ملخص :
اهتم الباحثون في الشخصية بمفهوم التفاؤل غير الواقعي على المستوى العالمي في وقت متأخر لا يزيد عن العقدين الآخيرين . وفي حدود علم الباحث لا يوجد أي بحث محلي أو عربي في هذا المجال. وهدفت هذه الدراسة إلى تقديم مفهوم التفاؤل غير الواقعي بوصفه سمة في الشخصية ، ووضع أداة لقياسه ، وتحديد معالمه السيكومترية وفحص ارتباطاته بمتغيرات الشخصية .
وعرف التفاؤل غير الواقعي نظريا بأنه اعتقاد الفرد بقدرته على التفاؤل إزاء الأحداث دون مبررات منطقية أو وقائع تؤدي إلى هذا المعتقد حيث يتوقع الفرد غالبا حدوث الأشياء الإيجابية أكثر مما يحدث في الواقع ، ويتوقع حدوث الأشياء السلبية أقل مما يحدث في الواقع . مما قد يتسبب أحيانا في حدوث النتائج غير المتوقعة ، والتي قد تعرضه بدورها لمخاطر عدة أهمها المخاطر الصحية ، على حين يعرف التفاؤل غير الواقعي إجرائيا بأنه " استجابة يقوم بها الفرد لمدى توقعه غالبا لحدوث أحداث إيجابية متنوعة أكثر مما يحدث في الواقع وتوقع حدوث الأحداث السلبية أقل مما يحدث في الواقع التي تضمنتها أداة البحث ، وهذه الاستجابة تقاس بمقياس متدرج ذى ثمانية مستويات من الاحتمالات من : 10% إلى 80% .
وضع الباحث مقياساً للتفاؤل غير الواقعي معتمداً على المجتمع الكويتي على نحو خاص ، ثم قاس الفروق الفردية والفروق بين الجنسين في التفاؤل غير الواقعي ، وحدد طبيعة العلاقة بين التفاؤل غير الواقعي وبعض متغيرات الشخصية (التفاؤل ، التشاؤم ، اليأس ، الاكتئاب ، القلق ، الذنب ، الخزى ، الوسواس القهري ، الشكاوي الجسمية ، التفكير الانتحاري) .
استخدمت في هذه الدراسة عينات متعددة من طلاب الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب ومن طلاب جامعة الكويت بواقع سبعة عينات و بواقع (270) من طلاب الجامعة لإجراء السؤال المفتوح لجمع عينة بنود المقياس و(425) طالبا وطالبة لحساب الثبات والصدق العاملي ، و(644) فردا لفحص الفروق بين الجنسين و(360) فردا ، و(85) فرداً و(162) طالبا وطالبة لبيان ثبات الاتساق الداخلي لمقياس التفاؤل غير الواقعي لاستخلاص الارتباطات المتبادلة بين متغيرات الشخصية ، و (274) فردا من طلاب جامعة الكويت لحساب معاملات ثبات مقاييس الشخصية.
وقد أسفرت نتائج الدراسة عن تمتع مقياس التفاؤل غير الواقعي بخصائص قياسية جيدة من ناحية الثبات والصدق . فقد تراوحت معاملات الثبات بطريقة القسمة النصفية لدى الذكور والإناث منفصلين بين 0.76 ، 0.88 ، على حين تراوحت معاملات ألفا للثبات بين 0.72 ، 0.89 . كما تراوحت معاملات ثبات الاستقرار بين 0.83 و 0.89 . وفيما يتعلق بالصدق فقد تم حساب صدق التكوين بثلاث طرق (الاتساق الداخلي ، والتحليل العاملي ، والصدق التقاربي والتمييزي ) فقد تراوحت معاملات الارتباط المتبادلة بين كل بند والدرجة الكلية على المقياس بين 0.35 ، و0.61 وقد كشفت نتائج التحليل العاملي عن استخلاص عاملين (الأحداث السارة والأحداث المفجعة) . وقد ارتبط التفاؤل غير الواقعي ارتباطات جوهرية موجبة مع التفاؤل ، على حين ارتبط بارتباطات جوهرية سالبة مع كل من التشاؤم والقلق والوسواس القهري والذنب والخزى والشكاوي الجسمية واليأس والاكتئاب و التفكير الانتحاري.
وأخيرا أسفرت نتائج الدراسة عن عدم وجود فروق جوهرية بين الجنسين في التفاؤل غير الواقعي ، وقدم الباحث عدداً من المعايير لمقياس التفاؤل غير الواقعي (المتوسطات ، والمئينيات ، والدرجات التائية ) كما وضع الباحث عدداً من التوصيات للبحوث المقترحة .
Bader M. Alansari, Ph.D
Psychology Department,
College of Social Sciences .
Kuwait University, Kuwait.
The objectives of this study were: a) to introduce unrealistic optimism in the Arabic literature as a distinctive personality trait,b) to develop an unrealistic optimism scale in order to assess unrealistic optimism in Kuwaiti society to be used as a diagnostic tool and in research, c) to assess unrealistic optimism among Kuwaiti college students and b)to examine its correlates with some personality variables such as shame, hopelessness, depression, anxiety, guilt, obsession, somatic complains, suicidal ideation, life orientation, optimism, and pessimism. Seven independent samples from Kuwait University and from the Public Authority for Applied Education and Training from both sexes were used in this study in order to achieve the study objectives. The first sample consists of (270) students answered to an open- ended question procedure, the second sample consists of (425) students administered the Unrealistic Optimism Scale in order to assess its item analysis, validity, and gender differences .The third, forth, fifth, sixth, and the seventh samples consist of (360), (185), (162), (644)students, respectively in order to assess the scales, internal consistency, and to assess the correlation between unrealistic optimism and some personality variables, and (274) students to assess the personality scales internal consistency. The study findings are:
1 - The Scale has satisfactory psychometric properties in different samples.
2 - The scales, internal consistency ranged from. 72–89 across four different samples.
3 - Regarding the factor structure of the Unrealistic Optimism scale, two factors have been extracted across two different samples.
4 - Unrealistic optimism significantly positive correlation with optimism, and negatively correlated with hoplessness, depression, anxiety, guilt, shame, obsession, somatic complains, pessimism, and suicidal ideation.
5 – No significant gender difference was detected in unrealistic optimism.
The potential usefulness of the Unrealistic Optimism Scale in therapeutic,
school, athletic, business, and research settings was proposed discussed.
• This work was supported by the Kuwait University Research Administration Grant No . APO39.
إعداد مقياس التفاؤل غير الواقعي لدى عينة من الطلبة والطالبات في الكويت
المصطلحات الأساسية :
التفاؤل غير الواقعي ، الخصائص السيكومترية ، الفروق بين الجنسين ، المكونات العاملية، قياس الشخصية ، التفاؤل ، التشاؤم ، الاكتئاب ، اليأس ، الذنب ، القلق ، الأفكار الانتحارية.
مقدمة :
ورد التفاؤل والتشاؤم ومشتقاته ( كالفال وتفاءلت بكذا) ، والشؤم (مثل تشاءم بالأمر والمشامة )في المعاجم العربية القديمة مثل لسان العرب لابن منظور ، وتاج اللغة وصحاح العربية للجوهرى ، والقاموس المحيط للفيروز آبادي … وغيرهم ، واستخدم لفظ " التفاؤل " في أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم . كما أن استخدام كلمتي التفاؤل والتشاؤم من قبل غير المتخصصين يعد استخداما قديما جدا ، حيث يمكن أن يشار بهما – على الأقل – إلى ثلاثة معان كما يلي : توجه في الحياة Life Orientation بوجه عام ، صفة يمكن أن يوصف بها مختلف الأفراد ، حالة نفسية تتأثر بظروف داخل الشخص أو خارجه .
وعلى الرغم من هذا الاستخدام القديم للكلمتين من قبل غير المتخصصين ، فان الاهتمام بالمفهومين ودراستهما بشكل مفصل في إطار علم النفس لم يحدث بشكل منظم إلا في أواخر السبعينيات ( صدر أول كتاب متخصص في هذا الموضوع باللغة الانجليزية عام 1979) . ومع ذلك لم تصل لنا حتى كتابه هذا البحث معلومات عن كتاب عربي عن هذا الموضوع باستثناء كتاب بدر الانصاري (1998) عن التفاؤل والتشاؤم يعرض فيها للمفهوم والقياس والمتعلقات بشكل مفصل ، برغم أهمية مفهومي التفاؤل والتشاؤم في بحوث الشخصية .
ويعرف التفاؤل Optimism بأنه "نظرة استبشار نحو المستقبل ، تجعل الفرد يتوقع الأفضل ، وينتظر حدوث الخير ، ويرنو إلى النجاح ، ويستبعد ماخلا ذلك . " ( بدر الأنصاري ، 1998) . على حين يعرف التشاؤم Pessimism بأنه توقع سلبي للأحداث القادمة ، يجعل الفرد ينتظر حدوث الأسوأ ، ويتوقع الشر والفشل وخيبة الأمل . ويستبعد ما عدا ذلك إلى حد بعيد " ( بدر الأنصاري ، 1998) .
ويعد مفهوم التفاؤل غير الواقعي ذو علاقة وثيقة بمفهومي التفاؤل والتشاؤم ، ويعرف " تايلور ، وبراون " (Taylor & Brown, 1988) التفاؤل غير الواقعي Unrealistic Optimism بأنه شعور الفرد بقدرته التفاؤل إزاء الأحداث دون مبررات منطقية أو وقائع أو مظاهر تؤدي إلى هذا الشعور ، مما قد يتسبب أحيانا في حدوث النتائج غير المتوقعة ، وبالتالي يصبح الفرد في قمة الإحباط مما قد يعرضه للمخاطر والإصابة بالأمراض كالإيدز على سبيل المثال ، وذلك كما ظهر من دراسة " تايلور " وزملائه ( Tayler et al., 1992) ، حيث يعتقدون أن التوقعات غير الواقعية للأفراد إزاء أحداث المستقبل ( وبخاصة في الأمور الصحية ) قد تدفع بهم إلى عدم ممارسة السلوك الصحي الجيد . وقد قدم "واينشتاين " تعريفا للتفاؤل غير الواقعي كما يلي : " يعتقد الناس أن الحوادث السلبية يقل احتمال حدوثها لهم بالمقارنة إلى الآخرين ، ويعتقدون أيضا أن الحوادث الإيجابية يزداد احتمال حدوثها لهم بالنسبة إلى الآخرين (Weinstein, 1980, 1983) . على العكس من مفهوم التفاؤل غير الواقعي ، قدم بعض الباحثين مفهوم التشاؤم غير الواقعي . وقد قدم " دولنسكى ، جرومسكى ، وزاويزا " تعريفا له كما يلي : يواجه كل فرد حتما خطرا في أن يصبح ضحية لحادث أو لمرض مستعص غير قابل للشفاء، أو طوفان أو زلزال أو غير ذلك ( بدر الأنصاري ، 1998 : 30) .
ولقد قدم " واينشتاين " (Weinstein, 1980) مفهوم " التفاؤل غير الواقعي " ، وأورد تقريرا هدف إلى الكشف عن نزعة الأفراد إلى التفاؤل غير الواقعي لأحداث الحياة في المستقبل ، وذلك من خلال دراستين ، حيث تكونت عينة الدراسة الأولى من (1258) طالبا وطالبة من جامعة " روتجرز " في ولاية " نيوجيرسى " الأميركية . واستخدم في هذه الدراسة مقياس أحداث الحياة ، الذى يشتمل على (42) حدثا ، (18) حدثا إيجابيا و(24) حدثا سلبيا ، وكان يجاب عن كل بند على ضوء أحد عشر اختيارا يتراوح بين " لا فرصة للحدوث " و" فرصة حدوث أكثر من 80% " . وكشفت الدراسة الأولى عن تقدير الأفراد للأحداث الإيجابية بمعدل فوق المتوسط ، على حين كان تقديرهم للأحداث السيئة أو السلبية بمعدل أقل من المتوسط ، كما أظهرت الدراسة أيضا تأثر درجة التفاؤل بعوامل أخرى مثل : الخبرة الذاتية ، والدافعية ، والقوالب النمطية ، والتحكم في الملاحظة .
أما الدراسة الثانية فقد أجريت على (120) طالبة من الجامعة السابقة نفسها ، وهدفت إلى التحقق من الفكرة القائلة بأن الأفراد ذوى التفاؤل غير الواقعي يتفاؤلون نتيجة توجههم إلى العوامل التي تساعدهم على تحقيق مطالبهم المرغوبة في المستقبل . واستخدم في هذه الدراسة كتيب يحتوى على الأحداث نفسها التي استخدمت في الدراسة الأولى ، ولكن تم تقسيمها في الدراسة الثانية إلى ثلاثة أقسام متساوية يمكن أن تثير التفاؤل غير الواقعي ، وعلى كل مفحوص أن يذكر العوامل التي قد تزيد من احتمال حدوث تلك الأحداث لديهم أو تقلل منها ، وكان الهدف من هذا الإجراء تقليل درجة التفاؤل غير الواقعي أو التحكم فيها . وبالفعل أظهرت هذه الدراسة أن استخدام هذا الإجراء قد خفض من معدل التفاؤل غير الواقعي بشكل ملحوظ بالنسبة للأحداث ذاتها التي تم تحديدها في الدراسة الأولى . ومع ذلك فإن هذا الإجراء لم ينف ظاهرة اللاواقعية في التفاؤل ( Weinstein, 1983).
وحيث إن مفهوم التفاؤل غير الواقعي يشير إلى تقليل الأفراد من " تقديراتهم أو توقعاتهم من الأحداث التي سوف تواجههم في المستقبل ، فقد تساءل " ماكينا " ( Mckenna, , 1993) : هل يرجع ذلك إلى مفهوم التفاؤل غير الواقعي أو إلى الشعور الزائف بالقدرة على التحكم IIusion of control . وللإجابة عن هذا التساؤل استخدم المنهج التجريبي ، وبلغ حجم العينة (99) فرداً من أعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب بجامعة " ريدنج " في إنجلترا بواقع (58) ذكرا و (41) أنثى ، ممن تراوحت أعمارهم من 18 إلى 68 عاما . وكانت أداة البحث عبارة عن استبانة تتكون من سؤالين كما يليى :
السؤال الأول : مقارنة بالسائقين الآخرين ، ما هو توقعك (في اعتقادك) بأنك سوف تتعرض لحادثة مرورية أثناء قيادتك للسيارة ؟
السؤال الثاني : مقارنة بالسائقين الآخرين ، ما توقعك (في اعتقادك) بأنك سوف تتعرض لحادثة مرورية عندما تكون مرافقا وليس سائقا للسيارة ؟
وكانت فئات الإجابة عبارة عن خمسة اختيارات ، وكشفت نتائج الدراسة عن عدم توقع السائقين الحوادث المرورية عندما يقومون هم بقيادة السيارة ، على حين كانت توقعاتهم أكثر بالإصابة في حادثة مرورية عندما يكونون مرافقين وليسوا سائقين . وقد فسر الباحث نتائج الدراسة بعدم وجود علاقة بين التفاؤل وتوقع تلك الأحداث ، وفسرها بأنها ناجمة عن خداع الضبط أو التحكم .
ويذكر " واينشتاين " ( Weinstein, 1982) دراسة قدمت لمائة طالب جامعي من الجنسين قائمة تضم 45 مشكلة صحية تشتمل على عنصرين فرعيين : الأمراض وأسباب الوفاة مثل : الإدمان ، الانتحار ، الصرع ، أزمة قلبية ، القرحة ، سرطان الرئة ، التهاب الكبد الوبائي ، نقص الفيتامين ، عدوى الكلى ، تصلب الشرايين ، السكر ، الصمم ، ضربة الشمس ، الربو ، القتل . وتلا كل مشكلة مقياس تقدير من سبع نقاط يضم الاختيارات الآتية : أقل من المتوسط بكثير ، أقل من المتوسط ، أقل من المتوسط قليلا ، المعدل نفسه لبقية طلاب جامعتك من جنسك نفسه ، أعلى من المتوسط قليلا ، أعلى من المتوسط ، أعلى من المتوسط كثيرا . وقام كل طالب بوضع تقديرين: فرص إصابته بهذه المشكلات الصحية والمشكلات المهددة للحياة ، وفرص زملائه في الجامعة نفسها .
وكشفت النتائج أن لدى الطلاب تفاؤلا متحيزا مرتفعا ، فقد عدوا فرصة إصابتهم بالمشكلات الصحية أقل من فرصة أقرانهم . كما ظهر أن العوامل التي تميل إلى أن تزيد من التفاؤل غير الواقعي تتمثل في : إمكانية التحكم في المرض أو سبب الوفاة كما يدركها الطلاب ، نقص الخبرة السابقة ، الاعتقاد بأن المشكلة الصحية تظهر خلال الطفولة . وبينت هذه الدراسة أيضا أن التفاؤل غير الواقعي يضعف الاهتمام بتخفيض احتمالات خطر الإصابة بالأمراض ، ويكون ذلك بطريقة غير مباشرة إذ يخفض القلق .
وقد قدم " واينشتاين " تعريفا لانحياز التفاؤل غير الواقعي كما يلى : " يعتقد الناس أن الحوادث السلبية يقل احتمال حدوثها لهم بالمقارنة إلى الآخرين . كما يعتقدون أن الحوادث الإيجابية يزداد احتمال حدوثها لهم بالنسبة إلى الآخرين " . وتتاح دراسات كثيرة تؤيد هذه الظاهرة . ومع ذلك لا تتاح دراسة تفحص هذه الظاهرة في الحالات التي يكون فيها الخطر شائعا وشديدا وفوريا وحقيقيا .
ويعرف " تايلور وبراون " ( Taylor & Brown, 1988) التفاؤل غير الواقعي بأنه شعور الفرد بقدرته على التفاؤل إزاء الأحداث دون مبررات منطقية أو وقائع أو مظاهر تؤدي إلى هذا الشعور ، مما قد يتسبب أحيانا في حدوث النتائج غير المتوقعة ، وبالتالي يصبح الفرد في قمة الإحباط مما قد يعرضه للمخاطر والإصابة بالأمراض النفس الجسمية على سبيل المثال ، وذلك كما ظهر من دراسة " تايلور " وزملائه (Tayler et al., 1992) ، حيث يعتقدون أن التوقعات غير الواقعية للأفراد إزاء أحداث المستقبل ( وبخاصة في الأمور الصحية) قد تدفع بهم إلى عدم ممارسة السلوك الصحي الجيد .
ويفرق كل من " هاريس ، ميديلتون " ( Harris & middleton, 1994) بين كل من التفاؤل والتفاؤل المقارن والتفاؤل غير الواقعي باعتبار أن التفاؤل " عبارة عن نزعة داخل الفرد للتوقع العام لحدوث الأشياء الايجابية بدلا من حدوث الاشياء السلبية " ، على حين يعرفان التفاؤل المقارن باعتباره " نزعة داخل الفرد للتوقع العام لحدوث الأشياء الايجابية لنفسه أكثر من حدوثها للآخرين ، وتوقع حدوث الأشياء السلبية للآخرين أكثر من حدوثها له " ، على حين يعرف التفاؤل غير الواقعي " بأنه عبارة عن نزعة داخل الفرد غالبا لتوقع حدوث الأشياء الايجابية أكثر مما يحدث فعلا وتوقع حدوث الأشياء السلبية اقل مما يحدث فعلا .
وتشير إحدى الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة إلى أن أكثر من 44% من أفراد العينة التي شملتها الدراسة كانوا متشائمين عندما سئلوا عن توقعاتهم عما سوف يحل ببلادهم في المستقبل ، كما كان حوالي 60% منهم متشائمين عندما سئلوا عن أشياء تتعلق بأمور حياتهم ، وظهر أيضا أن 4% تقريبا من أفراد العينة توقعوا الأسوأ في جميع الأمور ، علما بأن 80% من أفراد العينة توقعوا الأفضل فيما يتعلق بتنبؤاتهم الخاصة والعامة ( Smith, 1983) .
ويرى عدد من الباحثينHarris & ( Kirscht et al., 1966; Robertson, 1977; Larwood 1978; Guten, 1979) أن الأفراد الذين لديهم تفاؤل غير واقعي هم الذين يعتقدون بأن احتمالات حدوث الأسوأ من الأحداث أو الأفضل من الأحداث بمعدل أقل من المتوسط بوجه عام .
ويحدث التفاؤل غير الواقعي عندما يخفض الافراد تقديراتهم أو توقعاتهم الشخصية أو الذاتية لمواجهة الأحداث السيئة . ولا يحدث التفاؤل غير الواقعي فقط عندما يقلل الأفراد من احتمالات حدوث الأسوأ من الأحداث ، وإنما أيضا عند زيادة توقع الأحداث الإيجابية ( Mckenna, 1993) .
وينظر بعض الباحثين إلى التفاؤل غير الواقعي بإعتباره أحد الميكانيزمات (الآليات) الدفاعية التي يستخدمها الأنا لخفض القلق ( Kirsch et al, 1966)، على حين يفسر باحثون آخرون (Jones & Nisbett 1971; Ross et al., 1977; Todesco & Hillman, 1999 Weinstein 1980; Weinstein & Lachendro 1982 ) التفاؤل غير الواقعي بوصفه نزعة الأفراد الأنانية بطبيعتهم والتي تؤثر في معتقداتهم تجاه التقليل من احتمالات وقوعهم في الخطر علما بأنهم يعتقدون بأن تلك الأحداث قد تحدث للآخرين دونهم . كما يفسر كل من ( Kahneman & Tversky 1972) التفاؤل غير الواقعي نتيجة للخطأ المعرفي الذي قد يقع فيه الفرد ، فعلى سبيل المثال قد يكون لدى بعض الأفراد صور ذهنية خاصة عن ضحايا الأزمات القلبية ، فإذا كان الفرد ذاته يعتقد لا تنطبق مع صورته الذهنية عن ضحايا أزمات القلب فإنه يستبعد احتمال تعرضه لأزمة قلبية بعكس الأفراد الذين يعانون من أزمات قلبية والذين يتوقعون احتمالات الإصابة بها .
ويفسر بعض الباحثين ( Morison, 1985) التفاؤل غير الواقعي بأنه نتيجة لانخفاض الذكاء أو افتقار الفرد لبعض المهارات العقلية مما يدفع الفرد إلى إساءة التقدير للمخاطر المحتملة أو الأحداث السيئة التي يحتمل أن يتعرض لها .
ومن خلال العرض السابق يمكن أن نستنتج أن التفاؤل عبارة عن نظرة استبشار نحو المستقبل ، تجعل الفرد يتوقع الأفضل ، وينتظر حدوث الخير ، على حين يمكن تعريف التفاؤل غير الواقعي بأنه اعتقاد الفرد بقدرته على التفاؤل إزاء الأحداث دون مبررات منطقية أو وقائع تؤدي إلى هذا المعتقد حيث يتوقع الفرد غالبا حدوث الأشياء الإيجابية أكثر مما يحدث في الواقع ويتوقع حدوث الأشياء السلبية أقل مما يحدث في الواقع . مما قد يتسبب أحيانا في حدوث النتائج غير المتوقعة ، والتي قد تعرضه بدورها لمخاطر عدة أهمها المخاطر الصحية ، ولذلك فان المفهوم الأخير جدير بالدراسة ، وهو ما اضطلعت به في هذه الدراسة .
وامتدادا للمحاولات التي قام بها بعض الباحثين للتوصل إلى تعريف مقبول للتفاؤل غير الواقعي ، فإننا نضع تعريفا إجرائيا للتفاؤل غير الواقعي في الدراسة الحالية هو " استجابة يقوم بها الفرد لمدى توقعه غالبا لحدوث أحداث إيجابية متنوعة أكثر مما يحدث في الواقع وتوقع حدوث الأحداث السلبية أقل مما يحدث في الواقع كما يقاس بالبنود التي تضمنتها أداة البحث ، وهذه الاستجابة تقاس بمقياس متدرج ذى ثمانية مستويات من الاحتمالات هي : 10% ، 20% ، 30% ، 40% ، 50% ، 60% ، 70% ، 80% .
الدراسات السابقة :
إن المتتبع للدراسات الأجنبية والعربية التي تناولت مفهوم التفاؤل غير الواقعي يلاحظ أنها قليلة جدا بالمقارنة لدراسات التفاؤل والتشاؤم وغيرها من متغيرات الشخصية ومع ذلك فقد تناولت هذه الدراسات التفاؤل غير الواقعي في أربعة محاور : قياس التفاؤل غير الواقعي وتحديد طبيعة علاقته ببعض متغيرات الشخصية ، ودراسات التفاؤل غير الواقعي وعلاقته بالمشكلات الصحية ، والدراسات التي تناولت خفض التفاؤل غير الواقعي المتعلق بالقابلية للمرض ، دراسات ثقافية مقارنة في التفاؤل غير الواقعي ، ونظرا لقلة عدد الدراسات في كل اتجاه فإننا سوف نعرض في الجزء التالي لهذه الدراسات السابقة في ضوء التصنيف الذي أشرنا إليه مؤخرا و حسب التسلسل التاريخي لها من الأقدم إلى الأحدث .
التفاؤل غير الواقعي ومتغيرات الشخصية :
أجريت دراسة " ماهاتاني ، جونستون " ( Mahatone & Johnston, 1989) على عينة قوامها (60) طالب من طلاب كلية الطب في إحدى الجامعات البريطانية طبق عليها استبيان التفاؤل غير الواقعي و الذي يدور حول مدى تعرضهم لاحتمال الإصابة بعدد (18) مرض منها أمراض عقلية مقارنة بأقربائهم . كما طبق عليهم استبيان عن الاتجاهات نحو المرض العقلى . وقد كشفت نتائج هذه الدراسة عن وجود ارتباط جوهري سالب بين التفاؤل غير الواقعي والاتجاه السلبي نحو المرض ووجود ارتباط جوهري موجب بين التفاؤل الواقعي والاتجاهات الإيجابية نحو المرض .
درس " ديبيري " وصحبه ( Dewberry et al., 1990) " القلق والتفاؤل غير الواقعي " ، فيذكرون أنه عندما يُقدر الناس احتمال تورطهم في حادث معين من حوادث الحياة فإنهم يميلون إلى أن يكونوا متفائلين بشكل غير واقعي ، فهم يعتقدون مثلا أن الحوادث السلبية يقل احتمال حدوثها لهم بالمقارنة إلى الآخرين ، كما أنهم يعتقدون أن الحوادث الايجابية يزداد احتمال حدوثها لهم بالنسبة لغيرهم من الناس . فعندما يُطلب منهم مثلا أن يقدروا احتمال أن يصبحوا ضحية في حادث تصادم في السكة الحديد ، فالغالب أنهم سيذكرون أن احتمال كونهم ضحية سيكون أقل من أقرانهم . وتتوافر الأدلة على هذه الظاهرة . إلا أن بعض الدراسات برهنت على أن أثر التفاؤل غير الواقعي يصبح معكوساً أحياناً ، بحيث يصبح الناس متشائمين بشكل غير واقعي ، ويكون ذلك في ظروف معينة ( كما سنبين في فقرة لاحقة) .
وقُدمت تفسيرات معرفية للتغير في مستويات التفاؤل والتشاؤم التي يجربها ويَخُبرها الشخص حيال الأحداث . وفحصت العلاقة بين التفاؤل والتشاؤم والقلق ، والقلق هنا متغير مرتبط بكل من النواحي الانفعالية والمعرفية في هذه الدراسة .
واستُخرج ارتباط سلبي بين معدل القلق الذي تشعر به الطالبات الإنجليزيات بالنسبة لأحداث سلبية معينة ومدى التفاؤل غير الواقعي لديهم بالنسبة لحدوث هذه الأحداث، و هي:
أن تصبح الفتاة ضحية اغتصاب، حدوث سرطان ثدي، العدوى بفيروس الإيدز، أن تصبح الفتاة ضحية اعتداء بقصد السرقة، أن تكون عاقراً، أن تطلق خلال خمس سنوات من الزواج، أن تصاب في حادث سيارة، العدوى بأمراض تناسلية، المعاناة من اكتئاب شديد، أن يسرق اللصوص سيارتك، أن تفصل من الوظيفة، أن تفصل من الكلية، أن تصاب بأزمة قلبية قبل سن الأربعين.
وقد استخلص الباحثون أن درجة القلق التي يمر بها الفرد ويخبرها تجاه حادث سلبي معين يمكن أن تؤثر في مستوى التفاؤل أو التشاؤم غير الواقعي تجاهه .
أما دراسة " سباركس ، شابرد ، ويرنجا ، زيمرمان " ( Sparks, Shepherd, Wieringa & Zimmermanns, 1995) التي أجريت بهدف التعرف على طبيعة علاقة التفاؤل غير الواقعي بتغير نظام الحمية وإدراك التحكم في السلوك وذلك على عينة قوامها (612) من المراهقين الانجليز أعمارهم تتراوح بين 12 – 17 عاما طبق عليها مقياس احتمال حدوث بعض الأحداث السلبية والإيجابية المرتبطة بسلوك نظام الحمية . وقد كشفت النتائج أن التفاؤل غير الواقعي تجاه المخاطر الصحية المرتبطة بنظام الحمية يزيد لدى الأفراد الذين يستهلكون الأغذية الصحية الجيدة بالمقارنة بالأفراد الذين يستهلكون الأغذية غير الصحية أو الضارة .
وفي دراسة " هورينـز " ( Hoorens, 1995) التي أجريت بهدف الكشف عن طبيعة علاقة التفاؤل غير الواقعي ببعض متغيرات الشخصية وذلك على عينة قوامها (90) طالب وطالبة من إحدى المدارس الثانوية الألمانية بواقع (45) من الإناث و(47) من الذكور تراوحت أعمارهم بين 15 – 18 عاما ، طبق عليهم مقياس للتفاؤل غير الواقعي تم تطويره من مقياس " وينشتاين " بحيث أصبح يتكون من (34) بنداً بواقع (17) بنداً إيجابيا و(17) بندأ سلبيا ، يجاب عنها بمقياس متدرج من (9) نقاط ، كما طبق على أفراد العينة عدد من مقاييس الشخصية ( خداع الذات ، الشعور الزائف بالقدرة على التحكم ، السلوك الاجتماعي ، السعادة ، الاتزان الوجداني ، تقدير الذات ) . وكشفت نتائج الدراسة عن وجود ارتباطات جوهرية موجبة بين التفاؤل غير الواقعي وكل من خداع الذات ( ر = 51,) والشعور الزائف بالقدرة على التحكم ( ر = 0.35) وتقدير الذات ( ر = 67,) والسلوك الاجتماعي ( ر = 0.40) والسعادة ( ر = 0.38) والاتزان الانفعالي ( ر = 0.34) .
أما دراسة " ريجان ، سنايدر ، كاسين " ( Regan, Snyder, & Kassin, 1995) التي أجريت على عينة من طلاب الجامعة قوامها (60) طالبا وطالبة بهدف الكشف عن التفاؤل غير الواقعي وذلك عن طريق تطبيق مقياس " وينشتاين " للتفاؤل غير الواقعي ، وقد طلب من المفحوصين تقدير احتمال حدوث بعض الحوادث الإيجابية والسلبية لأنفسهم وأخوتهم وأصدقائهم . وقد كشفت النتائج عن أن المفحوصين كانوا أكثر تفاؤلا غير واقعيا بالنسبة لأنفسهم وأخوتهم عن أصدقائهم ، أى أنهم يعتقدون بأن الأحداث السلبية يقل احتمال حدوثها لهم ولاخوتهم ، كما يعتقدون أيضا بأن الحوادث الإيجابية يزداد احتمال حدوثها لهم ولإخوتهم بالنسبة إلى أصدقائهم .
وفي دراسة " شيبرد ، كويلتي ، فيرنانديز " ( Shepperd, Quellette & Fernandez, 1996) التي أجريت بهدف تقدير التفاؤل غير الواقعي على عينة من طلاب إحدى الجامعات الأمريكية قوامها (82) طالب بواقع (31) من طلاب السنة الثانية و(22) من طلاب السنة الثالثة و (29) من طلاب السنة الرابعة ، طبق عليهم مقياس لقياس التفاؤل غير الواقعي وذلك بسؤالهم عن توقعهم عن الوظيفة التي سوف يشغلونها في المستقبل القريب بعد التخرج فضلا عن الدخل السنوي العائد من تلك الوظيفة لهم ، وقد كشفت نتائج الدراسة عن زيادة التفاؤل غير الواقعي لدى طلاب السنة الثانية عن الثالثة والرابعة ، حيث ينخفض التفاؤل غير الواقعي لدى طلاب السنة الرابعة مقارنة بطلاب السنة الثالثة والثانية على التوالي .
التفاؤل غير الواقعي والمشكلات الصحية :
في دراسة أجراها " واينشتاين " ( Weinstein, 1982) على " التفاؤل غير الواقعي المتعلق بالقابلية للمشكلات الصحية " ، يذكر في مقدمته : يُحث الناس دائما على أن يحموا أنفسهم من المرض والحوادث والجرائم والأخطار البيئية ، وحتى إذا لم تكن الاحتياطات والتدابير الوقائية الواجب اتباعها معروفة جيداً فإن المعلومات عنها متاحة عادة . ومع ذلك فكثيرا ما يفشل الناس في إتباع هذه التدابير الوقائية والاحترازات ، فهم يعانون من المرض ، ويتعرضون للأذى البدني والآلام النفسية التي كان في الإمكان تجنبها .
ولدى غير المتخصصين تفسير بسيط لذلك ، إذ يفترض أن الناس يميلون إلى التفكير في أنهم محصنون غير معرضين للأذى Invulnerable ، فيفشلون في التصرف لأنهم يتوقعون لسوء الطالع أن يلم بغيرهم من الناس وليس بهم أنفسهم . وعلى الرغم من توافر الأدلة على أن الاعتقادات المتصلة بالقابلية للمرض منبئات مهمة بالسلوك الوقائي للصحة فإننا نعرف القليل عن أصل هذه الاعتقادات ومدى دقتها .
وهدفت دراسة " واينشتاين " فحص هذه الاعتقادات المتعلقة بالقابلية للمرض لدى عينة من طلاب الجامعة لهم صحة جيدة بوجه عام ، حيث قام بفحص التفاؤل غير الواقعي بالنسبة للقابلية للمرض .
وقد فسر اعتقاد الناس بأن احتمال وقوعهم في الأخطار أقل من المتوسط ( وسمى التفاؤل غير الواقعي كذلك تحيز التفاؤل ( Optimistic bias تفسيرات عدة منها : أولا أنه شكل من أشكال السلوك الدفاعي للأنا Ego defensive behavior ، أو أنه مقاومة ضد الاعتراف بأنهم غير محصنين ، لأن التهديد الضار يمكن أن يولد القلق ، ولكن هذا التفسير واجه نقداً كثيراً . كما فسر التفاؤل غير الواقعي – - ثانياً – بأنه أخطاء معرفية Cognitive errors حيث يميل الناس مثلا إلى أن يكونوا متمركزين حول أنفسهم ، وتكون لديهم صعوبة في تقبل وجهة نظر الآخرين . ونتيجة لذلك فقد ننسى أن العوامل نفسها التي تجعلنا نشعر أن حادثة معينة لا يحُتمل أن تحدث لنا يمكن أيضا أن تجعل الناس الآخرين يشعرون أنها لا يحتمل أن تحدث لهم . فقد نفكر في أن احتمال وقوعنا في خطر الإصابة بمرض في القلب أقل من المعدل لأننا نقوم بتمرينات رياضية ونتجنب الدهون المشبعة ، وننسى أن أناساً آخرين يفعلون كما نفعل أو أكثر مما نفعل ، ويصابون بهذا المرض.
كما أنه نتيجة لتمركزنا حول ذواتنا فإن أى عامل يؤثر في اعتقاداتنا عن احتمال إصابتنا بمرض ما ، يترتب عليه أخطاء في الأحكام المقارنة التي نصدرها عن احتمال وقوعنا في هذا الخطر . ومثال ذلك أن نقص الخبرة بمشكلة صحية قد يجعلنا نشعر أنها لا يحتمل أن تحدث لنا ، بحيث يصبح احتمال وقوعنا تحت هذا الخطر أقل من المعدل .
ومن ناحية أخرى فقد أكدت البحوث وجود عامل آخر مختلف ، متصل بالخطأ المعرفي ، وينتج عنه تحيز التفاؤل ( أو التفاؤل المتحيز) ، ففى بعض المشكلات كالأزمات القلبية مثلا يكون لدى الناس صورة عقلية نمطية Stereotypic mental image عن الضحية ، وإذا لم ير الناس أنفسهم على أنهم متطابقون مع هذه الصورة ، فمن المحتمل أن يستنتجوا أن المشكلة لن تحدث لهم ، وذلك حتي لو كانوا مختلفين عن هذه الصورة فقط في جوانب لا علاقة لها بخطر الإصابة بهذا المرض .
ويذكر " واينشتاين " ( Weinstein, 1982) دراسة قدمت لمائة طالب جامعي من الجنسين قائمة تضم (45) مشكلة صحية تشتمل على عنصرين فرعيين : الأمراض وأسباب الوفاة ، مثل : الإدمان ، الانتحار، الصرع، أزمة قلبية ، القرحة ، سرطان الرئة ، التهاب الكبد الوبائي ، نقص الفيتامين ، عدوى الكلي، تصلب الشرايين ، السكر ، الصمم ، ضربة الشمس ، الربو ، القتل . وتلا كل مشكلة مقياس تقدير من سبع نقاط يضم الاختيارات الآتية : أقل من المتوسط بكثير ، أقل من المتوسط ، أقل من المتوسط قليلاً ، المعدل نفسه لبقية طلاب جامعتك من جنسك نفسه ، أعلى من المتوسط قليلاً ، أعلى من المتوسط ، أعلى من المتوسط كثيراً . وقام كل طالب بوضع تقديرين : فرص إصابته بهذه المشكلات الصحية والمشكلات المهددة للحياة ، وفرص زملائه في الجامعة نفسها .وكشفت النتائج أن لدى الطلاب تفاؤلاً متحيزاً مرتفعاً ، فقد عدوا فرصة إصابتهم بالمشكلات الصحية أقل من فرصة أقرانهم . كما ظهر أن العوامل التي تميل إلى أن تزيد من التفاؤل غير الواقعي تتمثل في : إمكانية التحكم في المرض أو سبب الوفاة كما يدركها الطلاب ، نقص الخبرة السابقة ، الاعتقاد بأن المشكلة الصحية تظهر خلال الطفولة . وبينت هذه الدراسة أيضا أن التفاؤل غير الواقعي يضعف الاهتمام بتخفيض احتمالات خطر الإصابة بالأمراض ، ويكون ذلك بطريقة غير مباشرة إذ يخفض القلق .
أما دراسة " ريبوكى وصحبه " ( Reppucci et al., 1991) التي أجريت على عينة قوامها (54) مدخن وأخرى قوامها (304) من غير المدخنين من المراهقين بهدف عقد مقارنة المدخنين وغير المدخنين في التفاؤل غير الواقعي وذلك بتطبيق استبانة تدور حول معتقدات المراهقين نحو احتمال إصابتهم ببعض الأمراض البدنية الناتجة عن التدخين مثل سرطان الرئة والأزمة القلبية وأمراض انتفاخ الرئة وغيرها . وتشير النتائج بوجه عام إلى اعتقاد المدخنين باحتمال إصابتهم بسرطان الرئة والأزمة القلبية بمعدل يزيد عن المراهقين من غير المدخنين ، كما يعتقد المدخنون أيضا بأنهم يحتمل أن يتعرضوا لضغوط بمعدل أكبر من غير المدخنين .
وهدفت دراسة " ماجي ، كايرنز " ( McGee & Cairns, 1994) إلى قياس التفاؤل غير الواقعي لدى عينة من طلاب كلية الطب قوامها (257) فرداً من الأيرلنديين ، طلب منهم أن يقدروا الدرجة التي يتوقعون فيها إصابتهم بعدد من المشاكل الصحية وقوامها (17) مشكلة صحية . وكشفت النتائج عن فروق بين الجنسين في التفاؤل غير الواقعي في ثلاث مشكلات صحية فقط . كما كشفت النتائج بوجه عام أن المشكلات الصحية يقل احتمال حدوثها لهم مقارنة للآخرين .
أما عن دراسة " هاريس ، ميدلتون " ( Harris & Middleton, 1994) التي هدفت إلى قياس التفاؤل والتفاؤل المقارن والتفاؤل غير الواقعي وعلاقتها بالصحة وذلك على عينة قوامها (192) فرداً من طلاب احدى الجامعات البريطانية بواقع (133) من الذكور و(59) من الإناث ، متوسط أعمارهم 21 عاما + 3.33 عاماً ، طبقت عليهم قائمة تتكون من (15) مرض عضوي مثل : قرحة المعدة ، البدانة ، تلف الكبد، الإيدز ، سرطان الرئة، البواسير … الخ) ، وقد طلب منهم تقدير احتمالات الإصابة بتلك الأمراض في المستقبل . وقد كشفت النتائج أن أفراد العينة يعتقدون أن الحوادث السلبية يقل احتمال حدوثها لهم بالمقارنة إلى الآخرين .
أما دراسة " كوهن ، ماكفارلين ، يانيز ، إماى " (Cohn, Macfarlane, Yanez, & Imai, 1995) التي هدفت إلى قياس التفاؤل غير الواقعي لدى عينة من المراهقين وقوامها (376) وعينة من الراشدين قوامها (160) فرداً بهدف المقارنة بينهم في التفاؤل غير الواقعي ، حيث سئلوا عن مدى احتمال تعرضهم لعدد من الأحداث السلبية مثل " حالة السكر ، محالة الانتحار ، الطرد من الكلية ، ضحية حادث سطو ، الإصابة بالسرطان، التعرض لحادث مروري … إلخ " . وقد كشفت النتائج عن وجود فروق بين المراهقين والراشدين في التفاؤل غير الواقعي حيث مال المراهقون إلى أن يكونوا أقل تفاؤلا غير واقعيا من الراشدين .
و في دراسة " ستريتشر ، كريتر ، كوبرين " ( Strecher, Kreuter & Kobrin, 1995) التي أجريت بهدف التعرف على التفاؤل غير الواقعي لمدخني السجائر تجاه إصابتهم بأمراض القلب أو السرطان أو أزمة قلبية وذلك على عينة من المدخنين قوامها (2785) مدخن في ولاية شمال كارولينا الأمريكية . وقد تم توجيه استبانة إليهم عن مدى احتمال إصابتهم بالسرطان وبعض أمراض القلب مقارنة بغيرهم من غير المدخنين والمدخنين ، وقد كشفت النتائج أنه على الرغم من أنهم يعتقدون بأنه يزداد احتمال حدوثها لهم بالنسبة إلى غير المدخنين ، إلا أنهم يعتقدون بأنه يقل احتمال حدوثها لهم بالنسبة إلى المدخنين منهم .
أجرى كل من " روتر ، وكوين ، وألبرى " ( Rutter, Quine & Albery, 1998) دراسة هدفت إلى قياس التفاؤل غير الواقعي لدى قائدي الدرجات الهوائية وذلك على عينة قوامها (723) فرداً ، طبق عليهم استبيان عن مدى تعرضهم للإصابة ببعض الحوادث السلبية نتيجة قيادة الدراجة الهوائية . وقد كشفت نتائج الدراسة عن ميل الأفراد إلى الاعتقاد بأن الحوادث السلبية الناتجة عن قيادة الدراجة الهوائية يقل احتمال حدوثها لهم بالمقارنة إلى القائدين الآخرين للدراجة الهوائية ، كما كشفت نتائج الدراسة أيضا عن وجود فروق بين قائدي الدراجات الهوائية ممن لديهم خبرة طويلة وممن لديهم خبرة قصيرة في قيادة الدراجات الهوائية ، حيث يميل الأفراد ذوي الخبرة القصيرة في القيادة إلى أن يكونوا أكثر تفاؤلا غير واقعيا بمعنى أنهم يعتقدون أن الحوادث السلبية يقل احتمال حدوثها لهم بالنسبة إلى القائدين الآخرين .
أما عن دراسة كل من " موريسون ، وآجير ، ويللوك " ( Morrison, Ager, & Willock, عن 1999) التفاؤل غير الواقعي لدى عينة قوامها (120) فرداً من الراشدين من مقاطعة "ميلاوي" في أفريقيا والتي تنتشر فيها بعض الأمراض الوبائية مثل الملاريا والكوليرا والتيفويد وغيرها . وقد وجه لأفراد العينة استبيان عن احتمال إصابتهم بتلك الأمراض الوبائية ، وقد كشفت نتائج الدراسة عن اعتقاد المفحوصين بأن الأمراض الوبائية يقل احتمال حدوثها لهم مقارنة بالآخرين ، مما يؤكد نزعتهم للتفاؤل غير الواقعي .
أما دراسة " توديسكو ، وهيلمان " (Todesco & Hillman, 1999) التي أجريت على عينة قوامها (74) طالب وطالبة من طلاب إحدى الجامعات الأمريكية في ولاية "ميتشيجان" الأمريكية بهدف قياس التفاؤل غير الواقعي وذلك من خلال مقياس يتكون من قائمة من الأنشطة التي تهدد صحة الفرد والمرتبطة على سبيل المثال بقيادة السيارة ، واحتساء الكحول ، و تعاطى الحشيش ، والتدخين ، وممارسة الجنس بصورة غير مشروعة . وقد سئلوا عن مدى احتمال تعرضهم لتلك المخاطر ، وأسفرت النتائج عن اعتقاد المفحوصين بأن فرص إصابتهم بمشكلات صحية نتيجة ممارساتهم أو سلوكهم أكبر مما كانت عليها عندما كانوا في مرحلة الطفولة المتأخرة .
خفض التفاؤل غير الواقعي المتعلق بالقابلية للمرض :
يذكر " واينشتاين " (Weinstein, 1983) أن معظم المعالجات النظرية لسلوك الصحة والمرض تتضمن إدراك الفرد لقابليته للإصابة بالضرر بوصفه متغيراً تفسيرياً أساسياً . وتؤكد بعض الدراسات أن القابلية للإصابة بالمرض كما يدركها الفرد تعد منبئاً لطائفة عريضة من السلوكيات التي تحمي الصحة . وتتوافر الأدلة على أن الاعتقادات المتعلقة بالحصانة الشخصية ( ضد الأمراض) أي عدم القابلية للإصابة بها تعد خاطئة في غالب الأحوال وبشكل متسق ، أي أنها متفائلة بشكل غير واقعي .
ويميل الناس إلى الاعتقاد – بالنسبة لمعظم المشكلات الصحية والأفكار التي تهدد الإنسان – بأن احتمال حدوثها لهم أقل من غيرهم من المحيطين بهم . فإذا قال شخص ما : إن فرص إصابته بمرض معين أقل من المتوسط ، فقد يكون صائباً تماماً ، ولكن لا يمكن أن يكون كل فرد أقل من المتوسط في احتمال تعرضه لخطر الإصابة . وإذا كان عدد الأشخاص الذين يعلنون أن فرصهم في الإصابة أقل من المتوسط يفوق بكثير أولئك الذين يقررون أن فرصتهم أعلى من المتوسط ، فإن المجموعة ككل تبرهن على تحيز التفاؤل . ويبدو أن التفاؤل المتطرف يظهر بوجه عام لأن الناس يعطون أنفسهم ثقة في العوامل التي تعد في صالحهم ، ولكنهم يفشلون في أن يعطوا الآخرين الحق نفسه .
و قد وضح " واينشتاين " خطة للتدخل مصممة لخفض التفاؤل غير الواقعي ، وأجريت الدراسة على طلاب جامعيين ، طلب منهم أن يصدروا أحكاماً على خطر وقوعهم في أحد عشر مشكلة صحية وخطراً مثل : مرض السكري ، أزمة قلبية ، مشكلة إدمان ، محاولة انتحار ، سرطان الرئة ، إصابة في حادث سيارة ، ضغط دم مرتفع ، قرحة ، سقوط الأسنان … الخ ، وطلب منهم أيضا تقدير مدى قلقهم بالنسبة لإصابتهم بكل مشكلة أو خطر مما سبق . وطبق عليهم استخبار لتحديد مدى تقبلهم لاتباع احتياطات جديدة تقلل من خطر إصابتهم . كما تم تحديد عوامل الخطر Risk Factors لكل مشكلة من الأحد عشر مشكلة، مثال ذلك عوامل الخطر المتعلقة بالأزمة القلبية في : عدد السجائر التي تدخن في الأسبوع، عدد أفراد الأسرة الذين أصيبوا بمرض في القلب، الشخصية المتشددة مقابل المتساهلة، عدد الساعات التي تقضى في التدريب الرياضي كل أسبوع، عدد البيض الذي يتناوله الفرد كل أسبوع، عدد الوجبات التي يأكل فيها الفرد لحماً أحمر كل أسبوع.
وقد تلقى الطلاب معلومات عن موقف الطالب النمطي على عوامل الخطورة هذه قبل أن يقوم بأحكامه المقارنة على عوامل الخطورة . وأسفرت التجربة عن تخفيض تحيز التفاؤل بالنسبة للمشكلات التي تثير الأحكام المتحيزة عادة ، ولكنها لم تؤثر في الأحكام المتصلة بمشكلات لا تثير عادة التفاؤل غير الواقعي .
التفاؤل غير الواقعي والثقافة :
أجرى كل من " بيترز ، وكاميرت ، وسيزابينسكى" ( Peeters, Cammaert, & Czapinski’ 1997) دراسة بهدف التعرف على الفروق الثقافية في التفاؤل غير الواقعي والتي أجريت على (19) عينة من البلجيكيين والمغربيين والبولنديين بواقع (670) بولندي و(337) بلجيكي و (112) مغربي تراوحت أعمارهم بين 17 – 35 عاما ، طبق عليهم مقياس " وينشتاين " للتفاؤل غير الواقعي ، وكشفت نتائج الدراسة عن وجود فروق ثقافية في التفاؤل غير الواقعي ، حيث حصل البولنديون على أعلى المعدلات يليهم البلجيكيين ثم المغربيين .
أما دراسة " هاينى و ليهمان " ( Heine & Lehman, 1995) التي أجريت بهدف عقد مقارنة ثقافية بين الكنديين واليابانيين في التفاؤل غير الواقعي وذلك على عينة يابانية قوامها (196) فرداً من طلاب الجامعة بواقع (130) من الإناث و (66) من الذكور وعينة كندية قوامها (314) فرداً من طلاب الجامعة بواقع (167) من الذكور و(147) من الإناث تراوحت أعمارهم بين 18 و 25 عاما . طبق عليهم مقياس "وينشتاين " للتفاؤل غير الواقعي الذي يتكون من (18) بندا إيجابيا و(24) بندا سلبيا يجاب عنها بمقياس متدرج من 8 نقاط . وكشفت نتائج الدراسة عن فروق ثقافية في التفاؤل غير الواقعي ، حيث حصل الكنديون على متوسط أعلى من اليابانيين في التفاؤل غير الواقعي .
تعقيب على الدراسات السابقة :
1 – يتاح عدد من المقاييس لقياس التفاؤل غير الواقعي مثل مقياس "وينشتاين" لقياس التفاؤل غير الواقعي وسلسلة من المقاييس المطورة عنه .
2 – عدم توفر مقاييس لقياس التفاؤل غير الواقعي صالحة للاستخدام في المجتمع الكويتي في حدود علمنا المتواضع .
3 – كشفت نتائج الدراسات الارتباطية عن وجود علاقة إيجابية جوهرية بين التفاؤل غير الواقعي وكل من المتغيرات التالية : الاتجاه السلبي نحو المرض ، خداع الذات ، الشعور الزائف بالقدرة على التحكم ، تقدير الذات ، السلوك الاجتماعي ، السعادة ، الاتزان الانفعالي ، على حين كشفت نتائج الدراسات الارتباطية عن وجود علاقة سلبية بين التفاؤل غير الواقعي والقلق .
4 – لم نتمكن من الوقوف على دراسات ارتباطية أو عاملية أجريت في المجتمع الكويتي بهدف تحديد طبيعة علاقة التفاؤل غير الواقعي بعدد من متغيرات الشخصية .
5 – لم نتمكن من الوقوف على دراسات عربية أو أجنبية بهدف تحديد الفروق بين الذكور والإناث في التفاؤل غير الواقعي .
6 – كشفت نتائج الدراسات عن وجود علاقة بين العمر والتفاؤل غير الواقعي ، حيث يقل مدى التفاؤل غير الواقعي بزيادة العمر ويزيد بانخفاض العمر لدى الشباب الجامعي .
7 – لمفهوم التفاؤل غير الواقعي علاقة وثيقة بالمشكلات الصحية والأمراض ، حيث إنه يزيد من معدلات الاصابة بالأمراض مثل السرطان والإيدز والبدانة وقرحة المعدة والأمراض الوبائية مثل الملاريا والكوليرا وغيرها وذلك نتيجة لنقص الخبرة السابقة ، والاعتقاد بأن المشكلة الصحية تظهر في سن متقدم من العمر ، بالإضافة إلى أن التفاؤل غير الواقعي يضعف الاهتمام بتخفيض احتمالات خطر الإصابة بالأمراض ، ويكون ذلك بطريقة غير مباشرة إذ يخفض القلق . وتؤكد بعض الدراسات أن القابلية للإصابة بالمرض كما يدركها الفرد تعد منبئاً لطائفة عريضة من السلوكيات التي تحمى الصحة . وتتوافر الأدلة على أن المعتقدات المتعلقة بالأمراض من ناحية عدم القابلية للإصابة بها تعد خاطئة في الغالب ، أي أنها متفائلة بشكل غير واقعي .
8 – وجود فروق ثقافية في التفاؤل غير الواقعي حيث يميل الكنديون إلى أن يكونوا أكثر تفاؤلا غير واقعيا من اليابانيين ، كما يميل البولنديون إلى أن يكونوا أكثر تفاؤلا غير واقعيا من البلجيكيين والمغربيين .
موجز القول أن كثيرا من الدراسات في هذا المجال أسفرت عن وجود علاقة بين التفاؤل غير الواقعي والصحة الجسمية ، حيث أن شعور الفرد بقدرته على التفاؤل إزاء الأحداث دون مبررات منطقية تؤدي إلى هذا الشعور ، قد يتسبب أحيانا في حدوث النتائج غير المتوقعة وبالتالي تجعل الفرد مستهدفاً للإصابة بالأمراض أو تعرضه لبعض المخاطر أو قد تدفع به إلى ممارسة السلوك الصحي الجيد .
وفي ضوء ما سبق برزت أهمية القيام بهذه الدراسة ، سواء أكان ذلك من الناحية النظرية أم التطبيقية في قياس التفاؤل غير الواقعي كإستعداد نفسي قياسا موضوعيا ، خاصة في ظل غياب هذا النوع من المقاييس في المجتمع الكويتي ، وفي الكشف عن الفروق بين الجنسين في التفاؤل غير الواقعي ، وأخيرا في إلقاء الضوء على علاقة التفاؤل غير الواقعي ببعض سمات الشخصية . وننتقل فيما يلي إلى عرض منهج هذه الدراسة وإجراءاتها .
مشكلة الدراسة :
لا توجد دراسة محلية أو عربية فيما نعلم تناولت مفهوم التفاؤل غير الواقعي سوى دراسة نظرية واحدة قام بها كاتب هذه السطور والتى تعد أول دراسة نظرية متخصصة باللغة العربية عن التفاؤل والتشاؤم ، وهى دراسة مهمة قسمت إلى ثلاثة فصول فرعية عن : المفهوم والقياس والمتعلقات . ويعرض الجزء الأول منها للمعنى اللغوي للتفاؤل والتشاؤم ، وكذلك التعريف السيكولوجي ، وموقع مفهوم التفاؤل والتشاؤم في بحوث الشخصية ، ومفهوم التفاؤل غير الواقعي وعلاقته بكل من القلق والمشكلات الصحية ، وخفض التفاؤل غير الواقعي المتعلق بالقابلية للمرض ، ثم مفهوم التشاؤم غير الواقعي .
أما الجزء الثاني من هذه الدراسة النظرية فيعرض لقياس التفاؤل والتشاؤم ، ويقدم مقاييس عدة كلها استخبارات ، ومنها المقياس المعدل للتوقعات العامة للنجاح ، واختبار التوجه نحو الحياة من وضع " شاير ، وكارفر " وهو من أشهر الاستخبارات التي تقيس هذا المفهوم ، ومقياس التفاؤل والتشاؤم المشتق من قائمة منيسوتا ، واستخبار التفاؤل والتشاؤم الفمى ( اعتمادا على تقسيم " فرويد " لمراحل النمو الثلاث : النفسية الجنسية في الطفولة وأولها المرحلة الفمية ) ، ومقياس " ديمبار " وزملائه للتفاؤل والتشاؤم ، ومقياس أحداث الحياة من وضع " واينشتاين " ، ومقياس أحداث الحياة من وضع " أندرسون " وزملائه ، ومقياس اليأس من وضع " بيك " وزملائه ، والقائمة العربية للتفاؤل والتشاؤم ، واختبار التفاؤل والتشاؤم للأطفال .
ويعرض الجزء الثالث من الدراسة النظرية لمتعلقات التفاؤل والتشاؤم ، ويبدأ بتقديم الارتباط بين التفاؤل والتشاؤم وبعض متغيرات الشخصية ومنها : العوامل الخمسة الكبري للشخصية ، وتقدير الذات ، والتوافق والمرض، والدافعية وطرق المواجهة ، والقلق والاكتئاب ، والخوف من النجاح ومن الفشل ، وعلاقتهما بكل من الديانة والعمر والأداء الوظيفي والأكاديمي . ويختتم الكتاب باستنتاجات ختامية وملخص . وتتبع أهمية هذه الدراسة النظرية في تقديم مفهومي التفاؤل والتشاؤم للباحث العربي في علم النفس بوجه عام والتفاؤل والتفاؤل غير الواقعي بوجه خاص ، على الرغم من توفر بعض الدراسات الأجنبية
اهتم الباحثون في الشخصية بمفهوم التفاؤل غير الواقعي على المستوى العالمي في وقت متأخر لا يزيد عن العقدين الآخيرين . وفي حدود علم الباحث لا يوجد أي بحث محلي أو عربي في هذا المجال. وهدفت هذه الدراسة إلى تقديم مفهوم التفاؤل غير الواقعي بوصفه سمة في الشخصية ، ووضع أداة لقياسه ، وتحديد معالمه السيكومترية وفحص ارتباطاته بمتغيرات الشخصية .
وعرف التفاؤل غير الواقعي نظريا بأنه اعتقاد الفرد بقدرته على التفاؤل إزاء الأحداث دون مبررات منطقية أو وقائع تؤدي إلى هذا المعتقد حيث يتوقع الفرد غالبا حدوث الأشياء الإيجابية أكثر مما يحدث في الواقع ، ويتوقع حدوث الأشياء السلبية أقل مما يحدث في الواقع . مما قد يتسبب أحيانا في حدوث النتائج غير المتوقعة ، والتي قد تعرضه بدورها لمخاطر عدة أهمها المخاطر الصحية ، على حين يعرف التفاؤل غير الواقعي إجرائيا بأنه " استجابة يقوم بها الفرد لمدى توقعه غالبا لحدوث أحداث إيجابية متنوعة أكثر مما يحدث في الواقع وتوقع حدوث الأحداث السلبية أقل مما يحدث في الواقع التي تضمنتها أداة البحث ، وهذه الاستجابة تقاس بمقياس متدرج ذى ثمانية مستويات من الاحتمالات من : 10% إلى 80% .
وضع الباحث مقياساً للتفاؤل غير الواقعي معتمداً على المجتمع الكويتي على نحو خاص ، ثم قاس الفروق الفردية والفروق بين الجنسين في التفاؤل غير الواقعي ، وحدد طبيعة العلاقة بين التفاؤل غير الواقعي وبعض متغيرات الشخصية (التفاؤل ، التشاؤم ، اليأس ، الاكتئاب ، القلق ، الذنب ، الخزى ، الوسواس القهري ، الشكاوي الجسمية ، التفكير الانتحاري) .
استخدمت في هذه الدراسة عينات متعددة من طلاب الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب ومن طلاب جامعة الكويت بواقع سبعة عينات و بواقع (270) من طلاب الجامعة لإجراء السؤال المفتوح لجمع عينة بنود المقياس و(425) طالبا وطالبة لحساب الثبات والصدق العاملي ، و(644) فردا لفحص الفروق بين الجنسين و(360) فردا ، و(85) فرداً و(162) طالبا وطالبة لبيان ثبات الاتساق الداخلي لمقياس التفاؤل غير الواقعي لاستخلاص الارتباطات المتبادلة بين متغيرات الشخصية ، و (274) فردا من طلاب جامعة الكويت لحساب معاملات ثبات مقاييس الشخصية.
وقد أسفرت نتائج الدراسة عن تمتع مقياس التفاؤل غير الواقعي بخصائص قياسية جيدة من ناحية الثبات والصدق . فقد تراوحت معاملات الثبات بطريقة القسمة النصفية لدى الذكور والإناث منفصلين بين 0.76 ، 0.88 ، على حين تراوحت معاملات ألفا للثبات بين 0.72 ، 0.89 . كما تراوحت معاملات ثبات الاستقرار بين 0.83 و 0.89 . وفيما يتعلق بالصدق فقد تم حساب صدق التكوين بثلاث طرق (الاتساق الداخلي ، والتحليل العاملي ، والصدق التقاربي والتمييزي ) فقد تراوحت معاملات الارتباط المتبادلة بين كل بند والدرجة الكلية على المقياس بين 0.35 ، و0.61 وقد كشفت نتائج التحليل العاملي عن استخلاص عاملين (الأحداث السارة والأحداث المفجعة) . وقد ارتبط التفاؤل غير الواقعي ارتباطات جوهرية موجبة مع التفاؤل ، على حين ارتبط بارتباطات جوهرية سالبة مع كل من التشاؤم والقلق والوسواس القهري والذنب والخزى والشكاوي الجسمية واليأس والاكتئاب و التفكير الانتحاري.
وأخيرا أسفرت نتائج الدراسة عن عدم وجود فروق جوهرية بين الجنسين في التفاؤل غير الواقعي ، وقدم الباحث عدداً من المعايير لمقياس التفاؤل غير الواقعي (المتوسطات ، والمئينيات ، والدرجات التائية ) كما وضع الباحث عدداً من التوصيات للبحوث المقترحة .
Bader M. Alansari, Ph.D
Psychology Department,
College of Social Sciences .
Kuwait University, Kuwait.
The objectives of this study were: a) to introduce unrealistic optimism in the Arabic literature as a distinctive personality trait,b) to develop an unrealistic optimism scale in order to assess unrealistic optimism in Kuwaiti society to be used as a diagnostic tool and in research, c) to assess unrealistic optimism among Kuwaiti college students and b)to examine its correlates with some personality variables such as shame, hopelessness, depression, anxiety, guilt, obsession, somatic complains, suicidal ideation, life orientation, optimism, and pessimism. Seven independent samples from Kuwait University and from the Public Authority for Applied Education and Training from both sexes were used in this study in order to achieve the study objectives. The first sample consists of (270) students answered to an open- ended question procedure, the second sample consists of (425) students administered the Unrealistic Optimism Scale in order to assess its item analysis, validity, and gender differences .The third, forth, fifth, sixth, and the seventh samples consist of (360), (185), (162), (644)students, respectively in order to assess the scales, internal consistency, and to assess the correlation between unrealistic optimism and some personality variables, and (274) students to assess the personality scales internal consistency. The study findings are:
1 - The Scale has satisfactory psychometric properties in different samples.
2 - The scales, internal consistency ranged from. 72–89 across four different samples.
3 - Regarding the factor structure of the Unrealistic Optimism scale, two factors have been extracted across two different samples.
4 - Unrealistic optimism significantly positive correlation with optimism, and negatively correlated with hoplessness, depression, anxiety, guilt, shame, obsession, somatic complains, pessimism, and suicidal ideation.
5 – No significant gender difference was detected in unrealistic optimism.
The potential usefulness of the Unrealistic Optimism Scale in therapeutic,
school, athletic, business, and research settings was proposed discussed.
• This work was supported by the Kuwait University Research Administration Grant No . APO39.
إعداد مقياس التفاؤل غير الواقعي لدى عينة من الطلبة والطالبات في الكويت
المصطلحات الأساسية :
التفاؤل غير الواقعي ، الخصائص السيكومترية ، الفروق بين الجنسين ، المكونات العاملية، قياس الشخصية ، التفاؤل ، التشاؤم ، الاكتئاب ، اليأس ، الذنب ، القلق ، الأفكار الانتحارية.
مقدمة :
ورد التفاؤل والتشاؤم ومشتقاته ( كالفال وتفاءلت بكذا) ، والشؤم (مثل تشاءم بالأمر والمشامة )في المعاجم العربية القديمة مثل لسان العرب لابن منظور ، وتاج اللغة وصحاح العربية للجوهرى ، والقاموس المحيط للفيروز آبادي … وغيرهم ، واستخدم لفظ " التفاؤل " في أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم . كما أن استخدام كلمتي التفاؤل والتشاؤم من قبل غير المتخصصين يعد استخداما قديما جدا ، حيث يمكن أن يشار بهما – على الأقل – إلى ثلاثة معان كما يلي : توجه في الحياة Life Orientation بوجه عام ، صفة يمكن أن يوصف بها مختلف الأفراد ، حالة نفسية تتأثر بظروف داخل الشخص أو خارجه .
وعلى الرغم من هذا الاستخدام القديم للكلمتين من قبل غير المتخصصين ، فان الاهتمام بالمفهومين ودراستهما بشكل مفصل في إطار علم النفس لم يحدث بشكل منظم إلا في أواخر السبعينيات ( صدر أول كتاب متخصص في هذا الموضوع باللغة الانجليزية عام 1979) . ومع ذلك لم تصل لنا حتى كتابه هذا البحث معلومات عن كتاب عربي عن هذا الموضوع باستثناء كتاب بدر الانصاري (1998) عن التفاؤل والتشاؤم يعرض فيها للمفهوم والقياس والمتعلقات بشكل مفصل ، برغم أهمية مفهومي التفاؤل والتشاؤم في بحوث الشخصية .
ويعرف التفاؤل Optimism بأنه "نظرة استبشار نحو المستقبل ، تجعل الفرد يتوقع الأفضل ، وينتظر حدوث الخير ، ويرنو إلى النجاح ، ويستبعد ماخلا ذلك . " ( بدر الأنصاري ، 1998) . على حين يعرف التشاؤم Pessimism بأنه توقع سلبي للأحداث القادمة ، يجعل الفرد ينتظر حدوث الأسوأ ، ويتوقع الشر والفشل وخيبة الأمل . ويستبعد ما عدا ذلك إلى حد بعيد " ( بدر الأنصاري ، 1998) .
ويعد مفهوم التفاؤل غير الواقعي ذو علاقة وثيقة بمفهومي التفاؤل والتشاؤم ، ويعرف " تايلور ، وبراون " (Taylor & Brown, 1988) التفاؤل غير الواقعي Unrealistic Optimism بأنه شعور الفرد بقدرته التفاؤل إزاء الأحداث دون مبررات منطقية أو وقائع أو مظاهر تؤدي إلى هذا الشعور ، مما قد يتسبب أحيانا في حدوث النتائج غير المتوقعة ، وبالتالي يصبح الفرد في قمة الإحباط مما قد يعرضه للمخاطر والإصابة بالأمراض كالإيدز على سبيل المثال ، وذلك كما ظهر من دراسة " تايلور " وزملائه ( Tayler et al., 1992) ، حيث يعتقدون أن التوقعات غير الواقعية للأفراد إزاء أحداث المستقبل ( وبخاصة في الأمور الصحية ) قد تدفع بهم إلى عدم ممارسة السلوك الصحي الجيد . وقد قدم "واينشتاين " تعريفا للتفاؤل غير الواقعي كما يلي : " يعتقد الناس أن الحوادث السلبية يقل احتمال حدوثها لهم بالمقارنة إلى الآخرين ، ويعتقدون أيضا أن الحوادث الإيجابية يزداد احتمال حدوثها لهم بالنسبة إلى الآخرين (Weinstein, 1980, 1983) . على العكس من مفهوم التفاؤل غير الواقعي ، قدم بعض الباحثين مفهوم التشاؤم غير الواقعي . وقد قدم " دولنسكى ، جرومسكى ، وزاويزا " تعريفا له كما يلي : يواجه كل فرد حتما خطرا في أن يصبح ضحية لحادث أو لمرض مستعص غير قابل للشفاء، أو طوفان أو زلزال أو غير ذلك ( بدر الأنصاري ، 1998 : 30) .
ولقد قدم " واينشتاين " (Weinstein, 1980) مفهوم " التفاؤل غير الواقعي " ، وأورد تقريرا هدف إلى الكشف عن نزعة الأفراد إلى التفاؤل غير الواقعي لأحداث الحياة في المستقبل ، وذلك من خلال دراستين ، حيث تكونت عينة الدراسة الأولى من (1258) طالبا وطالبة من جامعة " روتجرز " في ولاية " نيوجيرسى " الأميركية . واستخدم في هذه الدراسة مقياس أحداث الحياة ، الذى يشتمل على (42) حدثا ، (18) حدثا إيجابيا و(24) حدثا سلبيا ، وكان يجاب عن كل بند على ضوء أحد عشر اختيارا يتراوح بين " لا فرصة للحدوث " و" فرصة حدوث أكثر من 80% " . وكشفت الدراسة الأولى عن تقدير الأفراد للأحداث الإيجابية بمعدل فوق المتوسط ، على حين كان تقديرهم للأحداث السيئة أو السلبية بمعدل أقل من المتوسط ، كما أظهرت الدراسة أيضا تأثر درجة التفاؤل بعوامل أخرى مثل : الخبرة الذاتية ، والدافعية ، والقوالب النمطية ، والتحكم في الملاحظة .
أما الدراسة الثانية فقد أجريت على (120) طالبة من الجامعة السابقة نفسها ، وهدفت إلى التحقق من الفكرة القائلة بأن الأفراد ذوى التفاؤل غير الواقعي يتفاؤلون نتيجة توجههم إلى العوامل التي تساعدهم على تحقيق مطالبهم المرغوبة في المستقبل . واستخدم في هذه الدراسة كتيب يحتوى على الأحداث نفسها التي استخدمت في الدراسة الأولى ، ولكن تم تقسيمها في الدراسة الثانية إلى ثلاثة أقسام متساوية يمكن أن تثير التفاؤل غير الواقعي ، وعلى كل مفحوص أن يذكر العوامل التي قد تزيد من احتمال حدوث تلك الأحداث لديهم أو تقلل منها ، وكان الهدف من هذا الإجراء تقليل درجة التفاؤل غير الواقعي أو التحكم فيها . وبالفعل أظهرت هذه الدراسة أن استخدام هذا الإجراء قد خفض من معدل التفاؤل غير الواقعي بشكل ملحوظ بالنسبة للأحداث ذاتها التي تم تحديدها في الدراسة الأولى . ومع ذلك فإن هذا الإجراء لم ينف ظاهرة اللاواقعية في التفاؤل ( Weinstein, 1983).
وحيث إن مفهوم التفاؤل غير الواقعي يشير إلى تقليل الأفراد من " تقديراتهم أو توقعاتهم من الأحداث التي سوف تواجههم في المستقبل ، فقد تساءل " ماكينا " ( Mckenna, , 1993) : هل يرجع ذلك إلى مفهوم التفاؤل غير الواقعي أو إلى الشعور الزائف بالقدرة على التحكم IIusion of control . وللإجابة عن هذا التساؤل استخدم المنهج التجريبي ، وبلغ حجم العينة (99) فرداً من أعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب بجامعة " ريدنج " في إنجلترا بواقع (58) ذكرا و (41) أنثى ، ممن تراوحت أعمارهم من 18 إلى 68 عاما . وكانت أداة البحث عبارة عن استبانة تتكون من سؤالين كما يليى :
السؤال الأول : مقارنة بالسائقين الآخرين ، ما هو توقعك (في اعتقادك) بأنك سوف تتعرض لحادثة مرورية أثناء قيادتك للسيارة ؟
السؤال الثاني : مقارنة بالسائقين الآخرين ، ما توقعك (في اعتقادك) بأنك سوف تتعرض لحادثة مرورية عندما تكون مرافقا وليس سائقا للسيارة ؟
وكانت فئات الإجابة عبارة عن خمسة اختيارات ، وكشفت نتائج الدراسة عن عدم توقع السائقين الحوادث المرورية عندما يقومون هم بقيادة السيارة ، على حين كانت توقعاتهم أكثر بالإصابة في حادثة مرورية عندما يكونون مرافقين وليسوا سائقين . وقد فسر الباحث نتائج الدراسة بعدم وجود علاقة بين التفاؤل وتوقع تلك الأحداث ، وفسرها بأنها ناجمة عن خداع الضبط أو التحكم .
ويذكر " واينشتاين " ( Weinstein, 1982) دراسة قدمت لمائة طالب جامعي من الجنسين قائمة تضم 45 مشكلة صحية تشتمل على عنصرين فرعيين : الأمراض وأسباب الوفاة مثل : الإدمان ، الانتحار ، الصرع ، أزمة قلبية ، القرحة ، سرطان الرئة ، التهاب الكبد الوبائي ، نقص الفيتامين ، عدوى الكلى ، تصلب الشرايين ، السكر ، الصمم ، ضربة الشمس ، الربو ، القتل . وتلا كل مشكلة مقياس تقدير من سبع نقاط يضم الاختيارات الآتية : أقل من المتوسط بكثير ، أقل من المتوسط ، أقل من المتوسط قليلا ، المعدل نفسه لبقية طلاب جامعتك من جنسك نفسه ، أعلى من المتوسط قليلا ، أعلى من المتوسط ، أعلى من المتوسط كثيرا . وقام كل طالب بوضع تقديرين: فرص إصابته بهذه المشكلات الصحية والمشكلات المهددة للحياة ، وفرص زملائه في الجامعة نفسها .
وكشفت النتائج أن لدى الطلاب تفاؤلا متحيزا مرتفعا ، فقد عدوا فرصة إصابتهم بالمشكلات الصحية أقل من فرصة أقرانهم . كما ظهر أن العوامل التي تميل إلى أن تزيد من التفاؤل غير الواقعي تتمثل في : إمكانية التحكم في المرض أو سبب الوفاة كما يدركها الطلاب ، نقص الخبرة السابقة ، الاعتقاد بأن المشكلة الصحية تظهر خلال الطفولة . وبينت هذه الدراسة أيضا أن التفاؤل غير الواقعي يضعف الاهتمام بتخفيض احتمالات خطر الإصابة بالأمراض ، ويكون ذلك بطريقة غير مباشرة إذ يخفض القلق .
وقد قدم " واينشتاين " تعريفا لانحياز التفاؤل غير الواقعي كما يلى : " يعتقد الناس أن الحوادث السلبية يقل احتمال حدوثها لهم بالمقارنة إلى الآخرين . كما يعتقدون أن الحوادث الإيجابية يزداد احتمال حدوثها لهم بالنسبة إلى الآخرين " . وتتاح دراسات كثيرة تؤيد هذه الظاهرة . ومع ذلك لا تتاح دراسة تفحص هذه الظاهرة في الحالات التي يكون فيها الخطر شائعا وشديدا وفوريا وحقيقيا .
ويعرف " تايلور وبراون " ( Taylor & Brown, 1988) التفاؤل غير الواقعي بأنه شعور الفرد بقدرته على التفاؤل إزاء الأحداث دون مبررات منطقية أو وقائع أو مظاهر تؤدي إلى هذا الشعور ، مما قد يتسبب أحيانا في حدوث النتائج غير المتوقعة ، وبالتالي يصبح الفرد في قمة الإحباط مما قد يعرضه للمخاطر والإصابة بالأمراض النفس الجسمية على سبيل المثال ، وذلك كما ظهر من دراسة " تايلور " وزملائه (Tayler et al., 1992) ، حيث يعتقدون أن التوقعات غير الواقعية للأفراد إزاء أحداث المستقبل ( وبخاصة في الأمور الصحية) قد تدفع بهم إلى عدم ممارسة السلوك الصحي الجيد .
ويفرق كل من " هاريس ، ميديلتون " ( Harris & middleton, 1994) بين كل من التفاؤل والتفاؤل المقارن والتفاؤل غير الواقعي باعتبار أن التفاؤل " عبارة عن نزعة داخل الفرد للتوقع العام لحدوث الأشياء الايجابية بدلا من حدوث الاشياء السلبية " ، على حين يعرفان التفاؤل المقارن باعتباره " نزعة داخل الفرد للتوقع العام لحدوث الأشياء الايجابية لنفسه أكثر من حدوثها للآخرين ، وتوقع حدوث الأشياء السلبية للآخرين أكثر من حدوثها له " ، على حين يعرف التفاؤل غير الواقعي " بأنه عبارة عن نزعة داخل الفرد غالبا لتوقع حدوث الأشياء الايجابية أكثر مما يحدث فعلا وتوقع حدوث الأشياء السلبية اقل مما يحدث فعلا .
وتشير إحدى الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة إلى أن أكثر من 44% من أفراد العينة التي شملتها الدراسة كانوا متشائمين عندما سئلوا عن توقعاتهم عما سوف يحل ببلادهم في المستقبل ، كما كان حوالي 60% منهم متشائمين عندما سئلوا عن أشياء تتعلق بأمور حياتهم ، وظهر أيضا أن 4% تقريبا من أفراد العينة توقعوا الأسوأ في جميع الأمور ، علما بأن 80% من أفراد العينة توقعوا الأفضل فيما يتعلق بتنبؤاتهم الخاصة والعامة ( Smith, 1983) .
ويرى عدد من الباحثينHarris & ( Kirscht et al., 1966; Robertson, 1977; Larwood 1978; Guten, 1979) أن الأفراد الذين لديهم تفاؤل غير واقعي هم الذين يعتقدون بأن احتمالات حدوث الأسوأ من الأحداث أو الأفضل من الأحداث بمعدل أقل من المتوسط بوجه عام .
ويحدث التفاؤل غير الواقعي عندما يخفض الافراد تقديراتهم أو توقعاتهم الشخصية أو الذاتية لمواجهة الأحداث السيئة . ولا يحدث التفاؤل غير الواقعي فقط عندما يقلل الأفراد من احتمالات حدوث الأسوأ من الأحداث ، وإنما أيضا عند زيادة توقع الأحداث الإيجابية ( Mckenna, 1993) .
وينظر بعض الباحثين إلى التفاؤل غير الواقعي بإعتباره أحد الميكانيزمات (الآليات) الدفاعية التي يستخدمها الأنا لخفض القلق ( Kirsch et al, 1966)، على حين يفسر باحثون آخرون (Jones & Nisbett 1971; Ross et al., 1977; Todesco & Hillman, 1999 Weinstein 1980; Weinstein & Lachendro 1982 ) التفاؤل غير الواقعي بوصفه نزعة الأفراد الأنانية بطبيعتهم والتي تؤثر في معتقداتهم تجاه التقليل من احتمالات وقوعهم في الخطر علما بأنهم يعتقدون بأن تلك الأحداث قد تحدث للآخرين دونهم . كما يفسر كل من ( Kahneman & Tversky 1972) التفاؤل غير الواقعي نتيجة للخطأ المعرفي الذي قد يقع فيه الفرد ، فعلى سبيل المثال قد يكون لدى بعض الأفراد صور ذهنية خاصة عن ضحايا الأزمات القلبية ، فإذا كان الفرد ذاته يعتقد لا تنطبق مع صورته الذهنية عن ضحايا أزمات القلب فإنه يستبعد احتمال تعرضه لأزمة قلبية بعكس الأفراد الذين يعانون من أزمات قلبية والذين يتوقعون احتمالات الإصابة بها .
ويفسر بعض الباحثين ( Morison, 1985) التفاؤل غير الواقعي بأنه نتيجة لانخفاض الذكاء أو افتقار الفرد لبعض المهارات العقلية مما يدفع الفرد إلى إساءة التقدير للمخاطر المحتملة أو الأحداث السيئة التي يحتمل أن يتعرض لها .
ومن خلال العرض السابق يمكن أن نستنتج أن التفاؤل عبارة عن نظرة استبشار نحو المستقبل ، تجعل الفرد يتوقع الأفضل ، وينتظر حدوث الخير ، على حين يمكن تعريف التفاؤل غير الواقعي بأنه اعتقاد الفرد بقدرته على التفاؤل إزاء الأحداث دون مبررات منطقية أو وقائع تؤدي إلى هذا المعتقد حيث يتوقع الفرد غالبا حدوث الأشياء الإيجابية أكثر مما يحدث في الواقع ويتوقع حدوث الأشياء السلبية أقل مما يحدث في الواقع . مما قد يتسبب أحيانا في حدوث النتائج غير المتوقعة ، والتي قد تعرضه بدورها لمخاطر عدة أهمها المخاطر الصحية ، ولذلك فان المفهوم الأخير جدير بالدراسة ، وهو ما اضطلعت به في هذه الدراسة .
وامتدادا للمحاولات التي قام بها بعض الباحثين للتوصل إلى تعريف مقبول للتفاؤل غير الواقعي ، فإننا نضع تعريفا إجرائيا للتفاؤل غير الواقعي في الدراسة الحالية هو " استجابة يقوم بها الفرد لمدى توقعه غالبا لحدوث أحداث إيجابية متنوعة أكثر مما يحدث في الواقع وتوقع حدوث الأحداث السلبية أقل مما يحدث في الواقع كما يقاس بالبنود التي تضمنتها أداة البحث ، وهذه الاستجابة تقاس بمقياس متدرج ذى ثمانية مستويات من الاحتمالات هي : 10% ، 20% ، 30% ، 40% ، 50% ، 60% ، 70% ، 80% .
الدراسات السابقة :
إن المتتبع للدراسات الأجنبية والعربية التي تناولت مفهوم التفاؤل غير الواقعي يلاحظ أنها قليلة جدا بالمقارنة لدراسات التفاؤل والتشاؤم وغيرها من متغيرات الشخصية ومع ذلك فقد تناولت هذه الدراسات التفاؤل غير الواقعي في أربعة محاور : قياس التفاؤل غير الواقعي وتحديد طبيعة علاقته ببعض متغيرات الشخصية ، ودراسات التفاؤل غير الواقعي وعلاقته بالمشكلات الصحية ، والدراسات التي تناولت خفض التفاؤل غير الواقعي المتعلق بالقابلية للمرض ، دراسات ثقافية مقارنة في التفاؤل غير الواقعي ، ونظرا لقلة عدد الدراسات في كل اتجاه فإننا سوف نعرض في الجزء التالي لهذه الدراسات السابقة في ضوء التصنيف الذي أشرنا إليه مؤخرا و حسب التسلسل التاريخي لها من الأقدم إلى الأحدث .
التفاؤل غير الواقعي ومتغيرات الشخصية :
أجريت دراسة " ماهاتاني ، جونستون " ( Mahatone & Johnston, 1989) على عينة قوامها (60) طالب من طلاب كلية الطب في إحدى الجامعات البريطانية طبق عليها استبيان التفاؤل غير الواقعي و الذي يدور حول مدى تعرضهم لاحتمال الإصابة بعدد (18) مرض منها أمراض عقلية مقارنة بأقربائهم . كما طبق عليهم استبيان عن الاتجاهات نحو المرض العقلى . وقد كشفت نتائج هذه الدراسة عن وجود ارتباط جوهري سالب بين التفاؤل غير الواقعي والاتجاه السلبي نحو المرض ووجود ارتباط جوهري موجب بين التفاؤل الواقعي والاتجاهات الإيجابية نحو المرض .
درس " ديبيري " وصحبه ( Dewberry et al., 1990) " القلق والتفاؤل غير الواقعي " ، فيذكرون أنه عندما يُقدر الناس احتمال تورطهم في حادث معين من حوادث الحياة فإنهم يميلون إلى أن يكونوا متفائلين بشكل غير واقعي ، فهم يعتقدون مثلا أن الحوادث السلبية يقل احتمال حدوثها لهم بالمقارنة إلى الآخرين ، كما أنهم يعتقدون أن الحوادث الايجابية يزداد احتمال حدوثها لهم بالنسبة لغيرهم من الناس . فعندما يُطلب منهم مثلا أن يقدروا احتمال أن يصبحوا ضحية في حادث تصادم في السكة الحديد ، فالغالب أنهم سيذكرون أن احتمال كونهم ضحية سيكون أقل من أقرانهم . وتتوافر الأدلة على هذه الظاهرة . إلا أن بعض الدراسات برهنت على أن أثر التفاؤل غير الواقعي يصبح معكوساً أحياناً ، بحيث يصبح الناس متشائمين بشكل غير واقعي ، ويكون ذلك في ظروف معينة ( كما سنبين في فقرة لاحقة) .
وقُدمت تفسيرات معرفية للتغير في مستويات التفاؤل والتشاؤم التي يجربها ويَخُبرها الشخص حيال الأحداث . وفحصت العلاقة بين التفاؤل والتشاؤم والقلق ، والقلق هنا متغير مرتبط بكل من النواحي الانفعالية والمعرفية في هذه الدراسة .
واستُخرج ارتباط سلبي بين معدل القلق الذي تشعر به الطالبات الإنجليزيات بالنسبة لأحداث سلبية معينة ومدى التفاؤل غير الواقعي لديهم بالنسبة لحدوث هذه الأحداث، و هي:
أن تصبح الفتاة ضحية اغتصاب، حدوث سرطان ثدي، العدوى بفيروس الإيدز، أن تصبح الفتاة ضحية اعتداء بقصد السرقة، أن تكون عاقراً، أن تطلق خلال خمس سنوات من الزواج، أن تصاب في حادث سيارة، العدوى بأمراض تناسلية، المعاناة من اكتئاب شديد، أن يسرق اللصوص سيارتك، أن تفصل من الوظيفة، أن تفصل من الكلية، أن تصاب بأزمة قلبية قبل سن الأربعين.
وقد استخلص الباحثون أن درجة القلق التي يمر بها الفرد ويخبرها تجاه حادث سلبي معين يمكن أن تؤثر في مستوى التفاؤل أو التشاؤم غير الواقعي تجاهه .
أما دراسة " سباركس ، شابرد ، ويرنجا ، زيمرمان " ( Sparks, Shepherd, Wieringa & Zimmermanns, 1995) التي أجريت بهدف التعرف على طبيعة علاقة التفاؤل غير الواقعي بتغير نظام الحمية وإدراك التحكم في السلوك وذلك على عينة قوامها (612) من المراهقين الانجليز أعمارهم تتراوح بين 12 – 17 عاما طبق عليها مقياس احتمال حدوث بعض الأحداث السلبية والإيجابية المرتبطة بسلوك نظام الحمية . وقد كشفت النتائج أن التفاؤل غير الواقعي تجاه المخاطر الصحية المرتبطة بنظام الحمية يزيد لدى الأفراد الذين يستهلكون الأغذية الصحية الجيدة بالمقارنة بالأفراد الذين يستهلكون الأغذية غير الصحية أو الضارة .
وفي دراسة " هورينـز " ( Hoorens, 1995) التي أجريت بهدف الكشف عن طبيعة علاقة التفاؤل غير الواقعي ببعض متغيرات الشخصية وذلك على عينة قوامها (90) طالب وطالبة من إحدى المدارس الثانوية الألمانية بواقع (45) من الإناث و(47) من الذكور تراوحت أعمارهم بين 15 – 18 عاما ، طبق عليهم مقياس للتفاؤل غير الواقعي تم تطويره من مقياس " وينشتاين " بحيث أصبح يتكون من (34) بنداً بواقع (17) بنداً إيجابيا و(17) بندأ سلبيا ، يجاب عنها بمقياس متدرج من (9) نقاط ، كما طبق على أفراد العينة عدد من مقاييس الشخصية ( خداع الذات ، الشعور الزائف بالقدرة على التحكم ، السلوك الاجتماعي ، السعادة ، الاتزان الوجداني ، تقدير الذات ) . وكشفت نتائج الدراسة عن وجود ارتباطات جوهرية موجبة بين التفاؤل غير الواقعي وكل من خداع الذات ( ر = 51,) والشعور الزائف بالقدرة على التحكم ( ر = 0.35) وتقدير الذات ( ر = 67,) والسلوك الاجتماعي ( ر = 0.40) والسعادة ( ر = 0.38) والاتزان الانفعالي ( ر = 0.34) .
أما دراسة " ريجان ، سنايدر ، كاسين " ( Regan, Snyder, & Kassin, 1995) التي أجريت على عينة من طلاب الجامعة قوامها (60) طالبا وطالبة بهدف الكشف عن التفاؤل غير الواقعي وذلك عن طريق تطبيق مقياس " وينشتاين " للتفاؤل غير الواقعي ، وقد طلب من المفحوصين تقدير احتمال حدوث بعض الحوادث الإيجابية والسلبية لأنفسهم وأخوتهم وأصدقائهم . وقد كشفت النتائج عن أن المفحوصين كانوا أكثر تفاؤلا غير واقعيا بالنسبة لأنفسهم وأخوتهم عن أصدقائهم ، أى أنهم يعتقدون بأن الأحداث السلبية يقل احتمال حدوثها لهم ولاخوتهم ، كما يعتقدون أيضا بأن الحوادث الإيجابية يزداد احتمال حدوثها لهم ولإخوتهم بالنسبة إلى أصدقائهم .
وفي دراسة " شيبرد ، كويلتي ، فيرنانديز " ( Shepperd, Quellette & Fernandez, 1996) التي أجريت بهدف تقدير التفاؤل غير الواقعي على عينة من طلاب إحدى الجامعات الأمريكية قوامها (82) طالب بواقع (31) من طلاب السنة الثانية و(22) من طلاب السنة الثالثة و (29) من طلاب السنة الرابعة ، طبق عليهم مقياس لقياس التفاؤل غير الواقعي وذلك بسؤالهم عن توقعهم عن الوظيفة التي سوف يشغلونها في المستقبل القريب بعد التخرج فضلا عن الدخل السنوي العائد من تلك الوظيفة لهم ، وقد كشفت نتائج الدراسة عن زيادة التفاؤل غير الواقعي لدى طلاب السنة الثانية عن الثالثة والرابعة ، حيث ينخفض التفاؤل غير الواقعي لدى طلاب السنة الرابعة مقارنة بطلاب السنة الثالثة والثانية على التوالي .
التفاؤل غير الواقعي والمشكلات الصحية :
في دراسة أجراها " واينشتاين " ( Weinstein, 1982) على " التفاؤل غير الواقعي المتعلق بالقابلية للمشكلات الصحية " ، يذكر في مقدمته : يُحث الناس دائما على أن يحموا أنفسهم من المرض والحوادث والجرائم والأخطار البيئية ، وحتى إذا لم تكن الاحتياطات والتدابير الوقائية الواجب اتباعها معروفة جيداً فإن المعلومات عنها متاحة عادة . ومع ذلك فكثيرا ما يفشل الناس في إتباع هذه التدابير الوقائية والاحترازات ، فهم يعانون من المرض ، ويتعرضون للأذى البدني والآلام النفسية التي كان في الإمكان تجنبها .
ولدى غير المتخصصين تفسير بسيط لذلك ، إذ يفترض أن الناس يميلون إلى التفكير في أنهم محصنون غير معرضين للأذى Invulnerable ، فيفشلون في التصرف لأنهم يتوقعون لسوء الطالع أن يلم بغيرهم من الناس وليس بهم أنفسهم . وعلى الرغم من توافر الأدلة على أن الاعتقادات المتصلة بالقابلية للمرض منبئات مهمة بالسلوك الوقائي للصحة فإننا نعرف القليل عن أصل هذه الاعتقادات ومدى دقتها .
وهدفت دراسة " واينشتاين " فحص هذه الاعتقادات المتعلقة بالقابلية للمرض لدى عينة من طلاب الجامعة لهم صحة جيدة بوجه عام ، حيث قام بفحص التفاؤل غير الواقعي بالنسبة للقابلية للمرض .
وقد فسر اعتقاد الناس بأن احتمال وقوعهم في الأخطار أقل من المتوسط ( وسمى التفاؤل غير الواقعي كذلك تحيز التفاؤل ( Optimistic bias تفسيرات عدة منها : أولا أنه شكل من أشكال السلوك الدفاعي للأنا Ego defensive behavior ، أو أنه مقاومة ضد الاعتراف بأنهم غير محصنين ، لأن التهديد الضار يمكن أن يولد القلق ، ولكن هذا التفسير واجه نقداً كثيراً . كما فسر التفاؤل غير الواقعي – - ثانياً – بأنه أخطاء معرفية Cognitive errors حيث يميل الناس مثلا إلى أن يكونوا متمركزين حول أنفسهم ، وتكون لديهم صعوبة في تقبل وجهة نظر الآخرين . ونتيجة لذلك فقد ننسى أن العوامل نفسها التي تجعلنا نشعر أن حادثة معينة لا يحُتمل أن تحدث لنا يمكن أيضا أن تجعل الناس الآخرين يشعرون أنها لا يحتمل أن تحدث لهم . فقد نفكر في أن احتمال وقوعنا في خطر الإصابة بمرض في القلب أقل من المعدل لأننا نقوم بتمرينات رياضية ونتجنب الدهون المشبعة ، وننسى أن أناساً آخرين يفعلون كما نفعل أو أكثر مما نفعل ، ويصابون بهذا المرض.
كما أنه نتيجة لتمركزنا حول ذواتنا فإن أى عامل يؤثر في اعتقاداتنا عن احتمال إصابتنا بمرض ما ، يترتب عليه أخطاء في الأحكام المقارنة التي نصدرها عن احتمال وقوعنا في هذا الخطر . ومثال ذلك أن نقص الخبرة بمشكلة صحية قد يجعلنا نشعر أنها لا يحتمل أن تحدث لنا ، بحيث يصبح احتمال وقوعنا تحت هذا الخطر أقل من المعدل .
ومن ناحية أخرى فقد أكدت البحوث وجود عامل آخر مختلف ، متصل بالخطأ المعرفي ، وينتج عنه تحيز التفاؤل ( أو التفاؤل المتحيز) ، ففى بعض المشكلات كالأزمات القلبية مثلا يكون لدى الناس صورة عقلية نمطية Stereotypic mental image عن الضحية ، وإذا لم ير الناس أنفسهم على أنهم متطابقون مع هذه الصورة ، فمن المحتمل أن يستنتجوا أن المشكلة لن تحدث لهم ، وذلك حتي لو كانوا مختلفين عن هذه الصورة فقط في جوانب لا علاقة لها بخطر الإصابة بهذا المرض .
ويذكر " واينشتاين " ( Weinstein, 1982) دراسة قدمت لمائة طالب جامعي من الجنسين قائمة تضم (45) مشكلة صحية تشتمل على عنصرين فرعيين : الأمراض وأسباب الوفاة ، مثل : الإدمان ، الانتحار، الصرع، أزمة قلبية ، القرحة ، سرطان الرئة ، التهاب الكبد الوبائي ، نقص الفيتامين ، عدوى الكلي، تصلب الشرايين ، السكر ، الصمم ، ضربة الشمس ، الربو ، القتل . وتلا كل مشكلة مقياس تقدير من سبع نقاط يضم الاختيارات الآتية : أقل من المتوسط بكثير ، أقل من المتوسط ، أقل من المتوسط قليلاً ، المعدل نفسه لبقية طلاب جامعتك من جنسك نفسه ، أعلى من المتوسط قليلاً ، أعلى من المتوسط ، أعلى من المتوسط كثيراً . وقام كل طالب بوضع تقديرين : فرص إصابته بهذه المشكلات الصحية والمشكلات المهددة للحياة ، وفرص زملائه في الجامعة نفسها .وكشفت النتائج أن لدى الطلاب تفاؤلاً متحيزاً مرتفعاً ، فقد عدوا فرصة إصابتهم بالمشكلات الصحية أقل من فرصة أقرانهم . كما ظهر أن العوامل التي تميل إلى أن تزيد من التفاؤل غير الواقعي تتمثل في : إمكانية التحكم في المرض أو سبب الوفاة كما يدركها الطلاب ، نقص الخبرة السابقة ، الاعتقاد بأن المشكلة الصحية تظهر خلال الطفولة . وبينت هذه الدراسة أيضا أن التفاؤل غير الواقعي يضعف الاهتمام بتخفيض احتمالات خطر الإصابة بالأمراض ، ويكون ذلك بطريقة غير مباشرة إذ يخفض القلق .
أما دراسة " ريبوكى وصحبه " ( Reppucci et al., 1991) التي أجريت على عينة قوامها (54) مدخن وأخرى قوامها (304) من غير المدخنين من المراهقين بهدف عقد مقارنة المدخنين وغير المدخنين في التفاؤل غير الواقعي وذلك بتطبيق استبانة تدور حول معتقدات المراهقين نحو احتمال إصابتهم ببعض الأمراض البدنية الناتجة عن التدخين مثل سرطان الرئة والأزمة القلبية وأمراض انتفاخ الرئة وغيرها . وتشير النتائج بوجه عام إلى اعتقاد المدخنين باحتمال إصابتهم بسرطان الرئة والأزمة القلبية بمعدل يزيد عن المراهقين من غير المدخنين ، كما يعتقد المدخنون أيضا بأنهم يحتمل أن يتعرضوا لضغوط بمعدل أكبر من غير المدخنين .
وهدفت دراسة " ماجي ، كايرنز " ( McGee & Cairns, 1994) إلى قياس التفاؤل غير الواقعي لدى عينة من طلاب كلية الطب قوامها (257) فرداً من الأيرلنديين ، طلب منهم أن يقدروا الدرجة التي يتوقعون فيها إصابتهم بعدد من المشاكل الصحية وقوامها (17) مشكلة صحية . وكشفت النتائج عن فروق بين الجنسين في التفاؤل غير الواقعي في ثلاث مشكلات صحية فقط . كما كشفت النتائج بوجه عام أن المشكلات الصحية يقل احتمال حدوثها لهم مقارنة للآخرين .
أما عن دراسة " هاريس ، ميدلتون " ( Harris & Middleton, 1994) التي هدفت إلى قياس التفاؤل والتفاؤل المقارن والتفاؤل غير الواقعي وعلاقتها بالصحة وذلك على عينة قوامها (192) فرداً من طلاب احدى الجامعات البريطانية بواقع (133) من الذكور و(59) من الإناث ، متوسط أعمارهم 21 عاما + 3.33 عاماً ، طبقت عليهم قائمة تتكون من (15) مرض عضوي مثل : قرحة المعدة ، البدانة ، تلف الكبد، الإيدز ، سرطان الرئة، البواسير … الخ) ، وقد طلب منهم تقدير احتمالات الإصابة بتلك الأمراض في المستقبل . وقد كشفت النتائج أن أفراد العينة يعتقدون أن الحوادث السلبية يقل احتمال حدوثها لهم بالمقارنة إلى الآخرين .
أما دراسة " كوهن ، ماكفارلين ، يانيز ، إماى " (Cohn, Macfarlane, Yanez, & Imai, 1995) التي هدفت إلى قياس التفاؤل غير الواقعي لدى عينة من المراهقين وقوامها (376) وعينة من الراشدين قوامها (160) فرداً بهدف المقارنة بينهم في التفاؤل غير الواقعي ، حيث سئلوا عن مدى احتمال تعرضهم لعدد من الأحداث السلبية مثل " حالة السكر ، محالة الانتحار ، الطرد من الكلية ، ضحية حادث سطو ، الإصابة بالسرطان، التعرض لحادث مروري … إلخ " . وقد كشفت النتائج عن وجود فروق بين المراهقين والراشدين في التفاؤل غير الواقعي حيث مال المراهقون إلى أن يكونوا أقل تفاؤلا غير واقعيا من الراشدين .
و في دراسة " ستريتشر ، كريتر ، كوبرين " ( Strecher, Kreuter & Kobrin, 1995) التي أجريت بهدف التعرف على التفاؤل غير الواقعي لمدخني السجائر تجاه إصابتهم بأمراض القلب أو السرطان أو أزمة قلبية وذلك على عينة من المدخنين قوامها (2785) مدخن في ولاية شمال كارولينا الأمريكية . وقد تم توجيه استبانة إليهم عن مدى احتمال إصابتهم بالسرطان وبعض أمراض القلب مقارنة بغيرهم من غير المدخنين والمدخنين ، وقد كشفت النتائج أنه على الرغم من أنهم يعتقدون بأنه يزداد احتمال حدوثها لهم بالنسبة إلى غير المدخنين ، إلا أنهم يعتقدون بأنه يقل احتمال حدوثها لهم بالنسبة إلى المدخنين منهم .
أجرى كل من " روتر ، وكوين ، وألبرى " ( Rutter, Quine & Albery, 1998) دراسة هدفت إلى قياس التفاؤل غير الواقعي لدى قائدي الدرجات الهوائية وذلك على عينة قوامها (723) فرداً ، طبق عليهم استبيان عن مدى تعرضهم للإصابة ببعض الحوادث السلبية نتيجة قيادة الدراجة الهوائية . وقد كشفت نتائج الدراسة عن ميل الأفراد إلى الاعتقاد بأن الحوادث السلبية الناتجة عن قيادة الدراجة الهوائية يقل احتمال حدوثها لهم بالمقارنة إلى القائدين الآخرين للدراجة الهوائية ، كما كشفت نتائج الدراسة أيضا عن وجود فروق بين قائدي الدراجات الهوائية ممن لديهم خبرة طويلة وممن لديهم خبرة قصيرة في قيادة الدراجات الهوائية ، حيث يميل الأفراد ذوي الخبرة القصيرة في القيادة إلى أن يكونوا أكثر تفاؤلا غير واقعيا بمعنى أنهم يعتقدون أن الحوادث السلبية يقل احتمال حدوثها لهم بالنسبة إلى القائدين الآخرين .
أما عن دراسة كل من " موريسون ، وآجير ، ويللوك " ( Morrison, Ager, & Willock, عن 1999) التفاؤل غير الواقعي لدى عينة قوامها (120) فرداً من الراشدين من مقاطعة "ميلاوي" في أفريقيا والتي تنتشر فيها بعض الأمراض الوبائية مثل الملاريا والكوليرا والتيفويد وغيرها . وقد وجه لأفراد العينة استبيان عن احتمال إصابتهم بتلك الأمراض الوبائية ، وقد كشفت نتائج الدراسة عن اعتقاد المفحوصين بأن الأمراض الوبائية يقل احتمال حدوثها لهم مقارنة بالآخرين ، مما يؤكد نزعتهم للتفاؤل غير الواقعي .
أما دراسة " توديسكو ، وهيلمان " (Todesco & Hillman, 1999) التي أجريت على عينة قوامها (74) طالب وطالبة من طلاب إحدى الجامعات الأمريكية في ولاية "ميتشيجان" الأمريكية بهدف قياس التفاؤل غير الواقعي وذلك من خلال مقياس يتكون من قائمة من الأنشطة التي تهدد صحة الفرد والمرتبطة على سبيل المثال بقيادة السيارة ، واحتساء الكحول ، و تعاطى الحشيش ، والتدخين ، وممارسة الجنس بصورة غير مشروعة . وقد سئلوا عن مدى احتمال تعرضهم لتلك المخاطر ، وأسفرت النتائج عن اعتقاد المفحوصين بأن فرص إصابتهم بمشكلات صحية نتيجة ممارساتهم أو سلوكهم أكبر مما كانت عليها عندما كانوا في مرحلة الطفولة المتأخرة .
خفض التفاؤل غير الواقعي المتعلق بالقابلية للمرض :
يذكر " واينشتاين " (Weinstein, 1983) أن معظم المعالجات النظرية لسلوك الصحة والمرض تتضمن إدراك الفرد لقابليته للإصابة بالضرر بوصفه متغيراً تفسيرياً أساسياً . وتؤكد بعض الدراسات أن القابلية للإصابة بالمرض كما يدركها الفرد تعد منبئاً لطائفة عريضة من السلوكيات التي تحمي الصحة . وتتوافر الأدلة على أن الاعتقادات المتعلقة بالحصانة الشخصية ( ضد الأمراض) أي عدم القابلية للإصابة بها تعد خاطئة في غالب الأحوال وبشكل متسق ، أي أنها متفائلة بشكل غير واقعي .
ويميل الناس إلى الاعتقاد – بالنسبة لمعظم المشكلات الصحية والأفكار التي تهدد الإنسان – بأن احتمال حدوثها لهم أقل من غيرهم من المحيطين بهم . فإذا قال شخص ما : إن فرص إصابته بمرض معين أقل من المتوسط ، فقد يكون صائباً تماماً ، ولكن لا يمكن أن يكون كل فرد أقل من المتوسط في احتمال تعرضه لخطر الإصابة . وإذا كان عدد الأشخاص الذين يعلنون أن فرصهم في الإصابة أقل من المتوسط يفوق بكثير أولئك الذين يقررون أن فرصتهم أعلى من المتوسط ، فإن المجموعة ككل تبرهن على تحيز التفاؤل . ويبدو أن التفاؤل المتطرف يظهر بوجه عام لأن الناس يعطون أنفسهم ثقة في العوامل التي تعد في صالحهم ، ولكنهم يفشلون في أن يعطوا الآخرين الحق نفسه .
و قد وضح " واينشتاين " خطة للتدخل مصممة لخفض التفاؤل غير الواقعي ، وأجريت الدراسة على طلاب جامعيين ، طلب منهم أن يصدروا أحكاماً على خطر وقوعهم في أحد عشر مشكلة صحية وخطراً مثل : مرض السكري ، أزمة قلبية ، مشكلة إدمان ، محاولة انتحار ، سرطان الرئة ، إصابة في حادث سيارة ، ضغط دم مرتفع ، قرحة ، سقوط الأسنان … الخ ، وطلب منهم أيضا تقدير مدى قلقهم بالنسبة لإصابتهم بكل مشكلة أو خطر مما سبق . وطبق عليهم استخبار لتحديد مدى تقبلهم لاتباع احتياطات جديدة تقلل من خطر إصابتهم . كما تم تحديد عوامل الخطر Risk Factors لكل مشكلة من الأحد عشر مشكلة، مثال ذلك عوامل الخطر المتعلقة بالأزمة القلبية في : عدد السجائر التي تدخن في الأسبوع، عدد أفراد الأسرة الذين أصيبوا بمرض في القلب، الشخصية المتشددة مقابل المتساهلة، عدد الساعات التي تقضى في التدريب الرياضي كل أسبوع، عدد البيض الذي يتناوله الفرد كل أسبوع، عدد الوجبات التي يأكل فيها الفرد لحماً أحمر كل أسبوع.
وقد تلقى الطلاب معلومات عن موقف الطالب النمطي على عوامل الخطورة هذه قبل أن يقوم بأحكامه المقارنة على عوامل الخطورة . وأسفرت التجربة عن تخفيض تحيز التفاؤل بالنسبة للمشكلات التي تثير الأحكام المتحيزة عادة ، ولكنها لم تؤثر في الأحكام المتصلة بمشكلات لا تثير عادة التفاؤل غير الواقعي .
التفاؤل غير الواقعي والثقافة :
أجرى كل من " بيترز ، وكاميرت ، وسيزابينسكى" ( Peeters, Cammaert, & Czapinski’ 1997) دراسة بهدف التعرف على الفروق الثقافية في التفاؤل غير الواقعي والتي أجريت على (19) عينة من البلجيكيين والمغربيين والبولنديين بواقع (670) بولندي و(337) بلجيكي و (112) مغربي تراوحت أعمارهم بين 17 – 35 عاما ، طبق عليهم مقياس " وينشتاين " للتفاؤل غير الواقعي ، وكشفت نتائج الدراسة عن وجود فروق ثقافية في التفاؤل غير الواقعي ، حيث حصل البولنديون على أعلى المعدلات يليهم البلجيكيين ثم المغربيين .
أما دراسة " هاينى و ليهمان " ( Heine & Lehman, 1995) التي أجريت بهدف عقد مقارنة ثقافية بين الكنديين واليابانيين في التفاؤل غير الواقعي وذلك على عينة يابانية قوامها (196) فرداً من طلاب الجامعة بواقع (130) من الإناث و (66) من الذكور وعينة كندية قوامها (314) فرداً من طلاب الجامعة بواقع (167) من الذكور و(147) من الإناث تراوحت أعمارهم بين 18 و 25 عاما . طبق عليهم مقياس "وينشتاين " للتفاؤل غير الواقعي الذي يتكون من (18) بندا إيجابيا و(24) بندا سلبيا يجاب عنها بمقياس متدرج من 8 نقاط . وكشفت نتائج الدراسة عن فروق ثقافية في التفاؤل غير الواقعي ، حيث حصل الكنديون على متوسط أعلى من اليابانيين في التفاؤل غير الواقعي .
تعقيب على الدراسات السابقة :
1 – يتاح عدد من المقاييس لقياس التفاؤل غير الواقعي مثل مقياس "وينشتاين" لقياس التفاؤل غير الواقعي وسلسلة من المقاييس المطورة عنه .
2 – عدم توفر مقاييس لقياس التفاؤل غير الواقعي صالحة للاستخدام في المجتمع الكويتي في حدود علمنا المتواضع .
3 – كشفت نتائج الدراسات الارتباطية عن وجود علاقة إيجابية جوهرية بين التفاؤل غير الواقعي وكل من المتغيرات التالية : الاتجاه السلبي نحو المرض ، خداع الذات ، الشعور الزائف بالقدرة على التحكم ، تقدير الذات ، السلوك الاجتماعي ، السعادة ، الاتزان الانفعالي ، على حين كشفت نتائج الدراسات الارتباطية عن وجود علاقة سلبية بين التفاؤل غير الواقعي والقلق .
4 – لم نتمكن من الوقوف على دراسات ارتباطية أو عاملية أجريت في المجتمع الكويتي بهدف تحديد طبيعة علاقة التفاؤل غير الواقعي بعدد من متغيرات الشخصية .
5 – لم نتمكن من الوقوف على دراسات عربية أو أجنبية بهدف تحديد الفروق بين الذكور والإناث في التفاؤل غير الواقعي .
6 – كشفت نتائج الدراسات عن وجود علاقة بين العمر والتفاؤل غير الواقعي ، حيث يقل مدى التفاؤل غير الواقعي بزيادة العمر ويزيد بانخفاض العمر لدى الشباب الجامعي .
7 – لمفهوم التفاؤل غير الواقعي علاقة وثيقة بالمشكلات الصحية والأمراض ، حيث إنه يزيد من معدلات الاصابة بالأمراض مثل السرطان والإيدز والبدانة وقرحة المعدة والأمراض الوبائية مثل الملاريا والكوليرا وغيرها وذلك نتيجة لنقص الخبرة السابقة ، والاعتقاد بأن المشكلة الصحية تظهر في سن متقدم من العمر ، بالإضافة إلى أن التفاؤل غير الواقعي يضعف الاهتمام بتخفيض احتمالات خطر الإصابة بالأمراض ، ويكون ذلك بطريقة غير مباشرة إذ يخفض القلق . وتؤكد بعض الدراسات أن القابلية للإصابة بالمرض كما يدركها الفرد تعد منبئاً لطائفة عريضة من السلوكيات التي تحمى الصحة . وتتوافر الأدلة على أن المعتقدات المتعلقة بالأمراض من ناحية عدم القابلية للإصابة بها تعد خاطئة في الغالب ، أي أنها متفائلة بشكل غير واقعي .
8 – وجود فروق ثقافية في التفاؤل غير الواقعي حيث يميل الكنديون إلى أن يكونوا أكثر تفاؤلا غير واقعيا من اليابانيين ، كما يميل البولنديون إلى أن يكونوا أكثر تفاؤلا غير واقعيا من البلجيكيين والمغربيين .
موجز القول أن كثيرا من الدراسات في هذا المجال أسفرت عن وجود علاقة بين التفاؤل غير الواقعي والصحة الجسمية ، حيث أن شعور الفرد بقدرته على التفاؤل إزاء الأحداث دون مبررات منطقية تؤدي إلى هذا الشعور ، قد يتسبب أحيانا في حدوث النتائج غير المتوقعة وبالتالي تجعل الفرد مستهدفاً للإصابة بالأمراض أو تعرضه لبعض المخاطر أو قد تدفع به إلى ممارسة السلوك الصحي الجيد .
وفي ضوء ما سبق برزت أهمية القيام بهذه الدراسة ، سواء أكان ذلك من الناحية النظرية أم التطبيقية في قياس التفاؤل غير الواقعي كإستعداد نفسي قياسا موضوعيا ، خاصة في ظل غياب هذا النوع من المقاييس في المجتمع الكويتي ، وفي الكشف عن الفروق بين الجنسين في التفاؤل غير الواقعي ، وأخيرا في إلقاء الضوء على علاقة التفاؤل غير الواقعي ببعض سمات الشخصية . وننتقل فيما يلي إلى عرض منهج هذه الدراسة وإجراءاتها .
مشكلة الدراسة :
لا توجد دراسة محلية أو عربية فيما نعلم تناولت مفهوم التفاؤل غير الواقعي سوى دراسة نظرية واحدة قام بها كاتب هذه السطور والتى تعد أول دراسة نظرية متخصصة باللغة العربية عن التفاؤل والتشاؤم ، وهى دراسة مهمة قسمت إلى ثلاثة فصول فرعية عن : المفهوم والقياس والمتعلقات . ويعرض الجزء الأول منها للمعنى اللغوي للتفاؤل والتشاؤم ، وكذلك التعريف السيكولوجي ، وموقع مفهوم التفاؤل والتشاؤم في بحوث الشخصية ، ومفهوم التفاؤل غير الواقعي وعلاقته بكل من القلق والمشكلات الصحية ، وخفض التفاؤل غير الواقعي المتعلق بالقابلية للمرض ، ثم مفهوم التشاؤم غير الواقعي .
أما الجزء الثاني من هذه الدراسة النظرية فيعرض لقياس التفاؤل والتشاؤم ، ويقدم مقاييس عدة كلها استخبارات ، ومنها المقياس المعدل للتوقعات العامة للنجاح ، واختبار التوجه نحو الحياة من وضع " شاير ، وكارفر " وهو من أشهر الاستخبارات التي تقيس هذا المفهوم ، ومقياس التفاؤل والتشاؤم المشتق من قائمة منيسوتا ، واستخبار التفاؤل والتشاؤم الفمى ( اعتمادا على تقسيم " فرويد " لمراحل النمو الثلاث : النفسية الجنسية في الطفولة وأولها المرحلة الفمية ) ، ومقياس " ديمبار " وزملائه للتفاؤل والتشاؤم ، ومقياس أحداث الحياة من وضع " واينشتاين " ، ومقياس أحداث الحياة من وضع " أندرسون " وزملائه ، ومقياس اليأس من وضع " بيك " وزملائه ، والقائمة العربية للتفاؤل والتشاؤم ، واختبار التفاؤل والتشاؤم للأطفال .
ويعرض الجزء الثالث من الدراسة النظرية لمتعلقات التفاؤل والتشاؤم ، ويبدأ بتقديم الارتباط بين التفاؤل والتشاؤم وبعض متغيرات الشخصية ومنها : العوامل الخمسة الكبري للشخصية ، وتقدير الذات ، والتوافق والمرض، والدافعية وطرق المواجهة ، والقلق والاكتئاب ، والخوف من النجاح ومن الفشل ، وعلاقتهما بكل من الديانة والعمر والأداء الوظيفي والأكاديمي . ويختتم الكتاب باستنتاجات ختامية وملخص . وتتبع أهمية هذه الدراسة النظرية في تقديم مفهومي التفاؤل والتشاؤم للباحث العربي في علم النفس بوجه عام والتفاؤل والتفاؤل غير الواقعي بوجه خاص ، على الرغم من توفر بعض الدراسات الأجنبية