بذة المؤلف:
لم يكن هنالك بد من أن أسأل نفسي في مرحلة أو أخرى من مراحل إعداد هذا الكتاب عن الهدف من تأليفه، وعن الفرد أو الفئة من القراء الذين أتوجه إليهم. والواقع أنني تجنبت تقييد نفسي بإجابة محددة في الأمرين، واتجهت بدلاً من ذلك إلى تحقيق غايتين في نفسي، أولهما إعطاء الحقائق المعروفة كما هي عن حياتنا الجنسية وسلوكنا الجنسي في الحالات الطبيعية وفي حالات الانحراف، أما الغاية الثانية، وهي الأكثر إلحاحاً وأهمية في نظري، فهي ربط الحياة الجنسية الإنسانية بحياتنا النفسية، وهو الربط الذي يميز الحياة الإنسانية عن غيرها من حياة الكائنات الأخرى، والذي بسببه أمكن تطوير الحياة الإنسانية في النواحي الاجتماعية والحضارية، ولعلي استطعت بذلك أن أضع الجنس في مكانه الصحيح، ورفعه من مجرد الطاقة الغريزية، إلى مكانه اللائق كقوة حياتية رئيسية تنفذ إلى كل ناحية من حياتنا، وهي المكانة التي أرادها خالق كل شيء، لا كوسيلة للخلق والبقاء فقط، وإنما للإيناس والسكون والمتعة، وكرباط لا بديل ولا مثيل له للجميع بين الذكر والأنثى في نفس واحدة، كما بدأ منها. أما لمن كتبت هذا الكتاب؟ فهو تساؤل لا يجيب عنه إلا القارئ له، والذي آمل أن لا يخطئ في فهم غاية الكتاب، أو أن يسارع في تطبيق المقاييس المزدوجة عليه، أو أن يجد فيه ما ليس منه. فليس في الكتاب ما يمكن أن يتخذه القارئ وسيلة لمتعة أو نزوة جنسية من نوع أو آخر، وليس من أغراضه أن يستغله القارئ للتندر والمسامرة، وليس من أهدافه أن يكون دليلاً جنسياً عن السلوك الجنسي الطبيعي أو المنحرف، وليس من أغراضه إدانة المسالك الجنسية من نوع أو آخر، وليس من غاياته أيضاً استبدال مواقف جنسية معينة بأخرى غيرها، وهو لا يتجه إلى تشجيع الجنس والتسامح فيه، أو على عكس ذلك، بالنهي عنه والتزمت والزهد فيه. وما عدا ما ليس في الكتاب، فإن فيه ما يقتضي لأي فرد أن يلم به عن موقع حياتنا الجنسية من حياتنا الإنسانية، وعن مدى الرابطة الوثقى بين هذه الحياة الجنسية وبين حياتنا النفسية، وهي الرابطة الأهم في اعتقادي، والتي يبرر النظر إلى الإنسان بأنه المخلوق الأعلى قدراً من بين الكائنات الأخرى. هذا هو ما حاولت إدراكه، وليس لي أن أحكم علة مقدار حظي من الفشل أو الوصول.
في الجزء الأول من هذا الكتاب تطرقنا إلى مواضيع مهمة تتحدث عن الجنس والنفس في الحياة الإنسانية فعرضنا لما يلي من الموضوعات ثنائية الجنس، العلم والجنس، الهرمونات والجنس، الحياة الجنسية للأطفال، الجنس في مراحل العمر، الجنس والزواج، الحياة الجنسية للأنثى، البرودة الجنسية عند الأنثى، الاستجابات الجنسية، الاستنماء، القوة الجنسية، الضعف الجنسي، العطل الجنسي، الاغراقات الجنسية، الجنس والحياة، الألم والجنس، السحاقية، المرمات الجنسية، العقاقير والجنس، علاج الاضطرابات الجنسية، الفن والجنس، الجنس والإبداع، الفروق بين الذكر والأنثى، ومواقفهما من الأمور الجنسية، الحب والجنس، الجاذبية والجنس.
أما في الجزء الثاني في الكتاب نتابع البحث في أوجه العلاقات الممكنة بين الجنس والنفس في الحياة الإنسانية، ومن فصول هذا الكتاب الحياة الجنسية في مراحل العمر المتوالية، والعطل الجنسي وطرق علاجه بما في ذلك التقنيات الحديثة، كما يتناول الكتاب موضوع الحياة الجنسية للمعاقية جسمياُ ونفسياُ وعقلياً، ومن المواضيع الأخرى التي تناولها الكتاب "الجنس في الأساطير" والعلاقة بين الجمال والجنس والنفس، والحرمان الجنسي وتأثيراته، والإسراف الجنسي ونتائجه. وفي الثلث الأخير من الكتاب يتناول الكتاب الحالات المرضية التي يمكن أن تنتقل عن طريق العلائق الجنسية مع التوسع في موضوع مرض نقص المناعة المكتسب "الإيدز" والذي ينظر إليه الآن بأنه أعظم خطر يواجه الحياة الإنسانية، وفي الفصل الأخير يختم الكتاب بتأمل واقع الحياة الجنسية المعاصرة وما يتوقع لهذه الناحية من مستقبل والذي يبدو في نظرنا ونظر الكثيرين من الباحثين مستقبلاً مظلماً له أن يجعل من الحياة الجنسية خطراً على الحياة النفسية لبني الإنسان إن لم يكن على الحياة الإنسانية كلها.
عدل سابقا من قبل health psychologist في السبت ديسمبر 03, 2016 7:22 pm عدل 1 مرات