أ. نويبات قدور
جامعة قاصدي مرباح ورقلة ( الجزائر )
ملخص:
يمثل الكدر الزواجي الصورة الواضحة للعلاقة المضطربة وسوء التوافق بين
الزوجين، يترتب عليه عدم إشباع الحاجات الفيزيولوجية، والنفسية الأساسية، مما يدفع
أحد الزوجين أو كلاهما للبحث عن الذات خارج حدود الآخر، وهو ما يمكن أن
يوصلهما إلى الخيانة أو الطلاق.
ونعرض في هذا المقال مفهوم الكدر الزواجي ومظاهره، ومختلف العوامل
المعرفية والانفعالية والسلوكية التي تحدده، وآثاره المدمرة على حياة الزوجين النفسية
والصحية، وما ينعكس تباعا على صحة االأبناء ونموهم النفسي. وبهذا نضع أيدينا على
داء استفحل لطالما تغاضى الباحثون والمهتمون بالشؤون الأسرية عن انتهاج السبل
الكفيلة بإعادة الاستق ا رر لبيوت بدأت تتصدع.
تمهيد:
يمثل الزواج أرقى آلية ضبط إنساني في التعامل مع الغريزة الجنسية وتأسيسها
فالزواج علاقة بين رجل وام أ رة معترف بها دينيا واجتماعيا في كافة المجتمعات البشرية
التي منحته صفة القدسية، حتى وإن اختلف في شكله فإنه لا يختلف من حيث طبيعته
وجوهره.
إن المعنى العريض للزواج أنه مؤسسة اجتماعية مهمة، لها نصوصها وأحكامها
وقوانينها، وقيمها، التي تختلف من ثقافة إلى أخرى، والزواج هو علاقة جنسية تقع بين
شخصين (رجل وام أ رة) يشرعها ويبرر وجودها المجتمع، وتستمر لفترة من الزمن يستطيع
خلالها الزوجان إنجاب الأطفال وتربيتهم تربية اجتماعية و أخلاقية ودينية يقرها المجتمع
.( ويعترف بوجودها وأهميتها (إحسان الحسن، 1985،15
ويعتبر الزواج السعيد أهم مقومات رضا الفرد عن حياته، إلا أن الحياة الزوجية
في معظم الأسر تختبر العديد من الأزمات، خاصة في المجتمعات المعاصرة التي
تحاول التعايش مع سرعة التطور والتحديث، حيث يشير مكتب الإحصاء الأمريكي إلى
(%50 - % أن نسبة الطلاق في الخمس سنوات الأولى من الزواج قد تصل إلى ( 40
.(B.A.R, من الحالات. ( 1992
أما في الج ا زئر فقد أكدت الإحصائيات الصادرة عن و ا زرة العدل( 2004 ) أن
24561 حالة طلاق)، ) معدلات الطلاق في ت ا زيد مستمر فقد بلغ في سنة 1994
ووصل في غضون ثمان سنوات أي سنة 2002 إلى ( 25628 حالة طلاق).
ويمثل تحطيم العلاقة الزواجية خبرة صدمية لمعظم الأزواج كما ت ؤثر
الص ا رعات الزوجية بشكل ما على الصحة العقلية والجسمية والأسرية لكلا
.(Finchmam & Beach, الزوجين( 1999
وفي د ا رسة عربية أكد محمد القرني ( 2007 ) أن نسبة كبيرة من الأزواج
المتكدرين يترددون على العيادات الطبية غير النفسية، ويشتكون من اضط ا ربات
سيكوسوماتية (نفس جسمية) تعزى إلى الكدر الزواجي، وأن نحو ( 40 %) من
الم ا رجعين في عيادة الصحة النفسية كان الكدر الزواجي جزءا من مشكلاتهم، بالإضافة
إلى أن نحو( 50 %) من الأزواج الذين يبحثون عن علاج كان بسبب معاناتهم من
.(6 ، الكدر في حياتهم الزوجية (محمد القرني، 2007
ومن هنا تتبدى أهمية هذا الموضوع في تحديده لماهية الكدر الزواجي، و
العوامل المؤثرة فيه وآثاره على الحياة النفسية للزوجين والأبناء.
<íéÂ^Ûjqý]<æ<2012<á]çq<àÚ^nÖ]<‚ÃÖ]<<< < íéÞ^ŠÞý]<Ýç×ÃÖ]<í×¥
~ 220 ~
:(Marital distress) -1 تعريف الكدر الزواجي
يعرف كمال مرسي الكدر الزواجي بأنه تباين في أفكار ومشاعر واتجاهات
الزوجين حول أمر من الأمور، ينتج عنه أرجاع غير مرغوب فيها، تظهر الخلاف
وتوضحه، ثم تحوله إلى نفور وشقاق وزيادة في الخلاف، فيختل التفاعل الزواجي ويسوء
.( التوافق، وتضعف العلاقة الزوجية (كمال مرسي، 1991،43
الكدر (Jacobson & Cordova, كما عرًف جاكبسون وكردوفا ( 1993
الزواجي بأنه: المعاناة التي تحدث بسبب العلاقات المضطربة كالتواصل السيئ،
والجدال المدمر، والألم النفسي.
بأنه عدم الرضا عن (Fincham & Lori, وقد عرفه فنشام ولوري( 1995
العلاقة الزوجية من أحد الطرفين أو كليهما، فتصبح الحياة الزوجية معاناة غير سعيدة
.( في نظر أحد الزوجين أو كليهما(محمد القرني، 2007،4
أما تعريف الإصدار ال ا ربع من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضط ا ربات
للكدر الزواجي أنه نمط من التفاعل يتميز بالاتصال السلبي (DSM-IV, النفسية ( 1994
أو المشوه أو عدم الاتصال على سبيل المثال الانسحاب، ويرتبط باضط ا رب اكلينيكي
ملحوظ في الوظيفة النفسية للفرد أو العلاقة، أو بمعنى آخر تطور الأع ا رض في أحد
الزوجين أو كليهما، و هذه الأع ا رض تأخذ دلالتها عندما تسيطر على الحياة الزوجية من
الناحيتين: الأفكار الخاطئة، والحلول السلبية للمشكلات.
بأنه مستوى محدد من عدم التوافق بين (Corsini, ويعرفه كورسيني ( 1994
الزوجين يؤدي بهما إلى أن ينهيا العلاقة، ويشمل نقصا في التواصل وفي الفهم ويؤدي
إلى الطلاق في معظم الأحوال.
أما صفاء مرسي ( 2008 ) فتعرفه على أنه تلك الص ا رعات الناشئة بين
الزوجين، نتيجة لعدم التقارب في السمات الشخصية أو بسبب المشكلات الاقتصادية،
أو الضغوط الخارجية التي تقع على أحد الزوجين أو كليهما، مما يترتب عليه عدم
إشباع بعض الحاجات النفسية والفيزيولوجية التي تؤدي إلى اضط ا رب العلاقة الزوجية
.( (صفاء مرسي، 2008،43
ويمكن أن نستخلص من التعاريف السابقة أن الكدر الزواجي هو اضط ا رب في
العلاقة بين الزوجين، وسوء اتصال بينهما ينجم عنه صعوبات متعددة تقلل من قدرتهما
على حل المشكلات، وتدليل الصعوبات المتعلقة بجميع جوانب العلاقة مثل (التعامل مع الأبناء والتسيير المالي، ضبط العلاقات الاجتماعية، وتوفير المساندة الأسرية). كل هذا
يخلق معاناة نفسية قد تؤدي في النهاية إلى الطلاق الصريح أو الطلاق النفسي.
-2 مفاهيم ذات علاقة بالكدر الزواجي:
-عدم الاستق ا رر الزواجي:
عرف هادي مختار( 1997 ) عدم الاستق ا رر الزواجي بأنه ميل الزوجين لإنهاء
الزواج الحالي، على الرغم من أن إنهاء أو انحلال الزواج، قد لا يحدث في النهاية،
بمعنى أنه تكون هناك رغبة في انحلال الزواج، ولكن يمكن أن يحدث كفعل أو إج ا رء
.( من قبل الزوجين (هادي مختار، 1997،210
-اللاتوافق الزواجي:
يرى كمال مرسي ( 1991 ) أن اللاتوافق الزواجي عبارة عن حالة تظهر في
اختلاف الزوجين وتنافرهما، وعدم اجتماع كلمتيهما في أمور الأسرة (كمال مرسي،
.(1991،192
في حين اعتبره بنون أيان ( 2000 ) عبارة عن تقدي ا رت منخفضة للسلوك
المتبادل، ومها ا رت حل المشكلات، وتقدي ا رت مرتفعة للص ا رع والسلبية المتبادلة، كما
يتسم أيضا بمها ا رت اتصال ضعيفة، وتقدي ا رت منخفضة للأنشطة الترفيهية المشتركة
.( (بنون أيان، 2000،332
ولذلك اعتبر كوردوفا و جاكبسون ( 2000 ) أنه يمكن قياس الكدر الزواجي
من خلال مقاييس التوافق أو الرضا الزواجي.
فيرى أن اللاتوافق الزواجي هو ميل الزوجين (Durkin , أما دوركين ( 1995
إلى أن يتصرفا بطريقة مختلفة عن بعضهما بعضا أثناء التفاعل الأسري
.(Durkin ,1995,121)
-الص ا رع الزواجي:
يأخذ الص ا رع الزواجي أشكالا متعددة مثل الص ا رع الظاهري، والص ا رع الخفي
غير الظاهر والص ا رع المألوف العادي، والص ا رع المزمن الحاد، وهو يحدث عندما لا
تحل الصعوبات الزواجية وتترك كل مشكلة دون حل. وقد تكون بعض أنواع الص ا رعات
ملازمة للزواج، إلا أنه قد تختلف من دورة إلى أخرى من دو ا رت الحياة الأسرية، وتكون
.(46 ، على درجات متغيرة من النضج العاطفي والنضج الأسري (وفاء خليل، 1991
كما ذكرت بالميهوب كلثوم ( 2010 ) مفاهيم أخرى مقاربة كالانحلال الزواجي
والتفكك الزواجي فالانحلال الزواجي يقصد به العمل القانوني لإنهاء الزواج عن طريق
الطلاق، أو الانفصال النهائي. من جانب آخر هناك التفكك الزواجي، ويقصد به التفكك
الطوعي للزواج، من خلال الوفاة أو التخلي عن الطرف الآخر (بالميهوب كلثوم،
.(2010،7
-الشقاء في الزواج:
يقصد بالشقاء في الزواج مشاعر و أفكار سيئة تجعل الزوجين –أو أحدهما-
متوترين قلقين تعيسين ومتبرمين في تفاعلهما الزواجي السلبي، وفي تنافرهما أو عدم
توافقهما معا، أو توافقهما توافقا سيئا.
فالشقاء في الحياة الزوجية –كالسعادة الزوجية- مشاعر و أفكار نسبية تختلف
من زوج إلى آخر، فما يشقي أحد الزوجين لا يشقي الآخر، وما يشقي الزوجين معا لا
يشقي غيرهما من المتزوجين. والشقاء في الحياة الزوجية غير م ا ردف لتقصير أحد
الزوجين في واجباته، أو عدم حصوله على بعض حقوقه الزوجية. فقد يستمر الزواج مع
حرمان أحد الزوجين من بعض حقوقه، إذا صبر هو على ذلك، فليس الحرمان في
الحياة الزوجية شقاء، ولكن كل شقاء في الحياة الزوجية ناتج عن الحرمان والنفور أو
.( عدم التوافق الزواجي والتفاعل السلبي بين الزوجين (صالح الداهري، 2008،86
وتعتبر المفاهيم سابقة الذكر من أبرز المفاهيم القريبة، وأحيانا متداخلة مع
مفهوم الكدر الزواجي الذي يشكل صورة المعاناة في العلاقة الزوجية المختلفة، والذي قد
يؤدي بها إلى التفكك والانفصال التام في حين تبقى العلاقة بين الأزواج في الأنواع
( الأخرى التي سبق ذكرها قابلة للمواصلة، وعليه فقد أكد كوردوفا وجاكبسون ( 2002
أن بعض الأزواج الأكثر كد ا ر يحتاجون إلى تدخل فوري لمنع أو تخفيف مثلا إساءة
معاملة الشريك الآخر وإساءة معاملة الطفل، ومحاولات الانتحار، والأم ا رض الذهانية.
وهو الأمر الذي يستدعي أهمية تناول هذا الموضوع بالد ا رسة والتمحيص.
-3 مظاهر الكدر الزواجي:
كثي ا ر ما تتعرض الحياة بين الزوجين إلى أزمات ومشكلات تقوض سعادة الزوجين
فتختفي العاطفة والمودة، وتحل محلها مشاعر الغضب والاستياء، وتبادل الاتهامات،
مما يجعل التفاعل بينهما يختل فيفشلان في تحقيق كل أهداف الزواج أو بعضها
ويقصد بالأزمة بين الزوجين ظهور عائق يمنعهما أو يمنع أحدهما من إشباع
حاجاته الأساسية، أو تحقيق أهداف ضرورية، أو تحصيل حقوق شرعية، فيشعر
بالحرمان والإحباط ويدرك التهديد وعدم الأمن في علاقته الزوجية. ويسمى ظهور العائق
في الحياة الزوجية الحادث الضاغط، أما ما ينتج عنه من مشاعر توتر وقلق وضغط
وتهديم وظلم وحرمان وألم، فيسمى إد ا رك الأزمة والانفعال بها (صالح
.( الداهري، 2008،87
وقد حدد محمد غيث ( 1991 ) الأزمة الزواجية في عدة مظاهر(وفاء خليل
1991،24 ) كمايلي:
- اختفاء الأهداف المشتركة بين الزوجين وكذلك الاهتمامات المتبادلة، وتصبح النزعات
والأهداف الفردية أكثر أهمية من الأهداف الأسرية.
- يبدأ الزوج والزوجة في عمليات انسحابية متعددة، وخاصة في مجال الخدمات
المتبادلة سواء داخل الوحدة الأسرية أو خارجها.
- يظهر التناقض في مجالات العلاقات الشخصية المتبادلة، أو بمعنى آخر لا يكون
هناك اتساق في الرغبات و تزداد فرص الاصطدام.
- يتغير شكل وموضوع التفاعل بين الزوجين.
- تتعارض الاتجاهات العاطفية للزوجين فتتخذ العلاقات الزواجية طابعا سطحيا.
وفي سياق أكثر تركي ا ز على المظاهر المعرفية لاضط ا رب العلاقة الزوجية يرى
أن الكدر الزواجي يتضح في عدد من المظاهر أهمها: (Beck, بيك ( 1989
- تحول التصو ا رت الايجابية الجيدة عن شريك الحياة إلى تصو ا رت أخرى سيئة.
- نظرة كل شريك إلى الحدث نفسه بطريقة مختلفة تماما.
- حدوث التوقعات الجامدة للأدوار مما يؤدي إلى الإحباط والغضب والفشل في
التواصل والتحي ا زت الشخصية، والعداوة التي تبعد الزوجين عن بعضهما بعضا.
(Beck,1989,9)
وقد أكد كل من كوردوفا وجاكبسون ( 2000 ) أن المعاناة العميقة للزوجين
تحدث بسبب العلاقات المتكدرة، حيث أن التواصل السيئ والجدال المدمر عادة ما يؤدي
بشخصين يحبان بعضهما البعض بشدة إلى أن يسبب كل منهما الألم والمعاناة للآخر
أكثر من الحب والمتعة، وبالإضافة إلى الألم النفسي الشديد هناك العديد من الأدلة
تشير إلى أن الأف ا رد الذين لديهم علاقات متكدرة يصبحون أكثر حساسية للتعرض لكثير
ويظهر على الزوجين أثناء معاناتهما من مثل هذه المشكلات الزواجية،
سلوكيات مضطربة في معظم المواقف الاجتماعية التي يم ا رن بها، سواء أكان ذلك في
مكان العمل أو في نطاق الجيرة السكنية أو في محيط الأقارب، أو عند م ا زولة أي نشاط
.(458 ، عادي في حياتهما اليومية (ماهر عامر، 1988
وبسبب عدم مقدرة الزوجين على التواصل وإدارة الص ا رع فإنهما يستعملان
Gilliland &) العنف تعبي ا ر عن مشاعر الغضب الناتجة عن الغيرة أو الشك
.(James,1997
كما يؤدي عدم الرضا عن العلاقة الزوجية إلى خلق مشاعر سلبية قد تزيد من
ومع الافتقار لمها ا رت .(Retzinger, الخلافات وحدة الص ا رعات بين الزوجين ( 1991
التواصل قد يلجأ أحد الزوجين أو كلاهما إلى استخدام است ا رتيجيات عنف غير ملائمة
(Loue, كوسيلة لحل تلك الص ا رعات، مما يزيد من تلك الضغوط. وذكر لو ( 2001
لعينة من الأزواج بلغت ( 95 ) زوجا (Babcock & al, د ا رسة بابكوك وزملاؤه ( 1993
وزوجة ذكر الأزواج أنهم يستخدمون العنف ضد زوجاتهم كسلوك تعويضي عن
الإحساس بضعف الزواج بشكل عام وكنتيجة لعدم الرضا عن العلاقة الزواجية.
ومما سبق تتبدى مظاهر الكدر في صور التواصل غير الفعال، والفشل في
إدارة الصعوبات والتحديات، بالإضافة إلى مشاعر الألم والمعاناة وصولا إلى العنف
الزواجي اللفظي أو الجسدي، الذي يمثل الصورة الأسوأ في العلاقة الزواجية، والتي قد
تحسم الص ا رع لصالح الانفصال.
-4 العوامل المحددة للكدر الزواجي:
لقد حدد الت ا رث الإمبريقي والنظري عددا من المتغي ا رت والعوامل التي لها أهمية في
فهم الكدر الزواجي، وتقييم العلاقة بين الأزواج، وذلك تبعا للمنحى السلوكي-المعرفي،
وهي كما يلي:
-1-4 العوامل المعرفية:
خمسة أنواع من المتغي ا رت المعرفية في (Baucoum, حدد بايكوم ( 1989
الكرب والص ا رع الزواجي وهي:
أ - الانتباه الانتقائي و الذي يتحدد بملاحظة كل فرد بعض جوانب الأحداث التي تحدث
في التفاعلات الزوجية، ولكنه يتغاضى عن الجوانب الأخرى.
جامعة قاصدي مرباح ورقلة ( الجزائر )
ملخص:
يمثل الكدر الزواجي الصورة الواضحة للعلاقة المضطربة وسوء التوافق بين
الزوجين، يترتب عليه عدم إشباع الحاجات الفيزيولوجية، والنفسية الأساسية، مما يدفع
أحد الزوجين أو كلاهما للبحث عن الذات خارج حدود الآخر، وهو ما يمكن أن
يوصلهما إلى الخيانة أو الطلاق.
ونعرض في هذا المقال مفهوم الكدر الزواجي ومظاهره، ومختلف العوامل
المعرفية والانفعالية والسلوكية التي تحدده، وآثاره المدمرة على حياة الزوجين النفسية
والصحية، وما ينعكس تباعا على صحة االأبناء ونموهم النفسي. وبهذا نضع أيدينا على
داء استفحل لطالما تغاضى الباحثون والمهتمون بالشؤون الأسرية عن انتهاج السبل
الكفيلة بإعادة الاستق ا رر لبيوت بدأت تتصدع.
تمهيد:
يمثل الزواج أرقى آلية ضبط إنساني في التعامل مع الغريزة الجنسية وتأسيسها
فالزواج علاقة بين رجل وام أ رة معترف بها دينيا واجتماعيا في كافة المجتمعات البشرية
التي منحته صفة القدسية، حتى وإن اختلف في شكله فإنه لا يختلف من حيث طبيعته
وجوهره.
إن المعنى العريض للزواج أنه مؤسسة اجتماعية مهمة، لها نصوصها وأحكامها
وقوانينها، وقيمها، التي تختلف من ثقافة إلى أخرى، والزواج هو علاقة جنسية تقع بين
شخصين (رجل وام أ رة) يشرعها ويبرر وجودها المجتمع، وتستمر لفترة من الزمن يستطيع
خلالها الزوجان إنجاب الأطفال وتربيتهم تربية اجتماعية و أخلاقية ودينية يقرها المجتمع
.( ويعترف بوجودها وأهميتها (إحسان الحسن، 1985،15
ويعتبر الزواج السعيد أهم مقومات رضا الفرد عن حياته، إلا أن الحياة الزوجية
في معظم الأسر تختبر العديد من الأزمات، خاصة في المجتمعات المعاصرة التي
تحاول التعايش مع سرعة التطور والتحديث، حيث يشير مكتب الإحصاء الأمريكي إلى
(%50 - % أن نسبة الطلاق في الخمس سنوات الأولى من الزواج قد تصل إلى ( 40
.(B.A.R, من الحالات. ( 1992
أما في الج ا زئر فقد أكدت الإحصائيات الصادرة عن و ا زرة العدل( 2004 ) أن
24561 حالة طلاق)، ) معدلات الطلاق في ت ا زيد مستمر فقد بلغ في سنة 1994
ووصل في غضون ثمان سنوات أي سنة 2002 إلى ( 25628 حالة طلاق).
ويمثل تحطيم العلاقة الزواجية خبرة صدمية لمعظم الأزواج كما ت ؤثر
الص ا رعات الزوجية بشكل ما على الصحة العقلية والجسمية والأسرية لكلا
.(Finchmam & Beach, الزوجين( 1999
وفي د ا رسة عربية أكد محمد القرني ( 2007 ) أن نسبة كبيرة من الأزواج
المتكدرين يترددون على العيادات الطبية غير النفسية، ويشتكون من اضط ا ربات
سيكوسوماتية (نفس جسمية) تعزى إلى الكدر الزواجي، وأن نحو ( 40 %) من
الم ا رجعين في عيادة الصحة النفسية كان الكدر الزواجي جزءا من مشكلاتهم، بالإضافة
إلى أن نحو( 50 %) من الأزواج الذين يبحثون عن علاج كان بسبب معاناتهم من
.(6 ، الكدر في حياتهم الزوجية (محمد القرني، 2007
ومن هنا تتبدى أهمية هذا الموضوع في تحديده لماهية الكدر الزواجي، و
العوامل المؤثرة فيه وآثاره على الحياة النفسية للزوجين والأبناء.
<íéÂ^Ûjqý]<æ<2012<á]çq<àÚ^nÖ]<‚ÃÖ]<<< < íéÞ^ŠÞý]<Ýç×ÃÖ]<í×¥
~ 220 ~
:(Marital distress) -1 تعريف الكدر الزواجي
يعرف كمال مرسي الكدر الزواجي بأنه تباين في أفكار ومشاعر واتجاهات
الزوجين حول أمر من الأمور، ينتج عنه أرجاع غير مرغوب فيها، تظهر الخلاف
وتوضحه، ثم تحوله إلى نفور وشقاق وزيادة في الخلاف، فيختل التفاعل الزواجي ويسوء
.( التوافق، وتضعف العلاقة الزوجية (كمال مرسي، 1991،43
الكدر (Jacobson & Cordova, كما عرًف جاكبسون وكردوفا ( 1993
الزواجي بأنه: المعاناة التي تحدث بسبب العلاقات المضطربة كالتواصل السيئ،
والجدال المدمر، والألم النفسي.
بأنه عدم الرضا عن (Fincham & Lori, وقد عرفه فنشام ولوري( 1995
العلاقة الزوجية من أحد الطرفين أو كليهما، فتصبح الحياة الزوجية معاناة غير سعيدة
.( في نظر أحد الزوجين أو كليهما(محمد القرني، 2007،4
أما تعريف الإصدار ال ا ربع من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضط ا ربات
للكدر الزواجي أنه نمط من التفاعل يتميز بالاتصال السلبي (DSM-IV, النفسية ( 1994
أو المشوه أو عدم الاتصال على سبيل المثال الانسحاب، ويرتبط باضط ا رب اكلينيكي
ملحوظ في الوظيفة النفسية للفرد أو العلاقة، أو بمعنى آخر تطور الأع ا رض في أحد
الزوجين أو كليهما، و هذه الأع ا رض تأخذ دلالتها عندما تسيطر على الحياة الزوجية من
الناحيتين: الأفكار الخاطئة، والحلول السلبية للمشكلات.
بأنه مستوى محدد من عدم التوافق بين (Corsini, ويعرفه كورسيني ( 1994
الزوجين يؤدي بهما إلى أن ينهيا العلاقة، ويشمل نقصا في التواصل وفي الفهم ويؤدي
إلى الطلاق في معظم الأحوال.
أما صفاء مرسي ( 2008 ) فتعرفه على أنه تلك الص ا رعات الناشئة بين
الزوجين، نتيجة لعدم التقارب في السمات الشخصية أو بسبب المشكلات الاقتصادية،
أو الضغوط الخارجية التي تقع على أحد الزوجين أو كليهما، مما يترتب عليه عدم
إشباع بعض الحاجات النفسية والفيزيولوجية التي تؤدي إلى اضط ا رب العلاقة الزوجية
.( (صفاء مرسي، 2008،43
ويمكن أن نستخلص من التعاريف السابقة أن الكدر الزواجي هو اضط ا رب في
العلاقة بين الزوجين، وسوء اتصال بينهما ينجم عنه صعوبات متعددة تقلل من قدرتهما
على حل المشكلات، وتدليل الصعوبات المتعلقة بجميع جوانب العلاقة مثل (التعامل مع الأبناء والتسيير المالي، ضبط العلاقات الاجتماعية، وتوفير المساندة الأسرية). كل هذا
يخلق معاناة نفسية قد تؤدي في النهاية إلى الطلاق الصريح أو الطلاق النفسي.
-2 مفاهيم ذات علاقة بالكدر الزواجي:
-عدم الاستق ا رر الزواجي:
عرف هادي مختار( 1997 ) عدم الاستق ا رر الزواجي بأنه ميل الزوجين لإنهاء
الزواج الحالي، على الرغم من أن إنهاء أو انحلال الزواج، قد لا يحدث في النهاية،
بمعنى أنه تكون هناك رغبة في انحلال الزواج، ولكن يمكن أن يحدث كفعل أو إج ا رء
.( من قبل الزوجين (هادي مختار، 1997،210
-اللاتوافق الزواجي:
يرى كمال مرسي ( 1991 ) أن اللاتوافق الزواجي عبارة عن حالة تظهر في
اختلاف الزوجين وتنافرهما، وعدم اجتماع كلمتيهما في أمور الأسرة (كمال مرسي،
.(1991،192
في حين اعتبره بنون أيان ( 2000 ) عبارة عن تقدي ا رت منخفضة للسلوك
المتبادل، ومها ا رت حل المشكلات، وتقدي ا رت مرتفعة للص ا رع والسلبية المتبادلة، كما
يتسم أيضا بمها ا رت اتصال ضعيفة، وتقدي ا رت منخفضة للأنشطة الترفيهية المشتركة
.( (بنون أيان، 2000،332
ولذلك اعتبر كوردوفا و جاكبسون ( 2000 ) أنه يمكن قياس الكدر الزواجي
من خلال مقاييس التوافق أو الرضا الزواجي.
فيرى أن اللاتوافق الزواجي هو ميل الزوجين (Durkin , أما دوركين ( 1995
إلى أن يتصرفا بطريقة مختلفة عن بعضهما بعضا أثناء التفاعل الأسري
.(Durkin ,1995,121)
-الص ا رع الزواجي:
يأخذ الص ا رع الزواجي أشكالا متعددة مثل الص ا رع الظاهري، والص ا رع الخفي
غير الظاهر والص ا رع المألوف العادي، والص ا رع المزمن الحاد، وهو يحدث عندما لا
تحل الصعوبات الزواجية وتترك كل مشكلة دون حل. وقد تكون بعض أنواع الص ا رعات
ملازمة للزواج، إلا أنه قد تختلف من دورة إلى أخرى من دو ا رت الحياة الأسرية، وتكون
.(46 ، على درجات متغيرة من النضج العاطفي والنضج الأسري (وفاء خليل، 1991
كما ذكرت بالميهوب كلثوم ( 2010 ) مفاهيم أخرى مقاربة كالانحلال الزواجي
والتفكك الزواجي فالانحلال الزواجي يقصد به العمل القانوني لإنهاء الزواج عن طريق
الطلاق، أو الانفصال النهائي. من جانب آخر هناك التفكك الزواجي، ويقصد به التفكك
الطوعي للزواج، من خلال الوفاة أو التخلي عن الطرف الآخر (بالميهوب كلثوم،
.(2010،7
-الشقاء في الزواج:
يقصد بالشقاء في الزواج مشاعر و أفكار سيئة تجعل الزوجين –أو أحدهما-
متوترين قلقين تعيسين ومتبرمين في تفاعلهما الزواجي السلبي، وفي تنافرهما أو عدم
توافقهما معا، أو توافقهما توافقا سيئا.
فالشقاء في الحياة الزوجية –كالسعادة الزوجية- مشاعر و أفكار نسبية تختلف
من زوج إلى آخر، فما يشقي أحد الزوجين لا يشقي الآخر، وما يشقي الزوجين معا لا
يشقي غيرهما من المتزوجين. والشقاء في الحياة الزوجية غير م ا ردف لتقصير أحد
الزوجين في واجباته، أو عدم حصوله على بعض حقوقه الزوجية. فقد يستمر الزواج مع
حرمان أحد الزوجين من بعض حقوقه، إذا صبر هو على ذلك، فليس الحرمان في
الحياة الزوجية شقاء، ولكن كل شقاء في الحياة الزوجية ناتج عن الحرمان والنفور أو
.( عدم التوافق الزواجي والتفاعل السلبي بين الزوجين (صالح الداهري، 2008،86
وتعتبر المفاهيم سابقة الذكر من أبرز المفاهيم القريبة، وأحيانا متداخلة مع
مفهوم الكدر الزواجي الذي يشكل صورة المعاناة في العلاقة الزوجية المختلفة، والذي قد
يؤدي بها إلى التفكك والانفصال التام في حين تبقى العلاقة بين الأزواج في الأنواع
( الأخرى التي سبق ذكرها قابلة للمواصلة، وعليه فقد أكد كوردوفا وجاكبسون ( 2002
أن بعض الأزواج الأكثر كد ا ر يحتاجون إلى تدخل فوري لمنع أو تخفيف مثلا إساءة
معاملة الشريك الآخر وإساءة معاملة الطفل، ومحاولات الانتحار، والأم ا رض الذهانية.
وهو الأمر الذي يستدعي أهمية تناول هذا الموضوع بالد ا رسة والتمحيص.
-3 مظاهر الكدر الزواجي:
كثي ا ر ما تتعرض الحياة بين الزوجين إلى أزمات ومشكلات تقوض سعادة الزوجين
فتختفي العاطفة والمودة، وتحل محلها مشاعر الغضب والاستياء، وتبادل الاتهامات،
مما يجعل التفاعل بينهما يختل فيفشلان في تحقيق كل أهداف الزواج أو بعضها
ويقصد بالأزمة بين الزوجين ظهور عائق يمنعهما أو يمنع أحدهما من إشباع
حاجاته الأساسية، أو تحقيق أهداف ضرورية، أو تحصيل حقوق شرعية، فيشعر
بالحرمان والإحباط ويدرك التهديد وعدم الأمن في علاقته الزوجية. ويسمى ظهور العائق
في الحياة الزوجية الحادث الضاغط، أما ما ينتج عنه من مشاعر توتر وقلق وضغط
وتهديم وظلم وحرمان وألم، فيسمى إد ا رك الأزمة والانفعال بها (صالح
.( الداهري، 2008،87
وقد حدد محمد غيث ( 1991 ) الأزمة الزواجية في عدة مظاهر(وفاء خليل
1991،24 ) كمايلي:
- اختفاء الأهداف المشتركة بين الزوجين وكذلك الاهتمامات المتبادلة، وتصبح النزعات
والأهداف الفردية أكثر أهمية من الأهداف الأسرية.
- يبدأ الزوج والزوجة في عمليات انسحابية متعددة، وخاصة في مجال الخدمات
المتبادلة سواء داخل الوحدة الأسرية أو خارجها.
- يظهر التناقض في مجالات العلاقات الشخصية المتبادلة، أو بمعنى آخر لا يكون
هناك اتساق في الرغبات و تزداد فرص الاصطدام.
- يتغير شكل وموضوع التفاعل بين الزوجين.
- تتعارض الاتجاهات العاطفية للزوجين فتتخذ العلاقات الزواجية طابعا سطحيا.
وفي سياق أكثر تركي ا ز على المظاهر المعرفية لاضط ا رب العلاقة الزوجية يرى
أن الكدر الزواجي يتضح في عدد من المظاهر أهمها: (Beck, بيك ( 1989
- تحول التصو ا رت الايجابية الجيدة عن شريك الحياة إلى تصو ا رت أخرى سيئة.
- نظرة كل شريك إلى الحدث نفسه بطريقة مختلفة تماما.
- حدوث التوقعات الجامدة للأدوار مما يؤدي إلى الإحباط والغضب والفشل في
التواصل والتحي ا زت الشخصية، والعداوة التي تبعد الزوجين عن بعضهما بعضا.
(Beck,1989,9)
وقد أكد كل من كوردوفا وجاكبسون ( 2000 ) أن المعاناة العميقة للزوجين
تحدث بسبب العلاقات المتكدرة، حيث أن التواصل السيئ والجدال المدمر عادة ما يؤدي
بشخصين يحبان بعضهما البعض بشدة إلى أن يسبب كل منهما الألم والمعاناة للآخر
أكثر من الحب والمتعة، وبالإضافة إلى الألم النفسي الشديد هناك العديد من الأدلة
تشير إلى أن الأف ا رد الذين لديهم علاقات متكدرة يصبحون أكثر حساسية للتعرض لكثير
ويظهر على الزوجين أثناء معاناتهما من مثل هذه المشكلات الزواجية،
سلوكيات مضطربة في معظم المواقف الاجتماعية التي يم ا رن بها، سواء أكان ذلك في
مكان العمل أو في نطاق الجيرة السكنية أو في محيط الأقارب، أو عند م ا زولة أي نشاط
.(458 ، عادي في حياتهما اليومية (ماهر عامر، 1988
وبسبب عدم مقدرة الزوجين على التواصل وإدارة الص ا رع فإنهما يستعملان
Gilliland &) العنف تعبي ا ر عن مشاعر الغضب الناتجة عن الغيرة أو الشك
.(James,1997
كما يؤدي عدم الرضا عن العلاقة الزوجية إلى خلق مشاعر سلبية قد تزيد من
ومع الافتقار لمها ا رت .(Retzinger, الخلافات وحدة الص ا رعات بين الزوجين ( 1991
التواصل قد يلجأ أحد الزوجين أو كلاهما إلى استخدام است ا رتيجيات عنف غير ملائمة
(Loue, كوسيلة لحل تلك الص ا رعات، مما يزيد من تلك الضغوط. وذكر لو ( 2001
لعينة من الأزواج بلغت ( 95 ) زوجا (Babcock & al, د ا رسة بابكوك وزملاؤه ( 1993
وزوجة ذكر الأزواج أنهم يستخدمون العنف ضد زوجاتهم كسلوك تعويضي عن
الإحساس بضعف الزواج بشكل عام وكنتيجة لعدم الرضا عن العلاقة الزواجية.
ومما سبق تتبدى مظاهر الكدر في صور التواصل غير الفعال، والفشل في
إدارة الصعوبات والتحديات، بالإضافة إلى مشاعر الألم والمعاناة وصولا إلى العنف
الزواجي اللفظي أو الجسدي، الذي يمثل الصورة الأسوأ في العلاقة الزواجية، والتي قد
تحسم الص ا رع لصالح الانفصال.
-4 العوامل المحددة للكدر الزواجي:
لقد حدد الت ا رث الإمبريقي والنظري عددا من المتغي ا رت والعوامل التي لها أهمية في
فهم الكدر الزواجي، وتقييم العلاقة بين الأزواج، وذلك تبعا للمنحى السلوكي-المعرفي،
وهي كما يلي:
-1-4 العوامل المعرفية:
خمسة أنواع من المتغي ا رت المعرفية في (Baucoum, حدد بايكوم ( 1989
الكرب والص ا رع الزواجي وهي:
أ - الانتباه الانتقائي و الذي يتحدد بملاحظة كل فرد بعض جوانب الأحداث التي تحدث
في التفاعلات الزوجية، ولكنه يتغاضى عن الجوانب الأخرى.