لأسس والمسلمات والمبادئ:
التوجه والإرشاد النفسي علم وفن يقوم على أسس عامة تتمثل في عدد من المسلمات والمبادئ التي تتعلق بالسلوك البشري والعميل وعملية الإرشاد، وعلى أسس فلسفية تتعلق بطبيعة الإنسان وأخلاقيات الإرشاد النفسي، وعلى أسس نفسية وتربوية تتعلق بالفروق الفردية والفروق بين الجنسين ومطالب النمو، وعلى أسس اجتماعية تتعلق بالفرد والجماعة ومصادر المجتمع، وعلى أسس عصبية وفسيولوجية تتعلق بالجهاز العصبي والحواس وأجهزة الجسم الأخرى.
ويلاحظ أن أسس التوجيه والإرشاد النفسي معقدة وليست بسيطة، ولكن كونها معقدة لا يعني أنها مختلطة أو مشوشة، إن الرياضيات مواد معقدة وليست بسيطة، ولكن له أسس ومبادئ ومسلمات ونظريات واضحة معروفة "كارول ميلر Miller؛ 1965".
والهدف من دارسة أسس التوجيه والإرشاد النفسي هو وضع الأساس الذي يبنى عليه باقي موضوعات التوجيه والإرشاد كما سنرى في الفصول القادمة.
وأسس الإرشاد النفسي كثيرة، ولو تم تناولها جميعا لطال الكلام وضاق المجال، ولذلك فلا مناص من اختيار أهم الأسس والكلام عنها، أما ما يتكرر في مكان آخر فيترك إلى ذلك المكان. فمثلا من الأسس النفسية للإرشاد اعتبار عملية الإرشاد عملية تعلم، وهذا الأساس سوف يأتي الكلام عنه في عملية الإرشاد "في الفصل السادس" ولذلك تم إرجاؤه إلى ذلك الموضع ... وهكذا. وفيما يلي أسس التوجيه والإرشاد النفسي.
الأسس العامة "المسلمات والمبادئ":
ثبات السلوك الإنساني نسبيا وإمكان التنبؤ به:
السلوك هو أي نشاط حيوي هادف "جسمي أو عقلي أو اجتماعي أو انفعالي" يصدر من الكائن الحي نتيجة لعلاقة دينامية وتفاعل بينه وبين البيئة المحيطة به. والسلوك عبارة عن استجابة أو استجابات لمثيرات معينة. ويجب التفريق بين السلوك على أنه استجابة كلية وبين النشاط الفسيولوجي كاستجابات جزئية.
والسلوك خاصة أولية من خصائص الإنسان يتدرج من البساطة إلى التعقيد، وأبسط أنواع السلوك هو السلوك الانعكاسي Refexive Behaviour، ومن أعقد أنماطه السلوك الاجتماعي Socical Bevhaviour مثل سلوك الدور الاجتماعي "انظر شكل 10" فالسلوك
الانعكاسي محصور في الفرد ولا يحتاج إلى استخدام المراكز العقلية العليا في الجهاز العصبي، ومعظمه وراثي لا إرادي وغير اجتماعي. مثل سلوك الدور فإنه يتضمن علاقات بين أفراد الجماعة وبين الفرد والبيئة الاجتماعية، ويحتاج إلى تشغيل المراكز العقلية العليا، وهذا السلوك متعلم عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية ويتضمن اتصالا اجتماعيا، وهو إرادي ومحدود اجتماعيا "حامد زهران، 1984".
والسلوك الإنساني في جملته مكتسب متعلم من خلال علمية التنشئة الاجتماعية والتربية والتعليم، وهو يكتسب صفة الثبات النسبي والتشابه بين الماضي والحضر والمستقبل، وكون السلوك الإنساني ثابتا نسبيا فإنه يمكن التنبؤ به بدقة عند الأشخاص العاديين وفي المواقف العادية تحت ظروف ومتغيرات عادية.
ولكي يكون هذا المبدأ صحيحا لا بد أن يضاف إليه استدراك هو "إذ تساوت الظروف
والمتغيرات والعوامل الأخرى" Other variables being constant or oter things being equal فمثلا إذا نجح تلميذ بتفوق في الشهادة الابتدائية وكذلك في الشهادة الإعدادية وأيضا في الشهادة الثانوية، ويمكن القول -إن شاء الله وإذا تساوت الظروف والعوامل الأخرى- إن هذا الطالب سيكون متفوقا أيضا في التعليم الجامعي، وهذا المثل يدل على ثبات السلوك الإنساني نسبيا وعلى إمكان التنبؤ به إذا تساوت الظروف والمتغيرات والعوامل الأخرى.
والمرشد النفسي أخصائي تغيير وتعديل سلوك، ومن ثم يكون فهم السلوك ودراسة طرق تعديله وتغييره أمرا هاما في عملية الإرشاد، وفي ميدان التوجيه والإرشاد النفسي، لكي يمكن التنبؤ بالسلوك، يجب دراسة عينات ممثلة من سلوك الفرد في مواقف متنوعة في الحياة اليومية ودراسة تاريخ الفرد واستنتاج أسلوب حياته ويجب الإحاطة باتجاهات ومعايير النمو في الشخصية العادية ومعرفة العلاقات الاجتماعية وغير ذلك مما يمدنا به علم نفس النمو وعلم النفس الاجتماعي وغيرهما من ميادين علم النفس والإحصاء "دانيل فولمر وهارولد بيرنارد Fullmer & Bernard؛ 1972".
مرونة السلوك الإنساني:
السلوك الإنساني رغم ثباته النسبي، فإنه مرن وقابل للتعديل والتغيير. والثبات النسبي للسلوك الإنساني لا يعني جموده.
وقد يظن بعض الناس أن تعديل السلوك أمر صعب بسبب ثباته النسبي، ولكن انظر إلى مدرب الوحوش في السيرك، إنه يغير سلوكها ويعدله، ويحول السلوك الوحشي إلى سلوك أليف، ويحول الحيوان المفترس إلى حيوان أنيس، يكون هذا عن طريق التعليم والتدريب والترويض المتخصص. ويحكى لنا تاريخ علم النفس حكاية الطفل المتوحش، الذي عثر عليه في غابة أفيرون بفرنسا سنة 1798 وكان يعيش حتى بلغ الثانية عشرة مع الحيوانات محروما من المثيرات الاجتماعية الإنسانية. وقد وضع إيتارد Itard برنامجا يهدف إلى تنمية الناحية الاجتماعية عند هذا الطفل وتدريبه عقليا، وترويضه سلوكيا بصفة عامة، ونجح إيتارد في تعليم الطفل المتوحش الكلام وقراءة بعض الكلمات وضبط بعض الدافع، إلا أنه فشل في تدريبه على ضبط النفس والتوافق الاجتماعي الانفعالي، فقد كان الطفل ضعيف العقل، ويحكي لنا تاريخ علم النفس أيضا حكاية الطفلتين الذئبتين اللتين عثر عليها في أحد كهوف الهند سنة 1912، وكانتا تعيشان مع الذئاب عاريتان تمشيان على أربع، وتأكلان اللحم النيئ وتعلقان الطعام بالفم، ولغتهما همهمات وأصوات غريبة، وتظهران العداوة للآدميين، ونقلت الفتاتان إلى
مدرسة الإرسالية البريطانية التي عثرت عليهما فأحرزتا تقدما ملحوظا وأنشأتا علاقات اجتماعية عاطفية، وتعلمتا أكل الطعام المطهو باليد وارتداء الملابس، وفهم اللغة البسيطة وحب الأطفال الآخرين.
وهكذا نرى أن السلوك الإنساني مرن وقابل للتعديل، ولا يقتصر مبدأ المرونة على السلوك الظاهري فقط بل يشمل التنظيم الأساسي للشخصية ومفهوم الذات مما يؤثر في السلوك، ولولا هذه المسلمة لما كان الإرشاد النفسي ولا العلاج النفسي ولا التربية ولا أي جهد يقوم أساسا على تعديل وتغيير السلوك المضطرب أو المرضي إلى السلوك سوي وعادي.
السلوك الإنساني فردي جماعي:
السلوك الإنساني فردي جماعي في نفس الوقت. وهناك فرع من فروع علم النفس هو علم النفس الفردي، وفي نفس الوقت هناك فرع آخر هو علم النفس الاجتماعي الذي يدرس سيكولوجية الفرد والجماعة والسلوك الاجتماعي كاستجابة للمثيرات الاجتماعية.
والسلوك الإنساني فردي اجتماعي مهما بدا فرديا بحتا أو اجتماعيا خالصا فسلوك الإنسان هو وحده يبدو فيه تأثير الجماعة، وسلوكه وهو مع الجماعة تبدو فيه آثار شخصيته وفرديته، ونحن نعرف أن الشخصية هي جملة السمات الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية التي تميز الشخص عن غيره. والمعايير الاجتماعية Social Noroms هي ميزان أو مقياس السلوك الاجتماعي، وهي السلوك النموذجي أو المثالي المحدد لما هو صحيح وما هو خطأ وما هو جائز وما هو غير جائز وما هو مباح وما هو عيب، أي أنها تحدد وتسهل سلوك الفرد والجماعة وتحدد السلوك المتوقع في المواقف الاجتماعية.
والفرد يلعب عددا من الأدوار الاجتماعية Social Roles أي الوظائف الاجتماعية المتكاملة المتتالية، بمعنى أنه يقوم بدور أستاذ ودور أب ودور زوج ودور أخ ودور قائد أو تابع ... إلخ، وهذه الأدوار يتعلم الفرد المعايير السلوكية المحددة لها من الجماعة.
وللفرد اتجاهات اجتماعية Attitudes كثيرة نحو الأفراد والجماعات والمؤسسات والمواقف والموضوعات الاجتماعية، تتكون من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، ويكون منها اتجاهات موجبة أو سالبة، واتجاهات جامدة واتجاهات منفعلة في شكل تعصب.
وهكذا يمكن القول بأن الجماعة تعتبر بمثابة "نور موستات" السلوك الفردي، أي منظم السلوك الفردي، وأن السلوك الإنساني فردي اجتماعي.
وفي الإرشاد والعلاج النفسي نجد أن أي محاولة لتعديل أو تغيير سلوك الفرد لا بد أن تدخل في الحساب شخصية الفرد ومعايير الجماعة والأدوار الاجتماعية والاتجاهات السائدة
القيم ... إلخ، بما يحقق صالح كل من الفرد والجماعة. وفي الفصل التالي الذي يتناول نظريات الإرشاد النفسي ونجد نظرية المجال تؤكد أهمية المجال الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد.
استعداد الفرد للتوجيه والإرشاد:
الفرد العادي لديه استعداد للتوجيه والإرشاد مبني على وجود حاجة أساسية لديه للتوجيه والإرشاد، وكل منا حين يلتوي عليه أمر أو تعترضه مشكلة يلجأ إلى الآخرين طلبا للاستشارة والتوجيه والإرشاد1.
والفرد العادي يكون لديه استبصار بحالته ويدرك حاجته إلى الإرشاد ويسعى إليه سعيا ويقبل عليه إقبالا برضى واختيار، وهذا يتضمن وجود الدافعية والإرادة والرغبة في التغيير. وهذا يعتبر أساسا هاما تقوم عليه عملية الإرشاد نفسها، فنحن لا نستطيع أن نقدم شيئا للإنسان ولا يتقبله أو ليس مستعدا لأن يتقبله. وحتى إذا أجبر العميل دون أن يكون لديه الاستعداد والإقبال والاهتمام فإنه يعطي للمرشد كما يقول المثل "أذن من طين وأذن من عجين"، ويكون المرشد في هذه الحالة كمن يطرق في حديد بارد، ولا يجدي الإرشاد ويشعر بالحاجة إليه ويقبل عليه ويثق في عملية الإرشاد ويتوقع الاستفادة منها حتى تحدث الاستفادة فعلا ويتحقق الهدف.
حق الفرد في التوجيه والإرشاد:
التوجيه والإرشاد حاجة نفسية هامة لدى الإنسان. ومن مطالب النمو السوي إشباع هذه الحاجة. وعلى هذا يكون التوجيه والإرشاد حقا من حقوق كل فرد حسب حاجته في أي مجتمع ديموقراطي، أي أن للفرد حقا على المجتمع في أن يوجه كإنسان.
ومن واجب الدولة توفير وتيسير خدمات التوجيه والإرشاد لكل فرد يحتاج إليها، فهي حق لمن ينمو في تطوره العادي ولمن يمر بمراحل حرجة ولمن يتعرض لمشكلات شخصية أو تربوية أو مهنية أو زواجية أو أسرية ... إلخ. فمثلا من حق كل تلميذ أن يتلقى خدمات الإرشاد التربوي والمهني، ومن حق التلميذ المشكل أن يتلقى خدمات إرشادية خاصة، كذلك من حق التلميذ المتفوق الذي لا يستغل كامل إمكاناته أن يتلقى خدمات إرشادية خاصة ... وهكذا.
إن خدمات التوجيه والإرشاد يجب أن تتوافر لكل فرد ولكل الفرد ككائن متكامل لتحقيق سعادته في كل ميادين حياته الشخصية والتربوية والمهنية ... إلخ.
ونحن نجد من أشهر طرق الإرشاد النفسي طريقة أطلق عليها اسم يدل على كرامة الفرد وحقه في التوجيه والإرشاد، وهي طريقة الإرشاد النفسي الممركز حول العميل "كارول ميلر Miller؛ 1965" وهي الطريقة التي أطلق عليها كارل روجرز أخيرًا "الإرشاد الممركز حول الشخص".
حق الفرد في تقرير مصيره:
من أهم مبادئ التوجيه والإرشاد النفسي الاعتراف بحرية الفرد ومقامه وقيمته وحقه في اختيار وتقرير مصيره.
إن الفرد الحر شخص يعرف ذاته ويحققها وينميها، ويسعى لحل مشكلاته حين يقابلها، مختارا أفضل احتمالات الحلول. وهو يعرف أن حريته تحددها طبيعة شخصيته ومطالب بيته وهو يسعى لتحقيق مزيد من الحرية في إطار من المسئولية في ضوء خبرات الماضي وظروف الحاضر وتطلعات المستقبل، والفرد الحر يعرف أن حريته ترتبط بحريات الآخرين في إطار من التكامل، وأن من أهم مظاهر الحرية حرية الاختيار، وحرية اتخاذ القرار، وحق تقرير المصير والفرد الحر يتحمل مسئولية قراراته ونتائج سلوكه، وهو يسعى للحصول على المساعدة والتوجيه والإرشاد من الآخرين حين يحتاج إلى ذلك "إداورد جلانز Glanz؛ 1974".
إن الإرشاد إرشاد وليس إجبارا. وقد علمنا الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} وليس في الإرشاد أوامر ولا وعظ، ولا نصح ولا حلول جاهزة، إنه ليس شيئا يعمله المرشد للعميل ولكنه عملية مساعدة تتيح الفرصة للقوى الخيرة والإيجابية في الإنسان أن تعمل وأن تظهر فيستطيع أن يتعلم كيف يحل هو مشكلاته بالطريقة التي يراها مناسبة.
وهناك قاعدة أساسية وهي أنه "ليس هناك من هو أعرف بالفرد من نفسه"1.
وفي معايير النمو السوي نجد أن تقرير المصير وتحديد الأهداف والتخطيط للمستقبل والقدرة على اتخاذ القرارات والاستقلال في السلوك والاعتماد على النفس وتحمل مسئولية الذات علامة هامة من علامات النضج الاجتماعي.
ومن أسس الإرشاد الثقة في الفرد واحترامه مهما كان جنسه أو لونه أو دينه أو مستواه الاجتماعي والاقتصادي، وإتاحة الفرصة أمامه لكي ينمو ويستغل إمكاناته وإمكانات بيئته إلى
أقصى حد. إن للفرد الحق في أن يدرس ما يشاء ويختار، وأن يعمل في العمل الذي يفضله، بالضبط كما أن له الحق في أن يأكل ما يشتهي "جين وارترز Wartaers 1964".
والفرد العادي وهو يقرر مصيره، وهو يختار لنفسه، لا يضع نفسه في وضع شقاء ولا يختار لنفسه طريقا منحرفا. فلا أحد يكتب نفسه شقيا عن قصد، اللهم إلا إذا كان مريضا أو مضطربا نفسيا، وهذا موضوع آخر.
وهكذا لا يقدم المرشد للعميل حلولا أو قرارات أو خططا جاهزة، ولكنه يساعد العميل في اقتراح الحلول ورسم الخطط واتخاذ القرارات بنفسه لنفسه، وتصور أننا نقدم لإنسان جائع طعاما ممضوغا، إنه لا يقبله، فضلا عن أنه لا يجوز. والأصوب هو مساعدته في الحصول على طعامه الذي يحبه ويختاره ويجهزه بالطريقة التي يفضلها ويأكله هو ويمضغه هو.
إن المساعدة في الإرشاد النفسي تقدم للعميل الذي له الحق في تقرير مصيره بطريقة "خذها أو اتركها، Take it or leave".
ونحن نجد أن حق الفرد في تقرير مصيره يقابله واجب ومسئولية عن فهم وتحقيق وتحسين وتوجيه ذاته.
تقبل العميل:
يقوم الإرشاد النفسي على أساس تقبل المرشد للعميل كما هو وبدون شروط وبلا حدود. وهذا أمر ضروري لتحقيق العلاقة الإرشادية الطيبة المطلوبة التي تتيح الثقة المتبادلة في العملية الإرشادية.
وميدان الإرشاد النفسي ليس ميدان تحقيق أو إصدار أحكام على السلوك والخبرات. إن العميل حين يلجأ إلى المرشد يلوذ به ليطمئن نفسيا، وله حق التقبل وسعة الصدر والطمأنينة والشعور بالأمن وإزالة الكرب ويجب أن يلمس العميل ذلك من خلال العلاقة الإرشادية.
وعلى العموم فإن الأساس هنا هو تقبل العميل ككل مهما كان سلوكه، وليس تقبل كل سلوكه أيا كان مليحه بقبيحه، فتقبل العميل شيء، وتقبل سلوكه شيء آخر. فقط يقوم العميل بسلوك شاذ أو غير سوي فلا يتقبله المرشد، ولكنه يساعد العميل على تغييره، إن تقبل السلوك السوي مقبول ومرغوب، أما تقبل السلوك غير السوي فقد يفسره العميل على أنه تشجيع لمثل هذا السلوك.
ستمرار عملية الإرشاد:
عملية الإرشاد عملية مستمرة متتابعة من الطفولة إلى الكهولة، ومن المهد إلى اللحد. ففي الطفولة يقوم بها الوالدان حين يهرع إليهما الولد بمشكلاته، وفي المدرسة يقوم بها المرشد أو المعلم المرشد حين يلجأ إليه التلميذ. وهكذا في الحياة حين تطرأ المشكلات. يسعى الفرد للإرشاد لدى مرشد متخصص.
ونحن نعلم أن مشكلات الحياة العادية تستمر مع النمو العادي وتصاحبه ولا تقتصر على فترة معينة من النمو.
والمرشد الذي يقدم خدمات الإرشاد عليه أن يتابعها. والمتابعة تؤكد استمرار عملية الإرشاد. فالإرشاد ليس مجرد وصفة طبية أو دفعة مبدئية، ولكنه خدمة مستمرة منظمة.
وهكذا نجد أن الإرشاد عملية مستمرة ما دام الفرد ينمو، والنمو عملية مستمرة، ما دام من مناهجه المنهج التنموي والمنهج الوقائي.
الدين ركن أساسي:
الدين عنصر أساسي في حياة الإنسان. والتربية السليمة تشمل التربية الدينية. والنمو السوي يتضمن النمو الديني. والصحة النفسية تشتمل السعادة في الدنيا والدين.
والمعتقدات الدينية لكل من المرشد والعميل هامة وأساسية لأنها تعتبر ضوابط للسلوك ومعايير مقدسة محددة له وتؤثر في العلاقة الإرشادية.
ويقول بعض الكتاب إن الإرشاد عملية إنسانية يجب ألا تتدخل فيها أو تنعكس عليها المعتقدات الدينية للمرشد والعميل سواء اتفقت أو اختلفت.
وفي مقابل هؤلاء نجد بعد المتحمسين -كل لدينه- يضيفون للمرشد صفة دينية. فتجد كتابات عن "المرشد المسيحي" و"المرشد اليهودي" وفي مقابلها يجب أن يكون هناك كتابات عن "المرشد المسلم". ويحل البعض الموضوع بالحديث عن "المرشد المحترف" وحجتهم في ذلك أننا لا نستطيع أن نتحدث عن الأسلوب المسيحي في عملية جراحية ولا عن الأسلوب اليهودي في تعليم القراءة ولا عن الأسلوب الإسلامي في حل مسائل الحساب "مكجوان وشميت McGowan & Schmidt؛ 1962".
ويجمع المرشدون والمعالجون النفسيون على اختلاف أديانهم سواء كانوا مسلمين، أو يهودا أو مسيحيين على أن الإرشاد والعلاج النفسي يقوم على أساس ومفاهيم ومبادئ وأساليب دينية روحية "حامد زهران، 1975".
https://www.file-upload.com/users/AHMEDALIAHMED/127537/الارشاد النفسي
-
عدل سابقا من قبل health psychologist في الأربعاء نوفمبر 04, 2020 7:21 pm عدل 1 مرات
التوجه والإرشاد النفسي علم وفن يقوم على أسس عامة تتمثل في عدد من المسلمات والمبادئ التي تتعلق بالسلوك البشري والعميل وعملية الإرشاد، وعلى أسس فلسفية تتعلق بطبيعة الإنسان وأخلاقيات الإرشاد النفسي، وعلى أسس نفسية وتربوية تتعلق بالفروق الفردية والفروق بين الجنسين ومطالب النمو، وعلى أسس اجتماعية تتعلق بالفرد والجماعة ومصادر المجتمع، وعلى أسس عصبية وفسيولوجية تتعلق بالجهاز العصبي والحواس وأجهزة الجسم الأخرى.
ويلاحظ أن أسس التوجيه والإرشاد النفسي معقدة وليست بسيطة، ولكن كونها معقدة لا يعني أنها مختلطة أو مشوشة، إن الرياضيات مواد معقدة وليست بسيطة، ولكن له أسس ومبادئ ومسلمات ونظريات واضحة معروفة "كارول ميلر Miller؛ 1965".
والهدف من دارسة أسس التوجيه والإرشاد النفسي هو وضع الأساس الذي يبنى عليه باقي موضوعات التوجيه والإرشاد كما سنرى في الفصول القادمة.
وأسس الإرشاد النفسي كثيرة، ولو تم تناولها جميعا لطال الكلام وضاق المجال، ولذلك فلا مناص من اختيار أهم الأسس والكلام عنها، أما ما يتكرر في مكان آخر فيترك إلى ذلك المكان. فمثلا من الأسس النفسية للإرشاد اعتبار عملية الإرشاد عملية تعلم، وهذا الأساس سوف يأتي الكلام عنه في عملية الإرشاد "في الفصل السادس" ولذلك تم إرجاؤه إلى ذلك الموضع ... وهكذا. وفيما يلي أسس التوجيه والإرشاد النفسي.
الأسس العامة "المسلمات والمبادئ":
ثبات السلوك الإنساني نسبيا وإمكان التنبؤ به:
السلوك هو أي نشاط حيوي هادف "جسمي أو عقلي أو اجتماعي أو انفعالي" يصدر من الكائن الحي نتيجة لعلاقة دينامية وتفاعل بينه وبين البيئة المحيطة به. والسلوك عبارة عن استجابة أو استجابات لمثيرات معينة. ويجب التفريق بين السلوك على أنه استجابة كلية وبين النشاط الفسيولوجي كاستجابات جزئية.
والسلوك خاصة أولية من خصائص الإنسان يتدرج من البساطة إلى التعقيد، وأبسط أنواع السلوك هو السلوك الانعكاسي Refexive Behaviour، ومن أعقد أنماطه السلوك الاجتماعي Socical Bevhaviour مثل سلوك الدور الاجتماعي "انظر شكل 10" فالسلوك
الانعكاسي محصور في الفرد ولا يحتاج إلى استخدام المراكز العقلية العليا في الجهاز العصبي، ومعظمه وراثي لا إرادي وغير اجتماعي. مثل سلوك الدور فإنه يتضمن علاقات بين أفراد الجماعة وبين الفرد والبيئة الاجتماعية، ويحتاج إلى تشغيل المراكز العقلية العليا، وهذا السلوك متعلم عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية ويتضمن اتصالا اجتماعيا، وهو إرادي ومحدود اجتماعيا "حامد زهران، 1984".
والسلوك الإنساني في جملته مكتسب متعلم من خلال علمية التنشئة الاجتماعية والتربية والتعليم، وهو يكتسب صفة الثبات النسبي والتشابه بين الماضي والحضر والمستقبل، وكون السلوك الإنساني ثابتا نسبيا فإنه يمكن التنبؤ به بدقة عند الأشخاص العاديين وفي المواقف العادية تحت ظروف ومتغيرات عادية.
ولكي يكون هذا المبدأ صحيحا لا بد أن يضاف إليه استدراك هو "إذ تساوت الظروف
والمتغيرات والعوامل الأخرى" Other variables being constant or oter things being equal فمثلا إذا نجح تلميذ بتفوق في الشهادة الابتدائية وكذلك في الشهادة الإعدادية وأيضا في الشهادة الثانوية، ويمكن القول -إن شاء الله وإذا تساوت الظروف والعوامل الأخرى- إن هذا الطالب سيكون متفوقا أيضا في التعليم الجامعي، وهذا المثل يدل على ثبات السلوك الإنساني نسبيا وعلى إمكان التنبؤ به إذا تساوت الظروف والمتغيرات والعوامل الأخرى.
والمرشد النفسي أخصائي تغيير وتعديل سلوك، ومن ثم يكون فهم السلوك ودراسة طرق تعديله وتغييره أمرا هاما في عملية الإرشاد، وفي ميدان التوجيه والإرشاد النفسي، لكي يمكن التنبؤ بالسلوك، يجب دراسة عينات ممثلة من سلوك الفرد في مواقف متنوعة في الحياة اليومية ودراسة تاريخ الفرد واستنتاج أسلوب حياته ويجب الإحاطة باتجاهات ومعايير النمو في الشخصية العادية ومعرفة العلاقات الاجتماعية وغير ذلك مما يمدنا به علم نفس النمو وعلم النفس الاجتماعي وغيرهما من ميادين علم النفس والإحصاء "دانيل فولمر وهارولد بيرنارد Fullmer & Bernard؛ 1972".
مرونة السلوك الإنساني:
السلوك الإنساني رغم ثباته النسبي، فإنه مرن وقابل للتعديل والتغيير. والثبات النسبي للسلوك الإنساني لا يعني جموده.
وقد يظن بعض الناس أن تعديل السلوك أمر صعب بسبب ثباته النسبي، ولكن انظر إلى مدرب الوحوش في السيرك، إنه يغير سلوكها ويعدله، ويحول السلوك الوحشي إلى سلوك أليف، ويحول الحيوان المفترس إلى حيوان أنيس، يكون هذا عن طريق التعليم والتدريب والترويض المتخصص. ويحكى لنا تاريخ علم النفس حكاية الطفل المتوحش، الذي عثر عليه في غابة أفيرون بفرنسا سنة 1798 وكان يعيش حتى بلغ الثانية عشرة مع الحيوانات محروما من المثيرات الاجتماعية الإنسانية. وقد وضع إيتارد Itard برنامجا يهدف إلى تنمية الناحية الاجتماعية عند هذا الطفل وتدريبه عقليا، وترويضه سلوكيا بصفة عامة، ونجح إيتارد في تعليم الطفل المتوحش الكلام وقراءة بعض الكلمات وضبط بعض الدافع، إلا أنه فشل في تدريبه على ضبط النفس والتوافق الاجتماعي الانفعالي، فقد كان الطفل ضعيف العقل، ويحكي لنا تاريخ علم النفس أيضا حكاية الطفلتين الذئبتين اللتين عثر عليها في أحد كهوف الهند سنة 1912، وكانتا تعيشان مع الذئاب عاريتان تمشيان على أربع، وتأكلان اللحم النيئ وتعلقان الطعام بالفم، ولغتهما همهمات وأصوات غريبة، وتظهران العداوة للآدميين، ونقلت الفتاتان إلى
مدرسة الإرسالية البريطانية التي عثرت عليهما فأحرزتا تقدما ملحوظا وأنشأتا علاقات اجتماعية عاطفية، وتعلمتا أكل الطعام المطهو باليد وارتداء الملابس، وفهم اللغة البسيطة وحب الأطفال الآخرين.
وهكذا نرى أن السلوك الإنساني مرن وقابل للتعديل، ولا يقتصر مبدأ المرونة على السلوك الظاهري فقط بل يشمل التنظيم الأساسي للشخصية ومفهوم الذات مما يؤثر في السلوك، ولولا هذه المسلمة لما كان الإرشاد النفسي ولا العلاج النفسي ولا التربية ولا أي جهد يقوم أساسا على تعديل وتغيير السلوك المضطرب أو المرضي إلى السلوك سوي وعادي.
السلوك الإنساني فردي جماعي:
السلوك الإنساني فردي جماعي في نفس الوقت. وهناك فرع من فروع علم النفس هو علم النفس الفردي، وفي نفس الوقت هناك فرع آخر هو علم النفس الاجتماعي الذي يدرس سيكولوجية الفرد والجماعة والسلوك الاجتماعي كاستجابة للمثيرات الاجتماعية.
والسلوك الإنساني فردي اجتماعي مهما بدا فرديا بحتا أو اجتماعيا خالصا فسلوك الإنسان هو وحده يبدو فيه تأثير الجماعة، وسلوكه وهو مع الجماعة تبدو فيه آثار شخصيته وفرديته، ونحن نعرف أن الشخصية هي جملة السمات الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية التي تميز الشخص عن غيره. والمعايير الاجتماعية Social Noroms هي ميزان أو مقياس السلوك الاجتماعي، وهي السلوك النموذجي أو المثالي المحدد لما هو صحيح وما هو خطأ وما هو جائز وما هو غير جائز وما هو مباح وما هو عيب، أي أنها تحدد وتسهل سلوك الفرد والجماعة وتحدد السلوك المتوقع في المواقف الاجتماعية.
والفرد يلعب عددا من الأدوار الاجتماعية Social Roles أي الوظائف الاجتماعية المتكاملة المتتالية، بمعنى أنه يقوم بدور أستاذ ودور أب ودور زوج ودور أخ ودور قائد أو تابع ... إلخ، وهذه الأدوار يتعلم الفرد المعايير السلوكية المحددة لها من الجماعة.
وللفرد اتجاهات اجتماعية Attitudes كثيرة نحو الأفراد والجماعات والمؤسسات والمواقف والموضوعات الاجتماعية، تتكون من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، ويكون منها اتجاهات موجبة أو سالبة، واتجاهات جامدة واتجاهات منفعلة في شكل تعصب.
وهكذا يمكن القول بأن الجماعة تعتبر بمثابة "نور موستات" السلوك الفردي، أي منظم السلوك الفردي، وأن السلوك الإنساني فردي اجتماعي.
وفي الإرشاد والعلاج النفسي نجد أن أي محاولة لتعديل أو تغيير سلوك الفرد لا بد أن تدخل في الحساب شخصية الفرد ومعايير الجماعة والأدوار الاجتماعية والاتجاهات السائدة
القيم ... إلخ، بما يحقق صالح كل من الفرد والجماعة. وفي الفصل التالي الذي يتناول نظريات الإرشاد النفسي ونجد نظرية المجال تؤكد أهمية المجال الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد.
استعداد الفرد للتوجيه والإرشاد:
الفرد العادي لديه استعداد للتوجيه والإرشاد مبني على وجود حاجة أساسية لديه للتوجيه والإرشاد، وكل منا حين يلتوي عليه أمر أو تعترضه مشكلة يلجأ إلى الآخرين طلبا للاستشارة والتوجيه والإرشاد1.
والفرد العادي يكون لديه استبصار بحالته ويدرك حاجته إلى الإرشاد ويسعى إليه سعيا ويقبل عليه إقبالا برضى واختيار، وهذا يتضمن وجود الدافعية والإرادة والرغبة في التغيير. وهذا يعتبر أساسا هاما تقوم عليه عملية الإرشاد نفسها، فنحن لا نستطيع أن نقدم شيئا للإنسان ولا يتقبله أو ليس مستعدا لأن يتقبله. وحتى إذا أجبر العميل دون أن يكون لديه الاستعداد والإقبال والاهتمام فإنه يعطي للمرشد كما يقول المثل "أذن من طين وأذن من عجين"، ويكون المرشد في هذه الحالة كمن يطرق في حديد بارد، ولا يجدي الإرشاد ويشعر بالحاجة إليه ويقبل عليه ويثق في عملية الإرشاد ويتوقع الاستفادة منها حتى تحدث الاستفادة فعلا ويتحقق الهدف.
حق الفرد في التوجيه والإرشاد:
التوجيه والإرشاد حاجة نفسية هامة لدى الإنسان. ومن مطالب النمو السوي إشباع هذه الحاجة. وعلى هذا يكون التوجيه والإرشاد حقا من حقوق كل فرد حسب حاجته في أي مجتمع ديموقراطي، أي أن للفرد حقا على المجتمع في أن يوجه كإنسان.
ومن واجب الدولة توفير وتيسير خدمات التوجيه والإرشاد لكل فرد يحتاج إليها، فهي حق لمن ينمو في تطوره العادي ولمن يمر بمراحل حرجة ولمن يتعرض لمشكلات شخصية أو تربوية أو مهنية أو زواجية أو أسرية ... إلخ. فمثلا من حق كل تلميذ أن يتلقى خدمات الإرشاد التربوي والمهني، ومن حق التلميذ المشكل أن يتلقى خدمات إرشادية خاصة، كذلك من حق التلميذ المتفوق الذي لا يستغل كامل إمكاناته أن يتلقى خدمات إرشادية خاصة ... وهكذا.
إن خدمات التوجيه والإرشاد يجب أن تتوافر لكل فرد ولكل الفرد ككائن متكامل لتحقيق سعادته في كل ميادين حياته الشخصية والتربوية والمهنية ... إلخ.
ونحن نجد من أشهر طرق الإرشاد النفسي طريقة أطلق عليها اسم يدل على كرامة الفرد وحقه في التوجيه والإرشاد، وهي طريقة الإرشاد النفسي الممركز حول العميل "كارول ميلر Miller؛ 1965" وهي الطريقة التي أطلق عليها كارل روجرز أخيرًا "الإرشاد الممركز حول الشخص".
حق الفرد في تقرير مصيره:
من أهم مبادئ التوجيه والإرشاد النفسي الاعتراف بحرية الفرد ومقامه وقيمته وحقه في اختيار وتقرير مصيره.
إن الفرد الحر شخص يعرف ذاته ويحققها وينميها، ويسعى لحل مشكلاته حين يقابلها، مختارا أفضل احتمالات الحلول. وهو يعرف أن حريته تحددها طبيعة شخصيته ومطالب بيته وهو يسعى لتحقيق مزيد من الحرية في إطار من المسئولية في ضوء خبرات الماضي وظروف الحاضر وتطلعات المستقبل، والفرد الحر يعرف أن حريته ترتبط بحريات الآخرين في إطار من التكامل، وأن من أهم مظاهر الحرية حرية الاختيار، وحرية اتخاذ القرار، وحق تقرير المصير والفرد الحر يتحمل مسئولية قراراته ونتائج سلوكه، وهو يسعى للحصول على المساعدة والتوجيه والإرشاد من الآخرين حين يحتاج إلى ذلك "إداورد جلانز Glanz؛ 1974".
إن الإرشاد إرشاد وليس إجبارا. وقد علمنا الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} وليس في الإرشاد أوامر ولا وعظ، ولا نصح ولا حلول جاهزة، إنه ليس شيئا يعمله المرشد للعميل ولكنه عملية مساعدة تتيح الفرصة للقوى الخيرة والإيجابية في الإنسان أن تعمل وأن تظهر فيستطيع أن يتعلم كيف يحل هو مشكلاته بالطريقة التي يراها مناسبة.
وهناك قاعدة أساسية وهي أنه "ليس هناك من هو أعرف بالفرد من نفسه"1.
وفي معايير النمو السوي نجد أن تقرير المصير وتحديد الأهداف والتخطيط للمستقبل والقدرة على اتخاذ القرارات والاستقلال في السلوك والاعتماد على النفس وتحمل مسئولية الذات علامة هامة من علامات النضج الاجتماعي.
ومن أسس الإرشاد الثقة في الفرد واحترامه مهما كان جنسه أو لونه أو دينه أو مستواه الاجتماعي والاقتصادي، وإتاحة الفرصة أمامه لكي ينمو ويستغل إمكاناته وإمكانات بيئته إلى
أقصى حد. إن للفرد الحق في أن يدرس ما يشاء ويختار، وأن يعمل في العمل الذي يفضله، بالضبط كما أن له الحق في أن يأكل ما يشتهي "جين وارترز Wartaers 1964".
والفرد العادي وهو يقرر مصيره، وهو يختار لنفسه، لا يضع نفسه في وضع شقاء ولا يختار لنفسه طريقا منحرفا. فلا أحد يكتب نفسه شقيا عن قصد، اللهم إلا إذا كان مريضا أو مضطربا نفسيا، وهذا موضوع آخر.
وهكذا لا يقدم المرشد للعميل حلولا أو قرارات أو خططا جاهزة، ولكنه يساعد العميل في اقتراح الحلول ورسم الخطط واتخاذ القرارات بنفسه لنفسه، وتصور أننا نقدم لإنسان جائع طعاما ممضوغا، إنه لا يقبله، فضلا عن أنه لا يجوز. والأصوب هو مساعدته في الحصول على طعامه الذي يحبه ويختاره ويجهزه بالطريقة التي يفضلها ويأكله هو ويمضغه هو.
إن المساعدة في الإرشاد النفسي تقدم للعميل الذي له الحق في تقرير مصيره بطريقة "خذها أو اتركها، Take it or leave".
ونحن نجد أن حق الفرد في تقرير مصيره يقابله واجب ومسئولية عن فهم وتحقيق وتحسين وتوجيه ذاته.
تقبل العميل:
يقوم الإرشاد النفسي على أساس تقبل المرشد للعميل كما هو وبدون شروط وبلا حدود. وهذا أمر ضروري لتحقيق العلاقة الإرشادية الطيبة المطلوبة التي تتيح الثقة المتبادلة في العملية الإرشادية.
وميدان الإرشاد النفسي ليس ميدان تحقيق أو إصدار أحكام على السلوك والخبرات. إن العميل حين يلجأ إلى المرشد يلوذ به ليطمئن نفسيا، وله حق التقبل وسعة الصدر والطمأنينة والشعور بالأمن وإزالة الكرب ويجب أن يلمس العميل ذلك من خلال العلاقة الإرشادية.
وعلى العموم فإن الأساس هنا هو تقبل العميل ككل مهما كان سلوكه، وليس تقبل كل سلوكه أيا كان مليحه بقبيحه، فتقبل العميل شيء، وتقبل سلوكه شيء آخر. فقط يقوم العميل بسلوك شاذ أو غير سوي فلا يتقبله المرشد، ولكنه يساعد العميل على تغييره، إن تقبل السلوك السوي مقبول ومرغوب، أما تقبل السلوك غير السوي فقد يفسره العميل على أنه تشجيع لمثل هذا السلوك.
ستمرار عملية الإرشاد:
عملية الإرشاد عملية مستمرة متتابعة من الطفولة إلى الكهولة، ومن المهد إلى اللحد. ففي الطفولة يقوم بها الوالدان حين يهرع إليهما الولد بمشكلاته، وفي المدرسة يقوم بها المرشد أو المعلم المرشد حين يلجأ إليه التلميذ. وهكذا في الحياة حين تطرأ المشكلات. يسعى الفرد للإرشاد لدى مرشد متخصص.
ونحن نعلم أن مشكلات الحياة العادية تستمر مع النمو العادي وتصاحبه ولا تقتصر على فترة معينة من النمو.
والمرشد الذي يقدم خدمات الإرشاد عليه أن يتابعها. والمتابعة تؤكد استمرار عملية الإرشاد. فالإرشاد ليس مجرد وصفة طبية أو دفعة مبدئية، ولكنه خدمة مستمرة منظمة.
وهكذا نجد أن الإرشاد عملية مستمرة ما دام الفرد ينمو، والنمو عملية مستمرة، ما دام من مناهجه المنهج التنموي والمنهج الوقائي.
الدين ركن أساسي:
الدين عنصر أساسي في حياة الإنسان. والتربية السليمة تشمل التربية الدينية. والنمو السوي يتضمن النمو الديني. والصحة النفسية تشتمل السعادة في الدنيا والدين.
والمعتقدات الدينية لكل من المرشد والعميل هامة وأساسية لأنها تعتبر ضوابط للسلوك ومعايير مقدسة محددة له وتؤثر في العلاقة الإرشادية.
ويقول بعض الكتاب إن الإرشاد عملية إنسانية يجب ألا تتدخل فيها أو تنعكس عليها المعتقدات الدينية للمرشد والعميل سواء اتفقت أو اختلفت.
وفي مقابل هؤلاء نجد بعد المتحمسين -كل لدينه- يضيفون للمرشد صفة دينية. فتجد كتابات عن "المرشد المسيحي" و"المرشد اليهودي" وفي مقابلها يجب أن يكون هناك كتابات عن "المرشد المسلم". ويحل البعض الموضوع بالحديث عن "المرشد المحترف" وحجتهم في ذلك أننا لا نستطيع أن نتحدث عن الأسلوب المسيحي في عملية جراحية ولا عن الأسلوب اليهودي في تعليم القراءة ولا عن الأسلوب الإسلامي في حل مسائل الحساب "مكجوان وشميت McGowan & Schmidt؛ 1962".
ويجمع المرشدون والمعالجون النفسيون على اختلاف أديانهم سواء كانوا مسلمين، أو يهودا أو مسيحيين على أن الإرشاد والعلاج النفسي يقوم على أساس ومفاهيم ومبادئ وأساليب دينية روحية "حامد زهران، 1975".
https://www.file-upload.com/users/AHMEDALIAHMED/127537/الارشاد النفسي
-
عدل سابقا من قبل health psychologist في الأربعاء نوفمبر 04, 2020 7:21 pm عدل 1 مرات