثانوي "متعلم مثل الخوف". وعن طريق التعلم يكتسب الفرد دوافع ثانوية تقوم على الدوافع الفسيولوجية الأولية. وهذه تسمى الحاجات Needs ولها صفة الدافعية وتحدد السلوك، ووظيفة الدافع في عملية التعلم ثلاثية الأبعاد: فهو يحرر الطاقة الأخرى، وهو يوجه السلوك وجهة معينة ليشبع حاجة معينة عند الفرد "أحمد زكي صالح، 1972".
التعزيز Reinforcement: التعزيز هو التقوية والتثبيت بالإثابة، والسلوك يتعلم ويقوى ويدعم ويثبت إذا تم تعزيزه، والتعزيز قد يكون إثابة أولية مثل إشباع دافع فسيولوجي أو لتكرار السلوك المعزز، ويرتبط مفهوم التعزيز في التعلم باسم كلارك هل Hull. ويرتبط التعزيز أيضا بالأثر الطيب، وقد وضع ثورنديك Thorndike قانون الأثر كقانون رئيسي مسئول عن علمية التعلم، ومؤداه أن الاستجابات التي لها أثر طيب تميل إلى البقاء، ويرتبط التعزيز بالاقتران الشرطي بين مثير حين يتكرر يؤدي إلى ظهور استجابة معينة. وقد أسهم إيفان بافلوف Pavlor إسهاما واضحا حين بين أهمية الاقتران الشرطي. كذلك فإن قانون التعليم الرئيسي عند جون واطسون Watson -الذي يعتبر أبا علم النفس السلوكي- هو قانون التكرار، هذا وقد ركز بورس سكينر Skinner على قيمة التعزيز وقال: إن تعلم أي سلوك يجب يقسم إلى خطوات صغيرة متتابعة وتعزز كل خطوة تتم بنجاح، وكل خطوة يجب أن يتم تعلمها بدرجة صحيحة وتعزز قبل الانتقال إلى الخطوة التالية، وبطبيعة الحال يجب أن ترتب الخطوات الواحدة تلو الأخرى بحيث تؤدي السابقة إلى اللاحقة وتعتبر إعداد لها. ويؤكد سكينر أنه من الأفضل والأكثر فعالية تعزيز التعلم الصحيح بإثابته أكثر من العقاب على التعلم غير صحيح، ويلاحظ أن النموذج الذي قدمه سكينر طبق في التعلم المبرمج وآلات التدريس وفي الإرشاد والعلاج السلوكي خاصة في المخاوف والسلوك القهري، وقد حدد سكينر أهمية مبدأ الإشراط والتعزيز في عملية الإرشاد النفسي بأنه عند تعزيز استجابة صحيحة لدى عميل "متعلم" فإنه يميل إلى تكرارها والقيام باستجابات مماثلة في المستقبل، وبتجنب العقاب والإصغاء والتقبل يعزز المرشد محاولات العميل وهو يتكلم عن سلوكه المضطرب في جو خال من التهديد.
الانطفاء Extimction: وهو ضعف وتضاؤل وخمود واختفاء السلوك المتعلم إذا لم يمارس ويعزز أو إذا ارتبط شرطيا بالعقاب بدل الثواب، ويلاحظ أن العقاب يكف السلوك لأن الفرد يحاول دائما أن يتجنبه، ويلاحظ أيضا أن الاستجابات التي لها أثر محبط تميل إلى الانطفاء.
العادة Habit: وهي رابطة تكاد تكون وثيقة بين مثير واستجابة، والعادات معظمها مكتسب وليس التعلم وتكرار الممارسة ووجود رابطة قوية بين مثير واستجابة، والعادات معظمها مكتسب وليس موروثا، ونحن نعرف أن كل ما هو متعلم له أساس من الاستعداد الوراثين والتعلم هو الذي يظهر هذا الاستعداد فمثلا الإنسان يولد ولديه استعداد موروث للكلام، فإذا تعلم الكلام تكلم
لأنه عنده الاستعداد الموروث، وإذا لم يتعلم لن يتكلم رغم أن عنده الاستعداد للكلام، أما الحيوان الذي ليس لديه استعداد موروث لأن يتكلم فلا يمكن تعليمه الكلام.
التعميم Generalization إذا تعلم الفرد استجابة، وتكرر الموقف فإن الفرد ينزع إلى تعميم الاستجابة المتعلمة على استجابات أخرى تشابه الاستجابة المتعلمة، وإذا مر الفرد بخبرات في مواقف محدودة فإنه يميل إلى تعميم حكم يطبقه على المواقف الأخرى بصفة عامة.
التعلم ومحو التعلم وإعادة التعلم: التعلم Learning هو تغير السلوك نتيجة للخبرة والممارسة، ومحو التعلم Delearning يتم عن طريق الانطفاء. وإعادة التعلم Relearning تحدث بعد الانطفاء بتعلم سلوك جديد، وهذه السلسلة من عمليات التعلم تحدث في التربية والإرشاد والعلاج النفسي وحتى في عملية غسيل المخ Brain Washing أي محاولة محو ما تعمله الفرد ثم إعادة تعليمه من جديد.
طبيقات النظرية السلوكية في الإرشاد النفسي:
تفسر النظرية السلوكية المشكلات السلوكية: بأنها أنماط من الاستجابات الخاطئة أو غير السوية المتعلمة بارتباطها بمثيرات منفرة، ويحتفظ بها الفرد لفاعليتها في تجنب مواقف أو خبرات غير مرغوبة "أوزيبو ووالش Osipow & Walsh؛ 1970".
ويركز الإرشاد النفسي على ما يأتي:
- تعزيز السلوك السوي المتوافق.
- مساعدة العميل في تعلم سلوك جديد مرغوب والتخلص من سلوك غير مرغوب، ومساعدته في تعلم أن الظروف الأصلية قد تغيرت أو يمكن تغييرها بحيث تصبح الاستجابات غير المرغوبة غير ضرورية لتجنب المواقف غير السارة التي سبق أن ارتبطت بها. فمثلا يمكن تخليص العميل من أفكار وسواسية أو سلوك قهري كان يقوم به لتجنب أفكار مثيرة للشعور بالذنب.
- تغيير السلوك غير السوي أو غير المتوافق وذلك بتحديد السلوك المراد تغييره والظروف والشروط التي يظهر فيها والعوامل التي تكتنفه وتخطيط مواقف يتم فيها تعلم ومحو تعلم لتحقيق التغير المنشود، ويتضمن ذلك إعادة تنظيم ظروف البيئة بما يؤدي إلى تكوين ارتباطات شرطية جديدة فيما يتعلق بمشكلات العميل وأغراضه، وهذا يتطلب فصل المشكلة وتخطيط مواقف تعلم تؤدي إلى إزالة الأغراض وتعديل السلوك وحل المشكلة "جودشتين Good stein؛ 1965".
- الحيلولة بين العميل وبين تعميم قلقه على مثيرات جديدة.
- ضرب المثل الطيب والقدوة الحسنة سلوكيا أمام العميل عله يتعلم أنماطا مفيدة من السلوك عن طريق محاكاة المرشد خلال الجلسات الإرشادية المتكررة "جين وارترز Warters؛ 1964".
ومن أبرز من أسهم في تطبيق النظرية السلوكية في مجال الإرشاد والعلاج النفسي جون دولارد ونيل ميلر Dollard & Miller؛ "1950"، فهما اللذان زاوجا بين النظرية والتطبيق العلمي، وهما يقبلان استخدام مفاهيم وأساليب التحليل النفسي مثل مفهوم الصراع والعمليات اللاشعورية ولكنهما يصوغانها في مصطلحات نظرية التعلم الشرطي. وهما يعتبران السلوك العصابي سلوكا ناتجا عن صراع انفعالي عنيف مثل الذي يحدث عندما يدفع الخوف الفرد إلى تجنب استجابة تتعارض مع استجابة هادفة، وعندما تتوقف الاستجابة الهادفة بسبب الخوف يقل الخوف، ومن ثم يعزز السلوك التجنبي، ولكن التوتر الذي يسبق الدافع لا ينخفض، ويحاول الفرد مرة ثانية سلوكا يقربه من الهدف، وهذا يثير الخوف مرة أخرى ويسبب إيقاف الاستجابة نحو الهدف مرة أخرى. ولما كان إيقاف الاستجابة يقلل الشعور القوي بالخوف فإن الحافز نحو الهدف يكبت. وعلى الرغم من أن الحافز للسلوك قد يكتب بهذه الطريقة، فإن الدوافع غير المشبعة تبقى قوية، ويظل الفرد مشغولا مضطربا بسبب الأفكار التي تصحب ذلك. ويؤدي الخوف والدوافع غير المشبعة لدى الفرد إلى ظهور أعراض عصابية في شكل خوف ووسواس وقهر وما شابه ذلك كوسيلة للتخلص من الخوف وإشباع الدافع مؤقتا "ولو بطريقة مرضية". وبمرور الوقت فإن الأعراض تعزز، وحيث أن الكبت يعفي الفرد من التعبير عن مشاعره فإنه لا يستطيع أن يحدد أو يتعرف على أسباب الأعراض العصابية في سلوكه، وحتى لا يحدث تعزيز الخوف، ولكي ينطفئ بدلا من ذلك، فإن الإرشاد أو العلاج النفسي يجب أن يهيئ مناخا نفسيا صحيا بدلا من المناخ السيئ الذي كان في الخوف والخجل والشعور بالإثم مرتبطا بكلمات معينة ثم عمم منها. ويعزز المرشد استجابة العميل عندما يتكلم وهو قلق بتمام إصغائه وتقلبه وفهمه ومشاركته الوجدانية وإتاحة الحرية ومساعدة العميل على استعادة ذكرياته والتخلص من قلقه وخوفه، وانطفاء الخوف يساعد على أن يصبح أكثر نشاطا وابتكارا وأن يعي ويستخدم قدراته في تعامله مع العالم المحيط به.
نقد النظرية السلوكية:
رغم أن النظرية السلوكية تعتبر نظرية تجريبية موضوعية وظيفية في تفسير السلوك يوجه إليها بعض الانتقادات أهمها:
- يصر أصحاب النظرية السلوكية على أن السلوك الملاحظ الظاهري الموضوعي فقط هو الذي يوضع في الاعتبار من الناحية العلمية.
- تتغاضى النظرية السلوكية عن النظر للفرد ككل وتهمل العناصر الذاتية في السلوك.
- المفاهيم الأساسية للنظرية السلوكية لا تتفق كثيرا مع المفاهيم النظرية والتكوينات الفرضية التي توجد في النظريات الأخرى مثل نظرية التحليل النفسي "كما سيأتي ذلك بعد قليل".
- يتحمس الكثيرون للنظرية السلوكية ويعتبرون أن الإرشاد والعلاج السلوكي في ضوء نظرية التعلم هو الإرشاد والعلاج العلمي الذي يفضل كل ما عداه من الطرق ويطلقون عليه "علاج التعلم" Learnign Therapy وكأن غيره من طرق العلاج لا تتضمن تعلما.
- يقول البعض: إن من أكبر عيوب النظرية السلوكية أن معظم دلائلها العلمية والتجريبية الأصلية مبنية على البحوث على الحيوان أكثر منها على الإنسان.
- يركز الإرشاد السلوكي الذي يقوم على أساس النظرية السلوكية على إزالة الأعراض في حد ذاتها بدلا من الحل الجذري للسلوك المشكل عن طريق التعرف على أسبابه الدينامية وإزالتها، وبذلك قد يكون وقتيا وعابرًا "نوردبيرج Nordberg؛ 1970".
والاهتمام الرئيسي للنظرية السلوكية هو السلوك: كيف يتعلم وكيف يتغير. وهذا في نفس الوقت اهتمام رئيسي في عملية الإرشاد التي تتضمن عملية تعلم ومحو تعلم وإعادة تعلم، والتعلم هو محور نظريات التعلم التي تدور حولها النظرية السلوكية.
مفاهيم النظرية السلوكية:
ترتكز النظرية السلوكية وتقوم على مفاهيم ومسلمات ومبادئ وقوانين تتعلق بالسلوك وبعملية التعلم وحل المشكلات، استخصلت من دراسات بحوث تجريبية معملية قام بها رواد وأصحاب هذه النظرية، وفيما يلي أهم المفاهيم وأبرز الرواد.
معظم سلوك الإنسان متعلم: من المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها النظرية السلوكية أن معظم سلوك الإنسان متعلم، وأن الفرد يتعلم السلوك السوي، ويتعلم السلوك غير السوي، أي
أنه يتعلم السلوك المتوافق والسلوك غير المتوافق، ويتضمن ذلك أن السلوك المتعلم يمكن تعديله.
المثير والاستجابة Stimulus and Response: تقول النظرية: إن كل سلوك "استجابة" له مثير. وإذا كانت العلاقة بين المثير والاسجابة سليمة كان السلوك سويا والأمر على ما يرام، أما إذا كانت العلاقة بينهما مضطربة كان السلوك غير سوي والأمر يحتاج إلى دراسة ومساعدة. ونضرب مثلا في مجال المدرسة. هب أن معلما سأل تلميذا: "ما الجذر التربيعي للعدد 25؟ ". إذا أجاب التلميذ: "5"؛ فإن الاستجابة صحيحة وتعني أن الأمر على ما يرام، أما إذا أجاب "7" مثلا فالاستجابة خاطئة وتحتاج إلى بحث سبب ومصدر الخطأ، والعملية هنا عملية "هندسية بشرية". فالمعلم يبدأ في عمل مجسات سلوكية ليبحث عن سبب ومصدر الخطأ، فربما يكون الخطأ عند مصدر المثير، قد يكون هناك مؤثر خارجي كصوت سيارة غلب على صوت المعلم، وقد يكون العيب في المستقبل في أذن التلميذ فلا يسمع صوت المعلم جيدا، وقد يكون هناك نقص معرفي في معلومات التلميذ الحسابية كالجهل أو النسيان، وقد يكون هناك عيب اجتماعي فالتلميذ يرتبك عند التعبير أمام زملائه، وقد يكون العيب انفعاليا فالتلميذ يخجل أو يخاف إذا تحدث في الفصل، وهكذا يبحث المعلم كل الاحتمالات إلى أن يضع يده على سبب مصدر الخطأ حتى يساعد في تصحيحه. وهكذا ففي الإرشاد التربوي، وبالمثل في غيره من مجالات الإرشاد النفسي، لا بد من دراسة المثير والاستجابة وما بينهما من عوامل الشخصية جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا.
الشخصية: والشخصية حسب النظرية السلوكية هي التنظيمات أو الأساليب السلوكية المتعلمة الثابتة نسبيا التي تميز الفرد عن غيره من الأشخاص.
الدافع: ترتكز نظرية التعلم على الدافع Motive والدافعية Motivation في عملية التعلم. فلا تعلم دون دافع، والدافع طاقة قوية بدرجة كافية تدفع الفرد وتحركه إلى السلوك، والدافع إما أولي "موروث فسيولوجي مثل الجنس" أو ثانوي "متعلم مثل الخوف". وعن طريق التعلم يكتسب الفرد دوافع ثانوية تقوم على الدوافع الفسيولوجية الأولية. وهذه تسمى الحاجات Needs ولها صفة الدافعية وتحدد السلوك، ووظيفة الدافع في عملية التعلم ثلاثية الأبعاد: فهو يحرر الطاقة الأخرى، وهو يوجه السلوك وجهة معينة ليشبع حاجة معينة عند الفرد "أحمد زكي صالح، 1972".
التعزيز Reinforcement: التعزيز هو التقوية والتثبيت بالإثابة، والسلوك يتعلم ويقوى ويدعم ويثبت إذا تم تعزيزه، والتعزيز قد يكون إثابة أولية مثل إشباع دافع فسيولوجي أو لتكرار السلوك المعزز، ويرتبط مفهوم التعزيز في التعلم باسم كلارك هل Hull. ويرتبط التعزيز أيضا بالأثر الطيب، وقد وضع ثورنديك Thorndike قانون الأثر كقانون رئيسي مسئول عن علمية التعلم، ومؤداه أن الاستجابات التي لها أثر طيب تميل إلى البقاء، ويرتبط التعزيز بالاقتران الشرطي بين مثير حين يتكرر يؤدي إلى ظهور استجابة معينة. وقد أسهم إيفان بافلوف Pavlor إسهاما واضحا حين بين أهمية الاقتران الشرطي. كذلك فإن قانون التعليم الرئيسي عند جون واطسون Watson -الذي يعتبر أبا علم النفس السلوكي- هو قانون التكرار، هذا وقد ركز بورس سكينر Skinner على قيمة التعزيز وقال: إن تعلم أي سلوك يجب يقسم إلى خطوات صغيرة متتابعة وتعزز كل خطوة تتم بنجاح، وكل خطوة يجب أن يتم تعلمها بدرجة صحيحة وتعزز قبل الانتقال إلى الخطوة التالية، وبطبيعة الحال يجب أن ترتب الخطوات الواحدة تلو الأخرى بحيث تؤدي السابقة إلى اللاحقة وتعتبر إعداد لها. ويؤكد سكينر أنه من الأفضل والأكثر فعالية تعزيز التعلم الصحيح بإثابته أكثر من العقاب على التعلم غير صحيح، ويلاحظ أن النموذج الذي قدمه سكينر طبق في التعلم المبرمج وآلات التدريس وفي الإرشاد والعلاج السلوكي خاصة في المخاوف والسلوك القهري، وقد حدد سكينر أهمية مبدأ الإشراط والتعزيز في عملية الإرشاد النفسي بأنه عند تعزيز استجابة صحيحة لدى عميل "متعلم" فإنه يميل إلى تكرارها والقيام باستجابات مماثلة في المستقبل، وبتجنب العقاب والإصغاء والتقبل يعزز المرشد محاولات العميل وهو يتكلم عن سلوكه المضطرب في جو خال من التهديد.
الانطفاء Extimction: وهو ضعف وتضاؤل وخمود واختفاء السلوك المتعلم إذا لم يمارس ويعزز أو إذا ارتبط شرطيا بالعقاب بدل الثواب، ويلاحظ أن العقاب يكف السلوك لأن الفرد يحاول دائما أن يتجنبه، ويلاحظ أيضا أن الاستجابات التي لها أثر محبط تميل إلى الانطفاء.
العادة Habit: وهي رابطة تكاد تكون وثيقة بين مثير واستجابة، والعادات معظمها مكتسب وليس التعلم وتكرار الممارسة ووجود رابطة قوية بين مثير واستجابة، والعادات معظمها مكتسب وليس موروثا، ونحن نعرف أن كل ما هو متعلم له أساس من الاستعداد الوراثين والتعلم هو الذي يظهر هذا الاستعداد فمثلا الإنسان يولد ولديه استعداد موروث للكلام، فإذا تعلم الكلام تكلم
لأنه عنده الاستعداد الموروث، وإذا لم يتعلم لن يتكلم رغم أن عنده الاستعداد للكلام، أما الحيوان الذي ليس لديه استعداد موروث لأن يتكلم فلا يمكن تعليمه الكلام.
التعميم Generalization إذا تعلم الفرد استجابة، وتكرر الموقف فإن الفرد ينزع إلى تعميم الاستجابة المتعلمة على استجابات أخرى تشابه الاستجابة المتعلمة، وإذا مر الفرد بخبرات في مواقف محدودة فإنه يميل إلى تعميم حكم يطبقه على المواقف الأخرى بصفة عامة.
التعلم ومحو التعلم وإعادة التعلم: التعلم Learning هو تغير السلوك نتيجة للخبرة والممارسة، ومحو التعلم Delearning يتم عن طريق الانطفاء. وإعادة التعلم Relearning تحدث بعد الانطفاء بتعلم سلوك جديد، وهذه السلسلة من عمليات التعلم تحدث في التربية والإرشاد والعلاج النفسي وحتى في عملية غسيل المخ Brain Washing أي محاولة محو ما تعمله الفرد ثم إعادة تعليمه من جديد.
طبيقات النظرية السلوكية في الإرشاد النفسي:
تفسر النظرية السلوكية المشكلات السلوكية: بأنها أنماط من الاستجابات الخاطئة أو غير السوية المتعلمة بارتباطها بمثيرات منفرة، ويحتفظ بها الفرد لفاعليتها في تجنب مواقف أو خبرات غير مرغوبة "أوزيبو ووالش Osipow & Walsh؛ 1970".
ويركز الإرشاد النفسي على ما يأتي:
- تعزيز السلوك السوي المتوافق.
- مساعدة العميل في تعلم سلوك جديد مرغوب والتخلص من سلوك غير مرغوب، ومساعدته في تعلم أن الظروف الأصلية قد تغيرت أو يمكن تغييرها بحيث تصبح الاستجابات غير المرغوبة غير ضرورية لتجنب المواقف غير السارة التي سبق أن ارتبطت بها. فمثلا يمكن تخليص العميل من أفكار وسواسية أو سلوك قهري كان يقوم به لتجنب أفكار مثيرة للشعور بالذنب.
- تغيير السلوك غير السوي أو غير المتوافق وذلك بتحديد السلوك المراد تغييره والظروف والشروط التي يظهر فيها والعوامل التي تكتنفه وتخطيط مواقف يتم فيها تعلم ومحو تعلم لتحقيق التغير المنشود، ويتضمن ذلك إعادة تنظيم ظروف البيئة بما يؤدي إلى تكوين ارتباطات شرطية جديدة فيما يتعلق بمشكلات العميل وأغراضه، وهذا يتطلب فصل المشكلة وتخطيط مواقف تعلم تؤدي إلى إزالة الأغراض وتعديل السلوك وحل المشكلة "جودشتين Good stein؛ 1965".
- الحيلولة بين العميل وبين تعميم قلقه على مثيرات جديدة.
- ضرب المثل الطيب والقدوة الحسنة سلوكيا أمام العميل عله يتعلم أنماطا مفيدة من السلوك عن طريق محاكاة المرشد خلال الجلسات الإرشادية المتكررة "جين وارترز Warters؛ 1964".
ومن أبرز من أسهم في تطبيق النظرية السلوكية في مجال الإرشاد والعلاج النفسي جون دولارد ونيل ميلر Dollard & Miller؛ "1950"، فهما اللذان زاوجا بين النظرية والتطبيق العلمي، وهما يقبلان استخدام مفاهيم وأساليب التحليل النفسي مثل مفهوم الصراع والعمليات اللاشعورية ولكنهما يصوغانها في مصطلحات نظرية التعلم الشرطي. وهما يعتبران السلوك العصابي سلوكا ناتجا عن صراع انفعالي عنيف مثل الذي يحدث عندما يدفع الخوف الفرد إلى تجنب استجابة تتعارض مع استجابة هادفة، وعندما تتوقف الاستجابة الهادفة بسبب الخوف يقل الخوف، ومن ثم يعزز السلوك التجنبي، ولكن التوتر الذي يسبق الدافع لا ينخفض، ويحاول الفرد مرة ثانية سلوكا يقربه من الهدف، وهذا يثير الخوف مرة أخرى ويسبب إيقاف الاستجابة نحو الهدف مرة أخرى. ولما كان إيقاف الاستجابة يقلل الشعور القوي بالخوف فإن الحافز نحو الهدف يكبت. وعلى الرغم من أن الحافز للسلوك قد يكتب بهذه الطريقة، فإن الدوافع غير المشبعة تبقى قوية، ويظل الفرد مشغولا مضطربا بسبب الأفكار التي تصحب ذلك. ويؤدي الخوف والدوافع غير المشبعة لدى الفرد إلى ظهور أعراض عصابية في شكل خوف ووسواس وقهر وما شابه ذلك كوسيلة للتخلص من الخوف وإشباع الدافع مؤقتا "ولو بطريقة مرضية". وبمرور الوقت فإن الأعراض تعزز، وحيث أن الكبت يعفي الفرد من التعبير عن مشاعره فإنه لا يستطيع أن يحدد أو يتعرف على أسباب الأعراض العصابية في سلوكه، وحتى لا يحدث تعزيز الخوف، ولكي ينطفئ بدلا من ذلك، فإن الإرشاد أو العلاج النفسي يجب أن يهيئ مناخا نفسيا صحيا بدلا من المناخ السيئ الذي كان في الخوف والخجل والشعور بالإثم مرتبطا بكلمات معينة ثم عمم منها. ويعزز المرشد استجابة العميل عندما يتكلم وهو قلق بتمام إصغائه وتقلبه وفهمه ومشاركته الوجدانية وإتاحة الحرية ومساعدة العميل على استعادة ذكرياته والتخلص من قلقه وخوفه، وانطفاء الخوف يساعد على أن يصبح أكثر نشاطا وابتكارا وأن يعي ويستخدم قدراته في تعامله مع العالم المحيط به.
نقد النظرية السلوكية:
رغم أن النظرية السلوكية تعتبر نظرية تجريبية موضوعية وظيفية في تفسير السلوك يوجه إليها بعض الانتقادات أهمها:
- يصر أصحاب النظرية السلوكية على أن السلوك الملاحظ الظاهري الموضوعي فقط هو الذي يوضع في الاعتبار من الناحية العلمية.
- تتغاضى النظرية السلوكية عن النظر للفرد ككل وتهمل العناصر الذاتية في السلوك.
- المفاهيم الأساسية للنظرية السلوكية لا تتفق كثيرا مع المفاهيم النظرية والتكوينات الفرضية التي توجد في النظريات الأخرى مثل نظرية التحليل النفسي "كما سيأتي ذلك بعد قليل".
- يتحمس الكثيرون للنظرية السلوكية ويعتبرون أن الإرشاد والعلاج السلوكي في ضوء نظرية التعلم هو الإرشاد والعلاج العلمي الذي يفضل كل ما عداه من الطرق ويطلقون عليه "علاج التعلم" Learnign Therapy وكأن غيره من طرق العلاج لا تتضمن تعلما.
- يقول البعض: إن من أكبر عيوب النظرية السلوكية أن معظم دلائلها العلمية والتجريبية الأصلية مبنية على البحوث على الحيوان أكثر منها على الإنسان.
- يركز الإرشاد السلوكي الذي يقوم على أساس النظرية السلوكية على إزالة الأعراض في حد ذاتها بدلا من الحل الجذري للسلوك المشكل عن طريق التعرف على أسبابه الدينامية وإزالتها، وبذلك قد يكون وقتيا وعابرًا "نوردبيرج Nordberg؛ 1970".