لقد صيغ العلاج بالتقبل والالتزام Acceptance and Commitment Therapy في إطار الموجة الثالثة من العلاجات المعرفية السلوكية، وينظر إلى هذا العلاج على أنه يحقق خاصية تجاوز النماذج النظرية التقليدية كونه يتضمن من حيث افتراضاته وفنّياته عناصرًا من العلاجات السلوكية والوجودية والإنسانية في تركيبة تمكّن من التعامل الواسع من العديد من الاضطرابات النفسية والسلوكية. (السعيد أبو حلاوة،2020، 1)
نشأ العلاج بالتقبل والالتزام في ضوء قصور بروتوكولات العلاج المعرفي السلوكي وعدم تركيزه على مهارات ضبط وتنظيم الانفعالات والمشاعر. وطوّر عالم النفس الأمريكي و الأستاذ بجامعة نيفادا ستيفن هايز علاج التقبل والالتزام سنة 1982، حيث استغرق العلاج وقتًا رغم وجود تجارب مثبتة ومضبوطة، الأمر الذي يطرح التساؤل حول ماهية عدم شيوعه في تلك الفترة، يجيب على ذلك ستيفن هايز، قائلاً:
"لو شاع استخدام ACT قبل عشرين عاما، لما أمكنه أن يصمد أمام التدقيق والتمحيص، لم يكن النموذج متطورًا بشكل كافٍ وكانت قاعدته ضعيفة آنذاك.. حيث قضينا سنوات في الفلسفة والنظرية الأساسية والمقاييس النظرية التطبيقية قبل نشر هذه المقاربة في كتاب سنة (1999) ... ولكن لأنّنا انتظرنا وعملنا على البنية التحتيّة، الآن عندما يقوم النّاس بتشريح الطبقات المختلفة ، فإنهم يدركون العمل الذي يتم على هذه القواعد." (بوعلام قاصب، 2021، 15)
إن العلاج بالتقبل والالتزام يقوم مقارنة بأساليب العلاجات المعرفية السلوكية على تدخلات اليقظة الذهنية، والتي هي محور أساسي في علاجات الموجة الثالثة، إذ تعني أن نصبح أكثر وعيًّا بما يحدث هنا والآن.
1. ما هو العلاج بالتقبل والالتزام Acceptance and Commitment Therapy
يعرفه (Hayes,Slrosahl , 2004) على أنه: "منهج تدخل سياقي وظيفي يعتمد على نظرية الأطر العلائقية (RFT)، والذي ينظر إلى البشرية على أنها نشأت في حالة من عدم المرونة النفسية Psychological inflexibility التي يعززها الاندماج المعرفي Cognitive fusion والتجنب التجريبي experiential avoidance." (29)
طبقًا لهذا العلاج ما يتم قبوله هنا هو الخبرة النفسية الداخلية، مثل الانفعالات، والأفكار، والأحاسيس، وفي أغلب الأحيان الأفراد الذي يعانون من المشكلات النفسية لا يتقبلون هذه الأحداث الداخلية ولكنهم يتهربون منها بالتشتيت والإلهاء.
والالتزام في هذا العلاج يتعلق بالقيم الشخصية الخاصة لدى الفرد، إذ لابد لكثير من العملاء التوضيح قبل الالتزام.
2. ماذا يعني اختصار "آكت" ACT:
يرمز له اختصارًا ACT، ويلفظ الاختصار ككلمة واحدة ليعطي المعنى الإنجليزي "الفعل"، وهذا ما يهتم به العلاج بالتقبل والالتزام بالضبط، فالعلاج يساعد على التغلب على العجز السلوكي(سامر جميل رضوان، 2020)، ويعني كل حرف من الاختصار:
• قبول (Accepting) الفرد لخبراته الداخلية كما هي، لا شيء أكثر.
• اختيار (Choosing) الاتجاهات في الحياة بناء على القيم المحورية لدى الفرد.
• اتخاذ فعل (Taking action) في الأمور الكبيرة والصغيرة والتي تتفق مع قيم الفرد. (Andrew M.Pomerantz,2018,465)
3. اليقظة الذهنية Mindfulness
اليقظة الذهنية مفهوم قديم جدا قد نجده في مختلف الثقافات الدينية والروحية: الإسلام، المسيحيّة، اليهودية، البوذية ... وغيرها، إبّان العصر الحديث تم اكتشاف فوائد كبيرة نجمت عن التعمق في مهارات اليقظة الذهنية (قاصب، 21)، في عام 1990 حققت اليقظة الذهنية نقلة نوعية في عالم الصحة النفسية والعلاج النفسي ... وقد بدأت اليقظة الذهنية في اجتياح مهنة العلاج النفسي، مما أدى إلى تأسيس أنواع جديدة في العلاج النفسي مثل "العلاج بالتقبل والالتزام". (Tessa Watt,2021,15)
إن يقظة الذهن تقع في قلب علاجات الموجة الثالثة، إذ تزيد من انغماس الفرد الكامل مع عملياته العقلية الداخلية بطريقة خالية من المواجهة، بتغيير "علاقة" الفرد مع أفكاره دون تغييرها أو تنقيحها.
ويمكننا أن نعرّف يقظة الذهن بأنها: "قدرة بشرية فطرية على الانتباه بالكامل بشكل عمديّ إلى أين نكون، وإلى خبرتنا الحقيقة، والتعلم منها". (Pomerantz,462)
أو نقول أيضا أن اليقظة الذهنية هي أن تعلم نفسك بأن تكون أكثر:
- وعيًّا بجسدك، وعقلك، والبيئة المحيطة بك.
- حضورًا – في هذه اللحظة- هنا والآن.
- تركيزًا وأكثر قدرة على الاختيار أين تريد أن تضع انتباهك.
- تجسيدًا بأن تكون حاضرًا في جسدك ولديك القدرة على وضع عقلك وجسدك في حالة توافق وانسجام.
- تقبلاً لنفسك وللآخرين، (Watt,15)
في ACT، اليقظة الذهنية = التقبل= الاستعداد. (قاصب، 22)
4. الفرضيات الأساسية في العلاج بالتقبل والالتزام
ينطلق ACT من الخبرة القائلة بأن العلميات النفسية هي عمليات هدّامة بصورة عادية، وعليه يتبنى كثير من الناس قناعات ينهشون فيها أنفسهم، ويمكن أن يكون لهذا السبب أسباب اجتماعية مقبولة، تقيدهم على الاستمرار هكذا، وهنا تسري خبرة أن الناس أنفسهم حتى ولو امتلكوا كل شيء ... لن يكونوا سعداء (رضوان، 2020)، إن الافتراض المركزي في ACT يتمثل في أن أفضل ميزة نوعية للبشر تتمثل في "القدرة على تكوين واستخدام اللغة"، وأن اللغة هي مسار الاعتلال النفسي حال اختلالها؛ ذلك لأنه من خلال اللغة يعيد الإنسان الخبرة بتاريخه المؤلم وذكرياته البائسة وكروبه ومشاقه الماضية، فالمعاناة الحقيقة للإنسان تبدأ عند تشكّل مظاهر بؤسه واعتلالاته النفسية الحقيقة عندما يترجم أفكاره ورؤاه وتصوراته المختلة عن ذاته وعن الحياة وعن الآخرين في سلوكيات نمطية جامدة أحادية الوجهة وأحادية اللون النفسي، وعندما يطل على وقائعه وخبراته النفسية الداخلية ووقائع وخبرات الحياة بمنظور أحادي الرؤية. (أبو حلاوة، 2:3)
وعليه يمكننا اختصار الفرضيات الأساسية لـACT كالآتي:
- المعاناة الإنسانية واقع كوني (عام).
- تنظيماتنا المفاهيمية (أي اللغوية) للموقف هي التي تجعلنا نعاني أكثر من الظروف الواقعية.
- مكافحة المعاناة لا تنتج سوى المزيد من المعاناة. (رضوان، 2020)
5. كيف يقع الفرد في الاضطراب النفسي حسب ACT
ينطلق العلاج بالتقبل والالتزام بالعملاء من منحى الجمود النفسي إلى مزيد من المرونة النفسية، ابتداءً من سجن الجمود النفسي والإصرار الذي يمثل معاناة الفرد إلى المرونة النفسية وتنميتها، وسنعرض النموذج المرضي والعلاجي كالآتي:
الجمود النفسي: يمثل الجمود النفسي سجن للذات في حدود عالم خبرة ضيق جدًا، ويقلل بصورة جوهرية من القدرة التكيفيّة والإبداع والتلقائية والإيجابية، إذ يُبقي الإنسان على ما هو عليه معتقدًا أنه على مسار الصواب في كل الأحوال. (أبو حلاوة، 1:2)
إن الخاصية المركزية المميزة لذوي الجمود النفسي رغبتهم في إثبات أنهم على صواب في كل الأحوال، ولهذه الرغبة تأثيرات سلبية على الإنسان. وما ينجم عن ذلك من عدم مرونة نفسية أو جمود تجعله متمسك بتصورات لا تثبت صحتها وتجعله في سلوكه للتخلي عن خطوات تجعله منسجم مع قيمه الخاصة، ويتم تلخيص هذه الرؤية من خلال الحروف المختصرة التالية: EFAR (رضوان،2020) وتعني:
المرونة النفسية: توصف المرونة النفسية بأنها القدرة على الاتصال باللحظة الحاضرة مع الوعي بالأفكار والانفعالات وبدون محاولة تغيير الخبرات الخاصة أو تجنبها أو السيطرة عليها مع التوجه لتغيير السلوك أو المحافظة عليه في سياق السعي لتحقيق القيم والأهداف، وتمثل المرونة النفسية الهدف الجوهري في ACT وتتمثل ملامحها المركزية فيما يلي:
- أن يعيش الشخص حياة كاملة مفعمة وغنية.
- الاتصال الفوري والمباشر والتلقائي باللحظة الراهنة وبذهنية هنا والآن.
- تعديل السلوك بناء على خبرة الحياة الحقيقة والقيم طويلة الأجل. (أبو حلاوة، 5:6)
ترتبط معدلات انخفاض المرونة النفسية باحتمالية المعاناة من الاضطرابات النفسية، كما أن وجودها بقدر كافٍ من خلال تفاعل ستة عمليات (الموضحة في الشكل أدناه) يعهد للفرد الرعاية والتنمية:
• الاتصال باللحظة الراهنة: البقاء هنا والآن مع الانفتاح والاهتمام والاستعداد للاستقبال، ويتم استخدام مصطلح اليقظة Mindfulness لخبرة العالم بطريقة جديدة واكتساب مرونة في التصرف من خلال ذلك، من أجل التمكن من التصرف بتناغم أكبر مع القيم الخاصة، كما أن هذه اليقظة (الوعي) تقدم بوصفها الملاحظة الذاتية غير التقييمية للخبرة والتصرف لما يمكننا أن نعيشه كمكان ومجال سلوكنا ومن ثم كشخص كلي. (رضوان،2020)
• القبول: كمصطلح تقني تختلف كلمة "قبول" في سياق العلاج بالقبول والالتزام، ففي الاستخدام الاعتيادي، نجد أن المصطلح مشبع بإحساس التنازل والاستسلام، أما استخدامه ضمن العلاج بالتقبل والالتزام، يشير إلى موقف مختار تماما تجاه الموقف الداخلي، فهو يعني الانفتاح على هذه التجارب والسماح لها أن تكون كما هي (بينيت وأوليفر، 90). إن القبول أو الرضا يتضمن الخبرات الداخلية المزعجة والمؤلمة والتخلي عن فكر مقاومتها، إذ أن هذا الصراع ضد هذه المشاعر والأفكار والأحاسيس الجسدية هو ما يقود أن يفقد الناس السيطرة على حياتهم ولأمور المهمة بالنسبة لهم، وهذا الصراع أيضا هو الذي يحوَل الألم والقلق والحزن الطبيعي إلى معاناة نفسية. (رضوان، 2020)
• القيم: هي الاتجاه الذي يريد الفرد سلكه في الحياة، إنها بوصلة تشير إلى ما مهم بالنسبة للفرد. يتناول العلاج بالتقبل والالتزام تعريف القيم من خلال أنها " النتائج المختارة بحرية والمحددة بحرية لفظيا، لأنماط المستمرة والديناميكية المتطورة، والتي تنشئ معززات لهذا النشاط والتي تكون منخرطة في النمط السلوكي القيّم ذاته" (بينيت وأوليفر، 94). أي أن القيم أشياء يمكننا أن نختارها لأنفسنا - فهي بالضرورة شخصية- باستخدام الكلمات وبالتفاعل مع المجتمع اللفظي، فالقيم تقدم نفسها كبوصلة للسلوك.
• فك الاندماج المعرفي: إن مصطلح الاندماج هو اسم فني للعملية التي نستجيب بها لأفكارنا كما لو كانت حقيقة واقعية، وكما هو الحال مع أي عملية من عمليات العلاج بالتقبل والالتزام، فإنها تعتمد على السياق، وهذا ما يعني أن الاستجابة ليست مشكلة في حد ذاتها، ولكن تصبح مشكلة عندما تقيد أو تمنع الإجراءات تجاه القيم، إن الاندماج هو استعارة تشير إلى انضمامنا مع أفكارنا بطريقة تجعل من الصعب تحديد الفرق بين مشاعري وإحساسي بذاتي وأنه أصبح أكثر من مجرد فكرة. وبهذه الطريقة، يتم تعريف الاندماج باعتباره هو القضية الرئيسة، وليس التفكير، وهذا يسلط انتباهنا على العلاقة التي تربط بيننا وبين أفكارنا باعتبارها المشكلة، وبالتالي يصبح هو هدف التدخل. (بينيت وأوليفر، 92)
• التصرف الملتزم: ويمثل الجانب السلوكي النشط في نموذج العمليات الستة للمرونة النفسية، إذ يتخذ أهداف منسجمة مع القيم الخاصة، وضمان تحقيقها بوعي ومسؤولية. إن الأمر يتعلق بأن نعيش القيم المصاغة في التصرفات اليومية، ولهذا الغرض يتم باستمرار بناء أنماط شاملة من التصرف الفاعل على أساس القيم المصاغة بصورة مستمرة، وهذه الأنماط السلوكية تسترشد بأهداف ملموسة وقابلة للتحقيق مرتبط بالقيم. (رضوان، 2020)
• الذات كسياق: أو الذات المُراقِبة، وهي خبرة الذات بتمكنها من مراقبة الأحداث والأحاسيس والأفكار والمشاعر والتصورات كما لو كانت على مسرح (السياق)، كيف تأتي وتذهب؛ إذ تمنح هذه الذات الملحوظة(المراقبة) الوعي استمرارية، في حين يتم فهم الأحداث الذهنية في تحول مستمر(رضوان، 2020). وعلى ذلك يتم تشكّل كيفية تواصل الإنسان مع ذاته في سياق الأحداث المحددة بما يعزز تقبله وتفهمه لها.
إن الجوهري هنا (في ACT) هو مظهر التقبل أو الرضا أو الرغبة Willingness ما هو بالأصل غير قابل للتجنب، مرتبطًا بالالتزام Engagement (انخراط commitment) بمظاهر الحياة، التي يقدسها الشخص (القيم) والتي تمنحها الحيوية والاهتمام والفرحة، بما ذلك الروحانية spirituality. (رضوان، 2020)
قائمة المراجع:
1. أبو حلاوة، محمد السعيد. (2020). العلاج القائم على القبول والالتزام: إطلالة عامة. المجلة العربية نفسانيات. العدد 68.
2. بينيت، ريتشارد. أوليفر، جوزيف. (2021). العلاج بالقبول والالتزام 100 نقطة أساسية. ترجمة: عمر صلاح سيد. مكتبة الأنجلو المصرية.
3. بومرتينز، أندرو. (2018). علم النفس الاكلينكي؛ العلوم والممارسة والثقافة. ترجمة: تيسير إلياس شواش. أحمد إسماعيل هاشم. دار الفكر ناشرون وموزعون.
4. بوعلام، قاصب. (2021). المرشد في العلاج بالتقبل والالتزام. دار ومضة.
5. رضوان، سامر جميل. (2020). علاج القبول والالتزام. إصدار إلكتروني.
6. وات، تيسا. (2021). اليقظة الذهنية دليلك خطوة بخطوة نحو حياة أكثر سعادة. ترجمة: سامي بن صالح العرجان. فاطمة عبد الله الشيخي. دار الفكر ناشرون وموزعون.
7. Hayes,Sleven C; Slrosahl,Kirk D.(2004). A Practical Guide to Acceptance and Commitment Therapy. 1 sl edition. New York: Springer.
نشأ العلاج بالتقبل والالتزام في ضوء قصور بروتوكولات العلاج المعرفي السلوكي وعدم تركيزه على مهارات ضبط وتنظيم الانفعالات والمشاعر. وطوّر عالم النفس الأمريكي و الأستاذ بجامعة نيفادا ستيفن هايز علاج التقبل والالتزام سنة 1982، حيث استغرق العلاج وقتًا رغم وجود تجارب مثبتة ومضبوطة، الأمر الذي يطرح التساؤل حول ماهية عدم شيوعه في تلك الفترة، يجيب على ذلك ستيفن هايز، قائلاً:
"لو شاع استخدام ACT قبل عشرين عاما، لما أمكنه أن يصمد أمام التدقيق والتمحيص، لم يكن النموذج متطورًا بشكل كافٍ وكانت قاعدته ضعيفة آنذاك.. حيث قضينا سنوات في الفلسفة والنظرية الأساسية والمقاييس النظرية التطبيقية قبل نشر هذه المقاربة في كتاب سنة (1999) ... ولكن لأنّنا انتظرنا وعملنا على البنية التحتيّة، الآن عندما يقوم النّاس بتشريح الطبقات المختلفة ، فإنهم يدركون العمل الذي يتم على هذه القواعد." (بوعلام قاصب، 2021، 15)
إن العلاج بالتقبل والالتزام يقوم مقارنة بأساليب العلاجات المعرفية السلوكية على تدخلات اليقظة الذهنية، والتي هي محور أساسي في علاجات الموجة الثالثة، إذ تعني أن نصبح أكثر وعيًّا بما يحدث هنا والآن.
1. ما هو العلاج بالتقبل والالتزام Acceptance and Commitment Therapy
يعرفه (Hayes,Slrosahl , 2004) على أنه: "منهج تدخل سياقي وظيفي يعتمد على نظرية الأطر العلائقية (RFT)، والذي ينظر إلى البشرية على أنها نشأت في حالة من عدم المرونة النفسية Psychological inflexibility التي يعززها الاندماج المعرفي Cognitive fusion والتجنب التجريبي experiential avoidance." (29)
طبقًا لهذا العلاج ما يتم قبوله هنا هو الخبرة النفسية الداخلية، مثل الانفعالات، والأفكار، والأحاسيس، وفي أغلب الأحيان الأفراد الذي يعانون من المشكلات النفسية لا يتقبلون هذه الأحداث الداخلية ولكنهم يتهربون منها بالتشتيت والإلهاء.
والالتزام في هذا العلاج يتعلق بالقيم الشخصية الخاصة لدى الفرد، إذ لابد لكثير من العملاء التوضيح قبل الالتزام.
2. ماذا يعني اختصار "آكت" ACT:
يرمز له اختصارًا ACT، ويلفظ الاختصار ككلمة واحدة ليعطي المعنى الإنجليزي "الفعل"، وهذا ما يهتم به العلاج بالتقبل والالتزام بالضبط، فالعلاج يساعد على التغلب على العجز السلوكي(سامر جميل رضوان، 2020)، ويعني كل حرف من الاختصار:
• قبول (Accepting) الفرد لخبراته الداخلية كما هي، لا شيء أكثر.
• اختيار (Choosing) الاتجاهات في الحياة بناء على القيم المحورية لدى الفرد.
• اتخاذ فعل (Taking action) في الأمور الكبيرة والصغيرة والتي تتفق مع قيم الفرد. (Andrew M.Pomerantz,2018,465)
3. اليقظة الذهنية Mindfulness
اليقظة الذهنية مفهوم قديم جدا قد نجده في مختلف الثقافات الدينية والروحية: الإسلام، المسيحيّة، اليهودية، البوذية ... وغيرها، إبّان العصر الحديث تم اكتشاف فوائد كبيرة نجمت عن التعمق في مهارات اليقظة الذهنية (قاصب، 21)، في عام 1990 حققت اليقظة الذهنية نقلة نوعية في عالم الصحة النفسية والعلاج النفسي ... وقد بدأت اليقظة الذهنية في اجتياح مهنة العلاج النفسي، مما أدى إلى تأسيس أنواع جديدة في العلاج النفسي مثل "العلاج بالتقبل والالتزام". (Tessa Watt,2021,15)
إن يقظة الذهن تقع في قلب علاجات الموجة الثالثة، إذ تزيد من انغماس الفرد الكامل مع عملياته العقلية الداخلية بطريقة خالية من المواجهة، بتغيير "علاقة" الفرد مع أفكاره دون تغييرها أو تنقيحها.
ويمكننا أن نعرّف يقظة الذهن بأنها: "قدرة بشرية فطرية على الانتباه بالكامل بشكل عمديّ إلى أين نكون، وإلى خبرتنا الحقيقة، والتعلم منها". (Pomerantz,462)
أو نقول أيضا أن اليقظة الذهنية هي أن تعلم نفسك بأن تكون أكثر:
- وعيًّا بجسدك، وعقلك، والبيئة المحيطة بك.
- حضورًا – في هذه اللحظة- هنا والآن.
- تركيزًا وأكثر قدرة على الاختيار أين تريد أن تضع انتباهك.
- تجسيدًا بأن تكون حاضرًا في جسدك ولديك القدرة على وضع عقلك وجسدك في حالة توافق وانسجام.
- تقبلاً لنفسك وللآخرين، (Watt,15)
في ACT، اليقظة الذهنية = التقبل= الاستعداد. (قاصب، 22)
4. الفرضيات الأساسية في العلاج بالتقبل والالتزام
ينطلق ACT من الخبرة القائلة بأن العلميات النفسية هي عمليات هدّامة بصورة عادية، وعليه يتبنى كثير من الناس قناعات ينهشون فيها أنفسهم، ويمكن أن يكون لهذا السبب أسباب اجتماعية مقبولة، تقيدهم على الاستمرار هكذا، وهنا تسري خبرة أن الناس أنفسهم حتى ولو امتلكوا كل شيء ... لن يكونوا سعداء (رضوان، 2020)، إن الافتراض المركزي في ACT يتمثل في أن أفضل ميزة نوعية للبشر تتمثل في "القدرة على تكوين واستخدام اللغة"، وأن اللغة هي مسار الاعتلال النفسي حال اختلالها؛ ذلك لأنه من خلال اللغة يعيد الإنسان الخبرة بتاريخه المؤلم وذكرياته البائسة وكروبه ومشاقه الماضية، فالمعاناة الحقيقة للإنسان تبدأ عند تشكّل مظاهر بؤسه واعتلالاته النفسية الحقيقة عندما يترجم أفكاره ورؤاه وتصوراته المختلة عن ذاته وعن الحياة وعن الآخرين في سلوكيات نمطية جامدة أحادية الوجهة وأحادية اللون النفسي، وعندما يطل على وقائعه وخبراته النفسية الداخلية ووقائع وخبرات الحياة بمنظور أحادي الرؤية. (أبو حلاوة، 2:3)
وعليه يمكننا اختصار الفرضيات الأساسية لـACT كالآتي:
- المعاناة الإنسانية واقع كوني (عام).
- تنظيماتنا المفاهيمية (أي اللغوية) للموقف هي التي تجعلنا نعاني أكثر من الظروف الواقعية.
- مكافحة المعاناة لا تنتج سوى المزيد من المعاناة. (رضوان، 2020)
5. كيف يقع الفرد في الاضطراب النفسي حسب ACT
ينطلق العلاج بالتقبل والالتزام بالعملاء من منحى الجمود النفسي إلى مزيد من المرونة النفسية، ابتداءً من سجن الجمود النفسي والإصرار الذي يمثل معاناة الفرد إلى المرونة النفسية وتنميتها، وسنعرض النموذج المرضي والعلاجي كالآتي:
الجمود النفسي: يمثل الجمود النفسي سجن للذات في حدود عالم خبرة ضيق جدًا، ويقلل بصورة جوهرية من القدرة التكيفيّة والإبداع والتلقائية والإيجابية، إذ يُبقي الإنسان على ما هو عليه معتقدًا أنه على مسار الصواب في كل الأحوال. (أبو حلاوة، 1:2)
إن الخاصية المركزية المميزة لذوي الجمود النفسي رغبتهم في إثبات أنهم على صواب في كل الأحوال، ولهذه الرغبة تأثيرات سلبية على الإنسان. وما ينجم عن ذلك من عدم مرونة نفسية أو جمود تجعله متمسك بتصورات لا تثبت صحتها وتجعله في سلوكه للتخلي عن خطوات تجعله منسجم مع قيمه الخاصة، ويتم تلخيص هذه الرؤية من خلال الحروف المختصرة التالية: EFAR (رضوان،2020) وتعني:
المرونة النفسية: توصف المرونة النفسية بأنها القدرة على الاتصال باللحظة الحاضرة مع الوعي بالأفكار والانفعالات وبدون محاولة تغيير الخبرات الخاصة أو تجنبها أو السيطرة عليها مع التوجه لتغيير السلوك أو المحافظة عليه في سياق السعي لتحقيق القيم والأهداف، وتمثل المرونة النفسية الهدف الجوهري في ACT وتتمثل ملامحها المركزية فيما يلي:
- أن يعيش الشخص حياة كاملة مفعمة وغنية.
- الاتصال الفوري والمباشر والتلقائي باللحظة الراهنة وبذهنية هنا والآن.
- تعديل السلوك بناء على خبرة الحياة الحقيقة والقيم طويلة الأجل. (أبو حلاوة، 5:6)
ترتبط معدلات انخفاض المرونة النفسية باحتمالية المعاناة من الاضطرابات النفسية، كما أن وجودها بقدر كافٍ من خلال تفاعل ستة عمليات (الموضحة في الشكل أدناه) يعهد للفرد الرعاية والتنمية:
• الاتصال باللحظة الراهنة: البقاء هنا والآن مع الانفتاح والاهتمام والاستعداد للاستقبال، ويتم استخدام مصطلح اليقظة Mindfulness لخبرة العالم بطريقة جديدة واكتساب مرونة في التصرف من خلال ذلك، من أجل التمكن من التصرف بتناغم أكبر مع القيم الخاصة، كما أن هذه اليقظة (الوعي) تقدم بوصفها الملاحظة الذاتية غير التقييمية للخبرة والتصرف لما يمكننا أن نعيشه كمكان ومجال سلوكنا ومن ثم كشخص كلي. (رضوان،2020)
• القبول: كمصطلح تقني تختلف كلمة "قبول" في سياق العلاج بالقبول والالتزام، ففي الاستخدام الاعتيادي، نجد أن المصطلح مشبع بإحساس التنازل والاستسلام، أما استخدامه ضمن العلاج بالتقبل والالتزام، يشير إلى موقف مختار تماما تجاه الموقف الداخلي، فهو يعني الانفتاح على هذه التجارب والسماح لها أن تكون كما هي (بينيت وأوليفر، 90). إن القبول أو الرضا يتضمن الخبرات الداخلية المزعجة والمؤلمة والتخلي عن فكر مقاومتها، إذ أن هذا الصراع ضد هذه المشاعر والأفكار والأحاسيس الجسدية هو ما يقود أن يفقد الناس السيطرة على حياتهم ولأمور المهمة بالنسبة لهم، وهذا الصراع أيضا هو الذي يحوَل الألم والقلق والحزن الطبيعي إلى معاناة نفسية. (رضوان، 2020)
• القيم: هي الاتجاه الذي يريد الفرد سلكه في الحياة، إنها بوصلة تشير إلى ما مهم بالنسبة للفرد. يتناول العلاج بالتقبل والالتزام تعريف القيم من خلال أنها " النتائج المختارة بحرية والمحددة بحرية لفظيا، لأنماط المستمرة والديناميكية المتطورة، والتي تنشئ معززات لهذا النشاط والتي تكون منخرطة في النمط السلوكي القيّم ذاته" (بينيت وأوليفر، 94). أي أن القيم أشياء يمكننا أن نختارها لأنفسنا - فهي بالضرورة شخصية- باستخدام الكلمات وبالتفاعل مع المجتمع اللفظي، فالقيم تقدم نفسها كبوصلة للسلوك.
• فك الاندماج المعرفي: إن مصطلح الاندماج هو اسم فني للعملية التي نستجيب بها لأفكارنا كما لو كانت حقيقة واقعية، وكما هو الحال مع أي عملية من عمليات العلاج بالتقبل والالتزام، فإنها تعتمد على السياق، وهذا ما يعني أن الاستجابة ليست مشكلة في حد ذاتها، ولكن تصبح مشكلة عندما تقيد أو تمنع الإجراءات تجاه القيم، إن الاندماج هو استعارة تشير إلى انضمامنا مع أفكارنا بطريقة تجعل من الصعب تحديد الفرق بين مشاعري وإحساسي بذاتي وأنه أصبح أكثر من مجرد فكرة. وبهذه الطريقة، يتم تعريف الاندماج باعتباره هو القضية الرئيسة، وليس التفكير، وهذا يسلط انتباهنا على العلاقة التي تربط بيننا وبين أفكارنا باعتبارها المشكلة، وبالتالي يصبح هو هدف التدخل. (بينيت وأوليفر، 92)
• التصرف الملتزم: ويمثل الجانب السلوكي النشط في نموذج العمليات الستة للمرونة النفسية، إذ يتخذ أهداف منسجمة مع القيم الخاصة، وضمان تحقيقها بوعي ومسؤولية. إن الأمر يتعلق بأن نعيش القيم المصاغة في التصرفات اليومية، ولهذا الغرض يتم باستمرار بناء أنماط شاملة من التصرف الفاعل على أساس القيم المصاغة بصورة مستمرة، وهذه الأنماط السلوكية تسترشد بأهداف ملموسة وقابلة للتحقيق مرتبط بالقيم. (رضوان، 2020)
• الذات كسياق: أو الذات المُراقِبة، وهي خبرة الذات بتمكنها من مراقبة الأحداث والأحاسيس والأفكار والمشاعر والتصورات كما لو كانت على مسرح (السياق)، كيف تأتي وتذهب؛ إذ تمنح هذه الذات الملحوظة(المراقبة) الوعي استمرارية، في حين يتم فهم الأحداث الذهنية في تحول مستمر(رضوان، 2020). وعلى ذلك يتم تشكّل كيفية تواصل الإنسان مع ذاته في سياق الأحداث المحددة بما يعزز تقبله وتفهمه لها.
إن الجوهري هنا (في ACT) هو مظهر التقبل أو الرضا أو الرغبة Willingness ما هو بالأصل غير قابل للتجنب، مرتبطًا بالالتزام Engagement (انخراط commitment) بمظاهر الحياة، التي يقدسها الشخص (القيم) والتي تمنحها الحيوية والاهتمام والفرحة، بما ذلك الروحانية spirituality. (رضوان، 2020)
قائمة المراجع:
1. أبو حلاوة، محمد السعيد. (2020). العلاج القائم على القبول والالتزام: إطلالة عامة. المجلة العربية نفسانيات. العدد 68.
2. بينيت، ريتشارد. أوليفر، جوزيف. (2021). العلاج بالقبول والالتزام 100 نقطة أساسية. ترجمة: عمر صلاح سيد. مكتبة الأنجلو المصرية.
3. بومرتينز، أندرو. (2018). علم النفس الاكلينكي؛ العلوم والممارسة والثقافة. ترجمة: تيسير إلياس شواش. أحمد إسماعيل هاشم. دار الفكر ناشرون وموزعون.
4. بوعلام، قاصب. (2021). المرشد في العلاج بالتقبل والالتزام. دار ومضة.
5. رضوان، سامر جميل. (2020). علاج القبول والالتزام. إصدار إلكتروني.
6. وات، تيسا. (2021). اليقظة الذهنية دليلك خطوة بخطوة نحو حياة أكثر سعادة. ترجمة: سامي بن صالح العرجان. فاطمة عبد الله الشيخي. دار الفكر ناشرون وموزعون.
7. Hayes,Sleven C; Slrosahl,Kirk D.(2004). A Practical Guide to Acceptance and Commitment Therapy. 1 sl edition. New York: Springer.