يحاول د. أكرم زيدان صاحب كتاب سيكولوجيا المقامر¯ التشخيص والتنبؤ والعلاج أن يفرق بين الجانب العلمي النظري للظاهرة والجانب العملي التطبيقي لها.
فعلى الرغم من الاهتمام الكبير بالمقامرة وسيكولوجيا المقامر لدى الغرب, فإن اهتمام الباحثين غالباً ما كان ينصب حول نظريات المقامرة, دون النظر إلى مشكلات المقامر واضطراباته الذاتية, هذا بالإضافة إلى النظر للمقامرة على أنها ظاهرة أحادية الجانب.
في حين أنها ظاهرة مركبة تتطلب فهم الديناميات النفسية للمقامر, وقد أدى ذلك لحدوث فجوة بين الدراسات التجريبية والتفسيرات النظرية, فأصبحت نتائج الدراسات السابقة لا تسير بالقدر الكافي مع التفسيرات النظرية, يحاول المؤلف أن يتناول ظاهرة المقامرة من منظور دينامي لا يقف عند حد الرصد فقط, بل يشمل الفهم والتفسير والعلاج أيضاً.
وذلك من خلال دراسة الظاهرة تاريخياً, وعرض النظريات السيكولوجيا الخاصة بالمقامرة, وصولاً إلى التشخيص بشقيه: التصنيفي والدينامي.
مفاهيم المقامرة..
» قد يند المقامر عن كل تعريف, ويفلت من كل تحديد, ويخرج على كل القواعد المسبقة, وذلك لأنه فرد ملتبس ومركب, تمتزج فيه كثير من المتناقضات».
إن ظاهرة المقامرة تبدو صعبة التحديد والتعريف, لأن دلالتها غير متضمنة في ثناياها, أو في تركيبها اللغوي, فهي لا تفهم بالتحليل اللغوي, أو عن طريق تحليل عناصرها البسيطة, فسلوك المقامرة ليس مجرد إشكال نظري أو بحث منطقي لغوي, وإنما هو مشكلة يواجهها الفرد على مستوى الخبرة المعيشة, وبالتالي يتضح أن دراسة الظاهرة(المقامرة) والفرد حامل الظاهرة (المقامر) لا تجري بعيداً عن التصورات النظرية والصياغة الصورية, والأشكال الدالة عليها فقط, وإنما تتخطى ذلك كله إلى المضامين الدالة, أي تنتقل من العيني إلى المجرد ومن المجرد إلى المعيش فعلياً, وإذا كانت المقامرة ذات طابع كلي ديناميكي تتفاعل فيها عوامل ذاتية وأخرى موضوعية, فإن ذلك يفرض عليها طابع التغير والإبدال داخل النسق الخاص بها, سواء فيما هو ذاتي أو موضوعي وذلك للحفاظ على التوازن الديناميكي لها, فلا يمكن أن تجد المقامرة في حالة سكون مطلق, بل هناك تنوع موضوعي يتضح في كثرة وتنوع ألعابها والحيل الخاصة بها, كما أن هناك تنوعاً ذاتياً, هو ما تحدثت عنه نظرية القلب, حيث الانتقال من حالة الهدف إلى حالة محاذاة الهدف أو العكس, أي الانتقال من حالة المقامرة بهدف الحصول على المال إلى حالة الرغبة في المقامرة بحثاً عن المخاطرة والإثارة, فالاختلاف والتغير والتنوع هي ما يساعد على التوازن داخل نسق المقامرة, وما يساعد على توازن المقامرة, أن هذا الاختلاف والتنوع لا يحمل طابع العشوائية, وإنما هو تنوع منظم يسير على طريقة مرسومة وفق قواعد معينة تمثل قانون »الكل«, وإذا كان بعض الباحثين ينظر إلى سلوك المقامرة على أنه هروب من المشكلات فإن المقامرة نفسها تتضمن الكثير من المشكلات التي لا تقف عند حدود هذا السلوك, بل تتعداه لتصل إلى كل جنبات حياة المقامر, فنجد المقامر وقد أصابته المشاكل مع أصدقائه وأسرته وكل من يحيط به, وكأن مرضا أصاب الدنيا بأسرها, والطبيعي في مثل هذه الظروف أن يبتعد المقامر عن المقامرة, لكنه يزداد إفراطاً في هذا السلوك, مما يجعلنا نصف سلوك المقامرة بالمرضي, لذا يرى البعض أن دراسة المقامرة تتطلب الخوض في الكثير من الأمور المرضية البيولوجية, حتى نتمكن من تحديد المشكلة وأسبابها وطرق علاجها,
لكن المقامرة المرضية بعيدة كل البعد عن الجانب الجسمي البيولوجي, فالظاهرة نفسية, تتداخل فيها عوامل ذاتية وأخرى موضوعية في دائرة محكمة من الصراع, وليس معنى وصف المقامرة بالمرضية أنها ذات أصول بيولوجية جسمية, فكل شيء يمرض على طريقته, سواء كان جسماً أو سلوكاً أو أسرة, أو جماعة أو مجتمعاً,فعندما تنصرف أي من هذه البنيات فإننا نصفها بالمرض,
والواضح أن المقامرة تصيب كل هذه البنيات بالمرض فنجد المقامرة تصيب السلوك بالمرض فينحرف عن المعيار الذاتي والموضوعي, ويصل في بعض الأحيان إلى أن يصبح سلوكاً مضاداً للمجتمع متمثلاً في الجرائم بأنواعها وأشكالها المتعددة, والمقامرة تصيب الأسرة أيضاً بالمرض, فما من مقامر إلا وتعاني أسرته التصدع الأسري واضطرابات في العلاقة, سواء مع الزوجة أو الأنباء, كما أن المقامرة تهدد كيان الجماعة والمجتمع, خصوصاً إذا كانت الجماعة ترفض سلوك المقامرة, فنجد المقامر كأن ليس لديه أطراف اتصال بالمحيطين به, والأكثر من ذلك أن بعض الباحثين يرى أن المقامرة تؤثر في النواحي الجسمية من حيث ارتفاع مستوى الإثارة والاندفاعية من خلال توتر في الجهاز العصبي وليس معنى ذلك أن للظاهرة جانباً جسمياً, لكن المقامرة تثير جوانب سيكولوجية تؤثر في بعض جوانب السلوك الجسمي كالإثارة والاندفاع واضطراب الجهاز العصبي. وإذا كانت هذه حال المقامرة فكيف لا نصفها بالمرض ونضعها ضمن أمراض المجتمع والشذوذ والانحراف.
والمقامرة عندما تصل إلى درجة المرض, تصبح إدماناً, لذا نجد البعض يطلقون عليها مصطلح إدمان المقامرة, وذلك أن المقامرين المفرطين في المقامرة وإن كان البعض يرفض أن تكون المقامرة إدماناً وذلك على اعتبار أن الإدمان يكون لعقار معين, أما المقامرة المرضية فما هي إلا سلوك وإن كان أحدهما يشبه الآخر, فإنهما كالسكر والملح يتشابهان في الشكل الظاهري فقط, أما المحتوى الكامن فمختلف تماماً. لكننا نرى أن ما يصف المقامرة بالطابع المرضي هو إدمان المداهنة, فالإدمان لا يقف فقط عند تناول عقار معين, وإنما يكون أيضاً للسلوك, فهناك علاقة قوية بين الإدمان والمقامرة, حتى أن المقامرة تفسر في بعض الأحيان في ضوء النظرية العامة للإدمان, مما جعل الجمعية الأمريكية للطب النفسي تقارن بين المقامرة المرضية والاعتماد على المخدر.