الأَسْبابُ الجسديَّة للعَجز الجِنسِي
حتى نَتَعرَّفَ إلى العجز في تحقيق الانتصاب ونَفْهَمَ أسبابَه، من المهمِّ أن نتذكَّرَ بأنَّ انتصاب القضيب ظاهرةٌ عصبية وعائية مستمرَّة تخضع للتَّحكُّم النَّفْسي، وتَتَطلَّب وَسَطاً هُرْمونياً مناسباً للإنجاز الناجح. تَذكَّرْ هذه الآليَّاتِ الفيزيولوجيَّة للانتصاب الموصوفة سابقاً: عِنْدَ التَّنْبيه الجنسي، تؤدِّي الإشاراتُ الصادرة عن الأعصاب اللاودِّية وغير الأدرينالية الفِعْل/الكولينيَّة الفِعْل إلى إِطْلاق أُكْسيد النِّتْريك (وربَّما يُفْرَز أيضاً من الخلايا البطانية لأوعية القضيب)، ثمَّ يَدْخُل أكسيدُ النِّتْريك إلى الخلايا العضلية الملساء داخلَ الأوعية في الجسم الكهفي، حيث يُنِبِّهُ أنـزيم مُحَلِّقة الغوانيلات لإنتاج أحادي فوسفات الغوانوزين الحلقي، وهذا ما يُفَعِّل أنـزيم كيناز البروتين C لفَسْفَرَة (إِضافَة زمرة فُوسْفَات) بَعْض البروتينات المسؤولة عن تَنْظيم توتُّر العضلات الملساء في الشَّرايين والجيوب الكهفية، وهذا ما يُساهِم في ارتخاءِ هذه الأوعية، ومن ثَمَّ اندفاع الدَّم إلى داخل القضيب.
استطراداً، يمكن أن ترى أنَّ أيَّ مرضٍ، أو إصابة، أو اضطراب يصيب الدِّماغَ، أو الجهاز العصبي، أو الوعائي، أو الغدِّي الصَّمَّاوي، أو العضل الأملس للجسم الكهفي، أو الغلالة البيضاء، أو النَّوَاقِل العصبية، أو الجهاز البولي التناسلي، قد يُؤَدِّي إلى عجز الرَّجُل عن تحقيق انتصاب قوي أو صُلْب، والمحافظة عليه لفترةٍ زمنية كافية لتحقيق الإشباع الجِنْسي له أو لشريكته (زوجته)؛ كما يمكن أن يؤدِّي أيضاً إلى عدم استمتاعِه بالنَّشاط الجنسي. ويُلاحظُ أنَّ معظمَ الرِّجال يمكن أن يعانوا من بعضِ الصعوبة في تحقيق الانتصاب، والمحافظة عليه في مرحلةٍ ما من حياتهم، لكن ينبغي ألاَّ يُنْظَرَ إلى هذه العوارضِ المؤقَّتة على أنَّها من علامات العجز في تحقيق الانتصاب المستمر.
الفيزيولوجيا المَرَضِيَّة
يمكن تَصْنيفُ المجال الواسِع للعَوَامِل المسببة ذات المنشأ العضوي للعجز في تحقيق الانتصاب إلى أربعة أنماط أو حالات عامة:
1. يُعَدُّ العَجْزُ عن ضَخِّ ما يكفي من الدم داخل القضيب، بسبب مَرَضٍ شِرْياني، السَّبَبَ العضوي الأكثر شيوعاً للعجز في تحقيق الانتصاب، ويبلغ معدَّلُ حدوثه نحو 40٪ بين العوامل الجسدية.
2. يمكن أن تحولَ الاضطراباتُ العصبيَّة دون الإفراز السَّوِي للنَّواقِل العصبية من الأعصاب القضيبية التي تُرْخِي الشرايينَ والجيوب القضيبية، أو ربَّما تُنْقِص الإحساسَ في أعصاب القضيب، مما يحول دون تَفْعيل عمليةِ الانتصاب (مونتورسي 2003).
3. يحولُ تَسَرُّبُ الدَّم من الأوردةِ القضيبية الشاذَّة أثناء الانتصاب دون تخزين الدَّم داخلَ القضيب لفترةٍ كافية، وقد يكونُ هذا التَّسرُّبُ ناجماً عن أيَّةِ حَدَثيَّةٍ مَرَضية في الغلالة، أو عن سوء ارتخاء الجيوب الوعائية، أو تَليُّف العضل الأملس في الجسم الكهفي.
4. قد تؤدِّي أيَّةُ حالةٍ طبية تؤثِّر في الجهازِ الشِّرْيَانِي القَضيبي إلى إخفاقِه في التَّوسُّع والامتلاء بمقدار كبير من الدم تحت ضغطٍ عالٍ.
تترافق الكَثيرُ من الحالاتِ الطبِّية بوضوحٍ مع زيادة في خطر العجز في تحقيق الانتصاب؛ فعلى سَبيل المثال، يذكر أحدُ التَّقارير مُعَدَّلاتِ الانتشار المرتفعة التالية: يحصل العجز في تحقيق الانتصاب لدى 52٪ من الرِّجال الذين يعانون من فرط ضَغْط الدَّم، و55٪ من الرِّجال الذين يعانون من أعراض المسالك البولية، و61٪ لدى الرِّجال الذين يعانون من الدَّاء القلبِي الإِقْفاري، و64٪ لدى الرِّجال الذين يعانون من داء السكري، و86٪ لدى الرِّجال الذين يعانون من الدَّاء الوعائي المحيطي، و90٪ لدى الرِّجال الذين يعانون من الاكتئاب (كارسون وزملاؤه 2006). ويُقَدِّمُ هذا الفصل تفاصيلَ عن مختلفِ عوامل الخطر الرئيسية المختلفة التي تترافق مع العجز في تحقيق الانتصاب.
الشَّيْخوخَة
من المَقْبول جيِّداً أن يزدادَ العجز في تحقيق الانتصاب انتشاراً وشدةً مع تقدُّم العمر، فالرِّجالُ بعد عمر 50 سنة يعانون عادةً من اضطراباتٍ عضوية مختلفة تَشْتَمِل على الدَّاء القلبي الوعائي، وداء السكري، وارتفاع ضغط الدم، وفَرْط كوليسترول الدم، ونَقْص التِّسْتوستيرون وعلى أعراضِ السَّبيل البَوْلِي السُّفْلي الحاصلة بشكلٍ ثانوي نتيجة فَرْطِ التَّنسُّج البروستاتِي الحمي، والاضطرابات العصبيَّة المُزْمِنة مثل الباركنسونية، والسَّكْتَة، وداء آلزهايمر، والاضطرابات النَّفْسية مثل الاكتئاب، والقلق فأيٌّ من هذه المشاكل، فَضْلاً عن استعمالِ الكثير من الأدوية، يمكن أن يساهمَ في العجز في تحقيق الانتصاب. يعاني نحو 48٪ من الرِّجال الذين تجاوزوا عمر 50 سنة من عجز في تحقيق الانتصاب بدرجاتٍ متفاوتة بسببِ عوامل جسدية، ونفسية، وشخصية (كورونا وزملاؤه 2004)، لكنَّ ذلك لا يعني أنَّ العجز في تحقيق الانتصاب نتيجةٌ محتومة للشيخوخة، فلدى معظم هؤلاء الرِّجال، يَبْقى الاهتمامُ بالجنس والرَّغبة به قويين.
يُعَدُّ التَّصلُّبُ العَصيدي للشِّرْيانين الفَرْجي والكهفي عاملَ خطرٍ رَئيسي نَوْعي للعجز في تحقيق الانتصاب عِنْدَ الرِّجال ممن هم بعمر 50 سنة وما فوق، ويتمثَّلُ ذلك في تشكُّل لويحات في جدران الشرايين تَسُدُّ بالتَّدْريج لُمْعَةَ الشِّرْيَان (أي الجَوْف المفتوح لجريانِ الدم). وقد يَكونُ التَّصلُّبُ العَصيدي ثانوياً لحالاتٍ أخرى، بما في ذلك داء السكري، وفَرْط ضغط الدم، وفرط كوليسترول الدم فَضْلاً عن التَّدْخين. يمكن أن يؤدِّيَ التَّصلُّب العَصيدي إلى تغيُّراتٍ باثولوجية (مَرَضيَّة)، مثل تَنَكُّس العَضَل الأملس القضيبي واستبداله بنسيجٍ ليفي، مع نَقْص قدرة الجسم الكهفي على التمدُّد والتوسُّع، ممَّا يقودُ إلى تسرُّبٍ وريدي شاذ (مونتورسي 2003) (نُوقِشَ التَّصلُّبُ العَصيدي أكثر في الصفحة...).
تُمَثِّلُ مَشاكلُ البروستات عاملَ خطرٍ نَوْعي آخر لدى الرَّجُل المُسِن. وقد أَثْبتت عدَّةُ دراساتٍ حديثة وجودَ علاقةٍ وثيقة بين العجز الجنسي (العجز في تحقيق الانتصاب تَحْديداً) وعدم كِفايَة القذف، ونَقْص الرَّغْبة الجنسية الفعَّالة، والقذف المؤلم، وبين أعراضِ السَّبيل البَوْلِي السُّفْلي الشَّديدة الناتجة عن فَرْطِ التَّنسُّج البروستاتِي الحميد الذي يحصلُ عادةً لدى أكثر من 50٪ من الرِّجال بَعْدَ سنّ الخمسين. وفي بعض الحالات، أَدَّتْ المعالجةُ ببعضِ مُحْصِرات ألفا، أو الفياغرا، أو السيالِس إلى تحسُّنِ كلٍّ من الأعراض البَوْلية والأعراض الجنسيَّة. ويمكن أن يحدث كل من العجز في تحقيق الانتصاب، ومشاكل القذف، وأعراض السَّبيل البولي السفلي كنتيجة لفرطِ نشاط الجهاز العصبي الودِّي، أو العَدْوَى، أو الالتهاب البروستاتِي، أو الاضطرابات الوعائية في القضيب والبروستات أو عَوَز أُكْسيد النِّتْريك. وتشتمل الأعراضُ النَّموذجيَّة لعَدْوَى البروستات أو التهابها على الألمِ في الحوض، والمنطقة فوقَ العانة، والعجان، والمنطقة الأُرْبِيَّة، والصَّفن، وأسفل البطن والظهر فَضْلاً عن الأعراض التي تتصاحب أيضاً مع فَرْط التَّنسُّج البروستاتِي الحميد، مثل الحرقة عند التبول، والتَّبوُّل المتكرِّر، أو الزَّحير البولِي، وبُطْء تَدفُّق البَوْل (ولقد درسنا فَرْط التَّنسُّج البروستاتِي الحميد وأعراض السَّبيل البولي السفلي بالتفصيل في موضع لاحق من الكتاب).
في معظم الأحيان، تُفَسَّرُ التَّغيُّراتُ الفيزيولوجيَّة السَّويَّة المرتبطة بالعمر بشكل خاطئ على أنَّها عجز جنسي، ويمكن عندئذٍ ألاَّ تحتاجَ فِعْلياً إلى أكثر من تفَهْم الرَّجلِ وزوجته لها بشكل جيد، مع تَعْديل في طرق المجانسة. وتشتملُ التَّغيُّراتُ الطبيعية للأداء الجنسي عندَ الرَّجُل السليم مع تقدُّم العمر على ما يلي:
= نقص متزايد في مستوى التِّسْتوستيرون الحرِّ نتيجةَ انخفاض إنتاج الخصيتين له، ممَّا قد يؤثِّر في وظيفةِ الانتصاب، والنشوة، ويُنْقِص الشهوةَ الجنسية.
= الحاجة إلى المزيد من التَّنْبيه الجنسي لبلوغِ الانتصاب نتيجةَ نَقْص حساسية القضيب للمسِّ والاهتزاز وازدياد المدة التي يستغرقها نقل الإشارات العصبيَّة.
= الحاجة إلى المزيدِ من الوقت لتحقيق الانتصاب نتيجةَ نَقْص المرونة في الشرايين والجيوب القضيبية، وربَّما بسبب تراجعِ وظيفة الجهاز العصبي المستقل.
= نَقْص قَساوَة (صلابة) القضيب خلال الانتصاب، لكنَّ الصَّلابةَ تبقى كافيةً للإيلاج والمجانسة النَّاجِحة، ولا يحصل تغيُّرٌ في زيادةِ محيط القضيب المُنْتَصِب.
= زيادة الزَّمن الفاصل بين الإثارة والقذف، مع الحاجةِ إلى الانتظار ساعات أو حتَّى بضعة أيَّام قبلَ التَّمكُّن من الحصولِ على انتصاب جَديد.
= نَقْص في شدَّة النشوة.
= نَقْص في مقدار المَنِيِّ المقذوف بسببِ ضُمور الغُدَد البروستاتيَّة وغدد الحُوَيْصَلتَيْن المنويتين بشكلٍ رئيسي نتيجةَ انخفاض تِسْتوستيرون المصل (وقد يتوقَّف بعضُ الرِّجال المسنِّين عن قذف أيِّ مني على الإطلاق، رغم النشوة الجيِّدة).
= نَقْص في عدد مرَّات الانتصاب العفوي، ومدَّته، وجودته أثناء النَّوْم ويعزى ذلك ربَّما لنقص الزَّمن الكلِّي المطلوب للنَّوْم.
مع التَّباطؤ الجسدي والنَّفْسي الذي يصاحبُ الشيخوخةَ عادةً، قد يُعانِي الرِّجالُ من نقص الاعتداد بالذَّات ومن القلق الشَّديد، والاكتئاب، والكَرْب، والشُّعور بعدم الكفاية. ويمكن أن تؤدِّي هذه المشاعرُ، عندما لا تُوَاجَه بآليات التَّكيُّف بشكلٍ مناسب، إلى ضعف جِنْسي نفسي المنشأ كما أنَّ نقصَ الاهتمام الجنسي من جانب الزوجات (اللواتي ربما يعانين من اضطرابات جنسية لديهن) يُساهِم أيضاً في بعضِ حالات العجز في تحقيق الانتصاب عِنْدَ الرِّجال. قد تلعب المشاكلُ في العلاقات، وعدم توفُّر الشَّريك أو تقبُّله، والاضطرابات النَّفْسية، كالاكتئاب والكرب والقلق، أدواراً هامة مسببة للعجز في تحقيق الانتصاب عِنْدَ الرِّجال المسنِّين.
من الأساطير والأوهام الاعتقادُ بأنَّ الرَّجلَ بَعْدَ عمر 60 سنة (أو يَنْبَغِي) لا يستطيعُ ممارسةَ النَّشاط الجنسي؛ في الواقع، يحتاجُ الرِّجال المسنون إلى المزيدِ من العاطفة، والحب، والفهم، والحَنان، والخصوصيَّة مثل الرِّجال الشبان، وربما أكثر. لقد أَوْضحَتْ دراساتٌ عديدة أنَّ أكثرَ من 65٪ من الرِّجال والنِّساء بَعْدَ عمر 65 سنة يَبْقَوْنَ مهتمِّين بالجِنْس ونشيطين جنسياً، وينبغي أن يُشَجَّعَ هؤلاء على التَّعْبير عن رغباتهم الجنسية وعلى الاستمتاع بحياةٍ جنسية كاملة من دون الشُّعور بالخجل أو الذنب (يمكن اللجوءُ إلى الاستمناء عندَ عدم توفُّر شريكةٍ جنسية لتخفيف التَّوتُّر الجنسي). لقد أَشارت التَّقاريرُ إلى أنَّ عددَ اللقاءات الجنسية ينخفض بمقدار 75٪ تقريباً بين عُمرَيْ 30 و65 سنة، وإلى أنَّ أغلبيةَ الرِّجال بَعْدَ عمر 60 سنة يجانسون بشكلٍ منتظم أيضاً.
من جهةٍ أخرى، إن معدل الإخفاق في تحقيق الانتصاب عندَ الرِّجال بَعْدَ عمر 60 سنة بشكلٍ خاص هو أعلى مما هو عليه لدى الرِّجال الأصغر سناً. ويَشْكو نحو 40 - 70٪ من الرِّجال بين الأربعين والسبعين من عجز جنسي، مع زيادةٍ ملحوظة في تواتر الأحداث الجنسية بَعْدَ الخمسين. يمكن أن تشتملَ أسبابُ العجز في تحقيق الانتصاب في هذه الفئة العمريَّة على نقص تِسْتوستيرون المصل الحرِّ، وعلى عوامل وعائية، وهرمونية، وعصبية، ونفسية، واجتماعية. ويُقَدَّرُ بأنَّ أقلَّ من 15٪ من الرِّجال بعد الثمانين يجانسون، رغم الرَّغْبَة الجنسية المسجَّلة لدى أكثر من 50٪ منهم، بسَببِ إخفاق الانتصاب.
لا بدَّ من الحصول على قصةٍ جنسية وطبِّية، ومن إجراء فحص سريري، لإيضاح الطَّبيعة الحقيقيَّة للعجز الجنسي - مهما يكنْ - عندَ الرَّجُل الذي قد يعاني في مرحلةٍ متأخِّرة من الحياة، سواءٌ أَكانت شكواه الرئيسيَّة هي نقص الشهوة الجنسية أم اضطراب القذف أو النشوة أم مشكلة في الانتصاب. ولا بدَّ من تَقْييم العوامل الوعائية، والعصبية، والهرمونية، والنَّفْسية (واستبعادها) بالاختبارات النَّوْعية؛ ثمَّ تكونُ المعالجةُ حسبَ السَّبب المستبطن (الخفي) لخللِ الأداء.
الأسبابُ القلبيَّة الوعائيَّة
يمكن أن يؤدِّي أيُّ تَضيُّق أو تصلُّب أو انسداد شديد في الأبهر والأوعية الحَرْقَفِيَّة وفروعهما، أو الشَّرايين والجيوب القضيبية، إلى العجز الجنسي. ويُعَدُّ المرضُ الوعائي السَّببَ العضوي الأكثر شُيُوعاً للعجز في تحقيق الانتصاب، حيث يمثِّل نحوَ 40٪ من جميعِ العوامل العضويَّة.
يُعانِي نحو 17٪ من الرِّجال المصابين بعجز في تحقيق الانتصاب بسببِ التَّصلُّب العصيدي، وهو انسدادٌ في الشرايين مع توضُّع لويحات صفراء تحتوي على الكوليسترول، ومادة دهنيَّة، وبَالِعات الشَّحْم (خلايا تمتصُّ الدُّهْن)، مما قد يقود إلى انسدادٍ جزئي أو تام في الأوعية الدموية. وتتصاحبُ هذه الحالةُ الشَّائعة عادةً مع التَّدْخين، وفَرْط شحميات الدَّم (زيادة تركيز إحدى الشَّحْميات أو جميعها في الدَّم، بما في ذلك الكوليسترول والشَّحْميات الثلاثية) والسِّمْنَة، وداء السكري. ويحول نقصُ جريان الدَّم في الشَّرايين والجيوب القضيبية دون امتلاءِ القضيب وانتفاخه، وقد يؤدِّي إلى تسرُّبٍ وريدي بسبب نقص انضغاط الوريدات تحت الغلالة بشكلٍ ثانوي لتقلُّص الجيوب الوعائية.
علاوةً على ذلك، وُجِدَتْ علاقةٌ مباشرة بين الأمراضِ القلبيَّة الوعائية والعجز في تحقيق الانتصاب؛ فالمشكلةُ الجنسية قد تكون العلامةَ الأولى لوجودِ داءٍ قلبي خفي، مثل الدَّاء القلبي الإقفاري، وقد تسبقُ مظاهرَه السَّريرية بأشهر أو سنوات؛ وهذا ما يفسِّر تسميةَ القضيب "بمرصد" أو "مِقْياس" السَّلامة الوعائية في الجسم. وقد شَجعَّتْ العلاقةُ الوثيقة بين العجز في تحقيق الانتصاب والاضطرابات الوعائية المرضية الأخرى بعضَ الأطباء على اقتراحِ جملةٍ من الاستقصاءات القلبية الوعائية الكاملة عندَ أيِّ رجلٍ يعاني من العجز في تحقيق الانتصاب، لا سيَّما إذا وُجِدَتْ لديه عواملُ خطرٍ، مثل التَّدْخين، وداء السكري، وفَرْط ضغط الدَّم، والسِّمْنة، وفرط شحميات الدَّم.
يُحقق المصابون بمرضٍ قلبي إقفاري في وعاءٍ واحد انتصاباً أفضل من أولئك المصابين بانسداد عدَّة أوعية. َعلاوةً على ذلك، يزداد خطرُ ظهورِ داء الشرايين الإكليلية "التاجيَّة" (سِبِيل وزملاؤه 2003) بشكلٍ ملحوظ عندَ الرِّجال المصابين بقصور الشرايين الكهفية. ويمكن أن تساهمَ العواملُ الأخرى المصاحبة للتَّصلُّب العصيدي، مثل نقصِ سِنْثاز (مُخَلِّقَة) أكسيد النِّتْريك في البطانة، وزيادة مستويات الجذور الحرَّة، والتَّرْكيز المرتفع للهُوموسيسْتئين في اللويحات الوعائية في حدوثِ العجز في تحقيق الانتصاب (كِنْدَرْسي وزملاؤه 2003). وترى أدلَّةٌ حديثة قوية بأنَّ نضوبَ سِنْثاز أكسيد النِّتْريك من الأعصاب المكوِّنة للنِّتْريك (الأعصاب غير الأدرينالية الفِعْل/غير الكولينيَّة الفِعْل في القضيب التي تُفْرِز أكسيدَ النتريك) قد يساهم في العجز الجنسي أيضاً. كما قد تترافق أمراضٌ قلبيَّة وعائيَّة أخرى، مثل فَشَل القلب الاحتقانِي وأم الدم الأبهريَّة (تشكُّل كيس شاذ في جدار الأبهر)، مع عجز في تحقيق الانتصاب.
حَلَّلَتْ دراسةٌ حديثة معدَّلَ حدوث الدَّاء الوعائي خارجَ الأعضاء التَّناسلية لدى 457 مريضاً مصاباً بالعجز في تحقيق الانتصاب، استناداً إلى دراسةِ الشرايين القضيبية أو الشرايين السُّباتية أو أوعية الطَّرَف السفلي المشتبه باحتوائها على لويحاتٍ تصلُّبية عصيدية باستعمال تخطيط الصَّدَى الدُّوبلري؛ وَجدَ الباحثون قصوراً مَعْزولاً في الشَّرايين القضيبيَّة لدى نحو 25٪ من المرضى، وتصلباً عصيدياً قضيبياً وسُباتياً وفي الطَّرفين السُّفْليين معاً لدى 75٪ من هذه الحالات (فيكاري وزملاؤه 2005)، وهذا ما أوضحَ من جديد وجودَ علاقةٍ وثيقة بين التَّغيُّراتِ الوعائية في شرايين القضيب والشرايين الأخرى في الجسم.
في دراسةٍ إيطالية حديثة، وُجِدَ أنَّ عددَ الشرايين الإكليلية المريضة، والعمر، وداء السكري هي عوامل مستقلَّة في العجز في تحقيق الانتصاب، كما لوحظ أنَّ العجز في تحقيق الانتصاب بدَوْرِه قد تَصاحَب مع زيادة خطرِ داء الشرايين الإكليلية بمقدار أربعة أضعاف، مثلما شُخِّصَ بتصوير الأوعية الإكليلية بشكلٍ مستقل عن عوامل الخطر المعروفة الأخرى. ويظهر العجز في تحقيق الانتصاب عادةً لدى الرِّجال الذين يعانون من أعراضٍ إكليلية (تاجيَّة) حادة، ويمكن أن يُعَدَّ علامةً للتَّصلُّبِ العَصيدي الإكليلي أو المنتشر (مونتورسي وزملاؤه 2006).
في دراسةٍ أخرى، كانَ عاملُ الخطر الوعائي الأكثر شيوعاً لظهور العجز في تحقيق الانتصاب هو التَّدْخين، ثُمَّ السِّمْنَة، ثم فرط ضغط الدم. وَوُجِدَتْ أَضْعفُ المعالم لقصور جريان الدَّم والقصور الشرياني لدى الرِّجال الذين يعانون من عجز في تحقيق الانتصاب وداء الشرايين الإكليلية أيضاً (40٪ من المجموعة)، وأتى بعدَهم المصابون بداء السكري أيضاً (23.3٪). كما لوحظ الدَّاءُ الوريدي السَّاد لدى مرضى فَرْط ضغط الدَّم (36.5٪). وقد ازداد حدوث معالم جريان الدَّم الشاذ مع زيادةِ عوامل الخطر الوعائية (كِنْديرا وزملاؤها 2006).
أخبارٌ عاجلَة: العجز في تحقيق الانتصاب، وداء الشرايين الإكليليَّة، والدَّاء القلبي الوعائي
ذكرَ تومبسون وزملاؤه في اللِّقاء السنوي عام 2006 للرابطةِ الأميركية لأطبَّاء المسالك البولية وجودَ علاقة للعجز في تحقيق الانتصاب بظهورِ داء الشرايين الإكليلية لاحقاً لدى 9457 رجلاً ممن تجاوزوا سنّ 55 عاماً. ولوحظ عجز في تحقيق الانتصاب في بدايةِ الدراسة لدى 57٪ من الرِّجال. وبعد 5 سنوات من المتابعة، عانى 11٪ من الرِّجال المصابين بعجز في تحقيق الانتصاب من داءٍ قلبي وعائي أو من حادثةٍ أخرى، مثل الذَّبْحَة، واحتشاء العضلة القلبية، وارتفاع البروتين الشحمي الخَفيض الكثافة LDL في المصل أو الحادثَة الدِّماغية الوعائية أو فشل القلب الاحتقاني. ولذلك، كانت نسبةُ خطر (زيادة احتمال الإصابة بمرضٍ معيَّن بشكل ارتفاع فوق القيمة الطبيعية البالغة 1) الإصابة بداءٍ قلبي وعائي هي 1.30 لدى الرِّجال المصابين بالعجز في تحقيق الانتصاب. لقد قَرَّرْ القيِّمون على الدراسةِ القيامَ باستقصاءٍ، وتدخُّل عاجل لدى الرِّجال المصابين بالعجز في تحقيق الانتصاب الذين لديهم عواملُ خطر لداءِ الشرايين الإكليلية أو الدَّاء القلبي الوعائي.
مثلما ناقشنا سابقاً، يَعْنِي التَّسرُّبُ الوريدي أثناء الانتصاب أنَّ الدمَ الذي ينبغي أن يبقى عادةً مُحْتَجزاً في القضيب إلى حين انتهاء الانتصاب، يُفْلِت فِعْلياً مع بدايةِ الانتصاب أو بَعْدَ حصوله مباشرةً، مما يؤدِّي إلى العجز في تحقيق الانتصاب، وهذا ما قد ينجم عن تسرُّبٍ خِلْقِي للدَّم من خلال أوردة كبيرة شاذَّة، أو خلل في وظيفةِ العضل الأملس الكهفي أو إصابته بشكلٍ ثانوي برض، أو داء السكري، أو التَّصلُّب العصيدي، أو ضعف الغلالة البيضاء بسببِ الشيخوخة أو داء بيروني (انظرْ الصفحة 142). ويمكن لاضطراباتٍ عصبيَّة ونفسية أخرى مسبِّبة لنقصِ تحرُّر النواقل العصبية أن تساهمَ أيضاً في التَّسرُّب الوريدي، مثلما يفعل التَّدْخينُ، وفرط ضغط الدَّم، وارتفاع الكوليسترول أو الحَدَثِيَّات المرضية الدَّاخلية التي تصيب العضلاتِ الملساء للجسمِ الكهفي. وقد يكونُ التَّسرُّبُ الوريدي أحدَ الأسباب الرئيسية للعجز في تحقيق الانتصاب بمعدَّل حدوث يبلغ نحو 65٪ بين الرِّجال المصابين بعجز في تحقيق الانتصاب هذا.
يُعَانِي عَددٌ هامٌّ من الرِّجال من انتصاب غير مستمر؛ ومع أنَّهم يمكن أن يحققوا انتصاباً جيداً، لكنَّهم يفقدونه بسرعةٍ كبيرة، وغالباً قبل تمكنهم من القيام بمجانسة ناجحة. ويكون لدى بعض هؤلاء الرِّجال تسرُّبٌ وريدي، بخلاف الرِّجال الذين يعانون من عجز في تحقيق الانتصاب النَّاجِم عن قصور جريان الدَّم الشِّرْيانِي. في العادة، يستغرق هؤلاء الرجال وَقْتاً أطول لتحقيق الانتصاب، وبعد أن يحققوه يمكن أن يَفْقِدوه بسرعة أكبر. ويُشْتَبَهُ بحصولِ التَّسرُّب الوريدي والداء الشرياني معاً لدى الرِّجال الذين يحققون الانتصاب ببطءٍ، ويُفْقََدونه بسرعة.
كخلاصة، يمكننا القول تُمَثِّلُ العواملُ الوعائية المنشأ السَّببَ الأكثر شيوعاً للعجز في تحقيق الانتصاب العضوي؛ وهي تشتملُ على تصلُّبِ أو انسداد الشرايين خارجَ القضيب أو الأوعية داخله، وفَرْط ضغط الدَّم، وارتفاع الكوليسترول (ارتفاع البروتين الشَّحْمِي الخَفيض الكَثافة أو انخفاض البروتين الشَّحْمِي المُرْتَفِع الكَثافَة) أو داء السكري، فَضْلاً عن رضوضِ الحوض، أو جراحته، أو معالجته إشعاعياً. لقد ذكرت التَّقاريرُ اضطرابَ الدِّينمِيَّات الدّموية للانتصاب لدى الرِّجال المصابين باحتشاء العضلة القلبية أو الذين خضعوا لجراحة المجازة الإكليلية، والمصابين بالدَّاء الوعائي المحيطي، والحادثة الوعائية الدِّماغية، وفَرْط ضغط الدَّم. ويبلغُ معدَّلُ حدوث عجز في تحقيق الانتصاب نحوَ 60٪ في حالاتِ احتشاء العضلة القلبية والمجازة الإكليلية، ونحو 10٪ في حالات فَرْط ضغط الدَّم غير المعالَج. ويزيد تشاركُ عوامل الخطر، مثل داء السكري، والأمراض الوعائية، وارتفاع ضغط الدَّم، والتَّدْخين حدوث العجز في تحقيق الانتصاب بشكلٍ هام. وفضلاً عن ذلك، قد يكونُ القضيبُ الرَّاصِد الرَّئيسي للشُّذوذات الوعائية البطانية لبقيةِ الجسم، وقد يُنْذِرُ حدوثُ عجز في تحقيق الانتصاب بظهورِ الدَّاء القلبي الوعائي مستقبلاً.
داء السكري
يُعَانِي نحو 30 - 75٪ من الرِّجال المصابين بداء السكري من عجزٍ في تحقيق الانتصاب. وبالمقابل، تظهر الإحصائيَّاتُ أنَّ نحوَ رجلٍ من بين كلِّ أربعة رجال مصابين بالعجز في تحقيق الانتصاب لديه داء السكري. في الواقع، قد يؤدِّي العجز في تحقيق الانتصاب إلى الاكتشاف الأوَّلي لداء السكري عند الرَّجُل، ففي إحدى الدِّراسات، كان العجز في تحقيق الانتصاب هو العلامة الأولى لداء السكري لدى 12٪ من المجموعة المَدْروسَة، وظهر العجز في تحقيق الانتصاب لدى 50٪ من مرضى داء السكري في غضون 10 سنوات من تَشْخيصه لديهم (كايزر وكورِنْمان 1988).
لقد وُجِدَ أنَّ العجز الجنسي عِنْدَ المصابين بداء السكري مرتبطٌ بالعمر، حيث يصيبُ العجز في تحقيق الانتصاب 15٪ من الذين تتراوح أعمارُهم بين 30 - 34 سنة مقابل نحو 55٪ من المصابين بداء السكري بعمر 60 سنة (وايتهيد وكايد 1990). يتصاحب داء السكري من النَّمط الثاني، الذي يحصل عادةً عندَ المسنين وينجمُ عن مقاومةِ الأنسولين، مع حدوث عجز في تحقيق الانتصاب أكثر من النمط الأول الذي يكون وراثياً.
قد يكونُ العجز في تحقيق الانتصاب المرافق لداء السكري مُتَعَدِّدَ العوامل، مع وجود كلٍّ من الأسباب العضوية والنَّفْسية. ومن بين أهمِّ العوامل العضوية في هذه الحالات نذكر:
= الدَّاء الوعائي المترافق مع التَّصلُّب العصيدي، والذي يمكن أن يرافقَ داء السكري. قد تؤدِّي هذه الحالةُ إلى انسداد أو تضيُّق الشرايين القضيبية أو إلى التَّسرُّب الوريدي.
= أَظْهَرَتْ دراسةٌ تجريبية حديثة أنَّ خللَ سِنْثَاز أكسيد النِّتْريك، وهو الأنـزيم الرَّئيسي المسؤول عن تَكْوين أكسيد النتريك في الخلايا البطانية لأوعية القضيب، يمكن أن يشكلَ سَبباً رئيسياً للعجز الجنسي المترافق مع داء السكري.
= أمَّا العَوَامِلُ الهامَّة الأخرى في العجز في تحقيق الانتصاب المرافق لداء السكري فهي حالات اعتلالِ الأعصاب الذي يعني أنَّ أعصابَ القضيب وإفرازها للنَّوَاقِل العصبية قد يتأثَّران سَلْباً بالمرض.
= قد يُعَاني بَعْضُ الرِّجال المصابين بداء السكري والذين يعانون من العجز الجنسي الناجم من عَوَزِ التِّسْتوستيرون أو من اضطرابات نفسيَّة هامَّة بشكلٍ رئيسي. فقد أوضحت دراسةٌ حديثة وجودَ علاقةٍ قويَّة بينَ العجز في تحقيق الانتصاب، واعتلال الأعصاب الحسية، ونقص الرَّغْبَة الجنسيَّة بشكلٍ مستقل عن العمر لدى بعضِ المصابين بداء السكري والذين يعانون من عجز في تحقيق الانتصاب، وهذا ما يوحي بأنَّ العواملَ النفسية قد تكون ذات تأثيرٍ واضح في بعضِ حالات العجز في تحقيق الانتصاب المرتبط بداء السكري (ناكانيهي وزملاؤه 2004).
= أَظْهَرَتْ دراساتٌ حديثة بالمجهر الإلكتروني، لدى رجال مصابين بداء السكري يعانون من عجز في تحقيق الانتصاب، تغيُّراتٍ مَرَضيةً في الأعصاب، والعضلات الملساء للنَّسيج الكهفي، وشرايين القضيب. وقد لوحظ اضطرابُ ارتخاءِ العضل الأملس في الجسم الكهفي في حالاتِ العجز في تحقيق الانتصاب من قِبَل باحثين في المركز الطبِّي بجامعة بوسطن. كما أشارت دراساتٌ حديثة إلى أنَّ داء السكري وارتفاع الكوليسترول قد يحولان دون الارتخاءِ الكامل للعضلِ الأملس التَّرْبيقي في الجيوبِ الوعائية القضيبيَّة، مع انسداد الشرايين الصَّغيرة داخلَ القضيب في النَّسيج الكهفي، وهذا ما يمكن أن يؤدِّي إلى عجز في تحقيق الانتصاب.
تشتملُ الأسبابُ الإضافية للعجز في تحقيق الانتصاب لدى المصابين بداء السكري على فرط خَثورِيَّة الدَّم، وإفراز مواد مضيِّقة للأوعية، واستبدال العضل الأملس بالكولاجين في الجسمِ الكهفي. لقد قادت أحدثُ الدِّراسات إلى اكتشاف عوامل مسببة جديدة يمكن أن تمارسَ دَوْراً رئيسياً في الاضطرابِ الجنسي عِنْدَ مرضى داء السكري، بما في ذلك خلل الوظيفة البطانية، والإجهاد التَّأَكْسُدي، والاعتلال العصبي، والتَّغيُّرات البنيويَّة (كينديرسي وزملاؤه 2005).
قد تُثَبِّطُ زيادةُ نشاط سَبيل الكيناز الرُّو[52] لدى المصابين بداء السكري (حيث ينظِّمُ هذا السَّبيلُ تَعْبيرَ سِنْثاز أُكْسيد النِّتْريك في الخلايا البطانية ووظائفه في الجسم الكهفي أيضاً) إنتاجَ أكسيد النِّتْريك. كما أنَّ فرطَ إنتاج المَنْتوج النِّهائي للارتباط المتقدِّم بالغلوكوز، لدى المصابين بداء السكري، قد يُنْقِص إنتاجَ أكسيد النتريك. لقد شُك بأن فرط إنتاج جذور الأكسجين المُتَفاعِلَة التي يمكن أن تُسَبِّبَ عيوباً عصبيَّة وعائية، وفَرْط تفاعل سبيل كيناز البروتين C (الذي يشتمل على أنـزيم من صِنْف النَّوَاقِل التي تساعد على إنتاج الأنـزيمات والبروتينات بالفسفرة داخل الخلايا) (كِنْدَرْسي وزملاؤه 2005)،كسببٍ محتمَل للعجز في تحقيق الانتصاب لدى المصابين بداء السكري.
تَشْتَمِلُ الأمراضُ الغدِّية الصَّمَّاوية الأخرى التي قد تساهمُ في العجز على تحقيق الانتصاب على قصور الغدد التَّناسُلِيَّة، وقصور الدرقيَّة أو فرط نشاطها، والاضطرابات الكُظْريَّة، وفَرْط برولاكتينِ الدَّم (انظرْ العواملَ الغدِّية الصمَّاوية والهرمونيَّة، ص...).
المتلازمةُ الاستقلابية والعجز في تحقيق الانتصاب
لقد عَرَّفت المعاهدُ الوطنية للصِّحَّة المتلازمةَ الاستقلابية عام 2001، ووصفتها بالموجوداتِ السريريَّة التَّالية:
1. محيط الخصر أكبر من 100 سم.
2. ضَغْط الدَّم الانقباضي أكثر من 130 ملم.ز، وضغط الدَّم الانبساطي أكثر من 85 ملم.ز، أو استعمال الأدوية المضادَّة لارتفاع ضغط الدَّم.
3. كوليسترول البروتين الشَّحْمِي المُرْتَفِع الكَثافَة أقلُّ من 40 ملغ/100 ملم، أو استعمال الأدوية الخافضة للشَّحْميات.
4. داء السكري المشخَّص ذاتياً.
5. ثلاثيَّات الغليسيريد أكثر من 150 ملغ/100 ملم.
لقد تبيَّنَ أنَّ المتلازمةَ الاستقلابيَّة استهلالية بالنسبة للدَّاء القلبي الوعائي، وقد وُجِدَتْ لدى 43٪ من المصابين بالعجز في تحقيق الانتصاب مقابل 24٪ تَقْريباً في مجموعةٍ مقابلة، مع زيادةٍ في حدوث المقاومة للأنسولين. ولذلك، قد يؤدِّي الاكتشافُ الباكر لها لدى الذكور الشَّباب المصابين بالعجز في تحقيق الانتصاب، من دون أعراض سريرية أخرى، إلى إنقاصِ خطرِ خَلَل الوظيفَة البطانية والدَّاء القلبي الوعائي مُسْتقبلاً (بانسال وزملاؤه 2005). لقد أَثبتت دراسةٌ حديثة هذهِ الموجودات، وأَوْضَحَتْ أنَّ العجز في تحقيق الانتصاب كانَ متوقعاً بحدوثِ المتلازمةِ الاستقلابية لدى الرِّجال الذين يقلُّ مؤشر كتلة الجسم لديهم عن 25. وتؤكِّدُ هذه الموجودةُ الهامَّةَ بأنَّ العجز في تحقيق الانتصاب قد يقدِّم علامةً مُنْذِرَة باكرة وفرصة للمُدَاخَلةِ العلاجية الباكرة لدى الرِّجال المسنِّين المصابين بالعجز في تحقيق الانتصاب، والذين يُعَدُّون - بسببِ نقص مؤشر كتلة الجسم - في خطرٍ أقل للإصابةِ بالمتلازمة الاستقلابية ثمَّ بالدَّاء القلبي الوعائي (كوبيليان وزملاؤه 2006).
حتى نَتَعرَّفَ إلى العجز في تحقيق الانتصاب ونَفْهَمَ أسبابَه، من المهمِّ أن نتذكَّرَ بأنَّ انتصاب القضيب ظاهرةٌ عصبية وعائية مستمرَّة تخضع للتَّحكُّم النَّفْسي، وتَتَطلَّب وَسَطاً هُرْمونياً مناسباً للإنجاز الناجح. تَذكَّرْ هذه الآليَّاتِ الفيزيولوجيَّة للانتصاب الموصوفة سابقاً: عِنْدَ التَّنْبيه الجنسي، تؤدِّي الإشاراتُ الصادرة عن الأعصاب اللاودِّية وغير الأدرينالية الفِعْل/الكولينيَّة الفِعْل إلى إِطْلاق أُكْسيد النِّتْريك (وربَّما يُفْرَز أيضاً من الخلايا البطانية لأوعية القضيب)، ثمَّ يَدْخُل أكسيدُ النِّتْريك إلى الخلايا العضلية الملساء داخلَ الأوعية في الجسم الكهفي، حيث يُنِبِّهُ أنـزيم مُحَلِّقة الغوانيلات لإنتاج أحادي فوسفات الغوانوزين الحلقي، وهذا ما يُفَعِّل أنـزيم كيناز البروتين C لفَسْفَرَة (إِضافَة زمرة فُوسْفَات) بَعْض البروتينات المسؤولة عن تَنْظيم توتُّر العضلات الملساء في الشَّرايين والجيوب الكهفية، وهذا ما يُساهِم في ارتخاءِ هذه الأوعية، ومن ثَمَّ اندفاع الدَّم إلى داخل القضيب.
استطراداً، يمكن أن ترى أنَّ أيَّ مرضٍ، أو إصابة، أو اضطراب يصيب الدِّماغَ، أو الجهاز العصبي، أو الوعائي، أو الغدِّي الصَّمَّاوي، أو العضل الأملس للجسم الكهفي، أو الغلالة البيضاء، أو النَّوَاقِل العصبية، أو الجهاز البولي التناسلي، قد يُؤَدِّي إلى عجز الرَّجُل عن تحقيق انتصاب قوي أو صُلْب، والمحافظة عليه لفترةٍ زمنية كافية لتحقيق الإشباع الجِنْسي له أو لشريكته (زوجته)؛ كما يمكن أن يؤدِّي أيضاً إلى عدم استمتاعِه بالنَّشاط الجنسي. ويُلاحظُ أنَّ معظمَ الرِّجال يمكن أن يعانوا من بعضِ الصعوبة في تحقيق الانتصاب، والمحافظة عليه في مرحلةٍ ما من حياتهم، لكن ينبغي ألاَّ يُنْظَرَ إلى هذه العوارضِ المؤقَّتة على أنَّها من علامات العجز في تحقيق الانتصاب المستمر.
الفيزيولوجيا المَرَضِيَّة
يمكن تَصْنيفُ المجال الواسِع للعَوَامِل المسببة ذات المنشأ العضوي للعجز في تحقيق الانتصاب إلى أربعة أنماط أو حالات عامة:
1. يُعَدُّ العَجْزُ عن ضَخِّ ما يكفي من الدم داخل القضيب، بسبب مَرَضٍ شِرْياني، السَّبَبَ العضوي الأكثر شيوعاً للعجز في تحقيق الانتصاب، ويبلغ معدَّلُ حدوثه نحو 40٪ بين العوامل الجسدية.
2. يمكن أن تحولَ الاضطراباتُ العصبيَّة دون الإفراز السَّوِي للنَّواقِل العصبية من الأعصاب القضيبية التي تُرْخِي الشرايينَ والجيوب القضيبية، أو ربَّما تُنْقِص الإحساسَ في أعصاب القضيب، مما يحول دون تَفْعيل عمليةِ الانتصاب (مونتورسي 2003).
3. يحولُ تَسَرُّبُ الدَّم من الأوردةِ القضيبية الشاذَّة أثناء الانتصاب دون تخزين الدَّم داخلَ القضيب لفترةٍ كافية، وقد يكونُ هذا التَّسرُّبُ ناجماً عن أيَّةِ حَدَثيَّةٍ مَرَضية في الغلالة، أو عن سوء ارتخاء الجيوب الوعائية، أو تَليُّف العضل الأملس في الجسم الكهفي.
4. قد تؤدِّي أيَّةُ حالةٍ طبية تؤثِّر في الجهازِ الشِّرْيَانِي القَضيبي إلى إخفاقِه في التَّوسُّع والامتلاء بمقدار كبير من الدم تحت ضغطٍ عالٍ.
تترافق الكَثيرُ من الحالاتِ الطبِّية بوضوحٍ مع زيادة في خطر العجز في تحقيق الانتصاب؛ فعلى سَبيل المثال، يذكر أحدُ التَّقارير مُعَدَّلاتِ الانتشار المرتفعة التالية: يحصل العجز في تحقيق الانتصاب لدى 52٪ من الرِّجال الذين يعانون من فرط ضَغْط الدَّم، و55٪ من الرِّجال الذين يعانون من أعراض المسالك البولية، و61٪ لدى الرِّجال الذين يعانون من الدَّاء القلبِي الإِقْفاري، و64٪ لدى الرِّجال الذين يعانون من داء السكري، و86٪ لدى الرِّجال الذين يعانون من الدَّاء الوعائي المحيطي، و90٪ لدى الرِّجال الذين يعانون من الاكتئاب (كارسون وزملاؤه 2006). ويُقَدِّمُ هذا الفصل تفاصيلَ عن مختلفِ عوامل الخطر الرئيسية المختلفة التي تترافق مع العجز في تحقيق الانتصاب.
الشَّيْخوخَة
من المَقْبول جيِّداً أن يزدادَ العجز في تحقيق الانتصاب انتشاراً وشدةً مع تقدُّم العمر، فالرِّجالُ بعد عمر 50 سنة يعانون عادةً من اضطراباتٍ عضوية مختلفة تَشْتَمِل على الدَّاء القلبي الوعائي، وداء السكري، وارتفاع ضغط الدم، وفَرْط كوليسترول الدم، ونَقْص التِّسْتوستيرون وعلى أعراضِ السَّبيل البَوْلِي السُّفْلي الحاصلة بشكلٍ ثانوي نتيجة فَرْطِ التَّنسُّج البروستاتِي الحمي، والاضطرابات العصبيَّة المُزْمِنة مثل الباركنسونية، والسَّكْتَة، وداء آلزهايمر، والاضطرابات النَّفْسية مثل الاكتئاب، والقلق فأيٌّ من هذه المشاكل، فَضْلاً عن استعمالِ الكثير من الأدوية، يمكن أن يساهمَ في العجز في تحقيق الانتصاب. يعاني نحو 48٪ من الرِّجال الذين تجاوزوا عمر 50 سنة من عجز في تحقيق الانتصاب بدرجاتٍ متفاوتة بسببِ عوامل جسدية، ونفسية، وشخصية (كورونا وزملاؤه 2004)، لكنَّ ذلك لا يعني أنَّ العجز في تحقيق الانتصاب نتيجةٌ محتومة للشيخوخة، فلدى معظم هؤلاء الرِّجال، يَبْقى الاهتمامُ بالجنس والرَّغبة به قويين.
يُعَدُّ التَّصلُّبُ العَصيدي للشِّرْيانين الفَرْجي والكهفي عاملَ خطرٍ رَئيسي نَوْعي للعجز في تحقيق الانتصاب عِنْدَ الرِّجال ممن هم بعمر 50 سنة وما فوق، ويتمثَّلُ ذلك في تشكُّل لويحات في جدران الشرايين تَسُدُّ بالتَّدْريج لُمْعَةَ الشِّرْيَان (أي الجَوْف المفتوح لجريانِ الدم). وقد يَكونُ التَّصلُّبُ العَصيدي ثانوياً لحالاتٍ أخرى، بما في ذلك داء السكري، وفَرْط ضغط الدم، وفرط كوليسترول الدم فَضْلاً عن التَّدْخين. يمكن أن يؤدِّيَ التَّصلُّب العَصيدي إلى تغيُّراتٍ باثولوجية (مَرَضيَّة)، مثل تَنَكُّس العَضَل الأملس القضيبي واستبداله بنسيجٍ ليفي، مع نَقْص قدرة الجسم الكهفي على التمدُّد والتوسُّع، ممَّا يقودُ إلى تسرُّبٍ وريدي شاذ (مونتورسي 2003) (نُوقِشَ التَّصلُّبُ العَصيدي أكثر في الصفحة...).
تُمَثِّلُ مَشاكلُ البروستات عاملَ خطرٍ نَوْعي آخر لدى الرَّجُل المُسِن. وقد أَثْبتت عدَّةُ دراساتٍ حديثة وجودَ علاقةٍ وثيقة بين العجز الجنسي (العجز في تحقيق الانتصاب تَحْديداً) وعدم كِفايَة القذف، ونَقْص الرَّغْبة الجنسية الفعَّالة، والقذف المؤلم، وبين أعراضِ السَّبيل البَوْلِي السُّفْلي الشَّديدة الناتجة عن فَرْطِ التَّنسُّج البروستاتِي الحميد الذي يحصلُ عادةً لدى أكثر من 50٪ من الرِّجال بَعْدَ سنّ الخمسين. وفي بعض الحالات، أَدَّتْ المعالجةُ ببعضِ مُحْصِرات ألفا، أو الفياغرا، أو السيالِس إلى تحسُّنِ كلٍّ من الأعراض البَوْلية والأعراض الجنسيَّة. ويمكن أن يحدث كل من العجز في تحقيق الانتصاب، ومشاكل القذف، وأعراض السَّبيل البولي السفلي كنتيجة لفرطِ نشاط الجهاز العصبي الودِّي، أو العَدْوَى، أو الالتهاب البروستاتِي، أو الاضطرابات الوعائية في القضيب والبروستات أو عَوَز أُكْسيد النِّتْريك. وتشتمل الأعراضُ النَّموذجيَّة لعَدْوَى البروستات أو التهابها على الألمِ في الحوض، والمنطقة فوقَ العانة، والعجان، والمنطقة الأُرْبِيَّة، والصَّفن، وأسفل البطن والظهر فَضْلاً عن الأعراض التي تتصاحب أيضاً مع فَرْط التَّنسُّج البروستاتِي الحميد، مثل الحرقة عند التبول، والتَّبوُّل المتكرِّر، أو الزَّحير البولِي، وبُطْء تَدفُّق البَوْل (ولقد درسنا فَرْط التَّنسُّج البروستاتِي الحميد وأعراض السَّبيل البولي السفلي بالتفصيل في موضع لاحق من الكتاب).
في معظم الأحيان، تُفَسَّرُ التَّغيُّراتُ الفيزيولوجيَّة السَّويَّة المرتبطة بالعمر بشكل خاطئ على أنَّها عجز جنسي، ويمكن عندئذٍ ألاَّ تحتاجَ فِعْلياً إلى أكثر من تفَهْم الرَّجلِ وزوجته لها بشكل جيد، مع تَعْديل في طرق المجانسة. وتشتملُ التَّغيُّراتُ الطبيعية للأداء الجنسي عندَ الرَّجُل السليم مع تقدُّم العمر على ما يلي:
= نقص متزايد في مستوى التِّسْتوستيرون الحرِّ نتيجةَ انخفاض إنتاج الخصيتين له، ممَّا قد يؤثِّر في وظيفةِ الانتصاب، والنشوة، ويُنْقِص الشهوةَ الجنسية.
= الحاجة إلى المزيد من التَّنْبيه الجنسي لبلوغِ الانتصاب نتيجةَ نَقْص حساسية القضيب للمسِّ والاهتزاز وازدياد المدة التي يستغرقها نقل الإشارات العصبيَّة.
= الحاجة إلى المزيدِ من الوقت لتحقيق الانتصاب نتيجةَ نَقْص المرونة في الشرايين والجيوب القضيبية، وربَّما بسبب تراجعِ وظيفة الجهاز العصبي المستقل.
= نَقْص قَساوَة (صلابة) القضيب خلال الانتصاب، لكنَّ الصَّلابةَ تبقى كافيةً للإيلاج والمجانسة النَّاجِحة، ولا يحصل تغيُّرٌ في زيادةِ محيط القضيب المُنْتَصِب.
= زيادة الزَّمن الفاصل بين الإثارة والقذف، مع الحاجةِ إلى الانتظار ساعات أو حتَّى بضعة أيَّام قبلَ التَّمكُّن من الحصولِ على انتصاب جَديد.
= نَقْص في شدَّة النشوة.
= نَقْص في مقدار المَنِيِّ المقذوف بسببِ ضُمور الغُدَد البروستاتيَّة وغدد الحُوَيْصَلتَيْن المنويتين بشكلٍ رئيسي نتيجةَ انخفاض تِسْتوستيرون المصل (وقد يتوقَّف بعضُ الرِّجال المسنِّين عن قذف أيِّ مني على الإطلاق، رغم النشوة الجيِّدة).
= نَقْص في عدد مرَّات الانتصاب العفوي، ومدَّته، وجودته أثناء النَّوْم ويعزى ذلك ربَّما لنقص الزَّمن الكلِّي المطلوب للنَّوْم.
مع التَّباطؤ الجسدي والنَّفْسي الذي يصاحبُ الشيخوخةَ عادةً، قد يُعانِي الرِّجالُ من نقص الاعتداد بالذَّات ومن القلق الشَّديد، والاكتئاب، والكَرْب، والشُّعور بعدم الكفاية. ويمكن أن تؤدِّي هذه المشاعرُ، عندما لا تُوَاجَه بآليات التَّكيُّف بشكلٍ مناسب، إلى ضعف جِنْسي نفسي المنشأ كما أنَّ نقصَ الاهتمام الجنسي من جانب الزوجات (اللواتي ربما يعانين من اضطرابات جنسية لديهن) يُساهِم أيضاً في بعضِ حالات العجز في تحقيق الانتصاب عِنْدَ الرِّجال. قد تلعب المشاكلُ في العلاقات، وعدم توفُّر الشَّريك أو تقبُّله، والاضطرابات النَّفْسية، كالاكتئاب والكرب والقلق، أدواراً هامة مسببة للعجز في تحقيق الانتصاب عِنْدَ الرِّجال المسنِّين.
من الأساطير والأوهام الاعتقادُ بأنَّ الرَّجلَ بَعْدَ عمر 60 سنة (أو يَنْبَغِي) لا يستطيعُ ممارسةَ النَّشاط الجنسي؛ في الواقع، يحتاجُ الرِّجال المسنون إلى المزيدِ من العاطفة، والحب، والفهم، والحَنان، والخصوصيَّة مثل الرِّجال الشبان، وربما أكثر. لقد أَوْضحَتْ دراساتٌ عديدة أنَّ أكثرَ من 65٪ من الرِّجال والنِّساء بَعْدَ عمر 65 سنة يَبْقَوْنَ مهتمِّين بالجِنْس ونشيطين جنسياً، وينبغي أن يُشَجَّعَ هؤلاء على التَّعْبير عن رغباتهم الجنسية وعلى الاستمتاع بحياةٍ جنسية كاملة من دون الشُّعور بالخجل أو الذنب (يمكن اللجوءُ إلى الاستمناء عندَ عدم توفُّر شريكةٍ جنسية لتخفيف التَّوتُّر الجنسي). لقد أَشارت التَّقاريرُ إلى أنَّ عددَ اللقاءات الجنسية ينخفض بمقدار 75٪ تقريباً بين عُمرَيْ 30 و65 سنة، وإلى أنَّ أغلبيةَ الرِّجال بَعْدَ عمر 60 سنة يجانسون بشكلٍ منتظم أيضاً.
من جهةٍ أخرى، إن معدل الإخفاق في تحقيق الانتصاب عندَ الرِّجال بَعْدَ عمر 60 سنة بشكلٍ خاص هو أعلى مما هو عليه لدى الرِّجال الأصغر سناً. ويَشْكو نحو 40 - 70٪ من الرِّجال بين الأربعين والسبعين من عجز جنسي، مع زيادةٍ ملحوظة في تواتر الأحداث الجنسية بَعْدَ الخمسين. يمكن أن تشتملَ أسبابُ العجز في تحقيق الانتصاب في هذه الفئة العمريَّة على نقص تِسْتوستيرون المصل الحرِّ، وعلى عوامل وعائية، وهرمونية، وعصبية، ونفسية، واجتماعية. ويُقَدَّرُ بأنَّ أقلَّ من 15٪ من الرِّجال بعد الثمانين يجانسون، رغم الرَّغْبَة الجنسية المسجَّلة لدى أكثر من 50٪ منهم، بسَببِ إخفاق الانتصاب.
لا بدَّ من الحصول على قصةٍ جنسية وطبِّية، ومن إجراء فحص سريري، لإيضاح الطَّبيعة الحقيقيَّة للعجز الجنسي - مهما يكنْ - عندَ الرَّجُل الذي قد يعاني في مرحلةٍ متأخِّرة من الحياة، سواءٌ أَكانت شكواه الرئيسيَّة هي نقص الشهوة الجنسية أم اضطراب القذف أو النشوة أم مشكلة في الانتصاب. ولا بدَّ من تَقْييم العوامل الوعائية، والعصبية، والهرمونية، والنَّفْسية (واستبعادها) بالاختبارات النَّوْعية؛ ثمَّ تكونُ المعالجةُ حسبَ السَّبب المستبطن (الخفي) لخللِ الأداء.
الأسبابُ القلبيَّة الوعائيَّة
يمكن أن يؤدِّي أيُّ تَضيُّق أو تصلُّب أو انسداد شديد في الأبهر والأوعية الحَرْقَفِيَّة وفروعهما، أو الشَّرايين والجيوب القضيبية، إلى العجز الجنسي. ويُعَدُّ المرضُ الوعائي السَّببَ العضوي الأكثر شُيُوعاً للعجز في تحقيق الانتصاب، حيث يمثِّل نحوَ 40٪ من جميعِ العوامل العضويَّة.
يُعانِي نحو 17٪ من الرِّجال المصابين بعجز في تحقيق الانتصاب بسببِ التَّصلُّب العصيدي، وهو انسدادٌ في الشرايين مع توضُّع لويحات صفراء تحتوي على الكوليسترول، ومادة دهنيَّة، وبَالِعات الشَّحْم (خلايا تمتصُّ الدُّهْن)، مما قد يقود إلى انسدادٍ جزئي أو تام في الأوعية الدموية. وتتصاحبُ هذه الحالةُ الشَّائعة عادةً مع التَّدْخين، وفَرْط شحميات الدَّم (زيادة تركيز إحدى الشَّحْميات أو جميعها في الدَّم، بما في ذلك الكوليسترول والشَّحْميات الثلاثية) والسِّمْنَة، وداء السكري. ويحول نقصُ جريان الدَّم في الشَّرايين والجيوب القضيبية دون امتلاءِ القضيب وانتفاخه، وقد يؤدِّي إلى تسرُّبٍ وريدي بسبب نقص انضغاط الوريدات تحت الغلالة بشكلٍ ثانوي لتقلُّص الجيوب الوعائية.
علاوةً على ذلك، وُجِدَتْ علاقةٌ مباشرة بين الأمراضِ القلبيَّة الوعائية والعجز في تحقيق الانتصاب؛ فالمشكلةُ الجنسية قد تكون العلامةَ الأولى لوجودِ داءٍ قلبي خفي، مثل الدَّاء القلبي الإقفاري، وقد تسبقُ مظاهرَه السَّريرية بأشهر أو سنوات؛ وهذا ما يفسِّر تسميةَ القضيب "بمرصد" أو "مِقْياس" السَّلامة الوعائية في الجسم. وقد شَجعَّتْ العلاقةُ الوثيقة بين العجز في تحقيق الانتصاب والاضطرابات الوعائية المرضية الأخرى بعضَ الأطباء على اقتراحِ جملةٍ من الاستقصاءات القلبية الوعائية الكاملة عندَ أيِّ رجلٍ يعاني من العجز في تحقيق الانتصاب، لا سيَّما إذا وُجِدَتْ لديه عواملُ خطرٍ، مثل التَّدْخين، وداء السكري، وفَرْط ضغط الدَّم، والسِّمْنة، وفرط شحميات الدَّم.
يُحقق المصابون بمرضٍ قلبي إقفاري في وعاءٍ واحد انتصاباً أفضل من أولئك المصابين بانسداد عدَّة أوعية. َعلاوةً على ذلك، يزداد خطرُ ظهورِ داء الشرايين الإكليلية "التاجيَّة" (سِبِيل وزملاؤه 2003) بشكلٍ ملحوظ عندَ الرِّجال المصابين بقصور الشرايين الكهفية. ويمكن أن تساهمَ العواملُ الأخرى المصاحبة للتَّصلُّب العصيدي، مثل نقصِ سِنْثاز (مُخَلِّقَة) أكسيد النِّتْريك في البطانة، وزيادة مستويات الجذور الحرَّة، والتَّرْكيز المرتفع للهُوموسيسْتئين في اللويحات الوعائية في حدوثِ العجز في تحقيق الانتصاب (كِنْدَرْسي وزملاؤه 2003). وترى أدلَّةٌ حديثة قوية بأنَّ نضوبَ سِنْثاز أكسيد النِّتْريك من الأعصاب المكوِّنة للنِّتْريك (الأعصاب غير الأدرينالية الفِعْل/غير الكولينيَّة الفِعْل في القضيب التي تُفْرِز أكسيدَ النتريك) قد يساهم في العجز الجنسي أيضاً. كما قد تترافق أمراضٌ قلبيَّة وعائيَّة أخرى، مثل فَشَل القلب الاحتقانِي وأم الدم الأبهريَّة (تشكُّل كيس شاذ في جدار الأبهر)، مع عجز في تحقيق الانتصاب.
حَلَّلَتْ دراسةٌ حديثة معدَّلَ حدوث الدَّاء الوعائي خارجَ الأعضاء التَّناسلية لدى 457 مريضاً مصاباً بالعجز في تحقيق الانتصاب، استناداً إلى دراسةِ الشرايين القضيبية أو الشرايين السُّباتية أو أوعية الطَّرَف السفلي المشتبه باحتوائها على لويحاتٍ تصلُّبية عصيدية باستعمال تخطيط الصَّدَى الدُّوبلري؛ وَجدَ الباحثون قصوراً مَعْزولاً في الشَّرايين القضيبيَّة لدى نحو 25٪ من المرضى، وتصلباً عصيدياً قضيبياً وسُباتياً وفي الطَّرفين السُّفْليين معاً لدى 75٪ من هذه الحالات (فيكاري وزملاؤه 2005)، وهذا ما أوضحَ من جديد وجودَ علاقةٍ وثيقة بين التَّغيُّراتِ الوعائية في شرايين القضيب والشرايين الأخرى في الجسم.
في دراسةٍ إيطالية حديثة، وُجِدَ أنَّ عددَ الشرايين الإكليلية المريضة، والعمر، وداء السكري هي عوامل مستقلَّة في العجز في تحقيق الانتصاب، كما لوحظ أنَّ العجز في تحقيق الانتصاب بدَوْرِه قد تَصاحَب مع زيادة خطرِ داء الشرايين الإكليلية بمقدار أربعة أضعاف، مثلما شُخِّصَ بتصوير الأوعية الإكليلية بشكلٍ مستقل عن عوامل الخطر المعروفة الأخرى. ويظهر العجز في تحقيق الانتصاب عادةً لدى الرِّجال الذين يعانون من أعراضٍ إكليلية (تاجيَّة) حادة، ويمكن أن يُعَدَّ علامةً للتَّصلُّبِ العَصيدي الإكليلي أو المنتشر (مونتورسي وزملاؤه 2006).
في دراسةٍ أخرى، كانَ عاملُ الخطر الوعائي الأكثر شيوعاً لظهور العجز في تحقيق الانتصاب هو التَّدْخين، ثُمَّ السِّمْنَة، ثم فرط ضغط الدم. وَوُجِدَتْ أَضْعفُ المعالم لقصور جريان الدَّم والقصور الشرياني لدى الرِّجال الذين يعانون من عجز في تحقيق الانتصاب وداء الشرايين الإكليلية أيضاً (40٪ من المجموعة)، وأتى بعدَهم المصابون بداء السكري أيضاً (23.3٪). كما لوحظ الدَّاءُ الوريدي السَّاد لدى مرضى فَرْط ضغط الدَّم (36.5٪). وقد ازداد حدوث معالم جريان الدَّم الشاذ مع زيادةِ عوامل الخطر الوعائية (كِنْديرا وزملاؤها 2006).
أخبارٌ عاجلَة: العجز في تحقيق الانتصاب، وداء الشرايين الإكليليَّة، والدَّاء القلبي الوعائي
ذكرَ تومبسون وزملاؤه في اللِّقاء السنوي عام 2006 للرابطةِ الأميركية لأطبَّاء المسالك البولية وجودَ علاقة للعجز في تحقيق الانتصاب بظهورِ داء الشرايين الإكليلية لاحقاً لدى 9457 رجلاً ممن تجاوزوا سنّ 55 عاماً. ولوحظ عجز في تحقيق الانتصاب في بدايةِ الدراسة لدى 57٪ من الرِّجال. وبعد 5 سنوات من المتابعة، عانى 11٪ من الرِّجال المصابين بعجز في تحقيق الانتصاب من داءٍ قلبي وعائي أو من حادثةٍ أخرى، مثل الذَّبْحَة، واحتشاء العضلة القلبية، وارتفاع البروتين الشحمي الخَفيض الكثافة LDL في المصل أو الحادثَة الدِّماغية الوعائية أو فشل القلب الاحتقاني. ولذلك، كانت نسبةُ خطر (زيادة احتمال الإصابة بمرضٍ معيَّن بشكل ارتفاع فوق القيمة الطبيعية البالغة 1) الإصابة بداءٍ قلبي وعائي هي 1.30 لدى الرِّجال المصابين بالعجز في تحقيق الانتصاب. لقد قَرَّرْ القيِّمون على الدراسةِ القيامَ باستقصاءٍ، وتدخُّل عاجل لدى الرِّجال المصابين بالعجز في تحقيق الانتصاب الذين لديهم عواملُ خطر لداءِ الشرايين الإكليلية أو الدَّاء القلبي الوعائي.
مثلما ناقشنا سابقاً، يَعْنِي التَّسرُّبُ الوريدي أثناء الانتصاب أنَّ الدمَ الذي ينبغي أن يبقى عادةً مُحْتَجزاً في القضيب إلى حين انتهاء الانتصاب، يُفْلِت فِعْلياً مع بدايةِ الانتصاب أو بَعْدَ حصوله مباشرةً، مما يؤدِّي إلى العجز في تحقيق الانتصاب، وهذا ما قد ينجم عن تسرُّبٍ خِلْقِي للدَّم من خلال أوردة كبيرة شاذَّة، أو خلل في وظيفةِ العضل الأملس الكهفي أو إصابته بشكلٍ ثانوي برض، أو داء السكري، أو التَّصلُّب العصيدي، أو ضعف الغلالة البيضاء بسببِ الشيخوخة أو داء بيروني (انظرْ الصفحة 142). ويمكن لاضطراباتٍ عصبيَّة ونفسية أخرى مسبِّبة لنقصِ تحرُّر النواقل العصبية أن تساهمَ أيضاً في التَّسرُّب الوريدي، مثلما يفعل التَّدْخينُ، وفرط ضغط الدَّم، وارتفاع الكوليسترول أو الحَدَثِيَّات المرضية الدَّاخلية التي تصيب العضلاتِ الملساء للجسمِ الكهفي. وقد يكونُ التَّسرُّبُ الوريدي أحدَ الأسباب الرئيسية للعجز في تحقيق الانتصاب بمعدَّل حدوث يبلغ نحو 65٪ بين الرِّجال المصابين بعجز في تحقيق الانتصاب هذا.
يُعَانِي عَددٌ هامٌّ من الرِّجال من انتصاب غير مستمر؛ ومع أنَّهم يمكن أن يحققوا انتصاباً جيداً، لكنَّهم يفقدونه بسرعةٍ كبيرة، وغالباً قبل تمكنهم من القيام بمجانسة ناجحة. ويكون لدى بعض هؤلاء الرِّجال تسرُّبٌ وريدي، بخلاف الرِّجال الذين يعانون من عجز في تحقيق الانتصاب النَّاجِم عن قصور جريان الدَّم الشِّرْيانِي. في العادة، يستغرق هؤلاء الرجال وَقْتاً أطول لتحقيق الانتصاب، وبعد أن يحققوه يمكن أن يَفْقِدوه بسرعة أكبر. ويُشْتَبَهُ بحصولِ التَّسرُّب الوريدي والداء الشرياني معاً لدى الرِّجال الذين يحققون الانتصاب ببطءٍ، ويُفْقََدونه بسرعة.
كخلاصة، يمكننا القول تُمَثِّلُ العواملُ الوعائية المنشأ السَّببَ الأكثر شيوعاً للعجز في تحقيق الانتصاب العضوي؛ وهي تشتملُ على تصلُّبِ أو انسداد الشرايين خارجَ القضيب أو الأوعية داخله، وفَرْط ضغط الدَّم، وارتفاع الكوليسترول (ارتفاع البروتين الشَّحْمِي الخَفيض الكَثافة أو انخفاض البروتين الشَّحْمِي المُرْتَفِع الكَثافَة) أو داء السكري، فَضْلاً عن رضوضِ الحوض، أو جراحته، أو معالجته إشعاعياً. لقد ذكرت التَّقاريرُ اضطرابَ الدِّينمِيَّات الدّموية للانتصاب لدى الرِّجال المصابين باحتشاء العضلة القلبية أو الذين خضعوا لجراحة المجازة الإكليلية، والمصابين بالدَّاء الوعائي المحيطي، والحادثة الوعائية الدِّماغية، وفَرْط ضغط الدَّم. ويبلغُ معدَّلُ حدوث عجز في تحقيق الانتصاب نحوَ 60٪ في حالاتِ احتشاء العضلة القلبية والمجازة الإكليلية، ونحو 10٪ في حالات فَرْط ضغط الدَّم غير المعالَج. ويزيد تشاركُ عوامل الخطر، مثل داء السكري، والأمراض الوعائية، وارتفاع ضغط الدَّم، والتَّدْخين حدوث العجز في تحقيق الانتصاب بشكلٍ هام. وفضلاً عن ذلك، قد يكونُ القضيبُ الرَّاصِد الرَّئيسي للشُّذوذات الوعائية البطانية لبقيةِ الجسم، وقد يُنْذِرُ حدوثُ عجز في تحقيق الانتصاب بظهورِ الدَّاء القلبي الوعائي مستقبلاً.
داء السكري
يُعَانِي نحو 30 - 75٪ من الرِّجال المصابين بداء السكري من عجزٍ في تحقيق الانتصاب. وبالمقابل، تظهر الإحصائيَّاتُ أنَّ نحوَ رجلٍ من بين كلِّ أربعة رجال مصابين بالعجز في تحقيق الانتصاب لديه داء السكري. في الواقع، قد يؤدِّي العجز في تحقيق الانتصاب إلى الاكتشاف الأوَّلي لداء السكري عند الرَّجُل، ففي إحدى الدِّراسات، كان العجز في تحقيق الانتصاب هو العلامة الأولى لداء السكري لدى 12٪ من المجموعة المَدْروسَة، وظهر العجز في تحقيق الانتصاب لدى 50٪ من مرضى داء السكري في غضون 10 سنوات من تَشْخيصه لديهم (كايزر وكورِنْمان 1988).
لقد وُجِدَ أنَّ العجز الجنسي عِنْدَ المصابين بداء السكري مرتبطٌ بالعمر، حيث يصيبُ العجز في تحقيق الانتصاب 15٪ من الذين تتراوح أعمارُهم بين 30 - 34 سنة مقابل نحو 55٪ من المصابين بداء السكري بعمر 60 سنة (وايتهيد وكايد 1990). يتصاحب داء السكري من النَّمط الثاني، الذي يحصل عادةً عندَ المسنين وينجمُ عن مقاومةِ الأنسولين، مع حدوث عجز في تحقيق الانتصاب أكثر من النمط الأول الذي يكون وراثياً.
قد يكونُ العجز في تحقيق الانتصاب المرافق لداء السكري مُتَعَدِّدَ العوامل، مع وجود كلٍّ من الأسباب العضوية والنَّفْسية. ومن بين أهمِّ العوامل العضوية في هذه الحالات نذكر:
= الدَّاء الوعائي المترافق مع التَّصلُّب العصيدي، والذي يمكن أن يرافقَ داء السكري. قد تؤدِّي هذه الحالةُ إلى انسداد أو تضيُّق الشرايين القضيبية أو إلى التَّسرُّب الوريدي.
= أَظْهَرَتْ دراسةٌ تجريبية حديثة أنَّ خللَ سِنْثَاز أكسيد النِّتْريك، وهو الأنـزيم الرَّئيسي المسؤول عن تَكْوين أكسيد النتريك في الخلايا البطانية لأوعية القضيب، يمكن أن يشكلَ سَبباً رئيسياً للعجز الجنسي المترافق مع داء السكري.
= أمَّا العَوَامِلُ الهامَّة الأخرى في العجز في تحقيق الانتصاب المرافق لداء السكري فهي حالات اعتلالِ الأعصاب الذي يعني أنَّ أعصابَ القضيب وإفرازها للنَّوَاقِل العصبية قد يتأثَّران سَلْباً بالمرض.
= قد يُعَاني بَعْضُ الرِّجال المصابين بداء السكري والذين يعانون من العجز الجنسي الناجم من عَوَزِ التِّسْتوستيرون أو من اضطرابات نفسيَّة هامَّة بشكلٍ رئيسي. فقد أوضحت دراسةٌ حديثة وجودَ علاقةٍ قويَّة بينَ العجز في تحقيق الانتصاب، واعتلال الأعصاب الحسية، ونقص الرَّغْبَة الجنسيَّة بشكلٍ مستقل عن العمر لدى بعضِ المصابين بداء السكري والذين يعانون من عجز في تحقيق الانتصاب، وهذا ما يوحي بأنَّ العواملَ النفسية قد تكون ذات تأثيرٍ واضح في بعضِ حالات العجز في تحقيق الانتصاب المرتبط بداء السكري (ناكانيهي وزملاؤه 2004).
= أَظْهَرَتْ دراساتٌ حديثة بالمجهر الإلكتروني، لدى رجال مصابين بداء السكري يعانون من عجز في تحقيق الانتصاب، تغيُّراتٍ مَرَضيةً في الأعصاب، والعضلات الملساء للنَّسيج الكهفي، وشرايين القضيب. وقد لوحظ اضطرابُ ارتخاءِ العضل الأملس في الجسم الكهفي في حالاتِ العجز في تحقيق الانتصاب من قِبَل باحثين في المركز الطبِّي بجامعة بوسطن. كما أشارت دراساتٌ حديثة إلى أنَّ داء السكري وارتفاع الكوليسترول قد يحولان دون الارتخاءِ الكامل للعضلِ الأملس التَّرْبيقي في الجيوبِ الوعائية القضيبيَّة، مع انسداد الشرايين الصَّغيرة داخلَ القضيب في النَّسيج الكهفي، وهذا ما يمكن أن يؤدِّي إلى عجز في تحقيق الانتصاب.
تشتملُ الأسبابُ الإضافية للعجز في تحقيق الانتصاب لدى المصابين بداء السكري على فرط خَثورِيَّة الدَّم، وإفراز مواد مضيِّقة للأوعية، واستبدال العضل الأملس بالكولاجين في الجسمِ الكهفي. لقد قادت أحدثُ الدِّراسات إلى اكتشاف عوامل مسببة جديدة يمكن أن تمارسَ دَوْراً رئيسياً في الاضطرابِ الجنسي عِنْدَ مرضى داء السكري، بما في ذلك خلل الوظيفة البطانية، والإجهاد التَّأَكْسُدي، والاعتلال العصبي، والتَّغيُّرات البنيويَّة (كينديرسي وزملاؤه 2005).
قد تُثَبِّطُ زيادةُ نشاط سَبيل الكيناز الرُّو[52] لدى المصابين بداء السكري (حيث ينظِّمُ هذا السَّبيلُ تَعْبيرَ سِنْثاز أُكْسيد النِّتْريك في الخلايا البطانية ووظائفه في الجسم الكهفي أيضاً) إنتاجَ أكسيد النِّتْريك. كما أنَّ فرطَ إنتاج المَنْتوج النِّهائي للارتباط المتقدِّم بالغلوكوز، لدى المصابين بداء السكري، قد يُنْقِص إنتاجَ أكسيد النتريك. لقد شُك بأن فرط إنتاج جذور الأكسجين المُتَفاعِلَة التي يمكن أن تُسَبِّبَ عيوباً عصبيَّة وعائية، وفَرْط تفاعل سبيل كيناز البروتين C (الذي يشتمل على أنـزيم من صِنْف النَّوَاقِل التي تساعد على إنتاج الأنـزيمات والبروتينات بالفسفرة داخل الخلايا) (كِنْدَرْسي وزملاؤه 2005)،كسببٍ محتمَل للعجز في تحقيق الانتصاب لدى المصابين بداء السكري.
تَشْتَمِلُ الأمراضُ الغدِّية الصَّمَّاوية الأخرى التي قد تساهمُ في العجز على تحقيق الانتصاب على قصور الغدد التَّناسُلِيَّة، وقصور الدرقيَّة أو فرط نشاطها، والاضطرابات الكُظْريَّة، وفَرْط برولاكتينِ الدَّم (انظرْ العواملَ الغدِّية الصمَّاوية والهرمونيَّة، ص...).
المتلازمةُ الاستقلابية والعجز في تحقيق الانتصاب
لقد عَرَّفت المعاهدُ الوطنية للصِّحَّة المتلازمةَ الاستقلابية عام 2001، ووصفتها بالموجوداتِ السريريَّة التَّالية:
1. محيط الخصر أكبر من 100 سم.
2. ضَغْط الدَّم الانقباضي أكثر من 130 ملم.ز، وضغط الدَّم الانبساطي أكثر من 85 ملم.ز، أو استعمال الأدوية المضادَّة لارتفاع ضغط الدَّم.
3. كوليسترول البروتين الشَّحْمِي المُرْتَفِع الكَثافَة أقلُّ من 40 ملغ/100 ملم، أو استعمال الأدوية الخافضة للشَّحْميات.
4. داء السكري المشخَّص ذاتياً.
5. ثلاثيَّات الغليسيريد أكثر من 150 ملغ/100 ملم.
لقد تبيَّنَ أنَّ المتلازمةَ الاستقلابيَّة استهلالية بالنسبة للدَّاء القلبي الوعائي، وقد وُجِدَتْ لدى 43٪ من المصابين بالعجز في تحقيق الانتصاب مقابل 24٪ تَقْريباً في مجموعةٍ مقابلة، مع زيادةٍ في حدوث المقاومة للأنسولين. ولذلك، قد يؤدِّي الاكتشافُ الباكر لها لدى الذكور الشَّباب المصابين بالعجز في تحقيق الانتصاب، من دون أعراض سريرية أخرى، إلى إنقاصِ خطرِ خَلَل الوظيفَة البطانية والدَّاء القلبي الوعائي مُسْتقبلاً (بانسال وزملاؤه 2005). لقد أَثبتت دراسةٌ حديثة هذهِ الموجودات، وأَوْضَحَتْ أنَّ العجز في تحقيق الانتصاب كانَ متوقعاً بحدوثِ المتلازمةِ الاستقلابية لدى الرِّجال الذين يقلُّ مؤشر كتلة الجسم لديهم عن 25. وتؤكِّدُ هذه الموجودةُ الهامَّةَ بأنَّ العجز في تحقيق الانتصاب قد يقدِّم علامةً مُنْذِرَة باكرة وفرصة للمُدَاخَلةِ العلاجية الباكرة لدى الرِّجال المسنِّين المصابين بالعجز في تحقيق الانتصاب، والذين يُعَدُّون - بسببِ نقص مؤشر كتلة الجسم - في خطرٍ أقل للإصابةِ بالمتلازمة الاستقلابية ثمَّ بالدَّاء القلبي الوعائي (كوبيليان وزملاؤه 2006).