الإرشاد النفسي بجامعة حلوان. وهذا الموضوع قديم متجدد. فالاهتمام السيكولوجي برسوم الأطفال بدأ مع مطلع هذا القرن وتحديدا مع إطلاق غوديناف لاختبار رسم الشخص واعتبره اختبار ذكاء. لكن كارين ماكوفر ما لبثت أن حولته إلى اختبار إسقاطي بعد أن تعرضت قياساته للذكاء إلى انتقادات مكثفة. وبتحول الاختبار إلى إسقاطي اتسعت ميادين تطبيقه وباتت تشمل الكبار أيضا. وصار ينظر لرسم الشخص على أنه إسقاط لاواع لصورة الجسد عند الرسام. ثم ازدهرت سيكولوجية الرسوم والتعابير غير الكلامية مع إدراك العاملين في المجال إلى نواحي القصور اللغوي لجهة قصور القدرة على التعبير اللغوي سواء بسبب فقر الحياة الهدامية أو بسبب الحرج اللغوي. فبعض الناس يفضلون كتابة أحاسيسهم بدلا من نطقها قولا بل إن بعضهم يحسن التعبير العلمي والتقني عن طريق الكتابة ويفشل في ذلك شفاها...
وهكذا تنامى الاهتمام بأساليب التعبير غير اللغوية حتى تألفت الجمعية العالمية للإمراضية النفسية للتعبير وللعلاج بالفنون.
أمام هذا الاهتمام العالمي يتخذ هذا الكتاب أهمية ملفتة ويتحول إلى حاجة خصوصا بعد مضي سنوات عديدة على صدور الكتب العربية التي تعالج الموضوع حيث كان آخرها على حد علمنا كتاب الدكتور صفوت فرج الصادرعام 1986 تحت عنوان " الذكاء ورسوم الأطفال" دون أن يعني ذلك تجاهل المقالات والبحوث العديدة المنشورة بالعربية أو المترجمة إليها في هذا المجال. لكن تمايز هذا الكتاب يتجلى في منظوره التكاملي الذي يجمع بين الجوانب السيكولوجية والملامح الفنية- التشكيلية في رسومات الأطفال. والمؤلف بذلك يسعى إلى فض الاشتباك وتحقيق التقارب بين منطقات بحثية تبدو متعارضة ظاهريا في حين أنها تكملة لبعضها البعض في الواقع. فإذا ما نظرنا لمبادئ التريية التي تعتمد الفن ومبادئ السيكولوجيا التي تتحرى الإسقاطات ومدى إدراك طرحها فإننا نجد أن هناك تداخلا بين هذه المبادئ بحيث تدعم بعضها البعض.
أ- محتويات الكتاب :
تتوزع محتويات هذا الكتاب على ستة فصول هي التالية:
1- الأسس النظرية لرسوم الأطفال: وهو يعرض لدوافع الطفل إلى التعبير عن ذاته بصورة فنية والنظريات المختلفة في تناول رسوم الأطفال وتفسيرها. دون أن يفوت المؤلف إيداع هذا الفصل لآرائه وتجاربه في هذا المجال.
2- رسوم الأطفال من الزاوية الفنية والجمالية: وفيه يعرض المؤلف للعوامل التي أدت إلى التحول في نظرة الناس إلى رسوم الأطفال وتفسيرها ووجهة نظره فيها.
3- الفروق الفردية في رسومات الأطفال: في هذا الفصل يتناول الدكتورالقريطي هذه الفروق بأشكالها المختلفة. فيناقشها من حيث أنماط التعبير ومن حيث الفوارق بين رسوم الإناث والذكور وبين رسوم الصم وأصحاب السمع العادي.
4- عوامل نمو التعبير الفني- الإبداعي لدى الطفل: حيث يصنفها المؤلف في ثلاث فئات من العوامل هي: 1- المتغيرات الخاصة بالطفل و 2- المتغيرات الخاصة بالبيئة الثقافية والاجتماعية والأسرية و 3- المتغيرات الخاصة بالبيئة المدرسية. مع عرض لأمثلة من هذه المتغيرات داخل كل فئة.
5- رسوم الأطفال في دراسة الشخصية: حيث يتعرض المؤلف لمحاولات استخدام هذه الرسوم في تحديد الذكاء أو التشخيص النفسي. حيث يعرض لاختبارات غودناف وماكوفر ورسم البيت والشجرة والدراجة والأسرة والقصة والمجموعة... الخ. ليعود إلى تفسير الرسوم واقتراح قائمة تحليل لخصائص الرسرم.
6- رسوم الأطفال كوسيلة علاجية: حيث يعرض د. قريطي لأسس استخدام الرسم كوسيلة علاجية ويقارن بين العلاج بالرسم (بالفن) وبين التريية الفنية المعا صرة.
ب- النواحي التطبيقية :
تتبدى لنا تجربة المؤلف في المجال عبر الآراء والتعليقات التي يعقب فيها على مختلف الطروحات النظرية حول موضوع الرسم عند الأطفال. ويتضح لنا نضوج هذه التجربة من خلال الرسومات التي يعرضها مع تحليلها من خلال تجربته العلمية. ولعل قائمة تحليل رسومات الأطفال هي الدليل الختصر لمحتويات هذا الكتاب النظرية والعلمية.
بذلك يخرج هذا الكتاب كمرجع هام وأساسي للطلاب والباحثين في مجال علم النفس بفروعه المختلفة وأخصائيي التربية الفنية والعاملين في مجالات رياض الأطفال وثقافة الطفل وأيضا فهو مرجع هام للأهل المهتمين بمراقبة تطور إمكانيات أطفالهم وإدراكاتهم وقدرة الطفل على إسقاط ذاته في الزمان والمكان. خصوصا وان الكتاب يعالج رسوم الأطفال من عدة زوايا. فهو يتناول النواحي الفنية- الجمالية والتربوية والسيكولوجية.
(لناحية قياس الذكاء والتشخيص النفسي والعلاج) كما يعرض لدوافع الطفل للتعبير وللنظريات المفسرة لرسوم الأطفال.
ج- نبذة عن المؤلف
الدكتور عبد المطلب أمين القريطي هو أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية بجامعة حلوان ورئيس مركز الإرشاد النفسي فيها. وله بحوث عديدة كان لها عامل أثر من الدرجة الأولى في العديد من البحوث والمؤلفات العربية. ومن أهم أعماله نذكر كتب: 1- "سيكولوجية الإبداع التشكيلي " و 2- "الفئات الخاصة " و 3- "الأساليب الإدراكية- المعرفية" و 4- " الاتجاهات الوالدية في التنشئة " و5- "التفضيلات اللونية عند الأطفال" و 6- " الأطفال الموهوبين والمتفوقين عقليا" و 7- "الاتجاهات نحو المعوقين " و 8 – " القيم " و 9- "الاغتراب" و 10- " الصحة النفسية لدى النشىء والشباب "... الخ. كما أنشأ المؤلف بعض الاختبارات والمقاييس النفسية كمثل " قياس تقدير الإبداع التشكيلي " و"مقياس الاتجاه نحو الفنون التشكيلية " و"مقياس الصحة النفسية للشباب" و"مقياس الاتجاهات نحو المعوقين "... الخ.
ولعل هذه اللمحة السريعة عن اهتمامات المؤلف وأعماله تظهر الحس الفني والالتزام المجتمعي عند الدكتور القريطي الذي جعل من الإبداع، خاصة في العقل التشكيلي، هاجسا لدراساته مقدما إضافات في غاية الأهمية للمكتبة النفسية العربية. فسيكولوجية الإبداع الفني تلاقي قبولا واقبالا متزايدا حيث تعقد لها المؤتمرات العالمية كما أشرنا إلى ذلك أعلاه، ودراسة الإبداع هي من الأدوات الرئيسية في الدراسات الموسعة. مثل ذلك رسوم الأطفال اللبنانبين أثناء الحرب. التي تؤرخ لحقبة هامة في تاريخ المجتمع اللبناني. وهذه الرسوم قابلة للتحليل ولإعادة التحليل لأنها تشكل انعكاسا لهوية هذا المجتمع ولتراثه أيضا لأسلوب معايشته في فترة الحرب وهل أصدق من الطفل في التعبير العفوي والبريء؟
د- الفائدة الاجرائية للكتاب :
في رأينا الشخصي أن هذا الكتاب سازي دورة متكاملة من دورات التعليم السيكولوجي المستمر بالنسبة للقراء القادرين على استيعابه بخلفياته النظرية الاختصاصية. وهو تثقيفي بالنسبة للقراء غير القادرين، والفئة الأخيرة تستطيع التعمق فيه بمساعدة اختصاصي قادر على شرح هذه الخلفيات. ولهذه الدورة التعليمية فوائدها الإجرائية التي تختلف باختلاف وجهة توظيف المعلومات الواردة في هذا الكتاب: فرسوم الأطفال تمثل الأشكال الأكثر صدقا وعفوية للإسقاطات الإنسانية. والطفل يودع في رسومه وبدون تحوير قصدي عواطفه وميوله وإدراكاته... الخ. حتى يجيء الرسم عاكسا بصدق لكل هذه المكونات اللاواعية وكاشفا عن ذكائه وقدراته ومواهبه.
وبهذا فإن رسوم الأطفال تقنية صالحة للاستخدام في الدراسات الموسعة كمثل دراسة الطفل ومعاناته أثناء الحرب حيث أشرنا لتطبيقها على المجتمع اللبناني إلا أنها أيضا صالحة للتطبيق في اليمن والجزائر والعراق والكويت… ألخ.
لكن ماذا عن رسوم الكبار وتطبيقاتها :
صحيح أن العديد من محتويات الكتاب والمبادئ النظرية التي يعرضها قابلة للتطبيق على الكبار. ولكننا بحاجة في مكتبتنا العريية إلى مثل هذه الكتب. ومع تهانينا الحارة للزميل والصديق القريطي بصدور هذا الكتاب فإننا نتمنى عليه إتباعه بآخر عن رسوم البالغين.
الذكاء ورسوم الاطفال د صفوت فرج الأربعاء أكتوبر 24, 2012 11:28 pm