نبذة النيل والفرات:
تراكمت الأدبيات التي تعالج مشكلات الجنس إلى حدّ بات فيه الباحث الذي يعتقد بقدرته على المساهمة في هذا الموضوع عاجزاً عن التحقق من أن وجهة النظر ذاتها لم تُنْشَر عدداً من المرّات في السابق. وما من فرد واحد يمكنه معرفة كل المادة المطبوعة. لكن الهدف ليس الأسبقية وإنما الأصالة. وتبرز الصعوبة الكبرى عندما يحاول المرء أن ينسى في البداية كل ما قرأه أو سمعه من قبل، وينظر في الظواهر كما لو أنه يواجهها للمرة الأولى، دون أفكار سابقة.
من هذا المنطلق، يباشر ثيودور رايك مقاربته سيكولوجيا العلاقات الجنسية، دون أن تستعبده، كما يقول، علاقته السابقة الوثيقة بمدرسة التحليل النفسي الفرويدي، بل على العكس، فإن مقاربته هذه تقوم، أساساً، على نقده الصارم لهذه المدرسة مقيماً صرح ما يطلق عليه اسم التحليل النفسي-الجديد، والذي يعدّه رايك "ثورة في الثورة".
وبصرف النظر عن صوابية رايك أو فرويد، فإنه يبقى مثيراً ومثقفاً أن نرى تلميذاً لامعاً آخر من تلاميذ فرويد المقرّبين يخرج على مدرسته مطوّراً ما يعتبره صائباً في هذه المدرسة، وناقضاً ما لا يراه كذلك. ففي القسم الأول من هذا الكتاب نرى رايك ينهال بالنقد على نظرية اللبيدو الفرويدية بجرأة وإقدام نادرين، وذلك من خلال مراجعة شاملة لكتاب فرويد الشهير "ثلاث مقالات في النظرية الجنسية". ولكن النقد عبد رايك "لا معنى له إن لم يكن بنّاءً وإنْ لم يقدم شيئاً أفضل يحلّ محلّ المفهوم الخاطئ"، ولذلك فإننا نرى في هذا الكتاب تفسيراً آخر للجنسية الطفلية، والانحرافات، والتصعيد، والعصاب، وعقدة أوديب... الخ.
غير أن موضوع رايك الرئيس، الذي يشيده بحجارة النقد، هو التفريق بين الرغبة الجنسية والحب الرومانسي. وهكذا نراه يغوص في مجالات معقدة من الغرائز والانفعالات البشرية، متتبعاً تيارات ثلاثة إلى منابعها المختلفة: الدافع الجنسي، دوافع الأنا، والحب، ومتقصياً إدغام هذه التيارات في دفق واحد من السعادة، أو انفصالها وتعارضها.
وفي سياق بحث رايك المثير في دوافع الأنا والدافع الجنسي والحب، نجد أنه يجيب عن الكثير من الأسئلة التي تواصل زرع الحيرة والبلبلة لدى رجال ونساء اليوم: ما هي علاقة الحب بالثقافة وتطورها؟ أيمكن أن يكون ثمة إشباع جنسي دون حب؟ هل نتغاضى عن العلاقات الجنسية غير الشرعية ونعتبرها ميلاً سويّاً عادياً؟ هل ثمة ما يمكن أن ندعوه جنساً "أحادي الجانب". وليست هذه، بالطبع، إلا بعض الأسئلة التي يناقشها ويحللها المؤلف.