لا تَقْتَصِرُ المشاكِلُ الجِنْسِيَّة عِنْدَ الذُّكورِ على العجز في تحقيق الانتصاب أو المحافظة عليه؛ فمن بين حالات خَلَل الأداء الأخرى الخاصَّة بالرَّجُل، هناك مجموعةُ اضطراباتِ القذف، بما في ذلك القذف الباكِر (المُبْتَسَر) أي سرعة القذف، والمتأخِّر، وغِياب القذف. في الوَاقِع، يُعَدُّ القذف الباكِر أو المُبْتَسَر الاضطرابَ الجنسي الأكثر شُيُوعاً لدى الرِّجال بين 18 - 60 سنة، ويبلغُ معدَّلُ انتشاره العالمي نحو 30٪، وهو يُشَكِّلُ نحو 21٪ من كل الاضطرابات الجِنْسِيَّة لدى الذُّكور، بالمقارنةِ مع نحو 5٪ للعجز الجنسي.
لا يَسْعَى، إلى طَلْبِ المساعدةِ الطبِّية، سوى 10٪ تقريباً من الرِّجال الذين يعانون من القذف الباكِر؛ لكنَّ معدَّلَ الانتشار الحقيقي - كما يَبْدو - أعلى من ذلك بكثير، لا سيَّما أنَّ الكثيرَ من الرِّجال يَجْدونَ صعوبةً في مناقشةِ المسائل الجِنْسِيَّة (حتَّى مع أطبَّائهم) بسبب الإِحْراج، أو اللامبالاة، أو الجَهْل. وقد لا يبالي الرِّجالُ في العَديد من البلدان، لا سيَّما في بَعْضِ أجزاء أفريقيا، والشَّرْق الأوسط، والشَّرْق الأقصى ما إذا كانَ القذف سريعاً أم لا. يَكونُ حصولُهم على الإشباع الجنسي والرِّضا هو الغاية فقط، لذلك يرون أنَّ القذف السَّريع أمرٌ طبيعي تماماً، ولا ضرورةَ لمعالجته.
فيزيولوجية القذف
تُعَدُّ فيزيولوجية القذف الطَّبيعي استجابةً انعكاسيَّة معقَّدة للتَّنْبيه العَصبي البَيولوجي والعصبي الكيميائي الحيوي. وكما شرحنا بالتَّفْصيل في الفصل الرابع، يحصلُ التَّنْظيمُ العصبي للاستجابةِ الجِنْسِيَّة البشرية لدى الذَّكر في الدِّماغ وفي القِطَع الأمامية القطنية والعجزيَّة من النُّخاع الشَّوْكي. ويُساهِمُ النَّاقلان العَصَبيان الدُّوبامين والسِّيروتونين بدورٍ هام ورئيسي في التَّحَكُّمِ بمَنْعَكس القذف. ويُعَدُّ السِّيروتونين، الذي يؤثِّر في مستقبلات 5 - هِيدروكسي تريبتامين، النَّاقِلَ العَصبي الرَّئيسي الذي يثبِّط القذف؛ ويَتَّفِقُ مستوى السِّيروتونين في الدِّماغ عادةً مع كُمون القذف لدى الرَّجُل. كما أنَّ العصبوناتِ التي تَتحكَّمُ بها موادُ كيميائية أخرى، مثل الأَدْرينالين، والأَسيتيل كولين، والأُوكسيتوسين، وحمض الأَمينوبوتريك، تُساهِمُ في عمليَّةِ القذف أيضاً.
بَعْدَ حُصولِ التَّهيُّجِ الجِنْسي الأقصى والانتصاب الكامل لدى الذَّكَر، ومع استمرارِ التَّنْبيه الجِنْسي، يُتوَّج التَّسلسُلُ السَّريع اللاحِق للأحداث بالقذف:
= تَقومُ الأحاسيسُ الجِنْسيَّة المتلقَّاة في الوِطاء داخل الدِّماغ والتَّنْبيه القَضيبي المُبْهِج بإرسال إشاراتٍ إلى الأَعْمِدَة الودِّية الدَّاخلية الإنسية الوَحْشِيَّة في العمودِ النُّخاعي الصَّدْري والقطني عند مستوى الفَقرات الظَّهريَّة العاشرة حتى القطنيَّة الثانية بواسطةِ الأعصاب الفَّرْجية، والظهرية، والحَبْل النُّخاعي العَجزي.
= تُنْقَلُ الإشاراتُ الواردة (العائدة) من النُّخاع الشَّوْكي إلى الضَّفيرة الحوضيَّة بواسطة الأعصاب الخثليَّة والحوضيَّة في الحوض.
= تُنَبِّهُ هذه الإشاراتِ عصبوناتٍ تُسَمَّى مستقبلات ألفا الأدرنرجيَّة (الأدريناليَّة الفِعْل) بهدف تَقْليص البَرْبخ، والأَسْهَر، والحُوَيْصلتين المنويتين، والبروستات ممَّا يؤدِّي إلى قَذْف مفرزاتها في الإحليل الخلفي بَعْدَ انغلاق عنق المثانة (مَخْرج المثانة) وصمام الإحليل الخارجي. ويؤدِّي هذا التَّمدُّدُ المفاجئ في الإحليل الخلفي إلى جَعْلِ القذف حتميَّاً.
= يُرْسِل المركزُ الجِنْسي في النُّخاع العَجزي (الأعصاب العَجزيَّة من الثانِي إلى الرَّابع على وجه الخصوص) [يُدْعَى نواةَ أُنُوف] إشاراتٍ ودِّيَّةً إضافية؛ ونتيجةً لذلك، يَرْتخي صمام الإحليل الخارجي، ويؤدِّي العصبان الفرجيَّان إلى تقلُّص عضلات قاع الحوض والعَضلاتِ البصليَّة الكهفيَّة والإسكيَّة الكهفيَّة المحيطَة بالإحليلِ بشكلٍ نَظْمي، ممَّا يقود إلى القذف قَاذِفاً المَنِي قَسْراً خارجَ الإحليل.
= تُصاحِبُ النشوة القذف لدى الذَّكر عادةً، وهي تجربةٌ حسِّية ممتعة تُسْتَقْبَلُ في الدِّماغ؛ لكنَّ تلك النشوة قد تحصلُ من دون انتصابٍ أو قذف؛ وقد تَغيب (انظرْ ص...).
بَعْدَ القذف، يَفْقِدُ الرَّجُلُ الانتصاب، ويدخل في فترة حِران (اِسْتِعْصاء) لا يمكن أن يحصلَ خلالها تورَّمٌ قَضيبـي؛ ثمَّ يَعودُ الرَّجُلُ من جديد قادراً على إحراز انتصابٍ شَديد خلال بضع دقائق أو ساعات أو أيَّام حسب عمره وحسب عوامل بَيُولوجيَّة ونفسيَّة اجتماعيَّة أخرى، مع تجدُّد التَّنْبيهِ الجِنْسي.
القذف الباكِر (المُبْتَسَر)
إذا أَرْجعنا تَوْقيتَ القذف قروناً إلى الوَراء، نجد أنَّ الكتيِّبَ الجِنْسي الهندوسي القَديم كاما سوترا والمَرْجِعَ الصِّيني الصِّادِر عام 1637 م والمسمَّى ييزونغ بِيدو (مبادِئ المواضيع الطبِّية) يُشَدِّدان على أهمِّية تَأْخيرِ القذف في الوقاية من الإِحْباط الجِنْسي وبلوغ "التَّوازُن الجِنْسي" بينَ الرَّجُل والمرأة. وفي العام 1887 م، ذَكر أحدُ الأطبَّاء أوَّلَ حالةٍ للقذف الباكر في الأدبِ الطبِّي الغربي. وقد اشتملت المقترحاتُ السببيَّة اللاحقة لهذه الحالات على العُصَاب والاضطراب النَّفْسي الجسدي وخَلل الأداء العَصبي البَيُولوجي.
لقد رَكَّزَتْ نظريَّةُ التَّحْليل النَّفْسي في القرن العشرين حَوْلَ القذف الباكر على أشكال الصِّراع اللاواعي لدى الذكر حول المرأة. أمَّا النَّظريةُ الجسدية من جهةٍ أخرى فقد شَدَّدت على الخصائص التَّشْريحية، مثل فَرْط الحس (زيادة حساسية حشفة القضيب) أو القُلْفَة القصيرة (الجِلْدَة التي تُسْتَأْصَلُ خلال الختان) أو الآفات المرضيَّة في الإحليل أو قرب الأُكَيْمَة المَنَوِيَّة (عُرْفٌ بارز في الإحليل يحتوي على فتحتي القَناتين الدَّافقتين)؛ ونتيجةً لذلك، عُولجَ القذف الباكر بمرهم مخدِّر موضعي وبالكيِّ الكهربائي (الكي بتيارٍ كهربائي). وما بين عام 1950 حتَّى أوائل التِّسْعينيَّات من القرن الماضي، كانت نظريَّةُ "السُّلوك المُتَعَلَّم" بحسب ماسترز وجونسون هي التَّفْسير الأكثر قَبولاً لحدوثِ القذف الباكر؛ وهي تَرَى أنَّ المجانسة في المقاعدِ الخلفية للسيَّارات مثلاً أو بسببِ الخوف من الحمل تُؤَدِّي إلى اكتسابِ عادة القذف السَّريع، وتصبح مقترنةً بقَلقِ الأداء.
لقد جاءَتْ تِسْعينيَّاتُ القرن الماضي بتغيُّراتٍ مثيرة في فَهْمِ الآليَّات العصبية الوعائية التي تقفُ وراءَ الاستجابة الجِنْسيَّة البشرية، كما أوضحَ العلماءُ أكثر فأكثر تأثيراتِ النَّوَاقِل العصبيَّة الدِّماغية في الانتصابِ والقذف وأهميَّة الجهاز الودَّي القطني العجزي في التَّحَكُّم بعملية القذف. وقد أدَّتْ ملاحظةُ حصول القذف المتأخِّر صُدْفةً كتأثيرٍ جانبي لبَعْض مضادَّات الاكتئاب إلى المساهمةِ في تَحْسين فَهْمنا للأُسُسِ العَّصبية للقذف، وتَحْسين المعالجة الدَّوائية للقذف الباكر.
وبالرغم من هذا التَّقدُّمِ السَّريع، لا تَزالُ الفيزيولوجيا المرضيَّة لقذف الباكر غير معروفة، فقد تمثِّلُ مشاركةً أو تَوْليفةً لبَعْضِ العوامل الجسديَّة، مثل مركز القذف الشاذ المتواسَط بالسِّيروتونين في الدِّماغ والتهاب الإحليل أو البروستات ومعاقرة المخدِّرات والعجز في تحقيق الانتصاب عندَ مريض يحاول جاهداً تحقيق الانتصاب بعوامل مثيرة. وهناك دراسةٌ حَديثة طرحها الدُّكْتور وَالدِينغ وزملاؤه (2005)، عزا فيها القذف الباكر إلى نقص حساسيَّة مستقبلات 5 - هيدروكسي تِربْتامين 2 ج أو فَرْط حساسيَّة مستقبلات 5 - هيدروكسي تِربْتامين 1 أ في الدِّماغ، مع نَقْص تَرْكيز السِّيروتونين في الجهاز العصبي المركزي، ممَّا قد يؤدِّي - حسب اقتراحه - إلى انخفاضِ عَتبة القذف لدى الرَّجُل، الأمر الذي يَقود إلى قذف باكر، أو إلى رَفْعها فيَقود إلى قذف متأخِّر.
تشتملُ عواملُ الخطر المحتملة الأخرى لظُهورِ القذف الباكر على نقصِ الصِّحَّة العامَّة، والافتقار إلى الخِبْرَة الجِنْسيَّة، والمجانسة غير المتكرِّرة، والجهل بالاستجابةِ الجِنْسيَّة الفيزيولوجيَّة. وإذا أضفنا الاستجابةَ النَّفْسيَّة للقذف الباكر، مثل الضَّائقةِ النَّفْسية وفَقْدان الثقة، والاكتئاب، والارتباك، والقلق، وتجنُّب العَلاقات الجِنْسيَّة، والاستغراق المُفْرِط في الأداء الجِنْسي، فإنَّ ذلك يؤدِّي إلى إزمان الحالة وتفاقمها، مثلما شدَّدَ على ذلك الدُّكْتور ستانلي أَلْثوف في المؤتمرِ السَّنوي لرابطةِ أطبَّاء المسالك البولية الأميركيَّة عام 2006.
تَعاريف
لقد اقتُرْحَتْ عِدَّةُ تعاريف للقذف الباكر، بما في ذلك القذف قبل أو خلال 30 ثانية أو دَقيقة واحدة أو دَقيقتين من الإيلاج، لكنَّ هذه المعاييرَ لم تَلْقَ قَبولاً عالميَّاً. ولقد تبنَّى المجتمعُ الطبِّي بوجهٍ عام وَصْفَ الجمعيَّة النَّفْسية الأميركيَّة في الطَّبْعَة الرَّابعة للكُتَيِّبِ التَّشْخيصي والإحصائي للاضطراباتِ النفسيَّة (1994): "إنه قذف مستمر أو راجع بأقل تَنْبيهٍ جنسي قبلَ أو عند أو بَعْدَ قليلٍ من الإيلاج، وقبل أن تبرزَ رغبةُ الشَّخْص في ذلك... وينبغي أن يؤدِّي الاضطرابُ إلى ضائقةٍ واضحة أو صعوبة شخصيَّة... ولا يَكونُ القذف الباكر ناجماً عن التَّأْثيرات المباشرة لمادة ما (مثل الامتناعِ عن الأفيونات)".
بذلك، لا يشتملُ التَّعْريفُ السَّابِق على موضوعِ الوَقْت بين الإيلاج والقذف فقط (وهي القيمُ الطَّبيعية التي لا تزالُ محلَّ خلاف)، بل على التَّأْثير النفسي المخرِّب لهذه الحالة في نوعيَّةِ حياة الشخص المصاب وعلاقته بشريكته أيضاً. ويشبه هذا التعريفُ الذي اقترحتُه الجمعيَّةُ النَّفْسية الأميركيَّة عام 2004: "القذف الباكر هو قذف يحصل قبلَ أن يرغبَ الشخصُ به، سواءٌ قبلَ الإيلاج أو بعده بفترةٍ قصيرة، ممَّا يؤدِّي إلى ضائقةٍ لدى أحد الشَّريكين أو عند كليهما". وتتمثَّلُ الخيوطُ المشترَكَة في معظم تعاريف القذف الباكر في فَقْدِان التحكُّم بالقذف، وحصول القذف قبلَ الرغبة به، والضَّائقة النفسيَّة عندَ أحد الزَّوجين أو كليهما، ممَّا يقود إلى نقصِ الرِّضا الجِنْسي.
تؤدِّي المصطلحاتُ الشخصيَّة، مثل "بعد فترةٍ قصيرة" أو "قبلَ الرغبة به" - وللأسف - إلى التباسٍ في كَشْفِ القذف الباكر وتَدْبيره؛ ويَتعزَّزُ هذا الإبهامُ نتيجةَ غياب الإجماع على الوقت المستخدَم كمعيارٍ للتَّشْخيص، وهو يَتراوحُ في التَّقارير المنشورَة ما بين أقل من دَقيقَةٍ وَاحِدَة حتَّى سبع دقائق. ويبلغُ زَمْنُ القذف داخلَ المهبل (الزَّمَن الكلِّي للإيلاج المهبلي قَبْلَ القذف) 4 إلى 7 مع معدل متوسط حوالى 9 دقائق عادةً لدى الرِّجال الأصحَّاء. وفي دِراسَةٍ اشتملَتْ على 1346 رجلاً اشتكوا من "قذف سَريع"، حصلَ القذف لدى 63٪ منهم في أقل من 30 ثانية، ولدى 77٪ في أقل من 60 ثانية، ولدى 6٪ حتى قبلَ الإيلاج. كما يتفاوتُ الزَّمَنُ المتوقَّع للقذف بين الرِّجال باختلاف البلدان: 13.6 دقيقة في الولايات المتحدة، 9.9 دقيقة في المملكة المتحدة، 9.3 دقيقة في فرنسا، 6.9 دقيقة في ألمانيا؛ ولا تتفقُ هذه القيمُ المتوقَّعة دائماً مع المعاييرِ الطبِّية المقبولة نوعاً ما (بورست وزملاؤه 2005).
إنَّ التفاوتَ الوَاسِع في إدراك الزَّوْجين للقذف الباكر، أي أنَّ ما قد يراه أحدُ الأزواج قذفاً سَريعاً قد يراه زوجٌ آخر قذفاً طبيعياً، قادَ بعضَ الباحثين إلى تَعْريف القذف الباكر ليس بالدقائق الحقيقيَّة، بل "بحالةِ الإدراك التي تشتملُ على نَقْص الثقة أو الرِّضا الجِنْسي أو التوقُّعات غير المنطقيَّة (دين وزملاؤه 2005). وبما أنَّ الرجالَ الذين يَدْفُقونَ بسرعة ليسوا من مجموعة متجانسَة، فإنَّ التعريفَ المثالي للقذف الباكر يجب أن يَضُمَّ قياساً موضوعياً لمدَّة القذف، وفَقْدان التحكُّم الإرادي بالقذف، ووجود اضطربٍ بين الشَّريكين بسَببه، وضائقةً واضحة لدى الرَّجُل أو الزَّوجين، مع استبعادِ العوامل المسببة مثل الامتناعِ عن الأفيونات.
الأَسْبابُ والعَوَامِل المساهِمَة
استناداً إلى المعطياتِ الصَّادِرَة عن المسح الوطني للحياة الصحيَّة والاجتماعية، لوحظ أنَّ معدَّلَ وُقوع القذف الباكر أعلى لدى الرِّجال من ذوي الصحَّة الضَّعيفة والرِّجال الذين يعانون من الكرب أو المشاكل العاطفيَّة. ويمكن تَعْريفُ القذف الباكر، مثله مثل العجز الجنسي بأنَّه أوَّلي، أي أنَّ الرجلَ مصابٌ به طوالَ حياته (مع أنَّه قد لا يعلمُ عن ذلك إلى حين البَدْء بالمجانسة)؛ أو ثانوي أي أنَّه حصلَ بَعْدَ فترةٍ من الأداء الجِنْسي الطَّبيعي. ويُعْزَى القذف الباكر الأوَّلي عادةً إلى شُذوذاتٍ في مستقبلات 5 - هيدروكسي تربْتُوفان في الدِّماغ؛ أمَّا القذف الباكر الثَّانوي فيَنْجمُ عادةً عن عواملَ نَفْسيَّة، وقد يَكونُ متصاحباً بعجز في تحقيق الانتصاب (شارليب 2006). ولكن الدِّراساتُ الحديثَة ترى أنَّ كلاًّ من القذف الباكر الأوَّلي والثانوي هما مشكلة معقَّدة ومتعدِّدة العَوامِل ذات مسببات جسديَّة، ونفسية، وسياقيَّة متشابكة.
تشتملُ الأسبابُ البَيولوجيَّة المُفْتَرَضَة الرَّئِيسيَّة للقذف الباكر على:
= اضطراب إِفْرَاز النَّوَاقِل العصبية الدِّماغية (لا سيَّما السِّيروتونين).
= فَرْط حساسيَّة الحَشَفة، وفَرْط استثاريَّة مُنْعَكَس القذف، وفَرْط التَّهيُّج الجِنْسي.
= ضَعْفُ الصحَّة.
= الاستعداد الوِراثي (يَكونُ القذف الباكر مُنْتَشِراً لدى بعض العائلات وأكثرَ شيوعاً بين أقارب الدَّرجة الأولى).
= العجز في تحقيق الانتصاب أو التهاب البروستات أو التهاب الإحليل أو اعتلالات الغدد الصُّم، مثل داء السكري.
= قُصُور الغُدَّة الدرقيَّة.
تشتملُ العَوَامِلُ النَّفْسِيَّة الرَّئيسية للقذف الباكر على:
= نَقْص الخبرَة الجِنْسيَّة.
= الكَرْب أو اضطرابات القلق.
= نَقْص تواتر المجانسة أو الامتناع الجِنْسي التَّام.
= الشُّعور بالذنب أو الخوف من الإخفاق أو الخلافات الشَّخصيَّة.
= التَّجارب الجِنْسيَّة الباكرة.
هناك عواملُ مسببة أخرى للقذف الباكر هي الخَوْف من الحمل أو من الأمراض الزُّهْريَّة، والتَّوجُّس من ضَعْف الأداء الجِنْسي، وعدم فعَّالية طرق التَّحَكُّم بالقذف، والإصابة النُّخاعية، والكحوليَّة، والفَهْم غير الكافي للاستجابةِ الجِنْسيَّة، والجراحة، وبَعْض الأدوية الموصوفَة، لا سيَّما بعض مضادَّات الذُّهان، ومضادَّات الاكتئاب، والمخدِّرات، ومضادَّات ارتفاع ضغط الدَّم، والمركِّنات، ومثبِّطات مُخْتَزِلَة 5 ألفا (التي تُعْطَى للضَّخامةِ البروستاتية غير السرطانيَّة). كما أنَّ القذف الباكر عرضٌ شائع للامتناع عن الأدوية التَّرفيهيَّة.
من المهمِّ ملاحظةُ أنَّ بعضَ المرضى المصابين بعجز في تحقيق الانتصاب يمكن أن ينتهي بهم الأمر بالقذف الباكر أيضاً، لأنَّ جهودَهم المكثَّفَة والمُفْرِطَة الحماسَة لتحقيق الانتصاب يمكن أن تؤدِّي إلى نشوة وقذف سَريعين. وبالمقابِل، يمكن أن يحصلَ لدى الرِّجال المصابين بالقذف الباكر عجز في تحقيق الانتصاب لاحقاً بسبب قلق الأداء المرتفع، والخَوْف من الإخفاق، والتَّفاعُل أو الاستجابَة السَّلْبيَّة من الشَّريكة، والاكتئاب أو الاضطرابات النَّفْسية الأخرى (انظرْ لاحقاً).
التَّأْثيراتُ الانفعاليَّة لدى الرَّجُل والزوجين
يَدَّعي بَعْضُ النَّاس أنَّ مَفْهومَ القذف "الباكِر" [أي "ابْتِسار" القذف] يُمَثِّلُ ببساطَةٍ عمليَّةً طبيعيَّةً وليس مشكلةً. وهُناك العَديدُ من الحَيَوانات، من بينها ملكُ الغابة، تقذف في غضون بضع ثوانٍ من الإيلاج. ولكنَّ ذلك يُتْبَع بسُرْعَةٍ بعدَّة مرَّات متلاحقَة من المجانسة، ويخدمُ هذا النَّموذجُ هدفَ الاستمرار والمحافظة على النَّوْع، لأنَّ الأسودَ تخشى هجومَ اللَّواحِم الأخرى إذا دخلت في مجانسة طويلة يمكن خلالها ألا يَكونَ الأسدُ قادراً على الدِّفاع عن نفسه؛ كما أنَّ الفِيَلةَ تقذف بسرعة عادةً، في غضون دقيقةٍ واحدة فقط. وبالنِّسْبَة إلى الكائنات البشرية، قد يَكون القذف السَّريع مخرِّباً نفسيَّاً، لا سيَّما إذا كانَ الرَّجُلُ مهتمَّاً برضا شَريكته الجِنْسيَّة، أو كانت شريكتُه تعاني وتشكو من الحرمانِ من الإشباع الجِنْسي. وتُعَدُّ حلقةُ الاستجابة الجِنْسيَّة لدى المرأة عادةً أبطأ ممَّا هي عليه لدى شَريكها الذَّكر، وقد تستغرقُ 10 - 20 دقيقة حتى تبلغَ النشوة بالمقارنةِ مع 4 إلى 10 دقائق لدى الرَّجُل.
لكن - وللأسف - لا تزالُ النِّساءُ في أجزاء مختلفة من العالم تتقبَّلنَ دورهنَّ التَّقْليدي "كمقدِّمات للمتعَة" لدى الرِّجال، من دون أيِّ اعتبار لرضاهنَّ الجِنْسي الخاص ومن دون أن تكونَ لديهنَّ الشّجاعة أو حتَّى الحق أحياناً في الشَّكْوَى أو الاعتراض. ومثلما أُخْبِرْتُ مرَّةً من أحد مريضاتي في الشَّرْق الأوسط التي لم تشعرْ مرَّةً بالنشوة "أشعرُ كأنَّني صرَّاف آلي؛ فزَوْجي يُدْخِل بطاقتَه (قضيبَه) في الشقِّ، ويحصل على نقوده (النشوة) ويقولُ وداعاً وشُكْراً لكي... ويحصلُ كلُّ ذلك في غضون 2 - 3 دقائق... فالأسرعُ هو الأفضل!"؛ فبالنِّسْبةِ إلى هذا النَّوْع من الرِّجال، لا يُشَكِّلُ القذف الباكر مشكلةً ما دام باستطاعتهم الحصولُ على متعتهم الخاصَّة؛ أمَّا بالنِّسبةِ إلى عَددٍ كَبير من النِّساء اللواتي لا يُبْدينَ اهتماماً بالجِنْس، فلا قيمةَ للقذف الباكر.
لكن بالنِّسبةِ إلى معظم الرِّجال والنِّساء الذين يرغبونَ بالاشتراكِ في المُتْعَة الجِنْسيَّة ويبحثون عن الرِّضا الجِنْسي المتبادَل، يمكن أن يؤدِّي القذف الباكر إلى اضطراباتٍ انفعاليَّة مدمِّرة. هذا، ويعاني المريضُ المصاب بالقذف الباكر غالباً من القلقِ حَوْلَ الجِنْس، ونَقْص الاعتداد بالذَّات، ومشاعر الدُّونِيَّة، والاكتئاب، والإحساس بالإِخْفاق، والخجل، والارتباك من العَجْز عن إرضاءِ الشَّريكة. وقد تؤثِّرُ هذه المشاعرُ السَّلبية في الشُّعور البَارِز بالرُّجولة، وتؤدِّي إلى إجهادِ العَلاقَة.
تشتملُ التَّفاعلاتُ أو الاِسْتِجاباتُ النَّفْسية الأخرى على الخَيْبَة، والغَضب، والرِّيبَة، والغَيْرَة، والذَّنب، والفَهْم الخاطئ للشَّريكة عن أنَّ الرَّجُلَ المصاب هو أناني. وقد ينجمُ عن ذلك، لدى كلا الشَّريكين، فَقْدُان الرِّضا بالمجانسة وظهورُ أعذارٍ كثيرة لتجنُّبِ التَّوَاصُل أو الاتِّصال الجِنْسي، وصعوبة الشُّروع في العلاقات أو المحافظة عليها. وقد ينتهي الأمرُ بالرَّجُل في نهايةِ المطاف إلى تجنُّبِ الجِنْس تماماً أو الإصابة بعجز في تحقيق الانتصاب، في حين قد تحصلُ لدى المرأة - نتيجةً لذلك - صعوباتٌ جِنْسِيَّة خاصَّة بها. ويكونُ ثمنُ القذف الباكر في معظمِ الحالات هو النِّهاية المفاجئة للإلفة، كما قد يؤدِّي إلى الزِّنا أو الطَّلاق.
خَبَرٌ عاجِل: إِدْراك الشَّريكين للقذف الباكِر (المُبْتَسَر)
يمكن أن تختلفَ معرفةُ أو إدراك وجود القذف الباكر أو غيابه ما بينَ الرَّجُلِ وشَريكته الجنسيَّة؛ ففي دراسةٍ حَديثة (باتريك وزملاؤه 2006)، كانت المَقاييسُ الذَّاتِيَّة للتَّحكُّم بالقذف، والضَّائِقَة العامَّة، والإِشْباع الجِنْسي، والصُّعوبَة الشَّخْصِيَّة أَسْوَءَ بشكلٍ مُثير للدَّهْشَةِ في الأَزْوَاجِ الذين لديهم قذف باكر منها في الأَزْوَاج الذين ليسَ لديهم قذف باكر؛ وقد سَجَّلَتْ الإناثُ في كلتا المجموعتين إدراكاً أَفْضل لتحكُّمِ الذكر ومستويات أقل للضَّائقة من الرِّجال، مع معدَّلات رضا متماثلة في كلا الشَّريكين. وفي مَسْحٍ آخر لشَريكات من الإناثِ لذُّكور يعانون من القذف الباكر (رُوزِنْبيرغ وزملاؤه 2006)، فيما يتعلَّقُ بانتشارِ هذه الحالةِ ودَرَجَة الرِّضا الجِنْسي لديهن، سَجَّلنَ حصولَ نقصٍ في الرِّضا الجِنْسي لدى نحو 23٪ من الحالات، ولكن أظهرَ نحو 65٪ من هؤلاء النِّساء اهتماماً بالمعالجةِ.
التَّشْخيص
يمكن وَضْعُ تَشْخيصٍ دقيق، مُعْتَمِد على تَحْليل دَقيق للعَوَامِل المختلفَة التي قد تُساهِمُ في القذف الباكر، بأخذِ قصَّةٍ مرضيَّة وجِنْسِيَّة مفصَّلة عادةً، يَتلوها إجراءُ فحصٍ سَريري صَحيح، كما هو مُفصَّل في الفصل السابع. وعِنْدَ الاِشْتِباه بالقذف الباكر، تَكونُّ أهمُّ أَوْجُه القصَّة الجِنْسِيَّة هي الفترة الزَّمنية المقدَّرَة داخلَ المهبل قَبْلَ القذف ومدَّة المشكلة ومنشأها، سواءٌ أكانت هناك أيَّةُ صعوبةٍ في إحراز الانتصاب أو المحافظة عليه، ودرجة الرَّغبة الجِنْسيَّة وتواتُر القذف السَّريع وتأثيره في الرَّجُل والزَّوْجين. كما يفيدُ في بلوغ التَّشْخيص الدَّقيق طرحُ أسئلةٍ إضافيَّة عن الجودة الحالية للانتصاب ومدَّته، والتَّحَكُّم بالقذف، والرِّضا الجِنْسي عِنْدَ الزَّوْجين، وتواتُر المجانسة، وقصَّة التهاب البروستات، وحدوث الألم عِنْدَ أيٍّ من الشَّريكين أثناء المجانسة أو بعدها. وينبغي أن تركِّزَ الأسئلةُ الإضافية على درجةِ الرِّضا الجِنْسي، ومستوى الضَّائِقَة لدى كلا الشَّريكين، فضلاً عن رغبتهما وسعيهما إلى تَصْحيح هذه المشكلَة. ولذلك، يجب على الطَّبيب أن يقومَ بجميعِ هذه الاستفسارات بشكلٍ شامل ودقيق جدّاً. ويَكونُ لأخذِ القصَّة الطبية الشاملة، فيما يتعلَّقُ بالأمراض، والجراحات السَّابِقَة، والأدوية، ومعاقرة المخدِّرات، أو الكحول - فَضْلاً عن القصَّة الزواجيَّة والعائلية من حيث العلاقاتُ، والتَّأْثيراتُ الدِّينيَّة، والمعرفة، والخبرَة الجِنْسيَّة، والمعالجات السَّابقة، ومواقف والدَيْ المريض تجاه الجِنْس - قيمةٌ مساعِدَة كبيرَة في اكتشافِ الأسباب البيولوجيَّة أو النَّفْسِيَّة المحتملة للقذف الباكر. وتشتملُ القصَّةُ الجِنْسيَّة على التَّجارب الجِنْسيَّة الباكرة، فَضْلاً عن الممارساتِ الجِنْسيَّة السابقة والرَّاهنة، بما في ذلك التَّجارب الجِنْسيَّة الاِسْتِمْنائيَّة، والمِثْليَّة، والأَوْهام حَوْلَ الجِنْسانيَّة، والتَّثْقيف، والمعرفَة الجِنْسيَّة وأيَّة تجارب جِنْسِيَّة سلبيَّة.
سَعْياً وراءَ المعالجَة الفعَّالة، يكونُ التَّمْييزُ بينَ القذف الباكر والعجز في تحقيق الانتصاب أو المحافظة عليه هامَّاً للغاية، لأنَّ كلتا الحالتين يمكن أن تحدثا معاً أو قد تختلطان لدى المريض نفسِه؛ فبعضُ الرِّجال الذين يعانون من القذف الباكر، مثلاً، يمكن أن يرَوْا خطأً أنَّ فقدَان الانتصاب بَعْدَ القذف السَّريع يمثِّلُ عجزاً في تحقيق الانتصابِ، وينبغي على الطَّبيب أن يسألَ المريضَ بدقَّةٍ لتَحْديد ما إذا كانَ القذف أو الشُّعور به يحصل قبلَ فَقْدان الانتصاب أم لا، ممَّا يدعم تشخيصَ القذف الباكر.
يَرْفُضُ - وللأسف - نحو 90٪ من الرِّجال الذين يعانون من اضطرابِ القذف الإدلاءَ بأيَّة معلوماتٍ عنه، ما لم يصرَّ الطَّبيبُ على ذلك بوضوح؛ ومع ذلك، لا يَتقبَّلُ معظمُهم أيَّ استقصاءٍ أو معالجة له. وتشتملُ أسبابُ هذا التمنُّعُ الإرادي على الوصمةِ الجِنْسيَّة، والإِحْراج، والخجل، والممانعة في مناقشةِ المشاكل الجِنْسيَّة والخاصَّة، والمعتقدات الخاطئَة بأنَّ القذف الباكر هو أمر مؤقَّت قد يزولُ تلقائيَّاً من نفسه، لأنَّ جميعَ حالات القذف الباكر - كما يرونَ - نفسيَّة ولا توجدُ معالجةٌ ناجحة لها. ويتجاهل بعضُ الرِّجال المصابين الرغبات والحاجات الجِنْسيَّة لدى الشَّريكة؛ ويحتج بعضُهم الآخر بأنَّه لا يوجدُ ما يدعو إلى القلق، لأنَّ شريكتَهم لا تشكو أو لأنَّها قد تكونُ قادرةً على بلوغِ النشوة بنفسها في غضون دقائقَ قليلةٍ.
يجب أن يُركِّزَ الفحصُ الجسدي على علاماتِ المرض المزمن، وخَلَل الوَظيفَة الغدِّية الصمَّاويَّة، والخصائص الجِنْسيَّة الثانوية، والتَّقْييم العصبي، وجس الخصيتين والقَضيب بحثاً عن أيَّة تشوُّهات. كما أنَّ فحصَ صَدْر الرَّجُل بحثاً عن الثُّنْدُؤَة (تضخُّم الثدي)، والإحليل بحثاً عن التهاب الإحليل، والبروستات بحثاً عن العَدْوَى إجراءاتٌ هامَّة لاكتشافِ العَوَامِل المسببة المحتملة.
خياراتُ المُعالَجَة
مما يَدْعو للأسف تماماً أنَّه بالرغم من توفُّر المعالجات الفعَّالة، لا يسعى إلى المساعدةِ الطبية أو قَبول المعالجة سوى 12٪ تقريباً من الرِّجال المصابين بالقذف الباكر. ويميل معظمُهم إمَّا إلى تجاهلِ حالتهم، أو استعمال طرقٍ غير ناجحة عادةً يتعلَّمونها من أنفسهم للتَّعامُل مع مشكلتهم. ومن أكثر الطُّرُق المستعمَلَة شُيُوعاً الاستمناءُ قَبْلَ الممارسَة الجِنْسيَّة، ممَّا قد يؤخِّر القذف اللاحق في بعض الحالات، لكن مع وجود أخطاء، لا سيَّما لدى الرِّجال المسنِّين، حيث تكونُ فترةُ الحِران طويلةً قَبْلَ إحراز انتصابٍ آخر. وهناك طرقٌ أخرى تشتملُ على الشُّرود الذهني خلال الممارسةِ الجِنْسيَّة، وارتداء عدَّة عَوازِل ذكريَّة لإنقاص حساسيَّة الحشفة، والدَّفْع بقوَّة وسرعة أكبر في محاولةٍ لتسريع بلوغ النشوة لدى الشَّريكة، ورش أو إِرْذاذ مخدِّر على الحشفة، واستعمال مراهم إزالة التَّحسُّس المصروفَة من دون وصفة (المصنَّعَة من الأعشاب الصينيَّة أو الكوريَّة). تَكون معظمُ هذه الطُّرُق - وللأسف - محكومةً بالإخفاق، لأنَّ إدراكَ الأحاسيس الجِنْسيَّة ضروريٌ للتَّحكُّم بالقذف؛ فالمفتاحُ هو التَّحَكُّمُ الذي يمكن إنجازُه بالمعالجاتِ السلوكيَّة أو الدَّوائيَّة أو غير الدَّوائية أو الموضعيَّة أو الميكانيكيَّة.
إنَّ الهدفَ الرَّئيسي للمعالجةِ هو مساعدة الزَّوْجين على بلوغ الرِّضا الانفعالي والجِنْسي خلال الفِعْل الجِنْسي، وبلوغ الإشباع الجسدي، والشَّخْصي، والعاطفي. وينبغي ألاَّ تركِّزَ أيَّةُ معالجة على الرَّجُل فقط، بل على شَريكته وعمليَّة المجانسة بينهما أيضاً. ولا يكفي أن نُعَلِّمَ الرَّجُلَ التَّمارينَ السُّلوكيَّة أو نعالجه بالأدوية، من دون الأخذ بعين الاعتبار مختلفَ أوجه علاقتِه بشَريكته وتأثير بَعْض أوجه سلوكهما الجِنْسي في القذف الباكر لديه. ويمكن - في بعض الأحيان - أن يؤدِّي الاستعلامُ الدَّقيق عن نَقْص الرَّغْبَة الجِنْسيَّة أو عدم الاهتمام بالجِنْس لدى الزوجة إلى إظهار رضاها بالقذف السَّريع للرَّجُل، وعدم اهتمامها الكامل أو حتَّى رفضها لأيِّ نمطٍ من المعالجة.
يَنْبَغي ألاَّ يأخذَ تَقْديمُ أيَّةِ معالجةٍ للقذف الباكر الكفاءةَ فقط بعين الاعتبار، بل السَّلامَة والمخاطر المحتملة والفوائد، والتي ينبغي أن يفهمَها المريضُ قبلَ القَبول بها. هذا، وتشتمل الخياراتُ العلاجيَّة الرَّاهِنَة على المعالجةِ السُّلوكيَّة والنَّفْسِيَّة والدَّوائية. ويختارُ معظمُ الرِّجال الذين يعانون من القذف الباكر، إذا مُنْحوا الفرصةَ، المعالجةَ الدَّوائيَّة كخيارٍ أوَّل لهم. ولكن ينبغي التَّأْكيدُ بأنَّ أيَّةَ معالجة دوائية، سواء كانت عبر الفم أو موضوعية، يجب أن تَبْدَأَ وتُتابَعَ تحت إشرافٍ طبِّي صارم وخبير للوقايةِ من حُدوث تأثيراتٍ جانبية خطيرة.
لا يَسْعَى، إلى طَلْبِ المساعدةِ الطبِّية، سوى 10٪ تقريباً من الرِّجال الذين يعانون من القذف الباكِر؛ لكنَّ معدَّلَ الانتشار الحقيقي - كما يَبْدو - أعلى من ذلك بكثير، لا سيَّما أنَّ الكثيرَ من الرِّجال يَجْدونَ صعوبةً في مناقشةِ المسائل الجِنْسِيَّة (حتَّى مع أطبَّائهم) بسبب الإِحْراج، أو اللامبالاة، أو الجَهْل. وقد لا يبالي الرِّجالُ في العَديد من البلدان، لا سيَّما في بَعْضِ أجزاء أفريقيا، والشَّرْق الأوسط، والشَّرْق الأقصى ما إذا كانَ القذف سريعاً أم لا. يَكونُ حصولُهم على الإشباع الجنسي والرِّضا هو الغاية فقط، لذلك يرون أنَّ القذف السَّريع أمرٌ طبيعي تماماً، ولا ضرورةَ لمعالجته.
فيزيولوجية القذف
تُعَدُّ فيزيولوجية القذف الطَّبيعي استجابةً انعكاسيَّة معقَّدة للتَّنْبيه العَصبي البَيولوجي والعصبي الكيميائي الحيوي. وكما شرحنا بالتَّفْصيل في الفصل الرابع، يحصلُ التَّنْظيمُ العصبي للاستجابةِ الجِنْسِيَّة البشرية لدى الذَّكر في الدِّماغ وفي القِطَع الأمامية القطنية والعجزيَّة من النُّخاع الشَّوْكي. ويُساهِمُ النَّاقلان العَصَبيان الدُّوبامين والسِّيروتونين بدورٍ هام ورئيسي في التَّحَكُّمِ بمَنْعَكس القذف. ويُعَدُّ السِّيروتونين، الذي يؤثِّر في مستقبلات 5 - هِيدروكسي تريبتامين، النَّاقِلَ العَصبي الرَّئيسي الذي يثبِّط القذف؛ ويَتَّفِقُ مستوى السِّيروتونين في الدِّماغ عادةً مع كُمون القذف لدى الرَّجُل. كما أنَّ العصبوناتِ التي تَتحكَّمُ بها موادُ كيميائية أخرى، مثل الأَدْرينالين، والأَسيتيل كولين، والأُوكسيتوسين، وحمض الأَمينوبوتريك، تُساهِمُ في عمليَّةِ القذف أيضاً.
بَعْدَ حُصولِ التَّهيُّجِ الجِنْسي الأقصى والانتصاب الكامل لدى الذَّكَر، ومع استمرارِ التَّنْبيه الجِنْسي، يُتوَّج التَّسلسُلُ السَّريع اللاحِق للأحداث بالقذف:
= تَقومُ الأحاسيسُ الجِنْسيَّة المتلقَّاة في الوِطاء داخل الدِّماغ والتَّنْبيه القَضيبي المُبْهِج بإرسال إشاراتٍ إلى الأَعْمِدَة الودِّية الدَّاخلية الإنسية الوَحْشِيَّة في العمودِ النُّخاعي الصَّدْري والقطني عند مستوى الفَقرات الظَّهريَّة العاشرة حتى القطنيَّة الثانية بواسطةِ الأعصاب الفَّرْجية، والظهرية، والحَبْل النُّخاعي العَجزي.
= تُنْقَلُ الإشاراتُ الواردة (العائدة) من النُّخاع الشَّوْكي إلى الضَّفيرة الحوضيَّة بواسطة الأعصاب الخثليَّة والحوضيَّة في الحوض.
= تُنَبِّهُ هذه الإشاراتِ عصبوناتٍ تُسَمَّى مستقبلات ألفا الأدرنرجيَّة (الأدريناليَّة الفِعْل) بهدف تَقْليص البَرْبخ، والأَسْهَر، والحُوَيْصلتين المنويتين، والبروستات ممَّا يؤدِّي إلى قَذْف مفرزاتها في الإحليل الخلفي بَعْدَ انغلاق عنق المثانة (مَخْرج المثانة) وصمام الإحليل الخارجي. ويؤدِّي هذا التَّمدُّدُ المفاجئ في الإحليل الخلفي إلى جَعْلِ القذف حتميَّاً.
= يُرْسِل المركزُ الجِنْسي في النُّخاع العَجزي (الأعصاب العَجزيَّة من الثانِي إلى الرَّابع على وجه الخصوص) [يُدْعَى نواةَ أُنُوف] إشاراتٍ ودِّيَّةً إضافية؛ ونتيجةً لذلك، يَرْتخي صمام الإحليل الخارجي، ويؤدِّي العصبان الفرجيَّان إلى تقلُّص عضلات قاع الحوض والعَضلاتِ البصليَّة الكهفيَّة والإسكيَّة الكهفيَّة المحيطَة بالإحليلِ بشكلٍ نَظْمي، ممَّا يقود إلى القذف قَاذِفاً المَنِي قَسْراً خارجَ الإحليل.
= تُصاحِبُ النشوة القذف لدى الذَّكر عادةً، وهي تجربةٌ حسِّية ممتعة تُسْتَقْبَلُ في الدِّماغ؛ لكنَّ تلك النشوة قد تحصلُ من دون انتصابٍ أو قذف؛ وقد تَغيب (انظرْ ص...).
بَعْدَ القذف، يَفْقِدُ الرَّجُلُ الانتصاب، ويدخل في فترة حِران (اِسْتِعْصاء) لا يمكن أن يحصلَ خلالها تورَّمٌ قَضيبـي؛ ثمَّ يَعودُ الرَّجُلُ من جديد قادراً على إحراز انتصابٍ شَديد خلال بضع دقائق أو ساعات أو أيَّام حسب عمره وحسب عوامل بَيُولوجيَّة ونفسيَّة اجتماعيَّة أخرى، مع تجدُّد التَّنْبيهِ الجِنْسي.
القذف الباكِر (المُبْتَسَر)
إذا أَرْجعنا تَوْقيتَ القذف قروناً إلى الوَراء، نجد أنَّ الكتيِّبَ الجِنْسي الهندوسي القَديم كاما سوترا والمَرْجِعَ الصِّيني الصِّادِر عام 1637 م والمسمَّى ييزونغ بِيدو (مبادِئ المواضيع الطبِّية) يُشَدِّدان على أهمِّية تَأْخيرِ القذف في الوقاية من الإِحْباط الجِنْسي وبلوغ "التَّوازُن الجِنْسي" بينَ الرَّجُل والمرأة. وفي العام 1887 م، ذَكر أحدُ الأطبَّاء أوَّلَ حالةٍ للقذف الباكر في الأدبِ الطبِّي الغربي. وقد اشتملت المقترحاتُ السببيَّة اللاحقة لهذه الحالات على العُصَاب والاضطراب النَّفْسي الجسدي وخَلل الأداء العَصبي البَيُولوجي.
لقد رَكَّزَتْ نظريَّةُ التَّحْليل النَّفْسي في القرن العشرين حَوْلَ القذف الباكر على أشكال الصِّراع اللاواعي لدى الذكر حول المرأة. أمَّا النَّظريةُ الجسدية من جهةٍ أخرى فقد شَدَّدت على الخصائص التَّشْريحية، مثل فَرْط الحس (زيادة حساسية حشفة القضيب) أو القُلْفَة القصيرة (الجِلْدَة التي تُسْتَأْصَلُ خلال الختان) أو الآفات المرضيَّة في الإحليل أو قرب الأُكَيْمَة المَنَوِيَّة (عُرْفٌ بارز في الإحليل يحتوي على فتحتي القَناتين الدَّافقتين)؛ ونتيجةً لذلك، عُولجَ القذف الباكر بمرهم مخدِّر موضعي وبالكيِّ الكهربائي (الكي بتيارٍ كهربائي). وما بين عام 1950 حتَّى أوائل التِّسْعينيَّات من القرن الماضي، كانت نظريَّةُ "السُّلوك المُتَعَلَّم" بحسب ماسترز وجونسون هي التَّفْسير الأكثر قَبولاً لحدوثِ القذف الباكر؛ وهي تَرَى أنَّ المجانسة في المقاعدِ الخلفية للسيَّارات مثلاً أو بسببِ الخوف من الحمل تُؤَدِّي إلى اكتسابِ عادة القذف السَّريع، وتصبح مقترنةً بقَلقِ الأداء.
لقد جاءَتْ تِسْعينيَّاتُ القرن الماضي بتغيُّراتٍ مثيرة في فَهْمِ الآليَّات العصبية الوعائية التي تقفُ وراءَ الاستجابة الجِنْسيَّة البشرية، كما أوضحَ العلماءُ أكثر فأكثر تأثيراتِ النَّوَاقِل العصبيَّة الدِّماغية في الانتصابِ والقذف وأهميَّة الجهاز الودَّي القطني العجزي في التَّحَكُّم بعملية القذف. وقد أدَّتْ ملاحظةُ حصول القذف المتأخِّر صُدْفةً كتأثيرٍ جانبي لبَعْض مضادَّات الاكتئاب إلى المساهمةِ في تَحْسين فَهْمنا للأُسُسِ العَّصبية للقذف، وتَحْسين المعالجة الدَّوائية للقذف الباكر.
وبالرغم من هذا التَّقدُّمِ السَّريع، لا تَزالُ الفيزيولوجيا المرضيَّة لقذف الباكر غير معروفة، فقد تمثِّلُ مشاركةً أو تَوْليفةً لبَعْضِ العوامل الجسديَّة، مثل مركز القذف الشاذ المتواسَط بالسِّيروتونين في الدِّماغ والتهاب الإحليل أو البروستات ومعاقرة المخدِّرات والعجز في تحقيق الانتصاب عندَ مريض يحاول جاهداً تحقيق الانتصاب بعوامل مثيرة. وهناك دراسةٌ حَديثة طرحها الدُّكْتور وَالدِينغ وزملاؤه (2005)، عزا فيها القذف الباكر إلى نقص حساسيَّة مستقبلات 5 - هيدروكسي تِربْتامين 2 ج أو فَرْط حساسيَّة مستقبلات 5 - هيدروكسي تِربْتامين 1 أ في الدِّماغ، مع نَقْص تَرْكيز السِّيروتونين في الجهاز العصبي المركزي، ممَّا قد يؤدِّي - حسب اقتراحه - إلى انخفاضِ عَتبة القذف لدى الرَّجُل، الأمر الذي يَقود إلى قذف باكر، أو إلى رَفْعها فيَقود إلى قذف متأخِّر.
تشتملُ عواملُ الخطر المحتملة الأخرى لظُهورِ القذف الباكر على نقصِ الصِّحَّة العامَّة، والافتقار إلى الخِبْرَة الجِنْسيَّة، والمجانسة غير المتكرِّرة، والجهل بالاستجابةِ الجِنْسيَّة الفيزيولوجيَّة. وإذا أضفنا الاستجابةَ النَّفْسيَّة للقذف الباكر، مثل الضَّائقةِ النَّفْسية وفَقْدان الثقة، والاكتئاب، والارتباك، والقلق، وتجنُّب العَلاقات الجِنْسيَّة، والاستغراق المُفْرِط في الأداء الجِنْسي، فإنَّ ذلك يؤدِّي إلى إزمان الحالة وتفاقمها، مثلما شدَّدَ على ذلك الدُّكْتور ستانلي أَلْثوف في المؤتمرِ السَّنوي لرابطةِ أطبَّاء المسالك البولية الأميركيَّة عام 2006.
تَعاريف
لقد اقتُرْحَتْ عِدَّةُ تعاريف للقذف الباكر، بما في ذلك القذف قبل أو خلال 30 ثانية أو دَقيقة واحدة أو دَقيقتين من الإيلاج، لكنَّ هذه المعاييرَ لم تَلْقَ قَبولاً عالميَّاً. ولقد تبنَّى المجتمعُ الطبِّي بوجهٍ عام وَصْفَ الجمعيَّة النَّفْسية الأميركيَّة في الطَّبْعَة الرَّابعة للكُتَيِّبِ التَّشْخيصي والإحصائي للاضطراباتِ النفسيَّة (1994): "إنه قذف مستمر أو راجع بأقل تَنْبيهٍ جنسي قبلَ أو عند أو بَعْدَ قليلٍ من الإيلاج، وقبل أن تبرزَ رغبةُ الشَّخْص في ذلك... وينبغي أن يؤدِّي الاضطرابُ إلى ضائقةٍ واضحة أو صعوبة شخصيَّة... ولا يَكونُ القذف الباكر ناجماً عن التَّأْثيرات المباشرة لمادة ما (مثل الامتناعِ عن الأفيونات)".
بذلك، لا يشتملُ التَّعْريفُ السَّابِق على موضوعِ الوَقْت بين الإيلاج والقذف فقط (وهي القيمُ الطَّبيعية التي لا تزالُ محلَّ خلاف)، بل على التَّأْثير النفسي المخرِّب لهذه الحالة في نوعيَّةِ حياة الشخص المصاب وعلاقته بشريكته أيضاً. ويشبه هذا التعريفُ الذي اقترحتُه الجمعيَّةُ النَّفْسية الأميركيَّة عام 2004: "القذف الباكر هو قذف يحصل قبلَ أن يرغبَ الشخصُ به، سواءٌ قبلَ الإيلاج أو بعده بفترةٍ قصيرة، ممَّا يؤدِّي إلى ضائقةٍ لدى أحد الشَّريكين أو عند كليهما". وتتمثَّلُ الخيوطُ المشترَكَة في معظم تعاريف القذف الباكر في فَقْدِان التحكُّم بالقذف، وحصول القذف قبلَ الرغبة به، والضَّائقة النفسيَّة عندَ أحد الزَّوجين أو كليهما، ممَّا يقود إلى نقصِ الرِّضا الجِنْسي.
تؤدِّي المصطلحاتُ الشخصيَّة، مثل "بعد فترةٍ قصيرة" أو "قبلَ الرغبة به" - وللأسف - إلى التباسٍ في كَشْفِ القذف الباكر وتَدْبيره؛ ويَتعزَّزُ هذا الإبهامُ نتيجةَ غياب الإجماع على الوقت المستخدَم كمعيارٍ للتَّشْخيص، وهو يَتراوحُ في التَّقارير المنشورَة ما بين أقل من دَقيقَةٍ وَاحِدَة حتَّى سبع دقائق. ويبلغُ زَمْنُ القذف داخلَ المهبل (الزَّمَن الكلِّي للإيلاج المهبلي قَبْلَ القذف) 4 إلى 7 مع معدل متوسط حوالى 9 دقائق عادةً لدى الرِّجال الأصحَّاء. وفي دِراسَةٍ اشتملَتْ على 1346 رجلاً اشتكوا من "قذف سَريع"، حصلَ القذف لدى 63٪ منهم في أقل من 30 ثانية، ولدى 77٪ في أقل من 60 ثانية، ولدى 6٪ حتى قبلَ الإيلاج. كما يتفاوتُ الزَّمَنُ المتوقَّع للقذف بين الرِّجال باختلاف البلدان: 13.6 دقيقة في الولايات المتحدة، 9.9 دقيقة في المملكة المتحدة، 9.3 دقيقة في فرنسا، 6.9 دقيقة في ألمانيا؛ ولا تتفقُ هذه القيمُ المتوقَّعة دائماً مع المعاييرِ الطبِّية المقبولة نوعاً ما (بورست وزملاؤه 2005).
إنَّ التفاوتَ الوَاسِع في إدراك الزَّوْجين للقذف الباكر، أي أنَّ ما قد يراه أحدُ الأزواج قذفاً سَريعاً قد يراه زوجٌ آخر قذفاً طبيعياً، قادَ بعضَ الباحثين إلى تَعْريف القذف الباكر ليس بالدقائق الحقيقيَّة، بل "بحالةِ الإدراك التي تشتملُ على نَقْص الثقة أو الرِّضا الجِنْسي أو التوقُّعات غير المنطقيَّة (دين وزملاؤه 2005). وبما أنَّ الرجالَ الذين يَدْفُقونَ بسرعة ليسوا من مجموعة متجانسَة، فإنَّ التعريفَ المثالي للقذف الباكر يجب أن يَضُمَّ قياساً موضوعياً لمدَّة القذف، وفَقْدان التحكُّم الإرادي بالقذف، ووجود اضطربٍ بين الشَّريكين بسَببه، وضائقةً واضحة لدى الرَّجُل أو الزَّوجين، مع استبعادِ العوامل المسببة مثل الامتناعِ عن الأفيونات.
الأَسْبابُ والعَوَامِل المساهِمَة
استناداً إلى المعطياتِ الصَّادِرَة عن المسح الوطني للحياة الصحيَّة والاجتماعية، لوحظ أنَّ معدَّلَ وُقوع القذف الباكر أعلى لدى الرِّجال من ذوي الصحَّة الضَّعيفة والرِّجال الذين يعانون من الكرب أو المشاكل العاطفيَّة. ويمكن تَعْريفُ القذف الباكر، مثله مثل العجز الجنسي بأنَّه أوَّلي، أي أنَّ الرجلَ مصابٌ به طوالَ حياته (مع أنَّه قد لا يعلمُ عن ذلك إلى حين البَدْء بالمجانسة)؛ أو ثانوي أي أنَّه حصلَ بَعْدَ فترةٍ من الأداء الجِنْسي الطَّبيعي. ويُعْزَى القذف الباكر الأوَّلي عادةً إلى شُذوذاتٍ في مستقبلات 5 - هيدروكسي تربْتُوفان في الدِّماغ؛ أمَّا القذف الباكر الثَّانوي فيَنْجمُ عادةً عن عواملَ نَفْسيَّة، وقد يَكونُ متصاحباً بعجز في تحقيق الانتصاب (شارليب 2006). ولكن الدِّراساتُ الحديثَة ترى أنَّ كلاًّ من القذف الباكر الأوَّلي والثانوي هما مشكلة معقَّدة ومتعدِّدة العَوامِل ذات مسببات جسديَّة، ونفسية، وسياقيَّة متشابكة.
تشتملُ الأسبابُ البَيولوجيَّة المُفْتَرَضَة الرَّئِيسيَّة للقذف الباكر على:
= اضطراب إِفْرَاز النَّوَاقِل العصبية الدِّماغية (لا سيَّما السِّيروتونين).
= فَرْط حساسيَّة الحَشَفة، وفَرْط استثاريَّة مُنْعَكَس القذف، وفَرْط التَّهيُّج الجِنْسي.
= ضَعْفُ الصحَّة.
= الاستعداد الوِراثي (يَكونُ القذف الباكر مُنْتَشِراً لدى بعض العائلات وأكثرَ شيوعاً بين أقارب الدَّرجة الأولى).
= العجز في تحقيق الانتصاب أو التهاب البروستات أو التهاب الإحليل أو اعتلالات الغدد الصُّم، مثل داء السكري.
= قُصُور الغُدَّة الدرقيَّة.
تشتملُ العَوَامِلُ النَّفْسِيَّة الرَّئيسية للقذف الباكر على:
= نَقْص الخبرَة الجِنْسيَّة.
= الكَرْب أو اضطرابات القلق.
= نَقْص تواتر المجانسة أو الامتناع الجِنْسي التَّام.
= الشُّعور بالذنب أو الخوف من الإخفاق أو الخلافات الشَّخصيَّة.
= التَّجارب الجِنْسيَّة الباكرة.
هناك عواملُ مسببة أخرى للقذف الباكر هي الخَوْف من الحمل أو من الأمراض الزُّهْريَّة، والتَّوجُّس من ضَعْف الأداء الجِنْسي، وعدم فعَّالية طرق التَّحَكُّم بالقذف، والإصابة النُّخاعية، والكحوليَّة، والفَهْم غير الكافي للاستجابةِ الجِنْسيَّة، والجراحة، وبَعْض الأدوية الموصوفَة، لا سيَّما بعض مضادَّات الذُّهان، ومضادَّات الاكتئاب، والمخدِّرات، ومضادَّات ارتفاع ضغط الدَّم، والمركِّنات، ومثبِّطات مُخْتَزِلَة 5 ألفا (التي تُعْطَى للضَّخامةِ البروستاتية غير السرطانيَّة). كما أنَّ القذف الباكر عرضٌ شائع للامتناع عن الأدوية التَّرفيهيَّة.
من المهمِّ ملاحظةُ أنَّ بعضَ المرضى المصابين بعجز في تحقيق الانتصاب يمكن أن ينتهي بهم الأمر بالقذف الباكر أيضاً، لأنَّ جهودَهم المكثَّفَة والمُفْرِطَة الحماسَة لتحقيق الانتصاب يمكن أن تؤدِّي إلى نشوة وقذف سَريعين. وبالمقابِل، يمكن أن يحصلَ لدى الرِّجال المصابين بالقذف الباكر عجز في تحقيق الانتصاب لاحقاً بسبب قلق الأداء المرتفع، والخَوْف من الإخفاق، والتَّفاعُل أو الاستجابَة السَّلْبيَّة من الشَّريكة، والاكتئاب أو الاضطرابات النَّفْسية الأخرى (انظرْ لاحقاً).
التَّأْثيراتُ الانفعاليَّة لدى الرَّجُل والزوجين
يَدَّعي بَعْضُ النَّاس أنَّ مَفْهومَ القذف "الباكِر" [أي "ابْتِسار" القذف] يُمَثِّلُ ببساطَةٍ عمليَّةً طبيعيَّةً وليس مشكلةً. وهُناك العَديدُ من الحَيَوانات، من بينها ملكُ الغابة، تقذف في غضون بضع ثوانٍ من الإيلاج. ولكنَّ ذلك يُتْبَع بسُرْعَةٍ بعدَّة مرَّات متلاحقَة من المجانسة، ويخدمُ هذا النَّموذجُ هدفَ الاستمرار والمحافظة على النَّوْع، لأنَّ الأسودَ تخشى هجومَ اللَّواحِم الأخرى إذا دخلت في مجانسة طويلة يمكن خلالها ألا يَكونَ الأسدُ قادراً على الدِّفاع عن نفسه؛ كما أنَّ الفِيَلةَ تقذف بسرعة عادةً، في غضون دقيقةٍ واحدة فقط. وبالنِّسْبَة إلى الكائنات البشرية، قد يَكون القذف السَّريع مخرِّباً نفسيَّاً، لا سيَّما إذا كانَ الرَّجُلُ مهتمَّاً برضا شَريكته الجِنْسيَّة، أو كانت شريكتُه تعاني وتشكو من الحرمانِ من الإشباع الجِنْسي. وتُعَدُّ حلقةُ الاستجابة الجِنْسيَّة لدى المرأة عادةً أبطأ ممَّا هي عليه لدى شَريكها الذَّكر، وقد تستغرقُ 10 - 20 دقيقة حتى تبلغَ النشوة بالمقارنةِ مع 4 إلى 10 دقائق لدى الرَّجُل.
لكن - وللأسف - لا تزالُ النِّساءُ في أجزاء مختلفة من العالم تتقبَّلنَ دورهنَّ التَّقْليدي "كمقدِّمات للمتعَة" لدى الرِّجال، من دون أيِّ اعتبار لرضاهنَّ الجِنْسي الخاص ومن دون أن تكونَ لديهنَّ الشّجاعة أو حتَّى الحق أحياناً في الشَّكْوَى أو الاعتراض. ومثلما أُخْبِرْتُ مرَّةً من أحد مريضاتي في الشَّرْق الأوسط التي لم تشعرْ مرَّةً بالنشوة "أشعرُ كأنَّني صرَّاف آلي؛ فزَوْجي يُدْخِل بطاقتَه (قضيبَه) في الشقِّ، ويحصل على نقوده (النشوة) ويقولُ وداعاً وشُكْراً لكي... ويحصلُ كلُّ ذلك في غضون 2 - 3 دقائق... فالأسرعُ هو الأفضل!"؛ فبالنِّسْبةِ إلى هذا النَّوْع من الرِّجال، لا يُشَكِّلُ القذف الباكر مشكلةً ما دام باستطاعتهم الحصولُ على متعتهم الخاصَّة؛ أمَّا بالنِّسبةِ إلى عَددٍ كَبير من النِّساء اللواتي لا يُبْدينَ اهتماماً بالجِنْس، فلا قيمةَ للقذف الباكر.
لكن بالنِّسبةِ إلى معظم الرِّجال والنِّساء الذين يرغبونَ بالاشتراكِ في المُتْعَة الجِنْسيَّة ويبحثون عن الرِّضا الجِنْسي المتبادَل، يمكن أن يؤدِّي القذف الباكر إلى اضطراباتٍ انفعاليَّة مدمِّرة. هذا، ويعاني المريضُ المصاب بالقذف الباكر غالباً من القلقِ حَوْلَ الجِنْس، ونَقْص الاعتداد بالذَّات، ومشاعر الدُّونِيَّة، والاكتئاب، والإحساس بالإِخْفاق، والخجل، والارتباك من العَجْز عن إرضاءِ الشَّريكة. وقد تؤثِّرُ هذه المشاعرُ السَّلبية في الشُّعور البَارِز بالرُّجولة، وتؤدِّي إلى إجهادِ العَلاقَة.
تشتملُ التَّفاعلاتُ أو الاِسْتِجاباتُ النَّفْسية الأخرى على الخَيْبَة، والغَضب، والرِّيبَة، والغَيْرَة، والذَّنب، والفَهْم الخاطئ للشَّريكة عن أنَّ الرَّجُلَ المصاب هو أناني. وقد ينجمُ عن ذلك، لدى كلا الشَّريكين، فَقْدُان الرِّضا بالمجانسة وظهورُ أعذارٍ كثيرة لتجنُّبِ التَّوَاصُل أو الاتِّصال الجِنْسي، وصعوبة الشُّروع في العلاقات أو المحافظة عليها. وقد ينتهي الأمرُ بالرَّجُل في نهايةِ المطاف إلى تجنُّبِ الجِنْس تماماً أو الإصابة بعجز في تحقيق الانتصاب، في حين قد تحصلُ لدى المرأة - نتيجةً لذلك - صعوباتٌ جِنْسِيَّة خاصَّة بها. ويكونُ ثمنُ القذف الباكر في معظمِ الحالات هو النِّهاية المفاجئة للإلفة، كما قد يؤدِّي إلى الزِّنا أو الطَّلاق.
خَبَرٌ عاجِل: إِدْراك الشَّريكين للقذف الباكِر (المُبْتَسَر)
يمكن أن تختلفَ معرفةُ أو إدراك وجود القذف الباكر أو غيابه ما بينَ الرَّجُلِ وشَريكته الجنسيَّة؛ ففي دراسةٍ حَديثة (باتريك وزملاؤه 2006)، كانت المَقاييسُ الذَّاتِيَّة للتَّحكُّم بالقذف، والضَّائِقَة العامَّة، والإِشْباع الجِنْسي، والصُّعوبَة الشَّخْصِيَّة أَسْوَءَ بشكلٍ مُثير للدَّهْشَةِ في الأَزْوَاجِ الذين لديهم قذف باكر منها في الأَزْوَاج الذين ليسَ لديهم قذف باكر؛ وقد سَجَّلَتْ الإناثُ في كلتا المجموعتين إدراكاً أَفْضل لتحكُّمِ الذكر ومستويات أقل للضَّائقة من الرِّجال، مع معدَّلات رضا متماثلة في كلا الشَّريكين. وفي مَسْحٍ آخر لشَريكات من الإناثِ لذُّكور يعانون من القذف الباكر (رُوزِنْبيرغ وزملاؤه 2006)، فيما يتعلَّقُ بانتشارِ هذه الحالةِ ودَرَجَة الرِّضا الجِنْسي لديهن، سَجَّلنَ حصولَ نقصٍ في الرِّضا الجِنْسي لدى نحو 23٪ من الحالات، ولكن أظهرَ نحو 65٪ من هؤلاء النِّساء اهتماماً بالمعالجةِ.
التَّشْخيص
يمكن وَضْعُ تَشْخيصٍ دقيق، مُعْتَمِد على تَحْليل دَقيق للعَوَامِل المختلفَة التي قد تُساهِمُ في القذف الباكر، بأخذِ قصَّةٍ مرضيَّة وجِنْسِيَّة مفصَّلة عادةً، يَتلوها إجراءُ فحصٍ سَريري صَحيح، كما هو مُفصَّل في الفصل السابع. وعِنْدَ الاِشْتِباه بالقذف الباكر، تَكونُّ أهمُّ أَوْجُه القصَّة الجِنْسِيَّة هي الفترة الزَّمنية المقدَّرَة داخلَ المهبل قَبْلَ القذف ومدَّة المشكلة ومنشأها، سواءٌ أكانت هناك أيَّةُ صعوبةٍ في إحراز الانتصاب أو المحافظة عليه، ودرجة الرَّغبة الجِنْسيَّة وتواتُر القذف السَّريع وتأثيره في الرَّجُل والزَّوْجين. كما يفيدُ في بلوغ التَّشْخيص الدَّقيق طرحُ أسئلةٍ إضافيَّة عن الجودة الحالية للانتصاب ومدَّته، والتَّحَكُّم بالقذف، والرِّضا الجِنْسي عِنْدَ الزَّوْجين، وتواتُر المجانسة، وقصَّة التهاب البروستات، وحدوث الألم عِنْدَ أيٍّ من الشَّريكين أثناء المجانسة أو بعدها. وينبغي أن تركِّزَ الأسئلةُ الإضافية على درجةِ الرِّضا الجِنْسي، ومستوى الضَّائِقَة لدى كلا الشَّريكين، فضلاً عن رغبتهما وسعيهما إلى تَصْحيح هذه المشكلَة. ولذلك، يجب على الطَّبيب أن يقومَ بجميعِ هذه الاستفسارات بشكلٍ شامل ودقيق جدّاً. ويَكونُ لأخذِ القصَّة الطبية الشاملة، فيما يتعلَّقُ بالأمراض، والجراحات السَّابِقَة، والأدوية، ومعاقرة المخدِّرات، أو الكحول - فَضْلاً عن القصَّة الزواجيَّة والعائلية من حيث العلاقاتُ، والتَّأْثيراتُ الدِّينيَّة، والمعرفة، والخبرَة الجِنْسيَّة، والمعالجات السَّابقة، ومواقف والدَيْ المريض تجاه الجِنْس - قيمةٌ مساعِدَة كبيرَة في اكتشافِ الأسباب البيولوجيَّة أو النَّفْسِيَّة المحتملة للقذف الباكر. وتشتملُ القصَّةُ الجِنْسيَّة على التَّجارب الجِنْسيَّة الباكرة، فَضْلاً عن الممارساتِ الجِنْسيَّة السابقة والرَّاهنة، بما في ذلك التَّجارب الجِنْسيَّة الاِسْتِمْنائيَّة، والمِثْليَّة، والأَوْهام حَوْلَ الجِنْسانيَّة، والتَّثْقيف، والمعرفَة الجِنْسيَّة وأيَّة تجارب جِنْسِيَّة سلبيَّة.
سَعْياً وراءَ المعالجَة الفعَّالة، يكونُ التَّمْييزُ بينَ القذف الباكر والعجز في تحقيق الانتصاب أو المحافظة عليه هامَّاً للغاية، لأنَّ كلتا الحالتين يمكن أن تحدثا معاً أو قد تختلطان لدى المريض نفسِه؛ فبعضُ الرِّجال الذين يعانون من القذف الباكر، مثلاً، يمكن أن يرَوْا خطأً أنَّ فقدَان الانتصاب بَعْدَ القذف السَّريع يمثِّلُ عجزاً في تحقيق الانتصابِ، وينبغي على الطَّبيب أن يسألَ المريضَ بدقَّةٍ لتَحْديد ما إذا كانَ القذف أو الشُّعور به يحصل قبلَ فَقْدان الانتصاب أم لا، ممَّا يدعم تشخيصَ القذف الباكر.
يَرْفُضُ - وللأسف - نحو 90٪ من الرِّجال الذين يعانون من اضطرابِ القذف الإدلاءَ بأيَّة معلوماتٍ عنه، ما لم يصرَّ الطَّبيبُ على ذلك بوضوح؛ ومع ذلك، لا يَتقبَّلُ معظمُهم أيَّ استقصاءٍ أو معالجة له. وتشتملُ أسبابُ هذا التمنُّعُ الإرادي على الوصمةِ الجِنْسيَّة، والإِحْراج، والخجل، والممانعة في مناقشةِ المشاكل الجِنْسيَّة والخاصَّة، والمعتقدات الخاطئَة بأنَّ القذف الباكر هو أمر مؤقَّت قد يزولُ تلقائيَّاً من نفسه، لأنَّ جميعَ حالات القذف الباكر - كما يرونَ - نفسيَّة ولا توجدُ معالجةٌ ناجحة لها. ويتجاهل بعضُ الرِّجال المصابين الرغبات والحاجات الجِنْسيَّة لدى الشَّريكة؛ ويحتج بعضُهم الآخر بأنَّه لا يوجدُ ما يدعو إلى القلق، لأنَّ شريكتَهم لا تشكو أو لأنَّها قد تكونُ قادرةً على بلوغِ النشوة بنفسها في غضون دقائقَ قليلةٍ.
يجب أن يُركِّزَ الفحصُ الجسدي على علاماتِ المرض المزمن، وخَلَل الوَظيفَة الغدِّية الصمَّاويَّة، والخصائص الجِنْسيَّة الثانوية، والتَّقْييم العصبي، وجس الخصيتين والقَضيب بحثاً عن أيَّة تشوُّهات. كما أنَّ فحصَ صَدْر الرَّجُل بحثاً عن الثُّنْدُؤَة (تضخُّم الثدي)، والإحليل بحثاً عن التهاب الإحليل، والبروستات بحثاً عن العَدْوَى إجراءاتٌ هامَّة لاكتشافِ العَوَامِل المسببة المحتملة.
خياراتُ المُعالَجَة
مما يَدْعو للأسف تماماً أنَّه بالرغم من توفُّر المعالجات الفعَّالة، لا يسعى إلى المساعدةِ الطبية أو قَبول المعالجة سوى 12٪ تقريباً من الرِّجال المصابين بالقذف الباكر. ويميل معظمُهم إمَّا إلى تجاهلِ حالتهم، أو استعمال طرقٍ غير ناجحة عادةً يتعلَّمونها من أنفسهم للتَّعامُل مع مشكلتهم. ومن أكثر الطُّرُق المستعمَلَة شُيُوعاً الاستمناءُ قَبْلَ الممارسَة الجِنْسيَّة، ممَّا قد يؤخِّر القذف اللاحق في بعض الحالات، لكن مع وجود أخطاء، لا سيَّما لدى الرِّجال المسنِّين، حيث تكونُ فترةُ الحِران طويلةً قَبْلَ إحراز انتصابٍ آخر. وهناك طرقٌ أخرى تشتملُ على الشُّرود الذهني خلال الممارسةِ الجِنْسيَّة، وارتداء عدَّة عَوازِل ذكريَّة لإنقاص حساسيَّة الحشفة، والدَّفْع بقوَّة وسرعة أكبر في محاولةٍ لتسريع بلوغ النشوة لدى الشَّريكة، ورش أو إِرْذاذ مخدِّر على الحشفة، واستعمال مراهم إزالة التَّحسُّس المصروفَة من دون وصفة (المصنَّعَة من الأعشاب الصينيَّة أو الكوريَّة). تَكون معظمُ هذه الطُّرُق - وللأسف - محكومةً بالإخفاق، لأنَّ إدراكَ الأحاسيس الجِنْسيَّة ضروريٌ للتَّحكُّم بالقذف؛ فالمفتاحُ هو التَّحَكُّمُ الذي يمكن إنجازُه بالمعالجاتِ السلوكيَّة أو الدَّوائيَّة أو غير الدَّوائية أو الموضعيَّة أو الميكانيكيَّة.
إنَّ الهدفَ الرَّئيسي للمعالجةِ هو مساعدة الزَّوْجين على بلوغ الرِّضا الانفعالي والجِنْسي خلال الفِعْل الجِنْسي، وبلوغ الإشباع الجسدي، والشَّخْصي، والعاطفي. وينبغي ألاَّ تركِّزَ أيَّةُ معالجة على الرَّجُل فقط، بل على شَريكته وعمليَّة المجانسة بينهما أيضاً. ولا يكفي أن نُعَلِّمَ الرَّجُلَ التَّمارينَ السُّلوكيَّة أو نعالجه بالأدوية، من دون الأخذ بعين الاعتبار مختلفَ أوجه علاقتِه بشَريكته وتأثير بَعْض أوجه سلوكهما الجِنْسي في القذف الباكر لديه. ويمكن - في بعض الأحيان - أن يؤدِّي الاستعلامُ الدَّقيق عن نَقْص الرَّغْبَة الجِنْسيَّة أو عدم الاهتمام بالجِنْس لدى الزوجة إلى إظهار رضاها بالقذف السَّريع للرَّجُل، وعدم اهتمامها الكامل أو حتَّى رفضها لأيِّ نمطٍ من المعالجة.
يَنْبَغي ألاَّ يأخذَ تَقْديمُ أيَّةِ معالجةٍ للقذف الباكر الكفاءةَ فقط بعين الاعتبار، بل السَّلامَة والمخاطر المحتملة والفوائد، والتي ينبغي أن يفهمَها المريضُ قبلَ القَبول بها. هذا، وتشتمل الخياراتُ العلاجيَّة الرَّاهِنَة على المعالجةِ السُّلوكيَّة والنَّفْسِيَّة والدَّوائية. ويختارُ معظمُ الرِّجال الذين يعانون من القذف الباكر، إذا مُنْحوا الفرصةَ، المعالجةَ الدَّوائيَّة كخيارٍ أوَّل لهم. ولكن ينبغي التَّأْكيدُ بأنَّ أيَّةَ معالجة دوائية، سواء كانت عبر الفم أو موضوعية، يجب أن تَبْدَأَ وتُتابَعَ تحت إشرافٍ طبِّي صارم وخبير للوقايةِ من حُدوث تأثيراتٍ جانبية خطيرة.