-أ- مقدمة:
ويستدل من اسم هذا النوع من العلاج بأنه محاولة دمج الفنيات المستخدمة في العلاج السلوكي مع الجوانب المعرفية والانفعالية للمريض ضمن السياق الاجتماعي.
يذكر "كلارك" و"فايربرن" Clark and Fairburn أن مصطلح العلاج المعرفي السلوكي Cognitive Behavior Therapy ظهر في بداية الثلث الأخير من هذا القرن [القرن الماضي]، وأصبح في وقت قصير، العلاج النفسي الرئيسي في معظم الدول المتقدمة. (1:83). (المحارب، 2000، ص.1).
1-ب- نظرة تاريخية:
تنبه الفلاسفة اليونان منذ القدم إلى أن إدراك الإنسان للأشياء – وليس الأشياء نفسها- تلعب دوراً هاماً في تحديد نوع استجابته وهي التي تسم سلوكه وتصفه بالاضطراب أو السواء، وفي هذا الصدد يقول الفيلسوف الروماني "إيكتيوس" "لا يضطرب الناس من الأشياء ولكن من الآراء التي يحملونها عنها". (273:4).(إبراهيم،1994، ص.273).
وقد أشار العلماء المسلمين للدور الذي يلعبه التفكير في توجيه سلوك الإنسان وفي سعادته وفي شقائه. وقد سبقوا بذلك العلماء المحدثين في إبراز أهمية العوامل المعرفية في توجيه استجابات الفرد للظروف المحيطة به. فقد أوضح ابن القيم قدرة الأفكار-إذا لم يتم تغييرها- على التحول إلى دوافع ثم سلوك حتى تصبح عادة يحتاج التخلص منها إلى جهد أكبر. كما أشار الغزالي إلى أن بلوغ الأخلاق الجميلة يتطلب أولاُ تغيير أفكار الفرد عن نفسه ثم القيام بالممارسة العملية للأخلاق المراد اكتسابها حتى تصبح عادة ولم يخلو التراث الإسلامي أيضاً من الإشارات الواضحة لأثر التفكير ليس فقط في توجيه السلوك ولكن أيضاً في الحالة الصحية للناس، ويبدو ذلك جلياُ في القول المأثور "لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا". (4:83). (المحارب، 2000، ص.4).
ويفيد "بيك" "أن العلاج المعرفي يقوم على دعائم فلسفية ليست جديدة، بل موغلة في القدم، وتعود بالتحديد إلى زمن الرواقيين Stoics. حيث اعتبر الفلاسفة الرواقيين أن فكرة الإنسان عن الأحداث، وليست الأحداث ذاتها هي المسئولة عن اعتلال مزاجه. إلى هذا المنطق الرواقي يستند هذا العلاج المعرفي. فالمشكلات النفسية ترجع بالدرجة الأساس إلى أن الفرد يقوم بتحريف الواقع ولي الحقائق بناء على مقدمات مغلوطة وافتراضات خاطئة. وتنشأ هذه الأوهام عن تعلم خاطئ في إحدى مراحل نموه المعرفي". (6:14). (بيك، 2000، ص.6)
وتفترض النظرية المعرفية أنه من الممكن إحداث تغييرات انفعالية وسلوكية وجسمية من خلال إحداث تغييرات في أفكار واعتقادات المريض.
1- جـ- نشأة العلاج المعرفي:
سبق العلاج المعرفي علم النفس المعرفي، وسوف نستعرض التسلسل التاريخي لتطور هذا النموذج العلاجي. حيث بداء الاهتمام بالعلاج المعرفي مع بداية النصف الأخير القرن الماضي. وإن كان البعض من الرواد قد تزامنوا في تقديم نماذجهم في نفس الفترة.
ويشمل مفهوم العلاج المعرفي مناهج عديدة تتشابه في جوهرها وتختلف في فنيات تطبيقها. وعلى الرغم من أن هناك أكثر من عشرين نوعا منها ولكن أشهرها : منهج "بيك" في العلاج المعرفي، ومنهج "البرت آليس" في العلاج العقلاني الانفعالي، وتأتي بعد ذلك مناهج أخرى اقل شهرة مثل منهج "ميكينبوم" في تعديل السلوك المعرفي، ومنهج "ويسلر وهانكين" Cognitive Appraisal Therapy العلاج التقويمي المعرفي الذي حاولا فيه الجمع بين العلاج العقلاني الانفعالي ومكتشفات التعلم الاجتماعي وعلم النفس الاجتماعي المعرفي، ومنهج "كيلي" للتصورات الشخصية، ومنهج "البرت باندورا" في التعليم الاجتماعي، ومنهج "لازاروس" Multi-Modal Therapy في العلاج متعدد النماذج، ومنهج "ماهوني" Cognitive Learning Therapy في علاج التعلم المعرفي، وأسلوب حل المشكلات لـ"قولدفرايد" و"قولدفرايد".
وكان لـ"بيك" قصب السبق فيها بعد أن نشر مقالا عام 1952 حول تطبيق العلاج المعرفي على حالة فصام مزمن، أشار فيه إلى أنه قام بإضفاء صبغة مقبولة وطبيعية على هذاءات ثم طلب منه القيام بفحص منظم لمعرفة دقتها، وقد لاحظ بشيء من الدهشة أن هذاءات المريض بدأت تختفي بالتدريج.
ثم قدم "كلي" Kelly عام 1955م أفكاره حول التصورات الشخصية Psychology of personal constructs. وكان له كبير الأثر على بداية العلاج النفسي المعرفي، لأنه ركز على أهمية الطرق الذاتية التي ينظر ويفسر من خلالها الفرد لما يدور حوله في تغيير السلوك. حيث يرى في نظريته، نظرية التصورات الشخصية personal construct theory أن الشخص يقوم بصياغة تصورات (توقعات) حول ما يجري من حوله، ثم يتفحص هذه التصورات، وبناء على النتائج التي يتوصل إليها يقوم بتصحيح أو تعديل هذه التصورات، أي أنه يقوم بإعطاء معاني للظواهر لكي يستطيع فيما بعد توقع ما قد يحدث ويحاول التحكم به. ( 154:159). ( Phares,1984.p.159).
وبذلك يرى "كلي" أن الطريقة التي ينظر بها الناس للعالم من حولهم قد تخلق لهم الاضطرابات النفسية. حيث أن لدى كل فرد مجموعة من التصورات الأساسية التي يكون من خلالها هوية لنفسه واضطراره للابتعاد عن هذه الهوية في سبيل استيعاب خبرات جديدة قد يؤدي إلى شعوره بالذنب، وقد يشعر الفرد بالقلق في حالة عدم قدرته على التوقع بما سيئول إليه موقف معين وعدم استطاعته بالتالي على القيام بسلوكيات ملائمة.
وقد تظهر المشكلات النفسية عندما يعجز النظام التصوري Construct system لدى الفرد في توقع الحوادث أو احتوائها ضمن الخبرات السابقة بطريقة تكفل القيام بسلوك منظم، الأمر الذي يؤدي إلى أحداث تشويه في النظام التصوري للفرد وهذا بدوره يقود إلى التوتر.
ومع كل ذلك لم تلق نظرية "كلي" قبولاً كبيراً من قبل المشتغلين بالعلوم المعرفية لصعوبة فهمها، ولكثرة تفاصيلها مع قلة المنشور حولها من كتب ودراسات.
وتزامن في نفس هذه الفترة ظهر العلاج العقلاني الانفعالي لـ "ألبرت آليس" Albert Ellis قبل التطورات الأساسية في علم النفس المعرفي وكانت نظرية علاج الاكتئاب لـ "بيك" في مراحلها الأولى. حيث كان "آليس" بصدد التخلي عن التحليل النفسي وتطوير نظرية معرفية سلوكية خاصة به. وفي الوقت الذي كان فيه "بيك" Beck يبتعد بالتدريج عن التحليل النفسي ويبني نظريته في العلاج المعرفي خطوة بخطوة. كما كان "كلي" Kelly أيضا يبلور أفكاره حول دور الجوانب المعرفية في تكيف الإنسان مع بيئته. يقول "آليس" بهذا الخصوص تزامنه مع بيك "وبصورة مستقلة عما قمت به، بدأ أيضاً معالج تحليل نفسي آخر من فيلادلفيا (يقصد بيك) بالتخلي عن الفنيات التحليلية وتطوير نوع من العلاج المعرفي (129:173). (Ellis, 1979,p.173).
وقد توصل "آليس" في يناير 1955 إلى ما أسماه العلاج العقلاني Rational Therapy وغير اسمه لاحقاً في عام 1961 إلى العلاج العقلاني الانفعالي Rational Emotive Therapy. و يرجع "آليس" نشوء الأمراض النفسية إلى ما تم تعلمه من الأفكار غير العقلانية من الناس المهمين خلال فترة الطفولة بالإضافة إلى ما يبتدعه الأطفال أنفسهم من اعتقادات غير منطقية وخرافات. وبعد ذلك يقوم الناس بإعادة تنشيط هذه الاعتقادات غير الفعالة من خلال الإيحاء الذاتي والتكرار. وتنتج معظم الانفعالات من التفكير ويشكل اللوم (blame) للنفس وللآخرين حجر الأساس في معظم الاضطرابات الانفعالية.
وهكذا فإن التطبيقات الإكلينيكية للمنظور المعرفي Cognitive perspective بصورة عامة سبقت النظرية والبحوث المنهجية formal المرتبطة بعلم النفس المعرفي.
1- د- الأساس الفلسفي والمبادئ:
تعتمد النظرية المعرفية في تناول الأمراض النفسية عل تفسير الكيفية التي تتم من خلالها معالجة المعلومات. وتفترض هذه النظرية أن الاضطرابات لدى الفرد ناتج وجود أخطاء في معالجة المعلومات لديه، مما يترتب عليها وجود أبنية معرفية (مخططات) كامنة عاجزة عن التكيف تسيطر على المريض. بناء على ما ينتج عنها من أفكار تلقائية تصاحب الاضطراب وتساعد على استمراره.
ونظراً للتطورات السريعة التي تحدث في العلوم المعرفية بصورة عامة وفي نظرية العلاج المعرفي بصورة خاصة. فقد تم تحديد مبادئ خاصة بالعلاج المعرفي السلوكي الذي يمارس ضمن حدود مسلمات النظرية المعرفية.
1- يعتمد العلاج المعرفي السلوكي على صياغة مشكلة المريض وتنقيحها بصورة مستمرة ضمن الإطار المعرفي ويعتمد المعالج في صياغة مشكلة المريض على عوامل متعددة مثل تحديد الأفكار الحالية للمريض (أنا فاشل لا أستطيع عمل أي شيء كما ينبغي)، الأفكار التي تساهم في استمرار الوضع الانفعالي للمريض والتعرف على السلوكيات غير المرغوب فيها. ثم التعرف على العوامل المرسبة التي أثرت على أفكار المريض عند ظهور المرض مثل (حادثة محزنة، تغير شيء مألوف) وبعد ذلك التعرف على الأسلوب المعرفي الذي يفسر من خلاله المريض الحوادث التي يتعرض لها مثلاً (عزو النجاح للحظ ولوم النفس على الفشل).ثم يقوم المعالج بصياغة المشكلة في الجلسات الأولى ولكنه يستمر في إجراء تعديلات عليها كلما حصل على معلومات جديدة.
2- يتطلب العلاج المعرفي السلوكي وجود علاقة علاجية جيدة بين المعالج والمريض تجعل المريض يثق في المعالج ويتطلب ذلك قدرة المعالج على التعاطف والاهتمام بالمريض وكذلك على الاحترام الصادق وحسن الاستماع.
3- يشدد العلاج المعرفي السلوكي على أهمية التعاون والمشاركة النشطة. العمل كفريق يشترك في وضع جداول عمل للجلسات وفي إعداد الواجبات المنزلية التي يقوم بها المريض بين الجلسات.
4- يسعى المعالج إلى تحديد أهداف معينة، يسعى لتحقيقها وحل مشكلات محددة.
5- يركز العلاج المعرفي السلوكي على الحاضر. حيث يتم التركيز على المشكلات الحالية وعلى مواقف معينة تثير القلق لدى المريض. ومع ذلك فقد يتطلب الأمر الرجوع إلى الماضي في حالة:
أ - رغبة المريض الشديدة في القيام بذلك
ب- عدم حدوث تغير يذكر في الجوانب المعرفية والسلوكية والانفعالية
ج- عندما يشعر المعالج بأن هناك حاجة لفهم الكيفية التي تطورت بها الأفكار غير الفعالة لدى المريض.
6- العلاج المعرفي السلوكي علاج تعليمي، يهدف إلى جعل المريض معالجاً لنفسه كما أنه يهتم كثيراً بتزويد المريض بالمهارات اللازمة لمنع عودة المرض بعد التحسن (الانتكاس).
7- العلاج المعرفي السلوكي علاج مكثف قصير المدى. يتم علاج معظم الحالات في مدة تتراوح ما بين 4-12 جلسة و قد يستمر إلى فترة أطول من ذلك.
8- تتم الجلسات في العلاج المعرفي السلوكي وفق جدول عمل محدد يحاول المعالج تنفيذه، للتعرف على الوضع الانفعالي للمريض؛ ويطلب من المريض تقديم ملخص لما حدث خلال الأسبوع الماضي؛ إعداد جدول أعمال الجلسة (بالتعاون مع المريض)؛ التعرف على رد فعل المريض حول الجلسة السابقة؛ مراجعة الواجبات المنزلية؛ تقديم ملخصات لما تم في الجلسة بين الحين والآخر؛ ثم أخذ رأي المريض فيما تم في نهاية الجلسة.
9- يعلّم العلاج المعرفي السلوكي المريض كيف يتعرف على الأفكار والاعتقادات غير الفعالة وكيف يقوّمها ويستجيب لها.
10- يستخدم العلاج المعرفي السلوكي فنيات متعددة لإحداث تغييرات في التفكير، المزاج، والسلوك. يستخدم في العلاج المعرفي السلوكي بالإضافة إلى الفنيات المعرفية الأساسية مثل الأسئلة الجدلية (السقراطية) والفنيات السلوكية.
11- يؤكد العلاج المعرفي السلوكي على أن يكون المعالج صريحاً مع المريض ويناقش معه وجهة نظره (المعالج) حول المشكلة (الصياغة) ويعترف بأخطائه ويسمح للمريض بمعارضته. وعدم القيام بذلك يتعارض مع الطبيعة التعاونية بين المعالج والمريض التي يركز عليها العلاج المعرفي السلوكي.
12- يركز المعالج المعرفي السلوكي بصورة عامة على التعامل مع أعراض الاضطراب النفسي الذي يعاني منه المريض أكثر من تركيزه على العوامل التي تعزي إليها هذه الأعراض. (38:83-39) (المحارب،
1- هـ- تطور العلاج المعرفي السلوكي:
يعتبر العلاج المعرفي السلوكي اتجاها علاجياً حديثاً نسبياً. يعمل على الدمج بين العلاج المعرفي بفنياته المتعددة والعلاج السلوكي بما يضمه من فنيات، كما يعمد إلى التعامل مع الاضطرابات المختلفة من منظور ثلاثي الأبعاد. إذ يتعامل معها معرفياً وانفعاليا وسلوكيا،ً مستخدماً العديد من الفنيات السلوكية.
ولم يكن العلاج المعرفي معرفيا بحتاً منذ بدايته، سواء على المستوى النظري، أو على المستوى التطبيقي. فعلى المستوى النظري يتم التعامل مع الأفكار بقصد تغييرها، حتى يتسنى حدوث تغييرات سلوكية مرغوبة. وعلى المستوى التطبيقي لم يتوقف "بيك" عند استخدام الفنيات المعرفية فقط في العلاج بل استخدم إلى جانبها فنيات سلوكية، وهذا ما أكده بنفسه في كتابه الذي نشره عام 1979م العلاج المعرفي للإكتئاب.ومن هنا بدأت تبرز معالم العلاج المعرفي السلوكي. ويعتمد الإطار النظري للعلاج المعرفي السلوكي على تلك الأساليب التي قدمها كل من "دونالد ميكنبوم" D.Meichenbaum و "ألبرت آليس" A.Ellis و "أرون بيك" A.Beck و "فيكتور رايمي"V.Raimy .
وقد أصدر "بيك" كتاباً في عام 1970 بعنوان العلاج المعرفي: طبيعته وعلاقته بالعلاج السلوكي Cognitive Therapy : Nature and relation to Behavior Therapy أوضح فيه كيفية تغيير المعارف والأفكار من خلال نماذج إشتراطية، وهو ما يعتبر بمثابة إستراتجيات سلوكية.
ويعد النموذج الذي قدمه "بيك" من أبرز النماذج العلاجية في هذا الاتجاه وأكثرها شيوعاً، ففي الوقت الذي يركز فيه على معارف واعتقادات الفرد في الـ هنا- والآن here and now كسبب في اضطراب الشخصية، فإنه يستعين أيضاً ببعض الفنيات السلوكية لتعليم الفرد المهارات التي يجب أن تتغير بتغير معارفه ومدركاته عن ذاته وعن العالم والمستقبل. ويرى بيك أن الشخصية تتكون من مخططات معرفية Schemas تشتمل على المعلومات والاعتقادات والمفاهيم والافتراضات والصيغ الأساسية لدى الفرد والتي يكتسبها خلال مراحل النمو. ويرى أن الناس تنفعل بالأحداث وفقا لمعانيها لديهم. ويهتم بيك بالأفكار التلقائية السلبية التي تظهر وكأنها منعسات آلية وتبدو من وجهة المريض بأنها معقولة جداً. ويذهب بيك إلى أن الأفكار الأوتوماتيكية تؤدي إلى التشويه المعرفي الذي يعد نتيجة لها، ومن أمثلة التمثل الشخصي Personalization أي تفسير الأحداث من وجهة النظر الشخصية للمريض، والتفكير المستقطب Polarized أي المتمركز عند أحد طرفين متناقضين إما أبيض أو أسود، والاستنتاج التعسفي أي الاستدلال اللامنطقي، والمبالغة في التعميم أي تعميم نتيجة معينة على كل المواقف على أساس حدث منفرد، والتضخيم والتحجيم، والعجز المعرفي. وإذا كان العلاج وفقاً لهذا النموذج يهدف إلى التعامل مع التفكير اللامنطقي الخاطئ والتشويهات المعرفية، والتعامل مع المشكلات المختلفة والسعي إلى تخفيضها، فإنه يعتمد على عدة أسس أو مبادئ هي المشاركة العلاجية، وتوطيد المصداقية مع المريض، وتقليل أو اختزال المشكلة reduction أي تقسيمها إلى وحدات يسهل تناولها، ومعرفة كيفية العلاج وذلك باستخدام فنيات عديدة بعضها معرفي مثل المناقشة، والمراقبة الذاتية، والتباعد الذي يجعل تفكير المريض وتقييمه للواقع موضوعياً، وإعادة التقييم المعرفي، والعلاج البديلي (مناقشة الأسباب). وبعضها تجريبي إمبيريقي كالاستكشاف الموجه، والتعريض، وبعضها الآخر سلوكي كالواجبات المنزلية، والإقتداء، والتخيل، ولعب الدور. ويرى "بيك" أن التكنيكات السلوكية ذات فاعلية لأنها تؤدي إلى تغييرات إتجاهية ومعرفية لدى الحالات المريضة.
ويستدل من اسم هذا النوع من العلاج بأنه محاولة دمج الفنيات المستخدمة في العلاج السلوكي مع الجوانب المعرفية والانفعالية للمريض ضمن السياق الاجتماعي.
يذكر "كلارك" و"فايربرن" Clark and Fairburn أن مصطلح العلاج المعرفي السلوكي Cognitive Behavior Therapy ظهر في بداية الثلث الأخير من هذا القرن [القرن الماضي]، وأصبح في وقت قصير، العلاج النفسي الرئيسي في معظم الدول المتقدمة. (1:83). (المحارب، 2000، ص.1).
1-ب- نظرة تاريخية:
تنبه الفلاسفة اليونان منذ القدم إلى أن إدراك الإنسان للأشياء – وليس الأشياء نفسها- تلعب دوراً هاماً في تحديد نوع استجابته وهي التي تسم سلوكه وتصفه بالاضطراب أو السواء، وفي هذا الصدد يقول الفيلسوف الروماني "إيكتيوس" "لا يضطرب الناس من الأشياء ولكن من الآراء التي يحملونها عنها". (273:4).(إبراهيم،1994، ص.273).
وقد أشار العلماء المسلمين للدور الذي يلعبه التفكير في توجيه سلوك الإنسان وفي سعادته وفي شقائه. وقد سبقوا بذلك العلماء المحدثين في إبراز أهمية العوامل المعرفية في توجيه استجابات الفرد للظروف المحيطة به. فقد أوضح ابن القيم قدرة الأفكار-إذا لم يتم تغييرها- على التحول إلى دوافع ثم سلوك حتى تصبح عادة يحتاج التخلص منها إلى جهد أكبر. كما أشار الغزالي إلى أن بلوغ الأخلاق الجميلة يتطلب أولاُ تغيير أفكار الفرد عن نفسه ثم القيام بالممارسة العملية للأخلاق المراد اكتسابها حتى تصبح عادة ولم يخلو التراث الإسلامي أيضاً من الإشارات الواضحة لأثر التفكير ليس فقط في توجيه السلوك ولكن أيضاً في الحالة الصحية للناس، ويبدو ذلك جلياُ في القول المأثور "لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا". (4:83). (المحارب، 2000، ص.4).
ويفيد "بيك" "أن العلاج المعرفي يقوم على دعائم فلسفية ليست جديدة، بل موغلة في القدم، وتعود بالتحديد إلى زمن الرواقيين Stoics. حيث اعتبر الفلاسفة الرواقيين أن فكرة الإنسان عن الأحداث، وليست الأحداث ذاتها هي المسئولة عن اعتلال مزاجه. إلى هذا المنطق الرواقي يستند هذا العلاج المعرفي. فالمشكلات النفسية ترجع بالدرجة الأساس إلى أن الفرد يقوم بتحريف الواقع ولي الحقائق بناء على مقدمات مغلوطة وافتراضات خاطئة. وتنشأ هذه الأوهام عن تعلم خاطئ في إحدى مراحل نموه المعرفي". (6:14). (بيك، 2000، ص.6)
وتفترض النظرية المعرفية أنه من الممكن إحداث تغييرات انفعالية وسلوكية وجسمية من خلال إحداث تغييرات في أفكار واعتقادات المريض.
1- جـ- نشأة العلاج المعرفي:
سبق العلاج المعرفي علم النفس المعرفي، وسوف نستعرض التسلسل التاريخي لتطور هذا النموذج العلاجي. حيث بداء الاهتمام بالعلاج المعرفي مع بداية النصف الأخير القرن الماضي. وإن كان البعض من الرواد قد تزامنوا في تقديم نماذجهم في نفس الفترة.
ويشمل مفهوم العلاج المعرفي مناهج عديدة تتشابه في جوهرها وتختلف في فنيات تطبيقها. وعلى الرغم من أن هناك أكثر من عشرين نوعا منها ولكن أشهرها : منهج "بيك" في العلاج المعرفي، ومنهج "البرت آليس" في العلاج العقلاني الانفعالي، وتأتي بعد ذلك مناهج أخرى اقل شهرة مثل منهج "ميكينبوم" في تعديل السلوك المعرفي، ومنهج "ويسلر وهانكين" Cognitive Appraisal Therapy العلاج التقويمي المعرفي الذي حاولا فيه الجمع بين العلاج العقلاني الانفعالي ومكتشفات التعلم الاجتماعي وعلم النفس الاجتماعي المعرفي، ومنهج "كيلي" للتصورات الشخصية، ومنهج "البرت باندورا" في التعليم الاجتماعي، ومنهج "لازاروس" Multi-Modal Therapy في العلاج متعدد النماذج، ومنهج "ماهوني" Cognitive Learning Therapy في علاج التعلم المعرفي، وأسلوب حل المشكلات لـ"قولدفرايد" و"قولدفرايد".
وكان لـ"بيك" قصب السبق فيها بعد أن نشر مقالا عام 1952 حول تطبيق العلاج المعرفي على حالة فصام مزمن، أشار فيه إلى أنه قام بإضفاء صبغة مقبولة وطبيعية على هذاءات ثم طلب منه القيام بفحص منظم لمعرفة دقتها، وقد لاحظ بشيء من الدهشة أن هذاءات المريض بدأت تختفي بالتدريج.
ثم قدم "كلي" Kelly عام 1955م أفكاره حول التصورات الشخصية Psychology of personal constructs. وكان له كبير الأثر على بداية العلاج النفسي المعرفي، لأنه ركز على أهمية الطرق الذاتية التي ينظر ويفسر من خلالها الفرد لما يدور حوله في تغيير السلوك. حيث يرى في نظريته، نظرية التصورات الشخصية personal construct theory أن الشخص يقوم بصياغة تصورات (توقعات) حول ما يجري من حوله، ثم يتفحص هذه التصورات، وبناء على النتائج التي يتوصل إليها يقوم بتصحيح أو تعديل هذه التصورات، أي أنه يقوم بإعطاء معاني للظواهر لكي يستطيع فيما بعد توقع ما قد يحدث ويحاول التحكم به. ( 154:159). ( Phares,1984.p.159).
وبذلك يرى "كلي" أن الطريقة التي ينظر بها الناس للعالم من حولهم قد تخلق لهم الاضطرابات النفسية. حيث أن لدى كل فرد مجموعة من التصورات الأساسية التي يكون من خلالها هوية لنفسه واضطراره للابتعاد عن هذه الهوية في سبيل استيعاب خبرات جديدة قد يؤدي إلى شعوره بالذنب، وقد يشعر الفرد بالقلق في حالة عدم قدرته على التوقع بما سيئول إليه موقف معين وعدم استطاعته بالتالي على القيام بسلوكيات ملائمة.
وقد تظهر المشكلات النفسية عندما يعجز النظام التصوري Construct system لدى الفرد في توقع الحوادث أو احتوائها ضمن الخبرات السابقة بطريقة تكفل القيام بسلوك منظم، الأمر الذي يؤدي إلى أحداث تشويه في النظام التصوري للفرد وهذا بدوره يقود إلى التوتر.
ومع كل ذلك لم تلق نظرية "كلي" قبولاً كبيراً من قبل المشتغلين بالعلوم المعرفية لصعوبة فهمها، ولكثرة تفاصيلها مع قلة المنشور حولها من كتب ودراسات.
وتزامن في نفس هذه الفترة ظهر العلاج العقلاني الانفعالي لـ "ألبرت آليس" Albert Ellis قبل التطورات الأساسية في علم النفس المعرفي وكانت نظرية علاج الاكتئاب لـ "بيك" في مراحلها الأولى. حيث كان "آليس" بصدد التخلي عن التحليل النفسي وتطوير نظرية معرفية سلوكية خاصة به. وفي الوقت الذي كان فيه "بيك" Beck يبتعد بالتدريج عن التحليل النفسي ويبني نظريته في العلاج المعرفي خطوة بخطوة. كما كان "كلي" Kelly أيضا يبلور أفكاره حول دور الجوانب المعرفية في تكيف الإنسان مع بيئته. يقول "آليس" بهذا الخصوص تزامنه مع بيك "وبصورة مستقلة عما قمت به، بدأ أيضاً معالج تحليل نفسي آخر من فيلادلفيا (يقصد بيك) بالتخلي عن الفنيات التحليلية وتطوير نوع من العلاج المعرفي (129:173). (Ellis, 1979,p.173).
وقد توصل "آليس" في يناير 1955 إلى ما أسماه العلاج العقلاني Rational Therapy وغير اسمه لاحقاً في عام 1961 إلى العلاج العقلاني الانفعالي Rational Emotive Therapy. و يرجع "آليس" نشوء الأمراض النفسية إلى ما تم تعلمه من الأفكار غير العقلانية من الناس المهمين خلال فترة الطفولة بالإضافة إلى ما يبتدعه الأطفال أنفسهم من اعتقادات غير منطقية وخرافات. وبعد ذلك يقوم الناس بإعادة تنشيط هذه الاعتقادات غير الفعالة من خلال الإيحاء الذاتي والتكرار. وتنتج معظم الانفعالات من التفكير ويشكل اللوم (blame) للنفس وللآخرين حجر الأساس في معظم الاضطرابات الانفعالية.
وهكذا فإن التطبيقات الإكلينيكية للمنظور المعرفي Cognitive perspective بصورة عامة سبقت النظرية والبحوث المنهجية formal المرتبطة بعلم النفس المعرفي.
1- د- الأساس الفلسفي والمبادئ:
تعتمد النظرية المعرفية في تناول الأمراض النفسية عل تفسير الكيفية التي تتم من خلالها معالجة المعلومات. وتفترض هذه النظرية أن الاضطرابات لدى الفرد ناتج وجود أخطاء في معالجة المعلومات لديه، مما يترتب عليها وجود أبنية معرفية (مخططات) كامنة عاجزة عن التكيف تسيطر على المريض. بناء على ما ينتج عنها من أفكار تلقائية تصاحب الاضطراب وتساعد على استمراره.
ونظراً للتطورات السريعة التي تحدث في العلوم المعرفية بصورة عامة وفي نظرية العلاج المعرفي بصورة خاصة. فقد تم تحديد مبادئ خاصة بالعلاج المعرفي السلوكي الذي يمارس ضمن حدود مسلمات النظرية المعرفية.
1- يعتمد العلاج المعرفي السلوكي على صياغة مشكلة المريض وتنقيحها بصورة مستمرة ضمن الإطار المعرفي ويعتمد المعالج في صياغة مشكلة المريض على عوامل متعددة مثل تحديد الأفكار الحالية للمريض (أنا فاشل لا أستطيع عمل أي شيء كما ينبغي)، الأفكار التي تساهم في استمرار الوضع الانفعالي للمريض والتعرف على السلوكيات غير المرغوب فيها. ثم التعرف على العوامل المرسبة التي أثرت على أفكار المريض عند ظهور المرض مثل (حادثة محزنة، تغير شيء مألوف) وبعد ذلك التعرف على الأسلوب المعرفي الذي يفسر من خلاله المريض الحوادث التي يتعرض لها مثلاً (عزو النجاح للحظ ولوم النفس على الفشل).ثم يقوم المعالج بصياغة المشكلة في الجلسات الأولى ولكنه يستمر في إجراء تعديلات عليها كلما حصل على معلومات جديدة.
2- يتطلب العلاج المعرفي السلوكي وجود علاقة علاجية جيدة بين المعالج والمريض تجعل المريض يثق في المعالج ويتطلب ذلك قدرة المعالج على التعاطف والاهتمام بالمريض وكذلك على الاحترام الصادق وحسن الاستماع.
3- يشدد العلاج المعرفي السلوكي على أهمية التعاون والمشاركة النشطة. العمل كفريق يشترك في وضع جداول عمل للجلسات وفي إعداد الواجبات المنزلية التي يقوم بها المريض بين الجلسات.
4- يسعى المعالج إلى تحديد أهداف معينة، يسعى لتحقيقها وحل مشكلات محددة.
5- يركز العلاج المعرفي السلوكي على الحاضر. حيث يتم التركيز على المشكلات الحالية وعلى مواقف معينة تثير القلق لدى المريض. ومع ذلك فقد يتطلب الأمر الرجوع إلى الماضي في حالة:
أ - رغبة المريض الشديدة في القيام بذلك
ب- عدم حدوث تغير يذكر في الجوانب المعرفية والسلوكية والانفعالية
ج- عندما يشعر المعالج بأن هناك حاجة لفهم الكيفية التي تطورت بها الأفكار غير الفعالة لدى المريض.
6- العلاج المعرفي السلوكي علاج تعليمي، يهدف إلى جعل المريض معالجاً لنفسه كما أنه يهتم كثيراً بتزويد المريض بالمهارات اللازمة لمنع عودة المرض بعد التحسن (الانتكاس).
7- العلاج المعرفي السلوكي علاج مكثف قصير المدى. يتم علاج معظم الحالات في مدة تتراوح ما بين 4-12 جلسة و قد يستمر إلى فترة أطول من ذلك.
8- تتم الجلسات في العلاج المعرفي السلوكي وفق جدول عمل محدد يحاول المعالج تنفيذه، للتعرف على الوضع الانفعالي للمريض؛ ويطلب من المريض تقديم ملخص لما حدث خلال الأسبوع الماضي؛ إعداد جدول أعمال الجلسة (بالتعاون مع المريض)؛ التعرف على رد فعل المريض حول الجلسة السابقة؛ مراجعة الواجبات المنزلية؛ تقديم ملخصات لما تم في الجلسة بين الحين والآخر؛ ثم أخذ رأي المريض فيما تم في نهاية الجلسة.
9- يعلّم العلاج المعرفي السلوكي المريض كيف يتعرف على الأفكار والاعتقادات غير الفعالة وكيف يقوّمها ويستجيب لها.
10- يستخدم العلاج المعرفي السلوكي فنيات متعددة لإحداث تغييرات في التفكير، المزاج، والسلوك. يستخدم في العلاج المعرفي السلوكي بالإضافة إلى الفنيات المعرفية الأساسية مثل الأسئلة الجدلية (السقراطية) والفنيات السلوكية.
11- يؤكد العلاج المعرفي السلوكي على أن يكون المعالج صريحاً مع المريض ويناقش معه وجهة نظره (المعالج) حول المشكلة (الصياغة) ويعترف بأخطائه ويسمح للمريض بمعارضته. وعدم القيام بذلك يتعارض مع الطبيعة التعاونية بين المعالج والمريض التي يركز عليها العلاج المعرفي السلوكي.
12- يركز المعالج المعرفي السلوكي بصورة عامة على التعامل مع أعراض الاضطراب النفسي الذي يعاني منه المريض أكثر من تركيزه على العوامل التي تعزي إليها هذه الأعراض. (38:83-39) (المحارب،
1- هـ- تطور العلاج المعرفي السلوكي:
يعتبر العلاج المعرفي السلوكي اتجاها علاجياً حديثاً نسبياً. يعمل على الدمج بين العلاج المعرفي بفنياته المتعددة والعلاج السلوكي بما يضمه من فنيات، كما يعمد إلى التعامل مع الاضطرابات المختلفة من منظور ثلاثي الأبعاد. إذ يتعامل معها معرفياً وانفعاليا وسلوكيا،ً مستخدماً العديد من الفنيات السلوكية.
ولم يكن العلاج المعرفي معرفيا بحتاً منذ بدايته، سواء على المستوى النظري، أو على المستوى التطبيقي. فعلى المستوى النظري يتم التعامل مع الأفكار بقصد تغييرها، حتى يتسنى حدوث تغييرات سلوكية مرغوبة. وعلى المستوى التطبيقي لم يتوقف "بيك" عند استخدام الفنيات المعرفية فقط في العلاج بل استخدم إلى جانبها فنيات سلوكية، وهذا ما أكده بنفسه في كتابه الذي نشره عام 1979م العلاج المعرفي للإكتئاب.ومن هنا بدأت تبرز معالم العلاج المعرفي السلوكي. ويعتمد الإطار النظري للعلاج المعرفي السلوكي على تلك الأساليب التي قدمها كل من "دونالد ميكنبوم" D.Meichenbaum و "ألبرت آليس" A.Ellis و "أرون بيك" A.Beck و "فيكتور رايمي"V.Raimy .
وقد أصدر "بيك" كتاباً في عام 1970 بعنوان العلاج المعرفي: طبيعته وعلاقته بالعلاج السلوكي Cognitive Therapy : Nature and relation to Behavior Therapy أوضح فيه كيفية تغيير المعارف والأفكار من خلال نماذج إشتراطية، وهو ما يعتبر بمثابة إستراتجيات سلوكية.
ويعد النموذج الذي قدمه "بيك" من أبرز النماذج العلاجية في هذا الاتجاه وأكثرها شيوعاً، ففي الوقت الذي يركز فيه على معارف واعتقادات الفرد في الـ هنا- والآن here and now كسبب في اضطراب الشخصية، فإنه يستعين أيضاً ببعض الفنيات السلوكية لتعليم الفرد المهارات التي يجب أن تتغير بتغير معارفه ومدركاته عن ذاته وعن العالم والمستقبل. ويرى بيك أن الشخصية تتكون من مخططات معرفية Schemas تشتمل على المعلومات والاعتقادات والمفاهيم والافتراضات والصيغ الأساسية لدى الفرد والتي يكتسبها خلال مراحل النمو. ويرى أن الناس تنفعل بالأحداث وفقا لمعانيها لديهم. ويهتم بيك بالأفكار التلقائية السلبية التي تظهر وكأنها منعسات آلية وتبدو من وجهة المريض بأنها معقولة جداً. ويذهب بيك إلى أن الأفكار الأوتوماتيكية تؤدي إلى التشويه المعرفي الذي يعد نتيجة لها، ومن أمثلة التمثل الشخصي Personalization أي تفسير الأحداث من وجهة النظر الشخصية للمريض، والتفكير المستقطب Polarized أي المتمركز عند أحد طرفين متناقضين إما أبيض أو أسود، والاستنتاج التعسفي أي الاستدلال اللامنطقي، والمبالغة في التعميم أي تعميم نتيجة معينة على كل المواقف على أساس حدث منفرد، والتضخيم والتحجيم، والعجز المعرفي. وإذا كان العلاج وفقاً لهذا النموذج يهدف إلى التعامل مع التفكير اللامنطقي الخاطئ والتشويهات المعرفية، والتعامل مع المشكلات المختلفة والسعي إلى تخفيضها، فإنه يعتمد على عدة أسس أو مبادئ هي المشاركة العلاجية، وتوطيد المصداقية مع المريض، وتقليل أو اختزال المشكلة reduction أي تقسيمها إلى وحدات يسهل تناولها، ومعرفة كيفية العلاج وذلك باستخدام فنيات عديدة بعضها معرفي مثل المناقشة، والمراقبة الذاتية، والتباعد الذي يجعل تفكير المريض وتقييمه للواقع موضوعياً، وإعادة التقييم المعرفي، والعلاج البديلي (مناقشة الأسباب). وبعضها تجريبي إمبيريقي كالاستكشاف الموجه، والتعريض، وبعضها الآخر سلوكي كالواجبات المنزلية، والإقتداء، والتخيل، ولعب الدور. ويرى "بيك" أن التكنيكات السلوكية ذات فاعلية لأنها تؤدي إلى تغييرات إتجاهية ومعرفية لدى الحالات المريضة.