من بين الكَثير من الشخصيَّات التَّاريخية والثقافيَّة التي عُرِفَ عنها أنَّها عانت من الاضطرابات الجنسية نذكر ريتشارد الأول، ولويس السادس عشر، ونابليون الأوَّل، ودون كارلوس الثاني، وجورج برنارد شو، ولودفينغ فان بيتهوفن، ويوهانـز براهام. مؤخراً، لفت أشخاص آخرون مشهورون الانتباهَ العام بشكل جيد إلى العجز الجنسي عند الذكور؛ فقد اعترفَ السيناتور بوب دول الأميركي بعَجْزه الجنسي بعد جراحة جذريَّة لاستئصال البروستات بسبَب إصابتها بالسرطان، وعَزَى تمكنه من تدبر أمره بشكل ناجح إلى استعمال الفياغرا. وجَرَى تَوْثيقُ خَلَل الوظيفة الانتصابيَّة عند "العَرَّاب" في ألمانيا الإيطالية بول كاستيلانو ومعالجتُه بغرز بدائل سيليكونيَّة في العضو التَّناسلي في كتاب ألَّفه عميلان سَابقان في مكتب التَّحْقيقات الفيدرالي.
لقد تحسَّنَ فهمُ البشريَّة للجِنْس والعجز الجنسي بشكلٍ ملحوظ على مدى السِّنين العشر الأخيرة، ويعودُ الفَضْل في إيضاح ذلك إلى الخطوات الكبيرة في مجال الفيزيولوجيا الجنسيَّة، والفيزيولوجيا المرضية، وكيفية الإصابة بهذا المرض. ويمكن تعقُّبُ الاهتمام التَّاريخي بهذا الموضوع حتى آلاف السنين الماضية؛ ولكن للوصول إلى منظور صحيح بالنِّسْبَة إلى مراحل التَّطوُّر الحديثة الثوريَّة، فمن المفيد أكثر العودة إلى ملايين السنين من التَّطوُّر الجنسي.
من الحيوان إلى الإنسان: تَطوُّرُ الانتصاب والوظيفة الجنسيَّة
ربَّما كان لدى أجدادِنا من البشر في وقتٍ من الأوقات عَظْمٌ في القضيب، وهذا ما أعطاه صَلابةً دائمةً، وحَالةً من الانتصاب المستمرِّ. وبمرور الوقت، ولأسبابٍ عمليَّة، اختفى العظمُ أو "عظم القضيب" عندما بدأَ الرِّجَالُ يمشون منتصبي القامة. وعندما أصبحَ قضيبُ الإنسان عُضْواً طرياً، تَحوَّل التَّحكُّمُ الجنسي به إلى المركز العلوي، أي الدِّماغ، وهذا التَّطوُّرُ يميِّزه عن معظمِ الحيوانات الأخرى، حيث يستطيعُ الدِّماغُ أن يسهِّلَ أو يثبِّطَ عمليةَ الانتصاب عندَ الإنسان. وفي أيِّ وقتٍ يُعْتِقُ الدِّماغُ تحكُّمَه التَّثْبيطي، قد يحدث انتصابٌ عفوي.
بَقيت الكثيرُ من الحيوانات محتفظةً بعظم القضيب؛ ففي الحوت، تبلغ أبعاد العظم المترين طولاً والأربعين سنتم قطراً. أمَّا في الثدييات الأخرى، مثل الكلب والثعلب والدُّب، فيبلغ حجمُ هذا العظم نحو 1 - 2 سم. أمَّا الأسدُ فلديه قضيبٌ قابلٌ للانكماش، مما يعطيه حمايةً جيِّدة من الإصابة. من جهة أخرى، يوجد قضيبان عند الأفاعي يمكن استعمال كل منها بمفرده، فالثاني قد يفيد كبديل إذا ما حصل شيءٌ ما للأول.
على النَّقيض ممَّا يتخيَّلُه الكثير من الذكور، لا توجد فائدةٌ عملية (بالنِّسْبَة إلى الإنسان على أيَّة حال) في امتلاك قضيبين طالما أن القضيب الواحد يقوم بوظيفته ويؤدِّيها بشكل مقبول. في الواقع، تدخل بعضُ ذكور الحيوانات في النَّشاط الجنسي بنجاحٍ تام من دون قضيب؛ فحصانُ البحر الذكر لديه كيس أو جَيْبَ، في حين لدى الأنثى قضيبٌ (الشَّكْل 1 – 1: ملحق الصور)؛ وفي أثناء المجانسة، تخترقُ الأنثى هذا الجيب وتُطْلِق بيوضَها فيه، حيث يكونُ الجَيْبُ مملوءاً بنطاف الذكر، وبذلك يحصل "الحَمْل" عندَ الذكر. كما أنَّ لدى الكثير من ذكور الطيور جيوباً، وليس قضباناً.
يتكوَّنُ قضيبُ الإنسان المعاصر بشكلٍ رئيسي من نَسيجٍ ناعظ (قابِل للانتصاب) ليفي مرن، وفيه ثلاثةُ أجزاء أساسية، اثنان منها هما مجموعتان جانبيتان من النَّسيج الإسفنجي تشكلان حُجْرَتين تُسمَّيان الأجسام الكهفيَّة، وهما تشكِّلان القسمَ الأكبر من الحيِّز القضيبـي، كما أنَّهما تمثِّلان العناصرَ النَّاعِظة الرئيسيَّة في القضيب. أمَّا الجزءُ الإسفنجي الصَّغير الثالث فهو الجسمُ الإسفنجي الذي يشغلُ الجهةَ السفلية من القضيب، ويغطِّي الإحليلَ (قناة البول). وتُحَاطُ هذه الأجزاءُ الإسفنجيَّة، التي تشكِّل إطاراً للأحياز الوعائية والأوعية، بعَضلات وغِمْد متين (الشَّكْل 1 - 2: ملحق الصور). وتوجد حَشَفةُ القضيب المخروطية الشكل، أو رأس القضيب، عندَ النِّهَايَة الخارجيَّة البعيدة من تلك الأجزاء.
مع أنَّ قضيبَ الإنسان لا يحتوي على عظمٍ ويكون واحداً، غير أنَّه أهم بكثير في شكله وتشريحه من قضيب الحيوانات؛ وهو يستطيع الولوجَ بسهولةٍ والقذف مباشرةً في مهبل الأنثى، كما أنَّه محميٌّ جيِّداً من الرُّضوض، ويبلغ عندَ انتصابه حجماً أكبر نسبياً من حجم القضيب عندَ معظم الحيوانات الأخرى. لا يعمل العضو التناسلي على تمرير البول والمنيِّ فحسب، وإنِّما ينتصب أيضاً، ممَّا يسمح للرَّجُل بممارسة النَّشاط الجنسي عندما تسمح الفرصة. وعلاوةً على تلك الوظائف الجسمية، فإنه يؤدِّي إلى حياةٍ رَزينَة ومثالية أيضاً، ولكن من المستغرب أن نلاحظَ وسواساً أو هاجساً عندَ معظم الذكور من البشر بالنِّسْبَة إلى القضيب - حجمه، وطوله، ومقاسه، وقدراته الانتصابية. ولكنَّ هذا الاستغراق أو الانهِماك ليس شيئاً جديداً كما يبدو.
العضو التناسلي في الفنِّ والفلسفة القديمَة
لقد رُسِمَ القضيبُ، وجُسِّمَ، ونُحِتَ على مدى ملايين السنين في مئات الحضارات؛ فالكثيرُ من الثقافات القديمة كانت تقدِّر العضو التناسلي ذا الحجم الكبير. ويظهر ذلك الإعجابُ في الثقافة الهندوسيَّة القديمة في مَنْحوتاتها الذكوريَّة وأعمالها الفنِّية الأخرى. ولكن من اللافت للانتباه أنَّ هذه الثقافة لم تمتدَّ إلى الإنسان الحي الذي كان يفضِّل القضيبَ الصَّغير. وقد كان الكِتابُ الجنسي الهندوسيُّ الشهير كاما سوترا (الذي كُتِبَ من قِبَل عالم هندي بين عامي 330 - 369 بَعْدَ الميلاد) مَعْروفاً بشكل جيد بوَصْفه للوضعيَّات والأوضاع المختلفة للمجانسة، فضلاً عن المظاهر النَّفْسية للأَفْعَال الجِنْسِيَّة المتبادَلة وسيناريوهات الحب. لكنَّ كاما سوترا حدَّدَ أصنافَ الرِّجال من خلال حجم القضيب لديهم؛ فالرَّجلُ ذو القضيب المُنْتَصِب بمقدار 5 - 7 سم تقريباً (الرَّجل الأرنب) وصفَه بأنَّه رَشيقٌ وقوي (الحبيب المثالي)؛ أمَّا الرَّجلُ ذو القضيب المنتصب بمقدار 9 - 14 سم تقريباً (الرَّجُل الأَيِّل)، فهو سريعٌ ورَشيق (المحارب المثالي)؛ وأمَّا الذَّكرُ الأقل إِعْجَاباً فهُوَ الرَّجُلُ النَّادر ذو القضيب المُنْتصِب بمقدار 21 سم تقريباً أو أكثر (الرَّجُل الحصان أو الفَحْل)، فهو - كما يرى - كَسولٌ وعديم الجَدْوَى.
لقد صُوِّر القضيبُ المُنْتَصِب في مَصْر الفرعونية بأنَّه رمزُ القوة والحظ السَّعيد من خلال العَديد من الجداريَّات والمجسَّمَات. وصُوِّرَتْ الآلهة اليونانيَّة بالمَوَاهِب العديدة أيضاً، مع أنَّ الذكورَ المشهورين منها صُوِّروا بأعضاء صغيرة جداً، لأنَّ الإغريقَ القُدَماء رَأَوْا في القضبان الكبيرَة مجرَّدَ أعضاء شاذَّة وغليظة. وقد أشارَ الفَيْلسوفُ أرسطو (384 - 322 قبل الميلاد) إلى أنَّ الرَّجُلَ ذا القضيب القصير أكثر إِخْصَاباً، مُعلِّلاً ذلك بأنَّ المنيَّ يسير مسافةً أقصر فلا يجد الفرصة حتى "يَبْرُد".
خَلَلُ الوَظيفَة الاِنْتِصَابيَّة والتَّدْبير التَجْريبي عبرَ القرون
إنَّ العجز الجنسي قديمٌ قِدَمَ العالم، فقد عزاه التَّوْراةُ إلى لعنةٍ دينيَّة، أمَّا الطبيبُ الإغريقي أبو قراط (460 - 375 قبل الميلاد) فعَزَاه إلى الانهماك المهني لدى الرَّجل وقُبْح الأنثى. وأصرَّ الأخلاقيُّون الدِّينيون في القرن الثامن عشر والتاسع عشر على أنَّ العجز على الانتصاب عندَ الذكور ينجم عن فرط الأنشطة الجنسية، مثل الاستمناء (العَادة السرِّية)، والعُهْر، والدَّعَارة. وقد عولج العجز الجنسي على مدى سنين بالسِّحْر، والرُّقيَة، والنُّصْح الدِّيني. ومن دواعي الحمد أنَّ الجهلَ بالوظيفة الجنسيَّة واضطراباتها زالَ في نهاية الأمر بفعل السَّبْر والكَشْف العِلْمي.
يُعَدُّ الفنَّانُ والمُخْتَرِع الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي (1452 - 1519م) أوَّلَ من وَصفَ آلية الانتصاب - فقد كان هو نفسُه أحدَ من عانوا من العجز الجنسي - وربطَ هذه الآليَّةَ بامتلاء القضيب بالدَّم. ثمَّ وصفَ الطَّبيبُ كوستانـزو فاروليو (1543 - 1575م) وظيفةَ الانتصاب أو النُّعوظ في العضلات المحيطة بالقضيب في وقتٍ لاحق، مع أنَّ الوَصْفَ القديم جدّاً لهذه العضلات يُعْزَى إلى الطَّبيب الإغريقي جالينوس في القرن الثاني بَعْدَ الميلاد.
لقد ذكرَ الأدبُ الصيني، والإغريقي، والرُّوماني، والمصري أدويةً كثيرة لزيادة الفحولية الجنسيَّة، واشتملت الأدويةُ التَّاريخية للعجز الجنسي على تناول خصى الحيوانات والخُلاصَات الخصويَّة، لكنَّ ذلك لم يستمر لفترة طويلة كما يبدو. وفي العام 1889م، حقنَ عالم الفيزيولوجيا الفرنسي شارل إدوارد براون سِكْوَار نفسَه بخلاصة محضَّرة من دم الوريد الخصوي والمني ومن سائلٍ حصلَ عليه من هَرْس خُصَى كلاب وخنازير غينيَّة فتيَّة، وأشارَ إلى حصول استجابةٍ جنسيَّة ممتازة بهذا "المزيج"؛ ورأى الكثيرُ من الخبراء أنَّ ذلك كان إيذاناً بميلاد المعالجة بالهرمونات الذكرية.
ليلي آيْكوس وتاريخ الجنسانيَّة البشريَّة
لقد أدركَ الرِّجالُ والنِّسَاء منذ قديم الزمان الحاجةَ الملحَّة والتلهُّف إلى الزِّنَى؛ وجَرَى تعريفُ المواقف والأنشطة الجنسيَّة وإعادة تعريفها على مدى آلاف السنين من قبل عددٍ لا حصرَ له من المؤثِّرات الشخصيَّة، والدينيَّة، والأخلاقية، والاجتماعية، والعِرْفِيَّة. في لقاءٍ سنوي حديث للجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية والتناسلية الأميركية، عرضت شركة ليلي آيْكوس (المصنِّعة لعقار السيَالِيس) معرضاً للتطور الجنسي عبر العصور وجرى خلاله توزيعُ كتيِّب بعنوان Sexuality: Perception and Performance throughout History، حيث أوضحَ تغيُّرَ صورة الجنس وممارسته عبر الزمن وفي الثقافات المختلفة، وتبنَّى الكُتَيِّبُ عدداً من النقاط الجديرة بالاهتمام:
الإنسانيَّة القَديمَة - لقد كان الجنسُ ببسَاطة فِعْلاً طَبيعياً وممتعاً للرضا الحسِّي، لا يتأثَّر بالمضامين الأخلاقيَّة أو الإنجابيَّة، وبقي كذلك حتى العام 9000 قبلَ الميلاد. وبعد معرفة الدَّوْر الذَّكري في التَّكاثُر، أصبحت الأنثى في مركز العَائلة. وقد كانت مُسَاهمةُ الرِّجَال في التَّكاثُر مَعْروفةً في الوقت الذي تحرَّك فيه النَّاسُ نحو القرى بَحْثاً عن مصادر النباتات والماشية. لقد كان إنتاجُ ذريَّة كبيرة لتَوْفير الكثير من الأيدي العاملة في الحَقْل مَطْلباً مُلِحَّاً في تلك المجتمعات الزراعية، لذلك كان عجزُ المرأة عن الحمل وصمةَ عار بالنِّسْبَة إلى دورها في ذلك.
مصر القديمة - لقد كان الزواجُ بفتيات لا يتجاوز عمرهنَّ 12 سنة شَائِعاً، وقد استخدمت الدهونات والطَبْخَات الدوائيَّة... الأخرى لمنع الحمل، كذلك كان يحال دون الحمل بالتوقف عن المجانسة قبلَ القذف، وبالممارسة الجنسية الشرجية، ومع الحيوانات، وبإدخال مواد مثل العسل ورَوْث التِّمْساح في المهبل لمنع مرور النِّطاف إلى عنق الرَّحِم.
اليونانيُّون القدماء - كان الرِّجالُ يُشْبِعون رغباتهم الجنسيَّة بوسائل من السُّلوك اللوطي (الجِنْس المِثْلي) واللِّواط بالأَطْفال غالباً، لا سيَّما مع أولاد بَعْدَ البلوغ؛ أمَّا النِّسَاءُ فكُنَّ يبحثن عن شهواتهنَّ من خلال الاِسْتِمْنَاء أو ممارسة السِّحاقِ في الغالب. وكان يُنْظَرُ إلى النِّساء على أنَّهنَّ أدنى مرتبةً من الرِّجال، ويُصَنَّفنَ إلى ثلاث فئات: زوجات للولادة والإنجاب، ومحظيَّات للإِشْبَاع الجنسي، ومومِسَات الطبقة العُلْيا للتحفيز الجِنْسي والثقافي.
الإمبراطوريةُ الرُّومانيَّة - اتَّصفَتْ الإمبراطوريةُ الرُّومانية بالتحرُّر الجنسي، والبِغَاء، والحمَّامات العامَّة للرِّجال والنِّساء، وبالآلهة الجنسية الأُسْطورِيَّة التي أظهرَتْ "الموقفَ غير المبالي تجاه الجِنْس عندَ الفَرْد الرُّوماني" والاختلاطَ الجنسي الواسِع، وقد استمرَّ ذلك حتى سقوط الإمبراطورية. ومع هَيْمَنَةِ الكنيسة المسيحيَّة في نهاية المطاف، أدِينَتْ الممارسةُ الجنسيَّة بقصد المُتْعَة (بدلاً من الإنجاب) والجِنْس المِثْلي (اللواط والسَّحاق) والاِسْتِمْنَاء ومَنْع الحمل كعَمَل آثِم، وحُرِّم ذلك بوسائل عنيفة أحياناً.
الهند القديمة - لقد ركَّزَتْ تعليماتُ كاما سوترا السَّابق الذِّكر (حِكَم المُتْعَة) على ما يُسمَّى الآرثا أو العافية المادية، والكاما أي المتعة والحب. كان الجنسُ يُعَدُّ واجباً دينيّاً ينبغي أن يُعامَلَ باحترام وبتقدير كبير، وفَناً ينبغي اكتسابُه من خلال الممارسة، وفِعْلاً عاطفياً في التَّعْبير عن الحبِّ. وفضلاً عن التَّعْليمات بالنِّسبة لكلٍّ من الرِّجال والنِّساء عن الطرق الجنسيَّة المختلفة للحصول على أقصى متعة، يقدِّم الكتيِّبُ قائمةً بالأطعمة والعقاقير المُثِيْرَة للرَّغْبَةِ الجِنْسيَّة وأنماط مَنْع الحمل. وقد كان التَّقْديرُ الكبير للزواج في ثقافة الهند القديمة متجلِّياً في عادَة السَّاتي، حيث تَنْتَحِرُ الأرملةُ برَمْي نفسِها فوقَ مِحْرَقة زوجها الجنائزيَّة، وبذلك تصحبُه في موته.
العَالم الإسلامي القديم - كانت النِّساءُ يصنفن إمَّا إلى سيِّدَات مُحْتَرَمات يُقدَّرَن ويُحْفَظنَ في بيوت الحريم لحمايتهن من "شُرور" المجتمع، مما يُعْطِي الرِّجالَ الفُرْصَةَ لممارسة الجِنْس مع العَديد من النِّسَاء عندَ وجود الرغبَة لديهم. وقد بَنى الأَتْرَاكُ في القرن الخامس عشر البيتَ التُّرْكي الكبير، وهو مدينةٌ صغيرة لنحو 300 - 1200 مَحْظِيَّة من حريم السُّلْطَان، ممَّا أعطاه خيَاراً هائلاً من الشِّريكات للاختيار بينهن وإشباع رغبته الجنسيَّة. وقد بيَّنَ كُتَيِّبٌ جنسي في القرن الخامس أو السادس عشر بعنوان "The Perfumed Garden for the Soul’s Recreation" طرقاً مُفَصَّلة للمجانسة الناجعة والأدوية الخاصَّة بالمشاكل الجنسيَّة.
الصِّين القديمة - أكدت التعاليمُ الطاويَّة على أهمِّية الجِنْس للتمتُّع بحياة صحِّية مديدة، وكوسيلة للزوجين لإكمال بعضهما البعض واتِّصالهما الرُّوحي. ومَثَّلَتْ النِّساءُ منبعَ الجَوْهَر "ين" الذي لا يَنْضُب، بينما شَكَّلَ الرِّجالُ الجَوْهَر "يانغ" الذي يَنْضُب بسهولة، وهذا ما استدعى التشرُّبَ والامتصاص للحصول على الانسجامِ وإطالة الحياة. كان الرَّجلُ يُشَجَّعُ على الإكثار من الممارسة الجنسيَّة مع الكثير من الشَّريكات - ما أمكنه ذلك - وذلك بهدف اختزان "الين" مع المحافظة على "اليانغ" من خلال تجربة طرق مختلفة لمَنْع القذف. وقد توفَّرَتْ كُتَيِّباتٌ عديدة عن طرق وأوضاع المجانسة، كما كانت المُداعبَة متاحةً، فَضْلاً عن المقوِّيات والدَّهونَات لزيادة المتعة الجنسيَّة وطرق تَطْويل القضيب وتَصْغير المَهْبِل. وقد سُمِحَ بالاسْتِمْناء والسحاق للنِّسَاء، بينما حُرِّمَ ذلك على الرِّجال. وقد هاجمَ الفيلسوفُ كونفوشيوس لاحقاً العَلاقَاتِ الجِنْسِيَّةَ غَير الشَّرْعِيَّة، وفَرَضَ وجهاتِ نظر أخلاقية وقونن الزَّوَاج، لكنَّه سمحَ للرِّجال بتزوج عدة نساء لكي يُنْجِبوا الأولاد. مع أنَّ كونفوشيوس عبَّر عن ازدرائه للنِّساء، لكنَّه ألزمَ الرِّجالَ بإشباع الرَّغَبات الجنسيَّة عندَ زوجاتهم ومحظيَّاتهم. واستمرَّتْ تَشْريعاتُ كونفوشيوس الصَّارِمَة حتى منتصف القرن السابع عشر.
عَصْر النَّهْضَة الأُوروبيَّة - تجلَّى هذا العصرُ، لا سيَّما في إيطاليا بالتَّحرُّر الجِنْسي وهيمنَة الجنسانيَّة على الفنِّ، مع رسم العُرْيِ في الصُّوَر والمجسَّمات والجداريَّات، رغم مَحْظورات الكَنيسة، والقيود الصَّارمة، وإدانة ممارسة الجنس قبلَ الزواج (التي كانت شائعةً رغم ذلك). وقد سُجِّل في ذلك الحين ظهورُ عددٍ كبير من الأطفال غير الشرعيين، وانتشار كبيرٌ للأمراض الزهريَّة المُنْتَقِلَة بواسطة الجنس، ممَّا أدَّى إلى ظهور الوَاقِي أو العازِل الذَّكري واستعماله.
اليابان في القرون من السابع عشر حتى التاسع عشر - اِزْدَهَرَتْ "بيوتُ المتعة" مع البِغَاء المنظَّم؛ وقَدَّمَتْ العديدُ من الكتب المنشورة باسم "شونغا" تَعْليمات خاصَّة عن طرق المجانسة (لا سيما للمتزوِّجين حديثاً)؛ وأعطَتْ الرَّاقِصاتُ اليابانيَّات المشهورات "الغيشا" لزبائنهن أنماطاً لا مثيلَ لها من التَّرفيه في الموسيقى، والغناء، والرَّقْص.
أُوروبا وأميركا في القرن التاسع عشر - كان التَّحرُّرُ الجنسي والعَلاقَاتُ الجِنْسِيَّة غَير الشَّرْعِيَّة منتشرَيْن بشكل واسِع؛ كما برزَ العُري ثانيةً في الفن، وانتشرَ البِغاءُ في كلِّ أوروبا والولايات المتَّحدة في القرن التاسع عشر، وبلغت الزيادةُ المتصاعدة في الأمراض الزهرية نحو 30 ألف حالةٍ في لندن في منتصف القرن التاسع عشر. واستمرَّت هذه النـزعةُ حتى القرن التَّالي، حيث أصابَ السَّيَلانُ نصفَ السُّكَّان الذُّكور في الولايات المتحدة عام 1914، وبلغَ نحو 100 مليون حالة عامَ 1970، ممَّا دفعَ بالحكومتَيْن البريطانية والأميركيَّة إلى سنِّ قوانين ضدِّ البِغَاء.
القرن العشرون - شَاركتْ المساواةُ بين الجِنْسين وحركاتُ تحرير المرأة في ظهورِ موقف تحرُّري نحو الجِنْس لا تعيقُه المَحْظورات الأخلاقية أو الدينيَّة، وشجَّعَ هذا الموقفُ بروزَ أشكال مختلفة من مَنْع الحمل، ممَّا سمح بالحرِّية الجِنْسيَّة؛ وترافق ذلك مع زيادةٍ ملحوظة في انتشار الأمراض المنتقلة بواسطة الجنس، بما في ذلك متلازمة النقص المناعي المُكْتَسَب (الإيدز AIDS).
وبذلك يَسْتَمِرُّ تطوُّرُ السُّلوك الجنسي البشري وازدياده.
وَسْوَاسُ القَضيب عندَ الرَّجُل
يمثِّل القضيبُ البشري في الحالة الصحِّية وَسيلةً فعَّالة جدّاً للحصول على الإشباع الجنسي الأقصى، والإنجاب، واستمرار النَّوْع. ولكن، حتَّى عندما يكونُ القضيبُ قادراً على القيام بما ينبغي عليه القيامُ به وبشكلٍ فعَّال، يمكن أن يشكو الرِّجال من عدة أمور: "إنَّه قصيرٌ جدّاً"، "إنَّه رفيع جدّاً"، "إنَّه قَبيح"، "إنَّهُ ينحني بطريقة خاطئة"، أو "إنَّه كبيرٌ جدّاً"، "إنَّه طويلٌ جدّاً". وبكلماتٍ أخرى، يرغب هؤلاء الرِّجال أن يكونَ القضيبُ شيئاً غير ما هو عليه.
بصَرْف النَّظَر عن الحالات الاستثنائيّة للعضو التناسلي الصغير الحجم والذي يمكن تطويله بالوسائل الطِّبِّية والجراحيَّة المعاصرة، فإنَّ ما يولدُ به الإنسانُ هو ما يَنْبَغي أن يعيشَ معه بقيةَ حياته. ولكن نظراً إلى ما ذكرناه سَابقاً عن الاِفْتِتَان بخصائص القضيب ووظيفته، يسعى الكثيرُ من الرِّجال على الدَّوَام إلى إيجاد طرق لتَطْويله. وربَّما يكونُ القلقُ والإحراج بشأن حجم القضيب عندَ بعض الرِّجال كبيراً جدّاً بحيث يؤدي بهم إلى العجز. عندما يُخْفِقُ ما يعتزُّ به الرَّجلَ في الاستجابة، يكون ذلك شاهداً قوياً على العجز الجنسي عندَه؛ فالرجل يمكن أن يتصنع رهافةَ الحسِّ، والاهتمام، والإخلاص، والكثيرَ من العواطِف أو الانفعالات الإنسانيَّة الأخرى، لكنَّ الانتصابَ هو الشيءُ الوحيد الذي لا يمكنه أن يتصنّعه.
صِغَرُ القَضيب: أُسْطورَةٌ أم حقيقة؟
قد لا يَكونُ قِيَاسُ حِجْم القضيب غير المنتصب الطريقة الصحيحة لتقييم الطُّول الحقيقي للقضيب. ومع أنَّ حجمَ القضيب يتفاوتُ من رجلٍ إلى آخر، لكنَّه قد لا يكونُ ذا علاقةٍ كبيرة جسدياً أو بِنْيَوياً بالأجزاء الأخرى من جسم الرَّجُل بالمقارنةِ مع أيِّ مُكَوِّنٍ آخر في الجسم؛ فالكثيرُ من الرِّجال ذوي القضيب الكبير الحجم في حالة الارتخاء قد لا يزيد حجم قضيبهم كثيراً عند الانتصاب، في حين أن الرَّجل ذا القضيب الصَّغير في حالة الارتخاء قد يحصل على تغيُّرٍ ملحوظٍ في حجمه عندَ الانتصاب.
من النَّاحيةِ الطِّبية، تَكونُ معظمُ حالات ما يُدْعَى صِغَرُ القضيب حَالاتٍ ذات حجمٍ طبيعي له، بكل بساطة، يمكن للقضيب الذي يبدو صغيراً أن يكون مختبئاً في الدهن أو الشَّحْم الكثيف فوقَ العَانَة (النَّسيج الدُّهْنِي فوق عظم العانة) والموجود عند الرِّجال السِّمَان عادةً. ويُعَدُّ الإجراءُ الهادف إلى تَطْويل القضيب في مِثْل هذه الحالات بسيطاً نسبياً؛ فعندما تُجَرُّ الوسادةُ الدهنيَّة فوق العَانَة إلى الأعلى، يتبيَّن أنَّ القضيبَ ذو طول طبيعي عادةً. فلدى هؤلاء الرجال يمكن أن يؤدِّي التَّمْرينُ والحِمْيَة وحدهما إلى إنقاص مقدار الوسادة الدهنيَّة، والتسبُّب في تطويل طبيعي للقضيب من دون الحاجةِ إلى أيَّةِ معالجة طبِّية أو جراحيَّة.
أمَّا في الحالات الاستثنائيَّة التي يكون فيها القضيبُ صغيراً فِعْلياً، حيث يقيس أقلَّ من 4 سم في حالة الارتخاء وأقلَّ من 7.5 سم في حالة الانتصاب، لا سيَّما إذا أدَّى ذلك فِعْلاً إلى اضطرابٍ نفسي شديد، يمكن تجربةُ التطويلِ الجراحي للقضيب في محاولةٍ لإضافة نحو 2.5 - 5 سم إلى طوله.
ممَّا يَدْعو للأسف أنَّ عدداً من الطرق الجراحيَّة لتطويل القضيب القصير والرفيع وتعريضه أخفقت بشكلٍ كبير. وتقومُ هذه الطُّرُقُ على شفط الدهن فوق العانة وشَطْر الأربطة المعلَّقة التي تصلُ قاعدةَ القضيب بعظمِ العانة، ثمَّ إجراء رَأْب (تَصْنيع) بشكل V-Y أي (وبذلك يحصل شَقٌّ بشكل الحرف V على الجُزْء السُّفلي من البطن فوقَ قاعدة القضيب، ثمَّ يُغْلَقُ الشَّقُّ بشكل الحرف V)؛ أو يتم حقن الدُّهْن المأخوذ من الجُزْء الأسفل من البطن حولَ جِذْع القضيب. وقد أدَّتْ هذه الطُّرُقُ في كثيرٍ من الحالات إلى ظهور نسيج ملتهب وندبي حولَ جِذْع القضيب، وحصول تَشوُّهات واضحة فيه بسبب ارتشاف بعض الدُّهْن المحقون، الأمر الذي أدَّى إلى القيام بجراحات تَصْحيحيَّة إضافية (كما أدَّى ذلك إلى إثارة قضايا قضائيَّة ذاع صيتُها، وكلَّف هذا الأمرُ أحدَ اختصاصيي جراحة المسالك البوليَّة في كاليفورنيا ترخيصَه الطِّبِّي وملايين الدولارات في القضيَّة). ولكنَّ بعضَ الإجراءات الجراحية لتَكْبير القضيب، مثلما سنناقش في الفصل الثالث، والتي يجريها الخبراء يمكن أن تؤدِّي إلى نتائج مُرْضِيَة.
مَعَالِمُ طبِّية في معالجة العجز الجنسي
يخبرنا التاريخ عن العديد من الأدوية الغريبة المختلفة (ولكن ليست غريبة جدّاً) لعلاج العجز الجنسي. وقد كانت المعالجةُ الفعَّالة للعجز في الانتصاب مختفيةً لقرون وراءَ القيود الاجتماعية والأوهام والأساطير والمحرَّمات، واستمرَّ الحَظْرُ الدِّيني والسِّيَاسي الصَّارم ضدَّ التَّعْبير عن الجِنْس والأبحاث الخاصَّة به حتَّى بدايَات القرن العشرين، حيث بدأ العالم النَّفْسِي سيغموند فرويد من فيينا بتَغْيير المواقف تجاه الجِنْس من خلال التَّأكيد بأنَّ البشرَ حيواناتٌ جنسيَّة لديها الدَّافع نحو التَّوَالد والإنجاب. وفي العام 1912م، قام فرويد بمشاركةٍ كبيرة بكتابه: The Most Prevalent Form of Degradation in Erotic Life، حيث ناقشَ الأسبابَ النَّفْسِية المختلفة للاضطراباتِ الجنسية. ومنذ ذلك الحين فصاعداً، تقدَّمَتْ المنجزاتُ النفسيَّة والطِّبِّية في ميادين النَّشاط الجنسي البشري والعجز الجنسي معاً.
شَهِدَتْ ثلاثينيَّاتُ القرن الماضي التَّعَرُّفَ إلى التِّسْتوستيرون وعَزْلَه كهرمون جِنْسي ذكري، وقد استُعْمَل بلا تمييز في معالجةِ خلل الانتصاب في الفترة بين 1935 - 1940. وفي العام 1948، نشرَ الدكتور آلفريد كِنـزي من ولاية إنديانا في الولايات المتحدة نتائجَ دراساتِه الواسعة والرَّائدة عن الجِنْسانيَّة البشرية "Sexual Behavior in the Human Male" (1952) و"Sexual Behavior in the Human Female" (1953)، ولاقَتْ اهتماماً عالميَّاً واسعاً. وقد أوضَحَتْ أبحاثُه السُّلوكَ الجنسي السَّوِي والشَّاذ عندَ كلٍّ من النِّسَاء والرِّجال، وساعدَتْ على تَحْسين فَهْمِنا للعوامل النفسيّة وغيرها من العَوَامِل التي تتحكَّم بالميول الجِنْسيَّة والتَّعْبير عن الجنس عندَ البشر.
في العام 1970، ألقَى كلٌّ من الدُّكْتور وليام ماسترز والدُّكْتورة فيرجينيا جونسون، من خلال كتابهما الهام "Human Sexual Inadequacy"، الضَّوْءَ على أَهمِّية قَلَق الإنجاز والخوف من الفشل كسببين رئيسيين للعجز على الانتصاب. كما أحدثا تغييراً جذرياً في فَهْمِ النَّشَاط الجِنْسي السَّوِي والشاذ، ووَضَعَا أساسَ المعالجة الجِنْسِيَّة. وركَّزَا على ضرورةِ مُعَالجة "الوحدَة الزواجيَّة" أكثر من التَّرْكيز على الذَّكر وحدَه. وبدأ المجتمعُ الطِّبي في أوائل السَّبعينيَّات من القرن الماضي بتقبُّل البدائل أو العصيات السيليكونيَّة المغروزة في الأجسام الكهفيَّة بشكلٍ عام لمعالجة خَللِ الانتصاب.
التسلسل الزمني: الجِرَاحَةُ الوعائيَّة والأَجهزة والغِرْسَات (الطُّعوم) والحُقَن
مع بدايات القرن العشرين، أظهرَ اختصاصيُّو المسالك البولية اهتماماً بالجِهَاز الوعائي القضيبي والعجز في الانتصاب، مُرَكِّزين الانتباهَ على قضايا الجريان الدَّموي نحوَ القضيب، فضلاً عن التَّدفُّق (الخارجي) المُبْتَسَر أو المُفْرِط.
= 1902 - وصفَ وُوتِن تحسُّنَ الانتصاب بربطِ الوَريد العميق لظَهْر القضيب، وذَكرَ لايديتون نتائجَ مماثلةً عام 108.
= 1923 - أَثبتَ لوريش أنَّ بَعْضَ حَالات العجز في الانتصاب كانت متصاحبةً مع مرضٍ وعائي.
= 1973 - سجَّلَ ميشال طريقةً جراحيَّة وعائية مِجْهَرِيَّة جديدة للعجز في الانتصاب، تتكوَّنُ من مفاغرة (وَصْل) الشِّرْيَان الشرسوفي (المتوضِّع خلفَ العضلة المستقيمة البطنية السُّفْلِية) بالجسمِ الكهفي مباشرةً.
= 1982 - سجَّلَ فيراج تَصْحيحَ القصور الشرياني القضيبي بوَصْلِ الشِّرْيَان الشُّرْسوفي بالوريدِ العميق لظهرِ القضيب مباشرةً؛ وقد وجدَ أنَّ هذا الإجراءَ يصحِّح التَّدفُّق الوريدي الخارجي السَّريع أيضاً.
= 1985 - سجَّل وِسْبِس وشولمان تحسُّنَ الانتصاب بتَسْليخِ الوريد العميق لظهر القضيب وروافده المرافقة ورَبْطها.
في مرحلةٍ لاحقة، وفي ظلِّ كَثْرَة الأبحاث التي استمرَّتْ حتى تسعينيَّات القرن الماضي، استُعْمِلَتْ إجراءاتٌ مجازيَّة (وَصْليَّة) عَديدة بين الشِّرْيَان الشرسوفي وشِرْيَان أو وريد ظَهْر القضيب لزيادةِ تدفق الدم إلى القضيب، فعلى سَبيل المثال، عَدَّلَ فيرلو طريقةَ فيراج بربطِ الوريد القضيبي القاصي. كما ازدادتْ الإجراءاتُ الجراحيَّة التجريبيَّة لتحديد مَوْضِع الأوردة المسرِّبة المتَّهمة وإصلاحها. لكنْ رغمَ النَّجاح المرتفع نسبياً على المدى القصير لتلك الوسيلة الجراحية، إلاّ أن النَّتائجَ كانت مخيِّبةً للآمال على المدى البعيد. أمَّا اليوم، فيندرُ القيامُ بالإجراءات الجراحيَّة المتعلِّقة بالتسريب باستثناء حالاتٍ منتخبة من التَّسريب الوريدي الهام بين الجِسْم الإسفنجي والجسم الكهفي.
طرحَ الدكتور أُوتو ليدرَر من فيينا، في بداية القرن العشرين، جهازاً لتحقيق الانتصاب بالتَّخْلِية، لكنْ لم يبدُ ذلك في الصُّحُف الطِّبية الراسخة والمُراجَعَة من الزُّملاء، كما لم يَلْقَ قَبُولاً من المجتمعِ الطبِّي. وفي بداية ستينيَّات القرن الماضي، طوَّرَ دافيد أوسبون من جورجيا، جِهَازَ تَخْلِيَة يُطَبَّقُ خارجيَّاً لمعالجة العجز في الانتصاب لديه ويُسَمَّى "الجهازَ المُكَافِئ للشَّباب Youth Equivalent Device"، من دون معرفة الاختراع الأُسْترالي السَّابق، لكنَّه لم يحاولْ تسويقَه إلاَّ بعد 15 سنة تقريباً. ومع ذلك، تقدَّمَت البِدْلاتُ القضيبيَّة بشكلٍ ملحوظ.
= 1936 - استعمل بوغاراس قِطْعَةً من الغضروف الضلعي لاستبدال قضيب مَبْتور.
= 1948 - استعملَ بيرغمان طُعْماً ضلعيَّاً لاستبدالِ قضيب مبتور، لكنْ تبيَّنَ أنَّ مثلَ هذه المواد الطَّبيعية تُرْتَشَفُ من الجسم في نهاية الأمر، مما يجعل البِدْلات عديمةَ الوظيفة.
= 1948 - أَنْتَجَ بوهايرس أنبوباً بلاستيكيَّاً صُلْباً كقضيبٍ عظمي اصطناعي.
= 1952 - وصفَ غودوين وسكوت بدلةً قضيبية أَكْريليكيَّة نصف صُلْبَة.
= 1960 - وضعَ بيهايري غِرْسَات من مادة "البولي إثيلين" في الجِسْم الكهفي، ووَضَعَ لوفلر غِرْسَات أكريكيليَّة في القضيب خارج الجسم القَضيبـي.
= 1968 - وضعَ لاش غِرْسَةً سيليكونيَّة مُفْرَدة تحتَ الجسم الكهفي.
= 1972 - استعملَ بيرمان بدلةً سيالستيكيَّة مفردة؛ كما غرسَ عصيَّاً (عِيداناً) سيليكونيَّة مزدوجة؛ واستعملَ سوبريني عِيداناً سيليكونيَّة مزدوجة في السَّنة اللاحقة.
= 1973 - استجابةً للطلب على بِدْلَة جذَّابة أكثر تجميلاً، قدَّم سكوت وزملاؤه بدلة قابلة للنَّفْخ.
= 1975 - استعملَ كاريون وزملاؤه زَوْجاً من البِدْلات السيليكونيَّة المملوءة بالهلام.
= 1977 - وضعَ فيني بِدْلَة سيليكونيَّة رَزِّيَّة.
= 1980 - قدَّمَ يونس بِدْلةً سيليكونيَّة تحتوي على أسلاك فضيَّة مُسجَّاة (مُنْطَمِرة) تَسْمَح بالحَنْي الإرادي.
= منتصف ثمانينيات القرن الماضي - جلبَتْ شركةُ الأجهزة الطبِّية الأميركيَّة عيداناً سيليكونيَّة طَيِّعَة (طَرُوقَة)[48] نصف صلبة ذات لب (قَالِب) من الفولاذ الذي لا يصدأ. وطرحت شركةُ داكومد جهازَ الأُمْنيفيس، وهو بدلةٌ نصف صُلْبَة من البولي يوريثان ذات رزَّة (مِفْصَلة) آليَّة التَّشابُك. وقد سَوَّقَتْ عدَّةُ شركات، مثل سورجيتك، ومونيتور، وداكومد، ومؤسَّسة الأجهزة الطِّبية الأميركية العديدَ من الأجيال الجديدة من البِدْلات القابلة للنَّفْخ منذ ذلك الحين.
مع أنَّ استعمالَ عوامل مختلفة لتَوْسيع الأوعية الدَّموية باتَ معروفاً جيِّداً، غير أنَّ القدرةَ على تحريض الانتصاب بالحَقْن القضيبي المباشر لم تتحقَّقْ إلا بالصُّدْفَة عام 1972، حين عمد ميشال، خلال قيامه بإعادة التَّوْعِيَة[49] إلى الشرايين القضيبيَّة لأحد المرضى، إلى حَقْنِ الموسِّع الوعائي "البابافيرين" في الجِسْم الكهفي لزيادة حجم الأوعية الدَّموية، فدُهْشَ من حصول الانتصاب إِثْرَ ذلك. وقد قادَ ذلك إلى المزيد من الاستقصاء وإلى استعمال موسِّعات الأوعية القابلَة للحَقْن:
= أوائل الثمانينيَّات من القرن الماضي - اقترحت الدِّراسَاتُ المستقلَّة لكلٍّ من فيراج وبريندلي بأنَّ حقنَ بعض الموسِّعات الوعائية داخلَ القضيب يمكن استعمالُه في معالجة العجز على الانتصاب.
= 1986 - أصبحَ الحقنُ الذَّاتي للأدوية الموسّعة للشَّرايين والجيوب داخلَ الجسم الكهفي المعالجةَ السَّائدةَ للعجز الجنسي.
= أواخر ثمانينيَّات القرن الماضي - ظهر البروستاغلاندين E1 [Prostaglandin E1 (PGE1)] على السَّاحَة كمادة موسّعة للشَّرايين والجيوب داخل الأجسام الكهفيَّة.
= بداية تِسْعينيَّات القرن الماضي - طُرِحَ مزيجُ البابافيرين والفِنْتولامين والبروستاغلاندين E1، Trimix، والفُورسكولين أحياناً؛ ويبدو أنَّه يُحْدِث انتصاباً أكثر جودةً وأطول مدة مع القليل من التَّأثيرات الجانبيَّة المحتملة.
أظهرت نتائجُ دراسات الحَقْن داخل القضيب مُعَدَّلات عُزوف (تَرْك) عالية بسبب تخوُّف الرِّجال من حقن الموسِّعات الوعائية ضمن القضيب مباشرةً. وبذلك طُرِحَتْ غِرْسَة رفيعة للبروستاغلاندين E1 داخلَ الإحليل عام 1998 MUSE. ولكن - وللأسف - تراجع معدَّلُ نجاحها الأولي المرتفع (65% تقريباً) إلى نحو 35% عندما استعملَتْ الغِرْسَةُ سريرياً على نطاقٍ واسِع.
المنشطات الجنسية المدهشة
لقد جُرَّبَتْ الأدويةُ الفمويَّة، مثل الترَازودون، والأرجينين، والدِّيليكوامين، والنالتريكزون، والنالميفين لمعالجة العجز الجنسي، لكن من دون نجاح. ورغم توفُّر الخيارات العلاجية الأخرى، انتظر الرِّجالُ المصابون بالعجز على الانتصاب بتلهُّفٍ اكتشافَ معالجة مثاليَّة غير باضعة تتَّصِف بالخصائص التَّالية: "ينبغي أن تكونَ بسيطةَ الاستعمال، ويُفَضَّل أن تكونَ عبر الفم، وذات فعَّالية كبيرة في جميع محاولات الاتِّصال الجنسي، وغير مؤلمة، وذات تأثيرات جانبية قليلة وتكلفة منخفضة" كما أوردناه في مقالة نشرت سنة 1997م في مجلة جراحة المسالك البولية والتناسلية الأميركية.
بعد ذلك، تَفجَّرَ بركانٌ طبِّي عالمي عام 1998 بتقديم فايزر لدواءٍ جديد يُدْعَى الفياغرا (السِّلْدينافل) لمعالجة العجز الجنسي. وقد كان هذا المركَّب، القادم من عائلة مُثبِّطات الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5، قد اخْتُبِرَ بادئ ذي بَدْء في المملكة المتَّحدة عام 1992 بسبَب تأثيراتِه الموسِّعَة للأوعية القلبيَّة الإكليليَّة (التَّاجيَّة)، لا سيَّما لمعالجةِ داء الشرايين الإكليليَّة وفَرْط ضغط الدَّم. لكن ما أدهشَ الباحثين أنَّ عدداً من المرضى الذين سَاهموا في الدِّراسة سجَّلوا تحسُّناً في الفحولية الجنسية. وقد أدَّى هذا الكَشْف السَّعيد، وهو أحدُ أكبر المُنْجَزات الطبِّية في القرن الماضي، إلى تحوُّل تركيز الباحثين في الفياغرا من القلب إلى القَضيب. وسجَّلت الدراساتُ العالميَّة اللاحقة نتائجَ ممتازةً باستعماله في تحسين الوظيفة الانتصابيَّة، مع تأثيرات جانبية بسيطة.
مع ازدياد فَهْمنا للكيمياء الحيويَّة للدِّماغ وأهمِّية النَّاقل العصبي الدُّوبامين في عملية الانتصاب، أدَّى ذلك إلى ظهور الأبومورفين وتَسْويقه عام 2001. ويُشْبِه هذا الدَّوَاءُ الدُّوبامين من النَّاحية الكيميائية الحيوية، ويؤثر مباشرةً في مراكز الدِّماغ الجنسيَّة التي تُحْدِث الانتصاب. وقد حقق الأبومورفين نتائجَ أوَّلية مشجِّعة مع تأثيرات جانبية قليلة جدّاً، لكنَّه لم يَرْقَ إلى المستوى المُتَوقَّع، فقد أظهرت الدِّراساتُ الإضافية نقصَ كفاءته، مع انخفاض معدَّل النجاح حتى 35 - 47% بالمقارنة مع 32% البلاسبو (الدواء الغفل).
في العام 2003، عَصَفَ بالسوق منافسان جديدان، من عائلة مُثبِّطات الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5، هما اللِّيفيترا (الفاردينافيل) من شركة باير - غلاسكو، والسيالِس (التَّادالافيل) من شركة ليلي - أيكوس، بعدَ موافقة إدارة الأدوية والأغذية الأميركيَّة. ومع أنَّ اللِّيفيترا والسيالِس يُشْبِهَان الفياغرا كيميائياً، لكنَّهما يختلفان في سرعةِ التأثير ومدَّته وفي بعض تأثيراتهما الجانبيَّة. ورغم معدَّلات النَّجاح العالية التي ظهرت باستعمال جميع مثبَّطات الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5 هذه، غير أنَّ الدِّراساتِ أظهرت معدِّلات تَرْك مرتفعة بعد بضعة شهور من استعمالها. ويبدو أنَّ أغلبيةَ المصابين بالعجز على الانتصاب وشريكاتهم/زوجاتهم ما زالوا راغبين بالمعالجة لاستعادة أدائهم الجنسي بطريقةٍ أكثر من "طبيعية" من دون الحاجةِ إلى الاعتماد على الوسائل "الاصطناعية" (مثل الأدوية) في كلِّ وقتٍ يخطِّطون فيه للممارسة الجنسيَّة.
مُبْتَكراتٌ في الأفق
تُشير بعضُ الدِّراسات الألمانية إلى أنَّ الاستعمالَ اليومي لمثبِّطات الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5، على مدى عدَّة شهور، يؤدِّي إلى استعادة الفحوليَّة الجنسية من دون الحاجة إلى المزيد من المعالجة لدى أكثر من 55% من المرضى. كما أنَّ التَّطْبيقَ المشترك لمثبِّطات الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5، وحَقْن موسِّعات الأوعية داخلَ الجسم الكهفي أو إدخال غرزات البروستاغلاندين داخلَ الإحليل قد أدَّى إلى نتائج جيِّدة أيضاً. وعلاوةً على ذلك، أبدى بعضُ الرِّجال، لا سيَّما مرضى داء السكري - الذين أخفقت مثبِّطاتُ الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5 لديهم سابقاً - استجابةً جيِّدة لهذه المثبِّطات عندما أُخذَت مع المعالجة الهرمونيَّة المعيضة لنَقْص التِّستوستيرون في المصل. وبالمقابل، أصبحَ بعضُ الرِّجال المصابون بعجز في الانتصاب ونقص التستوستيرون - الذين لم يستجيبوا بدايةً للمعالجة الهرمونية - قادرين على تحقيق انتصاب جيِّد عندما أُضيفَت مثبِّطاتُ الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5 إلى المعالجة لديهم.
ومع دخولنا القرن الواحد والعشرين، لم تَعُدْ الكثيرُ من معالجات العجز في الانتصاب المستعمَلَة حالياً تُقَدَّر من حيث الكفاءة على المدى البعيد أو المضاعفات غير المتوقَّعة. وتجري اليومَ دراسةُ العديد من الأدوية الجديدة على شكل أقراص ورذاذ أنفي ومرهم قضيبـي، وستتوفَّر قريباً. وتُعَدُّ المعالجةُ الجينيَّة إحدى أهمِّ المعالجات الجديدة الواعدة، حيث تُحَوِّلُ جينات سِنْثاز أكسيد النِّتْريك (NOS) أو إنتاج الكافيولين إلى الجسم الكهفي مباشرةً. وقد أظهرت المعالجةُ الجينيَّة نتائجَ أوليةً مشجِّعة عندَ الحيوانات ولدى بعض الرِّجال المصابين بعجز في الانتصاب، حيث أعادَتْ الانتصابَ الطَّبيعي لعدَّة شهور أو بشكل دائم. وقد قام فريق في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو حديثاً باستعمال خلايا جزعية استؤصلت من الخلايا الدهنية عند الفئران وتم حقنها في أجسام الفئران الكهفية حيث أنتجت عضلات ملساء وأوعية ساعدت تلك الحيوانات المصابة بداء السكري على استرجاع طاقتها الجنسية. والأمل أن تنجح تلك الوسيلة عند الأشخاص في المستقبل القريب إن شاء الله.
إنَّ الفصولَ النهائية في تاريخ العجز الجنسي لدى الذكور ومعالجته لم تُكْتَبْ بعد؛ فمع تلقِّي هذه القضية المزيد من الاهتمام والدِّعاية، سيكون المزيدُ من الرِّجال قادرين على التَّقدُّم إلى الأمام وطلب المساعدة، وينبغي أن يتقدَّم الطبُّ بخطى ثابتة نحو المشاكل الجنسيَّة التي لم تُكْتَشفْ حلولُها الدَّائمة بعد. ولا تزالُ الأبحاثُ الهامَّة بشأن بِنْيَة العضل الأملس للقضيب، وفيزيولوجيته، والتدابير الوقائيَّة التي تؤخِّر أو تمنع حدوثَ خلل الانتصاب، على وجه الخصوص، أرضاً خِصْبَة للبحث.
الوَجْدُ والمعاناة
من الطَّبيعي أن يكونَ كلُّ فرد مهتمَّاً بالحبِّ والجنس وباحثاً عنهما؛ ولقد أسَّسَ الإنسانُ المتحضِّر مِزَاجَه الثقافي وطرازَ حياته على مفاهيم دائمة التَّوسُّع من الحبِّ والجِنْس والعاطفة؛ وهو يطوِّرُ هذه المفاهيمَ باستمرار لتكبر وتنمو. ولكن رغمَ التَّطوُّر والتَّعْقيد المتزايدين في الجنسانيَّة، تُوَاجِه البشريَّةُ باستمرارٍ صُعوباتٍ جسديَّةً ونفسية واجتماعية مرتبطة بها، وقد حصلت مآسٍ من الإخفاق بأعداد متزايدة الأهمية في التَّعْبير عن الرَّغبة الجنسية والتَّطلُّعات إليها. ولقد تعدَّدَتْ المشاكلُ المرتبطة بالجنس، وحصلَتْ مَآسٍ من الإخفاق بأعداد متزايدة الأهمية.
يجب أن يَتهيَّأ الرَّجلُ المعاصر والمرأة المعاصرة جيِّداً لفنِّ الجنس والحب؛ فالرِّجالُ والنِّساءُ يستحقُّون النَّظَرَ إلى الجِنْس وممارسته على أنَّه فِعْلٌ مُمْتِع ذو مظهر عاطفي صريح. وينبغي ألا يُسْمَحَ لبعض المشاكل، مثل إخفاق الانتصاب أو اضطراب القذف، أن تُخْمِدَ حماسةَ الإنسان وأن تضعَ نهايةً مفاجئة لطموحه الجنسي. كما أنَّ الاهتمامَ بالعجز الجنسي عند النِّسَاء، والذي كان مُهْمَلاً في الماضي، قد انتعشَ مؤخَّراً بفِعْل دراسات جديدة واسعة، ومؤتمرات، ومنشورات، ومناقشات. وتحاولُ الفصولُ اللاحقة استكشافَ الأوجه المختلفة للجِنْسانيَّة الطَّبيعية وحالات العجز الجنسي، وتُقَدِّم نظرةً شموليَّة حديثَة لأسباب هذه الاضطرابات وتأثيراتها وللطُّرُق المعاصِرَة في تَشْخيصها ومُعَالجتها.
لقد تحسَّنَ فهمُ البشريَّة للجِنْس والعجز الجنسي بشكلٍ ملحوظ على مدى السِّنين العشر الأخيرة، ويعودُ الفَضْل في إيضاح ذلك إلى الخطوات الكبيرة في مجال الفيزيولوجيا الجنسيَّة، والفيزيولوجيا المرضية، وكيفية الإصابة بهذا المرض. ويمكن تعقُّبُ الاهتمام التَّاريخي بهذا الموضوع حتى آلاف السنين الماضية؛ ولكن للوصول إلى منظور صحيح بالنِّسْبَة إلى مراحل التَّطوُّر الحديثة الثوريَّة، فمن المفيد أكثر العودة إلى ملايين السنين من التَّطوُّر الجنسي.
من الحيوان إلى الإنسان: تَطوُّرُ الانتصاب والوظيفة الجنسيَّة
ربَّما كان لدى أجدادِنا من البشر في وقتٍ من الأوقات عَظْمٌ في القضيب، وهذا ما أعطاه صَلابةً دائمةً، وحَالةً من الانتصاب المستمرِّ. وبمرور الوقت، ولأسبابٍ عمليَّة، اختفى العظمُ أو "عظم القضيب" عندما بدأَ الرِّجَالُ يمشون منتصبي القامة. وعندما أصبحَ قضيبُ الإنسان عُضْواً طرياً، تَحوَّل التَّحكُّمُ الجنسي به إلى المركز العلوي، أي الدِّماغ، وهذا التَّطوُّرُ يميِّزه عن معظمِ الحيوانات الأخرى، حيث يستطيعُ الدِّماغُ أن يسهِّلَ أو يثبِّطَ عمليةَ الانتصاب عندَ الإنسان. وفي أيِّ وقتٍ يُعْتِقُ الدِّماغُ تحكُّمَه التَّثْبيطي، قد يحدث انتصابٌ عفوي.
بَقيت الكثيرُ من الحيوانات محتفظةً بعظم القضيب؛ ففي الحوت، تبلغ أبعاد العظم المترين طولاً والأربعين سنتم قطراً. أمَّا في الثدييات الأخرى، مثل الكلب والثعلب والدُّب، فيبلغ حجمُ هذا العظم نحو 1 - 2 سم. أمَّا الأسدُ فلديه قضيبٌ قابلٌ للانكماش، مما يعطيه حمايةً جيِّدة من الإصابة. من جهة أخرى، يوجد قضيبان عند الأفاعي يمكن استعمال كل منها بمفرده، فالثاني قد يفيد كبديل إذا ما حصل شيءٌ ما للأول.
على النَّقيض ممَّا يتخيَّلُه الكثير من الذكور، لا توجد فائدةٌ عملية (بالنِّسْبَة إلى الإنسان على أيَّة حال) في امتلاك قضيبين طالما أن القضيب الواحد يقوم بوظيفته ويؤدِّيها بشكل مقبول. في الواقع، تدخل بعضُ ذكور الحيوانات في النَّشاط الجنسي بنجاحٍ تام من دون قضيب؛ فحصانُ البحر الذكر لديه كيس أو جَيْبَ، في حين لدى الأنثى قضيبٌ (الشَّكْل 1 – 1: ملحق الصور)؛ وفي أثناء المجانسة، تخترقُ الأنثى هذا الجيب وتُطْلِق بيوضَها فيه، حيث يكونُ الجَيْبُ مملوءاً بنطاف الذكر، وبذلك يحصل "الحَمْل" عندَ الذكر. كما أنَّ لدى الكثير من ذكور الطيور جيوباً، وليس قضباناً.
يتكوَّنُ قضيبُ الإنسان المعاصر بشكلٍ رئيسي من نَسيجٍ ناعظ (قابِل للانتصاب) ليفي مرن، وفيه ثلاثةُ أجزاء أساسية، اثنان منها هما مجموعتان جانبيتان من النَّسيج الإسفنجي تشكلان حُجْرَتين تُسمَّيان الأجسام الكهفيَّة، وهما تشكِّلان القسمَ الأكبر من الحيِّز القضيبـي، كما أنَّهما تمثِّلان العناصرَ النَّاعِظة الرئيسيَّة في القضيب. أمَّا الجزءُ الإسفنجي الصَّغير الثالث فهو الجسمُ الإسفنجي الذي يشغلُ الجهةَ السفلية من القضيب، ويغطِّي الإحليلَ (قناة البول). وتُحَاطُ هذه الأجزاءُ الإسفنجيَّة، التي تشكِّل إطاراً للأحياز الوعائية والأوعية، بعَضلات وغِمْد متين (الشَّكْل 1 - 2: ملحق الصور). وتوجد حَشَفةُ القضيب المخروطية الشكل، أو رأس القضيب، عندَ النِّهَايَة الخارجيَّة البعيدة من تلك الأجزاء.
مع أنَّ قضيبَ الإنسان لا يحتوي على عظمٍ ويكون واحداً، غير أنَّه أهم بكثير في شكله وتشريحه من قضيب الحيوانات؛ وهو يستطيع الولوجَ بسهولةٍ والقذف مباشرةً في مهبل الأنثى، كما أنَّه محميٌّ جيِّداً من الرُّضوض، ويبلغ عندَ انتصابه حجماً أكبر نسبياً من حجم القضيب عندَ معظم الحيوانات الأخرى. لا يعمل العضو التناسلي على تمرير البول والمنيِّ فحسب، وإنِّما ينتصب أيضاً، ممَّا يسمح للرَّجُل بممارسة النَّشاط الجنسي عندما تسمح الفرصة. وعلاوةً على تلك الوظائف الجسمية، فإنه يؤدِّي إلى حياةٍ رَزينَة ومثالية أيضاً، ولكن من المستغرب أن نلاحظَ وسواساً أو هاجساً عندَ معظم الذكور من البشر بالنِّسْبَة إلى القضيب - حجمه، وطوله، ومقاسه، وقدراته الانتصابية. ولكنَّ هذا الاستغراق أو الانهِماك ليس شيئاً جديداً كما يبدو.
العضو التناسلي في الفنِّ والفلسفة القديمَة
لقد رُسِمَ القضيبُ، وجُسِّمَ، ونُحِتَ على مدى ملايين السنين في مئات الحضارات؛ فالكثيرُ من الثقافات القديمة كانت تقدِّر العضو التناسلي ذا الحجم الكبير. ويظهر ذلك الإعجابُ في الثقافة الهندوسيَّة القديمة في مَنْحوتاتها الذكوريَّة وأعمالها الفنِّية الأخرى. ولكن من اللافت للانتباه أنَّ هذه الثقافة لم تمتدَّ إلى الإنسان الحي الذي كان يفضِّل القضيبَ الصَّغير. وقد كان الكِتابُ الجنسي الهندوسيُّ الشهير كاما سوترا (الذي كُتِبَ من قِبَل عالم هندي بين عامي 330 - 369 بَعْدَ الميلاد) مَعْروفاً بشكل جيد بوَصْفه للوضعيَّات والأوضاع المختلفة للمجانسة، فضلاً عن المظاهر النَّفْسية للأَفْعَال الجِنْسِيَّة المتبادَلة وسيناريوهات الحب. لكنَّ كاما سوترا حدَّدَ أصنافَ الرِّجال من خلال حجم القضيب لديهم؛ فالرَّجلُ ذو القضيب المُنْتَصِب بمقدار 5 - 7 سم تقريباً (الرَّجل الأرنب) وصفَه بأنَّه رَشيقٌ وقوي (الحبيب المثالي)؛ أمَّا الرَّجلُ ذو القضيب المنتصب بمقدار 9 - 14 سم تقريباً (الرَّجُل الأَيِّل)، فهو سريعٌ ورَشيق (المحارب المثالي)؛ وأمَّا الذَّكرُ الأقل إِعْجَاباً فهُوَ الرَّجُلُ النَّادر ذو القضيب المُنْتصِب بمقدار 21 سم تقريباً أو أكثر (الرَّجُل الحصان أو الفَحْل)، فهو - كما يرى - كَسولٌ وعديم الجَدْوَى.
لقد صُوِّر القضيبُ المُنْتَصِب في مَصْر الفرعونية بأنَّه رمزُ القوة والحظ السَّعيد من خلال العَديد من الجداريَّات والمجسَّمَات. وصُوِّرَتْ الآلهة اليونانيَّة بالمَوَاهِب العديدة أيضاً، مع أنَّ الذكورَ المشهورين منها صُوِّروا بأعضاء صغيرة جداً، لأنَّ الإغريقَ القُدَماء رَأَوْا في القضبان الكبيرَة مجرَّدَ أعضاء شاذَّة وغليظة. وقد أشارَ الفَيْلسوفُ أرسطو (384 - 322 قبل الميلاد) إلى أنَّ الرَّجُلَ ذا القضيب القصير أكثر إِخْصَاباً، مُعلِّلاً ذلك بأنَّ المنيَّ يسير مسافةً أقصر فلا يجد الفرصة حتى "يَبْرُد".
خَلَلُ الوَظيفَة الاِنْتِصَابيَّة والتَّدْبير التَجْريبي عبرَ القرون
إنَّ العجز الجنسي قديمٌ قِدَمَ العالم، فقد عزاه التَّوْراةُ إلى لعنةٍ دينيَّة، أمَّا الطبيبُ الإغريقي أبو قراط (460 - 375 قبل الميلاد) فعَزَاه إلى الانهماك المهني لدى الرَّجل وقُبْح الأنثى. وأصرَّ الأخلاقيُّون الدِّينيون في القرن الثامن عشر والتاسع عشر على أنَّ العجز على الانتصاب عندَ الذكور ينجم عن فرط الأنشطة الجنسية، مثل الاستمناء (العَادة السرِّية)، والعُهْر، والدَّعَارة. وقد عولج العجز الجنسي على مدى سنين بالسِّحْر، والرُّقيَة، والنُّصْح الدِّيني. ومن دواعي الحمد أنَّ الجهلَ بالوظيفة الجنسيَّة واضطراباتها زالَ في نهاية الأمر بفعل السَّبْر والكَشْف العِلْمي.
يُعَدُّ الفنَّانُ والمُخْتَرِع الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي (1452 - 1519م) أوَّلَ من وَصفَ آلية الانتصاب - فقد كان هو نفسُه أحدَ من عانوا من العجز الجنسي - وربطَ هذه الآليَّةَ بامتلاء القضيب بالدَّم. ثمَّ وصفَ الطَّبيبُ كوستانـزو فاروليو (1543 - 1575م) وظيفةَ الانتصاب أو النُّعوظ في العضلات المحيطة بالقضيب في وقتٍ لاحق، مع أنَّ الوَصْفَ القديم جدّاً لهذه العضلات يُعْزَى إلى الطَّبيب الإغريقي جالينوس في القرن الثاني بَعْدَ الميلاد.
لقد ذكرَ الأدبُ الصيني، والإغريقي، والرُّوماني، والمصري أدويةً كثيرة لزيادة الفحولية الجنسيَّة، واشتملت الأدويةُ التَّاريخية للعجز الجنسي على تناول خصى الحيوانات والخُلاصَات الخصويَّة، لكنَّ ذلك لم يستمر لفترة طويلة كما يبدو. وفي العام 1889م، حقنَ عالم الفيزيولوجيا الفرنسي شارل إدوارد براون سِكْوَار نفسَه بخلاصة محضَّرة من دم الوريد الخصوي والمني ومن سائلٍ حصلَ عليه من هَرْس خُصَى كلاب وخنازير غينيَّة فتيَّة، وأشارَ إلى حصول استجابةٍ جنسيَّة ممتازة بهذا "المزيج"؛ ورأى الكثيرُ من الخبراء أنَّ ذلك كان إيذاناً بميلاد المعالجة بالهرمونات الذكرية.
ليلي آيْكوس وتاريخ الجنسانيَّة البشريَّة
لقد أدركَ الرِّجالُ والنِّسَاء منذ قديم الزمان الحاجةَ الملحَّة والتلهُّف إلى الزِّنَى؛ وجَرَى تعريفُ المواقف والأنشطة الجنسيَّة وإعادة تعريفها على مدى آلاف السنين من قبل عددٍ لا حصرَ له من المؤثِّرات الشخصيَّة، والدينيَّة، والأخلاقية، والاجتماعية، والعِرْفِيَّة. في لقاءٍ سنوي حديث للجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية والتناسلية الأميركية، عرضت شركة ليلي آيْكوس (المصنِّعة لعقار السيَالِيس) معرضاً للتطور الجنسي عبر العصور وجرى خلاله توزيعُ كتيِّب بعنوان Sexuality: Perception and Performance throughout History، حيث أوضحَ تغيُّرَ صورة الجنس وممارسته عبر الزمن وفي الثقافات المختلفة، وتبنَّى الكُتَيِّبُ عدداً من النقاط الجديرة بالاهتمام:
الإنسانيَّة القَديمَة - لقد كان الجنسُ ببسَاطة فِعْلاً طَبيعياً وممتعاً للرضا الحسِّي، لا يتأثَّر بالمضامين الأخلاقيَّة أو الإنجابيَّة، وبقي كذلك حتى العام 9000 قبلَ الميلاد. وبعد معرفة الدَّوْر الذَّكري في التَّكاثُر، أصبحت الأنثى في مركز العَائلة. وقد كانت مُسَاهمةُ الرِّجَال في التَّكاثُر مَعْروفةً في الوقت الذي تحرَّك فيه النَّاسُ نحو القرى بَحْثاً عن مصادر النباتات والماشية. لقد كان إنتاجُ ذريَّة كبيرة لتَوْفير الكثير من الأيدي العاملة في الحَقْل مَطْلباً مُلِحَّاً في تلك المجتمعات الزراعية، لذلك كان عجزُ المرأة عن الحمل وصمةَ عار بالنِّسْبَة إلى دورها في ذلك.
مصر القديمة - لقد كان الزواجُ بفتيات لا يتجاوز عمرهنَّ 12 سنة شَائِعاً، وقد استخدمت الدهونات والطَبْخَات الدوائيَّة... الأخرى لمنع الحمل، كذلك كان يحال دون الحمل بالتوقف عن المجانسة قبلَ القذف، وبالممارسة الجنسية الشرجية، ومع الحيوانات، وبإدخال مواد مثل العسل ورَوْث التِّمْساح في المهبل لمنع مرور النِّطاف إلى عنق الرَّحِم.
اليونانيُّون القدماء - كان الرِّجالُ يُشْبِعون رغباتهم الجنسيَّة بوسائل من السُّلوك اللوطي (الجِنْس المِثْلي) واللِّواط بالأَطْفال غالباً، لا سيَّما مع أولاد بَعْدَ البلوغ؛ أمَّا النِّسَاءُ فكُنَّ يبحثن عن شهواتهنَّ من خلال الاِسْتِمْنَاء أو ممارسة السِّحاقِ في الغالب. وكان يُنْظَرُ إلى النِّساء على أنَّهنَّ أدنى مرتبةً من الرِّجال، ويُصَنَّفنَ إلى ثلاث فئات: زوجات للولادة والإنجاب، ومحظيَّات للإِشْبَاع الجنسي، ومومِسَات الطبقة العُلْيا للتحفيز الجِنْسي والثقافي.
الإمبراطوريةُ الرُّومانيَّة - اتَّصفَتْ الإمبراطوريةُ الرُّومانية بالتحرُّر الجنسي، والبِغَاء، والحمَّامات العامَّة للرِّجال والنِّساء، وبالآلهة الجنسية الأُسْطورِيَّة التي أظهرَتْ "الموقفَ غير المبالي تجاه الجِنْس عندَ الفَرْد الرُّوماني" والاختلاطَ الجنسي الواسِع، وقد استمرَّ ذلك حتى سقوط الإمبراطورية. ومع هَيْمَنَةِ الكنيسة المسيحيَّة في نهاية المطاف، أدِينَتْ الممارسةُ الجنسيَّة بقصد المُتْعَة (بدلاً من الإنجاب) والجِنْس المِثْلي (اللواط والسَّحاق) والاِسْتِمْنَاء ومَنْع الحمل كعَمَل آثِم، وحُرِّم ذلك بوسائل عنيفة أحياناً.
الهند القديمة - لقد ركَّزَتْ تعليماتُ كاما سوترا السَّابق الذِّكر (حِكَم المُتْعَة) على ما يُسمَّى الآرثا أو العافية المادية، والكاما أي المتعة والحب. كان الجنسُ يُعَدُّ واجباً دينيّاً ينبغي أن يُعامَلَ باحترام وبتقدير كبير، وفَناً ينبغي اكتسابُه من خلال الممارسة، وفِعْلاً عاطفياً في التَّعْبير عن الحبِّ. وفضلاً عن التَّعْليمات بالنِّسبة لكلٍّ من الرِّجال والنِّساء عن الطرق الجنسيَّة المختلفة للحصول على أقصى متعة، يقدِّم الكتيِّبُ قائمةً بالأطعمة والعقاقير المُثِيْرَة للرَّغْبَةِ الجِنْسيَّة وأنماط مَنْع الحمل. وقد كان التَّقْديرُ الكبير للزواج في ثقافة الهند القديمة متجلِّياً في عادَة السَّاتي، حيث تَنْتَحِرُ الأرملةُ برَمْي نفسِها فوقَ مِحْرَقة زوجها الجنائزيَّة، وبذلك تصحبُه في موته.
العَالم الإسلامي القديم - كانت النِّساءُ يصنفن إمَّا إلى سيِّدَات مُحْتَرَمات يُقدَّرَن ويُحْفَظنَ في بيوت الحريم لحمايتهن من "شُرور" المجتمع، مما يُعْطِي الرِّجالَ الفُرْصَةَ لممارسة الجِنْس مع العَديد من النِّسَاء عندَ وجود الرغبَة لديهم. وقد بَنى الأَتْرَاكُ في القرن الخامس عشر البيتَ التُّرْكي الكبير، وهو مدينةٌ صغيرة لنحو 300 - 1200 مَحْظِيَّة من حريم السُّلْطَان، ممَّا أعطاه خيَاراً هائلاً من الشِّريكات للاختيار بينهن وإشباع رغبته الجنسيَّة. وقد بيَّنَ كُتَيِّبٌ جنسي في القرن الخامس أو السادس عشر بعنوان "The Perfumed Garden for the Soul’s Recreation" طرقاً مُفَصَّلة للمجانسة الناجعة والأدوية الخاصَّة بالمشاكل الجنسيَّة.
الصِّين القديمة - أكدت التعاليمُ الطاويَّة على أهمِّية الجِنْس للتمتُّع بحياة صحِّية مديدة، وكوسيلة للزوجين لإكمال بعضهما البعض واتِّصالهما الرُّوحي. ومَثَّلَتْ النِّساءُ منبعَ الجَوْهَر "ين" الذي لا يَنْضُب، بينما شَكَّلَ الرِّجالُ الجَوْهَر "يانغ" الذي يَنْضُب بسهولة، وهذا ما استدعى التشرُّبَ والامتصاص للحصول على الانسجامِ وإطالة الحياة. كان الرَّجلُ يُشَجَّعُ على الإكثار من الممارسة الجنسيَّة مع الكثير من الشَّريكات - ما أمكنه ذلك - وذلك بهدف اختزان "الين" مع المحافظة على "اليانغ" من خلال تجربة طرق مختلفة لمَنْع القذف. وقد توفَّرَتْ كُتَيِّباتٌ عديدة عن طرق وأوضاع المجانسة، كما كانت المُداعبَة متاحةً، فَضْلاً عن المقوِّيات والدَّهونَات لزيادة المتعة الجنسيَّة وطرق تَطْويل القضيب وتَصْغير المَهْبِل. وقد سُمِحَ بالاسْتِمْناء والسحاق للنِّسَاء، بينما حُرِّمَ ذلك على الرِّجال. وقد هاجمَ الفيلسوفُ كونفوشيوس لاحقاً العَلاقَاتِ الجِنْسِيَّةَ غَير الشَّرْعِيَّة، وفَرَضَ وجهاتِ نظر أخلاقية وقونن الزَّوَاج، لكنَّه سمحَ للرِّجال بتزوج عدة نساء لكي يُنْجِبوا الأولاد. مع أنَّ كونفوشيوس عبَّر عن ازدرائه للنِّساء، لكنَّه ألزمَ الرِّجالَ بإشباع الرَّغَبات الجنسيَّة عندَ زوجاتهم ومحظيَّاتهم. واستمرَّتْ تَشْريعاتُ كونفوشيوس الصَّارِمَة حتى منتصف القرن السابع عشر.
عَصْر النَّهْضَة الأُوروبيَّة - تجلَّى هذا العصرُ، لا سيَّما في إيطاليا بالتَّحرُّر الجِنْسي وهيمنَة الجنسانيَّة على الفنِّ، مع رسم العُرْيِ في الصُّوَر والمجسَّمات والجداريَّات، رغم مَحْظورات الكَنيسة، والقيود الصَّارمة، وإدانة ممارسة الجنس قبلَ الزواج (التي كانت شائعةً رغم ذلك). وقد سُجِّل في ذلك الحين ظهورُ عددٍ كبير من الأطفال غير الشرعيين، وانتشار كبيرٌ للأمراض الزهريَّة المُنْتَقِلَة بواسطة الجنس، ممَّا أدَّى إلى ظهور الوَاقِي أو العازِل الذَّكري واستعماله.
اليابان في القرون من السابع عشر حتى التاسع عشر - اِزْدَهَرَتْ "بيوتُ المتعة" مع البِغَاء المنظَّم؛ وقَدَّمَتْ العديدُ من الكتب المنشورة باسم "شونغا" تَعْليمات خاصَّة عن طرق المجانسة (لا سيما للمتزوِّجين حديثاً)؛ وأعطَتْ الرَّاقِصاتُ اليابانيَّات المشهورات "الغيشا" لزبائنهن أنماطاً لا مثيلَ لها من التَّرفيه في الموسيقى، والغناء، والرَّقْص.
أُوروبا وأميركا في القرن التاسع عشر - كان التَّحرُّرُ الجنسي والعَلاقَاتُ الجِنْسِيَّة غَير الشَّرْعِيَّة منتشرَيْن بشكل واسِع؛ كما برزَ العُري ثانيةً في الفن، وانتشرَ البِغاءُ في كلِّ أوروبا والولايات المتَّحدة في القرن التاسع عشر، وبلغت الزيادةُ المتصاعدة في الأمراض الزهرية نحو 30 ألف حالةٍ في لندن في منتصف القرن التاسع عشر. واستمرَّت هذه النـزعةُ حتى القرن التَّالي، حيث أصابَ السَّيَلانُ نصفَ السُّكَّان الذُّكور في الولايات المتحدة عام 1914، وبلغَ نحو 100 مليون حالة عامَ 1970، ممَّا دفعَ بالحكومتَيْن البريطانية والأميركيَّة إلى سنِّ قوانين ضدِّ البِغَاء.
القرن العشرون - شَاركتْ المساواةُ بين الجِنْسين وحركاتُ تحرير المرأة في ظهورِ موقف تحرُّري نحو الجِنْس لا تعيقُه المَحْظورات الأخلاقية أو الدينيَّة، وشجَّعَ هذا الموقفُ بروزَ أشكال مختلفة من مَنْع الحمل، ممَّا سمح بالحرِّية الجِنْسيَّة؛ وترافق ذلك مع زيادةٍ ملحوظة في انتشار الأمراض المنتقلة بواسطة الجنس، بما في ذلك متلازمة النقص المناعي المُكْتَسَب (الإيدز AIDS).
وبذلك يَسْتَمِرُّ تطوُّرُ السُّلوك الجنسي البشري وازدياده.
وَسْوَاسُ القَضيب عندَ الرَّجُل
يمثِّل القضيبُ البشري في الحالة الصحِّية وَسيلةً فعَّالة جدّاً للحصول على الإشباع الجنسي الأقصى، والإنجاب، واستمرار النَّوْع. ولكن، حتَّى عندما يكونُ القضيبُ قادراً على القيام بما ينبغي عليه القيامُ به وبشكلٍ فعَّال، يمكن أن يشكو الرِّجال من عدة أمور: "إنَّه قصيرٌ جدّاً"، "إنَّه رفيع جدّاً"، "إنَّه قَبيح"، "إنَّهُ ينحني بطريقة خاطئة"، أو "إنَّه كبيرٌ جدّاً"، "إنَّه طويلٌ جدّاً". وبكلماتٍ أخرى، يرغب هؤلاء الرِّجال أن يكونَ القضيبُ شيئاً غير ما هو عليه.
بصَرْف النَّظَر عن الحالات الاستثنائيّة للعضو التناسلي الصغير الحجم والذي يمكن تطويله بالوسائل الطِّبِّية والجراحيَّة المعاصرة، فإنَّ ما يولدُ به الإنسانُ هو ما يَنْبَغي أن يعيشَ معه بقيةَ حياته. ولكن نظراً إلى ما ذكرناه سَابقاً عن الاِفْتِتَان بخصائص القضيب ووظيفته، يسعى الكثيرُ من الرِّجال على الدَّوَام إلى إيجاد طرق لتَطْويله. وربَّما يكونُ القلقُ والإحراج بشأن حجم القضيب عندَ بعض الرِّجال كبيراً جدّاً بحيث يؤدي بهم إلى العجز. عندما يُخْفِقُ ما يعتزُّ به الرَّجلَ في الاستجابة، يكون ذلك شاهداً قوياً على العجز الجنسي عندَه؛ فالرجل يمكن أن يتصنع رهافةَ الحسِّ، والاهتمام، والإخلاص، والكثيرَ من العواطِف أو الانفعالات الإنسانيَّة الأخرى، لكنَّ الانتصابَ هو الشيءُ الوحيد الذي لا يمكنه أن يتصنّعه.
صِغَرُ القَضيب: أُسْطورَةٌ أم حقيقة؟
قد لا يَكونُ قِيَاسُ حِجْم القضيب غير المنتصب الطريقة الصحيحة لتقييم الطُّول الحقيقي للقضيب. ومع أنَّ حجمَ القضيب يتفاوتُ من رجلٍ إلى آخر، لكنَّه قد لا يكونُ ذا علاقةٍ كبيرة جسدياً أو بِنْيَوياً بالأجزاء الأخرى من جسم الرَّجُل بالمقارنةِ مع أيِّ مُكَوِّنٍ آخر في الجسم؛ فالكثيرُ من الرِّجال ذوي القضيب الكبير الحجم في حالة الارتخاء قد لا يزيد حجم قضيبهم كثيراً عند الانتصاب، في حين أن الرَّجل ذا القضيب الصَّغير في حالة الارتخاء قد يحصل على تغيُّرٍ ملحوظٍ في حجمه عندَ الانتصاب.
من النَّاحيةِ الطِّبية، تَكونُ معظمُ حالات ما يُدْعَى صِغَرُ القضيب حَالاتٍ ذات حجمٍ طبيعي له، بكل بساطة، يمكن للقضيب الذي يبدو صغيراً أن يكون مختبئاً في الدهن أو الشَّحْم الكثيف فوقَ العَانَة (النَّسيج الدُّهْنِي فوق عظم العانة) والموجود عند الرِّجال السِّمَان عادةً. ويُعَدُّ الإجراءُ الهادف إلى تَطْويل القضيب في مِثْل هذه الحالات بسيطاً نسبياً؛ فعندما تُجَرُّ الوسادةُ الدهنيَّة فوق العَانَة إلى الأعلى، يتبيَّن أنَّ القضيبَ ذو طول طبيعي عادةً. فلدى هؤلاء الرجال يمكن أن يؤدِّي التَّمْرينُ والحِمْيَة وحدهما إلى إنقاص مقدار الوسادة الدهنيَّة، والتسبُّب في تطويل طبيعي للقضيب من دون الحاجةِ إلى أيَّةِ معالجة طبِّية أو جراحيَّة.
أمَّا في الحالات الاستثنائيَّة التي يكون فيها القضيبُ صغيراً فِعْلياً، حيث يقيس أقلَّ من 4 سم في حالة الارتخاء وأقلَّ من 7.5 سم في حالة الانتصاب، لا سيَّما إذا أدَّى ذلك فِعْلاً إلى اضطرابٍ نفسي شديد، يمكن تجربةُ التطويلِ الجراحي للقضيب في محاولةٍ لإضافة نحو 2.5 - 5 سم إلى طوله.
ممَّا يَدْعو للأسف أنَّ عدداً من الطرق الجراحيَّة لتطويل القضيب القصير والرفيع وتعريضه أخفقت بشكلٍ كبير. وتقومُ هذه الطُّرُقُ على شفط الدهن فوق العانة وشَطْر الأربطة المعلَّقة التي تصلُ قاعدةَ القضيب بعظمِ العانة، ثمَّ إجراء رَأْب (تَصْنيع) بشكل V-Y أي (وبذلك يحصل شَقٌّ بشكل الحرف V على الجُزْء السُّفلي من البطن فوقَ قاعدة القضيب، ثمَّ يُغْلَقُ الشَّقُّ بشكل الحرف V)؛ أو يتم حقن الدُّهْن المأخوذ من الجُزْء الأسفل من البطن حولَ جِذْع القضيب. وقد أدَّتْ هذه الطُّرُقُ في كثيرٍ من الحالات إلى ظهور نسيج ملتهب وندبي حولَ جِذْع القضيب، وحصول تَشوُّهات واضحة فيه بسبب ارتشاف بعض الدُّهْن المحقون، الأمر الذي أدَّى إلى القيام بجراحات تَصْحيحيَّة إضافية (كما أدَّى ذلك إلى إثارة قضايا قضائيَّة ذاع صيتُها، وكلَّف هذا الأمرُ أحدَ اختصاصيي جراحة المسالك البوليَّة في كاليفورنيا ترخيصَه الطِّبِّي وملايين الدولارات في القضيَّة). ولكنَّ بعضَ الإجراءات الجراحية لتَكْبير القضيب، مثلما سنناقش في الفصل الثالث، والتي يجريها الخبراء يمكن أن تؤدِّي إلى نتائج مُرْضِيَة.
مَعَالِمُ طبِّية في معالجة العجز الجنسي
يخبرنا التاريخ عن العديد من الأدوية الغريبة المختلفة (ولكن ليست غريبة جدّاً) لعلاج العجز الجنسي. وقد كانت المعالجةُ الفعَّالة للعجز في الانتصاب مختفيةً لقرون وراءَ القيود الاجتماعية والأوهام والأساطير والمحرَّمات، واستمرَّ الحَظْرُ الدِّيني والسِّيَاسي الصَّارم ضدَّ التَّعْبير عن الجِنْس والأبحاث الخاصَّة به حتَّى بدايَات القرن العشرين، حيث بدأ العالم النَّفْسِي سيغموند فرويد من فيينا بتَغْيير المواقف تجاه الجِنْس من خلال التَّأكيد بأنَّ البشرَ حيواناتٌ جنسيَّة لديها الدَّافع نحو التَّوَالد والإنجاب. وفي العام 1912م، قام فرويد بمشاركةٍ كبيرة بكتابه: The Most Prevalent Form of Degradation in Erotic Life، حيث ناقشَ الأسبابَ النَّفْسِية المختلفة للاضطراباتِ الجنسية. ومنذ ذلك الحين فصاعداً، تقدَّمَتْ المنجزاتُ النفسيَّة والطِّبِّية في ميادين النَّشاط الجنسي البشري والعجز الجنسي معاً.
شَهِدَتْ ثلاثينيَّاتُ القرن الماضي التَّعَرُّفَ إلى التِّسْتوستيرون وعَزْلَه كهرمون جِنْسي ذكري، وقد استُعْمَل بلا تمييز في معالجةِ خلل الانتصاب في الفترة بين 1935 - 1940. وفي العام 1948، نشرَ الدكتور آلفريد كِنـزي من ولاية إنديانا في الولايات المتحدة نتائجَ دراساتِه الواسعة والرَّائدة عن الجِنْسانيَّة البشرية "Sexual Behavior in the Human Male" (1952) و"Sexual Behavior in the Human Female" (1953)، ولاقَتْ اهتماماً عالميَّاً واسعاً. وقد أوضَحَتْ أبحاثُه السُّلوكَ الجنسي السَّوِي والشَّاذ عندَ كلٍّ من النِّسَاء والرِّجال، وساعدَتْ على تَحْسين فَهْمِنا للعوامل النفسيّة وغيرها من العَوَامِل التي تتحكَّم بالميول الجِنْسيَّة والتَّعْبير عن الجنس عندَ البشر.
في العام 1970، ألقَى كلٌّ من الدُّكْتور وليام ماسترز والدُّكْتورة فيرجينيا جونسون، من خلال كتابهما الهام "Human Sexual Inadequacy"، الضَّوْءَ على أَهمِّية قَلَق الإنجاز والخوف من الفشل كسببين رئيسيين للعجز على الانتصاب. كما أحدثا تغييراً جذرياً في فَهْمِ النَّشَاط الجِنْسي السَّوِي والشاذ، ووَضَعَا أساسَ المعالجة الجِنْسِيَّة. وركَّزَا على ضرورةِ مُعَالجة "الوحدَة الزواجيَّة" أكثر من التَّرْكيز على الذَّكر وحدَه. وبدأ المجتمعُ الطِّبي في أوائل السَّبعينيَّات من القرن الماضي بتقبُّل البدائل أو العصيات السيليكونيَّة المغروزة في الأجسام الكهفيَّة بشكلٍ عام لمعالجة خَللِ الانتصاب.
التسلسل الزمني: الجِرَاحَةُ الوعائيَّة والأَجهزة والغِرْسَات (الطُّعوم) والحُقَن
مع بدايات القرن العشرين، أظهرَ اختصاصيُّو المسالك البولية اهتماماً بالجِهَاز الوعائي القضيبي والعجز في الانتصاب، مُرَكِّزين الانتباهَ على قضايا الجريان الدَّموي نحوَ القضيب، فضلاً عن التَّدفُّق (الخارجي) المُبْتَسَر أو المُفْرِط.
= 1902 - وصفَ وُوتِن تحسُّنَ الانتصاب بربطِ الوَريد العميق لظَهْر القضيب، وذَكرَ لايديتون نتائجَ مماثلةً عام 108.
= 1923 - أَثبتَ لوريش أنَّ بَعْضَ حَالات العجز في الانتصاب كانت متصاحبةً مع مرضٍ وعائي.
= 1973 - سجَّلَ ميشال طريقةً جراحيَّة وعائية مِجْهَرِيَّة جديدة للعجز في الانتصاب، تتكوَّنُ من مفاغرة (وَصْل) الشِّرْيَان الشرسوفي (المتوضِّع خلفَ العضلة المستقيمة البطنية السُّفْلِية) بالجسمِ الكهفي مباشرةً.
= 1982 - سجَّلَ فيراج تَصْحيحَ القصور الشرياني القضيبي بوَصْلِ الشِّرْيَان الشُّرْسوفي بالوريدِ العميق لظهرِ القضيب مباشرةً؛ وقد وجدَ أنَّ هذا الإجراءَ يصحِّح التَّدفُّق الوريدي الخارجي السَّريع أيضاً.
= 1985 - سجَّل وِسْبِس وشولمان تحسُّنَ الانتصاب بتَسْليخِ الوريد العميق لظهر القضيب وروافده المرافقة ورَبْطها.
في مرحلةٍ لاحقة، وفي ظلِّ كَثْرَة الأبحاث التي استمرَّتْ حتى تسعينيَّات القرن الماضي، استُعْمِلَتْ إجراءاتٌ مجازيَّة (وَصْليَّة) عَديدة بين الشِّرْيَان الشرسوفي وشِرْيَان أو وريد ظَهْر القضيب لزيادةِ تدفق الدم إلى القضيب، فعلى سَبيل المثال، عَدَّلَ فيرلو طريقةَ فيراج بربطِ الوريد القضيبي القاصي. كما ازدادتْ الإجراءاتُ الجراحيَّة التجريبيَّة لتحديد مَوْضِع الأوردة المسرِّبة المتَّهمة وإصلاحها. لكنْ رغمَ النَّجاح المرتفع نسبياً على المدى القصير لتلك الوسيلة الجراحية، إلاّ أن النَّتائجَ كانت مخيِّبةً للآمال على المدى البعيد. أمَّا اليوم، فيندرُ القيامُ بالإجراءات الجراحيَّة المتعلِّقة بالتسريب باستثناء حالاتٍ منتخبة من التَّسريب الوريدي الهام بين الجِسْم الإسفنجي والجسم الكهفي.
طرحَ الدكتور أُوتو ليدرَر من فيينا، في بداية القرن العشرين، جهازاً لتحقيق الانتصاب بالتَّخْلِية، لكنْ لم يبدُ ذلك في الصُّحُف الطِّبية الراسخة والمُراجَعَة من الزُّملاء، كما لم يَلْقَ قَبُولاً من المجتمعِ الطبِّي. وفي بداية ستينيَّات القرن الماضي، طوَّرَ دافيد أوسبون من جورجيا، جِهَازَ تَخْلِيَة يُطَبَّقُ خارجيَّاً لمعالجة العجز في الانتصاب لديه ويُسَمَّى "الجهازَ المُكَافِئ للشَّباب Youth Equivalent Device"، من دون معرفة الاختراع الأُسْترالي السَّابق، لكنَّه لم يحاولْ تسويقَه إلاَّ بعد 15 سنة تقريباً. ومع ذلك، تقدَّمَت البِدْلاتُ القضيبيَّة بشكلٍ ملحوظ.
= 1936 - استعمل بوغاراس قِطْعَةً من الغضروف الضلعي لاستبدال قضيب مَبْتور.
= 1948 - استعملَ بيرغمان طُعْماً ضلعيَّاً لاستبدالِ قضيب مبتور، لكنْ تبيَّنَ أنَّ مثلَ هذه المواد الطَّبيعية تُرْتَشَفُ من الجسم في نهاية الأمر، مما يجعل البِدْلات عديمةَ الوظيفة.
= 1948 - أَنْتَجَ بوهايرس أنبوباً بلاستيكيَّاً صُلْباً كقضيبٍ عظمي اصطناعي.
= 1952 - وصفَ غودوين وسكوت بدلةً قضيبية أَكْريليكيَّة نصف صُلْبَة.
= 1960 - وضعَ بيهايري غِرْسَات من مادة "البولي إثيلين" في الجِسْم الكهفي، ووَضَعَ لوفلر غِرْسَات أكريكيليَّة في القضيب خارج الجسم القَضيبـي.
= 1968 - وضعَ لاش غِرْسَةً سيليكونيَّة مُفْرَدة تحتَ الجسم الكهفي.
= 1972 - استعملَ بيرمان بدلةً سيالستيكيَّة مفردة؛ كما غرسَ عصيَّاً (عِيداناً) سيليكونيَّة مزدوجة؛ واستعملَ سوبريني عِيداناً سيليكونيَّة مزدوجة في السَّنة اللاحقة.
= 1973 - استجابةً للطلب على بِدْلَة جذَّابة أكثر تجميلاً، قدَّم سكوت وزملاؤه بدلة قابلة للنَّفْخ.
= 1975 - استعملَ كاريون وزملاؤه زَوْجاً من البِدْلات السيليكونيَّة المملوءة بالهلام.
= 1977 - وضعَ فيني بِدْلَة سيليكونيَّة رَزِّيَّة.
= 1980 - قدَّمَ يونس بِدْلةً سيليكونيَّة تحتوي على أسلاك فضيَّة مُسجَّاة (مُنْطَمِرة) تَسْمَح بالحَنْي الإرادي.
= منتصف ثمانينيات القرن الماضي - جلبَتْ شركةُ الأجهزة الطبِّية الأميركيَّة عيداناً سيليكونيَّة طَيِّعَة (طَرُوقَة)[48] نصف صلبة ذات لب (قَالِب) من الفولاذ الذي لا يصدأ. وطرحت شركةُ داكومد جهازَ الأُمْنيفيس، وهو بدلةٌ نصف صُلْبَة من البولي يوريثان ذات رزَّة (مِفْصَلة) آليَّة التَّشابُك. وقد سَوَّقَتْ عدَّةُ شركات، مثل سورجيتك، ومونيتور، وداكومد، ومؤسَّسة الأجهزة الطِّبية الأميركية العديدَ من الأجيال الجديدة من البِدْلات القابلة للنَّفْخ منذ ذلك الحين.
مع أنَّ استعمالَ عوامل مختلفة لتَوْسيع الأوعية الدَّموية باتَ معروفاً جيِّداً، غير أنَّ القدرةَ على تحريض الانتصاب بالحَقْن القضيبي المباشر لم تتحقَّقْ إلا بالصُّدْفَة عام 1972، حين عمد ميشال، خلال قيامه بإعادة التَّوْعِيَة[49] إلى الشرايين القضيبيَّة لأحد المرضى، إلى حَقْنِ الموسِّع الوعائي "البابافيرين" في الجِسْم الكهفي لزيادة حجم الأوعية الدَّموية، فدُهْشَ من حصول الانتصاب إِثْرَ ذلك. وقد قادَ ذلك إلى المزيد من الاستقصاء وإلى استعمال موسِّعات الأوعية القابلَة للحَقْن:
= أوائل الثمانينيَّات من القرن الماضي - اقترحت الدِّراسَاتُ المستقلَّة لكلٍّ من فيراج وبريندلي بأنَّ حقنَ بعض الموسِّعات الوعائية داخلَ القضيب يمكن استعمالُه في معالجة العجز على الانتصاب.
= 1986 - أصبحَ الحقنُ الذَّاتي للأدوية الموسّعة للشَّرايين والجيوب داخلَ الجسم الكهفي المعالجةَ السَّائدةَ للعجز الجنسي.
= أواخر ثمانينيَّات القرن الماضي - ظهر البروستاغلاندين E1 [Prostaglandin E1 (PGE1)] على السَّاحَة كمادة موسّعة للشَّرايين والجيوب داخل الأجسام الكهفيَّة.
= بداية تِسْعينيَّات القرن الماضي - طُرِحَ مزيجُ البابافيرين والفِنْتولامين والبروستاغلاندين E1، Trimix، والفُورسكولين أحياناً؛ ويبدو أنَّه يُحْدِث انتصاباً أكثر جودةً وأطول مدة مع القليل من التَّأثيرات الجانبيَّة المحتملة.
أظهرت نتائجُ دراسات الحَقْن داخل القضيب مُعَدَّلات عُزوف (تَرْك) عالية بسبب تخوُّف الرِّجال من حقن الموسِّعات الوعائية ضمن القضيب مباشرةً. وبذلك طُرِحَتْ غِرْسَة رفيعة للبروستاغلاندين E1 داخلَ الإحليل عام 1998 MUSE. ولكن - وللأسف - تراجع معدَّلُ نجاحها الأولي المرتفع (65% تقريباً) إلى نحو 35% عندما استعملَتْ الغِرْسَةُ سريرياً على نطاقٍ واسِع.
المنشطات الجنسية المدهشة
لقد جُرَّبَتْ الأدويةُ الفمويَّة، مثل الترَازودون، والأرجينين، والدِّيليكوامين، والنالتريكزون، والنالميفين لمعالجة العجز الجنسي، لكن من دون نجاح. ورغم توفُّر الخيارات العلاجية الأخرى، انتظر الرِّجالُ المصابون بالعجز على الانتصاب بتلهُّفٍ اكتشافَ معالجة مثاليَّة غير باضعة تتَّصِف بالخصائص التَّالية: "ينبغي أن تكونَ بسيطةَ الاستعمال، ويُفَضَّل أن تكونَ عبر الفم، وذات فعَّالية كبيرة في جميع محاولات الاتِّصال الجنسي، وغير مؤلمة، وذات تأثيرات جانبية قليلة وتكلفة منخفضة" كما أوردناه في مقالة نشرت سنة 1997م في مجلة جراحة المسالك البولية والتناسلية الأميركية.
بعد ذلك، تَفجَّرَ بركانٌ طبِّي عالمي عام 1998 بتقديم فايزر لدواءٍ جديد يُدْعَى الفياغرا (السِّلْدينافل) لمعالجة العجز الجنسي. وقد كان هذا المركَّب، القادم من عائلة مُثبِّطات الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5، قد اخْتُبِرَ بادئ ذي بَدْء في المملكة المتَّحدة عام 1992 بسبَب تأثيراتِه الموسِّعَة للأوعية القلبيَّة الإكليليَّة (التَّاجيَّة)، لا سيَّما لمعالجةِ داء الشرايين الإكليليَّة وفَرْط ضغط الدَّم. لكن ما أدهشَ الباحثين أنَّ عدداً من المرضى الذين سَاهموا في الدِّراسة سجَّلوا تحسُّناً في الفحولية الجنسية. وقد أدَّى هذا الكَشْف السَّعيد، وهو أحدُ أكبر المُنْجَزات الطبِّية في القرن الماضي، إلى تحوُّل تركيز الباحثين في الفياغرا من القلب إلى القَضيب. وسجَّلت الدراساتُ العالميَّة اللاحقة نتائجَ ممتازةً باستعماله في تحسين الوظيفة الانتصابيَّة، مع تأثيرات جانبية بسيطة.
مع ازدياد فَهْمنا للكيمياء الحيويَّة للدِّماغ وأهمِّية النَّاقل العصبي الدُّوبامين في عملية الانتصاب، أدَّى ذلك إلى ظهور الأبومورفين وتَسْويقه عام 2001. ويُشْبِه هذا الدَّوَاءُ الدُّوبامين من النَّاحية الكيميائية الحيوية، ويؤثر مباشرةً في مراكز الدِّماغ الجنسيَّة التي تُحْدِث الانتصاب. وقد حقق الأبومورفين نتائجَ أوَّلية مشجِّعة مع تأثيرات جانبية قليلة جدّاً، لكنَّه لم يَرْقَ إلى المستوى المُتَوقَّع، فقد أظهرت الدِّراساتُ الإضافية نقصَ كفاءته، مع انخفاض معدَّل النجاح حتى 35 - 47% بالمقارنة مع 32% البلاسبو (الدواء الغفل).
في العام 2003، عَصَفَ بالسوق منافسان جديدان، من عائلة مُثبِّطات الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5، هما اللِّيفيترا (الفاردينافيل) من شركة باير - غلاسكو، والسيالِس (التَّادالافيل) من شركة ليلي - أيكوس، بعدَ موافقة إدارة الأدوية والأغذية الأميركيَّة. ومع أنَّ اللِّيفيترا والسيالِس يُشْبِهَان الفياغرا كيميائياً، لكنَّهما يختلفان في سرعةِ التأثير ومدَّته وفي بعض تأثيراتهما الجانبيَّة. ورغم معدَّلات النَّجاح العالية التي ظهرت باستعمال جميع مثبَّطات الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5 هذه، غير أنَّ الدِّراساتِ أظهرت معدِّلات تَرْك مرتفعة بعد بضعة شهور من استعمالها. ويبدو أنَّ أغلبيةَ المصابين بالعجز على الانتصاب وشريكاتهم/زوجاتهم ما زالوا راغبين بالمعالجة لاستعادة أدائهم الجنسي بطريقةٍ أكثر من "طبيعية" من دون الحاجةِ إلى الاعتماد على الوسائل "الاصطناعية" (مثل الأدوية) في كلِّ وقتٍ يخطِّطون فيه للممارسة الجنسيَّة.
مُبْتَكراتٌ في الأفق
تُشير بعضُ الدِّراسات الألمانية إلى أنَّ الاستعمالَ اليومي لمثبِّطات الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5، على مدى عدَّة شهور، يؤدِّي إلى استعادة الفحوليَّة الجنسية من دون الحاجة إلى المزيد من المعالجة لدى أكثر من 55% من المرضى. كما أنَّ التَّطْبيقَ المشترك لمثبِّطات الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5، وحَقْن موسِّعات الأوعية داخلَ الجسم الكهفي أو إدخال غرزات البروستاغلاندين داخلَ الإحليل قد أدَّى إلى نتائج جيِّدة أيضاً. وعلاوةً على ذلك، أبدى بعضُ الرِّجال، لا سيَّما مرضى داء السكري - الذين أخفقت مثبِّطاتُ الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5 لديهم سابقاً - استجابةً جيِّدة لهذه المثبِّطات عندما أُخذَت مع المعالجة الهرمونيَّة المعيضة لنَقْص التِّستوستيرون في المصل. وبالمقابل، أصبحَ بعضُ الرِّجال المصابون بعجز في الانتصاب ونقص التستوستيرون - الذين لم يستجيبوا بدايةً للمعالجة الهرمونية - قادرين على تحقيق انتصاب جيِّد عندما أُضيفَت مثبِّطاتُ الفُسْفُودَِايسْتِراز من الفئة 5 إلى المعالجة لديهم.
ومع دخولنا القرن الواحد والعشرين، لم تَعُدْ الكثيرُ من معالجات العجز في الانتصاب المستعمَلَة حالياً تُقَدَّر من حيث الكفاءة على المدى البعيد أو المضاعفات غير المتوقَّعة. وتجري اليومَ دراسةُ العديد من الأدوية الجديدة على شكل أقراص ورذاذ أنفي ومرهم قضيبـي، وستتوفَّر قريباً. وتُعَدُّ المعالجةُ الجينيَّة إحدى أهمِّ المعالجات الجديدة الواعدة، حيث تُحَوِّلُ جينات سِنْثاز أكسيد النِّتْريك (NOS) أو إنتاج الكافيولين إلى الجسم الكهفي مباشرةً. وقد أظهرت المعالجةُ الجينيَّة نتائجَ أوليةً مشجِّعة عندَ الحيوانات ولدى بعض الرِّجال المصابين بعجز في الانتصاب، حيث أعادَتْ الانتصابَ الطَّبيعي لعدَّة شهور أو بشكل دائم. وقد قام فريق في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو حديثاً باستعمال خلايا جزعية استؤصلت من الخلايا الدهنية عند الفئران وتم حقنها في أجسام الفئران الكهفية حيث أنتجت عضلات ملساء وأوعية ساعدت تلك الحيوانات المصابة بداء السكري على استرجاع طاقتها الجنسية. والأمل أن تنجح تلك الوسيلة عند الأشخاص في المستقبل القريب إن شاء الله.
إنَّ الفصولَ النهائية في تاريخ العجز الجنسي لدى الذكور ومعالجته لم تُكْتَبْ بعد؛ فمع تلقِّي هذه القضية المزيد من الاهتمام والدِّعاية، سيكون المزيدُ من الرِّجال قادرين على التَّقدُّم إلى الأمام وطلب المساعدة، وينبغي أن يتقدَّم الطبُّ بخطى ثابتة نحو المشاكل الجنسيَّة التي لم تُكْتَشفْ حلولُها الدَّائمة بعد. ولا تزالُ الأبحاثُ الهامَّة بشأن بِنْيَة العضل الأملس للقضيب، وفيزيولوجيته، والتدابير الوقائيَّة التي تؤخِّر أو تمنع حدوثَ خلل الانتصاب، على وجه الخصوص، أرضاً خِصْبَة للبحث.
الوَجْدُ والمعاناة
من الطَّبيعي أن يكونَ كلُّ فرد مهتمَّاً بالحبِّ والجنس وباحثاً عنهما؛ ولقد أسَّسَ الإنسانُ المتحضِّر مِزَاجَه الثقافي وطرازَ حياته على مفاهيم دائمة التَّوسُّع من الحبِّ والجِنْس والعاطفة؛ وهو يطوِّرُ هذه المفاهيمَ باستمرار لتكبر وتنمو. ولكن رغمَ التَّطوُّر والتَّعْقيد المتزايدين في الجنسانيَّة، تُوَاجِه البشريَّةُ باستمرارٍ صُعوباتٍ جسديَّةً ونفسية واجتماعية مرتبطة بها، وقد حصلت مآسٍ من الإخفاق بأعداد متزايدة الأهمية في التَّعْبير عن الرَّغبة الجنسية والتَّطلُّعات إليها. ولقد تعدَّدَتْ المشاكلُ المرتبطة بالجنس، وحصلَتْ مَآسٍ من الإخفاق بأعداد متزايدة الأهمية.
يجب أن يَتهيَّأ الرَّجلُ المعاصر والمرأة المعاصرة جيِّداً لفنِّ الجنس والحب؛ فالرِّجالُ والنِّساءُ يستحقُّون النَّظَرَ إلى الجِنْس وممارسته على أنَّه فِعْلٌ مُمْتِع ذو مظهر عاطفي صريح. وينبغي ألا يُسْمَحَ لبعض المشاكل، مثل إخفاق الانتصاب أو اضطراب القذف، أن تُخْمِدَ حماسةَ الإنسان وأن تضعَ نهايةً مفاجئة لطموحه الجنسي. كما أنَّ الاهتمامَ بالعجز الجنسي عند النِّسَاء، والذي كان مُهْمَلاً في الماضي، قد انتعشَ مؤخَّراً بفِعْل دراسات جديدة واسعة، ومؤتمرات، ومنشورات، ومناقشات. وتحاولُ الفصولُ اللاحقة استكشافَ الأوجه المختلفة للجِنْسانيَّة الطَّبيعية وحالات العجز الجنسي، وتُقَدِّم نظرةً شموليَّة حديثَة لأسباب هذه الاضطرابات وتأثيراتها وللطُّرُق المعاصِرَة في تَشْخيصها ومُعَالجتها.