أصبح عالمنا اليوم يعاني من وباء كبير يسمَّى الضغوط النفسية، حيث ترى
الدراسات أن أكثر من ثلثي المترددين على الأطباء يعانون من أمراض لها علاقة بالتوتر
الناشئ عن هذه الضغوط، ويعرف الضغط النفسي بأنه حدث يشعر الإنسان الذي
يتعرض له بأن هناك تهديدًا لسلامته الجسدية أو النفسية، وقد يتمثل الحدث في كوارث
طبيعية مثل الزلازل والفيضانات، أو كوارث من صنع الإنسان مثل الحروب وحوادث
التسرب النووي، أو قد يتمثل في إيذاء جسدي مثل حوادث الاغتصاب أو السرقة بالإكراه،
وكون هذا الحدث خارج نطاق السيطرة وغير متوقع يزيد من درجة الضغط النفسي الذي
يمثله.
وقد يحدث الضغط النفسي نتيجة صراع داخلي عند الإنسان عندما يكون بصدد
الاختيار بين شيئين لهما نفس التأثير الجاذب عليه، فمثلاً قد يعرض على الإنسان في نفس
الوقت وظيفتين إحداهما ذات عائد مادي كبير، والأخرى عائدها المادي أقل، ولكن
وضعها الاجتماعي والنفوذ الذي تمثله أعلى؛ فيحتار ما بين الاختيارين، ويحدث له نوع
من الضغط النفسي.
وبعض الأحداث تكون متوقعة، والمفترض أنه يمكن السيطرة عليها، وبالرغم من
ذلك تشكل ضغطًا نفسيٍّا عند الكثير من الناس إذا كانت تتحدى قدراتهم أو تضطرهم
لإعادة تقييم أنفسهم أو تعرضهم لتقييم الآخرين لهم مثل المقابلات الشخصية قبل
الحصول على عمل مهم، وأيضًا الطلاب في الأسبوع الأخير قبل الامتحانات النهائية، وأحيانًا
تمثل الاختبارات الشفهية ضغطًا حيث إن قدراتك ومعلوماتك تتعرض للتقييم في دقائق
معدودة بعد مجهود طويل في التحصيل، فيحدث نوع من التوتر، وينخفض مستوى الأداء
تبعًا لذلك.
القاتل الخفي
4
إذا كان موضوع الضغوط متشعبًا وشائكًا كما يعتقد البعض، فإننا يمكننا القول أن
التعامل معه أكثر تعقيدًا وتشابكًا، لاسيما أن بعضًا من جوانبه لاإرادي يصعب التحكم
فيه حتى عند الأشخاص الأسوياء والقسم الآخر إرادي ملحوظ... ومن هنا جاءت
المصاعب في تحديد أساليب التعامل مع الضغوط.
من المعروف أن الضغوط تمثل خطرًا على صحة الفرد وتوازنه، كما تهدد كيانه
النفسي، وما ينشأ عنها من آثار سلبية، كعدم القدرة على التكيف وضعف مستوى الأداء
والعجز عن ممارسة مهام الحياة اليومية، وانخفاض الدافعية للعمل والشعور بالإنهاك
النفسي، وبالتالي تكون أساليب التعامل مع هذه الضغوط هي الحل السحري لإعادة
التوافق عند الإنسان إذا ما استطاع معرفة الأسلوب المناسب لشخصيته، وهنا تكمن
الصعوبة، فحينما يتعامل الإنسان مع الموقف فإنه يستجيب بطريقة من شأنها أن
تساعده على التجنب أو الهروب أو من تقليل الأزمة ومعالجة المشكلة، علمًا بأن معالجة
الضغوط تعني ببساطة أن نتعلم ونتقن بعض الطرق التي من شأنها أن تساعدنا على
التعامل اليومي مع هذه الضغوط والتقليل من آثارها السلبية بقدر الإمكان.
إنَّ كلَّ فرد منا لا بدَّ وأن يكون قد مرَّ في فترة ما من حياته بتجربة المعاناة من
ضغوط نفسية معينة؛ فهي من الأمور المألوفة في الحياة، بل ولربما هي التي تجعلنا
نحاول أن نحسن من أدائنا، كما أنها تضيف نكهة خاصة للحياة التي نعيشها، هذا بجانب
أن الضغوط النفسية فقد باتت من الظواهر المصاحبة للمجتمعات الحديثة والمعاصرة،
وعلى وجه الخصوص في المدن.
فكلٌّ منا بحاجة إلى شيء من الضغط النفسي كي يحسن من أدائه الوظيفي،
فالإشعار النهائي هو الذي يدفعنا لدفع فواتيرنا في الوقت المحدد لها، والوقت