الانفعال بالناس والأشياء شيء مرغوب وجزء رئيسي من متطلبات الصحة والنضوج. فنحن نفرح ونسر عندما نتوقع تحقيق هدف أو رغبة، ونخاف عندما نتعرض لخطر ما، وندهش للأشياء الغريبة والمفاجئة، ونحس بالندم للأخطاء التي كان بإمكاننا تصحيحها، ونغضب عندما نجد اعتداءً على حقوقنا أو مكاسبنا، ونحب البعض، ونكره البعض الآخر. فهذه كلها انفعالات محمودة وسوية طالما أنها تحدث في وقتها الملائم وفي الظروف الملائمة.
لكننا جميعاً - ودون استثناء- تعرضنا للحظات شعرنا خلالها بالاضطراب النفسي بكل ما يتسم به من توتر شديد والوقوع تحت رحمة انفعالات قوية تعجزنا عن التفكير الملائم والتصرف الفعال، وتوقعنا في ضروب أخرى من المعاناة والاستثارة الزائدة. ومن مآسي الاضطراب النفسي هو تلك الاستجابات الانفعالية الحادة التي نسميها القلق.
وصف لي أحد المرضى نفسه بأنه كالساعة المعطوبة التي "أنظر إليها فأراها تشير إلى منتصف الليل، وأنظر حولي فأجد النهار والشمس والناس". وكان يعنى من ذلك أن هناك شيئاً ما في طبيعته يدفعه للرؤية المعتمة للمستقبل بينما لا يوجد من حوله أو من ظروفه ما يدفع حقا إلى ذلك. فثمة هنا نموذج جيد للانفعال غير الملائم، الذي يعطل إمكانيات الإنسان على النمو، ويصيبه بالتوتر وعدم الاستقرار بشكل لا يترك له طاقة لمواجهة المواقف الصعبة أو التفكير في حلها بصورة ملائمة.
لعلي إذن لا أحتاج شخصياً إلى أن أعرف القراء بأهمية موضوع القلق. فخبرة كل قارئ بهذا الموضوع أكيدة، وتوضح له مدى الألم والتعاسة التي ترتبط بتلك اللحظات التي يتملكه فيها القلق.
ولكنى أحتاج بالطبع إلى أن أصف للقارئ هذا الانفعال الشديد الذي يسم حياته بالخوف والتوجس والقيود. وأحتاج لأن أوضح له طبيعة هذا الانفعال ومصادره، وأحتاج أيضاً لأن أرسم أمامه خطوطاً عريضة تساعده على السيطرة عليه والعلاج منه، ويحتاج لأن نوضح للقارئ العربي أهم ما يقدمه العلم الحديث من نظريات ومناهج علاجية لهذا الاضطراب.
وتتفق الفصول الستة التي يتضمنها هذا الكتيب فيما بينها لتحقيق هذا الغرض. فتقدم في الفصل الأول مدخلا طيبا لموضوع القلق والتعرف على حالات القلق، وأنواعه وأعراضه المتباينة. ويكشف لنا الفصل الثاني عن حجم هذه المشكلة وآثارها على المجتمعات البشرية.. ولتركيز خاص على العالم العربي. أما الفصل الثالث فيوضح لنا الشروط التي تحكم ظهور القلق وسيطرته على البعض دون البعض الآخر وذلك تمهيداً لرسم خطوط العلاج النفسي، الذي خصصنا له الفصل الرابع. وقد ركزنا في عرضنا لموضوع العلاج على ما يسمى بالمناهج السلوكية التي اعتبرناها بمثابة الثورة المعاصرة في العلاج النفسي. أما الفصل الخامس.. فقد أفردناه للقلق في حياة الطفل بسبب الاختلافات الواضحة بين الأطفال والبالغين بهذا الشأن. ويرسم الفصل السادس الملامح الرئيسية للصحة النفسية، وما يتسم به الأصحاء من خصائص نفسية ومزاجية.
وبالرغم من أنني لا أزعم أن هذه الفصول تمثل حصيلة وافية للبحث في هذا الموضوع ذي الشعب المتعددة، فإنني أثق بفائدته العملية فئات مختلفة ومتنوعة من ضحايا الاضطرابات النفسية وعلى رأسها القلق.. كما أثق في فائدته لبعض الممارسين والمتخصصين في العلاج النفسي وعلم النفس الطبي بسبب اعتماده على أحدث ما تقدمه البحوث النفسية المعاصرة في هذا المجال: تشخيصا وعلاجاً.
( في الكتاب ) قائمة بالأخطاء السلوكية التي تمارسها الأسر الصانعة للقلق / والسلوكيات البديلة :
1- مقارنة الطفل دائما بالآخرين، خاصة أخوته وزملائه.البديل : ركز على ما يملك الطفل من إمكانيات وبقدرته الشخصية على تنمية نفسه ومواهبه.
2- تذكير الطفل الدائم بأخطائه ونقاط ضعفه، وجوانب النقص منه. البديل : ركز على ما أنجز الطفل، وعلى ما أحرز من تغير، وشجعه على الاستمرار في حياته.
3- استخدام مشاعر الذنب عند عقابه.."إنك تجرح مشاعرنا". "إنك أناني"، " إن الله سيعاقبك على أفعالك". البديل : اعرف ما الذي أدى إلى المشكلة وركز على إيجاد الحل الملائم" إنك لم تفعل ذلك لتجرح مشاعرنا ولكنك تريد أن تحصل على اهتمامنا"، "ليس من عادتك الأنانية".
4- التحقير منه ومن إمكانياته ومن قدرته على حل مشكلاته: "هذا رأي طفل"، " لا تتدخل في مناقشة الكبار..الخ.: البديل
أعطه بعض الوقت لسماع رأيه، وناقشه دائما بموضوعية واحترام.
5- لا تركز على التبعية بل شجع على الاستقلال واتخاذ بعض المجازفات. احترم علاقاتهم الاجتماعية بأصدقائهم ولا تشعرهم بالذنب منك. البديل : تضييق فرص الطفل في النمو المستقل "حياتك من غيرنا صعبة"، " لولانا لما وصلتم" ، " سرقتكم الحياة ونسيتمونا".- لا تلاكز على التبعية بل شجع على الاستقلال واتخاذ بعض المجازفات. احترم علاقاتهم الاجتماعية بأصدقائهم ولا تشعرهم بالذنب منك.
6- أن ترسم أمامهم بتصرفاتك وسلوكك عند مواجهة الأزمات نموذجا لشخصية عصابية قلقة مثلا : استخدام الحبوب المهدئة، الشكاوي العضوية الدائمة، التعبير بحزن لما لم تحققه في حياتك. البديل : عند مواجهة الأزمات استخدم أسلوبا سليما قائما على مواجهة المشكلة والتفكير في حلولها والعمل بنشاط لمواجهة أسباب القلق للتخلص منها.. بذلك ترسم أمامهم نموذجا صحيا مختلفا.
7- التدخل المستمر وعدم احترام خصوصية الطفل من خلال مراقبة كل كبيرة أو صغيرة يقوم بها. البديل : راقب عن بعد ما يحدث للطفل..تدخل عند الضرورة.. لا تجعل الطفل خائفا حتى وهو بمفرده من أنك ستقتحم عليه خلوته.
8- التركيز على الكمال المطلق، على أنه " يجب أن يكون أذكى من الجميع، "وأشطر" و"أقوى" أو "أنبه" من الكل. البديل : ركز على ضرورة أن يكون مقتنعا في داخله بإمكانياته وعلى مقدار ما يحصل عليه الطفل من رضا أو إشباع بالنشاطات اليومية التي يقوم بها.
9- التركيز القصدي المتعمد على القلق وإثارة الانشغال " هل تعرف كم تبقى على الامتحان". البديل : لا تركز على إثارة القلق، ركز على ‘إثارة الدافع للعمل وعلى الإنجاز وعلى النشاط
10- الشكوى الدائمة من الحياة أمام الطفل والتذمر. البديل : تعويد النفس على البحث النشط عن الحلول الإيجابية للمعضلات.
11- القبول بالأعذار، خاصة ونحن نعلم أنها مجرد حجج يختلقها الطفل ليهرب من المسئولية. البديل : شجع على المواجهة، وساعد الطفل على أن يحل المشكلة بدلا من أن يهرب منها.
12 - الإكثار من الحديث عن المستقبل " ذاكر علشان تبقى دكتور كبير، أو مهندس، أو "غني"...الخ . البديل : ركز على المتعة التي يجنيها الطفل من الشيء ذاته وعلى الأهداف القريبة مثل الشعور بالراحة، والاستمتاع، والاحترام الذي يخلقه النجاح.
13- الدفع المستمر للمنافسة، والتعامل مع الآخرين على أنهم مجرد نماذج يمكن اتباعها أو هزيمتها. البديل : ركز على العلاقات الإيجابية الدافئة على أنها الهدف، ركز على المشاركة وشجع الطفل على العمل مع الآخرين.
14- الحث الدائم على العجلة، والسرعة والدقة والضغط المستمر في هذا الاتجاه. البديل : أعط الطفل فرصة للإنهاء العمل، وساعده على أن يخطط جدوله ووقته جيدا.. الاستعجال الدائم يربك ويثير القلق.
15- إثارة أهداف غير واقعية : ستكون دائما الأول، " ستكون أشهر وأحسن طبيب " . البديل : إثارة أهداف واقعية قصيرة المدى" أعتقد أنك لو خصصت 15 دقيقة يوميا لمذاكرة الحساب، سيرتفع تقديرك عما هو عليه"، غير الهدف عند الضرورة.
16- التخويف المستمر من العالم ومن الخارج : " لا تتحدث مع الكبار"، "لا تلعب لأنك ستعدى بالمرض"، " لا تنزل المياه لأنك لا تعرف السباحة" . البديل : التشجيع على المجازفات المحسوبة..علمه السباحة بدلا من تخويفه من الماء، اجعله يحيط نفسه بالملبس الملائم في الأوقات الباردة...الخ
17- إظهار الضجر عندما يتصرف الطفل بما يناسب عمره والإصرار على أن يكون أنضج أو أكبر من سنه. البديل : زود نفسك ببعض الثقافة الملائمة بما يناسب العمر، واجعل الطفل يسعد بالتصرفات الملائمة لسنه، أو حجمه مع أطفال من نفس العمر.
18- العقاب المستمر عند الخطأ. البديل : إذا كان لا بد من العقاب، وضح السبب فيه، وبين أيضا الطريقة الصحيحة للتصرف أو الفعل المستقبل.
19- العزوف عهن الحوار والمناقشة في أمور حياتهم، واهتماماتهم، ومخاوفهم، والتركيز على النقد، والقفز لإعطاء النصائح الشكلية . البديل : خصص دائما بعض الوقت لمناقشتهم في مخاوفهم دون سخرية منها، اجعلهم يصلوا للحلول بأنفسهم حتى ولو كنت تعرفها ، شجعهم على التعبير عن الرأي والمشاعر أمامك.
20- التردد في اتخاذ القرار أو التأجيل الدائم وإلحاحهم. البديل : لا تخشى من اتخاذ القرارات وتجنب التأجيل الدائم ، أرفض بوضوح وهدوء المتطلبات غير الواقعية، ونفذ ما تعد به إذا كان ممكناً.
عدل سابقا من قبل health psychologist في الثلاثاء سبتمبر 15, 2020 8:54 pm عدل 2 مرات