تهدف هذه الدراسة النظرية إلى العرض الموجز لما كشفت عنه الدراسات الميدانية ابتداء من عام 1900 وحتى عام 1999 عن معدلات انتشار سلوك تدخين السجائر، ودوافعه، مع تحديد درجة الاعتماد على النيكوتين، وطرق الاقلاع عنه . ونظرا للكم الهائل من الدراسات التي تتصل بموضوع سلوك تدخين السجائر والتي يزخر بها التراث النفسي والاجتماعي والطبي ، نكتفي بعرض نظري نقدي لأهمها بما يتفق وأهداف الدراسة الحالية وذلك وفقا للتصنيف التالي :
أولا : معدلات انتشار سلوك تدخين السجائر : وسوف نعرض في هذا الجزء نتائج عدد قليل من الدراسات الوبائية الاجنبية والعربية والمحلية منها مع التركيز على فئة الشباب ، الفئة الاكثر استهلاكا للسجائر عن الفئات العمرية الأخرى ، فضلا عن علاقة النوع بالتدخين ، التدخين والعمر ، التدخين والاضطرابات النفسية ، مع عرض لمسح توفر التبغ كأحد الأدوات لتحديد معدلات انتشار سلوك تدخين السجائر .
ثانيا : دوافع سلوك تدخين السجائر والمتغيرات المرتبطة به : وذلك من أجل الوقوف على الاسباب التي تدفع الشباب إلى سلوك تدخين السجائر من وجهة نظر المدخنين والمتغيرات المرتبطة به مع عرض موجز لأهم المقاييس التي تقيس سلوك تدخين السجائر ودوافعه .
ثالثا : سلوك الاعتماد على النيكوتين : وسوف نوضح بعض المصطلحات الرئيسية في هذا المجال ومن ثم تحدد درجة الاعتماد على النيكوتين ، مع بيان لتصنيف الاضطرابات المتعلقة بالنيكوتين حسب التصنف الرابع DSM-IV للرابطة الامريكية للطب النفسي ومن ثم عرض لأحد المقاييس العالمية المستخدمة لتحديد درجة الاعتماد على النيكوتين والمقاسة باستخبار الاعتماد على النيكوتين من أجل وضع معايير للاعتماد على النيكوتين .
رابعا: طرق الاقلاع عن تدخين السجائر: سوف نعرض في هذا الجزء أحد برامج العلاج النفسي الجماعي المعرفي السلوكي (مهارات التأقلم) في الاقلاع عن تدخين السجائر ، مع بعض النصائح للمدخنين الذين لا يرغبون بالاقلاع عن تدخين السجائر .
تمهيـد
كلما رأيت مدخناً يمج سيجارته بشغف مجنون ، ثم ينفث دخانها في الهواء ، وكأنه يطرد همومه مع دخان سيجارته الخارج من رئتيه ، شعرت بالرثاء لحاله وتمنيت لو أن باستطاعتي مساعدته ليتخلص من استعباده ومرضه .
فكثير من المدخنين لا يعرفون مقدار السموم التي تتغلغل إلى كل خلية من خلايا أجسامهم فتؤثر فيها إن لم تخرجها وتتلفها .
ومع أن العلم أثبت من زمن بعيد فداحة الضرر الناتج عن ممارسة عادة التدخين . فإن الإنسان لا يزال يقبل على التدخين بمزيد من الرغبة والشوق . والمشكلة لا تزال قائمة ويزداد تعاظمها يوماً بعد يوم .
وهذا ما دفعني إلى تسطير هذا البحث أملا أن يلقي ضوءا ساطعا على القائمة بين التدخين وبين مجموعة من الأمراض التي يعاني منها الإنسان . وكلي قناعة بأن المدخن وغير المدخن سيجد فيه جانبا كبيرا من المعرفة التي تعود عليه بالفائدة العظمى وتمكنه من المحافظة على صحته تجاه هذا الأخطبوط الخطير .
وقد ابتدأت البحث بإلقاء نظرة عامة على نبات التبغ وكيف غزا عالمنا وأدي إلى انتشار عادة التدخين في كافة المجتمعات والطبقات ، ثم عرضت ما ينتج عن احتراق التبغ من مواد سامة وأجسام ضارة ، وكيف تعمل جميع هذه السموم فتكا وتخريبا في جسم المدخن . وبينت أثر التدخين على جهاز التنفس والجهاز العصبي وجهاز الهضم . وأثره على القلب وجهاز الدروان . وأفردت بفصل خاص آثار التدخين الضارة على الفم وشرحت العلاقة بين ممارسة عادة التدخين والإصابة بالسرطان .
ثم انتقلت إلى أثر التدخين الخطر على الأحداث والمراهقين ، وعلى المرأة أنثى وأما حاملا ومرضعا وغير ذلك .
كما عرضت وجهة نظر المؤيدين للتدخين ، وختمت البحث بتقديم شرح للطريقة المثلي الواجب اتباعها للاقلاع عن التدخين ، أو للتخفيف من أضراره إلى الحد الأدني .
وأدعو الله سبحانه وتعالي أن يكون قد وفقنى لما رميت إليه من خير لشبابنا وأمتنا ، إنه نعم المولى ونعم النصير .
مقدمـة
تدخين السجائر موضوع ذو ماض وحاضر ومستقبل : أما الماضي فبعيد يصل إلى فجر الحياة الاجتماعية والإنسانية ، وأما الحاضر فمتسع يشمل العالم بأسره ، وأما المستقبل فأبعاده متجددة وليست محددة . فما من مجتمع ترامت إلينا سيرته عبر القرون أو عبر مستويات التغير الحضاري المتعددة إلا وجدنا بين سطور هذه السيرة ما ينبئ، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن التعامل مع مادة التبغ ومواد محدثة لتغيرات بعينها في الحالة النفسية بوجه عام ، أو في الحالة العقلية بوجه خاص ، لدى المتعامل .
ونقلا عن (عادل الدمرداش ، 1982 : 250 – 252) ينمو نبات التبغ أو نيكوتيانا توباكام Nicotiana Tobacum ونيكوتيانا روستيكا N. Rustica في أمريكا الشمالية والجنوبية وينتمي إلى فصيلة سولانيشيا Solanacea وقد رصد العلماء 60 نوعا من هذا النبات أشهرها النوعان السابقان . وقد وصفها عالم النبات السويدى "كارل لينيياس" Linnaeus وأطلق عليها اسم "نيكوتينا" نسبة إلى "جان نيكو" سفير فرنسا في البرتغال الذي جرب التبغ هناك وتعلق به ومدحه للناس . وأول من شاهد نبات التبغ الرحالة "كريستوفر كولومبوس" مكتشف أمريكا الذي أهداه أهالي "سان سلفادور" أوراقا من النبات في سنة 1492 ، ووصف "كولومبوس" وقسيس إسباني كان معه في الرحلة كيف كان الهنود الحمر يلفون أوراق التبغ ثم يشعلون فيها النار ويستنشقون أبخرته ، وكانو يحرقونه أيضا في المناسبات الدينية ولطرد الأرواح الشريرة وفي الاحتفالات وعند دفن الموتى .
وكلمة توباكو Tobacco مشتقة من كلمة تصف الأنبوب المزدوج الذي كان يستخدمه الأهالي لاستنشاق أبخرة التبغ ، وفي رواية أخرى يقال أنها نسبة لمقاطعة توباجوس في المكسيك . وأول من استعمل التبغ من الأوروبيين ملاح من ملاحي "كولومبوس" اسمه "رود ريجودي خيريث" اسباني الأصل ، أحضر التبغ معه إلى البرتغال ، ودخنه هناك ، فظن الناس أن الشيطان تقمصه لما شاهدوا الدخان يتدفق من ألفه وفمه . وسجن رودريجو ورفاقه من المدخنين . وليس التبغ نوعاً واحداُ ، بل هو أنواع كثيرة يصل عددها إلى الأربعين صنفا منها الجيد ومنها الردي ، ونذكر من هذه الأنواع : التنباك – هافانا – الايراني – العدني – ديل الجمل – صيني – فرجيني – يوناني – تركي – بلغاري – ياباني .
أما اسم التبغ فهو مشتق من كلمة ( توباكو) الاسبانية . كان التبغ يستخدم في البداية كعلاج للزكام والصدع والقرح ، ثم استخدم من أجل الترويح بواسطة البحارة الأسبان الذين نشروا زراعته واستعماله أينما ذهبوا . وانتشرت عادة التدخين في باقي بلدان أوروبا حتى بلغ عدد مقاهي التدخين في لندن وحدها 7000 مقهى سنة 1614 ، بالرغم من تحذيرات الملك "جيمس الأول" ملك انجلترا الذي كان أول من نبه الناس إلى أضرار التدخين على الرئتين سنة 1604 وكان التبغ يدخن في تلك الأيام في غليون أو على شكل سيجارة ، ثم استخدمه النبلاء على شكل السعوط ، وفي سنة 1642 أصدر "البابا أوربان السابع" أمرا رسميا بابويا يقضي بتحريم التدخين الا أن العوام والقساوسة استمروا في التدخين . ولم تحد العقوبات القاسية التي فرضها الحكام على رعاياهم من المدخنين في منع انتشار العادة فقد تراوحت هذه العقوبات بين السجن والشنق وبتر الرأس والتعذيب .
وقد حاول الانجليز كسر احتكار أسبانيا لتجارة التبغ بزراعته في ولاية فرجينيا بأمريكا التي كانو يستعمرونها آنذاك لأن التربة في بريطانيا كانت لا تصلح لنمو النبات ، ونجحت التجربة في سنة 1619 . و ما زالت هذه الولاية حتى وقتنا الحاضر من أكبر مصدري التبغ . ونظرا لإقبال الناس على التبغ والتدخين فقد فرضت الحكومة الانجليزية الضرائب عليه ثم رفعت الضريبة بعد ذلك وشرعت القوانين التي تمنع غش الدخان . وفي خلال القرن الثامن عشر اختفي الغليون والسجائر من انجلترا ليحل محلهما السعوط الذي انتشر بين الناس حتى أن الملكة "شارلوت" زوجة "جورج الثالث" أدمنت عليه . أما في الولايات المتحدة فكان الناس يمضغون أوراق التبغ ويبصقونها بعد فترة في أوان خاصة بذلك كانت موجودة في المحلات العامة ، ولم يكن التدخين منتشرا في القرن الثامن عشر . أما السجائر فقد عرفها هنود يوكاتان في المكسيك منذ القدم ، إذ كانوا يضعون التبغ المجفف في أنابيب رقيقة من الخوص . وأول من استخدم السجائر الفرنسيون سنة 1840 حين قاموا بلف التبغ داخل ورق رقيق ، وكانوا يدخنونه بهذه الطريقة وانتشرت عادة شرب السجائر في أوروبا بعد حرب القرم . وفي سنة 1850 قام تاجر التبغ الانجليزي "فيليبس موريس" بصنع السجائر يدويا وبيعها بالجملة . وفي سنة 1880 أدى تحسن نوعية ورق السجائر والميكنة الى انخفاض سعرها وانتشارها بين الناس وارتفع استهلاكها عندما حرمت الولايات المتحدة مضغ التبغ وبصقه سنة 1910 . وأثناء الحرب العظمى الأولى إذ كانت الحكومات تعطي كل جندي علبة سجائر بالمجان سواء كان مدخنا أم لا مما دفع العديد من الشباب إلى التدخين آنذاك ، وفي سنة 1939 صنعت أول سيجارة كنج سايز في أمريكا ثم ظهرت السجاير ذات الفلتر لأول مرة سنة 1954 .
وفي السبعينات نتيجة لضغط الهيئات الصحية صنعت الشركات سجائر ذات نيكوتين وقطران مخفف . وكان تدخين السجائر يعتبر من علامات الأناقة والرجولة وكانت الاعلانات التي تبرز مشاهير الممثلين وشخصيات أخرى تؤكد ذلك . ويعتبر تدخين التبغ واحد من أكثر أسباب الوفيات في الولايات المتحدة في عام 1990 حيث تبين أن 19% من حالات الوفيات بسبب التبغ ، 14% بسبب نظام الحمية ، 5% الكحول ، 4% الميكوربات ، 3% السموم ، 2% الاسلحة النارية ، 1% السلوك الجنسي ، 1% حوادث السيارات ، 05, استعمال لبعض العقاقير المحضورة (McGinnis, 1993) .
وعلى الرغم من تعدد المشكلات والأخطار المرتبطة بسلوك التدخين وتنوعها ، فإن الأضرار الصحية الناجمة عنه تأتي في المقدمة ، فقد توصل الكثير من الدراسات إلى أن التدخين يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة في 85% من الحالات ، ويساهم في الإصابة بسرطان الفم والبلعوم والحنجرة والمرئ والمعدة والرحم والمثانة والقولون ، فضلا عن كون التدخين يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين ، والتهابات الشعب الرئوية ، وأمراض الحساسية ، وزيادة حالات الإجهاض (الجمعية الطبية الكويتية ، 1998 ، بارتيشي وآخرون ، 1996).
ومن الجدير بالذكر أن هذه الأمراض لا تقتصر على المدخن وحده ، بل انها تمتد إلى من حوله والمحيطين به ، وهو ما يعرف بالتدخين السلبي (استنشاق الدخان بشكل غير مباشر).
وبناء على هذا فقد تصدت بعض البحوث والدراسات النفسية لدراسة هذه الظاهرة للوقوف على أسباب حدوثها ، والدوافع المؤدية إليها ، وسمات شخصية المدخنين ، ونوعية البرامج المناسبة للإقلاع عن التدخين . كما اهتمت دراسات أخرى بفحص العادات والمعتقدات والاتجاهات الصحية نحو التدخين ، البحث الحالي ينتمي إلى النوع الأول من الدراسات .
معدلات انتشار تدخين السجائر
لعل دراسة مدى انتشار الظاهرة وتوزيعها اجتماعيا – يلقي بعض الأضواء على حجم المشكلة بحيث قد نهتدى إلى الطريق للتعرف على هذه الظاهرة . وفي هذا الصدد تقول بعض المصادر القديمة والحديثة – كما بيننا في الجزء السابق – إن التبغ عامة قد عرف إستعمالها أغلب الناس منذ مئات السنين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية وأوضاعهم الاقتصادية
ومستوياتهم الثقافية . كما قد عرفت التبغ سواء بين المتزوجين أو غير المتزوجين ، غير أن درجة استعمال التبغ وشيوعه قد لوحظ أنها تختلف من مجتمع لآخر ، وفي المجتمع الواحد تختلف من طبقة لأخرى ، وكذلك تختلف طبقا للمستويات الثقافية والعمرية والنوعية والمكانة الاجتماعية وغير ذلك من العوامل العديدة التي إذا تدخلت كان لها بعض التأثير في درجة شيوع ظاهرة تدخين السجائر .
وسنحاول أن نتعرض في هذا الموضوع لمدى انتشار التدخين في البلدان الأجنبية و العربية و المحلية ، مع التركيز على فئة الشباب و محاولة التعرف على علاقة التدخين بكل من : النوع و العمر و الاضطرابات النفسية، فضلا عن بيان موجز لأحد أكثر المقاييس ذيوعا لتحديد معدلات انتشار هذه الظاهرة .
التحميل
للدراسة كاملة
http://adf.ly/IUF17
أولا : معدلات انتشار سلوك تدخين السجائر : وسوف نعرض في هذا الجزء نتائج عدد قليل من الدراسات الوبائية الاجنبية والعربية والمحلية منها مع التركيز على فئة الشباب ، الفئة الاكثر استهلاكا للسجائر عن الفئات العمرية الأخرى ، فضلا عن علاقة النوع بالتدخين ، التدخين والعمر ، التدخين والاضطرابات النفسية ، مع عرض لمسح توفر التبغ كأحد الأدوات لتحديد معدلات انتشار سلوك تدخين السجائر .
ثانيا : دوافع سلوك تدخين السجائر والمتغيرات المرتبطة به : وذلك من أجل الوقوف على الاسباب التي تدفع الشباب إلى سلوك تدخين السجائر من وجهة نظر المدخنين والمتغيرات المرتبطة به مع عرض موجز لأهم المقاييس التي تقيس سلوك تدخين السجائر ودوافعه .
ثالثا : سلوك الاعتماد على النيكوتين : وسوف نوضح بعض المصطلحات الرئيسية في هذا المجال ومن ثم تحدد درجة الاعتماد على النيكوتين ، مع بيان لتصنيف الاضطرابات المتعلقة بالنيكوتين حسب التصنف الرابع DSM-IV للرابطة الامريكية للطب النفسي ومن ثم عرض لأحد المقاييس العالمية المستخدمة لتحديد درجة الاعتماد على النيكوتين والمقاسة باستخبار الاعتماد على النيكوتين من أجل وضع معايير للاعتماد على النيكوتين .
رابعا: طرق الاقلاع عن تدخين السجائر: سوف نعرض في هذا الجزء أحد برامج العلاج النفسي الجماعي المعرفي السلوكي (مهارات التأقلم) في الاقلاع عن تدخين السجائر ، مع بعض النصائح للمدخنين الذين لا يرغبون بالاقلاع عن تدخين السجائر .
تمهيـد
كلما رأيت مدخناً يمج سيجارته بشغف مجنون ، ثم ينفث دخانها في الهواء ، وكأنه يطرد همومه مع دخان سيجارته الخارج من رئتيه ، شعرت بالرثاء لحاله وتمنيت لو أن باستطاعتي مساعدته ليتخلص من استعباده ومرضه .
فكثير من المدخنين لا يعرفون مقدار السموم التي تتغلغل إلى كل خلية من خلايا أجسامهم فتؤثر فيها إن لم تخرجها وتتلفها .
ومع أن العلم أثبت من زمن بعيد فداحة الضرر الناتج عن ممارسة عادة التدخين . فإن الإنسان لا يزال يقبل على التدخين بمزيد من الرغبة والشوق . والمشكلة لا تزال قائمة ويزداد تعاظمها يوماً بعد يوم .
وهذا ما دفعني إلى تسطير هذا البحث أملا أن يلقي ضوءا ساطعا على القائمة بين التدخين وبين مجموعة من الأمراض التي يعاني منها الإنسان . وكلي قناعة بأن المدخن وغير المدخن سيجد فيه جانبا كبيرا من المعرفة التي تعود عليه بالفائدة العظمى وتمكنه من المحافظة على صحته تجاه هذا الأخطبوط الخطير .
وقد ابتدأت البحث بإلقاء نظرة عامة على نبات التبغ وكيف غزا عالمنا وأدي إلى انتشار عادة التدخين في كافة المجتمعات والطبقات ، ثم عرضت ما ينتج عن احتراق التبغ من مواد سامة وأجسام ضارة ، وكيف تعمل جميع هذه السموم فتكا وتخريبا في جسم المدخن . وبينت أثر التدخين على جهاز التنفس والجهاز العصبي وجهاز الهضم . وأثره على القلب وجهاز الدروان . وأفردت بفصل خاص آثار التدخين الضارة على الفم وشرحت العلاقة بين ممارسة عادة التدخين والإصابة بالسرطان .
ثم انتقلت إلى أثر التدخين الخطر على الأحداث والمراهقين ، وعلى المرأة أنثى وأما حاملا ومرضعا وغير ذلك .
كما عرضت وجهة نظر المؤيدين للتدخين ، وختمت البحث بتقديم شرح للطريقة المثلي الواجب اتباعها للاقلاع عن التدخين ، أو للتخفيف من أضراره إلى الحد الأدني .
وأدعو الله سبحانه وتعالي أن يكون قد وفقنى لما رميت إليه من خير لشبابنا وأمتنا ، إنه نعم المولى ونعم النصير .
مقدمـة
تدخين السجائر موضوع ذو ماض وحاضر ومستقبل : أما الماضي فبعيد يصل إلى فجر الحياة الاجتماعية والإنسانية ، وأما الحاضر فمتسع يشمل العالم بأسره ، وأما المستقبل فأبعاده متجددة وليست محددة . فما من مجتمع ترامت إلينا سيرته عبر القرون أو عبر مستويات التغير الحضاري المتعددة إلا وجدنا بين سطور هذه السيرة ما ينبئ، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن التعامل مع مادة التبغ ومواد محدثة لتغيرات بعينها في الحالة النفسية بوجه عام ، أو في الحالة العقلية بوجه خاص ، لدى المتعامل .
ونقلا عن (عادل الدمرداش ، 1982 : 250 – 252) ينمو نبات التبغ أو نيكوتيانا توباكام Nicotiana Tobacum ونيكوتيانا روستيكا N. Rustica في أمريكا الشمالية والجنوبية وينتمي إلى فصيلة سولانيشيا Solanacea وقد رصد العلماء 60 نوعا من هذا النبات أشهرها النوعان السابقان . وقد وصفها عالم النبات السويدى "كارل لينيياس" Linnaeus وأطلق عليها اسم "نيكوتينا" نسبة إلى "جان نيكو" سفير فرنسا في البرتغال الذي جرب التبغ هناك وتعلق به ومدحه للناس . وأول من شاهد نبات التبغ الرحالة "كريستوفر كولومبوس" مكتشف أمريكا الذي أهداه أهالي "سان سلفادور" أوراقا من النبات في سنة 1492 ، ووصف "كولومبوس" وقسيس إسباني كان معه في الرحلة كيف كان الهنود الحمر يلفون أوراق التبغ ثم يشعلون فيها النار ويستنشقون أبخرته ، وكانو يحرقونه أيضا في المناسبات الدينية ولطرد الأرواح الشريرة وفي الاحتفالات وعند دفن الموتى .
وكلمة توباكو Tobacco مشتقة من كلمة تصف الأنبوب المزدوج الذي كان يستخدمه الأهالي لاستنشاق أبخرة التبغ ، وفي رواية أخرى يقال أنها نسبة لمقاطعة توباجوس في المكسيك . وأول من استعمل التبغ من الأوروبيين ملاح من ملاحي "كولومبوس" اسمه "رود ريجودي خيريث" اسباني الأصل ، أحضر التبغ معه إلى البرتغال ، ودخنه هناك ، فظن الناس أن الشيطان تقمصه لما شاهدوا الدخان يتدفق من ألفه وفمه . وسجن رودريجو ورفاقه من المدخنين . وليس التبغ نوعاً واحداُ ، بل هو أنواع كثيرة يصل عددها إلى الأربعين صنفا منها الجيد ومنها الردي ، ونذكر من هذه الأنواع : التنباك – هافانا – الايراني – العدني – ديل الجمل – صيني – فرجيني – يوناني – تركي – بلغاري – ياباني .
أما اسم التبغ فهو مشتق من كلمة ( توباكو) الاسبانية . كان التبغ يستخدم في البداية كعلاج للزكام والصدع والقرح ، ثم استخدم من أجل الترويح بواسطة البحارة الأسبان الذين نشروا زراعته واستعماله أينما ذهبوا . وانتشرت عادة التدخين في باقي بلدان أوروبا حتى بلغ عدد مقاهي التدخين في لندن وحدها 7000 مقهى سنة 1614 ، بالرغم من تحذيرات الملك "جيمس الأول" ملك انجلترا الذي كان أول من نبه الناس إلى أضرار التدخين على الرئتين سنة 1604 وكان التبغ يدخن في تلك الأيام في غليون أو على شكل سيجارة ، ثم استخدمه النبلاء على شكل السعوط ، وفي سنة 1642 أصدر "البابا أوربان السابع" أمرا رسميا بابويا يقضي بتحريم التدخين الا أن العوام والقساوسة استمروا في التدخين . ولم تحد العقوبات القاسية التي فرضها الحكام على رعاياهم من المدخنين في منع انتشار العادة فقد تراوحت هذه العقوبات بين السجن والشنق وبتر الرأس والتعذيب .
وقد حاول الانجليز كسر احتكار أسبانيا لتجارة التبغ بزراعته في ولاية فرجينيا بأمريكا التي كانو يستعمرونها آنذاك لأن التربة في بريطانيا كانت لا تصلح لنمو النبات ، ونجحت التجربة في سنة 1619 . و ما زالت هذه الولاية حتى وقتنا الحاضر من أكبر مصدري التبغ . ونظرا لإقبال الناس على التبغ والتدخين فقد فرضت الحكومة الانجليزية الضرائب عليه ثم رفعت الضريبة بعد ذلك وشرعت القوانين التي تمنع غش الدخان . وفي خلال القرن الثامن عشر اختفي الغليون والسجائر من انجلترا ليحل محلهما السعوط الذي انتشر بين الناس حتى أن الملكة "شارلوت" زوجة "جورج الثالث" أدمنت عليه . أما في الولايات المتحدة فكان الناس يمضغون أوراق التبغ ويبصقونها بعد فترة في أوان خاصة بذلك كانت موجودة في المحلات العامة ، ولم يكن التدخين منتشرا في القرن الثامن عشر . أما السجائر فقد عرفها هنود يوكاتان في المكسيك منذ القدم ، إذ كانوا يضعون التبغ المجفف في أنابيب رقيقة من الخوص . وأول من استخدم السجائر الفرنسيون سنة 1840 حين قاموا بلف التبغ داخل ورق رقيق ، وكانوا يدخنونه بهذه الطريقة وانتشرت عادة شرب السجائر في أوروبا بعد حرب القرم . وفي سنة 1850 قام تاجر التبغ الانجليزي "فيليبس موريس" بصنع السجائر يدويا وبيعها بالجملة . وفي سنة 1880 أدى تحسن نوعية ورق السجائر والميكنة الى انخفاض سعرها وانتشارها بين الناس وارتفع استهلاكها عندما حرمت الولايات المتحدة مضغ التبغ وبصقه سنة 1910 . وأثناء الحرب العظمى الأولى إذ كانت الحكومات تعطي كل جندي علبة سجائر بالمجان سواء كان مدخنا أم لا مما دفع العديد من الشباب إلى التدخين آنذاك ، وفي سنة 1939 صنعت أول سيجارة كنج سايز في أمريكا ثم ظهرت السجاير ذات الفلتر لأول مرة سنة 1954 .
وفي السبعينات نتيجة لضغط الهيئات الصحية صنعت الشركات سجائر ذات نيكوتين وقطران مخفف . وكان تدخين السجائر يعتبر من علامات الأناقة والرجولة وكانت الاعلانات التي تبرز مشاهير الممثلين وشخصيات أخرى تؤكد ذلك . ويعتبر تدخين التبغ واحد من أكثر أسباب الوفيات في الولايات المتحدة في عام 1990 حيث تبين أن 19% من حالات الوفيات بسبب التبغ ، 14% بسبب نظام الحمية ، 5% الكحول ، 4% الميكوربات ، 3% السموم ، 2% الاسلحة النارية ، 1% السلوك الجنسي ، 1% حوادث السيارات ، 05, استعمال لبعض العقاقير المحضورة (McGinnis, 1993) .
وعلى الرغم من تعدد المشكلات والأخطار المرتبطة بسلوك التدخين وتنوعها ، فإن الأضرار الصحية الناجمة عنه تأتي في المقدمة ، فقد توصل الكثير من الدراسات إلى أن التدخين يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة في 85% من الحالات ، ويساهم في الإصابة بسرطان الفم والبلعوم والحنجرة والمرئ والمعدة والرحم والمثانة والقولون ، فضلا عن كون التدخين يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين ، والتهابات الشعب الرئوية ، وأمراض الحساسية ، وزيادة حالات الإجهاض (الجمعية الطبية الكويتية ، 1998 ، بارتيشي وآخرون ، 1996).
ومن الجدير بالذكر أن هذه الأمراض لا تقتصر على المدخن وحده ، بل انها تمتد إلى من حوله والمحيطين به ، وهو ما يعرف بالتدخين السلبي (استنشاق الدخان بشكل غير مباشر).
وبناء على هذا فقد تصدت بعض البحوث والدراسات النفسية لدراسة هذه الظاهرة للوقوف على أسباب حدوثها ، والدوافع المؤدية إليها ، وسمات شخصية المدخنين ، ونوعية البرامج المناسبة للإقلاع عن التدخين . كما اهتمت دراسات أخرى بفحص العادات والمعتقدات والاتجاهات الصحية نحو التدخين ، البحث الحالي ينتمي إلى النوع الأول من الدراسات .
معدلات انتشار تدخين السجائر
لعل دراسة مدى انتشار الظاهرة وتوزيعها اجتماعيا – يلقي بعض الأضواء على حجم المشكلة بحيث قد نهتدى إلى الطريق للتعرف على هذه الظاهرة . وفي هذا الصدد تقول بعض المصادر القديمة والحديثة – كما بيننا في الجزء السابق – إن التبغ عامة قد عرف إستعمالها أغلب الناس منذ مئات السنين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية وأوضاعهم الاقتصادية
ومستوياتهم الثقافية . كما قد عرفت التبغ سواء بين المتزوجين أو غير المتزوجين ، غير أن درجة استعمال التبغ وشيوعه قد لوحظ أنها تختلف من مجتمع لآخر ، وفي المجتمع الواحد تختلف من طبقة لأخرى ، وكذلك تختلف طبقا للمستويات الثقافية والعمرية والنوعية والمكانة الاجتماعية وغير ذلك من العوامل العديدة التي إذا تدخلت كان لها بعض التأثير في درجة شيوع ظاهرة تدخين السجائر .
وسنحاول أن نتعرض في هذا الموضوع لمدى انتشار التدخين في البلدان الأجنبية و العربية و المحلية ، مع التركيز على فئة الشباب و محاولة التعرف على علاقة التدخين بكل من : النوع و العمر و الاضطرابات النفسية، فضلا عن بيان موجز لأحد أكثر المقاييس ذيوعا لتحديد معدلات انتشار هذه الظاهرة .
التحميل
للدراسة كاملة
http://adf.ly/IUF17