- ما هي أهمية الأسلمة؟
أولاً: الأسلمة لكشف الجوانب العلمانية في علم النفس الغربي وتصوراتها "الكفرية" لطبيعة الإنسان التي لا يسندها العلم التجريبي الحديث.
ثانياً: أسلمة علم النفس لإظهار الإعجاز في خلق الله تعالى للإنسان من النواحي الجسمية والنفسية والروحية. ويكون ذلك دعوة للطلاب ليتفكروا في خلق الله فيزدادوا إيماناً.
ثالثاً: الأسلمة لإثبات حقيقة أنه من دون تأصيل إسلامي قد تصبح أغلب ممارسات علم النفس الغربي التطبيقي قليلة الفائدة, بل وفي بعض الأحيان عديمة الفائدة, أو حتى قد تحدث بعض الأضرار على العلماء المسلمين اللاجئين للمتخصصين النفسانيين للعلاج أو الاستشارات.
رابعاً: الأسلمة بإعادة كتابة تاريخ علم النفس من منظور إسلامي حتى يتعرف الطلاب على إسهامات علمائنا وأطبائنا القدامى ويكتشفوا تزوير الكتاب الغربيين الذي أهملوا إسهامات علماء المسلمين عن قصد وتعصب أو عن جهل فاضح, ولنبدأ فيما يلي بتفصيل أكبر عن العنصر الأول:
العنصر الأول: كشف الجوانب العلمانية في نظريات علم النفس الغربي وتطبيقاته وفكره المنحرف لطبيعة الإنسان.
نرى الكثير من أساتذة علم النفس رغم قراءتهم للقرآن الكريم وفهمهم لمعانيه, ورغم إلمامهم بالحديث الشريف يقولون لطلابهم أن الإنسان تتشكل طبيعته فقط بما يتعرض له في بيئته,
أو أنه من المهد إلى القبر عبد لدوافع ذاته الدنيا الجنسية والعدوانية, فإما أن يستجيب لها بطبيعته الفطرية أو يخدع نفسه بنفسه ويستجيب لها بطريقة غير مباشرة بميكانيزمات الدفاع أو بالرمزية في أفعاله اللاشعورية وفي أحلامه المنامية.
- كما أن عدم الأسلمة قد يشوش على عقيدة الطالب وفهمه لدينه, فعندما يهاجم الكتاب المسلمون حداثة الغرب وحضارته المعاصرة فإنهم يركزون على التفسخ الأخلاقي والفوضى الجنسية واللواط والربا وغيره من السلوك الذي يأباه الإسلام ولكن هذه المسائل رغم بشاعتها ما هي إلا نتيجة طبيعية للعلمانية اللادينية.
- كما أن الطالب في مادة علم النفس الفسيولوجي أو علم النفس الوراثي الذي يقرأ المراجع الغربية التي تقول زوراً وبهتاناً بأن هناك أدلة علمية على أنه للشذوذ الجنسي واللواط أسس وراثية في الجينات والهرمونات قد يؤدي به ذلك للشك في العدل الإلهي, كيف يخلق الله تعالى في إنسان جينات وموروثات واختلال في هورموناته تؤدي به حتماً إلى الشذوذ الجنسي؟ ثم يعاقبه أشد العقاب على سلوكه الجنسي؟
ولعل هذا التفريق بين شقي علم النفس: ذلك الذي تسنده الأبحاث التجريبية غير المنحازة والمنحازة.
لذلك كان لزاماً على واضعي مقررات علم النفس وأساتذته أن يوضحوا الفروق بين ما و علمي وما هو إدعاء للعلمية وبين ما يستند به إلى إثبات تجريبي حقيقي وبين ما يقوم على الفلسفة الوضعية وأهواء الرجال.
يجب على أساتذتنا أن يوضحوا لطلابهم أن فرويد و روجرز و واطسون وغيرهم من أصحاب المنهاج والمدارس النفسية لم يدخلوا مختبرات تجريبية قاموا فيها بشتى التجارب العلمية ليخرجوا لنا باكتشافات محددة عن طبيعة الإنسان فيما يقدمونه لنا في هذا الموضوع لا يعدو أن يكون من بنات أفكارهم ومن تأثير حضارتهم وحتى من تأثير حياتهم الشخصية وتربية آبائهم لهم ومن مشاكلهم النفسية مثلاً.
- كما أن الأخصائيون في ميدان الإرشاد النفسي والتوجيه يركزون على نظريات وفكر (Carl Rogers) العلماني ومن شايعه في تشجيع عملائهم على تحقيق تطلعاتهم (تحقيق الذات) دون ذكر الجوانب الروحية والدينية أو الأخلاقية والاستفادة منها, هذا لأن مؤسس هذه المدرسة العلاجية قد بناها على هدي الفلسفة الوجودية والإنسانية العلمانية وكلا الفلسفتين تدعوان إلى حرية الفرد المطلقة ولتشجيع جهده للوصول إلى معنى لحياته أو لتحقيق ذاته بدون قيود أخلاقية موروثة أو وازع ديني.
بل أنهم قد حرموا على المعالج النفسي الحديث عن الدين والتدين مع عملائه فتبعهم في ذلك أساتذة المرشدين النفسيين المسلمين. فكنا نسمع من أساتذتنا تأكيدهم المتكرر لنا بأن الإرشاد النفسي أسلوب حيادي.
كذلك يجب على واضعي المقررات الجامعية أن ينبهوا الطلاب على الخلفية الفلسفية للمدرسة السلوكية التي بنت فكرها على فلسفة البريطانيين الإمبيريقيين التي ترجع جذورها إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو. هذه الفلسفة التي ازدهرت في القرن السابع عشر والثامن عشر والتي كان الفيلسوف (John Locke) من أهم مؤسسيها تؤمن بأنه ليس للإنسان طبيعة موروثة فهو يولد مثل اللوح الأبيض والبيئة هي التي تسطر ما يحلوا لها من خبرات.
فبعد أن كان المرضى يقضون السني الطوال في علاج خوفهم المرضي من الحشرات أو ركوب الطائرات أو عجزهم الجنسي بالتحليل النفسي الذي ظل يوهمهم بأن الأسباب الحقيقة لأمراضهم تقبع في ظلمات لا شعورهم وأنه لا سبيل لعلاجهم إلا باستخراج عقدهم بمساعدة المحلل من اللاشعور إلى الوعي, تمكن هؤلاء من التخلص من أعراضهم بعد أسابيع قليلة من العلاج السلوكي الذي يعتمد على التعلم الشرطي البافلوفي والإسكنيري.
العنصر الثاني:
أسلمة علم النفس لإظهار الإعجاز في خلق الله تعالى للإنسان من النواحي الجسمية والنفسية والروحية ويكون ذلك دعوة الطلاب ليتفكروا في خلق الله فيزدادوا إيماناً.
هذا الجانب من الأسلمة هو أبركها لأنه يهدف إلى تقوية إيمان الطلبة بالله تعالى وإبراز الحكمة الإلهية في شرع العبادة وإتباع تعاليم الدين الحنيف, ولعل أوضح الأمور هو تحريم لجميع أشكال الممارسات التي يشكوا منها الغرب والشرق والتي فشلت كل المحاولات للقضاء عليها, فالإسلام قد حرم تناول المسكرات والمخدرات والزنا واللواط والربا
يقول الأمريكيين بأن الأضرار التي تحدثها الخمر فاقت تلك التي تأتي من جميع المخدرات مجتمعة وأما الزنا واللواط فيكفي ما سببه من وباء الإيدز الذي حصد الملايين من البشر, وأما الربا فيكفي ما أحدثه الآن من انهيار البنوك والإفلاس الجماعي للشركات والانكماش الاقتصادي لدول الغرب.
فيجب على أستاذ علم النفس أن يحاضر طلابه عن هذه التصورات الإيجابية في علم النفس ولا يكتفي بالمقررات الكلاسيكية, بل يجب عليه ألا يفوت أي فرشة لشحذ همم الطلاب للتفكر في خلق الله فيزدادوا إيماناً مع أيمانهم. ولا تقتصر هذه الأسلمة على فروع علم النفس الاجتماعية فحسب بل حتى على تلك التي تدعمهاٍ البحوث العلمية التجريبية أنقل للقاريْ فيما يلي نبذة من بحث لم أكمله بعد عن هذا الأسلوب في أسلمة علم النفس الفسيولوجي والعصبي وبشكل خاص عن دماغ الإنسان.
مما يدعوا إلى التفكير حقاً هذا الإعجاز المحير في خلق الله لدماغ الإنسان إذ يقول علماء تشريح الجهاز العصبي ووظائفه أن أكثر الأشياء غموضاً في كون الله الواسع ليس هو بكوكب أو نجم يبعد عنا بآلاف السنين الضوئية ولا تلك الفيروسات التي فشل العلم في شفاء المرضى منها ولكن أكثر المخلوقات غموضاً وتعقيداً في الكون هو هذا الكائن الصغير الذي لا يزيد وزنه على الثلاثة أرطال والذي يحمله كل منا في مكان حصين داخل جمجمته ورغم صغر حجمه
فإنه يقوم بالإشراف والتنفيذ لكل نشاطات الإنسان العضوية والنفسية والاجتماعية والروحية ومن تنظيم لحركة الجسم وإدراك بالسمع والبصر.
هذه الملايين بل البلايين من الإشارات والنبضات العصبية التي يتلقاها الدماغ من مختلف أعضاء الجسم ومن الحواس ومن البيئة المحيطة بالإنسان ومن داخل مخيلته ومن ذاكرته يقوم الدماغ المعجز بفهم مقصودها وينظمها ويصدر أمره النافذ بالتعليمات التي تحفظ للجسم صحته وتوازنه البيوكميائي بالتحكم علة أجهزته المختلفة.
العنصر الثالث:
الأسلمة لإثبات حقيقة أنه من دون تأصيل إسلامي قد تصبح أغلب ممارسات علم النفس الغربي التطبيقي قليلة الفائدة, بل وفي بعض الأحيان عديمة الفائدة, أو حتى قد تحدث بعض الأضرار على العلماء المسلمين اللاجئين للمتخصصين النفسانيين للعلاج أو الاستشارات.
قد لا نحتاج إلى كثير حديث عن هذا العنصر فلي في ذلك خبرات امتدت لأكثر من أربعين سنة تحتاج إلى عدة كتب إن أردت أن أدونها.
ومن الأدلة على ضرر التحليل النفسي حتى في الغرب الأوربي ما سجلته الطبيبة النفسية البريطانية (Melitta Schmiderberg) في بحثها المنشور في دورية الطب النفسي البريطانية بعنوان (العلاج النفسي للمرضى للذين تضرروا من التحليل النفسي) (1970) وقد نشرت هذا البحث بعد أن اقتنعت بعد سنوات طوال تمارس التحليل النفسي في بريطانيا أن مرضى كثيرين قد ساءت أحوالهم بعد تلقيهم العلاج التحليلي فقامت بعلاجهم من العلاج التحليلي واستقالت من جمعية المحللين النفسيين البريطانية.
وذكرت في بحثها أن المرضى قد تتحسن أحوالهم بعد الجلسات الأولية ولكن ما أن يقوم المحلل النفسي بتفسيراته الجنسية عن عقيدتهم الأوديبية أو كراهيتهم لآبائهم حتى تبدأ صحتهم النفسية في الانحدار الشديد.
وفي المقابل كان بعض التحليلين في بلادنا يحلل لبعض مرضاه ما كان حراماً في الدين بقصد علاجهم من شعورهم بالذنب.
وهناك أساليب في العلاج النفسي أقل ضرراً على العملاء المسلمين لكنها قليلة الفائدة بل في بعض الأحيان قد تكون معدومة الفائدة. مثلاً الإرشاد النفسي غير المباشر الذي يركز على نشاط العميل بقصد اكتشافه لتحقيق ذاته دون المساس بعقيدته وفكره وأخلاقه حتى لو اعترف بعمل أشياء لا يقرها دين ولا حضارة أخلاقية.
العنصر الرابع:
الأسلمة بإعادة كتابة تاريخ علم النفس من منظور إسلامي:
كثيراً ما يتهكم بعض متخصصينا النفسانيين على الباحثين في إسهامات الأطباء والعلماء الأقدمين في ميدان علم النفس ووصولهم إلى ذات الممارسات المعرفية التي وصل إليها علم النفس الحديث بعد تيه زاد على السبعين أو الثمانين عاماً قضاها في تحليل الشعور ودراسته بالاستبطان ثم في التحليل النفسي الفرويدي وما شابهه من مناهج ثم السلوكية المتطرفة حتى رسى أخيراً على شاطئ علم النفس المعرفي.
إن مؤرخي علم النفس الغربي عن قصد أو دون قصد تتجاهل كل إسهامات علمائنا وأطبائنا المسلمين من أمثال الغزالي وأبن سينا والرازي والبلخي والمحاسبي وغيرهم من العباقرة. فتاريخ علم النفس والعلوم التجريبية الأخرى في كتبهم يبدأ بفلاسفة الإغريق القدامى وأطبائهم ثم يقفزون عدة قرون إلى حضارتهم المعاصرة وكأن الحضارة الإسلامية في القرون الوسطى كانت في كوكب القمر.
لذلك أهملت إسهامات علمائنا القدامى وادعوا لأنفسهم ما سرقوه من هذه الإسهامات ثم جاء طلابنا في هذا العصر ليدرسوا تاريخ علمهم ممن اجتثوا صلتهم بآبائهم.