يعاني التشخيص النفسي عموماً، والتشخيص النفسي الإكلينيكي بشكل خاص في الوطن العربي من هوة كبيرة بين النظرية والتعليم والتدريب والتطبيق والممارسة ، تقوم في أغلبها على واقع لا يمكن وصفه إلا من منظور الممارسة اللاعلمية غير المضبوطة، والخلط الكبير بين أدوات وطرق إما غير مسندة أو تستند في أغلبها على الحدس. أما الواقع التعليمي للتشخيص النفسي بالمعنى العلمي فليس أفضل حالاً. فقليل من الجامعات تدرس التشخيص النفسي وفق خطوات إجرائية ملموسة وتقتصر مناهجها على تدريس القياس النفسي ونظرية القياس التقليدية دون أن تأخذ بعين الاعتبار التطورات الكبيرة الحاصلة في هذا الميدان ودون أن تشمل التشخيص النفسي بالمعنى الأوسع وعملية التشخيص وتشخيص العملية والنماذج المرتبطة بذلك، سواء منها المتعلقة بالاتجاهات والمدارس أو العابرة لهذه الاتجاهات والمدارس السائدة. ولا يحاول هذا الكتاب ردم الهوة الحاصلة بهذا المعنى إلا أنه يحاول أن يسهم في أن يصبح التشخيص النفسي بالمعنى العلمي المسند جزءاً أساسياً من تدريب وتأهيل المتخصص النفسي الإكلينيكي والطبيب النفسي ويخلق جسراً مازال مفقوداً بين علم النفس وخاصة علم النفس الإكلينيكي من جهة والطب النفسي من جهة أخرى. شكلت ترجمة هذا الكتاب تحدياً كبيراً من عدة نواحي. فمن ناحية الحجم فإن التصدي الفردي لترجمة كتاب بهذا الحجم الكبير تحتاج إلى استثمار وقت كبير لم يكن دائماً متوفراً بالشكل الأمثل ضمن الأعباء الحياتية والمهنية المتنوعة استمر لأكثر من سنة ونصف، ومن ناحية أخرى لم يكن من السهولة بمكان التأقلم مع ستين مؤلفاً مختلفاً أسهموا بتأليف هذا الكتاب بأسلوب تختلف مفاهيمه ولغته وصعوبته حسب الموضوع والباحث، ومن ناحية ثالثة فإن محاولة تبسيط وتسهيل اللغة العلمية التشخيصية غير المألوفة في جوانب كثيرة منها للقارئ العربي - حتى المتخصص- شكلت تحدياً كبيراً لم يكن سهلاً في الكثير من المواضيع المطروقة، نجح فيه المترجم أحياناً وأخفق في أحيان أخرى، غير أن التحدي كان يستحق، استكمالاً لسلسلة الكتب التي قام المترجم بترجمتها في هذا المجال بدءاً من علم النفس الإكلينيكي للأطفال ثم للراشدين وممارسة العلاج النفسي - الأسس النظرية للتحليل النفسي والعلاج السلوكي-والعلاج النفسي الديناميكي قصير الأمد، والعلاج والإرشاد الأسري وغيرها من الكتب التي تشكل كلاً متكاملاً في توضيح أسس ومبادئ العمل النفسي الإكلينيكي بدءاً من النظرية وانتهاء بالتطبيق والممارسة. يأمل المترجم أن تكون هذه الإسهامات قد قدمت جزءاً يسهم في عكس صورة الثورة العلمية في التشخيص النفسي التي بدأت منذ عقود في الدول المتقدمة وأن يستفيد من هذا الكتاب الطلاب في المراحل الجامعية الأولى والدراسات العليا في علم النفس - علم النفس الإكلينيكي خاصة- والطب النفسي وكذلك الممارسون الذين يسعون إلى تحقيق مستوى من الممارسة المضبوطة والقائمة على البراهين