إن لفظة "جماعة"، مع قلة قدمها النسبي، قد أصبحت إحدى أكثر الألفاظ استعمالا في قاموسنا اليومي. وهي، بهذه الصفة، قد اكتسبت معنى يبدو في الظاهر واضحا، وغدت اصطلاحا شائعا. والواقع أنها تنطوي على مجموعات اجتماعية كثيرة التنوع في الحجم والبناء، انطلاقا من النشاطات الجماعية القومية إلى أكثر الجماعات سرعة في الزوال. والصفة الوحيدة المشتركة بين هذه المجموعات تقوم في وفرة الأشخاص وتكافلهم الضمني، بقطع النظر عن قوة هذا التكافل أو ضعفه. من هنا تصبح اللغة المشتركة في حد ذاتها معنى ودلالة: ولفظة "أعضاء" المطبقة عفويا على الأشخاص الذين يؤلفون جماعة ما توحي بصورة "جسم"، هؤلاء الأشخاص أجزاؤه، وهم في وقت واحد متعلقون به ومتحركون، كما أنها توحي بما هو مشترك بين الأشخاص المميزين وما يستطعون صنعه معا.أضف إلى ذلك أن الجماعة هي شريكة فكرة "القوة"، وكلمة "تجمع" تعبر جيدا عن نية التقوية المتبادلة بين الأشخاص الذين يشعرون بالعجز منفردين؛ ومع كل ذلك، فإن هذه القوة المشتركة تثير ردود فعل مبهمة: فهي تؤمن وهي تهدد، ذلك لأن الشخص، وفقا لمزاجه، يراوح بين أمرين، فهو يرغب من جهة في حفاوة ومساندة الجماعة، ويخاف من جهة أخرى أن تحطمه هذه الجماعة وتقضي عليه وتلتهمه. ويظهر هذا الازدواج نفسه في الطريقة التي يمكن أن يحس بها وضع التقارب في قلب الجماعة: فنحن نسعى وراء الاقتراب من الغير، ووراء التكامل بانتساب إلى جماعة بغية الاتصال والتحرك، بنوع أو بآخر؛ ولكن التجربة قد علمتنا أنه لا يكفي أن نجد أنفسنا مع آخرين لكي نسهم ونشارك، فكثيرا ما يحدث أن نشعر، ونحن في وسط جماعة، بعاطفة حادة من العزلة.
إن هذه الملاحظات القليلة تلفت انتباهنا إلى التعقيد في الطبيعة البشرية وإلى مفهوم الجماعة. وامتداد معنى الكلمة نفسه له قيمته في عدم دقته، وكذلك معنى الكلمات التي يجعلونها مرادفا لها: كتلة، جمهور، جمعية، منظمة، طبقة اجتماعية... فإذا أردنا إيضاحا أكثر لطبيعة جماعة ما، فينبغي أن نحسب حساب أسس كثيرة: خاصة درجة تنظيم هذه الجماعة وعلمها، وطرق التفاعل القائمة بين أعضائها وتوزيع أدوارهم، وكذلك الطريقة التي هو عليه وضع الجماعة، "الكائن المجموع". وهكذا ترتسم فيما وراء اقتراب سطحي وفي سبيل تعاريف أكثر دقة، أبعاد بنيانية ووظيفية وسيكولوجية.
وماعدا ذلك، فالجماعات ليست مواد مجمدة: فهي تولد وتتطور، تتساند أو تتباعد، وباختصار فإن لها تاريخا. وكل جماعة منها تعبر، بشكل أو بآخر، عن قصد أو مشروع حتى المغامرة، بين العاملين ومن أجلهم. إن هذه التطورات يمكن أن تتحول بواسطة الباحثين إلى مجموعة من الأسئلة أكثر موضوعية: أين؟ مع من؟ لماذا؟ كيف تألفت جماعة ما؟ وهنالك دائما شك، كما سوف نرى، أن يكون عاملو هذا التاريخ واعين بوضوح ما يصنعونه وكل ما يبحثون عنه، ونشك كذلك في أن يتمكن المراقبون من أن يلتقطوا فعلا "معنى" التطورات الجماعية إذا بقوا غريبين تماما وخارجا عنها؛ وهكذا تعرض على مستوى التقارب العلمي نفسه مشاكل الموقف والأسلوب.
ومهما كان الأمر، فإن كل ظاهرة جماعية تبدو متعلقة بتحول يتضمن طريقة في الحياة وقوة معينة. وهذا بالضبط ما أرادوا التعبير عنه بالتجائهم إلى لغة الفيزياء وباستعمالهم التعبير: دينامية الجماعية. إن عنى هذا التعبير – الذي سنتناول فيما بعد قيمته التاريخية – يبدوا لنا أنه كامن في ان يبقى أداة وصل بين تجربة مباشرة واقتراب من النظام العلمي؛ وإلى القدرة على التكاثر لدى الاول تنضم حظوة الثاني. وينضم الهما، دون شك، عنصر ثالث أكثر خفية: هو مورد جديد عمله تقوية السلطة – سلطتنا نحن – على مصير الجماعات. إنه نوع من الرجاء الخلاق المتطور بين الإبداع والعمل.
ويجدر بنا كذلك أن نتساءل لماذا مشاكل الجماعة هي، في وقتنا الحاضر "مشاكل الساعة". إن هذا السؤال يقودنا مباشرة إلى صورة سوسيولوجية. فمنذ قرن ونيف، بل منذ عشرين سنة على الأخص، تبدلت التنظيمات ومقاييس القيم تبدلا عميقا، وتبدل كذلك إطار وطريقة الحياة اليومية المرتبطة بها. وهذه التغييرات التقنية والاقتصادية والديموغرافية لا تعين علاقات الناس بالأشياء فحسب – خاصة طبيعة العمل ونوع المسكن – بل علاقات الناس بعضهم ببعض، من جراء التطور المتزايد في تنظيم المساكن وتجميلها والهيئات التقنو–بيروقراطية. إن تطور "الكادرات"، ووسائل الاتصال والإعلام، وتزعزع العادات التقليدية للسلطة، سواء أكانت عائلية أو مهنية، تحث على التفتيش عن التوازن جديد وقواعد جديدة للتكامل السيكولوجي الاجتماعي، وبالتالي إعادة النظر في إدارة الجماعات والعلاقات الجماعية.
ومما يثير الدهشة، في هذا المجال، أن نتتبع تطور معنى كلمة "فريق" وما تكتسبه من غنى مع الوقت. إنها كلمة قديمة تتصل بالأصل بفكرة ركوب البحر(فريق بحارة السفينة) وبفكرة العمل الجماعي. وهي تستحضر صورا للاندفاع، وللجهد الجماعي المشترك، والتضامن. فمنذ عشرين سنة كانت هذه اللفظة تتاخم حقل العمل المادي(فريق العمال)، أو بعض الألعاب الجماعية، أما الآن فإنها تميل إلى أن تستعمل –ويكون لها المكان اللائق– في عدد كبير من القطاعات الاجتماعية، وعلى مستويات كثيرة التنوع من المسؤولية. ويمكن التكلم كذلك عن "فريق الأبحاث" في المختبرات الخاصة أو العامة وعن "فريق العناية" في المراكز الضيافية، وكذلك "الفريق التعليمي" و"فريق التجديد التربوي".
وإذا كانت لنا نظرة أكثر شمولا، فإننا نلاحظ، بوجه عام، أن الأسس كانت موضوعة، تقليديا، لأجل عمل فريق فعال يجمع أشخاصا –متساوين مبدئيا– حول رئيس يتمتع بسلطة كاملة تقريبا (معمل،مكتب، مدرسة). وكانت بعض "القمم" تمثل صفة مدرسية تبدوا أحيانا ظاهرة أكثر مما هي حقيقية (مجالس أو لجان التوجيه والإدارة،الخ) ولكن الأكثر جدة، من جهة، أزمة هذه الجماعات التقليدية حيث عادة الأوامر الاستبدادية أصبحت منكرة، ومن جهة ثانية بروز الفرق بين القاعدة والقمة: اجتماعات عمل بين رؤساء القطاعات ومدراء الفروع والاخصائيين الخ، الذين يريدون هم أيضا أن يجتمعوا آنفا بمرؤوسيهم أو بمندوبيهم.
ومع ذلك تبقى طريقة "الفريق"، في الغالب، أملا منشودا، ومثلا، ودعاء سحريا تقريبيا، انطلاقا من الكلمة نفسها، وتبقى شرطية. ويقولون: ينبغي لنا بل يتوجب علينا أن "ندفع حتى النهاية العمل الحقيقي للفريق" وذلك بسبب الأزمة نفسها للبناءات المؤهلة تقليديا لمثل هذا العمل، أو بسبب المقاومة وبعض التناقضات التي تحول دون إيجاد فرق جديدة.
ونستطيع القول أن تطور دينامية الجماعات ومواجهتها ينتجان عن التغييرات والهواجس التي عرضناها. وهذه الدينامية يحثها مقصدان مزدوجان من البحث والتدخل، فتصمم على إيضاح الميكانيكية المعقدة لعمل الجماعات، مستخرجة منها عددا من التطبيقات على مستوى الحياة المهنية أو اليومية. وهدف هذا الكتاب هو تقديم بعض هذه المظاهر الكبرى لهذه الحركة الحديثة، مع الحرص على مقصدها المزدوج.
وإننا، دون أن ندعي الكمال، قد عالجنا المواضيع الأكثر تطورا أو الأكثر دلالة. وفي طريقنا إلى نهاية هذا العمل سنقدم، بالتأكيد، طرقا ونتائج، وكذلك مشاكل وتحفظات انتقادية، لأن دينامية الجماعة، التي هي ثمرة لضرورة، هي كذلك فريسة لبعض الغصص حيث تمترج تعليلات مبهمة. وهي وقد ارتبطت بعمل الناس، بتحديدها نفسه، لا تتعلق بأبعاد نفسية واجتماعية فحسب، بل بحرية اختيار محورية لمقاييس القيم الواضحة أو الخفية، والتي يهم أن نستخرجها ونقدمها.
إن هذه الملاحظات القليلة تلفت انتباهنا إلى التعقيد في الطبيعة البشرية وإلى مفهوم الجماعة. وامتداد معنى الكلمة نفسه له قيمته في عدم دقته، وكذلك معنى الكلمات التي يجعلونها مرادفا لها: كتلة، جمهور، جمعية، منظمة، طبقة اجتماعية... فإذا أردنا إيضاحا أكثر لطبيعة جماعة ما، فينبغي أن نحسب حساب أسس كثيرة: خاصة درجة تنظيم هذه الجماعة وعلمها، وطرق التفاعل القائمة بين أعضائها وتوزيع أدوارهم، وكذلك الطريقة التي هو عليه وضع الجماعة، "الكائن المجموع". وهكذا ترتسم فيما وراء اقتراب سطحي وفي سبيل تعاريف أكثر دقة، أبعاد بنيانية ووظيفية وسيكولوجية.
وماعدا ذلك، فالجماعات ليست مواد مجمدة: فهي تولد وتتطور، تتساند أو تتباعد، وباختصار فإن لها تاريخا. وكل جماعة منها تعبر، بشكل أو بآخر، عن قصد أو مشروع حتى المغامرة، بين العاملين ومن أجلهم. إن هذه التطورات يمكن أن تتحول بواسطة الباحثين إلى مجموعة من الأسئلة أكثر موضوعية: أين؟ مع من؟ لماذا؟ كيف تألفت جماعة ما؟ وهنالك دائما شك، كما سوف نرى، أن يكون عاملو هذا التاريخ واعين بوضوح ما يصنعونه وكل ما يبحثون عنه، ونشك كذلك في أن يتمكن المراقبون من أن يلتقطوا فعلا "معنى" التطورات الجماعية إذا بقوا غريبين تماما وخارجا عنها؛ وهكذا تعرض على مستوى التقارب العلمي نفسه مشاكل الموقف والأسلوب.
ومهما كان الأمر، فإن كل ظاهرة جماعية تبدو متعلقة بتحول يتضمن طريقة في الحياة وقوة معينة. وهذا بالضبط ما أرادوا التعبير عنه بالتجائهم إلى لغة الفيزياء وباستعمالهم التعبير: دينامية الجماعية. إن عنى هذا التعبير – الذي سنتناول فيما بعد قيمته التاريخية – يبدوا لنا أنه كامن في ان يبقى أداة وصل بين تجربة مباشرة واقتراب من النظام العلمي؛ وإلى القدرة على التكاثر لدى الاول تنضم حظوة الثاني. وينضم الهما، دون شك، عنصر ثالث أكثر خفية: هو مورد جديد عمله تقوية السلطة – سلطتنا نحن – على مصير الجماعات. إنه نوع من الرجاء الخلاق المتطور بين الإبداع والعمل.
ويجدر بنا كذلك أن نتساءل لماذا مشاكل الجماعة هي، في وقتنا الحاضر "مشاكل الساعة". إن هذا السؤال يقودنا مباشرة إلى صورة سوسيولوجية. فمنذ قرن ونيف، بل منذ عشرين سنة على الأخص، تبدلت التنظيمات ومقاييس القيم تبدلا عميقا، وتبدل كذلك إطار وطريقة الحياة اليومية المرتبطة بها. وهذه التغييرات التقنية والاقتصادية والديموغرافية لا تعين علاقات الناس بالأشياء فحسب – خاصة طبيعة العمل ونوع المسكن – بل علاقات الناس بعضهم ببعض، من جراء التطور المتزايد في تنظيم المساكن وتجميلها والهيئات التقنو–بيروقراطية. إن تطور "الكادرات"، ووسائل الاتصال والإعلام، وتزعزع العادات التقليدية للسلطة، سواء أكانت عائلية أو مهنية، تحث على التفتيش عن التوازن جديد وقواعد جديدة للتكامل السيكولوجي الاجتماعي، وبالتالي إعادة النظر في إدارة الجماعات والعلاقات الجماعية.
ومما يثير الدهشة، في هذا المجال، أن نتتبع تطور معنى كلمة "فريق" وما تكتسبه من غنى مع الوقت. إنها كلمة قديمة تتصل بالأصل بفكرة ركوب البحر(فريق بحارة السفينة) وبفكرة العمل الجماعي. وهي تستحضر صورا للاندفاع، وللجهد الجماعي المشترك، والتضامن. فمنذ عشرين سنة كانت هذه اللفظة تتاخم حقل العمل المادي(فريق العمال)، أو بعض الألعاب الجماعية، أما الآن فإنها تميل إلى أن تستعمل –ويكون لها المكان اللائق– في عدد كبير من القطاعات الاجتماعية، وعلى مستويات كثيرة التنوع من المسؤولية. ويمكن التكلم كذلك عن "فريق الأبحاث" في المختبرات الخاصة أو العامة وعن "فريق العناية" في المراكز الضيافية، وكذلك "الفريق التعليمي" و"فريق التجديد التربوي".
وإذا كانت لنا نظرة أكثر شمولا، فإننا نلاحظ، بوجه عام، أن الأسس كانت موضوعة، تقليديا، لأجل عمل فريق فعال يجمع أشخاصا –متساوين مبدئيا– حول رئيس يتمتع بسلطة كاملة تقريبا (معمل،مكتب، مدرسة). وكانت بعض "القمم" تمثل صفة مدرسية تبدوا أحيانا ظاهرة أكثر مما هي حقيقية (مجالس أو لجان التوجيه والإدارة،الخ) ولكن الأكثر جدة، من جهة، أزمة هذه الجماعات التقليدية حيث عادة الأوامر الاستبدادية أصبحت منكرة، ومن جهة ثانية بروز الفرق بين القاعدة والقمة: اجتماعات عمل بين رؤساء القطاعات ومدراء الفروع والاخصائيين الخ، الذين يريدون هم أيضا أن يجتمعوا آنفا بمرؤوسيهم أو بمندوبيهم.
ومع ذلك تبقى طريقة "الفريق"، في الغالب، أملا منشودا، ومثلا، ودعاء سحريا تقريبيا، انطلاقا من الكلمة نفسها، وتبقى شرطية. ويقولون: ينبغي لنا بل يتوجب علينا أن "ندفع حتى النهاية العمل الحقيقي للفريق" وذلك بسبب الأزمة نفسها للبناءات المؤهلة تقليديا لمثل هذا العمل، أو بسبب المقاومة وبعض التناقضات التي تحول دون إيجاد فرق جديدة.
ونستطيع القول أن تطور دينامية الجماعات ومواجهتها ينتجان عن التغييرات والهواجس التي عرضناها. وهذه الدينامية يحثها مقصدان مزدوجان من البحث والتدخل، فتصمم على إيضاح الميكانيكية المعقدة لعمل الجماعات، مستخرجة منها عددا من التطبيقات على مستوى الحياة المهنية أو اليومية. وهدف هذا الكتاب هو تقديم بعض هذه المظاهر الكبرى لهذه الحركة الحديثة، مع الحرص على مقصدها المزدوج.
وإننا، دون أن ندعي الكمال، قد عالجنا المواضيع الأكثر تطورا أو الأكثر دلالة. وفي طريقنا إلى نهاية هذا العمل سنقدم، بالتأكيد، طرقا ونتائج، وكذلك مشاكل وتحفظات انتقادية، لأن دينامية الجماعة، التي هي ثمرة لضرورة، هي كذلك فريسة لبعض الغصص حيث تمترج تعليلات مبهمة. وهي وقد ارتبطت بعمل الناس، بتحديدها نفسه، لا تتعلق بأبعاد نفسية واجتماعية فحسب، بل بحرية اختيار محورية لمقاييس القيم الواضحة أو الخفية، والتي يهم أن نستخرجها ونقدمها.