الانتحار دراسة نظرية حيدر فاضل حسن

ﻤﺴﺘﺨﻠص اﻟﺒﺤث ﺒﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺒﯿﺔ :
ﺘﺸــﯿر اﻻﺤﺼــﺎءات اﻟﺠﻨﺎﺌﯿــﺔ ﻓــﻲ ﻤﻌظــم دول اﻟﻌــﺎﻟم اﻟــﻰ أن ﻨﺴــﺒﺔ اﻻﻨﺘﺤــﺎر ﻓــﻲ ﺘزاﯿــد ﻤﺴــﺘﻤر ، إذ ﺤﯿــث أﻨــﻪ ﺒﺎﻨﺘﺸﺎر اﻟﺘﺼﻨﯿﻊ وﺘﻌﻘد اﻟﺤﯿﺎة واﺸﺘداد اﻟﺼراﻋﺎت وﺘﺼﺎﻋد اﻟﻤﺸﺎﻛل ﺘرﺘﻔـﻊ ﻨﺴـب اﻻﻨﺘﺤـﺎر . واﻻﻨﺘﺤـﺎر ﻫـو اﻟﻤـوت اﻟﻘﺼدي ، أي أﻨﻪ اﻟﻔﻌل اﻟﻌﻤدي اﻟﻤؤدي اﻟﻰ اﻨﻬﺎء ﺤﯿﺎة اﻟﻔـرد ذاﺘﯿـﺎً وﻗﺼـدﯿﺎً . اﻟﺒﺤـث اﻟﺤـﺎﻟﻲ ﯿﻬـدف اﻟـﻰ اﻟﺘﻌـرف ﻋﻠــﻰ اﻻﻨﺘﺤــﺎر ﻤــن ﺤﯿــث اﺴــﺒﺎﺒﻪ وﻋواﻤﻠــﻪ واﻟﺘوﺼــل اﻟــﻰ ﺘوﺼــﯿﺎت ﻟﻠوﻗﺎﯿــﺔ ﻤــن اﻻﻨﺘﺤــﺎر . وﺤﯿــث اﻻﻨﺘﺤــﺎر ﯿﻤﺜــل ﻤﺸــﻛﻠﺔ ﺘﻬــدد اﻟﺤﯿــﺎة ﻓﻘــد ﺤﺎوﻟــت ﻋــدة ﻨظرﯿــﺎت ﺘﻔﺴــﯿرﻩ واﻟوﻗــوف ﻋﻠــﻰ اﺴــﺒﺎﺒﻪ . إذ ﺘــرى ﻨظرﯿــﺎت اﻟﺘﺤﻠﯿــل اﻟﻨﻔﺴــﻲ ) ﻓروﯿــد ( أن اﻻﻨﺘﺤــﺎر ﻨــﺎﺘﺞ ﻋــن دواﻓــﻊ اﻟﻔــرد اﻟﻌداﺌﯿــﺔ اﻟﻤوﺠــﻪ اﻟــﻰ اﻟــذات . وﺘــرى اﻟﻨظرﯿــﺔ اﻟﻤﻌرﻓﯿــﺔ أن ﺴــﺒب اﻻﻨﺘﺤـــﺎر ﻫـــو اﻻﻛﺘﺌـــﺎب اﻟﻨـــﺎﺘﺞ ﻋـــن ﻓﻘـــدان اﻻﻤـــل وﺘﻀـــﺨﯿم اﻟﺴـــﻠﺒﯿﺎت . وﺘـــرى ﻨظرﯿـــﺔ اﻻﻀـــطراﺒﺎت اﻟﻨﻔﺴـــﯿﺔ أن ﻟﻠﻤﻀطرﺒﯿن ﻨزوﻋﺎً اﻟﻰ ﺘدﻤﯿر اﻟذات اﻗوى ﻤـن ﻨـزوع اﻻﺴـوﯿﺎء . ﻛﻤـﺎ ﺘـرى ﻨظرﯿـﺔ ) دورﻛـﺎﯿم ( اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﯿـﺔ أن ﺸﻌور اﻟﻔرد ﺒﺄﻨﻪ ﻤﻨﺒوذ وأن ﻤﺠﺘﻤﻌﻪ اﺒﻌـدﻩ ﯿـؤدي ﺒـﻪ اﻟـﻰ اﻻﻨﺘﺤـﺎر. ﺨـرج اﻟﺒﺤـث اﻟﺤـﺎﻟﻲ ﺒﺠﻤﻠـﺔ ﻤـن اﻻﺴـﺘﻨﺘﺎﺠﺎت ﻛﻤﺎ ﺘوﺼل اﻟـﻰ ﺘوﺼـﯿﺎت ﺘﻬـدف اﻟـﻰ اﻟوﻗﺎﯿـﺔ ﻤـن اﻻﻨﺘﺤـﺎر . واﺨﯿـراً ﺘﻘـدم اﻟﺒﺤـث ﺒﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤـن ﻤﻘﺘرﺤـﺎت اﻟﺒﺤـوث اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﯿﺔ .
أﻫﻤﯿﺔ اﻟﺒﺤث : -
اﺸﺎرت ﺘﻘﺎرﯿر ﻤﻨظﻤـﺔ اﻟﺼـﺤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿـﺔ اﻟﺼـﺎدرة ﻓـﻲ ﻋـﺎم ٢٠١٣ اﻟـﻰ أن ﻫﻨـﺎك أﻛﺜـر ﻤـن ﻤﻠﯿـون وﻤﺌﺘـﻲ اﻟـف ﺸﺨص ﯿﻘدﻤون ﻋﻠﻰ اﻻﻨﺘﺤﺎر ﻋﻠﻰ ﻤﺴﺘوى اﻟﻌﺎﻟم ﺴﻨوﯿﺎً . أي ﺜﻼﺜﺔ اﻻف ﺸﺨص ﯿﻨﺘﺤرون ﯿوﻤﯿـﺎً ، اﻀـﺎﻓﺔ ﻛـذﻟك ﻓــﺄن ﻛــل ﺤﺎﻟــﺔ اﻨﺘﺤــﺎر ﺘﺎﻤــﺔ ﺘﻘﺎﺒﻠﻬــﺎ ﻋﺸــرون ﻤﺤﺎوﻟــﺔ ﻓﺎﺸــﻠﺔ . أي أن ﻫﻨــﺎك ﻤــﺎ ﯿﻘــﺎرب ﻤــن ) ٢٠ ( اﻟــﻰ ) ٦٠ ( ﻤﻠﯿون ﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻨﺘﺤﺎر ﻋﻠﻰ ﻤﺴﺘوى اﻟﻌﺎﻟم ﺴﻨوﯿﺎً ، وﻫﻨﺎك ﺘﻘـﺎرﯿر ﺘﺸـﯿر اﻟـﻰ أن ) ٥ ٪ ( ﻤـن ﺴـﻛﺎن اﻟﻌـﺎﻟم ﺤـﺎوﻟوا اﻻﻨﺘﺤﺎر ﻤرة واﺤدة ﻋﻠﻰ اﻻﻗل ﻓﻲ ﺤﯿﺎﺘﻬم .) اﻟﻤﻐرﺒﻲ ، ٢٠١٥ ، ٧ (
ﻛـﺎن ﯿﻨظـر ﻗــدﯿﻤﺎً اﻟـﻰ اﻻﻨﺘﺤـﺎر ﻤــن ﻤﻨظـور ﻓﻠﺴــﻔﻲ أو دﯿﻨـﻲ ، وﻤـﻊ دﺨــول اﻟﻘـرن اﻟﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸــر اﺼـﺒﺢ ﯿﻨظــر ﻟﻼﻨﺘﺤﺎر ﻤن ﻤﻨظور ﻤرﻀﻲ ﯿرﻤﻲ اﻟﻰ اﻟﺒﺤث ﻓﻲ اﻟﺴﺒﺒﯿﺔ اﻟﻤرﻀﯿﺔ . وﻗد ظﻬر ﻤـن اﻟﺘـﺎرﯿﺦ ، أن اﻻﻓـراد ﯿﻘـدﻤون ﻋﻠــﻰ اﻻﻨﺘﺤــﺎر ﻓــﻲ ﻛــل اﻟﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ﻓﻀــﻼً ﻋــن ذﻟــك ﻓﺎﻻﺤﺼــﺎﺌﯿﺎت اﻟﺠﻨﺎﺌﯿــﺔ ﻓــﻲ ﻤﻌظــم اﻟــدول ﺘﺸــﯿر اﻟــﻰ أن ﻨﺴــﺒﺔ اﻻﻨﺘﺤﺎر ﻓﻲ ﺘزاﯿد ﻤﺴـﺘﻤر ، ﺤﯿـث إذ ﺒﺎﻨﺘﺸـﺎر اﻟﺘﺼـﻨﯿﻊ وﺘﻌﻘـد اﻟﺤﯿـﺎة واﺸـﺘداد اﻟﺼـراﻋﺎت وﺘﺼـﺎﻋد اﻟﻤﺸـﺎﻛل ﺘرﺘﻔـﻊ ﻨﺴﺒﺔ اﻻﻨﺘﺤﺎر . ﻓﯿرى ) Porta ( أن اﻻرﺘﻔﺎع ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘوى اﻟﻤﻌﯿﺸﻲ ﯿﺘراﻓق ﻤﻊ اﻨﺨﻔﺎض ﻓﻲ اﻟﻌﻨـف اﻟﻤوﺠـﻪ اﻟـﻰ اﻟﺨﺎرج ، وﻤﻊ ارﺘﻔﺎع ﻓﻲ ﺘﻬدﯿم اﻟذات ﯿظﻬر ﻤﺒﺎﺸرة ﻓﻲ ﺸﻛل اﻨﺘﺤﺎر .) زﻫﯿر ، ٢٠٠٨ ، ٣٦ (
اﺜﺒﺘـت اﻟﻛﺜﯿـر ﻤـن اﻟدراﺴـﺎت ﺒــﺄن ظـﺎﻫرة اﻻﻨﺘﺤـﺎر ﻛﺎﻨـت ﻤوﺠـودة ﻓــﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻟﺒداﺌﯿـﺔ ، ﺤﯿـث ﺒﯿﻨـت دراﺴــﺔ ) ﻛوﺘﻲ ، وﯿس ( اﻟﺘﻲ اﺠروﻫﺎ ﻋن ) ٤٠٠ ( ﻤﺠﺘﻤﻊ ﺒداﺌﻲ ﺤول اﻟﻌﺎﻟم أن اﻻﻨﺘﺤـﺎر ﻛـﺎن ﻤوﺠـوداً ﻓـﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت

اﻟﺒداﺌﯿــﺔ وﻤﻨــذ اﻟﻘــدم . وﻗــد اﺨﺘﻠﻔــت اﻟﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻟﺒداﺌﯿــﺔ ﻓــﻲ طرﯿﻘــﺔ اﻻﻨﺘﺤــﺎر وﻫدﻓــﻪ . ﺤﯿــث ﯿﻌﺘﻘــد اﻻﺴــﻛﯿﻤو أن اﻟﻤـوت اﻟﻌﻨﯿــف ﻤﺜـل اﻻﻨﺘﺤــﺎر اﻨﻤــﺎ ﻟـﻪ ﺘــﺄﺜﯿر ﻤطﻬــر ﻋﻠـﻰ اﻟﻤﯿــت . ﻛﻤـﺎ أن ﻛــﺎن اﻟﻤرﻀــﻰ واﻟﻤﺴـﻨﯿﯿن ﻤــﻨﻬم ﯿﻘﺒﻠــون ﻋﻠــﻰ اﻻﻨﺘﺤــﺎر ﻓــﻲ اوﻗــﺎت ﻨﻘــص اﻟطﻌــﺎم . وﯿﺸــﯿر ) ﻤﺎﻟﯿﻨوﻓﺴــﻛﻲ ، ١٩٣٩ ( اﻟــﻰ أن ﻫــذﻩ اﻟظــﺎﻫرة ﻛﺎﻨــت ﻤﻨﺘﺸــرة ﻋﻠﻰ ﻨطـﺎق واﺴـﻊ ﻟـدى ﻗﺒﺎﺌـل ﺠـزر اﻟﺘروﺒرﯿﺎﻨـد . واﻛـدت ) ﺒﻨـدﻛت ، ١٩٥٣ ( ﺸـﯿوع اﻻﻨﺘﺤـﺎر ﻓـﻲ ﺠﻤﺎﻋـﺔ اﻟـدوﺒو ﺒﺠﻨــوب اﻟﻤﺤــﯿط اﻟﻬــﺎدي وﻟــدى ﺠﻤﺎﻋــﺎت اﻟﻛواﻛﯿوﺘﯿــل ﻓــﻲ ﺸــﻤﺎل اﻤرﯿﻛــﺎ ، وﻟــدى ﺒﻌــض ﻗﺒﺎﺌــل اﻟﻬﻨــود ﻓــﻲ اﻤرﯿﻛــﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ ﻋرف ﻨوع ﻤن اﻻﻨﺘﺤﺎر ﯿﻤﺎﺜل ﻤﺎ ﻛﺎن ﺸﺎﺌﻌﺎً ﺒـﯿن اﻟﻘﺒﺎﺌـل اﻟﻬﻨدوﺴـﯿﺔ ﻓـﻲ ﺸـﺒﻪ اﻟﻘـﺎرة اﻟﻬﻨدﯿـﺔ إذ ﻛـﺎن ﯿﻌـد ﻤن اﻟﺸرف أن ﯿﻨﺘﺤر اﻻﺴرى واﻟﺨدم ﻋﻨد وﻓﺎة ﺴﯿدﻫم وﯿدﻓﻨون ﻤﻌﻪ ﻓﻲ ﻨﻔس اﻟﻤﻘﺒرة .) ﻋﺒد اﷲ ، ٢٠٠٩ ، ١٤ ( اﻻﺤﺼﺎﺌﯿﺎت اﻟﺤدﯿﺜﺔ ﺒﯿﻨت ﺘﻨﺎﻤﻲ ظﺎﻫرة اﻻﻨﺘﺤﺎر ﻟدى ﻛل اﻟﻔﺌﺎت وﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻛﻛل . ﻛﻤﺎ أن ﻤﻌدل اﻻﻨﺘﺤـﺎر ﻓـﻲ اﻟﻌــﺎﻟم ﺘزاﯿـــد ﺒﻨﺴـــﺒﺔ ) ٦٠ ٪ ( ﺨــﻼل اﻟﻌﻘـــود اﻟﺨﻤﺴـــﺔ اﻟﻤﺎﻀــﯿﺔ وﻓﻘـــﺎً ﻟﺘﻘـــدﯿر ﻤﻨظﻤــﺔ اﻟﺼـــﺤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿـــﺔ . ووﻓﻘـــﺎً ﻟﺘوﻗﻌﺎت ﻤﻨظﻤﺔ اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻓﺄن ﻤﻌدﻻت اﻻﻨﺘﺤﺎر ﺴوف ﺘرﺘﻔﻊ ﻋﻠﻰ ﻤﺴﺘوى اﻟﻌﺎﻟم ﺒﻨﺴـﺒﺔ ) ٥٠ ٪ ( ﺒﺤﻠـول ﻋــﺎم ) ٢٠٢٠ ( ﻟﺘﺼــل اﻋــداد اﻟﻤﻨﺘﺤــرﯿن ﻓــﻲ اﻟﻌــﺎﻟم اﻟــﻰ ﻤﻠﯿــون وﻨﺼــف اﻟﻤﻠﯿــون ﻤﻨﺘﺤــر ﺴــﻨوﯿﺎً . وﯿﺸــﯿر ﺘﻘرﯿــر ﻤﻨظﻤــﺔ اﻟﺼــﺤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿــﺔ اﻟﺼــﺎدر ﻓــﻲ ﻋــﺎم ) ٢٠٠٧ ( اﻟــﻰ أن اﻻﻨﺘﺤــﺎر ﯿﻌــد اﺤــد اﻛﺒــر ﺜﻼﺜــﺔ اﺴــﺒﺎب ﻟﻠﻤــوت ﻓــﻲ اﻟﻔﺌــﺔ اﻟﻌﻤرﯿــﺔ ﻤــن ١٦ – ٣٤ ﺴــﻨﺔ ، وﻫــﻲ ﺴــﻨﻲ اﻟﻌطــﺎء واﻻﻨﺘــﺎج . ﻛﻤــﺎ أﻨــﻪ ﯿﻌــد ﻤــن ﺒــﯿن اﻻﺴــﺒﺎب اﻟﺜﻼث اﻟرﺌﯿﺴﯿﺔ ﻟﻠوﻓﺎة اﯿﻀﺎً ﻟدى اﻟﻔﺌﺔ اﻟﻌﻤرﯿﺔ ﻤﺎ ﺒﯿن ١٥ – ٤٤ ﻋـﺎم ، وﻛـذﻟك اﻟﺴـﺒب اﻟﺜـﺎﻨﻲ ﻟﻠوﻓـﺎة ﻟـدى اﻟﻔﺌـﺔ اﻟﻌﻤرﯿﺔ ﻤﺎ ﺒﯿن ١٠ – ٢٤ ﻋﺎم . وﻋﻠﻰ اﻟـرﻏم ﻤـن أن ﻤﻌـدﻻت اﻻﻨﺘﺤـﺎر ﻛﺎﻨـت اﻋﻠـﻰ ﺒـﯿن ﻛﺒـﺎر اﻟﺴـن ﻤـن اﻟـذﻛور ﻤﻤن ﺘﺠﺎوزوا ٦٥ ﻋﺎﻤﺎً ، إﻹ أن ﻤﻌدل اﻻﻨﺘﺤﺎر ﻓﻲ ﻓﺌﺔ اﻟﺸﺒﺎب واﻟﻤراﻫﻘﯿن ﻓﻲ ﺘزاﯿد ﻤﺴﺘﻤر.