الفصل الأول
الفروق الفردية
يهتم علم النفس بدراسة الفروق بين الأفراد. وعلى الرغم من أن الفروق الفردية في السلوك، توجد بشكل منتظم في كل التجارب النفسية، وينظر إليها فيها على أنها مصادر للخطأ، ينبغي أن يتم ضبطها أو على ألأقل تحييد أثرها على المتغير الناتج، بغية الوصول إلى تعميمات تنطق على جميع الأفراد، فإن هذه الفروق تصبح في حد ذاتها هدفا وموضعا للدراسة في ميدان على النفس الفارق، أو ما يعرف بسيكولوجية الفروق الفردية.
ولا يهتم علم النفس الفارق بدارسة هذه الفروق، لمجرد الرغبة في فهم الإنسان فحسب، وإنما لأن المجتمع المعاصر قد بلغ درجة عالية من التعقيد، وتنوعت فيه التخصصات والأدوار التي ينبغي أن يقوم بها أفراده. ومن هنا نشأت مشكلة اكتشاف الأفراد، الذي يلائمون الأدوار والاحتياجات المختلفة التي يتطلبها المجتمع. وفي هذا ما يحقق الكفاية للمجتمع، والتوافق للفرد.
إننا نعرف من دراستنا لظاهرات النمو النفسي والدافعية والتعليم والإدراك والاتجاهات، وغير ذلك من الظاهرات النفسية، أن كل شخص يختلف عن الآخرين، لأن له خصائصه المميزة، ولأنه يمر بخبرات في المنزل، والمدارسة والمجتمع، لها خصائصها ومميزاتها، ومن ثم يكتسب عادات واتجاهات ومفاهيم تميزه عن غيره من الناس.
وعلم النفس الفارق يهتم بالإنسان كشخصية متفردة، تعتبر نتاجاً لهذه المؤثرات وكثير غيرها، ويهدف إلى معرفة: مال الذي يختلف فيه الأفراد، ومدى هذه الفروق، وكيف يمكن قياسها، فعلم النفس الفارق، باعتباره أحد الميادين الرئيسية لعلم النفس المعاصر، يتهم بالدراسة العلمية الموضوعية للفروق بين الأفراد، كما أنه يهتم بدراسة الفروق القائمة بين الجماعات والشعوب أيضاًًًًً.
وقد فطن الإنسان منذ بداية وعيه بوجوده إلى الفروق القائمة بين الأفراد، واهتم في مراحل تاريخية المختلفة، بملاحظة هذه الفروق ووصفها، وقد حاول في مراحل حياته البدائية تفسير هذه الاختلافات على أساس معارفه المحدودة، أو بردها إلى عوامل وأسباب خرافية، ومهما يكن فقد تقبل وجودها كحقيقة واقعة وتقدم لنا عناصر التراث الإنساني نماذج لشخصيات فردية متميزة، صورة في القصص أو اللوحات الفنية، كما نجد في كتابات الفلاسفة القدماء أمثال أفلاطون وأرسطو، إدراكا لمفاهيم الفروق الفردية، ودعوة إلى ضرورة مراعاتها في التربية، وفي توزيع الأدوار في المجتمع كما أن كثيراً من المفكرين العرب فطنوا إلى معنى الفروق الفردية وأهميتها في بناء المجتمع وقسموا الناس بالنسبة لأية صفة من الصفات إلى ثلاث مستويات: الأعلى، والأوسط، والأدنى.
إلا أن هذه الملاحظات لم تصبح علما له أصوله ومناهجه في الدراسة والتحليل، إلا حينما خضعت هذه الفروق للقياس الدقيق، ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر.
عمومية الفروق الفردية:
ولا تقتصر ظاهرة الفروقََُ الفردية على الجنس البشري، بل نستطيع أن نتبينها في الكائنات الحية، فطالما وجدت الحياة، وجدت الفروق الفردية، وإذا تتبعنا السلسلة الحيوانية، ابتداء من الكائنات البسيطة، وسرنا معها في ترقيها حتى نصل إلى الإنسان، لوجدنا أن الفروق الفردية ظاهرة عامة في جميع الكائنات الحية، صحيح أن لكل نوع من الكائنات الحية خصائصه المميزة، التي يشترك فيها أفراد النوع، بل لا بد من توافرها في كل فرد منه، ولكن في داخل هذه الحدود، لا نجد فردين يستجيبان بنفس الطريقة بالضبط للمثيرات التي يتعرضان لها. فلكل فرد من أفراد النوع الواحد، أساليبه الخاصة في التكيف مع البيئة المحيطة وظروفها المتغيرة.
وتكشف ملاحظاتنا المباشرة لسلوكك هذه الكائنات الحية عن الفروق بين أفرادها. فحينما نلاحظ سربا من الطيور أو قطيعا من الحيوانات، نجد أن بعض أفرادها يقومون بدور قيادي في تنقلاتها وأنشطتها المختلفة. بل نجد في بعض الأفراد، كما أن التجارب التي أجريت على حيوانات مختلفة مثل الفئران والقطط والكلاب والقرود وغيرها، أثبتت وجود فروق في قدراتها على حل المشكلات والتعلم ومستوى النشاط والدوافع، كالجنس والجوع والعطش، وأحوالهم الانفعالية كالخوف والعدوان وغيرها، فإذا ما انتقلنا إلى الإنسان وجدنا الفروق الفردية في أبرز صورها ومظاهرها.
فما هي النواحي أو الصفات التي يختلف فيها أفراد الجنس البشري
الفروق الفردية في الشخصية:
إن ما يهمنا في الدراسة السيكولوجية هي الشخصية الإنسانية فالشخصية الإنسانية هي نقطة البداية في جميع الدراسات النفسية، وهي في نفس الوقت تمثل الهدف الذي نهدف للوصول إلى فهمه. وسبيلنا إلى دراسة الشخصية هو نشاطها، أي ما تقوم به من أعمال، وما يصدر عنها من استجابات لغوية أو حركية. وقد تفرع علم النفس وتنوعت ميادينه كنتيجة حتمية لتعقد الشخصية،وتنوع المجالات التي تزاول فيها نشاطها، فالشخصية من حيث كائن اجتماعي، يعيش في جماعات متنوعة يتفاعل معها، ويؤثر فيه، وله اتجاهاته وقيمه، يدرسها علم النفس الاجتماعي والشخصية من حيث هي عامل في مصنع، يتعامل مع آلة أو جهاز، يتكيف لظروفها يطرأ على نشاطها وخصائصها وإمكانيتها من تغيرات مع تقدمها في السن هي موضوع دراسات النمو والشخصية من حيث هي كائن ينمو ويتعلم ويكتسب من الخبرات والمهارات ما يراه المجتمع ضرورياً، يتناولها علم النفس التربوي هكذا نجد أن فروع علم النفس تتفرع وتتعدد نتيجة لتنوع المجالات التي تزاول فيها الشخصية نشاطها.
وتمتد الفروق الفردية لتشمل جميع جوانب النشاط الذي يصدر عن الشخصية فما هو المقصود بالشخصية؟ وما هي أهم النواحي أو الجوانب التي يختلف فيها الأفراد.
نحن نقصد بالشخصية نظاما متكاملا من السمات الجسمية والنفسية، الثابته نسبياً والتي تميز الفرد عن غيره، وتحدد أساليب نشاطه وتفاعله مع البيئة الخارجية، المادية والاجتماعية وقد أثار تفرد الشخصية مشكلة إمكان دراستها دراسة علمية فقد وجدت وجهة نظر ترى أن تفرد الشخصية وغناها يجعل من المستحيل دراستها دراسة علمية موضوعية بهدف الكشف عن القوانين العامة التي تنطبق على جميع الأفراد لهذا يرى هؤلاء أنه ينبغي أن يتولى وصف الشخصية الفنانون لا العلماء، فهم يستطيعون تصويرها في تفردها وتميزها، وأوضح أن تقبل وجهة النظر هذه يعني استبعاد سيكولوجية الشخصية من الدراسة العلمية.
والواقع أن مشكلة التفرد في الشخصية ليست أصعب من مشكلة التفرد البيولوجي. فحينما يتفاعل عدد كبير جداً من المتغيرات المستقلة، الوراثية والبيئية في إحداث أثر معين فإن النتيجة الحتمية هي التفرد، مثال هذا التفرد يوجد في بصمات الأصابع ومع ذلك فهذا لا يمنع من تصنيفها ودراستها. ونحن في دراستنا للشخصية نتناولها من زوايا أو جوانب مختلفة نقوم بتحليلها إلى مجموعة من الصفات أو السمات، هذه السمات ما هي إلا عبارة عن تجريدات أو أوصاف نصف بها سلوك الفرد فالسمة- كما يعرفها بعض العلماء-هي طريقة السلوك، متميزة وثابتة نسبياً يختلف فيها الشخص عن الآخرين.
على أن النواحي التي يختلف فيها الناس كثيرة ومتعددة بحيث لا يمكن حصرها، إلا أنه بالبحث الإحصائي الموضوعي، تبين أن الفروق بين الأفراد تميل لأن ترتبط فيها بينها بشكل يجعل من الممكن تحديد أبعاد أو سمات أكثر عمومية. ويمكن تصنيف هذه السمات في مجموعتين رئيسيتين :
أولا: مجموعة الصفات الجسمية، وهي تلك التي تتعلق بالنمو الجسمي العام والصحة العامة ويمكن أن نميز فيها بين السمات العامة مثل الصحة العامة، وبين الصفات الخاصة، مثل الطول والوزن أو بعض العاهات الجسمية.
ثانياً: مجموعة الصفات التي تتعلق بالتنظيم النفسي في الشخصية وهي ما يهمنا في دراسة الفروق الفردية والتنظيم النفسي عبارة عن نظام متكامل من السمات النفسية، التي تميز الفرد في تفاعله مع مواقف الحياة. والتي تحدد أهدافه، وتميز سلوكه في تكيفه وتوافقه مع الظروف المادية والاجتماعية كما تحدد أساليب تعامله مع الناس المحيطين به.
ويميز العلماء في التكوين النفسي للشخصية بين تنظيمين رئيسيين:
أولها: يعرف بالتنظيم العقلي، وهو ما يتعلق بإدراك الفرد للعالم الخارجي وفهم موضوعاته وإدراك ما بينها من تشابه أو اختلاف أو تضاد، وقدراته على حل المشكلات التي تواجهه.
وثانيهما: يعرف بالتنظيم الانفعالي وهو ما تجتمع وتنتظم فيه كل أساليب النشاط الانفعالي، وهي تلك التي تعتبر عن دوافع الفرد وميوله واتجاهاته وتميز طريقة مواجهته للمواقف المختلفة.
وقد يكون في تصنيف كرونباك لمظاهر الفروق الفردية ما يعطي توضيحا أكثر لهذا التمييز بين التنظيمين العقلي والانفعالي، إذ يميز كرونباك بين نوعين من الأداء (ويقصد بالأداء ما يلاحظ ويقاس من نشاط الفرد): أداء أقصى، وأداء مميز، ويقصد بالأداء الأقصى ذلك النشاط الذي يصدر عن الفرد حينما يحاول أن يقوم بأفضل أداء ممكن أي أنه يبذل أقصى ما يستطيع من جهد، مستخدماً كل ما لديه من إمكانات ومهارات في حل المشكلة التي تواجهه. ومثال ذلك إجابة الطالب في الامتحان، أو حله لمشكلة عقلية. أما الأداء المميز فيقصد به ما يؤديه الفرد بالفعل وطريقة أدائه له، وأسباب ذلك. ولذلك فهو يكشف لنا عن دوافع الفرد وميوله وسماته الانفعالية المختلفة.. ونحن عندما نهتم بدراسة التنظيم العقلي لدى الفرد يكون السؤال الأساسي الذي نحاول الإجابة عليه هو: ماذا يستطيع هذا الفرد أن يفعله؟ ما هي استعداداته وقدراته؟ أما عندما نهتم بالتنظيم الانفعالي، فإننا نحاول الإجابة عن مثل هذه الأسئلة: لماذا يسلك بهذه الطريق؟ أو ما درجة ثقته في نفسه؟ إلى غير ذلك.
وتوجد الفروق الفردية في جميع السمات الجسمية والنفسية للشخصية. فلو أخذنا سمة الطول مثلا، وجدنا أن نبين الناس الطويل جداً، والتطويل، ومتوسط الطول، والقصير جداً، وكذلك الحال في الذكاء وهو سمة عقلية، نجد من الناس من هو ذكي جداً، ومتوسطة الذكاء، ومن هو أقل من المتوسط، والغبي.
ويختلف الناس كذلك في سماتهم الانفعالية، فلو أخذنا سمة أو بعداً، مثل بعد الانطواء- الانبساط_ لوجدنا بين الناس ومن هو منطوي منعزل دائماً، ومن منبسط اجتماعي، وبين هذين الطرفين توجد درجات متفاوتة من هذه السمة.
أنواع الفروق الفردية:
ميز العلماء بين نوعين من الفروق الفردية: فروق في النوع وفروق في الدرجة. فالفرق في النوع يوجد بين الصفات المختلفة، فاختلاف الطول عن الوزن، فرق في نوع الصفة، ولهذا لا يمكن المقارنة بينهما لعدم وجود وحدة قياس مشتركة بين الصفتين فالطول يقاس بالأمتار أو السنتيمترات، أما الوزن فيقاس بالكيلو جرام أو بالجرام.
كذلك الحال في الصفات النفسية: فالفرق بين الذكاء والاتزان الانفعالي، هو فرق في نوع الصفة، ولا يمكن المقارنة بين ذكاء فرد واتزان آخر، لأنه لا يوجد وحدة قياس واحدة مشتركة والفروق بين الأفراد في أية صفة واحدة، هي فروق في الدرجة وليست في النوع، فالفروق بين الطويل والقصير هو فروق في الدرجة، ذلك لأنه توجد درجات متفاوتة من الطول والقصر، ويمكن المقارنة بينهما باستخدام مقياس واحد.
كذلك الحال في سمة عقلية مثل الذكاء الفرق بين العبقري وضعيف العقل فرق في الدرجة، وليس فرقاً في النوع، لأنه لا توجد درجات متفاوتة بينهما، ولأنهما يقاسان بمقياس واحد، ولذلك كان التقسيم الثنائي لبعض الصفات تقسيماً غير علمي، لأنه قائم على تصور أن الفروق بين الأفراد في الصفة فروق في النوع،أو أنه يقوم على تصور أن الصفة المدروسة تمثل كميات منفصلة. والواقع أننا نستطيع تتبع أي صفة في درجاتها المختلفة عند الأفراد، أي نستطيع أن نتتبعها في مستوياتها المتدرجة المختلفة من أدناها إلى أقصاها.
مظاهر الفردية:
يميز العلماء بين مظهرين رئيسين للفروق الفردية:
الفروق داخل الفرد، وهو أن الفرد الواحد لا تتساوى فيه جميع القدرات. فلو قسمنا السمات العقلية المختلفة لدى الفرد ما وجدناها على درجة واحدة أو مستوى واحد، فقد يكون مستوى القدرة اللغوية متوسطاً، بينما يكون ممتازاً في القدرة العددية، وضعيفاً في القدرة الميكانيكية كذلك الحال فيما يتعلق بالسمات الانفعالية المختلفة هذا باٌلإضافة إلى أن هناك تغيرات تطرأ على سمات الفرد المختلفة مع مرور الوقت. وهذه التغيرات تجعله يختلف عن نفسه من مرحلة لأخرى في مختلف السمات النفسية. فلو قسنا قدرات الفرد العقلية وهو في العاشرة مثلاً، وجدناها تختلف عن قدراته وهو في الخامسة عشر. والاختلاف في الدرجة أيضاً.
الفروق بين الأفراد: وهي تلك الاختلافات التي نلاحظها بين الأفراد في مختلف السمات الانفعالية والعقلية، وهي فروق في الدرجة لا في النوع.
تعريف الفروق الفردية:
تعرف الفروق الفردية، بأنها الانحرافات الفردية عن متوسط المجموعة وقد يكون مدى هذه الفروق كبيراً وقد يكون صغيراً.
الخصائص العامة للفروق الفردية:
1- مدى الفروق الفردية:
يعرف مدى الفروق الفردية في معناه العام بأنه الفرق بين أقل درجة وأعلى درجة في توزيع أي صفة من الصفات والمدى هو أبسط مقاييس التباين في علم الإحصاء، و يمكن القول- بصفة عامة- أن أكبر تشتت للفروق الفردية( أي أكبر مدى لها) يوجد في سمات الشخصية الانفعالية، وتليها الفروق في السمات العقلية المعرفية، وأقل مدى يوجد في الفروق في الصفات الجسمية.
2- درجة ثبات الفروق الفردية.
تخضع الفروق الفردية للتغير مع مرور الوقت وخاصة أثناء مراحل النمو، على أن مقدار التغير في الفروق الفردية ليس على درجة واحدة في مختلف صفات الشخصية.
إذ تشير نتائج البحوث إلى أن درجة ثبات الفروق الفردية في الصفات العقلية، أكبر من درجة ثبات الفروق في السمات الانفعالية. وقد يرجع هذا إلى عاملين: أولها، أن مدى التشتت في السمات الانفعالية أكبر منه في الصفات العقلية المعرفية- كما أشرنا سابقاً- مما يجعل فرصة التغير في الفروق الانفعالية أكبر.
وثانيهما أنه من المحتمل أن تكون الصفات الانفعالية أكثر تأثراً بالعوامل الثقافية البيئية من الصفات العقلية.
3- التنظيم الهرمي للفروق:
تؤكد نتائج الدراسات الإحصائية في مجال الفروق الفردية في الصفات النفسية المختلفة، وجود تنظيم هرمي لنتائج قياس تلك الفروق. في قمة الهرم توجد أعم صفة. تليها صفات أقل عموميتها، وفي قاعدة الهرم نجد الصفات الخاصة، التي لا تكاد تتجاوز الموقف الذي تظهر فيه.
ففي الصفات العقلية المعرفية، نجد أن الذكاء، وهو القدرة العقلية العامة أو أعم الصفات العقلية يقع في قمة التنظيم الهرمي، تليه القدرات العقلية الكبرى التي تقسم النشاط العقلي المعرفي إلى قدرات لفظية تعليمية وقدرات عملية ميكانيكية والقدرة الكتابية، ثم مستوى القدرات الطائفية الأولية فالقدرات الطائفية البسيطة وأخيراً في قاعدة الهرم توجد القدرات الخاصة.
ويوجد نفس التنظيم الهرمي في الصفات الانفعالية أيضاً. فنجد في قمة الهرم الانفعالية العامة. ثم تليها الصفات الانفعالية التي تقل في عموميتها ويزداد عددها حتى نصل إلى الاستجابات الانفعالية الخاصة بكل موقف على حدة في قاعدة الهرم.
توزيع الفروق الفردية:
إذا كانت الفروق بين الأفراد في كل سمة من السمات فروقاُ في الدرجة لا في النوع.
- فكيف تتوزع درجات الناس في كل سمة من هذه السمات؟
- هل يتجمع الأفراد عند نقط معينة على طول مدى السمة؟
أو يتوزعون بشكل منتظم على هذا المدى؟
تتبع الفروق في السمات المختلفة توزيعاً محدداً بين الأفراد. ويتلخص هذا التوزيع في أن أكثر المستويات انتشاراً، هو المستوى المتوسط من درجات السمة التي نقيسها بينما يقل عدد الحالات كلما اتجهنا نحو المستوى الممتاز أو المستوى الضعيف.
ويمكن أن يتضح ذلك إذا ما استمعنا بجداول التوزيعات التكرارية والرسوم البيانية التي تلخص هذه التوزيعات. فمن المعروف أن التوزيع التكراري وسيلة لتخليص البيانات الكمية وتنظيمها حتى يسهل فهمها واكتشاف الاتجاهات الدالة فيها. فهدف التوزيع التكراري ترتيب البيانات وتقسيمها تقسيما ييسر إدارك ما بينها من علاقات. ويقوم الباحث في عمل التوزيع التكراري بتجميع البيانات في جدول.
بحيث يضم القيم المتجاورة في فئة واحد تنفصل عن غيرها من الفئات ويمكن إبراز الصورة العامة للتوزيع التكراري، إذا ما تم تمثيل البيانات في رسم بياني فذلك يساعد على زيادة الوضوح والمقارنة السريعة. ويمكن أن يستخدم في ذلك أحد الرسوم البيانية الشائعة، مثل المضلع التكراري أو المنحنى التكراري، فإذا قمنا بقياس سمة من السمات عند عدد كبير جداً من الأفراد على أن يتم هذا بصورة موضوعية تماماً. بحيث تخلو نتائج القياس من أي عوامل ذاتية. وتم تجميع البيانات في جدول تكراري. وتحويلها إلى منحنى تكراري، فإن المحنى يتخذ شكلاً معيناً يطلق عليه اسم المنحنى ألاعتدالي.
يتضح من المنحنى أن العدد الأكبر من الأفراد يتجمع عند المستوى المتوسط بينما يقل العدد تدريجياً كلما اتجهنا نحو الطرفين ويلاحظ على المنحنى أنه لا توجد به أية ثغرات أو أجزاء منفصلة وهو متماثل الطرفين، بحيث لو أننا أسقطنا عموداً من قمته إلى المحور الأفقي، فإنه يقسمه على نصفين متطابقين تماماً.
على أن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن فعل الصدفة هو المسئول عن توزيع السمات الإنسانية، وإنما يعني أن هناك عدد كبيراً من العوامل المتشابكة المستقلة لا نعرف بالضبط تأثيرها. فوزن الشخص أو طوله أو أداؤه على اختبار للذكاء يعتمد على عدد كبير جداً من العوامل المستقلة المختلفة.
كما يحدث بالضبط أثناء إلقاء العملة إذ يؤثر في النتيجة النهائية عدد كبير من العوامل مثل الارتفاع الذي تلقى منه قطعة العملة ووزنها وحجمها، وثنية اليد المستخدمة وعدد كبير من العوامل ألأخرى.
العوامل التي تؤثر في شكل المنحنى:
على أنه في قياس السمات النفسية المختلفة قد نحصل من وقت لأخر على منحنى يبتعد كثيراً عن المنحنى ألاعتدالي. فقد نحصل مثلاً على توزيع ملتو skewed وهو توزيع تنحرف فيه قمة المنحنى إلى أحد الجانبين، ومثل هذا التوزيع لا يكون متماثل الطرفين كما هو الحال في المنحنى الاعتدالي، وقد نحصل على التوزيع المستطيل أو على توزيع ذي قمم متعددة ويرجع ذلك على بعض العوامل مثل العينة، أو أداة القياس المستخدمة أو بعض الظروف العارضة.
فبالتحكم في اختيار العينة، يمكن الحصول على أي نمط يمكت تصوره من التوزيعات التكرارية وقد يحدث التواء في المنحنى أو وجود قمتين له نتيجة لبعض الخصائص الموجودة في العينة، والتي لا يعرفها الباحث فقد يحصل على منحنى متعدد القمم، إذا كانت العينة لم تختر بطريقة عشوائية من المجتمع الأصل، بل كانت تتكون من أفراد اختيروا من مستويات مختلفة، ثم ضمنوا في مجموعة واحدة. فلو قسنا ذكاء مجموعتين من التلاميذ أحدهما في سن العاشرة والأخر في سن الخامسة عشر فإننا نحصل في الأغلب على توزيع ذي قمتين، كذلك الحال بالنسبة للسمات الأخرى.
وإذا أدمجنا مجموعتين موزعتين كل منهما على حدة توزيعاً اعتدالياً في توزيع واحد فإننا قد نحصل على توزيع ملتو إذا كان متوسطهما والتباين داخلهما مختلفين بشكل ملحوظ. وقد نحصل على توزيع مدبب، إذا كان حجم العينة صغيراً وكان التجانس بين أفرادها كبيراً ولهذا ينصح دائما باستخدام عينات كبيرة الحج، غذ كلما زاد حجم العينة كلما اقترب التوزيع من الاعتدال.
وتؤثر أداة القياس أيضا في التوزيع الناتج، ويبدو هذا واضحاً في الحالات التي يتركز فيها مدى صعوبة أسئلة الاختبارات على المستويات العليا أو الدنيا، أو إذا طبقنا اختبارا على مجموعة لا يناسبها، فإذا كان لدينا اختبار للذكاء أعد بحيث يناسب تلاميذ المرحلة الإعدادية، وطبقناه على طلبة الجامعة مثلا، فإن الغالبية العظمى من الطلاب سيحصلون على درجات عالية جداً، كما سيكون عدد الحاصلين على درجات منخفضة قليلا جداً، ومعنى هذا أن المنحنى الناتج سيكون ملتويا التواء سالبا أي قمته ستنحرف في جانب الدرجات العليا. وبالعكس صحيح إذا طبقنا نفس الاختبار على تلاميذ المدرسة الابتدائية إذا سيكون التوزيع الناتج ملتويا إلتواء موجباً، أب نحو الدرجات المنخفضه، وقد بحصل على توزيع شديد الالتواء أو ذي قمتين نتيجة لعدم تساوي وحدات الاختبار المستخدم. ومهما يكون الأمر، فإن الالتواء في هذه الحالات يكون صناعياً، نتيجة لعيوب في أداة القياس نفسها.
وقد تؤدي بعض الظروف المرضية إلى حدوث التواء في التوزيع خاصة، إذا أدت مثل هذه الظروف إلى الإخلال بالتوازن في تفاعل العوامل المختلفة المتعددة التي تؤثر في السمة المقيسة. فقد تؤدي ظروف مرضية ما في مجتمع سكاني معين إلى زيادة نسبة ضعاف العقول، ومن ثم ينتج توزيع ملتو للذكاء الأفراد.
كما أن القيود التي يفرضها المجتمع على أنشطة أفراده، تنتج توزيعها مختلفا يشبه حرف L ، ذلك أن الغالبية العظمى من الأفراد يطبقون القواعد التي يفرضها المجتمع على سلوكهم بينما يخالف تلك القواعد قلة من الأفراد فقط. وخير مثال لذلك اتباع سائقي السيارات والمشاة لتعليمات وإشارات المرور أما لو تصورنا تقاطعا للشوارع لا توجد فيه إشارات مرور، فإننا نجد أن سلوك السائقين يقترب من التوزيع الاعتدالي، إذ نجد أن قليلا ججاً منهم يتوقفون عند التقاطع ويبدون درجة عالية من الحذر، بينما الغالبية تبطئ نوعا ما، وتبدي قدراً متوسطاً من الحذر. وقليل منهم تسير بنفس السرعة غير مبدية إلا قليلا جداً من الحذر. وينطبق نفس الوضع على معظم أنواع السلوك التي يحددها المجتمع، ويفرض عليها نوعاً من القيود أو التنظيم.
وينبغي أن نشير إلى أن المنحنى الاعتدالي منحنى تجريبياً. بمعنى أننا نحصل عليه من قياسنا للظاهرات النفسية. وإنما نحن نستخدمه في عملية إعداد الاختبارات النفسية. إذ حينما نقوم بوضع اختبار ما ونطبقه على عدد كبير من الأفراد عن الاعتدال فإننا نقوم بتعديل الاختبار كأن نزيد من عدد مفرداته أو تغير فيها، ا, نحذف بعضها. ونحن نستند في اتخاذنا للتوزيع الاعتدالي أساساً في الحكم على العوامل التي تحدد درجة الفرد في السمة وتعقيدها. كما يدعم هذا الافتراض أن السمات الجسمية التي نقيسها بمقاييس مادية متساوية الوحدات تخضع لنفس هذا التوزيع.
خلاصة الفصل:
يختلف الافراد في صفاتهم المتعددة على الرغم من اشتراكهم في خصائص عامة ويهتم علم النفس الفارق بدراسة هذه الفروق وأساليب قياسها.
وظاهرة الفروق الفردية ليست قاصرة على الإنسان فهي موجودة في جميع الكائنات الحية.
والجوانب التي يختلف فيها أفراد الجنس البشري متعددة فالفروق موجودة في جميع جوانب الشخصية الإنسانية.
ويهتم علم النفس الفارق بدراسة الفروق في التكوين النفسي للشخصية وفيه يميز العلماء بين مجموعتين من الصفات:
الصفات التي تتعلق بالتنظيم العقلي.
الصفات التي تتعلق بالتنظيم الانفعالي.
ويميز العلماء بين نوعين من الفروق:
فروق في النوع وفروق في الدرجة
فالفروق في النوع يوجد بين الصفات المختلفة، أما الفروق في الدرجة، فهو ما نلاحظه من اختلافات بين الأفراد في الصفة الواحدة، وهذا النوع الأخير هو موضوع الدراسة في سيكولوجية الفروق الفردية.
وللفروق الفردية مظهران: فروق داخل الفرد أو بين الفرد ونفسه وفروق بين ألأفراد.
تعرف الفروق الفردية بأنها الانحرافات الفردية عن متوسط الجماعة فالفرد يتحدد مستواه في أية صفة، عن طريق مقارنته بمتوسط المجموعة التي ينتمي إليها.
وتوصف الفروق الفردية بخصائص ثلاث: المدى، وهو درجة تشتت الأفراد بالنسبة للصفة المقيسة. كما توصف الفروق من ناحية درجة ثباتها. وأخيرا تنتظم أقل عمومية واتساعاً.
وتتبع الفروق الفردية المنحنى الاعتدالي في توزيعها، حيث نجد أن أكثر المستويات انتشارا هو المستوى المتوسط من درجات السمة، بينما يقل عدد الحالات كلما اتجهنا نحو المستويات العليا أو الدنيا.
وقد يختلف شكل المنحنى الذي نحصل عليه أو قد يبتعد عن الاعتدال، نتيجة لعوامل معينة، منها طبيعة العينة التي استمدت منها البيانات وكيفية اختيارها وكذلك أداة القياس المستخدمة وبعض الظروف العارضة.
الفصل الثاني
الوراثة والبيئة
مقدمة:
إذا كان الافراد يختلفون في سماتهم الجسمية والنفسية فما هي العوامل التي تؤدي الى هذا الاختلاف؟
أثار هذا السؤال مناقشات نظرية وفلسفية طويلة. ذلك ان الاجابة عليها ذات اهمية مزدوجة فهي أولا تساعدنا على فهم السلوك الانساني, وطبيعة الفروق بين الأفراد وأسبابها, وهي ثانيا تمكن المربين والمعلمين من توجيه التربية الوجهة السليمة.
وقد كانت القضية الاساسية, التي تركز حولها التفكير النظري والفلسفي حقبة طويلة من الزمن, تتعلق بالإجابة على السؤال: ما هو الاكثر أهمية في تحديد الفروق بين الافراد: الوراثة ام البيئة؟ وقد انقسم العلماء في الاجابة عليه الى فريقين: فريق دعاة البيئة, ويطلق عليهم البيئيون, وفريق دعاة الوراثة. وقد وصف الفريق الاول في بعض المؤلفات بأنهم تقدميون , ذلك أنهم باعتقادهم ان البيئة هي المحدد الاساسي للفروق بين الافراد , يرون ان وظيفة التربية الاساسية ان تنتج في الافراد السمات المرغوب فيها من المجتمع, ويرجعون كل تخلف او انحراف في سلوك الافراد الى قصور او عجز في النظام التعليمي و الاجتماعي الذي نشأوا فيه, فهم يؤكدون مبدأ المساواة بين الناس فيما لديهم من إمكانيات, اذا ما أتيحت لهم فرص متكافئة لتنميتها.
اما دعاة الوراثة فيعتقدون ان العامل الاساسي في تحديد الفروق الفردية هو الوراثة. ذلك ان هذه الفروق حقائق بيولوجية لا يمكن تجاهلها , وانتقال الخصائص الوراثية من الوالدين الى الابناء امر مؤكد, ومن ثم فإن وظيفة التربية الاساسية, أن تتيح الفرصة للطفل لنمو إمكانياته . كما ان النظام التعليمي يجب ان يقوم على الاقل في مراحله العالية على انتقاء التلاميذ الذين تتوافر لديهم بحكم الوراثة مواهب عقلية خاصة.
والواقع ان العلماء يدركون اليوم ان طرح المشكلة في صورة تقابل بين الوراثة والبيئة امر خاطئ ذلك ان الانسان شأنه شأن أي كائن حي, يحمل خواص سلالته, تنتقل اليه عبر الاجيال بواسطة الوراثة, فتؤثر في سلوكه, ولكنه في نفس الوقت يعيش في مجتمع له معالمه ومميزاته المحددة, ومن ثم فهو يخضع لتأثير البيئة, ويتأثر بما فيها. وباستثناء بعض الخصائص الجسمية القليلة جدا, مثل لون العينين, الذي يعتمد على اساس وراثي فقط, فإن كل السمات الانسانية التي يختلف فيها الافراد تعتبر نتاجا لتفاعل المؤثرات الوراثية والبيئية.
ولهذا فقد تحول السؤال من محاولة تحديد الاثر النسبي لكل من الوراثة والبيئة في تكوين السمات النفسية, الى محاولة معرفة, إلى أي حد تخضع السمه النفسية المعينة للتغير, وفي ظل أي الظروف يمكننا ان نتوقع حدوث هذا التغير.
وقد كان من التصورات الخاطئة الشاعة في هذا المجال, اعتقاد ان الخصائص الوراثية ثابتة ولا تقبل التغيير, وان الصفات المتكونة بفضل البيئة يمكن تغييرها دائما. اذ ثبت من الدراسات ان كثيراً من الصفات الوراثية يمكن تغييرها بدرجة كبيرة, كما ان بعض السمات المكتسبة يصعب في كثير من الاحيان تغييرها. فبعض الافراد الذين يرثون قابلية للإصابة بمرض معين, قد يتجهون الى الرياضة ويكونون أجساماً قوية لا يكون فيها للإصابة بالمرض موطئ قدم. ومن ناحية أخرى, ثبت من الدراسات ان بعض التلاميذ الذين يعانون من انخفاض في القدرة اللفظية يظلون يعانون من انخفاض هذه القدرة في مرحلة الرشد, على الرغم من ان هذا التخلف يرجع الى قصور في التربية أثناء الطفولة, أكثر من أن يكون راجعا الى نقص فطري في الذكاء اللفظي. ويرى العلماء ان معظم الصفات النفسية يمكن ان تخضع للتغير طالما ان الانسان يتمتع بقدرة عالية على التعلم.
ومن هنا , فإن السؤال عن أثر البيئة في إحداث الفروق الفردية قسم بواسطة الباحثين الى عدد من الاسئلة الضيقة مثل: ما هو مقدار الفرق الذي يمكن ان نتوقع حدوثة كنتيجة لإحداث تغيير معين في البيئة؟ ماهي السمات النفسية التي تتأثر أكثر من غيرها بتغير البيئة؟ أي جوانب البيئة أكثر تأثيراً في الانسان؟ ما هو مقدار الفرق الذي تحدثه خبرات ما قبل المدرسة في النمو العقلي للطفل, وفي خصائصه الانفعالية والاجتماعية؟ ما هو أثر الحرمان الثقافي في الطفولة على نمو الانسان؟ في أي مرحلة من مراحل النمو يكون هذا التأثير أكبر؟
هذا الانتقال من المشكلات العامة الى الخاصة, هو أبرز سمة للبحوث المعاصرة, في أثار البيئة والوراثة, ولا يتسع المقام لعرض تفصيلي لهذه الدراسات, وإنما سنحاول ان نعرض بعض الدراسات العريضة, التي حاولت إثبات اثار الوراثة والبيئة في السمات النفسية.
على أنه قبل ان نعرض لهذه البحوث نقوم بتعريف مختصر لكل من الوراثة والبيئة.
معنى الوراثة:
تتكون وراثة الفرد اساساُ من المورثات النوعية, التي يتلقاها من كل من والديه عند الحمل. فالفرد يبدأ حياته باتحاد خليتين: خليه من كل الابوين, ومن هذا الاتحاد تنشأ البويضة الملقحة. وتحتوي كل خلية على مئات الالاف من جزئيات دقيقة جداً تسمى بالمورثات, وهي المسئولة عن انتقال الصفات الوراثية من الاب والام والاجيال السابقة الى الفرد.
معنى البيئة:
ليس المقصود بالبيئة, البيئة الجغرافية أو مكان السكن, وانما يقصد بها البيئة السيكولوجية, وهي مجموع المثيرات التي يتعرض لها الفرد طوال حياته, أي من بدء وجوده في الحم كبويضة مخصبة, حيث بداية الحياة, حتى مماته.
ولا يبدأ مفعول البيئة بعد الولادة فقط , وانما يبدأ تأثيرها مع بدء وجود الجنين في الرحم, فقد ثبت أهمية البيئة قبل الولادة في تحديد نمو الفرد. فأساليب التغذية وأنواعها ونظامها والشروط الفيزيقية والنفسية للأم , تحدث تأثيرات على نمو الجنين وحياته فيما بعد.
دراسة التوائم:
تعتبر دراسة التوائم من أهم الطرق التي استخدمت لدراسة أثر البيئة والوراثة في تحديد مستويات الافراد وسماتهم الانفعالية وغيرها. فالتوائم المتماثلة تقدم لنا الفرصة الوحيدة, التي يمكن ان ندرس فيها فردين لهما تكوين ورثي متماثل تماما. فالتوائم المتماثلة تنتج من بويضة واحدة ملقحه, تنقسم الى جزأين عند الانقسام الاول للخلية. وبذلك يكون للتوأمين نفس التركيبة من الجينات, أي أنهما يتماثلان في جميع صفاتهما الوراثية. اما التوائم غير المتماثلة فهي تنشأ من بويضتين اثنتين ملقحتين.
ودرجة التشابه في خصائصهما الوراثية لا تختلف عن درجة التشابه بين الاشقاء العاديين. وتعرف التوائم المتماثلة, عن طريق اجراء بعض الاختبارات العلمية على عدد من الخصائص الفيزيقية التي تتحدد بالوراثة، مثل فصيلة الدم، وبصمات الأصابع، وتركيب الشعر والجلد، ولون العينين.
وفي دراسة أثر الوراثة والبيئة، استخدمت أنماط متعددة من البحث على التوائم، ويختلف البحث باختلاف المشكلة التي يواجهها الباحث. فإذا كان الباحث يهدف إلى الكشف عن أثر، فإنه يعمل على تثبيت عامل الوراثة، ويتم ذلك عن طريق مقارنة توأمين متماثلين ثم فصلهما بعد الولادة، حيث نشأ في بيئتين مختلفتين. أما إذا كان هدف الباحث معرفة أثر الوراثة، فإنه يدرس فردين، يختلفان في صفاتهما الوراثية، ولكنها يعيشان في بيئة واحدة. وهنا تتم المقارنة بينهما وبين التوائم المتماثلة التي ربيت معا، وبذلك يمكن رد الفرق الذي يوجد في درجة التشابه إلى أثر الوراثة. وسنعرض فيما يلي أمثلة لبعض هذه الدراسات.
قام نيومان وفريمان وهولزنجر (1937) بدراسة شاملة على 19 زوجاً من التوائم المتماثلة، التي ربيت في بيئات مختلفة، ويوضح الجدول رقم (1) متوسط الفروق التي وجدت بين كل زوج من التوائم المتماثلة، مقارناً بمتوسط الفروق التي وجدت بين التوائم غير المتماثلة.
جدول رقم (1) متوسط الفروق بين التوائم
الصفة التوائم غير المتماثلة توائم متماثلة ربيت معا توائم متماثلة ربيت في بيئات مختلفة
الطول بالسنتيمتر 4.4 1.7 1.8
الوزن بالرطل 10.0 4.1 9.9
نسبة الذكاء 9.9 5.9 8.2
ويوضح الجدول رقم (2) معاملات الارتباط بالنسبة لهذه الصفات.
جدول رقم (2) معاملات الارتباط بين التوائم
الصفة التوائم غير متماثلة توائم متماثلة ربيت معا توائم متماثلة ربيت في بيئات مختلفة
الطول 0.65 0.92 0.97
الوزن 0.63 0.92 0.79
نسبة 0.63 0.88 0.77
ويتضح من الجدولين السابقين، أن الفروق البيئية ليس لها أثر كبير على الصفات المختلفة، وأن أقلها تأثراً بالبيئة والوزن، بينما أكثرها الذكاء. إلا أن مدى هذا التأثير لازال ضئيلاً.
إلا انه بدراسة الفروق بين كل زوج من التوائم على حدة, وجدت فروق كبيرة في نسبة الذكاء في بعض الحالات.
ومهما يكن فإننا يمكن ان نخرج بنتيجتين أساسيتين من البحث على التوائم وهما:
1- ان الفروق الكبيرة في ظروف البيئة, وظروف التنشئة والتربية يمكن ان تنتج فروقاً جوهرية في الذكاء.
2- ان الفروق العقلية التي نلاحظها في المجتمع ككل , أكبر من ان تفسر على أساس الفروق البيئية وحدها.
دراسة الاطفال في بيوت التبني والمؤسسات:
لما كانت حالات التوائم المتماثلة, وخاصة التي تم فصلها في الطفولة المبكرة, نادرة نسبياً, لجأ العلماء الى الحصول على بيانات إضافية عن أثر البيئة, من أنماط أخرى من الدراسات. وقد أجريت مجموعة من البحوث لمعرفة, ماذا يحدث للأطفال الذين يتبنون في منازل جيدة.
والنتيجة المنطقية التي يمكن استخلاصها من هذه الدراسات, ان المنزل الجيد يمكن ان يؤدي الى تحسن ملحوظ في ذكاء الاطفال, ولكنه لا يمكن ان يوصلهم الى مستوى الافراد الذين يتمتعون بوراثة جيدة وبيئة جيدة أيضاً.
بعض الاثار البيئية المحددة:
حاول العلماء دراسة العلاقة بين بعض المتغيرات البيئية المحددة وبين الذكاء ومن هذه الدراسات تلك المحاولات التي اجريت بهدف الكشف عن العلاقة بين المستوى الاقتصادي – الاجتماعي للاسرة وبين ذكاء الطفل , وقد استخدم العلماء في تقدير المستوى الاقتصادي- الاجتماعي , مقياسا يعطي وزنا اكبر لمهنة الوالدين ودخل الاسرة وبعض النواحي الاخرى مثل المميزات الثقافية للمنزل.
كما درست بعض المتغيرات البيئية الاخرى المحددة في علاقتها بالذكاء مثل الاتجاهات والقيم السائدة في الاسرة
مهن الوالدين :
من أشهر الدراسات التي أجريت في هذا الموضوع بحث طومسون ود تناول فيه اكثر من 100 فئة مهنية وكانت النتائج التي توصل اليها فيما يتعلق بمتوسطات نسب ذكاء الاطفال بعض هذه المهن كما يأتي:
رجال الدين 121
المهنيون 112
رجال التجارة والأعمال 110-105
العمال الصناعيون 103-100
العمال المهرة والزراعيون 98-96
العمال غير المهرة 91
مستوى تعليم الآباء :-
كذلك اهتمت بعض الدراسات ببحث العلاقة بين مستوى تعليم الوالدين وذكاء الأطفال , ومن هذه الدراسات ما قامت به بيلي من دراسة العلاقات بين مستوى التعليم الرسمي الذي تلقاه الآباء . وبين ذكاء أطفالهم , وقد تبين من هذه الدراسة وجود ارتباط مرتفع بين مستوى تعليم الآباء وذكاء الأبناء وخاصة بعد سن 5 سنوات .
المستوى الاقتصادي الاجتماعي :-
الفروق الفردية
يهتم علم النفس بدراسة الفروق بين الأفراد. وعلى الرغم من أن الفروق الفردية في السلوك، توجد بشكل منتظم في كل التجارب النفسية، وينظر إليها فيها على أنها مصادر للخطأ، ينبغي أن يتم ضبطها أو على ألأقل تحييد أثرها على المتغير الناتج، بغية الوصول إلى تعميمات تنطق على جميع الأفراد، فإن هذه الفروق تصبح في حد ذاتها هدفا وموضعا للدراسة في ميدان على النفس الفارق، أو ما يعرف بسيكولوجية الفروق الفردية.
ولا يهتم علم النفس الفارق بدارسة هذه الفروق، لمجرد الرغبة في فهم الإنسان فحسب، وإنما لأن المجتمع المعاصر قد بلغ درجة عالية من التعقيد، وتنوعت فيه التخصصات والأدوار التي ينبغي أن يقوم بها أفراده. ومن هنا نشأت مشكلة اكتشاف الأفراد، الذي يلائمون الأدوار والاحتياجات المختلفة التي يتطلبها المجتمع. وفي هذا ما يحقق الكفاية للمجتمع، والتوافق للفرد.
إننا نعرف من دراستنا لظاهرات النمو النفسي والدافعية والتعليم والإدراك والاتجاهات، وغير ذلك من الظاهرات النفسية، أن كل شخص يختلف عن الآخرين، لأن له خصائصه المميزة، ولأنه يمر بخبرات في المنزل، والمدارسة والمجتمع، لها خصائصها ومميزاتها، ومن ثم يكتسب عادات واتجاهات ومفاهيم تميزه عن غيره من الناس.
وعلم النفس الفارق يهتم بالإنسان كشخصية متفردة، تعتبر نتاجاً لهذه المؤثرات وكثير غيرها، ويهدف إلى معرفة: مال الذي يختلف فيه الأفراد، ومدى هذه الفروق، وكيف يمكن قياسها، فعلم النفس الفارق، باعتباره أحد الميادين الرئيسية لعلم النفس المعاصر، يتهم بالدراسة العلمية الموضوعية للفروق بين الأفراد، كما أنه يهتم بدراسة الفروق القائمة بين الجماعات والشعوب أيضاًًًًً.
وقد فطن الإنسان منذ بداية وعيه بوجوده إلى الفروق القائمة بين الأفراد، واهتم في مراحل تاريخية المختلفة، بملاحظة هذه الفروق ووصفها، وقد حاول في مراحل حياته البدائية تفسير هذه الاختلافات على أساس معارفه المحدودة، أو بردها إلى عوامل وأسباب خرافية، ومهما يكن فقد تقبل وجودها كحقيقة واقعة وتقدم لنا عناصر التراث الإنساني نماذج لشخصيات فردية متميزة، صورة في القصص أو اللوحات الفنية، كما نجد في كتابات الفلاسفة القدماء أمثال أفلاطون وأرسطو، إدراكا لمفاهيم الفروق الفردية، ودعوة إلى ضرورة مراعاتها في التربية، وفي توزيع الأدوار في المجتمع كما أن كثيراً من المفكرين العرب فطنوا إلى معنى الفروق الفردية وأهميتها في بناء المجتمع وقسموا الناس بالنسبة لأية صفة من الصفات إلى ثلاث مستويات: الأعلى، والأوسط، والأدنى.
إلا أن هذه الملاحظات لم تصبح علما له أصوله ومناهجه في الدراسة والتحليل، إلا حينما خضعت هذه الفروق للقياس الدقيق، ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر.
عمومية الفروق الفردية:
ولا تقتصر ظاهرة الفروقََُ الفردية على الجنس البشري، بل نستطيع أن نتبينها في الكائنات الحية، فطالما وجدت الحياة، وجدت الفروق الفردية، وإذا تتبعنا السلسلة الحيوانية، ابتداء من الكائنات البسيطة، وسرنا معها في ترقيها حتى نصل إلى الإنسان، لوجدنا أن الفروق الفردية ظاهرة عامة في جميع الكائنات الحية، صحيح أن لكل نوع من الكائنات الحية خصائصه المميزة، التي يشترك فيها أفراد النوع، بل لا بد من توافرها في كل فرد منه، ولكن في داخل هذه الحدود، لا نجد فردين يستجيبان بنفس الطريقة بالضبط للمثيرات التي يتعرضان لها. فلكل فرد من أفراد النوع الواحد، أساليبه الخاصة في التكيف مع البيئة المحيطة وظروفها المتغيرة.
وتكشف ملاحظاتنا المباشرة لسلوكك هذه الكائنات الحية عن الفروق بين أفرادها. فحينما نلاحظ سربا من الطيور أو قطيعا من الحيوانات، نجد أن بعض أفرادها يقومون بدور قيادي في تنقلاتها وأنشطتها المختلفة. بل نجد في بعض الأفراد، كما أن التجارب التي أجريت على حيوانات مختلفة مثل الفئران والقطط والكلاب والقرود وغيرها، أثبتت وجود فروق في قدراتها على حل المشكلات والتعلم ومستوى النشاط والدوافع، كالجنس والجوع والعطش، وأحوالهم الانفعالية كالخوف والعدوان وغيرها، فإذا ما انتقلنا إلى الإنسان وجدنا الفروق الفردية في أبرز صورها ومظاهرها.
فما هي النواحي أو الصفات التي يختلف فيها أفراد الجنس البشري
الفروق الفردية في الشخصية:
إن ما يهمنا في الدراسة السيكولوجية هي الشخصية الإنسانية فالشخصية الإنسانية هي نقطة البداية في جميع الدراسات النفسية، وهي في نفس الوقت تمثل الهدف الذي نهدف للوصول إلى فهمه. وسبيلنا إلى دراسة الشخصية هو نشاطها، أي ما تقوم به من أعمال، وما يصدر عنها من استجابات لغوية أو حركية. وقد تفرع علم النفس وتنوعت ميادينه كنتيجة حتمية لتعقد الشخصية،وتنوع المجالات التي تزاول فيها نشاطها، فالشخصية من حيث كائن اجتماعي، يعيش في جماعات متنوعة يتفاعل معها، ويؤثر فيه، وله اتجاهاته وقيمه، يدرسها علم النفس الاجتماعي والشخصية من حيث هي عامل في مصنع، يتعامل مع آلة أو جهاز، يتكيف لظروفها يطرأ على نشاطها وخصائصها وإمكانيتها من تغيرات مع تقدمها في السن هي موضوع دراسات النمو والشخصية من حيث هي كائن ينمو ويتعلم ويكتسب من الخبرات والمهارات ما يراه المجتمع ضرورياً، يتناولها علم النفس التربوي هكذا نجد أن فروع علم النفس تتفرع وتتعدد نتيجة لتنوع المجالات التي تزاول فيها الشخصية نشاطها.
وتمتد الفروق الفردية لتشمل جميع جوانب النشاط الذي يصدر عن الشخصية فما هو المقصود بالشخصية؟ وما هي أهم النواحي أو الجوانب التي يختلف فيها الأفراد.
نحن نقصد بالشخصية نظاما متكاملا من السمات الجسمية والنفسية، الثابته نسبياً والتي تميز الفرد عن غيره، وتحدد أساليب نشاطه وتفاعله مع البيئة الخارجية، المادية والاجتماعية وقد أثار تفرد الشخصية مشكلة إمكان دراستها دراسة علمية فقد وجدت وجهة نظر ترى أن تفرد الشخصية وغناها يجعل من المستحيل دراستها دراسة علمية موضوعية بهدف الكشف عن القوانين العامة التي تنطبق على جميع الأفراد لهذا يرى هؤلاء أنه ينبغي أن يتولى وصف الشخصية الفنانون لا العلماء، فهم يستطيعون تصويرها في تفردها وتميزها، وأوضح أن تقبل وجهة النظر هذه يعني استبعاد سيكولوجية الشخصية من الدراسة العلمية.
والواقع أن مشكلة التفرد في الشخصية ليست أصعب من مشكلة التفرد البيولوجي. فحينما يتفاعل عدد كبير جداً من المتغيرات المستقلة، الوراثية والبيئية في إحداث أثر معين فإن النتيجة الحتمية هي التفرد، مثال هذا التفرد يوجد في بصمات الأصابع ومع ذلك فهذا لا يمنع من تصنيفها ودراستها. ونحن في دراستنا للشخصية نتناولها من زوايا أو جوانب مختلفة نقوم بتحليلها إلى مجموعة من الصفات أو السمات، هذه السمات ما هي إلا عبارة عن تجريدات أو أوصاف نصف بها سلوك الفرد فالسمة- كما يعرفها بعض العلماء-هي طريقة السلوك، متميزة وثابتة نسبياً يختلف فيها الشخص عن الآخرين.
على أن النواحي التي يختلف فيها الناس كثيرة ومتعددة بحيث لا يمكن حصرها، إلا أنه بالبحث الإحصائي الموضوعي، تبين أن الفروق بين الأفراد تميل لأن ترتبط فيها بينها بشكل يجعل من الممكن تحديد أبعاد أو سمات أكثر عمومية. ويمكن تصنيف هذه السمات في مجموعتين رئيسيتين :
أولا: مجموعة الصفات الجسمية، وهي تلك التي تتعلق بالنمو الجسمي العام والصحة العامة ويمكن أن نميز فيها بين السمات العامة مثل الصحة العامة، وبين الصفات الخاصة، مثل الطول والوزن أو بعض العاهات الجسمية.
ثانياً: مجموعة الصفات التي تتعلق بالتنظيم النفسي في الشخصية وهي ما يهمنا في دراسة الفروق الفردية والتنظيم النفسي عبارة عن نظام متكامل من السمات النفسية، التي تميز الفرد في تفاعله مع مواقف الحياة. والتي تحدد أهدافه، وتميز سلوكه في تكيفه وتوافقه مع الظروف المادية والاجتماعية كما تحدد أساليب تعامله مع الناس المحيطين به.
ويميز العلماء في التكوين النفسي للشخصية بين تنظيمين رئيسيين:
أولها: يعرف بالتنظيم العقلي، وهو ما يتعلق بإدراك الفرد للعالم الخارجي وفهم موضوعاته وإدراك ما بينها من تشابه أو اختلاف أو تضاد، وقدراته على حل المشكلات التي تواجهه.
وثانيهما: يعرف بالتنظيم الانفعالي وهو ما تجتمع وتنتظم فيه كل أساليب النشاط الانفعالي، وهي تلك التي تعتبر عن دوافع الفرد وميوله واتجاهاته وتميز طريقة مواجهته للمواقف المختلفة.
وقد يكون في تصنيف كرونباك لمظاهر الفروق الفردية ما يعطي توضيحا أكثر لهذا التمييز بين التنظيمين العقلي والانفعالي، إذ يميز كرونباك بين نوعين من الأداء (ويقصد بالأداء ما يلاحظ ويقاس من نشاط الفرد): أداء أقصى، وأداء مميز، ويقصد بالأداء الأقصى ذلك النشاط الذي يصدر عن الفرد حينما يحاول أن يقوم بأفضل أداء ممكن أي أنه يبذل أقصى ما يستطيع من جهد، مستخدماً كل ما لديه من إمكانات ومهارات في حل المشكلة التي تواجهه. ومثال ذلك إجابة الطالب في الامتحان، أو حله لمشكلة عقلية. أما الأداء المميز فيقصد به ما يؤديه الفرد بالفعل وطريقة أدائه له، وأسباب ذلك. ولذلك فهو يكشف لنا عن دوافع الفرد وميوله وسماته الانفعالية المختلفة.. ونحن عندما نهتم بدراسة التنظيم العقلي لدى الفرد يكون السؤال الأساسي الذي نحاول الإجابة عليه هو: ماذا يستطيع هذا الفرد أن يفعله؟ ما هي استعداداته وقدراته؟ أما عندما نهتم بالتنظيم الانفعالي، فإننا نحاول الإجابة عن مثل هذه الأسئلة: لماذا يسلك بهذه الطريق؟ أو ما درجة ثقته في نفسه؟ إلى غير ذلك.
وتوجد الفروق الفردية في جميع السمات الجسمية والنفسية للشخصية. فلو أخذنا سمة الطول مثلا، وجدنا أن نبين الناس الطويل جداً، والتطويل، ومتوسط الطول، والقصير جداً، وكذلك الحال في الذكاء وهو سمة عقلية، نجد من الناس من هو ذكي جداً، ومتوسطة الذكاء، ومن هو أقل من المتوسط، والغبي.
ويختلف الناس كذلك في سماتهم الانفعالية، فلو أخذنا سمة أو بعداً، مثل بعد الانطواء- الانبساط_ لوجدنا بين الناس ومن هو منطوي منعزل دائماً، ومن منبسط اجتماعي، وبين هذين الطرفين توجد درجات متفاوتة من هذه السمة.
أنواع الفروق الفردية:
ميز العلماء بين نوعين من الفروق الفردية: فروق في النوع وفروق في الدرجة. فالفرق في النوع يوجد بين الصفات المختلفة، فاختلاف الطول عن الوزن، فرق في نوع الصفة، ولهذا لا يمكن المقارنة بينهما لعدم وجود وحدة قياس مشتركة بين الصفتين فالطول يقاس بالأمتار أو السنتيمترات، أما الوزن فيقاس بالكيلو جرام أو بالجرام.
كذلك الحال في الصفات النفسية: فالفرق بين الذكاء والاتزان الانفعالي، هو فرق في نوع الصفة، ولا يمكن المقارنة بين ذكاء فرد واتزان آخر، لأنه لا يوجد وحدة قياس واحدة مشتركة والفروق بين الأفراد في أية صفة واحدة، هي فروق في الدرجة وليست في النوع، فالفروق بين الطويل والقصير هو فروق في الدرجة، ذلك لأنه توجد درجات متفاوتة من الطول والقصر، ويمكن المقارنة بينهما باستخدام مقياس واحد.
كذلك الحال في سمة عقلية مثل الذكاء الفرق بين العبقري وضعيف العقل فرق في الدرجة، وليس فرقاً في النوع، لأنه لا توجد درجات متفاوتة بينهما، ولأنهما يقاسان بمقياس واحد، ولذلك كان التقسيم الثنائي لبعض الصفات تقسيماً غير علمي، لأنه قائم على تصور أن الفروق بين الأفراد في الصفة فروق في النوع،أو أنه يقوم على تصور أن الصفة المدروسة تمثل كميات منفصلة. والواقع أننا نستطيع تتبع أي صفة في درجاتها المختلفة عند الأفراد، أي نستطيع أن نتتبعها في مستوياتها المتدرجة المختلفة من أدناها إلى أقصاها.
مظاهر الفردية:
يميز العلماء بين مظهرين رئيسين للفروق الفردية:
الفروق داخل الفرد، وهو أن الفرد الواحد لا تتساوى فيه جميع القدرات. فلو قسمنا السمات العقلية المختلفة لدى الفرد ما وجدناها على درجة واحدة أو مستوى واحد، فقد يكون مستوى القدرة اللغوية متوسطاً، بينما يكون ممتازاً في القدرة العددية، وضعيفاً في القدرة الميكانيكية كذلك الحال فيما يتعلق بالسمات الانفعالية المختلفة هذا باٌلإضافة إلى أن هناك تغيرات تطرأ على سمات الفرد المختلفة مع مرور الوقت. وهذه التغيرات تجعله يختلف عن نفسه من مرحلة لأخرى في مختلف السمات النفسية. فلو قسنا قدرات الفرد العقلية وهو في العاشرة مثلاً، وجدناها تختلف عن قدراته وهو في الخامسة عشر. والاختلاف في الدرجة أيضاً.
الفروق بين الأفراد: وهي تلك الاختلافات التي نلاحظها بين الأفراد في مختلف السمات الانفعالية والعقلية، وهي فروق في الدرجة لا في النوع.
تعريف الفروق الفردية:
تعرف الفروق الفردية، بأنها الانحرافات الفردية عن متوسط المجموعة وقد يكون مدى هذه الفروق كبيراً وقد يكون صغيراً.
الخصائص العامة للفروق الفردية:
1- مدى الفروق الفردية:
يعرف مدى الفروق الفردية في معناه العام بأنه الفرق بين أقل درجة وأعلى درجة في توزيع أي صفة من الصفات والمدى هو أبسط مقاييس التباين في علم الإحصاء، و يمكن القول- بصفة عامة- أن أكبر تشتت للفروق الفردية( أي أكبر مدى لها) يوجد في سمات الشخصية الانفعالية، وتليها الفروق في السمات العقلية المعرفية، وأقل مدى يوجد في الفروق في الصفات الجسمية.
2- درجة ثبات الفروق الفردية.
تخضع الفروق الفردية للتغير مع مرور الوقت وخاصة أثناء مراحل النمو، على أن مقدار التغير في الفروق الفردية ليس على درجة واحدة في مختلف صفات الشخصية.
إذ تشير نتائج البحوث إلى أن درجة ثبات الفروق الفردية في الصفات العقلية، أكبر من درجة ثبات الفروق في السمات الانفعالية. وقد يرجع هذا إلى عاملين: أولها، أن مدى التشتت في السمات الانفعالية أكبر منه في الصفات العقلية المعرفية- كما أشرنا سابقاً- مما يجعل فرصة التغير في الفروق الانفعالية أكبر.
وثانيهما أنه من المحتمل أن تكون الصفات الانفعالية أكثر تأثراً بالعوامل الثقافية البيئية من الصفات العقلية.
3- التنظيم الهرمي للفروق:
تؤكد نتائج الدراسات الإحصائية في مجال الفروق الفردية في الصفات النفسية المختلفة، وجود تنظيم هرمي لنتائج قياس تلك الفروق. في قمة الهرم توجد أعم صفة. تليها صفات أقل عموميتها، وفي قاعدة الهرم نجد الصفات الخاصة، التي لا تكاد تتجاوز الموقف الذي تظهر فيه.
ففي الصفات العقلية المعرفية، نجد أن الذكاء، وهو القدرة العقلية العامة أو أعم الصفات العقلية يقع في قمة التنظيم الهرمي، تليه القدرات العقلية الكبرى التي تقسم النشاط العقلي المعرفي إلى قدرات لفظية تعليمية وقدرات عملية ميكانيكية والقدرة الكتابية، ثم مستوى القدرات الطائفية الأولية فالقدرات الطائفية البسيطة وأخيراً في قاعدة الهرم توجد القدرات الخاصة.
ويوجد نفس التنظيم الهرمي في الصفات الانفعالية أيضاً. فنجد في قمة الهرم الانفعالية العامة. ثم تليها الصفات الانفعالية التي تقل في عموميتها ويزداد عددها حتى نصل إلى الاستجابات الانفعالية الخاصة بكل موقف على حدة في قاعدة الهرم.
توزيع الفروق الفردية:
إذا كانت الفروق بين الأفراد في كل سمة من السمات فروقاُ في الدرجة لا في النوع.
- فكيف تتوزع درجات الناس في كل سمة من هذه السمات؟
- هل يتجمع الأفراد عند نقط معينة على طول مدى السمة؟
أو يتوزعون بشكل منتظم على هذا المدى؟
تتبع الفروق في السمات المختلفة توزيعاً محدداً بين الأفراد. ويتلخص هذا التوزيع في أن أكثر المستويات انتشاراً، هو المستوى المتوسط من درجات السمة التي نقيسها بينما يقل عدد الحالات كلما اتجهنا نحو المستوى الممتاز أو المستوى الضعيف.
ويمكن أن يتضح ذلك إذا ما استمعنا بجداول التوزيعات التكرارية والرسوم البيانية التي تلخص هذه التوزيعات. فمن المعروف أن التوزيع التكراري وسيلة لتخليص البيانات الكمية وتنظيمها حتى يسهل فهمها واكتشاف الاتجاهات الدالة فيها. فهدف التوزيع التكراري ترتيب البيانات وتقسيمها تقسيما ييسر إدارك ما بينها من علاقات. ويقوم الباحث في عمل التوزيع التكراري بتجميع البيانات في جدول.
بحيث يضم القيم المتجاورة في فئة واحد تنفصل عن غيرها من الفئات ويمكن إبراز الصورة العامة للتوزيع التكراري، إذا ما تم تمثيل البيانات في رسم بياني فذلك يساعد على زيادة الوضوح والمقارنة السريعة. ويمكن أن يستخدم في ذلك أحد الرسوم البيانية الشائعة، مثل المضلع التكراري أو المنحنى التكراري، فإذا قمنا بقياس سمة من السمات عند عدد كبير جداً من الأفراد على أن يتم هذا بصورة موضوعية تماماً. بحيث تخلو نتائج القياس من أي عوامل ذاتية. وتم تجميع البيانات في جدول تكراري. وتحويلها إلى منحنى تكراري، فإن المحنى يتخذ شكلاً معيناً يطلق عليه اسم المنحنى ألاعتدالي.
يتضح من المنحنى أن العدد الأكبر من الأفراد يتجمع عند المستوى المتوسط بينما يقل العدد تدريجياً كلما اتجهنا نحو الطرفين ويلاحظ على المنحنى أنه لا توجد به أية ثغرات أو أجزاء منفصلة وهو متماثل الطرفين، بحيث لو أننا أسقطنا عموداً من قمته إلى المحور الأفقي، فإنه يقسمه على نصفين متطابقين تماماً.
على أن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن فعل الصدفة هو المسئول عن توزيع السمات الإنسانية، وإنما يعني أن هناك عدد كبيراً من العوامل المتشابكة المستقلة لا نعرف بالضبط تأثيرها. فوزن الشخص أو طوله أو أداؤه على اختبار للذكاء يعتمد على عدد كبير جداً من العوامل المستقلة المختلفة.
كما يحدث بالضبط أثناء إلقاء العملة إذ يؤثر في النتيجة النهائية عدد كبير من العوامل مثل الارتفاع الذي تلقى منه قطعة العملة ووزنها وحجمها، وثنية اليد المستخدمة وعدد كبير من العوامل ألأخرى.
العوامل التي تؤثر في شكل المنحنى:
على أنه في قياس السمات النفسية المختلفة قد نحصل من وقت لأخر على منحنى يبتعد كثيراً عن المنحنى ألاعتدالي. فقد نحصل مثلاً على توزيع ملتو skewed وهو توزيع تنحرف فيه قمة المنحنى إلى أحد الجانبين، ومثل هذا التوزيع لا يكون متماثل الطرفين كما هو الحال في المنحنى الاعتدالي، وقد نحصل على التوزيع المستطيل أو على توزيع ذي قمم متعددة ويرجع ذلك على بعض العوامل مثل العينة، أو أداة القياس المستخدمة أو بعض الظروف العارضة.
فبالتحكم في اختيار العينة، يمكن الحصول على أي نمط يمكت تصوره من التوزيعات التكرارية وقد يحدث التواء في المنحنى أو وجود قمتين له نتيجة لبعض الخصائص الموجودة في العينة، والتي لا يعرفها الباحث فقد يحصل على منحنى متعدد القمم، إذا كانت العينة لم تختر بطريقة عشوائية من المجتمع الأصل، بل كانت تتكون من أفراد اختيروا من مستويات مختلفة، ثم ضمنوا في مجموعة واحدة. فلو قسنا ذكاء مجموعتين من التلاميذ أحدهما في سن العاشرة والأخر في سن الخامسة عشر فإننا نحصل في الأغلب على توزيع ذي قمتين، كذلك الحال بالنسبة للسمات الأخرى.
وإذا أدمجنا مجموعتين موزعتين كل منهما على حدة توزيعاً اعتدالياً في توزيع واحد فإننا قد نحصل على توزيع ملتو إذا كان متوسطهما والتباين داخلهما مختلفين بشكل ملحوظ. وقد نحصل على توزيع مدبب، إذا كان حجم العينة صغيراً وكان التجانس بين أفرادها كبيراً ولهذا ينصح دائما باستخدام عينات كبيرة الحج، غذ كلما زاد حجم العينة كلما اقترب التوزيع من الاعتدال.
وتؤثر أداة القياس أيضا في التوزيع الناتج، ويبدو هذا واضحاً في الحالات التي يتركز فيها مدى صعوبة أسئلة الاختبارات على المستويات العليا أو الدنيا، أو إذا طبقنا اختبارا على مجموعة لا يناسبها، فإذا كان لدينا اختبار للذكاء أعد بحيث يناسب تلاميذ المرحلة الإعدادية، وطبقناه على طلبة الجامعة مثلا، فإن الغالبية العظمى من الطلاب سيحصلون على درجات عالية جداً، كما سيكون عدد الحاصلين على درجات منخفضة قليلا جداً، ومعنى هذا أن المنحنى الناتج سيكون ملتويا التواء سالبا أي قمته ستنحرف في جانب الدرجات العليا. وبالعكس صحيح إذا طبقنا نفس الاختبار على تلاميذ المدرسة الابتدائية إذا سيكون التوزيع الناتج ملتويا إلتواء موجباً، أب نحو الدرجات المنخفضه، وقد بحصل على توزيع شديد الالتواء أو ذي قمتين نتيجة لعدم تساوي وحدات الاختبار المستخدم. ومهما يكون الأمر، فإن الالتواء في هذه الحالات يكون صناعياً، نتيجة لعيوب في أداة القياس نفسها.
وقد تؤدي بعض الظروف المرضية إلى حدوث التواء في التوزيع خاصة، إذا أدت مثل هذه الظروف إلى الإخلال بالتوازن في تفاعل العوامل المختلفة المتعددة التي تؤثر في السمة المقيسة. فقد تؤدي ظروف مرضية ما في مجتمع سكاني معين إلى زيادة نسبة ضعاف العقول، ومن ثم ينتج توزيع ملتو للذكاء الأفراد.
كما أن القيود التي يفرضها المجتمع على أنشطة أفراده، تنتج توزيعها مختلفا يشبه حرف L ، ذلك أن الغالبية العظمى من الأفراد يطبقون القواعد التي يفرضها المجتمع على سلوكهم بينما يخالف تلك القواعد قلة من الأفراد فقط. وخير مثال لذلك اتباع سائقي السيارات والمشاة لتعليمات وإشارات المرور أما لو تصورنا تقاطعا للشوارع لا توجد فيه إشارات مرور، فإننا نجد أن سلوك السائقين يقترب من التوزيع الاعتدالي، إذ نجد أن قليلا ججاً منهم يتوقفون عند التقاطع ويبدون درجة عالية من الحذر، بينما الغالبية تبطئ نوعا ما، وتبدي قدراً متوسطاً من الحذر. وقليل منهم تسير بنفس السرعة غير مبدية إلا قليلا جداً من الحذر. وينطبق نفس الوضع على معظم أنواع السلوك التي يحددها المجتمع، ويفرض عليها نوعاً من القيود أو التنظيم.
وينبغي أن نشير إلى أن المنحنى الاعتدالي منحنى تجريبياً. بمعنى أننا نحصل عليه من قياسنا للظاهرات النفسية. وإنما نحن نستخدمه في عملية إعداد الاختبارات النفسية. إذ حينما نقوم بوضع اختبار ما ونطبقه على عدد كبير من الأفراد عن الاعتدال فإننا نقوم بتعديل الاختبار كأن نزيد من عدد مفرداته أو تغير فيها، ا, نحذف بعضها. ونحن نستند في اتخاذنا للتوزيع الاعتدالي أساساً في الحكم على العوامل التي تحدد درجة الفرد في السمة وتعقيدها. كما يدعم هذا الافتراض أن السمات الجسمية التي نقيسها بمقاييس مادية متساوية الوحدات تخضع لنفس هذا التوزيع.
خلاصة الفصل:
يختلف الافراد في صفاتهم المتعددة على الرغم من اشتراكهم في خصائص عامة ويهتم علم النفس الفارق بدراسة هذه الفروق وأساليب قياسها.
وظاهرة الفروق الفردية ليست قاصرة على الإنسان فهي موجودة في جميع الكائنات الحية.
والجوانب التي يختلف فيها أفراد الجنس البشري متعددة فالفروق موجودة في جميع جوانب الشخصية الإنسانية.
ويهتم علم النفس الفارق بدراسة الفروق في التكوين النفسي للشخصية وفيه يميز العلماء بين مجموعتين من الصفات:
الصفات التي تتعلق بالتنظيم العقلي.
الصفات التي تتعلق بالتنظيم الانفعالي.
ويميز العلماء بين نوعين من الفروق:
فروق في النوع وفروق في الدرجة
فالفروق في النوع يوجد بين الصفات المختلفة، أما الفروق في الدرجة، فهو ما نلاحظه من اختلافات بين الأفراد في الصفة الواحدة، وهذا النوع الأخير هو موضوع الدراسة في سيكولوجية الفروق الفردية.
وللفروق الفردية مظهران: فروق داخل الفرد أو بين الفرد ونفسه وفروق بين ألأفراد.
تعرف الفروق الفردية بأنها الانحرافات الفردية عن متوسط الجماعة فالفرد يتحدد مستواه في أية صفة، عن طريق مقارنته بمتوسط المجموعة التي ينتمي إليها.
وتوصف الفروق الفردية بخصائص ثلاث: المدى، وهو درجة تشتت الأفراد بالنسبة للصفة المقيسة. كما توصف الفروق من ناحية درجة ثباتها. وأخيرا تنتظم أقل عمومية واتساعاً.
وتتبع الفروق الفردية المنحنى الاعتدالي في توزيعها، حيث نجد أن أكثر المستويات انتشارا هو المستوى المتوسط من درجات السمة، بينما يقل عدد الحالات كلما اتجهنا نحو المستويات العليا أو الدنيا.
وقد يختلف شكل المنحنى الذي نحصل عليه أو قد يبتعد عن الاعتدال، نتيجة لعوامل معينة، منها طبيعة العينة التي استمدت منها البيانات وكيفية اختيارها وكذلك أداة القياس المستخدمة وبعض الظروف العارضة.
الفصل الثاني
الوراثة والبيئة
مقدمة:
إذا كان الافراد يختلفون في سماتهم الجسمية والنفسية فما هي العوامل التي تؤدي الى هذا الاختلاف؟
أثار هذا السؤال مناقشات نظرية وفلسفية طويلة. ذلك ان الاجابة عليها ذات اهمية مزدوجة فهي أولا تساعدنا على فهم السلوك الانساني, وطبيعة الفروق بين الأفراد وأسبابها, وهي ثانيا تمكن المربين والمعلمين من توجيه التربية الوجهة السليمة.
وقد كانت القضية الاساسية, التي تركز حولها التفكير النظري والفلسفي حقبة طويلة من الزمن, تتعلق بالإجابة على السؤال: ما هو الاكثر أهمية في تحديد الفروق بين الافراد: الوراثة ام البيئة؟ وقد انقسم العلماء في الاجابة عليه الى فريقين: فريق دعاة البيئة, ويطلق عليهم البيئيون, وفريق دعاة الوراثة. وقد وصف الفريق الاول في بعض المؤلفات بأنهم تقدميون , ذلك أنهم باعتقادهم ان البيئة هي المحدد الاساسي للفروق بين الافراد , يرون ان وظيفة التربية الاساسية ان تنتج في الافراد السمات المرغوب فيها من المجتمع, ويرجعون كل تخلف او انحراف في سلوك الافراد الى قصور او عجز في النظام التعليمي و الاجتماعي الذي نشأوا فيه, فهم يؤكدون مبدأ المساواة بين الناس فيما لديهم من إمكانيات, اذا ما أتيحت لهم فرص متكافئة لتنميتها.
اما دعاة الوراثة فيعتقدون ان العامل الاساسي في تحديد الفروق الفردية هو الوراثة. ذلك ان هذه الفروق حقائق بيولوجية لا يمكن تجاهلها , وانتقال الخصائص الوراثية من الوالدين الى الابناء امر مؤكد, ومن ثم فإن وظيفة التربية الاساسية, أن تتيح الفرصة للطفل لنمو إمكانياته . كما ان النظام التعليمي يجب ان يقوم على الاقل في مراحله العالية على انتقاء التلاميذ الذين تتوافر لديهم بحكم الوراثة مواهب عقلية خاصة.
والواقع ان العلماء يدركون اليوم ان طرح المشكلة في صورة تقابل بين الوراثة والبيئة امر خاطئ ذلك ان الانسان شأنه شأن أي كائن حي, يحمل خواص سلالته, تنتقل اليه عبر الاجيال بواسطة الوراثة, فتؤثر في سلوكه, ولكنه في نفس الوقت يعيش في مجتمع له معالمه ومميزاته المحددة, ومن ثم فهو يخضع لتأثير البيئة, ويتأثر بما فيها. وباستثناء بعض الخصائص الجسمية القليلة جدا, مثل لون العينين, الذي يعتمد على اساس وراثي فقط, فإن كل السمات الانسانية التي يختلف فيها الافراد تعتبر نتاجا لتفاعل المؤثرات الوراثية والبيئية.
ولهذا فقد تحول السؤال من محاولة تحديد الاثر النسبي لكل من الوراثة والبيئة في تكوين السمات النفسية, الى محاولة معرفة, إلى أي حد تخضع السمه النفسية المعينة للتغير, وفي ظل أي الظروف يمكننا ان نتوقع حدوث هذا التغير.
وقد كان من التصورات الخاطئة الشاعة في هذا المجال, اعتقاد ان الخصائص الوراثية ثابتة ولا تقبل التغيير, وان الصفات المتكونة بفضل البيئة يمكن تغييرها دائما. اذ ثبت من الدراسات ان كثيراً من الصفات الوراثية يمكن تغييرها بدرجة كبيرة, كما ان بعض السمات المكتسبة يصعب في كثير من الاحيان تغييرها. فبعض الافراد الذين يرثون قابلية للإصابة بمرض معين, قد يتجهون الى الرياضة ويكونون أجساماً قوية لا يكون فيها للإصابة بالمرض موطئ قدم. ومن ناحية أخرى, ثبت من الدراسات ان بعض التلاميذ الذين يعانون من انخفاض في القدرة اللفظية يظلون يعانون من انخفاض هذه القدرة في مرحلة الرشد, على الرغم من ان هذا التخلف يرجع الى قصور في التربية أثناء الطفولة, أكثر من أن يكون راجعا الى نقص فطري في الذكاء اللفظي. ويرى العلماء ان معظم الصفات النفسية يمكن ان تخضع للتغير طالما ان الانسان يتمتع بقدرة عالية على التعلم.
ومن هنا , فإن السؤال عن أثر البيئة في إحداث الفروق الفردية قسم بواسطة الباحثين الى عدد من الاسئلة الضيقة مثل: ما هو مقدار الفرق الذي يمكن ان نتوقع حدوثة كنتيجة لإحداث تغيير معين في البيئة؟ ماهي السمات النفسية التي تتأثر أكثر من غيرها بتغير البيئة؟ أي جوانب البيئة أكثر تأثيراً في الانسان؟ ما هو مقدار الفرق الذي تحدثه خبرات ما قبل المدرسة في النمو العقلي للطفل, وفي خصائصه الانفعالية والاجتماعية؟ ما هو أثر الحرمان الثقافي في الطفولة على نمو الانسان؟ في أي مرحلة من مراحل النمو يكون هذا التأثير أكبر؟
هذا الانتقال من المشكلات العامة الى الخاصة, هو أبرز سمة للبحوث المعاصرة, في أثار البيئة والوراثة, ولا يتسع المقام لعرض تفصيلي لهذه الدراسات, وإنما سنحاول ان نعرض بعض الدراسات العريضة, التي حاولت إثبات اثار الوراثة والبيئة في السمات النفسية.
على أنه قبل ان نعرض لهذه البحوث نقوم بتعريف مختصر لكل من الوراثة والبيئة.
معنى الوراثة:
تتكون وراثة الفرد اساساُ من المورثات النوعية, التي يتلقاها من كل من والديه عند الحمل. فالفرد يبدأ حياته باتحاد خليتين: خليه من كل الابوين, ومن هذا الاتحاد تنشأ البويضة الملقحة. وتحتوي كل خلية على مئات الالاف من جزئيات دقيقة جداً تسمى بالمورثات, وهي المسئولة عن انتقال الصفات الوراثية من الاب والام والاجيال السابقة الى الفرد.
معنى البيئة:
ليس المقصود بالبيئة, البيئة الجغرافية أو مكان السكن, وانما يقصد بها البيئة السيكولوجية, وهي مجموع المثيرات التي يتعرض لها الفرد طوال حياته, أي من بدء وجوده في الحم كبويضة مخصبة, حيث بداية الحياة, حتى مماته.
ولا يبدأ مفعول البيئة بعد الولادة فقط , وانما يبدأ تأثيرها مع بدء وجود الجنين في الرحم, فقد ثبت أهمية البيئة قبل الولادة في تحديد نمو الفرد. فأساليب التغذية وأنواعها ونظامها والشروط الفيزيقية والنفسية للأم , تحدث تأثيرات على نمو الجنين وحياته فيما بعد.
دراسة التوائم:
تعتبر دراسة التوائم من أهم الطرق التي استخدمت لدراسة أثر البيئة والوراثة في تحديد مستويات الافراد وسماتهم الانفعالية وغيرها. فالتوائم المتماثلة تقدم لنا الفرصة الوحيدة, التي يمكن ان ندرس فيها فردين لهما تكوين ورثي متماثل تماما. فالتوائم المتماثلة تنتج من بويضة واحدة ملقحه, تنقسم الى جزأين عند الانقسام الاول للخلية. وبذلك يكون للتوأمين نفس التركيبة من الجينات, أي أنهما يتماثلان في جميع صفاتهما الوراثية. اما التوائم غير المتماثلة فهي تنشأ من بويضتين اثنتين ملقحتين.
ودرجة التشابه في خصائصهما الوراثية لا تختلف عن درجة التشابه بين الاشقاء العاديين. وتعرف التوائم المتماثلة, عن طريق اجراء بعض الاختبارات العلمية على عدد من الخصائص الفيزيقية التي تتحدد بالوراثة، مثل فصيلة الدم، وبصمات الأصابع، وتركيب الشعر والجلد، ولون العينين.
وفي دراسة أثر الوراثة والبيئة، استخدمت أنماط متعددة من البحث على التوائم، ويختلف البحث باختلاف المشكلة التي يواجهها الباحث. فإذا كان الباحث يهدف إلى الكشف عن أثر، فإنه يعمل على تثبيت عامل الوراثة، ويتم ذلك عن طريق مقارنة توأمين متماثلين ثم فصلهما بعد الولادة، حيث نشأ في بيئتين مختلفتين. أما إذا كان هدف الباحث معرفة أثر الوراثة، فإنه يدرس فردين، يختلفان في صفاتهما الوراثية، ولكنها يعيشان في بيئة واحدة. وهنا تتم المقارنة بينهما وبين التوائم المتماثلة التي ربيت معا، وبذلك يمكن رد الفرق الذي يوجد في درجة التشابه إلى أثر الوراثة. وسنعرض فيما يلي أمثلة لبعض هذه الدراسات.
قام نيومان وفريمان وهولزنجر (1937) بدراسة شاملة على 19 زوجاً من التوائم المتماثلة، التي ربيت في بيئات مختلفة، ويوضح الجدول رقم (1) متوسط الفروق التي وجدت بين كل زوج من التوائم المتماثلة، مقارناً بمتوسط الفروق التي وجدت بين التوائم غير المتماثلة.
جدول رقم (1) متوسط الفروق بين التوائم
الصفة التوائم غير المتماثلة توائم متماثلة ربيت معا توائم متماثلة ربيت في بيئات مختلفة
الطول بالسنتيمتر 4.4 1.7 1.8
الوزن بالرطل 10.0 4.1 9.9
نسبة الذكاء 9.9 5.9 8.2
ويوضح الجدول رقم (2) معاملات الارتباط بالنسبة لهذه الصفات.
جدول رقم (2) معاملات الارتباط بين التوائم
الصفة التوائم غير متماثلة توائم متماثلة ربيت معا توائم متماثلة ربيت في بيئات مختلفة
الطول 0.65 0.92 0.97
الوزن 0.63 0.92 0.79
نسبة 0.63 0.88 0.77
ويتضح من الجدولين السابقين، أن الفروق البيئية ليس لها أثر كبير على الصفات المختلفة، وأن أقلها تأثراً بالبيئة والوزن، بينما أكثرها الذكاء. إلا أن مدى هذا التأثير لازال ضئيلاً.
إلا انه بدراسة الفروق بين كل زوج من التوائم على حدة, وجدت فروق كبيرة في نسبة الذكاء في بعض الحالات.
ومهما يكن فإننا يمكن ان نخرج بنتيجتين أساسيتين من البحث على التوائم وهما:
1- ان الفروق الكبيرة في ظروف البيئة, وظروف التنشئة والتربية يمكن ان تنتج فروقاً جوهرية في الذكاء.
2- ان الفروق العقلية التي نلاحظها في المجتمع ككل , أكبر من ان تفسر على أساس الفروق البيئية وحدها.
دراسة الاطفال في بيوت التبني والمؤسسات:
لما كانت حالات التوائم المتماثلة, وخاصة التي تم فصلها في الطفولة المبكرة, نادرة نسبياً, لجأ العلماء الى الحصول على بيانات إضافية عن أثر البيئة, من أنماط أخرى من الدراسات. وقد أجريت مجموعة من البحوث لمعرفة, ماذا يحدث للأطفال الذين يتبنون في منازل جيدة.
والنتيجة المنطقية التي يمكن استخلاصها من هذه الدراسات, ان المنزل الجيد يمكن ان يؤدي الى تحسن ملحوظ في ذكاء الاطفال, ولكنه لا يمكن ان يوصلهم الى مستوى الافراد الذين يتمتعون بوراثة جيدة وبيئة جيدة أيضاً.
بعض الاثار البيئية المحددة:
حاول العلماء دراسة العلاقة بين بعض المتغيرات البيئية المحددة وبين الذكاء ومن هذه الدراسات تلك المحاولات التي اجريت بهدف الكشف عن العلاقة بين المستوى الاقتصادي – الاجتماعي للاسرة وبين ذكاء الطفل , وقد استخدم العلماء في تقدير المستوى الاقتصادي- الاجتماعي , مقياسا يعطي وزنا اكبر لمهنة الوالدين ودخل الاسرة وبعض النواحي الاخرى مثل المميزات الثقافية للمنزل.
كما درست بعض المتغيرات البيئية الاخرى المحددة في علاقتها بالذكاء مثل الاتجاهات والقيم السائدة في الاسرة
مهن الوالدين :
من أشهر الدراسات التي أجريت في هذا الموضوع بحث طومسون ود تناول فيه اكثر من 100 فئة مهنية وكانت النتائج التي توصل اليها فيما يتعلق بمتوسطات نسب ذكاء الاطفال بعض هذه المهن كما يأتي:
رجال الدين 121
المهنيون 112
رجال التجارة والأعمال 110-105
العمال الصناعيون 103-100
العمال المهرة والزراعيون 98-96
العمال غير المهرة 91
مستوى تعليم الآباء :-
كذلك اهتمت بعض الدراسات ببحث العلاقة بين مستوى تعليم الوالدين وذكاء الأطفال , ومن هذه الدراسات ما قامت به بيلي من دراسة العلاقات بين مستوى التعليم الرسمي الذي تلقاه الآباء . وبين ذكاء أطفالهم , وقد تبين من هذه الدراسة وجود ارتباط مرتفع بين مستوى تعليم الآباء وذكاء الأبناء وخاصة بعد سن 5 سنوات .
المستوى الاقتصادي الاجتماعي :-