تقديم
هذا الكتاب يبين أثر الحالات النفسية في قضايا الأحوال الشخصية، وهو
ثمرة جهد أحد رجال القضاء في مجلس القضاء الأعلى العراقي، إذ صُمِّم ليكون سهل
الاستيعاب، ومشوقاً، ومحفزاً وملائماً للقراء على اختلاف مشاربهم، وميولهم، ولكلّ
من يبحث عن ذاته وسط المحددات التي سجلها الإنسان في الحضارات البشرية
المتراكمة على اختلاف رؤاهم وتشابهها، ويتحمس هذا البحث لحوار العقول
محاولة منه لسبر غور هذا العقل في استقراء الأسس النفسية في الدعوى الشرعية،
والفقه الإسلامي، وما يترتب عليها من قوانين، واستقراء للأسس الايثولوجية للسلوك
وتطوره بعد أن قُيّض لعلماء هذا الزمن من الأدوات والتقنيات التي مكنتهم من
تقريب المسافات واختصار الزمن والوصول إلى أدق الجزيئات في العقل البشري
التي كانت في مدد معيّنة فوق مستوى التخيّل البشري، فالباحث يستطيع الآن
أن يستمع لسمفونية الخلايا العصبية التي يتكون منها الدماغ وهي تصدح في
نشيد إلهي مقدس يسبح لله بكرة وأصيلا، وشاهد العلماء ومضات الدماغ التي
تضيء جنباته بألوان زاهية، كلّ لون يعلن عما يعبّر عنه من أنشطة عصبية
حتى صار للدماغ لغة يقرأها ذوو الاختصاص ويفكون طلاسمها ويدركون أن ما
من حركة أو سكنه يشهدها الجسم إلا بفعل تلك الأنشطة، فالمضطرب نفسياً
10
تقديم
هو فريسة تسمم واندثار جزء من خلايا الدماغ أو نتيجة فعل الضغوط النفسية
التي سُلطت عليه، أو غيرها من العوامل الأخرى.
إن ما يهم في هذا المؤلف هو توضيح ماهية الاضطراب النفسي وما يترتب
عليها في الفقه الإسلامي، وفي الدعاوى الشرعية من زواج، وطلاق، وما يترتب
عليها من قوانين مع بيان الفارق بين السوية واللاسواء في الشخصية، وما أحوجنا
اليوم إلى علم النفس لكي يساعدنا في فهم ما نعيشه بوصفنا أفراداً أو أمة من
ظلم وحيف وتفكك في الشخصية، وتدخل سافر في العقول والقيم والمعتقدات
وفي الميول والاتجاهات، وفي الذاكرة التأريخية، وفي قلب الحقائق حتى أصبح
الابيض أسود والحلال حرام، والحرام حلالاً، والمواطن غريب، والغريب هو الغيور
على الحاضر والمستقبل. لذا أراد أن يؤكد مؤلف هذا الكتاب أهمية الحاجة إلى
علماء في القانون وعلم النفس أو من يكون له اهتمام بكليهما للتصدي إلى كل
هذا وليكون بلسماً إلى جراحات النفوس المتصدعة عندما تزداد الحاجة إلى هذه
المادة بوصفها إطلالة على هذا العلم وجوانبه المتعددة.
ويهدف هذا الكتاب إلى:
1.تزويد القارئ بالمعارف النفسية بأسلوب سهل ومشوق ويحببه بهذا
العلم، ويمكنه من فهم بعض المفاهيم النفسية والقضايا الشرعية من خلال
تطرقه إلى بعض المشكلات التي تحصل في الحياة.
2.اكساب قارئ هذا الكتاب مهارة التفكير الناقد من خلال طرائق البحث
العلمي المستعملة، مع بيان قيمتها المستنبطة من التعامل مع القضايا
المعروضة من المشكلات الحقيقية في السلوك الإنساني.
3.تطوير مهارة بناء المعرفة النفسية والقضائية.
11
تقديم
4.فهم المناحي النفسية والقانونية والقضايا الشرعية لطبيعة الكائن
البشري.
5.اكتساب مهارات حلّ المشكلات الناتجة عن استشراف القوانين وتدوينها
وما يترتب على القضايا الشرعية، مع معرفة استخدام بعض الاستراتيجيات
النفسية في تعديل السلوك.
6.أن يُستبدل العقل المنفتح بالعقل الفارغ.
ولتحقيق هذه الأهداف صُمّمت فصول هذا الكتاب ومحتوياته وحددت
الأطر العامة للفصول الخمسة مع الفصل التمهيدي، وكل فصل تضمن مجموعة
من المباحث، وكل مبحث احتوى على مجموعة من المطالب.
خُصِّص الفصل التمهيدي بدراسة معرفة نفسيّة القاضي وأثرها في الدعوى
الشرعية، بشروط ولاية القضاء، مع بيان الحالة النفسية للقاضي عند الحكم وفقاً
للفقه الإسلامي.
أما الفصل الأول فقد اشتمل على التعريف بالاضطراب النفسي من وجهة
نظر علم النفس، ومن وجهة الفقه الإسلامي، وكذلك في القوانين، ومن ثم تطرّق
المؤلف في هذا الفصل إلى زواج المضطربين نفسياً، وما رأي الفقهاء في هذا الزواج.
ورأي علماء النفس؟ وماشروط زواج المضطرب نفسياً.
أما الفصل الثاني فكان عن طلاق فاقدي التمييز فتناول الباحث فيه طلاق
المضطربين نفسياً في الفقه الإسلامي، وما رأي المذاهب الإسلامية في ذلك؟ كما
تحدث الباحث عن العلة في عدم وقوع الطلاق، وعن الآثار النفسية لحدوث هذا
الطلاق، وما رأي القانون في ذلك ولاسيما القوانين العربية.
ثم انتقل المؤلف إلى طلاق السكران في الفقه الإسلامي، وحكم هذا الطلاق
شرعاً وقانوناً.
12
تقديم
وسيجد القارئ مباحث أخرى كتب فيها عن طلاق الغضبان وطلاق المُكره
من في نظر القانون والشرع وعلم النفس.
أراد الباحث من هذا الكتاب أن لا يبتعد عما ذكر في الفصل الثاني فذكر
العلل النفسية في الفقه الإسلامي، وعن جواز التفريق بين الزوجين للعيوب
والعلل، وشروط التفريق للعلل ونوع التفرقة، وعن الاضطرابات الموجبة للتفريق
في علم النفس مثل الضعف الجنسي، والعنّة. وتناول هذا الفصل مفهوم الجنون،
والصراع، والوسواس، وشروط طلب التفريق للعلل في القوانين العربية.
أما الفصل الرابع فقد اشتمل على أثر الحالات النفسية على الوصية
والحجر، وماهية مفهوم الوصية في الفقه الإسلامي وفي القانون، فضلاً عن مفهوم
الحجر وما أحكامه في الفقه والقانون؟
واختتم هذا الكتاب بفصله الخامس الذي تضمن أحكام مشاهدة الطفل،
وتربية المحضون في الفقه الإسلامي، ورأي المذاهب في ذلك، وموقف القانون
العراقي من المشاهدة، ومكان المشاهدة والمدة الزمنية لها، كما بيّن المؤلف الآثار
النفسية للطفل.
وانتهى الكتاب بذكر المصادر التي ذكرت في المتن.
وهكذا يغطي هذا الكتاب مجمل الجوانب النفسية التي حظيت بتركيزات
علم النفس، والقوانين، والروئية الإسلامية بلُغة حرص المؤلف ان تكون بسيطة
لتصل من النقل إلى العقل. وبالختام أتمنى، وكلِّي أملٌ بأن يكون هذا الكتاب
مرجعاً للقارئين يتطلعون فيه إلى هذا العلم والإحاطة بمخرجاته.
والله الموفق
أ. د طالب ناصر القيسي
علم نفس النمو - جامعة بغداد
2017/1/
عدل سابقا من قبل health psychologist في الأحد أغسطس 30, 2020 4:40 pm عدل 2 مرات