يتناول بوضوح قضية ” الإبداع والاضطراب النفسي والمجتمع”، ويحاول أن يضع
فيه د.عبد الستار إبراهيم حدًا للمقولة الشائعة علميًا واجتماعيًا من
ارتباط العبقرية والإبداع بالجنون أو الاضطراب النفسي، ويؤكد خطأ ذلك
علميًا ومنهجيًا من خلال الطرفين المتناقضين “المرض النفسي”، و” السير
الذاتية للمبدعين” .
يركز النصف الأول من الكتاب على بيان”الاضطراب النفسي”، والمرض النفسي،
والفرق بينه وبين ما قد يمر على المبدعين والكتاب من حالات قد تكون “لغير
الخبراء” قريبة الشبه بما قد يبدو عليه المرضى النفسيين، لا سيما:
الاكتئاب، والعزلة، والتقلب الانفعالي، وغيرها من أعراض ، ولكنه يؤكد أن
تلك الأعراض، وإن تواترت على عدد من المبدعين والعباقرة فإنه لا شأن
للإبداع بها، بل إن بعض المبدعين الذين تعرضوا لأمراض نفسية بالفعل، لم يكن
ذلك ـ أبدًا ـ راجعًا لإبداعهم، بل كان بسبب عوامل وراثية أخرى تم التغاضي
عنها، بل يذهب لأبعد من ذلك حينما يقرر أن” الإبداع” وحده هو الذي ساعد
على تحسن حالات الكثير من المبدعين الذين كانوا عرضة للانتحار، أو الإصابة
بالاكتئاب الحاد ,,, إلخ !
في الفصول من الأول إلى السادس يتناول الحديث عن الاضطراب النفسي، وعلاقته
بالمبدعين والعباقرة، وإلى أي مدى يمكن اعتبار ما مر به هؤلاء المبدعون
اضطرابًا نفسيًا بالمعنى العلمي، ونسبة المبدعين الذين أصيبوا بأمراض نفسية
فعلاً، مقارنًة بنسبتها بين الأصحاء العاديين ، ويصل إلى نتائج تؤكـد ما
يرمي إليه، يمكن استخلاصها فيما يلي:
* باستعراض موجز ودال لعدد من الاضطرابات لدى المبدعين (في الكتابة أو
العلم أو السياسة) تبين أن تلك الاضطرابات على تنوعها لا يمكن أن تقاس
بالاضطرابات الموجودة في المصحات النفسية للمرضى العقليين، بمعنى انه إذا
وجد لدى كاتب أو أديب ما اكتئاب حاد، فإنه لا يقارن بمرض الاكتئاب كمر ض
نفسي، وبما ينتج عنه أي اضطراب نفسي للشخصية التي كانت سوية قبل إصابتها
بالمرض .
* في عرضه لمفهوم المرض النفسي والعقلي يبدو لنا جليًا أن هناك فرق بين ما
نجده لدى المبدعين والعباقرة، وبين المرض النفسي بمعناه العلمي، وأن ما
لديهم لا يعدو أن يكون “ضغطًا نفسيًا” ينتج عنه عدد من الأعراض التي يمكن
أن تخيلها مرضًا نفسيًا .
* من هذا المنطلق يلجأ د. عبد الستار إلى ما يسمى في علم النفس بـ”القياس
النفسي للإبداع”، والذي استطاع من خلاله (وبفضل علم النفس الحديث) أن يوضح
القدرات الإبداعية التي يتميز بها المبدعين من غيرهم، مثل( الإحساس بوجود
مشكلة ” الحساسية للمشكلة”، ومعها القدرة العالية على اكتشاف العديد من
الحلول الملائمة للمشكلة، والقدرة على وضع تصورات جديدة، ومتابعة الجهد
العقلي رغم وجود مشتتات (القدرة على التركيز) ، والدافعية القوية والطاقة
العالية على المثابرة في العمل الجاد.
كل هذه المقاييس، وبعرضها على المبدعين، وملاحظة مدى توافقها معهم، تؤكد
أنه لايمكن لمن يتمتع بهذه الـ”قدرات” أن يكون مصابًا بمرض أو خلل نفسي ما !
* من جهة أخرى لجأ د.عبد الستار إلى دراسة ميدانية على المبدعين بينت أن ما
يشيع عنهم من غرابة في الزي والسلوك لا يشيع إلا في المستويات المتوسطة من
الإبداع، وكأن الانشغال بذلك يكون مبعثه الرغبة في التميز أو الظهور بمظهر
المبدع دون أن تكون الشخصية مؤهلة فعلاً للإبداع، وقد ظهر من خلال الأبحاث
أن المبدعين يتميزون بالثقة بالنفس، والاستقلال في الحكم، والتفكير، وأميل
إلى الانطلاق في التفكير والتعبير عن مشاعرهم، وأكثر تفتحًا للخبرة ،
وأكثر قدرة على العمل والإنتاج، وتنظيم الوقت والطاقة، فضلاً عما يتمتعون
به من قدرة عالية على تحمل الضغوط .
وهكـذا فإذا كان المبدعين والعباقرة قد وجد فيهم من أصيب بالقلق والاكتئاب
والأمراض الجسمية والنفسية كبيرها وصغيرها، ولكنهم استطاعوا أن يستمروا في
عملية الخلق والإنتاج العلمي والأدبي على الرغم من اضطرابهم، وليس بسببه،
بل قد تبين أن الإبداع وعمليات الخلق والإنتاج التي تتم في حياة المبدعين
تتم في الفترات التي تخلو حياتهم فيها نسبيًا من الاضطراب ، أو فترة
الاستقرار النسبي بعد الاضطراب …
ويقدم الكتاب أمثلة عديدة ودالة في الحقيقة على صحة ما يذهب إليه، سواء من
العباقرة الأدباء، أو كبار السياسيين ممن عرف عنهم إصاباتهم بحالات من
الاكتئاب أو الرغبة في الانتحار ، وغيرها
في القسم الثاني من الكتاب لا يتوقف د. عبد الستار عند هذه المسألة وبيانها، بل يتعداها ببراعة لوصف الحالة ومحاولة علاجها علميًا …
يذهب الكاتب إلى أن ما يمر بالمبدع ماهو إلا أحداث الحياة العادية، يتوقف
عندها المبدع أو الكاتب بشكل من الخصوصية والحساسية، وهي في أغلبها أحداث
تقع للمبدعين وغيرهم على السواء، وليس الإبداع سببًا رئيسيًا فيها على أي
حال
ومن الفصل السابع إلى الثاني عشر يركز على تحديد الضغوط النفسية التي يمكن
أن يكون المبدعين عرضة لها، بطبيعة عملهم، ودورهم في الحياة، وعلاقتهم
بالمجتمع، فيبدأ بالحديث عن ضغوط العمل الإبداعي ، والمشقات المادية، ويرى
فيما بعد أنه على المبدع أن يعي تمامًا تلك الضغوط ويتكيف على حدوثها،
ويتمكن من مواجهتها بيسر، ذلك أن العمل الإبداعي بطبعه يتطلب منه قدرًا من
التركيز، وربما قدرًا أكبر من الاستغراق في العمل، الذي قد يجعله يغفل عن
ضرورات حياته الأخرى، فيدفع الناس ـ بالتالي ـ لوصفه بالشذوذ، أو الاضطراب
النفسي، من جهة أخرى يؤكد الكاتب على مشكلة افتقاد المبدع للأمان المادي/
الاقتصادي، وصعوبة ظروف الحياة بالنسبة له، وهو أمر معروف وشائع لدى
المبدعين( كما هو عند غيرهم)، وما يسببه ذلك الأمر من قلق نفسي على المبدع،
كذلك يتعرض المبدع لعلاقات اجتماعية عديدة، تدفعه إلى الأمام، كما قد تكون
عقبة في طريقه !
يؤكد الكاتب في هذا الفصل أن الرفض الاجتماعي أمرٌ حادث للكثير من المبدعين
والعباقرة، وتختلف درجات الرفض وطريقته من أمة لأخرى،ومن مجتمعٍ لآخـر،
فكما أن للمجتمعات غير المتحضرة طريقتها في نبذ المبدعين، فإنه حتى
للمجتمعات الغربية التي تتشدق بالديمقراطية، وتقبل الأخر، لها أساليبها
المستترة في رفض المبدع، وذلك بعدم التحمس لإنتاجه وتجاهله تمامًا، أو
إبعاده عن العديد من وسائل الإعلام، وهكذا ..
كل هذه الضغوط، وما تفرضه من حالة نفسية سيئة، تساعد على تفاقم النتائج
السلبية في حياة المفكر والمبدع، ولهذا فليس من النادر أن تجد من المبدعين
من يتعرض للإجهاد والأرق، والاضطراب النفسي، والاكتئاب ,,,, ومنهم من يلجأ
إلى التدخين، وإدمان المخدرات أو قد يجنح به الأمر إلى التخلي تمامًا عن
الإبداع ، بالرغم من كل ما قد يحمله له هذا الطريق من متعة شخصية وإشباع
نفسي وتحقيق لذاته
الرابط
ميديا فير
http://adf.ly/E3Y6D
الفهرس
§ تقديم الكتاب
§ الفصل الأول: موقع بين تيارين من التفكير
§ الفصل الثاني : نماذج وأمثلة من الاضطراب في حياة المبدعين
§ الفصل الثالث : مفهوم المرض النفسي والعقلي
§ الفصل الرابع : علم النفس الإبداعي و مفهوم الإبداع
§ الفصل الخامس : هدهد "طه حسين"!!
§ الفصل السادس : اضطراب عقلي ومرض نفسي أم معاناة وضغوط؟
§ الفصل السابع : ضغوط العمل الإبداعي والمشقات المادية
§ الفصل الثامن : الصراعات الاجتماعية والمهنية
§ الفصل التاسع : الإدمان والعزلة وأساليب التفاعل الاجتماعي
§ الفصل العاشر: التعامل مع المشكلات الصحية و أساليب أداء العمل
§ الفصل الحادي : التعامل مع الضغوط الاجتماعية وزملاء المهنة
§ الفصل الثاني : بروزاك أم أفلاطون
§ الفصل الثالث عشر : خاتمة وخلاصة
§ فهرس تفصيلي
§ المراجع
عدل سابقا من قبل health psychologist في الأربعاء فبراير 01, 2017 3:55 pm عدل 1 مرات