يعتبر العلاج المعرفي السلوكي من أكثر الأساليب العلاجية المستخدمة في السنوات الأخيرة وقد ميز الكثير من
الباحثين بينه وبين العلاج السلوكي فالفرد عند السلوكيين موجود فقط عند مستوى المثير / الاستجابة وقد كتب شكسبير
في هاملت (أنه لا يوجد ما هو خير أو شر إنما طريقة التفكير هي التي تصنع ذلك) وقد انعكس اعتقاد شكسبير هذا على
العمليات النفسية وهو ما نسميه بالاتجاه المعرفي فالمتخصصون في علم النفس المعرفي رؤوا أن الأحداث في حد ذاتها
لا تؤدى إلى المشاعر والسلوكيات المضطربة وإنما تفسير الفرد للأحداث هو الذي يصنع ذلك ، وافترضوا أن التغيرات
في طريقة التفكير يمكن أن ينتج عنها تغييرات في المشاعر والسلوكيات ، أما السلوكيين فاهتموا فقط بالمدخلات
والمخرجات على عكس المعرفيين الذين اهتموا بالعمليات المعرفية الداخلية مثل التفكيرات والأدراكات والمحادثات
.(526 : 1990 ، Laster Sdorow الذاتية. (لاستر سادورو
ومع ظهور علم النفس المعرفي بدأ التقارب والالتقاء بين المناهج السلوكية والمعرفية وذلك باعتراف
السلوكيين أنهم يتعاملون فع ً لا مع عمليات معرفية داخلية ففي أسلوب التحصين التدريجي الذي يقوم على تخيل المواقف
والمشاهد الباعثة على القلق في إطار مدرج القلق فإنه يقوم على عمليات معرفية داخلية ، وليست سلوكًا خارجيًا
ملحوظًا وأسلوب النمذجة لبندورا الذي يقوم على التعلم بالملاحظة واعتراف بالعمليات الداخلية وذلك لتركيزه على
التنظيم الذاتي ، والضبط الذاتي ، والانطفاء البديلى والتعزيز الذاتي بالإضافة إلى تشفير الأحداث الخارجية في الذاكرة
في رموز عند امتثالها والتي يتم استدعائها في الوقت والمكان المناسبين وجاء العلاج المعرفي السلوكي (بك) والعقلاني
الانفعالي (أليس) بوصفهما ائتلاف بين المناهج السلوكية والمعرفية فالعلاج المعرفي أسلوب علاجي يحاول تعديل
.(163 : السلوك لدى المريض من خلال التأثير في عمليات التفكير. (صلاح الدين عراقى ، 1993
فى عبد ) Ingram, scott ، انجرام ، سكوت ، Mischel ويرى أصحاب الاتجاه المعرفي أمثال ميشيل
الستار ابراهيم ، 1993 ) أن هناك عدة أبعاد معرفية يجب الانتباه إليها عند التعامل مع المشكلات النفسية بشكل عام
ومنها الكفاءة والقصور الذاتي أي المهارات ، والقدرات الخاصة ، والذكاء ، فالشخص الذكي المرن عقليًا ، والذي لديه
رصيد من المعلومات عن موضوع معين يتعلم بسرعة وبطريقة أفضل من الشخص المتصلب ، والمحدود المعرفة ،
.(124 : والأقل ذكاء. (عبد الستار إبراهيم وآخرون ، 1993
وهناك أيضًا مفهوم الذات وما نحمله من اعتقادات خاصة عن إمكانياتنا الشخصية وقدراتنا فالفرد الذي يعتنق
مفهومًا عن نفسه بأنه أقل كفاءة من غيره وبأنه غير محبوب عادة ما سيتبنى جوانب من السلوك كالقلق والاكتئاب أكثر
( من الفرد الذي يعتقد أنه محبوب وعلى درجة عالية من الجاذبية والكفاءة. (المرجع السابق : 124
نظرية متكاملة يفسر على أساسها حدوث الاضطرابات الانفعالية وعلى وجه Beck ( ويصوغ بك ( 1970
الخصوص – الضغوط النفسية في ضوء المعتقدات والآراء السلبية التي يحملها المريض عن نفسه ، والعالم ،
والمستقبل ويرى أن الخبرات التي يمر بها الشخص تستمد دلالتها اليائسة أو المكتئبة أو الانهزامية من خلال التحامها
بهذا الأسلوب ، فتبنى مثل هذا الاعتقاد يؤدى إلى تشويه إدراك الواقع بشكل سليم. ثم تأتى بعد ذلك الاستجابة الانفعالية
( أو السلوكية اليائسة والتي نسميها اكتئابًا. (محمد على كامل ، المرجع السابق : 14 ، 13
وعادة ما تلازم حالة الضغط النفسي توقعات سلبية تجعل المرضى يعتقدون أنه لن يكون في مقدورهم تجنب
وقوع الأحداث فعندما يتوقع الشخص أن شيئًا ما سيحدث ولن يكون بإمكانه تغييره أو تغيير نتائجه يبرز الضغط النفسي
كمجموعة من الاستجابات المصاحبة لهذه التوقعات ويفسر هذا القصور انخفاض مستوى الدافعية وكذلك انخفاض العمل
النشط الايجابي على حل المشكلة كخاصية رئيسية من خصائص الضغط النفسي. (عبد الستار إبراهيم ، المرجع السابق
(125 :
والأسلوب المعرفي من الجوانب المهمة لتوضيح الاضطراب النفسي الذي يكون عادة مصحوبًا بخصائص
فكرية في الشخص كالمبالغة ، والتهويل ، وتوقع الشر ، والتفهم. فالمبالغة هي الميل إلى إضفاء دلالات مبالغ فيها في
إدراك الأشياء والتعميم هو أسلوب من أساليب التفكير يرتبط بكثير من الأنماط المرضية خاصة الاكتئاب فالمكتئب غالبًا
ما يعمم الخبرات الجزئية على ذاته بصورة سلبية ، فتوجيه نقد غير مقصود له يعنى عنده (أنى إنسان فاشل لا يحسن
التفكير) وفشله في تحقيق هدف ، ولو جزئي قد يعنى لديه (اننى إنسان عاجز عن تحقيق آمالي في الحياة). (عبد الستار
.(309 : إبراهيم ، 1994
والفرد الذي يقع تحت وطأة الضغوط النفسية يجد نفسه يفكر في الأمور بطريقة كمالية مطلقة ويصبح
كشخص يسبح في محيط ليست له معالم محددة ولذلك يحذر المعالجون من عبارات مثل (يجب إلا أترك شئ للصدفة)
(لو أنني نقصت درجة واحدة فسيكون علامة فشل على كل ما فعلنا) والتفكير الكمالي يختلف عن التفكير الاكمالى فلا
بأس بالطبع أن يكمل الإنسان عمله بأحسن صورة ممكنه وفى أوقات ملائمة إلا أن المشكلة في أن يتحول هذا الاتجاه
من التفكير إلى مصدر للاضطراب بسبب نقص جوانب غير معلومة ومخاوف من العجز عن الوصول إلى كمال ليس
.( له وجود فعلى. (المرجع السابق : 125
ويركز العلاج المعرفي على العمليات المعرفية وتأثيراتها القوية على الانفعالات والسلوك معًا ، وأن
الاضطرابات النفسية إنما تنبع من اضطراب حالات التفكير وقد تطور هذا الاتجاه العلاجي أو ً لا بواسطة جورج كليلى
1955 ) ثم تبعه تطور آخر لألبرت أليس ( 1962 ) فقد حاول كيللى أن يثبت أن الإنسان يحدد طرقه الخاصة به لرؤية )
العالم الذي يعيش فيه ، والعالم لا يخلق له هذه الطرق ، فالإنسان هو الذي يبنيها ويختبر صحتها أثناء استخدامه لها في
المواقف التي تستدعى ذلك ، ومن خلال وجهات النظر المختلفة عبر القرون يمكن النظر للإنسان على أنه كعالم مبتدئ
يشكل وسائله الخاصة به من خلال ما يراه من الأحداث في العالم من حوله وكعالم فإن الإنسان يستطيع أن يتنبأ وعلى
ذلك يمكن أن يتحكم في مسار الأحداث. إن استخدام كيللى لمصطلح بناء أو قاعدة أصبح إلى حد ما تقنيًا ولكن التفكير
فيه على أساس أنه اعتقاد أو ونظام للاعتقاد وعلى ذلك فطبقًا لكيللى فكل إنسان يعتبر عالم في نفسه ، ونحن نبتكر
افتراضات عن العالم الذي يساعدنا على أن نتنبأ ونفهم ونتحكم فيه وهذه الافتراضات مهمة جدًا حيث أنها تؤثر في
مواجهتنا لأنفسنا وبيئتنا أما في حالات المرض أو الانحراف السلوكي فإننا نفترض افتراضات غير سوية. (مايكل
(202 : 1992 ، Michael
وقد طور كيللى نظرية في الشخصية و أقترح بعض المناهج التي لخصت على أنها أساس ثابت في العلاج
والتي يمكن على طريقها تغير بناء الشخصية نفسه. في هذا النوع من العلاج تعتبر عملية توجيه الأسئلة للمريض من
أهم الفنيات ولكن لم تلق نظرية كيللى النجاح الكافي ويمكن أن يكون سابقًا لعصره أو يكون منهجه الغامض صعب جدًا
أن يفهم أو أنه معد لفئة خاصة ولكن الحقيقة الباقية هو أن إسهاماته في تطور العلاج المعرفي إسهامات لا تنكر.
( (المرجع السابق : 202
Reason " كتابًا عن السبب والانفعال في العلاج النفسي Albert Ellis وفى سنه 1962 نشر ألبرت أليس
حاول أن يثبت فيه أن الأسباب الأولية للمرض عند الإنسان ليست دوافع غير " and Emotion in Psychotherapy
مقصودة بل على العكس فإنه أصر على أن هناك عدة أفكار غير عقلانية تعتبر الجذور الأساسية للاضطراب الانفعالي
ويعول في هذا الشأن أن الإنسان لا ينزعج بالأشياء ولكن بوجهه نظره تجاه الأشياء ويفترض أن طريقة تفكيرك تنعكس
Michael على شعورك حتى وإن تلاشت المعتقدات بسرعة فهي تظل المسئولة عن الشعور. (مايكل ماهونى
(202 : 1987 ، Mahoney
عدة اعتقادات تكون مسئولة بقدر كبير عن القلق ، والاكتئاب ، Ellis وبالرجوع إلى خبرته فقد استنتج إليس
والعلاقات الشخصية غير الناجحة مثل: ينبغي أن أحصل على حب مخلص واستحسان طوال الوقت من الأشخاص
الذين يمثلون أهمية لي ، يجب أن أبرهن بصورة مستمرة على أنني شخص كفء ملائم منجز ، لابد أن تسير الأمور
كما أريد والحياة ستبدو سيئة عندما لا أحصل على ما أريد ، يتعين أن يعاملني الآخرون بطريقة طيبة. (نفس المرجع
( السابق : 203
والذي وضع الملامح الرئيسية للعلاج المعرفي السلوكي Aron Beck أما التطور الأهم فهو ما قدمه أرون بك
وهو قائم على نفس الأسس السابقة من حيث تأثير الأفكار على الانفعالات والسلوكيات ، ويهدف إلى إقناع العميل أن
معتقداته غير المنطقية وتوقعاته وأفكاره السلبية وعباراته الذاتية هي التي تحدث ردود الأفعال الدالة على سوء التكيف
ويهدف إلى تعديل إدراكات العميل المشوهة ويعمل على أن يحل محلها طرقًا أكثر ملاءمه للتفكير وذلك من أجل أحداث
(570 : 1991 ، Josh R. Gerow تغيرات معرفية وسلوكية وانفعاليه لدى العميل. (جوش جيرو
والتدريب على مهارات ، Self-control وللعلاج المعرفي السلوكي أساليب متعددة من أهمها: التحكم الذاتي
Self – verbalization والتعبير عن الذات بطريقة لفظية ، Problem solving skills training حل المشكلات
وهذا الأسلوب الأخير هو المستخدم في هذه الدراسة حيث Cognitive restructuring وفنيات إعادة البناء المعرفي
أثبتت دراسات كثيرة صلاحيته بفنياته المعرفية في تخفيف الأعراض الاكتئابية وخاصة عند صغار السن مثل دراسات:
سبنس ) ، (Stark ( ستارك ( 1990 ) ، Butler; Friedman بتلر وفريدمان ( 1980 ) ، (Kanus ( (كاينوس ( 1974
.(1203 : 1994 ، S. Spence سوزان سبنس ).(Spence (1994)
وفيما يلي عرض لبعض الفنيات المعرفية بشيء من الإيجاز:
Self - Control : -1 التحكم الذاتي
ويقصد به الإقرار بأنشطة إيجابية وتحديد أهداف طويلة المدى ثم العمل على أخذ خطوات تجاه هذه الأهداف
من أجل تحقيقها. إذن والتحكم الذاتي في السلوك يتضمن مجموعة عمليات يمكن للفرد من خلالها أن يغير أو يعدل من
ظهور الاستجابة في وجود أو غياب التدعيم الخارجي للاستجابات حيث يتم ذلك من خلال ثلاث عمليات يفترض
.(168 : حدوثها بصورة أساسية كمسلمات هي: رؤية الذات ، تقييم الذات ، تدعيم الذات. (مجدي حبيب ، 1995
نموذجًا اعتبر فيه التحكم الذاتي ما هو إلا سلسة من الاستجابات المحددة أكثر منه Kanfer وقد طور كانفر
والاستجابة الثانية هي تقييم Self- monitoring (SM) مفهومًا غامضًا. وأول استجابة في هذه السلسة رؤية الذات
.Self – reinforcement والاستجابة الثالثة هي تدعيم الذات Self – Evaluation الذات
Self – Monitoring : أ- مراقبة الذات
يشير "كانفر" في (محمد كامل ، 1990 ) إلى أن عملية مراقبة الذات تتطلب من الفرد أن يجرى ملاحظات
لسلوكياته والمواقف التي تظهر فيها والأسباب التي تؤدى إلى هذه السلوكيات كذلك تتطلب منه ملاحظة النتائج المترتبة
على سلوكه وملاحظة الأحداث الخارجية التي تأخذ صورة تقبل ذاتي – الأحداث التي يتقبلها الفرد – وبمعنى آخر فإن
رؤية الذات لا تتطلب فقط الإدراك الحسي للأحداث بل تتطلب أيضًا وجود انتباه موجه من الفرد تجاه أنواع محددة من
.(24 : الأحداث ومدى قابليته لضبط وتمييز هذه الأحداث. (محمد على كامل ، 1990
Self - Evaluation : ب- تقييم الذات
يعتمد تقييم الذات على قيام الفرد بمقارنة أوجه أدائه في مواقف معينة بالمعايير أو المحكات الداخلية أو
المستوى السائد للسلوك وهذه المعايير تشتق من مصادر متنوعة مع ملاحظة أن هذه الدرجة تم الحصول عليها من
خلال مراقبة الذات حيث أن الأفراد يحددون تلك المعايير الداخلية عن طريق تبنى نماذج أو أمثلة شائعة أو من خلال
على معايير معينة والتي قد تكون إما أكثر حزنًا أو صرامة أو أقل عن المعايير الخارجية Self Impose إجبار الذات
وتكون تلك المعايير واقعية أو غير واقعية وعلى ذلك فقد يؤدى الاختيار غير الملائم للمعايير الداخلية إلى إيجاد عجز
معين في أحد جوانب عملية التحكم الذاتي في السلوك. أيضًا فإن كل من شعور الفرد بالمسئولية الذاتية تجاه سلوك ما
( وتقييمه لهذه المسئولية تلعب دورًا في تقييم الذات. (المرجع السابق : 25
Self – reinforcement : ح- تدعيم الذات
يشير "كانفر" إلى أن أساس فهم عملية التحكم الذاتي هو تصور أن الأفراد يتحكمون في سلوكهم الخاص بنفس
الطريقة التي يحكم بها أحد أعضاء الجسم عضوًا أخر وهذه القاعدة يمكن تطبيقها على تنظيم الفرد لسلوكه الخاص أي
تنظيم المكافأة والعقاب التي يقدمها الفرد لنفسه سواء كان ذلك بصورة ظاهرة أو ضمنيه يمكن التسليم بأنها الميكانيزم
الأساسي في التحكم الذاتي إذ أنه في نموذج التحكم الذاتي يفترض أن عملية تدعيم الذات تعتبر لاحقة للتدعيم الخارجي