إذا كانت المقاربات التي تناولنها في ماسبق قد تبدو مغرقة في تحديد النظري لمفهوم الإستلاب، فالمقاربة التي نحن بصددها ستقوم بإستثمار هذا التراث النظري السابق لتحاول مقاربة التجليات، ودراسة المفهوم على أرضية هذه التجليات، ولعل هذا ما نلمسه في مجموعة من الكتابات الفرومية، وعلى رأسها كتاب الخوف من الحرية، وكتاب الإنسان المستلب، ولقد سار إريك فروم في مقاربته هذه على وتيرة كارل ماركس في تناوله لهذا المفهوم فهتم بقضية الإنفصام خلال الخضوع إنطلاقا من تحليله للعملية الإجتماعية والتقنية التي تفضي إلى فقدان السيطرة الخاصة، عند رصده لمكانز مات الخوف من الحرية. ومن هنا جاء تحليله للبناء الشخصي لشخصية الإنسان الحديث. وسنخلص في هذا التحليل إلى أن الإنسان الحديث يعيش حالة الإغتراب والانعزال والوحدة الناجم عن تحرير الإنسان من روابطه التقليدية، لأن هذا الفصل يجعل الإنسان معزول، ولهذا السبب نجده قلقا فاقد للسيطرة، وهذا النوع من الإغتراب يفضي بالإنسان إلى نوع من الإغتراب وهو إغتراب الخضوع، بحيث يلتمس الفردية والأمن بخضوعه لقائد الدولة، ومن تمت يوقع بنفسه في حبائل إغتراب جديد مصحوب بنشاط لاعقلي وإجباري وقصري، ومن تمت يترتب على هذا الخضوع فقدان الإنسان للسيطرة، أي إن الإنسان أصبح في زمننا عاجزا أمام هذا الهول المتدفق من التطور التكنولوجي، وإبداع دائم لآليات جديدة تكرس الإستلاب/الإغتراب وتزكه، إذ غدا الإنسان مجرد كركوزة عاجزة عن التحرك بدون خيوط خفية تحركها، وتتحكم في إراذتها. إذ بات الإنسان فاقدا للسيطرة على ذاته خائفا من التغير هاربا من الحرية فاقدا للثقة في ذاته، إنه بالفعل إنحباس الأفق، والإصابة باليأس. إذ أصبح مالك الرأسمال يستخدم الإنسان، ويحركه كما يستخدم الآلة، وأصبح الإنسان مجرد مستهلك، وموضوع للمناورة وليس شخص معلوم.
لكن ونحن نتعامل مع النصي الفرومي يجب إن نستحضر كذلك أن إريك فروم يوافق في تحليله هذا تحليل كارل ماركس، لكن نجده في نقطة جوهرية في فهم الإستلاب يختلف مع ماركس في تأكيده على إغتراب الخضوع، من خلال الإنفصال، وهذا يحلنا على التصور الهجلي الذي حاول ماركس إن يعيد له شكله الصحيح.