اختبار القدرات العقلية
اعداد الاستاذ الدكتور \ عبد الرحمن الطري
استاذ القياس وعلم النفس بجامعة الملك سعود
تاريخ إعداد المقياس (1999م – 1420هجرية
إن اعداد اختبار في القدرات العقلية- كما يرى معد- الاختيار يعتبر مهمة شاقة للاعتبارات الثقافية والحضارية والاجتماعية ومما دفع الباحث الى القيام باعداد اختبار للقدرات العقلية هو اطلاعه على ما هو موجود في المجال من اختبارات وان مشاكل كثيرة تعاني منها بعض الاختبارات سواء كانت في مجال اللغة او الحضارة او بعض الامور الثقافية والاجتماعية واعتمادها بشكل اساسي على اللهجة المحلية للبلد الذي وضع فيه هذا الاختبار او ذاك كما ان البعض الاخر يكون مترجم ترجمةً حرفية من حضارةٍ اخرى مع ما ينطوي عليه من اغفال لكثير من المعطيات الثقافية والحضارية.
وقد قام الباحث في البداية باستعراض اهم النظريات التي تناولت وفسرت الذكاء ووجهات النظر المختلفة في تفسير الذكاء والقدرات العقلية كما يلي:
نشاط العقل البشري يعتبر مسرحاً هاماً واساسياً لبحوث ودراسات علماء النفس مهما كانت المدارس التي ينتموا اليها بهدف معرفة ماهية الذكاء او العقل البشري ومكوناته والطريقة او الطرق التي يعمل وفقها, وكذلك العوامل المؤثرة فيه سواء كانت فطرية او مكتسبة وحيث ان المستهدف من كل هذه الدراسات والابحاث هو النشاط العقلي والنظام الذي يكون عليه, لذا نجد من الباحثين من نظر له على اساس أنه عامل عام وعامل خاص أو فرعي. والعامل العام يدخل ويؤثر كما يرى سبيرمان على كل انشطة أو مظاهر النشاط العقلي.
أما ثوراندايك فانه يعتبر الذكاء على اساس انه مجموعة من العناصر والجزئيات ذلك ان كل اداء او نشاط عقلي هو عبارة عن عنصر او جزء مستقل عن بقية الاجزاء والعناصر الاخرى ووفق هذا التصور وضع ثوراندايك تصوراً خاصاً للذكاء على اساس الخصائص التالية :
- الذكاء المجرد, وهو القدرة على معالجة الالفاظ والرموز
- الذكاء الميكانيكي, ويعني القدرة على معالجة الاشياء والمواد العيانية
- الذكاء الاجتماعي, ويعني القدرة على التعامل بفاعلية مع الاخرين
ثيرستون يرى ان النشاط العقلي يقوم على مجموعة من القدرات الاولية والمتمثلة في : القدرة المكانية, القدرة الادراكية, القدرة العددية, قدرة العلاقات اللفظية, القدرة على التذكر, قدرة الطلاقة اللغوية, قدرة التفكير الاستدلالي, قدرة التفكير الاستنباطي.
واطسون يرى ان القدرات عبارة عن مجموعة من العادات التي تأخذ شكل نظم معينة تتعدل وتتغير وفق البيئة التي توجد فيها. ويصل الامر بالسلوكية الى استبعاد النسب الداخلية التي يفترض انها تحرك الشخصية الانسانية وتوجه النشاط العقلي كما يرى سكنر
اما نظرية علم النفس المعرفي فتهتم بالطرق والكيفية التي يتم من خلالها وبها ادراك ومعرفة الانسان للعالم المحيط به, وما يترتب على هذه المعرفة من قرارات واداء ونشاط يُقدم عليه الفرد. ويفترض ان يختلف الافراد في ادراكها وفيما تحدثه لديهم من معاني ومفاهيم ودلالات, وعليه يكون الاختلاف في نوعية وطبيعة الاستجابات الصادرة منهم.
ان اهتمام الباحثين في مجال العقل والنشاط العقلي اوجد كثيراً من الاتجاهات والنظريات المعنية في هذا الامر. فمن ذاهب الى ان النشاط العقلي يمكن التعبير عنه من خلال الذكاء كقدرة عامة دون تمييز لنشاط معين دون غيرة. وممن ذهب في هذا الاتجاه سبيرمان والذي ظل ولفترة طويلة يرى ان النشاط العقلي يمكن التعبير عنه من خلال الذكاء كقدرة عامة وشاملة لكل انواع ونماذج الانشطة العقلية.
اما ثيرستون فسلك مسلكاً جديداً حيث انكر وجود القدرة العامة وذهب الى وجود قدرات طائفية : كالقدرات اللغوية, والقدرات الرياضية, والقدرات الميكانيكية....الخ
جاريت أخذ مسلكاً مغايراً حيث ربط الذكاء والقدرات العقلية بمراحل العمر الزمني الذي يمر به الفرد. ويرى انه خلال مرحلة الطفولة بحكم عدم وضوح التمايز في النشاط العقلي يكون الذكاء بصورته العامة. وعند تقدم العمر بالفرد تبدأ القدرات العقلية المتعددة بالتبلور والوضوح, حيث ان طبيعة الحياة وتنوع وتعدد انشطتها يقود لهذا التمايز وهذا البروز في القدرات. ومع رفض بعض العلماء لهذا الاتجاه الذي اخذ به جاريت الاان علماء اخرين أمثال سيجل ودياموند اثبتوا صحة توجه جاريت من خلال دراساتهم التي اجروها.
بياجيه اشتق لنفسه طريقاً مغايراً حيث يرى ان التركيب العقلي ومجموعة الانشطة العقلية لايمكن فهمها الامن خلال النظرية النمائية للكائن الحي.
فؤاد البهي السيد يرى ان ادراك الفرد يتطور من الطفولة الى المراهقة فيمتد في المستقبل ويتسع في المدى ويعلو في المستوى, ويهدأ بعد تحول وتقلب ويستقر بعد تذبذب وتشتت. ويسفر هذا كله عن مظاهر النمو المختلفة.
من جانبه يعرف فرج طه "القدرة" بأنها الامكانية على أداء نشاط معين, أو القوة المتوفرة لدى الفرد لأداء فعل ما جسمياً أو عقلياً سواء كان هذا الفعل فطرياً أو مكتسباً ويميز فرج طه بين القدرة والاستعداد بأن الاستعداد يمكن ان ينمى من خلال التدريب, والتعلم ليصل الفرد في النهاية الى مستوى يمكنه من فعل أمر من الامور. أما "القدرة" فهي ما يمكن ان يفعله الفرد الان وليس بعد التدريب.
هذه الجهود المكثفة والعميقة من قبل العلماء والباحثين افرزت تصنيفاً وتحديداً لمسميات مجموعة النشاط العقلي الا ان هذا التصنيف وتلك المسميات تلغي عملية الارتباط والتداخل الذي يوجد بين بعض اوجه النشاط العقلي. ولاسيما مع ما يقع منها في نفس المجال. كالنشاط الذهني ذي الطابع اللفظي والنشاط الذهني ذي الطابع العددي وذي القائم على الادراك وهكذا.
بعد جهود تمثلت في التحليل وإعادة التحليل بين عامي 1989 و1992م تمكن كارول من الخروج بنموذج هرمي متكامل تندمج من حوله مجموعة النشاط العقلي بكل الاشكال والمستويات البسيط منها والمعقد والاساسي والثانوي. ومن خلال هذا النموذج يرى كارول ان القدرات العقلية الاولية مندمجة مع ومن خلال حقول التصنيف الثاني مثل السببية, وتبلور اللغة, والادراك البصري, والادراك السمعي, والذاكرة والسرعة. وانتاج الافكار وبلورتها. كل هذه مجتمعة تأتي تحت مظلة مستوى ثالث, الا وهو الذكاء العام والذي يرمز له بالرمز "G".
وبعد ان استعرض الباحث اهم النظريات التي تناولت وفسرت الذكاء وكذلك بعض الدراسات التي اجريت في هذا المجال حدد الباحث تصوره حول القدرات العقلية بأنه "مجموعات النشاط العقلي التي تتمركز وتتمحور حول فعاليات وأنشطة معينه ومحددة مما يكسبها صفة التمييز والوضوح والقوة عند بعض الافراد والعكس من ذلك تكون عند البعض الاخر ومن خلال هذا التصور العام حدد الباحث ثلاث قدرات عقلية عامة لتكون الدعائم التي يقوم عليها الاختبار وهي:
- الانشطة العقلية ذات العلاقة باللغة ورموزها ومصطلحاتها ومعانيها ودلالتها.
- القدرة العقلية المرتبطة بالأنشطة العقلية ذات العلاقة بالاعداد والارقام والمسائل الحسابية.
- القدرة العقلية المرتبطة بالنشاط العقلي الذي يقوم على الرسوم والاشكال من أجل معرفة المتشابه والمختلف منها. وهذا يعني ان الباحث لم ينطلق من نظريه محددة وإنما من خلال خبرته وتخصصه استخدم الاسلوب التوفيقي بين نظريات الذكاء السابقة الا انه كما يبدوا اقترب في منطلقه النظري على ما أعتقد من مفهوم الذكاء العام أو القدرة العقلية العامة التي من روادها سبيرمان كما انه كان اميل الى كلاً من ثوراندايك وثيرستون حيث كانت تصورات ثيرستون للذكاء هي القدرة المكانية, والقدرة الادراكية, والقدرة العددية, وقدرة العلاقات اللفظية, والقدرة على التذكر, وقدرة الطلاقة اللغوية, وقدرة التفكير الاستقرائي, القدرة الاستدلالية, قدرة التفكير الاستنباطي. الا ان ثيرستون يعتبر هذه القدرات اوليه بينما الباحث اختزل تصوراته الى ثلاث قدرات عامة كما ذكرنا سابقاً ولكن هذه القدرات العامة تتجزأ الى عشرة اجزاء كل منها يهتم بقياس نشاط عقلي مميز. كما يلي:
اجزاء الاختبار وفقراته:
أولاً القدرة اللغوية:
وتقاس هذه القدرة من خلال اربعة اجزاء وهي
1) ادراك العلاقات بين قوائم الحروف.
2) ادراك علاقات التشابه والتضاد اللفظي.
3) معرفة المعاني والدلالات في الجمل والاقوال المأثورة.
4) اكتشاف العلاقات القائمة على المسافة والقرابة والحجم والجهات.
ثانياً القدرة الرياضية:
وتقاس هذه القدرة من خلال خمسة أجزاء وهي
1) ادراك العلاقات بين قوائم الارقام.
2) ترتيب الارقام وفق تسلسل تصاعدي أو تنازلي.
3) تحديد المتشابهات في الارقام.
4) معرفة العلاقة المنطقية التي تخضع لها سلاسل الارقام
5) معرفة حلول المسائل الحسابية القائمة على علاقات الزمن والسرعة والطول والوزن والسعر والمسافة
ثالثاً قدرة ادراك الرسوم والاشكال
ويشتمل على ثمانية اشكال أو رسوم ويقابل كل شكل او مجموعة من الاشكال يوجد بها شكل واحد مشابه للشكل الاساسي ويقوم المفحوص بالتعرف عليه.
وقد بلغ مجموع بنود الاختبار بكل اجزائه العشرة تسعة وثمانون بنداً موزعة على الاجزاء المختلفة من الاختبار.
وإذا ما نظرنا الى بنود الاختبار نجد انها جاءت تعكس التصورات النظرية التي انطلق منها الباحث في البداية والاجزاء العشرة التي تكون منها الاختبار في والتي من خلالها يتم قياس الذكاء
مثال:
نجد في الجزء الاول : ادراك العلاقات بين قوائم الحروف مجموعتان من الحروف وكل مجموعة مكونة من قائمتين المجموعة الاولى مكونه من القائمتين 1, 2 أما المجموعة الثانية فهي مكونه من القائمتين 3, 4 والمطلوب من المجيب على الاختبار مقارنة القائمة 1, بالقائمة 2 , وكذلك مقارنة القائمة 3 , بالقائمة 4 , وذلك من حيث نوع الحروف وترتيبها ووضع علامة ( ) أمام الحروف التي تختلف عن بعضها.