مقدمة الكتاب:
لإن أطفالنا هم المستقبل والغد المقبل، هم عيوننا التي نلوِّن بها حاضرنا ومستقبلنا،
هم خيوط الضوء الذي ينير الطريق للتقدم، لذا يجب أن يكونوا أصحاء مفعمين
بالنشاط الجسدي، والذهني، والنفسي، والعاطفي، وعلينا أن نعطيهم حقهم من
الرعاية، والحماية، والعناية، أن نكون سندهم، وعضدهم، وساعدهم، الذي يقودهم
إلى بر الأمان. واجب علينا أيضاً ألا نهملهم، ولا نتكاسل عن تقديم كل ما يحتاجونه
من تربية، تعينهم على الأخذ بزمام المبادرة نحو البناء والتعمير.
إن الاهتمام بالإنسان منذ طفولته شأن من شؤون الوطن وقيادته الرشيدة، التي
لاتدخر جهداً في سبيل إعلاء الحقيقة الدامغة، وهي :’أن الإنسان هو عنوان التطور
و ا ريته وغايته في المجتمعات المتحضرة، والتي وضعت الإنسان نصب الأعين،
وأن صحته النفسية مفتاح الصحة العقلية لوطن، ينحو نحو الإبداع والتميز’.
فحاجتنا إلى عقل سليم يسنده جسم صحيح، وتعضده نفس سوية، أصبحت ماسة
وضرورية، الأمر الذي يجعل من التعرض لموضوع التربية الجنسية أم ا رً هاماً،
سعياً نحو حياة أفضل، ومستقبل أزهى، وغد يشرق بوجوه مزهرة بالحياة والعطاء
والثقة بالنفس، من أجل وطننا العزيز.
إن التربية الجنسية موضوع غير مألوف لدى الكثير منا، فنحن نستطيع أن نجيب
على أسئلة أبنائنا في موضوعات كثيرة، كما نستطيع أن نتعامل مع الكثير من
مشكلاتهم، باختلاف م ا رحل نموهم ، إلا أننا كثي ا رً ما نفشل في مساعدتهم، إذا
تعرضوا لبعض المشكلات السلوكية، المرتبطة بالأمور الجنسية.
فالحاجة لبرنامج التربية الجنسية يفوق في الأهمية الحاجة لبعض الب ا رمج الأكاديمية،
التي تُقَدّم للأطفال والم ا رهقين في المدارس أو الم ا ركز. ورغم أن التربية الجنسية
موضوع حساس وشائك، لأن الحديث حوله، أوالكتابة عنه، أو د ا رسته، كلها
أعمال فيها الكثير من الصعوبة، إلا أنه موضوع واقعي وحيوي، يتضمن معارف
ومها ا رت، تهمُّ جميع الأطفال الأسوياء والمعاقين، وتهمُّ كذلك أسرهم والقائمين
على رعايتهم وتربيتهم.
فكم من طفل أو م ا رهق وقع ضحية لاعتداء جنسي!، لأن أسرته كانت غافلة عن
تحصينه من الأخطار، التي يمكن أن يقع فيها، أو يتعرض لها. وكم من م ا رهق
عانى من مشاكل نفسية وصحية!، وربما انطوى وانعزل بسبب ظهور علامات
البلوغ عليه، مع عدم إد ا ركه لحقيقتها ولمتطلباتها، في غياب تام عن والديه. وكم
من أسرة حارت وظلت قلقة تجاه سلوكيات جنسية مرحلية، صدرت من ابنها أو
ابنتها، ولم تعرف كيف تفسرها أو تتعامل معها!.
لذا تبقى الأسر والمؤسسات التربوية والاجتماعية، التي تقدم خدمات الرعاية
للأف ا رد )الأطفال /الم ا رهقين(، بحاجة ماسة وملحة لاكتساب وفهم الكثير من
الخب ا رت، والمها ا رت، والمعارف، الخاصة بالمجال الجنسي للأطفال والم ا رهقين .
لذا جاءت أهمية هذه الد ا رسة التي أطرحها، فهي محاولة لتقديم هذا الموضوع
للقائمين على تربية ورعاية الأطفال، بأسلوب علمي تربوي، من خلال د ا رسة
علمية عربية، تتيح الفرصة للآباء والمربين للحصول على المعارف، والمعلومات،
والخب ا رت، في مجال التربية الجنسية، التي حصلتُ عليها من الواقع العملي،
والاطلاع على الم ا رجع العلمية، رغم قلتها وندرتها، والتي تناولت هذا الموضوع،
وطرحتُها في إطار المبادئ الأخلاقية، والقيم الاجتماعية الخاصة بنا.
إن تنمية المها ا رت الاجتماعية، ذات الصلة بالنمو الجنسي، تعتبر برنامجاً وقائياً،
خاصة إذا تمت في م ا رحل مبكرة من العمر ) ما قبل البلوغ الجنسي(، مما يكسب
الطفل فهماً جيداً للحدود، والقيود، والقيم الأخلاقية الاجتماعية المتعارف عليها،
فالمها ا رت المكتسبة تساعد الطفل على التعايش مع تلك الحدود والقيم، وقد لاحظت
10
من خلال إطلاعي، النقص الهائل في الجانب الخاص بالتربية الجنسية العربية،
واعتقاداً مني بأهمية إضافة الجديد، وسد الخلل والنقص، بدأ أهتمامي بد ا رسة
إ و�عداد وتأليف منهج، ضمن مادة المها ا رت الحياتية، علَّه يسد جانباًً، لا ا زل
مهملاً، ولكني اعتبره أساساً ومحو ا رً في نجاح وتقدم الإنسان.
إن الهدف الرئيسي من هذا المؤلَّف هو أن أقدم للقارئ، وأعرض له صورة من
صور الثقافة الجنسية للأطفال، في د ا رسة علمية، بدافع من خبرتي، التي تتخذ
جذورها الرئيسية من الممارسة العملية، فضلاً عن قناعتي النظرية، بأن مشكلات
الطفل واضط ا رباته الناتجة عن الإساءة الجنسية أو التحرش، يمكن التحكم فيها
وتعديلها، وتطويرها وعلاجها، وأن بعض المفاهيم الخاطئة، يمكن تحرير ذهن
القارئ منها،.وبهذين الدافعين كتبت هذا الكتاب.
وبما أن التربية الجنسية من أهم المواضيع التي يجب مناقشتها، حيث تطالعنا
الصحف اليومية بحوادث الاعتداء، أو التحرش، أو الإساءة الجنسية للأطفال،
ومن واقع عملي، وبتطبيق بطارية مقياس الضغوط النفسية والاحتياجات الخاصة
بأولياء الأمور تجاه المعاقين، فقد كانت من أهم الضغوط التي يواجهها الآباء،
عدم استطاعتهم حماية أبنائهم من الاستغلال الجنسي، الذى يتعرضون له، ذلك أن
ما يقلق الآباء هو جهلهم بالمعلومات، التي ينبغي تحصين الأطفال بها، وحتى إن
عرفوها، فإنهم يفتقرون إلى معرفة طريقة نقلها، وتوصيلها إليهم، بأسلوب يتفق
وسمات المرحلة العمرية، التي تضمن جذب الأطفال، واستم ا ررهم في العمل، من
خلال شخصيات محببة، تمثل قدوة لهم، حتى يتذكرون المواقف، وكيفية مواجهتها،
لترسيخ القيم الاجتماعية المقبولة لديهم
ورد في اتفاقية الأمم المتحدة حول حقوق الطفل المادة ) 19 ( ما يلي: «تتخذ الدول
الأط ا رف جميع التدابير التشريعية، والإدارية، والاجتماعية، والتعليمية الملائمة،
لحماية الطفل من كافة أشكال العنف، أو الضرر، أو الإساءة البدنية، أو العقلية،
أو الإهمال، أو المعاملة المنطوية على إهمال إ و�ساءة المعاملة أو الاستغلال، بما
في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالدين أو الوصي القانوني عليه، أو
أي شخص يتعهد الطفل برعايته”
كما أنه يحقق ما جاء في توصيات المؤتمر العربي الأول للصحة النفسية الذي
انعقد في القاهرة في ديسمبر 1970 م، في بند التوصيات الخاصة بم ا رحل العمر
المختلفة )الطفولة/ الشباب/الشيخوخة(، ضمن الرعاية الأسرية، بخصوص التربية
الجنسية، الذي نص على :-
“ضرورة العمل على نشر الثقافة الأسرية بما في ذلك الثقافة الجنسية منذ سن
مبكر، في إطار التقاليد والعادات الخاصة بمجتمعنا، لما لهذه الثقافة من آثار بناءة
في تكوين الفرد والأسرة والمجتمع.”
وبالرغم من أن مجلس جامعة الدول العربية، كان قد اتخذ على مستوى القمة،
التي عقدت في عمان في مارس 2001 م ق ا ر ا رً، بتبني الإطار العربي لحقوق
الطفل، وكانت هناك استعدادات لمؤتمر طفولي هام، كان من المقرر انعقاده في
سبتمبر 2001 م، إلا أن هذا المؤتمر تأجل برغم أن الطفل في أسرته غير محمي،
من وجود العنف الموجه ضده.
وللعنف أنواع كثيرة يتعرض لها، منها التعديات الجنسية التي نغفل عنها؛ فقد
سجل الأدب التربوي كثي ا رً من حالات الإساءة الجنسية تجاه الأطفال، ولكن
الحالات التي لم يتم تسجيلها هي في الغالب أكثر من ذلك ، لأن الأطفال يخافون
من الإدلاء بما يحدث معهم، على الرغم من الآثار النفسية الطويلة المدى عليهم،
والمشكلات السلوكية، التي تحدث لهم، بسبب هذه الإساءة، حيث تعتبر عاملآ هاماً
في حدوثها عندهم. وقد أشار عماد زكي إلى بعض النسب التي في كتابه “الطفل
العربي والمستقبل”:
“إن مائة مليون طفل عربي يشكلون 45 % من مجموع العرب، وتقول هذه
الإحصاءات إن أطفالنا يشكلون أعلى نسبة من نسب الأطفال، مقارنة بأي
شعب آخر”.
• %75 من المعتدين هم أشخاص معروفون للضحية، تربطهم بالطفل علاقة
قربى أو معرفة .
• %11 من هؤلاء المعتدين هم آباء للأطفال الضحايا”.
إن مشكلة استغلال الطفولة جنسياً تت ا زيد وتشتد بصورة تتطلب تدخلآ مهنياً، حتى
إ و�ن كان محدوداً، فإنه يثير الازعاج لدى الآباء والأمهات والمهتمين برعاية
الطفل، ومن هنا فسنتعرض في كتابنا هذا لمفاهيم ومناهج الرعاية المطلوية، وكل
ما من شأنه أن يحمي أطفالنا من الاستغلال الجنسي, الذي يعيق تفاعلهم الإيجابي
بالمحيطين بهم، ويؤثر سلبياً على نظرتهم لأنفسهم وجنسهم.
لقد أسعدني جداً الاهتمام الكبير، الذي وجدته لدى أف ا رد العينة التي طُبق عليها
البرنامج، سواء من أولياء أمور الأطفال، أوالمعلمين، أو الأخصائيين، أو فئة
المعاقين، فقد عبر الكثيرون عن أن هذا البرنامج أجاب على كثير من التساؤلات،
التي كانت لديهم، كما أنه فتح لديهم الباب ةاسعاً، للدخول إلى مواضيع، كانوا
يجهلونها، ويخشون الغوص فيها، برغم أنها تؤرقهم، وتمثل لديهم مشكلة كبيرة.
إن السلوك الجنسي السوي يرتبط لدى الطفل أو الم ا رهق أو المعاق بصورة
الجنس الآخر، المرسومة في ذهنه والموجودة في ذاكرته منذ مرحلة الطفولة
المبكرة التي تشكله، ومن المواقف التي ربطته بالجنس الآخر في الأسرة والعائلة
والمدرسة والمركز والشارع أيضاً. هذه الصور الذهنية للجنس الأخر تتأثر ايضاً
برؤيته لنفسه )ذك ا رً كان أم أنثى(، فهو يكوِّن صورة ذاتية عن ذكوريته أو أنوثيتها،
من خلال رؤية الآخرين لذلك وفكرتهم عنه، وهي صورة ذاتية، تحرك دوافعه
13
باستم ا رر، وتشكل ضغطاً داخلياً، يتحكم في سلوكه الجنسي، كما يسهم كل من
يتعامل مع الطفل من الآباء، والأمهات، والمعلمين، والمعلمات...وغبيرهم، بقدر
كبير في تكوين صورة ذهنية عن الجنس الاخر في العلاقة الجنسية، كما يتخيلها
الطفل أو المعاق.
لقد أعددت هذا الكتاب بطريقة مبسطة عملية، لاتحتاج إلى دليل تفسيري مساند،
اعتقاداً مني أن التبسيط مهارة متقدمة في فن التأليف، وأن الرجوع إلى ق ا رءة
الأدلة في زمن السرعة، واعتبار الق ا رءة هواية، لم يعد متاحاً للجميع، وستجعل
العملية التربوية في يد وسطاء قد لا يتوفرون باستم ا رر، ومن ثم فجمهور هذا
الكتاب يمتد ليشمل الآباء والأمهات والمعلمين، إضافة إلى المشرفين في مؤسسات
ودور الرعاية النفسية والعقلية، وبعبارة أخرى فإنه حيث يوجد اهتمام بالطفل،
يوجد جمهور يهمه أن يطلع بتأنٍ وتدبر على هذا الكتاب. قد جُمِعَت مادة الكتاب
بناء على فلسفة النظرية التعليمية، التي ترى أن السلوك الإنساني يخضع في
غالبيته لعوامل مكتسبة، وأن السلوك المرضي الشاذ يُكتسَب نتيجة للأخطاء في
التعامل مع الطفل، لذا تبنيت نظرية التعامل مع الطفل متعددة المحاور، التي قوامها
أن التعلم يعتمد على جوانب متنوعة، بعضها اجتماعي، وبعضها انفعالي، والبعض
الآخر نتيجة لعوامل ذهنية، أو معرفية، أو قلة المعلومات والخبرة بأمور الحياة،
ومن ثم فإن مواجهة أي مشكلة من مشكلات الطفولة، يجب أن تعكس في أذهاننا
هذه الرؤية المتنوعة المحاور.
ففي ظل الغموض الذي ما ا زل يحيط بالتربية الجنسية، وقلة مصادرها تظل تلك
المعلومات متشعبة متداخلة ومربكة أحياناً. كما أنه من الصعب الوصول إليها
بسهولة ووضوح، فلا يستطيع من يبحث عنها أن يجد إجابات محددة وموضوعية،
ومناسبة لعمر الطفل، حول أسئلته واستفسا ا رته.
14
لإن أطفالنا هم المستقبل والغد المقبل، هم عيوننا التي نلوِّن بها حاضرنا ومستقبلنا،
هم خيوط الضوء الذي ينير الطريق للتقدم، لذا يجب أن يكونوا أصحاء مفعمين
بالنشاط الجسدي، والذهني، والنفسي، والعاطفي، وعلينا أن نعطيهم حقهم من
الرعاية، والحماية، والعناية، أن نكون سندهم، وعضدهم، وساعدهم، الذي يقودهم
إلى بر الأمان. واجب علينا أيضاً ألا نهملهم، ولا نتكاسل عن تقديم كل ما يحتاجونه
من تربية، تعينهم على الأخذ بزمام المبادرة نحو البناء والتعمير.
إن الاهتمام بالإنسان منذ طفولته شأن من شؤون الوطن وقيادته الرشيدة، التي
لاتدخر جهداً في سبيل إعلاء الحقيقة الدامغة، وهي :’أن الإنسان هو عنوان التطور
و ا ريته وغايته في المجتمعات المتحضرة، والتي وضعت الإنسان نصب الأعين،
وأن صحته النفسية مفتاح الصحة العقلية لوطن، ينحو نحو الإبداع والتميز’.
فحاجتنا إلى عقل سليم يسنده جسم صحيح، وتعضده نفس سوية، أصبحت ماسة
وضرورية، الأمر الذي يجعل من التعرض لموضوع التربية الجنسية أم ا رً هاماً،
سعياً نحو حياة أفضل، ومستقبل أزهى، وغد يشرق بوجوه مزهرة بالحياة والعطاء
والثقة بالنفس، من أجل وطننا العزيز.
إن التربية الجنسية موضوع غير مألوف لدى الكثير منا، فنحن نستطيع أن نجيب
على أسئلة أبنائنا في موضوعات كثيرة، كما نستطيع أن نتعامل مع الكثير من
مشكلاتهم، باختلاف م ا رحل نموهم ، إلا أننا كثي ا رً ما نفشل في مساعدتهم، إذا
تعرضوا لبعض المشكلات السلوكية، المرتبطة بالأمور الجنسية.
فالحاجة لبرنامج التربية الجنسية يفوق في الأهمية الحاجة لبعض الب ا رمج الأكاديمية،
التي تُقَدّم للأطفال والم ا رهقين في المدارس أو الم ا ركز. ورغم أن التربية الجنسية
موضوع حساس وشائك، لأن الحديث حوله، أوالكتابة عنه، أو د ا رسته، كلها
أعمال فيها الكثير من الصعوبة، إلا أنه موضوع واقعي وحيوي، يتضمن معارف
ومها ا رت، تهمُّ جميع الأطفال الأسوياء والمعاقين، وتهمُّ كذلك أسرهم والقائمين
على رعايتهم وتربيتهم.
فكم من طفل أو م ا رهق وقع ضحية لاعتداء جنسي!، لأن أسرته كانت غافلة عن
تحصينه من الأخطار، التي يمكن أن يقع فيها، أو يتعرض لها. وكم من م ا رهق
عانى من مشاكل نفسية وصحية!، وربما انطوى وانعزل بسبب ظهور علامات
البلوغ عليه، مع عدم إد ا ركه لحقيقتها ولمتطلباتها، في غياب تام عن والديه. وكم
من أسرة حارت وظلت قلقة تجاه سلوكيات جنسية مرحلية، صدرت من ابنها أو
ابنتها، ولم تعرف كيف تفسرها أو تتعامل معها!.
لذا تبقى الأسر والمؤسسات التربوية والاجتماعية، التي تقدم خدمات الرعاية
للأف ا رد )الأطفال /الم ا رهقين(، بحاجة ماسة وملحة لاكتساب وفهم الكثير من
الخب ا رت، والمها ا رت، والمعارف، الخاصة بالمجال الجنسي للأطفال والم ا رهقين .
لذا جاءت أهمية هذه الد ا رسة التي أطرحها، فهي محاولة لتقديم هذا الموضوع
للقائمين على تربية ورعاية الأطفال، بأسلوب علمي تربوي، من خلال د ا رسة
علمية عربية، تتيح الفرصة للآباء والمربين للحصول على المعارف، والمعلومات،
والخب ا رت، في مجال التربية الجنسية، التي حصلتُ عليها من الواقع العملي،
والاطلاع على الم ا رجع العلمية، رغم قلتها وندرتها، والتي تناولت هذا الموضوع،
وطرحتُها في إطار المبادئ الأخلاقية، والقيم الاجتماعية الخاصة بنا.
إن تنمية المها ا رت الاجتماعية، ذات الصلة بالنمو الجنسي، تعتبر برنامجاً وقائياً،
خاصة إذا تمت في م ا رحل مبكرة من العمر ) ما قبل البلوغ الجنسي(، مما يكسب
الطفل فهماً جيداً للحدود، والقيود، والقيم الأخلاقية الاجتماعية المتعارف عليها،
فالمها ا رت المكتسبة تساعد الطفل على التعايش مع تلك الحدود والقيم، وقد لاحظت
10
من خلال إطلاعي، النقص الهائل في الجانب الخاص بالتربية الجنسية العربية،
واعتقاداً مني بأهمية إضافة الجديد، وسد الخلل والنقص، بدأ أهتمامي بد ا رسة
إ و�عداد وتأليف منهج، ضمن مادة المها ا رت الحياتية، علَّه يسد جانباًً، لا ا زل
مهملاً، ولكني اعتبره أساساً ومحو ا رً في نجاح وتقدم الإنسان.
إن الهدف الرئيسي من هذا المؤلَّف هو أن أقدم للقارئ، وأعرض له صورة من
صور الثقافة الجنسية للأطفال، في د ا رسة علمية، بدافع من خبرتي، التي تتخذ
جذورها الرئيسية من الممارسة العملية، فضلاً عن قناعتي النظرية، بأن مشكلات
الطفل واضط ا رباته الناتجة عن الإساءة الجنسية أو التحرش، يمكن التحكم فيها
وتعديلها، وتطويرها وعلاجها، وأن بعض المفاهيم الخاطئة، يمكن تحرير ذهن
القارئ منها،.وبهذين الدافعين كتبت هذا الكتاب.
وبما أن التربية الجنسية من أهم المواضيع التي يجب مناقشتها، حيث تطالعنا
الصحف اليومية بحوادث الاعتداء، أو التحرش، أو الإساءة الجنسية للأطفال،
ومن واقع عملي، وبتطبيق بطارية مقياس الضغوط النفسية والاحتياجات الخاصة
بأولياء الأمور تجاه المعاقين، فقد كانت من أهم الضغوط التي يواجهها الآباء،
عدم استطاعتهم حماية أبنائهم من الاستغلال الجنسي، الذى يتعرضون له، ذلك أن
ما يقلق الآباء هو جهلهم بالمعلومات، التي ينبغي تحصين الأطفال بها، وحتى إن
عرفوها، فإنهم يفتقرون إلى معرفة طريقة نقلها، وتوصيلها إليهم، بأسلوب يتفق
وسمات المرحلة العمرية، التي تضمن جذب الأطفال، واستم ا ررهم في العمل، من
خلال شخصيات محببة، تمثل قدوة لهم، حتى يتذكرون المواقف، وكيفية مواجهتها،
لترسيخ القيم الاجتماعية المقبولة لديهم
ورد في اتفاقية الأمم المتحدة حول حقوق الطفل المادة ) 19 ( ما يلي: «تتخذ الدول
الأط ا رف جميع التدابير التشريعية، والإدارية، والاجتماعية، والتعليمية الملائمة،
لحماية الطفل من كافة أشكال العنف، أو الضرر، أو الإساءة البدنية، أو العقلية،
أو الإهمال، أو المعاملة المنطوية على إهمال إ و�ساءة المعاملة أو الاستغلال، بما
في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالدين أو الوصي القانوني عليه، أو
أي شخص يتعهد الطفل برعايته”
كما أنه يحقق ما جاء في توصيات المؤتمر العربي الأول للصحة النفسية الذي
انعقد في القاهرة في ديسمبر 1970 م، في بند التوصيات الخاصة بم ا رحل العمر
المختلفة )الطفولة/ الشباب/الشيخوخة(، ضمن الرعاية الأسرية، بخصوص التربية
الجنسية، الذي نص على :-
“ضرورة العمل على نشر الثقافة الأسرية بما في ذلك الثقافة الجنسية منذ سن
مبكر، في إطار التقاليد والعادات الخاصة بمجتمعنا، لما لهذه الثقافة من آثار بناءة
في تكوين الفرد والأسرة والمجتمع.”
وبالرغم من أن مجلس جامعة الدول العربية، كان قد اتخذ على مستوى القمة،
التي عقدت في عمان في مارس 2001 م ق ا ر ا رً، بتبني الإطار العربي لحقوق
الطفل، وكانت هناك استعدادات لمؤتمر طفولي هام، كان من المقرر انعقاده في
سبتمبر 2001 م، إلا أن هذا المؤتمر تأجل برغم أن الطفل في أسرته غير محمي،
من وجود العنف الموجه ضده.
وللعنف أنواع كثيرة يتعرض لها، منها التعديات الجنسية التي نغفل عنها؛ فقد
سجل الأدب التربوي كثي ا رً من حالات الإساءة الجنسية تجاه الأطفال، ولكن
الحالات التي لم يتم تسجيلها هي في الغالب أكثر من ذلك ، لأن الأطفال يخافون
من الإدلاء بما يحدث معهم، على الرغم من الآثار النفسية الطويلة المدى عليهم،
والمشكلات السلوكية، التي تحدث لهم، بسبب هذه الإساءة، حيث تعتبر عاملآ هاماً
في حدوثها عندهم. وقد أشار عماد زكي إلى بعض النسب التي في كتابه “الطفل
العربي والمستقبل”:
“إن مائة مليون طفل عربي يشكلون 45 % من مجموع العرب، وتقول هذه
الإحصاءات إن أطفالنا يشكلون أعلى نسبة من نسب الأطفال، مقارنة بأي
شعب آخر”.
• %75 من المعتدين هم أشخاص معروفون للضحية، تربطهم بالطفل علاقة
قربى أو معرفة .
• %11 من هؤلاء المعتدين هم آباء للأطفال الضحايا”.
إن مشكلة استغلال الطفولة جنسياً تت ا زيد وتشتد بصورة تتطلب تدخلآ مهنياً، حتى
إ و�ن كان محدوداً، فإنه يثير الازعاج لدى الآباء والأمهات والمهتمين برعاية
الطفل، ومن هنا فسنتعرض في كتابنا هذا لمفاهيم ومناهج الرعاية المطلوية، وكل
ما من شأنه أن يحمي أطفالنا من الاستغلال الجنسي, الذي يعيق تفاعلهم الإيجابي
بالمحيطين بهم، ويؤثر سلبياً على نظرتهم لأنفسهم وجنسهم.
لقد أسعدني جداً الاهتمام الكبير، الذي وجدته لدى أف ا رد العينة التي طُبق عليها
البرنامج، سواء من أولياء أمور الأطفال، أوالمعلمين، أو الأخصائيين، أو فئة
المعاقين، فقد عبر الكثيرون عن أن هذا البرنامج أجاب على كثير من التساؤلات،
التي كانت لديهم، كما أنه فتح لديهم الباب ةاسعاً، للدخول إلى مواضيع، كانوا
يجهلونها، ويخشون الغوص فيها، برغم أنها تؤرقهم، وتمثل لديهم مشكلة كبيرة.
إن السلوك الجنسي السوي يرتبط لدى الطفل أو الم ا رهق أو المعاق بصورة
الجنس الآخر، المرسومة في ذهنه والموجودة في ذاكرته منذ مرحلة الطفولة
المبكرة التي تشكله، ومن المواقف التي ربطته بالجنس الآخر في الأسرة والعائلة
والمدرسة والمركز والشارع أيضاً. هذه الصور الذهنية للجنس الأخر تتأثر ايضاً
برؤيته لنفسه )ذك ا رً كان أم أنثى(، فهو يكوِّن صورة ذاتية عن ذكوريته أو أنوثيتها،
من خلال رؤية الآخرين لذلك وفكرتهم عنه، وهي صورة ذاتية، تحرك دوافعه
13
باستم ا رر، وتشكل ضغطاً داخلياً، يتحكم في سلوكه الجنسي، كما يسهم كل من
يتعامل مع الطفل من الآباء، والأمهات، والمعلمين، والمعلمات...وغبيرهم، بقدر
كبير في تكوين صورة ذهنية عن الجنس الاخر في العلاقة الجنسية، كما يتخيلها
الطفل أو المعاق.
لقد أعددت هذا الكتاب بطريقة مبسطة عملية، لاتحتاج إلى دليل تفسيري مساند،
اعتقاداً مني أن التبسيط مهارة متقدمة في فن التأليف، وأن الرجوع إلى ق ا رءة
الأدلة في زمن السرعة، واعتبار الق ا رءة هواية، لم يعد متاحاً للجميع، وستجعل
العملية التربوية في يد وسطاء قد لا يتوفرون باستم ا رر، ومن ثم فجمهور هذا
الكتاب يمتد ليشمل الآباء والأمهات والمعلمين، إضافة إلى المشرفين في مؤسسات
ودور الرعاية النفسية والعقلية، وبعبارة أخرى فإنه حيث يوجد اهتمام بالطفل،
يوجد جمهور يهمه أن يطلع بتأنٍ وتدبر على هذا الكتاب. قد جُمِعَت مادة الكتاب
بناء على فلسفة النظرية التعليمية، التي ترى أن السلوك الإنساني يخضع في
غالبيته لعوامل مكتسبة، وأن السلوك المرضي الشاذ يُكتسَب نتيجة للأخطاء في
التعامل مع الطفل، لذا تبنيت نظرية التعامل مع الطفل متعددة المحاور، التي قوامها
أن التعلم يعتمد على جوانب متنوعة، بعضها اجتماعي، وبعضها انفعالي، والبعض
الآخر نتيجة لعوامل ذهنية، أو معرفية، أو قلة المعلومات والخبرة بأمور الحياة،
ومن ثم فإن مواجهة أي مشكلة من مشكلات الطفولة، يجب أن تعكس في أذهاننا
هذه الرؤية المتنوعة المحاور.
ففي ظل الغموض الذي ما ا زل يحيط بالتربية الجنسية، وقلة مصادرها تظل تلك
المعلومات متشعبة متداخلة ومربكة أحياناً. كما أنه من الصعب الوصول إليها
بسهولة ووضوح، فلا يستطيع من يبحث عنها أن يجد إجابات محددة وموضوعية،
ومناسبة لعمر الطفل، حول أسئلته واستفسا ا رته.
14