شهدت المجتمعات العربية فى السنوات الأخيرة مجموعة من التغيرات السريعة والمتلاحقة فى العديد من الجوانب الثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، عجز الإنسان عن مواجهتها والتكيف معها، وكذلك صعوبة السيطرة والتحكم فيها أو التنبؤ بآثارها السلبية المتوقعة. فقد كان لهذه التغيرات آثارها فى طمس معانى الحياة الإنسانية واضطراب منظومة القيم الحاكمة لسلوك الأفراد وتصرفاتهم، وعجزهم عن التواصل مع الآخر، وبالتالى العجز عن تحقيق الذات.
كما ظهر على مسرح الحياة الاجتماعية فى هذه المجتمعات حالة تبنى الذات لقيم اللامعيارية. حيث تبين أن الإنسان العربى فى الآونة الأخيرة بدأ ينظر إلى عدم الالتزام بالقيم والمعايير الإيجابية فى سلوكه على أنه مرغوب فيه فى ظل السياق الاجتماعى الذى يعيش فى إطاره، وذلك لأنه أدرك فى ضوء خبرته لمعطيات الواقع، أن تمسكه والتزامه بالقيم والمثل لايمكنه من التوافق والتعايش مع هذه التحولات، بل إن عدم الالتزام وتبنى القيم المشوهة هو الأمان والآلية التى تمكنه من المحافظة على بقائه وإشباع حاجاته التى عجز المجتمع عن إشباعها. وبدأ المجتمع ينظر إلى الذات الملتزمة بالمثل والمبادئ الأخلاقية على أنها ذات غير سوية ولا تعيش عصرها وغير واعية. وهذا يدل على أن انقلاباً أو تغيراً جذرياً قد
حدث فى معايير التقييم ( ).
وبوجه عام نحن نعيش فى عالم مشحون بالتوترات ويموج بالخلافات والصراعات إلى الحد الذى يمكن معه القول: بأن انتماءنا الحقيقى لم يعد له وجود إلى فى إطار محدود جداً من خبراتنا الحياتية. ويتسم الفرد فى مجتمع نام (يحاول مواكبة المجتمعات المتقدمة) بشعوره بأنه يعيش فى عالم لا يستجيب لرغباته واحتياجاته، كما أنه غير قادر على التنبؤ بالمستقبل، بالإضافة إلى تغير المعايير التى تنظم سلوكه بسرعة متزايدة، كما يتسم أيضاً برفضه للقيم الخاصة بحضارته وبالانعزال عن الآخرين وعن ذاته.
وقد انعكست التحولات الكبرى التى تغير وجه العالم الذى نعيش فيه على العالم العربى – إلا أنه وقف ولا يزال يقف إزاءها مستقبلاً مستسلماً على نحو يكاد يشبه ما حدث عندما واجه العصر الصناعى فى أوائل القرن التاسع عشر. وهذا الوضع وإن كان يمكن التسامح معه أو التهاون فيه فى عصور سابقة، فإن العصر الجديد أشد خطراً بالأمم الضعيفة، لأنه لن يتحكم فى ملايين البشر بالاقتصاد ومصادر التكنولوجيا فحسب وإنما بالقيم والفلسفات والأفكار من خلال الثورة العاتية للاتصالات والمعلومات وهذا أشد خطراً وفتكاً من الاستعمار القديم ( ).
وأكثر فئات المجتمع تعرضاً لهذه التغيرات والتحولات الثقافية والاجتماعية هم فئات الشباب الجامعى( ) وذلك بحكم وضعهم الاجتماعى من حيث هم فئة تعيش مرحلة انتقالية ساعية من خلال تحصيل العلم والمعرفة نحو تغيير وضعهم الاجتماعى إلى الأفضل. والطلاب ليسو فقط أكثر الفئات تعرضاً للتغير بل إنهم يشكلون أقوى عوامل التغير الثقافى والاجتماعى لما يحملون من رؤى وتصورات تخالف فى بعض جوانبها تلك الرؤى والتصورات التى لدى الأجيال السابقة.
ومن هذا المنطلق تسعى الدراسة الراهنة إلى إلقاء الضوء على منظومة القيم الشخصية لدى الشباب الجامعى، باعتبارها من أهم المكونات المؤثرة فى سلوك الإنسان، والتى يرى كثير من الباحثين أن أهميتها لا تقل خطورة بالنسبة لتفسير السلوك عن أهمية سمات الشخصية، لأنها تتيح لنا أن ننظر إلى الشخص باعتباره كائناً متفاعلاً مع البيئة التى تحيط به، وليس مجرد كائن مكون من مجموعة من السمات النمطية الجامدة على نحو ما يذكر "روكيش". فالقيم تمثل مركزاً رئيسياً فى تكوين سلوك الفرد وشخصيته ونسقه المعرفى واتجاهاته ( )( ). من حيث أنها فيما يرى معظم الباحثين تمثل إطاراً مرجعياً حاكماً تدور فى فلكه وتتمحور من حوله وتتشكل وفقاً له أفكار الفرد وأفعاله. كما أن لأنساق القيم أهميتها فى فهم وتفسير الدوافع التى تقف وراء السلوك الإنسانى، وذلك نظرًا لتأثير هذه الأنساق القيمية على طموحات الأفراد وتحديدهم لاختياراتهم( ) واتخاذهم لقراراتهم( ). كما تمثل القيم محددات عقلية لاختياراتنا وتعمل بمثابة موجهات لسلوكنا واتجاهاتنا أيضاً. فقد تبين أن الأنساق القيمية تعد محدداً مهماً للاتجاهات التعصبية لدى الشباب الجامعى، فأكثر عناصر الأنساق القيمية أهمية فى تحديد هذه الاتجاهات التعصبية هى سعة الأفق، والغيرية، والتحرية( ). كما ترتبط القيم بالتوافق النفسى لطلاب الجامعة، فالأكثر تمسكاً بالقيم الدينية مثلاً أكثر توافقاً انفعالياً واجتماعياً بالمقارنة بالأقل التزاماً بهذه القيم( )( ).
وبوجه عام تمثل القيم إطاراً مرجعياً يحكم تصرفات الفرد والجماعة، وبالتالى فإن دورها رئيسى فى تكوين شخصية الفرد ونسقه المعرفى، وتشكل الطابع القومى أو الشخصية القومية( ).
المفاهيم الأساسية للدراسة
نعرض فيمايلى لعدد من المصطلحات التى تقوم عليها هذه الدراسة، والتى تتمثل فى مفهوم القيم، ومفهوم نسق القيم، ومفهوم نسق القيم المتصور والواقعى، والمفارقة القيمية بين النسقين القيميين المتصور والواقعى وذلك على النحو التالى:
1- مفهوم القيم Values: وهو من المفاهيم التى حظيت باهتمام كثير من الباحثين فى مجالات وتخصصات عديدة، مثل الفلسفة، والتربية، والاقتصاد، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، وغيرها من المجالات. وقد ترتب على ذلك نوع من الخلط والغموض فى استخدام هذا المفهوم من تخصص لآخر، بل ويستخدم استخدامات متعددة داخل التخصص الواحد، فلا يوجد تعريف واحد لمفهوم القيم يعترف به جميع المشتغلين فى مجال علم النفس الاجتماعى – كموضوع يقع فى دائرة اهتمامه( )( ).
وعلى الرغم من كثرة التعريفات التى قدمها الباحثون لمفهوم القيم، واختلافهم فى طريقة تناولها وقياسها، فإن هناك عدداً من الخصائص المشتركة بين هذه التعريفات لخصها "شوارتزوبلسكى" فى أنها "عبارة عن مفاهيم أو تصورات للمرغوب، تتعلق بضرب من ضروب السلوك، أو غاية من الغايات، وتسمو أو تعلو على المواقف النوعية، ويمكن ترتيبها حسب أهميتها النسبية"( ).
وفى ضوء ذلك تحدد تناولنا لمفهوم القيم فى الدراسة الحالية بأنها "عبارة عن الأحكام التى يصدرها الفرد بدرجات معينة من التفضيل أو عدم التفضيل للموضوعات أو الأشياء، وذلك فى ضوء تقويمه لهذه الموضوعات. وتتم هذه العملية من خلال التفاعل بين الفرد بمعارفه وخبراته. وبين ممثلى الإطار الحضارى الذى يعيش فيه ويكتسب من خلاله هذه الخبرات والمعارف ( )( )( ).
2- مفهوم نسق القيم (منظومة القيم) Value System: انبثقت فكرة نسق القيم من تصور مؤداه أنه لا يمكن دراسة قيمة معينة أو فهمها بمعزل عن القيم الأخرى. فهناك بناء أو تنظيم شامل لقيم الفرد، تمثل كل قيمة فى هذا النسق عنصراً من عناصره، وتتفاعل هذه العناصر معاً لتؤدى وظيفة معينة بالنسبة للفرد( )( )( )( ).
وقد تعامل "روكيش" مع نسق القيم على أنه "عبارة عن مجموعة الاتجاهات المترابطة فيما بينها، وتنتظم فى شكل بناء متدرج. وأشار إلى أن نسق الاعتقاد – اللاعتقاد Belief -Disbelief System يعتبر نسقاً شاملاً للاتجاهات والقيم وأنساق القيم( ).
ويتضح من ذلك أن نسق القيم هو عبارة عن مجموعة القيم التى تنتظم فى نسق متساند بنائياً متباين وظيفياً داخل إطار ينظمها ويشملها فى تدرج خاص.
3- مفهوم نسقى القيم المتصور والواقعى: تبين من خلال استقرائنا للتراث النظرى والأدبيات الخاصة بموضوع القيم أن هناك تقسيمات وأنواعاً مختلفة من الأنساق القيمية. فعلى سبيل المثال قسم "بوخ" أنساق القيم إلى نوعين: الأول: نسق القيم الأولية Primary، ويتعلق بالحاجات البيولوجية للفرد، الثانى: نسق القيم الثانوية: Secondary ويشتمل على القيم الاجتماعية الأخلاقية. وأوضح أن النسق العام هو محصلة التفاعل بين هذين النسقين( ). أما "روكيش" فقد أشار إلى وجود نسقين أحدهما يتعلق بالقيم الوسيلية، والثانى يختص بالقيم الغائية( ). كما ميز "شارلز موريس" بين نوعين من القيم هما القيم العاملة Operational Values والتى يمكن الكشف عنها من خلال السلوك التفضيلى، والقيم المتصورة Conceived Values، وتعنى التصورات المثالية لما يجب أن يكون، ويتم فى ضوئها الحكم على السلوك أو الفعل. ويمكن دراستها من خلال الرموز العاملة فى مجال السلوك التفضيلى ( ). ويقترب مفهوم القيم العاملة لدى "موريس" من تعريف "آدلر" للقيم على أنها تساوى أو تكافئ الفعل أو السلوك. أما مفهوم القيم المتصورة فيتسق مع تعريف البعض للقيم بأنها عبارة عن أشياء مطلقة لها هويتها المستقلة( ).
ويتفق ذلك مع تقسيم "حامد زهران، وإجلال سرى" لنوعين من القيم هما: القيم السائدة والقيم المرغوبة. الأولى وتعنى القيم الموجودة فعلاً والتى تترجم فى سلوك الفرد. أما الثانية فتشير إلى القيم التى يرغبها الفرد( ).
وبناء على ذلك أمكننا تقسيم نسق القيم إلى نوعين الأول هو نسق القيم المتصور Conceived Value System، ويقصد به تصور الفرد لمدى أهمية كل قيمة من القيم بالنسبة له؛ والثاني هو نسق القيم الواقعى Real Value System، ويقصد به مدى تطابق هذه القيم المتصورة مع السلوك الفعلى للفرد.
4- مفهوم المفارقة القيمية Value Discrepancy: ويقصد به مدى التفاوت بين النسقين القيميين المتصور والواقعى.
5- اكتساب نسق القيم – مقابل – تغير القيم: على الرغم من أهمية دراسة العمليات والآليات التى يكتسب الأفراد من خلالها قيمهم، وكيف تتغير هذه القيم، وما هى الظروف التى يحدث فى ظلها هذا التغيير، فإن هذه الجوانب لازالت غير واضحة المعالم، فالوقوف على الصيغة الأساسية التى يكتسب فى ظلها الأفراد أنساق قيمهم مازال يتسم بالعمومية الشديدة التى يعجز المرء من خلالها عن الوقوف على ديناميات عملية الاكتساب لدى الأفراد والجماعات.
ويفرق المتخصصون فى هذا المجال بين عملية اكتساب القيم وعملية تغير القيم على النحو التالى:
أ- تعرف عملية اكتساب القيم بأنها "العملية التى يتبنى الفرد من خلالها مجموعة من القيم" – مقابل التخلى Abnadonment عن قيم أخرى. والقيم التى يتبناها الفرد يحدث لها نوع من التداخل والانتظام فى بناء نسق القيم.
ب- أما تغير القيم فيقصد به تحرك وضع القيمة على هذا المتصل. (التبنى – النخلى) داخل النسق القيمى. فالاكتساب إذن يعنى مسألة الوجود أو عدم الوجود، أما التغير فهو فى الدرجة التى يتحدد بها هذا الوجود، ويتضمن إعادة توزيع الفرد لقيمه Value Redistribution، سواء على المستوى الفردى أو الجماعى( ).
وتجدر الإشارة إلى أن هاتين العمليتين (الاكتساب والتغير أو الارتقاء) غير منفصلتين تماماً، بل يحدثان معاً فى وقت واحد ومن الصعب الفصل التام بينهما.
أهداف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على أهم مظاهر التغير فى نسق القيم لدى الشباب الجامعى، والعوامل المسئولة عن هذا التغير. ويندرج تحت هذين الهدفين عدة أهداف أو عناصر فرعية، وذلك على النحو التالى:
أولاً: الكشف عن مظاهر التغير فى نسق قيم الشباب الجامعى. وذلك فى ضوء مايأتى:
1- مسار التغير فى نسق قيم الشباب الجامعى وعلاقته ببعض المتغيرات.
2- التخلى عن بعض القيم الإيجابية وظهور قيم واتجاهات سلبية جديدة.
3- المفارقة بين القيم والسلوك الفعلى.
4- الصراع القيمى بين الأجيال (الآباء والأبناء).
ثانياً: الوقوف على العوامل المسئولة عن تغير نسق القيم لدى الشباب الجامعى، ومن أهمها ما يأتى:
1- أساليب التنشئة الاجتماعية والتربوية.
2- اغتراب اللغة العربية.
3- الهوية الثقافية وآثار العولمة.
4- الصراع بين الماضى والحاضر فى الثقافة العربية.
كما ظهر على مسرح الحياة الاجتماعية فى هذه المجتمعات حالة تبنى الذات لقيم اللامعيارية. حيث تبين أن الإنسان العربى فى الآونة الأخيرة بدأ ينظر إلى عدم الالتزام بالقيم والمعايير الإيجابية فى سلوكه على أنه مرغوب فيه فى ظل السياق الاجتماعى الذى يعيش فى إطاره، وذلك لأنه أدرك فى ضوء خبرته لمعطيات الواقع، أن تمسكه والتزامه بالقيم والمثل لايمكنه من التوافق والتعايش مع هذه التحولات، بل إن عدم الالتزام وتبنى القيم المشوهة هو الأمان والآلية التى تمكنه من المحافظة على بقائه وإشباع حاجاته التى عجز المجتمع عن إشباعها. وبدأ المجتمع ينظر إلى الذات الملتزمة بالمثل والمبادئ الأخلاقية على أنها ذات غير سوية ولا تعيش عصرها وغير واعية. وهذا يدل على أن انقلاباً أو تغيراً جذرياً قد
حدث فى معايير التقييم ( ).
وبوجه عام نحن نعيش فى عالم مشحون بالتوترات ويموج بالخلافات والصراعات إلى الحد الذى يمكن معه القول: بأن انتماءنا الحقيقى لم يعد له وجود إلى فى إطار محدود جداً من خبراتنا الحياتية. ويتسم الفرد فى مجتمع نام (يحاول مواكبة المجتمعات المتقدمة) بشعوره بأنه يعيش فى عالم لا يستجيب لرغباته واحتياجاته، كما أنه غير قادر على التنبؤ بالمستقبل، بالإضافة إلى تغير المعايير التى تنظم سلوكه بسرعة متزايدة، كما يتسم أيضاً برفضه للقيم الخاصة بحضارته وبالانعزال عن الآخرين وعن ذاته.
وقد انعكست التحولات الكبرى التى تغير وجه العالم الذى نعيش فيه على العالم العربى – إلا أنه وقف ولا يزال يقف إزاءها مستقبلاً مستسلماً على نحو يكاد يشبه ما حدث عندما واجه العصر الصناعى فى أوائل القرن التاسع عشر. وهذا الوضع وإن كان يمكن التسامح معه أو التهاون فيه فى عصور سابقة، فإن العصر الجديد أشد خطراً بالأمم الضعيفة، لأنه لن يتحكم فى ملايين البشر بالاقتصاد ومصادر التكنولوجيا فحسب وإنما بالقيم والفلسفات والأفكار من خلال الثورة العاتية للاتصالات والمعلومات وهذا أشد خطراً وفتكاً من الاستعمار القديم ( ).
وأكثر فئات المجتمع تعرضاً لهذه التغيرات والتحولات الثقافية والاجتماعية هم فئات الشباب الجامعى( ) وذلك بحكم وضعهم الاجتماعى من حيث هم فئة تعيش مرحلة انتقالية ساعية من خلال تحصيل العلم والمعرفة نحو تغيير وضعهم الاجتماعى إلى الأفضل. والطلاب ليسو فقط أكثر الفئات تعرضاً للتغير بل إنهم يشكلون أقوى عوامل التغير الثقافى والاجتماعى لما يحملون من رؤى وتصورات تخالف فى بعض جوانبها تلك الرؤى والتصورات التى لدى الأجيال السابقة.
ومن هذا المنطلق تسعى الدراسة الراهنة إلى إلقاء الضوء على منظومة القيم الشخصية لدى الشباب الجامعى، باعتبارها من أهم المكونات المؤثرة فى سلوك الإنسان، والتى يرى كثير من الباحثين أن أهميتها لا تقل خطورة بالنسبة لتفسير السلوك عن أهمية سمات الشخصية، لأنها تتيح لنا أن ننظر إلى الشخص باعتباره كائناً متفاعلاً مع البيئة التى تحيط به، وليس مجرد كائن مكون من مجموعة من السمات النمطية الجامدة على نحو ما يذكر "روكيش". فالقيم تمثل مركزاً رئيسياً فى تكوين سلوك الفرد وشخصيته ونسقه المعرفى واتجاهاته ( )( ). من حيث أنها فيما يرى معظم الباحثين تمثل إطاراً مرجعياً حاكماً تدور فى فلكه وتتمحور من حوله وتتشكل وفقاً له أفكار الفرد وأفعاله. كما أن لأنساق القيم أهميتها فى فهم وتفسير الدوافع التى تقف وراء السلوك الإنسانى، وذلك نظرًا لتأثير هذه الأنساق القيمية على طموحات الأفراد وتحديدهم لاختياراتهم( ) واتخاذهم لقراراتهم( ). كما تمثل القيم محددات عقلية لاختياراتنا وتعمل بمثابة موجهات لسلوكنا واتجاهاتنا أيضاً. فقد تبين أن الأنساق القيمية تعد محدداً مهماً للاتجاهات التعصبية لدى الشباب الجامعى، فأكثر عناصر الأنساق القيمية أهمية فى تحديد هذه الاتجاهات التعصبية هى سعة الأفق، والغيرية، والتحرية( ). كما ترتبط القيم بالتوافق النفسى لطلاب الجامعة، فالأكثر تمسكاً بالقيم الدينية مثلاً أكثر توافقاً انفعالياً واجتماعياً بالمقارنة بالأقل التزاماً بهذه القيم( )( ).
وبوجه عام تمثل القيم إطاراً مرجعياً يحكم تصرفات الفرد والجماعة، وبالتالى فإن دورها رئيسى فى تكوين شخصية الفرد ونسقه المعرفى، وتشكل الطابع القومى أو الشخصية القومية( ).
المفاهيم الأساسية للدراسة
نعرض فيمايلى لعدد من المصطلحات التى تقوم عليها هذه الدراسة، والتى تتمثل فى مفهوم القيم، ومفهوم نسق القيم، ومفهوم نسق القيم المتصور والواقعى، والمفارقة القيمية بين النسقين القيميين المتصور والواقعى وذلك على النحو التالى:
1- مفهوم القيم Values: وهو من المفاهيم التى حظيت باهتمام كثير من الباحثين فى مجالات وتخصصات عديدة، مثل الفلسفة، والتربية، والاقتصاد، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، وغيرها من المجالات. وقد ترتب على ذلك نوع من الخلط والغموض فى استخدام هذا المفهوم من تخصص لآخر، بل ويستخدم استخدامات متعددة داخل التخصص الواحد، فلا يوجد تعريف واحد لمفهوم القيم يعترف به جميع المشتغلين فى مجال علم النفس الاجتماعى – كموضوع يقع فى دائرة اهتمامه( )( ).
وعلى الرغم من كثرة التعريفات التى قدمها الباحثون لمفهوم القيم، واختلافهم فى طريقة تناولها وقياسها، فإن هناك عدداً من الخصائص المشتركة بين هذه التعريفات لخصها "شوارتزوبلسكى" فى أنها "عبارة عن مفاهيم أو تصورات للمرغوب، تتعلق بضرب من ضروب السلوك، أو غاية من الغايات، وتسمو أو تعلو على المواقف النوعية، ويمكن ترتيبها حسب أهميتها النسبية"( ).
وفى ضوء ذلك تحدد تناولنا لمفهوم القيم فى الدراسة الحالية بأنها "عبارة عن الأحكام التى يصدرها الفرد بدرجات معينة من التفضيل أو عدم التفضيل للموضوعات أو الأشياء، وذلك فى ضوء تقويمه لهذه الموضوعات. وتتم هذه العملية من خلال التفاعل بين الفرد بمعارفه وخبراته. وبين ممثلى الإطار الحضارى الذى يعيش فيه ويكتسب من خلاله هذه الخبرات والمعارف ( )( )( ).
2- مفهوم نسق القيم (منظومة القيم) Value System: انبثقت فكرة نسق القيم من تصور مؤداه أنه لا يمكن دراسة قيمة معينة أو فهمها بمعزل عن القيم الأخرى. فهناك بناء أو تنظيم شامل لقيم الفرد، تمثل كل قيمة فى هذا النسق عنصراً من عناصره، وتتفاعل هذه العناصر معاً لتؤدى وظيفة معينة بالنسبة للفرد( )( )( )( ).
وقد تعامل "روكيش" مع نسق القيم على أنه "عبارة عن مجموعة الاتجاهات المترابطة فيما بينها، وتنتظم فى شكل بناء متدرج. وأشار إلى أن نسق الاعتقاد – اللاعتقاد Belief -Disbelief System يعتبر نسقاً شاملاً للاتجاهات والقيم وأنساق القيم( ).
ويتضح من ذلك أن نسق القيم هو عبارة عن مجموعة القيم التى تنتظم فى نسق متساند بنائياً متباين وظيفياً داخل إطار ينظمها ويشملها فى تدرج خاص.
3- مفهوم نسقى القيم المتصور والواقعى: تبين من خلال استقرائنا للتراث النظرى والأدبيات الخاصة بموضوع القيم أن هناك تقسيمات وأنواعاً مختلفة من الأنساق القيمية. فعلى سبيل المثال قسم "بوخ" أنساق القيم إلى نوعين: الأول: نسق القيم الأولية Primary، ويتعلق بالحاجات البيولوجية للفرد، الثانى: نسق القيم الثانوية: Secondary ويشتمل على القيم الاجتماعية الأخلاقية. وأوضح أن النسق العام هو محصلة التفاعل بين هذين النسقين( ). أما "روكيش" فقد أشار إلى وجود نسقين أحدهما يتعلق بالقيم الوسيلية، والثانى يختص بالقيم الغائية( ). كما ميز "شارلز موريس" بين نوعين من القيم هما القيم العاملة Operational Values والتى يمكن الكشف عنها من خلال السلوك التفضيلى، والقيم المتصورة Conceived Values، وتعنى التصورات المثالية لما يجب أن يكون، ويتم فى ضوئها الحكم على السلوك أو الفعل. ويمكن دراستها من خلال الرموز العاملة فى مجال السلوك التفضيلى ( ). ويقترب مفهوم القيم العاملة لدى "موريس" من تعريف "آدلر" للقيم على أنها تساوى أو تكافئ الفعل أو السلوك. أما مفهوم القيم المتصورة فيتسق مع تعريف البعض للقيم بأنها عبارة عن أشياء مطلقة لها هويتها المستقلة( ).
ويتفق ذلك مع تقسيم "حامد زهران، وإجلال سرى" لنوعين من القيم هما: القيم السائدة والقيم المرغوبة. الأولى وتعنى القيم الموجودة فعلاً والتى تترجم فى سلوك الفرد. أما الثانية فتشير إلى القيم التى يرغبها الفرد( ).
وبناء على ذلك أمكننا تقسيم نسق القيم إلى نوعين الأول هو نسق القيم المتصور Conceived Value System، ويقصد به تصور الفرد لمدى أهمية كل قيمة من القيم بالنسبة له؛ والثاني هو نسق القيم الواقعى Real Value System، ويقصد به مدى تطابق هذه القيم المتصورة مع السلوك الفعلى للفرد.
4- مفهوم المفارقة القيمية Value Discrepancy: ويقصد به مدى التفاوت بين النسقين القيميين المتصور والواقعى.
5- اكتساب نسق القيم – مقابل – تغير القيم: على الرغم من أهمية دراسة العمليات والآليات التى يكتسب الأفراد من خلالها قيمهم، وكيف تتغير هذه القيم، وما هى الظروف التى يحدث فى ظلها هذا التغيير، فإن هذه الجوانب لازالت غير واضحة المعالم، فالوقوف على الصيغة الأساسية التى يكتسب فى ظلها الأفراد أنساق قيمهم مازال يتسم بالعمومية الشديدة التى يعجز المرء من خلالها عن الوقوف على ديناميات عملية الاكتساب لدى الأفراد والجماعات.
ويفرق المتخصصون فى هذا المجال بين عملية اكتساب القيم وعملية تغير القيم على النحو التالى:
أ- تعرف عملية اكتساب القيم بأنها "العملية التى يتبنى الفرد من خلالها مجموعة من القيم" – مقابل التخلى Abnadonment عن قيم أخرى. والقيم التى يتبناها الفرد يحدث لها نوع من التداخل والانتظام فى بناء نسق القيم.
ب- أما تغير القيم فيقصد به تحرك وضع القيمة على هذا المتصل. (التبنى – النخلى) داخل النسق القيمى. فالاكتساب إذن يعنى مسألة الوجود أو عدم الوجود، أما التغير فهو فى الدرجة التى يتحدد بها هذا الوجود، ويتضمن إعادة توزيع الفرد لقيمه Value Redistribution، سواء على المستوى الفردى أو الجماعى( ).
وتجدر الإشارة إلى أن هاتين العمليتين (الاكتساب والتغير أو الارتقاء) غير منفصلتين تماماً، بل يحدثان معاً فى وقت واحد ومن الصعب الفصل التام بينهما.
أهداف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على أهم مظاهر التغير فى نسق القيم لدى الشباب الجامعى، والعوامل المسئولة عن هذا التغير. ويندرج تحت هذين الهدفين عدة أهداف أو عناصر فرعية، وذلك على النحو التالى:
أولاً: الكشف عن مظاهر التغير فى نسق قيم الشباب الجامعى. وذلك فى ضوء مايأتى:
1- مسار التغير فى نسق قيم الشباب الجامعى وعلاقته ببعض المتغيرات.
2- التخلى عن بعض القيم الإيجابية وظهور قيم واتجاهات سلبية جديدة.
3- المفارقة بين القيم والسلوك الفعلى.
4- الصراع القيمى بين الأجيال (الآباء والأبناء).
ثانياً: الوقوف على العوامل المسئولة عن تغير نسق القيم لدى الشباب الجامعى، ومن أهمها ما يأتى:
1- أساليب التنشئة الاجتماعية والتربوية.
2- اغتراب اللغة العربية.
3- الهوية الثقافية وآثار العولمة.
4- الصراع بين الماضى والحاضر فى الثقافة العربية.