من العوامل الهامة التي تؤثر في الوليد اتجاهات والديه نحوه, ومن أهم هذه الاتجاهات نظرة الأم نحو الحمل "تقبلها للطفل وهو جنين أو رفضها له", ومعلوماتها عن عملية الولادة, وحضور الزوج عملية الولادة، كل هذه العوامل وغيرها تؤثر في استجابات الأم نحو الولادة.
ومما يفيد في تغيير اتجاهات الأم نحو عملية الولادة, ما تلجأ إليه بعض المجتمعات الحديثة من تنظيم فصول حول ولادة الطفل ورعايته, وفي هذه الفصول تقدم للأمهات من غير ذوات الخبرة السابقة "وربما الأزواج أيضًا" معلومات حول ما يحدث أثناء الوضع، كما تتدرب أمهاتٌ على أفضل أساليب
التنفس والاسترخاء التي تسهل هذه العملية, وتؤكد البحوث التي أجريت على فعالية هذه الفصول, أنها تؤثر في خبرة الأم، فهي تشعر باسترخاءٍ أكثر أثناء الوضع، وتدرك العملية على أنها أكثر يسرًا وسهولة "Shaffer 1985".
ويؤدي وجود الزوج في غرفة الولادة إلى شعورٍ أخف بآلام الوضع، وقد يكون ذلك ناتجًا عن الدعم العاطفي الذي يقدمه الزوج لها في هذا الموقف الحرج, وخبرة الأب بعملية الولادة تجعله يزداد ارتباطًا بالطفل فيما بعد.
ومع ذلك, فإن الخبرات الشائعة عند معظم الأمهات أنهن يشعرن ببعض الاكتئاب والضيق والتوتر خلال فترة تمتد من 3-8 أيام بعد الولادة, ومن الغريب أن هذه المشاعر تكون أكثر حِدَّةً لدى الأمهات اللاتي يشعرن بسعادةٍ أكبر خلال الأشهر الأخيرة من الحمل، كما لا توجد فروق جوهرية في هذه المشاعر بين الأمهات اللاتي يلدن أطفالًا أصحاء, أو يلدن أطفال غير أسوياء, أو يموت أطفالهن بعد الولادة, إلّا أن هذه المشاعر عادةً ما تكون مؤقتة, وسرعان ما تزول بعد عدة أيام أو أسابيع, ويرجع بعض الباحثين هذه المشاعر إلى ما تتناوله بعض الأمهات من أدوية خلال الوضع, كما أن بعض الأمهات قد يشعرن بهذه المشاعر السلبية نتيجة إهمالهنّ عقب الولادة, والاهتمام المبالغ فيه بالوليد من جانب الأهل والأصدقاء, ويعتبر البعض الآخر من الباحثين أن هذه المشاعر نوعٌ من الاستجابة السيكلوجية للتغيرات الهورمونية التي تحدث في جسم الأم, حتى تحوله من الحالة التي كان عليها أثناء الحمل إلى الحالة العادية التي يجب أن يكون عليها, ومهما كان السبب, فإن محض وجود هذه المشاعر التي لم نتنبه إليها إلّا في السنوات الأخيرة, يدعونا إلى ضرورة العناية بالأم عقب الولادة, وأن يسعى المقربون إليها بتقديم الدعم, والانتباه لها خلال هذه الفترة الحرجة.
اتجاهات الإخوة إزاء الوليد:
يُعَدُّ ميلادُ طفلٍ جديد لأسرة لديها أطفال آخرون حدثًا تمتزج في اتجاهاتهم نحوه استجابات القبول باستجابات الرفض, فعادة ما يشعر الإخوة أن الأم تهجرهم بذهابها إلى مستشفى الولادة, وتهملهم عقب عودتها منها. ولهذا نجد هؤلاء الأطفال يبحثون عن الاهتمام والرعاية بإصدار بعض الأفعال الشاذة, حينما تكون الأم مشغولة بإطعام الوليد الجديد أو رعايته, ويصدرون هذه الأفعال عادةً بسبب مشاعر الغيرة.
ومعنى هذا: أن على الوالدين أن يخصصا بعض الوقت للاهتمام بأطفالهم الكبار, حتى يشعروا بأنهم لا يزالون موضع رعايتهم وحبهم، مع ضرورة الحرص على عدم المبالغة في ذلك, ولعل حكمة الأبوة والأمومة هي التي تعين الوالدين على مواجهة تحدي الشعور بالغيرة عند الإخوة الكبار, وذلك من خلال تهيئة جَوٍّ يشعرهم بأهميتهم كأعضاء في الأسرة, وقد يحل هذه المشكلة أن يتناوب الوالدان في مهمة رعاية الوليد؛ بحيث يحظى الأطفال الكبار برعاية كلٍّ منهما, كما قد يساعد في حلها أن يُطْلَبَ من الأخ الكبير أن يظهر كفاءته من خلال تقديم يد العون للوليد, سواء في إطعامه أو حمامه أو تغيير ملابسه.
الاتجاهات نحو جنس الطفل:
يحدد جنس الطفل نموه الكليّ منذ لحظة ميلاده, فالضغوط الثقافية من الوالدين, ثم من المعلمين وجماعات الأقران, ومن المجتمع ككل بعد ذلك, تستخدم وتمارس على الطفل منذ ولادته, وتزداد عامًا بعد عام, حتى يكوّن الطفل الاتجاهات المناسبة لجنسه, ويظهر أنماط السلوك التي تتناسب مع معايير الثقافة, والطفل الذي يتعلم أن يسلك على النحو "المطلوب" من جنسه, يحظى بالتقبل الاجتماعي, كما أن بعض خبرات التعلم التي يتعرض لها الطفل في المنزل وفي المدرسة وفي الملعب وغير ذلك من المجالات يحددها أيضًا الجنس.
ولا شكَّ أن أهم الآثار الناتجة عن جنس الطفل هو اتجاهات الوالدين نحوه؛ فقد أثبتت الدراسات التي أجريت على تفضيل الوالدين لأيّ الجنسين, أن التفضيل التقليدي للولد, وخاصة للطفل الأول, لازالت له السيادة في كثير من الثقافات، فإذا وُجِدَ طفل واحد في الأسرة، يفضل الآباء الحصول على أخٍ له لا أخت, وحينما يوجد عدد من الأطفال في الأسرة, فإن الأبوين يفضلان في العادة أسرة تتكون من أطفال من الجنسين بأعداد متساوية تقريبًا.
وبالطبع, فإن التفضيل القوي لطفل من جنس معين, له تأثيراته الواضحة على الاتجاهات الوالدية, والتي تؤثر بدورها في سلوك الوالدين نحو الطفل, وفي علاقاتهما معه؛ فالأمهات اللاتي يفضلن الأبناء الذكور يكن أكثر ميلًا للقسوة على البنات, وبالمثل, فإن الآباء يعاملون الطفل بما يتفق مع درجة تقبلهم لجنسه.
الاتجاهات نحو التوائم:
من الشائع أن الأم تنتج بويضة واحدة في المرة الواحدة, ويترتب على ذلك توأمان من النوع الذي يسمى توائم أخوية, والتي يعوزها التشابه في النواحي الجسمية والنفسية, وقد تكون التوائم الأخوية من نفس الجنس أو من الجنسين, ومعنى ذلك أنها تكون مختلفة في الخصائص الوراثية، بل قد تختلف في بيئة ما قبل الولادة "الرحم" من حيث موضع كل منهما في مشيمته وحبله السري.
وقد يحدث أن تنقسم البويضة الواحدة المخصبة إلى قسمين أو أكثر في المراحل الأولى من الإخصاب، وينمو كل قسم إلى شخص كامل مستقلٍّ، وينتج عن ذلك توأمان, أو أكثر, من النوع الذي يسمى التوائم المتطابقة؛ وحيث أن هذه التوائم تنتج من نفس الخلية المخصبة, فإنها تتطابق تطابقًا تامًّا في الخصائص الوراثية.
وبالطبع, فإن لعدد الأجنة في الرحم في المرة الأولى تأثيره على سير النمو, سواء قبل الولادة أو بعدها؛ فالتوائم المتطابقة مثلًا تتشابه كثيرًا في النمو الجسمي والعقلي, بسبب التشابه في العوامل الوراثية, ويؤثر ذلك في أنماط شخصياتهم تأثيرًا يختلف عن الإخوة العاديين, أو حتى التوائم الأخوية "غير المتطابقة", وفي فترة ما قبل الولادة نجد أن وجود أكثر من جنينٍ واحدٍ يجعل الطفل يشارك غيره في مكانٍ مهيأ لطفل واحد، وقد يؤثر هذا التزاحم في النمو الطبيعي لعضلات الأجنة، بل قد يؤدي إلى ولادة مبتسرة "أي: قبل الموعد"، والتي يزيد احتمال حدوثها كلما زاد عدد الأجنة في الرحم, ولذلك كثيرًا ما نجد أن احتمال استمرار حياة التوائم بعد الولادة أقل من احتمال حياة الوليد الواحد.
وفي بيئة ما بعد الولادة, نجد أن اتجاهات الوالدين وطرق تربيتهما للأطفال تختلف بالنسبة للوليد الواحد عنها للتوائم, مما يؤثر في النمو في كلِّ حالة؛ فالأمهات يرفضن أحيانًا التوائم, وكثير من الآباء يحاول أن يهيئ للتوائم بيئةً متشابهة بعد الولادة، ولذلك فعادةً ما يعاملونهم كما لو كانوا ينتمون بعضهم لبعض, ويصدق هذا على التوائم المتطابقة, وعلى التوائم الأخوية من نفس الجنس, وبالطبع يؤثر ذلك في النمو الاجتماعي للتوائم. ففي سنوات ما قبل المدرسة يظهر عليهم ميلٌ للتنافس في جذب انتباه الكبار, وفي محاكاة بعضهم بعضها، وفي اعتماد بعضهم على بعضٍ, أكثر من اعتمادهم على غيرهم, وحين يكبر التوائم يظهر بينهم سلوك التنافس المعتاد بين الأخوة، وكذلك مشاعر النقص؛ لأن كلًّا منهما يعوزه الاستقلال, ويقارن دائمًا بتوأمه في جميع صور السلوك, ولذلك قد ينتج عن ذلك كله مشاعر الإحباط, وكما هو الحال في جميع العلاقات الاجتماعية, قد يقوم أحد التوأمين بدور القيادة, ويقوم الآخر بدور التبعية، ويؤثر ذلك بالطبع في علاقاتهم الاجتماعية بالآخرين.
وقد يصعب على التوائم المتطابقة تنمية الإحساس بالذات؛ لأنه من المستحيل أحيانًا على الطفل في هذه الحالة أن يميز بين ذاته والتوأم باعتباره جزءًا من الآخرين, وهذا النقص في مفهوم الذات يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإحباط والصراع, واستجابات العدوان التي تترك أثرها على الشخصية.
خصائص نمو الوليد:
هذه المرحلة هي أقصر مراحل النموّ؛ فهي تبدأ مع الولادة, وتنتهي عندما يبلغ الطفل أسبوعين تقريبًا, وفي هذه المرحلة لا يحدث نموٌّ كبيرٌ, وإنما تحدث عدة صورٍ من التكيف مع الحياة الجديدة, ولذلك في العادة توصف مرحلة الوليد بأنها مرحلة هضبة في النمو, وهذا التكيف الذي أشرنا إليه يحدث عقب الولادة وقطع الحبل السري مباشرةً, ويتمثل في أربعة أنواع هي:
1- تكيف للتغيرات في درجة الحرارة بعد الانتقال من درجة حرارة ثابتة في الرحم, إلى درجة متغيرة تتراوح بين 28، 37 درجة مئوية في المستشفى أو المنزل.
2- تكيف لعملية التنفس, والذي يعني: اتساع الرئتين باعتبارهما مصدر الإمداد بالأوكسجين, بدلًا من المشيمة والحبل السريّ اللذين كان يعتمد عليهما الجنين في التنفس قبل الولادة.
3- تكيف لعملية المصِّ والبلع باعتبارهما وسيلتا الحصول على الغذاء بعد الولادة, بدلًا من التغذية التي كان يتلقاها الجنين من المشيمة والحبل السري.
4- تكيف لعملية الإخراج من خلال أجهزة التبول والتبرز, بدلًا من أن يكون ذلك خلال الحبل السري والمشيمة.
هذه الأنواع الأربعة من التكيّف عادةً ما تكون صعبة على الوليد، ويتضح ذلك من أن وزنه ينقص خلال الأسبوع الأول بعد الولادة الذي يستغرقه في هذه التكيفات, ثم يبدأ بعد ذلك في الزيادة، وقد يجد بعض الأطفال عملية التكيف هذه في غاية الصعوبة، وربما لذلك تكون أعلى نسبة وفياتٍ بين الأطفال في هذه الفترة.
وبالطبع توجد عدة عوامل تؤثر في تكيف الوليد لحياة ما بعد الولادة, هي على وجه الخصوص نوع الولادة, وصحة الأم, وحالتها الانفعالية فترة ما قبل الولادة, والظروف التي توجد في بيئة ما بعد الولادة، وهي عوامل تناولناها بالتفصيل فيما سبق.
ونعرض فيما يلي خصائص النمو خلال هذه الفترة القصيرة، وقبل ذلك, يجب أن نؤكد أن مولد الوليد لا يعني أن فترة حمله بالضرورة 280يومًا، فبعض الأطفال يولدون قبل الأوان, والبعض الآخر يولد بعده, وفي هذه الأحوال, فإن من الواضح أن نفس المستوى من النمو لن يظهر في جميع الأطفال حديثي الولادة.
- النمو الجسمي: عند الميلاد يكون وزن الوليد في المتوسط 1/2 7رطلًا "حوالي 4كيلو جرامات" وطوله 1/2 19 بوصة "حوالي 39سنتيمترًا", ويكون الذكور أطول وأثقل قليلًا من الإناث, وتوجد بالطبع فروق فردية داخل الجنس الواحد في ذلك, وهذ الفروق تكون أكبر في الوزن منها في الطول, والاختلاف والتباين في الحجم لا يعتمد على الجنس بقدر اعتماده على العوامل الموجودة في بيئة ما قبل الولادة, وخاصة طعام الأم أثناء الحمل, وقد ناقشنا ذلك في الفصل السابق, ويسبب وجود علاقة بين نظام تغذية الأم أثناء الحمل وحجم الطفل عند الميلاد, نجد أن متوسط حجم أطفال المناطق المنخفضة في المستوى الاقتصادي والاجتماعي يكون أقل من أطفال المناطق المرتفعة في هذا المستوى, والطفل الأول يكون وزنه في العادة أقل من الطول والوزن من إخوته الذين يولدون بعده.
وخلال الأيام الأولى بعد الولادة ينقص وزن الطفل في العادة، ولو أن ذلك ليس قاعدة عامة, فمن الشائع أن ينقص الوزن بمقدار 6-7% من الوزن عند الميلاد, وفي اليوم العاشر بعد الميلاد تقريبًا يستعيد معظم الأطفال جزءًا كبيرًا من وزنهم المفقود, وقد سبق لنا أن فسرنا ذلك بظروف التكيف لبيئة ما بعد الولادة.
وتكون عضلات الوليد ملساء صغيرة, وصعبة التحكم فيها, ووقت الميلاد يكون النمو الحادث في عضلات الرقبة والساقين أقل من اليدين والذراعين, وتكون العظام شأنها شأن العضلات لينة ومرنة, ولذلك تكون سهلة التشوه, ويكون الجلد ناعمًا, ولونه أقرب إلى اللون القرنفلي, وكثيرًا ما نجد في الوليد شعرًا ناعمًا أزغب في الرأس والظهر، إلّا أنه سرعان ما يزول, وتكون الغدد الدمعية عند الولادة غير نشطة, إلّا أنه مع بلوغ الطفل يومه الخامس يبدأ في البكاء بدموع.
ومن حيث نسب الجسم نلاحظ أن الرأس تبلغ ربع طول الجسم تقريبًا, بمقارنتها برأس الراشد التي تبلغ حوالي 1/7 طول الجسم كله, وتكون منطقة الجمجمة أكبر بكثير من باقي الرأس، بينما تكون منطقة الذقن صغيرة جدًّا، وتكون الرقبة قصيرة جدًّا, ويبلغ حجم العينين درجة النضج تقريبًا, إلّا أن حركة العين لا تخضع للتحكم بسبب ضعف عضلاتها, وتكون الأنف صغيرة ومسطحة تقريبًا بالنسبة للوجه, ويبدو الفم كما لو كان فتحة ضيقة بسبب ضيق الشفتين. وفي الجذع تكون الأكتاف ضيقة, بينما تكون البطن كبيرة ومنتفخة, ومن حيث تناسب الأذرع والسيقان لدى أطفال هذه الفترة, نجدها أقصر من الرأس والجذع, وتكون الأيدي والأقدام صغيرة منمنمة.
- النمو الفسيولوجي: مع الميلاد تبدأ وظائف الجسم في العمل حتى تقوم بمهام الاتزان البدني "الهوميوستازى", التي كان يقوم بها جسم الأم أثناء الحمل, وبالطبع فإن هذا النشاط يكون صعبًا عقب الولادة بسبب ضعف الجهاز العصبي المستقل, إلّا أن هذه الحالة سرعان ما تتغير مع النضج التدريجي لهذا الجهاز, ومن أسباب وفيات الأطفال في هذه المرحلة ضعف الاتزان البدني, ومع الولادة تبدأ وظائف التنفس في العمل. ومن الملاحظ على الوليد أن دقات قلبه تكون سريعة حتى يحافظ على ضغط الدم العادي مع قلب صغير الحجم, وتكون درجة حرارة الطفل أعلى من المعتاد, وتظهر حركات منعكس المصّ مع الميلاد، وبالطبع يتطلب الأمر بعض الوقت "عدة أسابيع" حتى ينتظم إيقاع الجوع، وبالتالي, فإن مطالب الجوع لدى الطفل حديث الولادة غير منتظمة, ليس بالنسبة للزمن فقط, وإنما بالنسبة للكمية أيضًا, كما أن وظائف الإخراج تبدأ في العمل بعد ساعات قليلة من الميلاد, ويتفاوت مقدار ما يخرجه الوليد من البول والبراز حسب الزمن والكمية أيضًا.
وينام الوليد حوالي 80% من الوقت، ولا يوقظه إلّا بعض المثيرات الداخلية؛ مثل: عدم الراحة, أو الألم, أو الجوع، ولا يؤثر فيه من المثيرات الخارجية إلّا الضوضاء الشديدة جدًّا, أو التغييرات المفاجئة في درجة الحرارة.
3- حركات الوليد: يبدأ النشاط الحركي عند الإنسان مبكرًا أثناء فترة الحمل، ويزداد قوةً, ويصبح أكثر حدوثًا مع نمو الجنين, وبعد الولادة وخروج الجنين من الرحم تظهر بوضوح حركات الوليد التي تتسم بأنها غير متآزرة, وغير موجهة, بسبب عدم النضج الفسيولوجي العصبي، ولعل هذا أحد أسباب عجز الوليد, وبالرغم من الطبيعة العشوائية في حركات اليد, فإنها يمكن أن تنقسم إلى فئتين:
أ- النشاط الكتلى: ويشمل الحركات العامة للجسم كله، ومن الملاحظ أنه لو تعرَّض أيّ جزء من أجزاء جسم الوليد لمثيرٍ حسيٍّ تكون الاستجابة هي حركة الجسم كله, فمثلًا حين تستثار اليد اليسرى لا يحرك الطفل الذراع الأيسر فقط, وإنما الذراع الأيمن أيضًا, وقد يحرّك ساقيه, ويلوي جذعه, ويحرك رأسه ذات اليمين وذات الشمال، فإذا كان المثير شديدًا يصرخ أيضًا, وبسبب هذا النشاط الكتلي غير المميز, يبذل الوليد مقدارًا هائلًا من الطاقة, يُقَدَّرُ بضعفٍ أو ثلاثة أمثال ما يبذله الشخص الراشد, إذا وضعنا نسبة وزن كلٍّ منهما في الاعتبار, فإذا أضفنا إلى ذلك الصراخ, نجد أن الطفل سرعان ما يجهد ويتعب, ويزداد النشاط في حالات الجوع والألم وعدم الراحة، وأكثر أجزاء الجسم حركةً هي الجذع والساقان
وأقلها الرأس, ويتحرك الوليد بالطبع أثناء اليقظة أكثر منه أثناء النوم.
ب- النشاط النوعي, والذي يشتمل على أجزاء معينة محددة من الجسم, ومن هذه الأنشطة النوعية التي توجد منذ الميلاد, الأفعال المنعكسة1؛ كمنعكس الصراخ, وطرف العين, والشفتين, واللسان, والمصّ, وانتفاض الركبة, والانثناء, والعطش, وغيرها, وأول ما يظهر من هذه الأفعال المنعكسة ماله أهمية في المحافظة على بقاء الكائن الحي, أما الأفعال المنعكسة الأخرى الأخرى, التي ليس لها نفس الأهمية في بقاء الوليد, فإنها تظهر متأخرة نسبيًّا بعد الولادة بعدة ساعات أو أيام, ثم تختفي بعد أشهر قليلة, ومن أشهر هذه الأفعال المنعكسة منعكس بابينسكي Babinski "ثنى أصابع القدم"، ومنعكس داروين Darwin "القبض", ومنعكس مورو Moro "العناق, والذي يظهر حين يستلقي الوليد على ظهره على مائدة أو حشية صلبة, فإنه يقذف ذراعيه في حركة أشبه بالعناق".
وتظهر أيضًا عند الميلاد استجابات عامة غير الأفعال المنعكسة "والتي تستخدم مجموعة من العضلات أكبر مما يستخدم في الأفعال المنعكسة" مثل: تثبيت البصر على الضوء, والحركات التلقائية للعين, وإفراز الدموع, واستجابات الأكل؛ كالمصِّ والبلع وحركات اللسان والشفتين ومصِّ الأصابع والحركات الإيقاعية للفم والفواق, بالإضافة إلى حركات تقطيب الحاجبين وتحريك الرأس وإدارة الجذع وانتفاض الجسم وحركات اليد والذراعين, وحركات الرفس وحركات الساقين والقدمين, وجميع هذه الحركات تكون غير تآزرية, وغير محددة وغير موجهة, ومع ذلك فهي مهمة؛ لأنها الأساس الذي تُبْنَى عليه الحركات الماهرة, التي تكون على أعلى درجات التآزر فيما بعد, نتيجة للتعلم.
4- أصوات الوليد: يظهر الصراخ في العادة منذ الميلاد أو بعده بقليل, وصراخ الوليد هو فعلٌ منعكسٌ تمامًا, وينتج عن اندفاع الهواء بسرعةٍ إلى الأحبال الصوتية, مما يسبب حركتها، وله وظيفة فسيولوجية مباشرة, فوظيفةُ الصرخة الأولى عقب الميلاد, هي توسيع الرئتين؛ بحيث تسمحان بالتنفس وتزويد الدم بكمية الأوكسجين.
وبعد الميلاد بقليل تظهر هذه الصرخات تغيرات في الشدة والحدة والاستمرار, وعادةً ما تصبح لها معانٍ مرتبطة بالأحوال الفسيولوجية للوليد؛ مثل: الجوع والألم وعدم الراحة والتعب, ويصاحب صراخ الوليد حركات جسمية
مختلفة، وكلما زاد الصراخ حدةً زادت معه الحركات الجسمية, وهذه الحركات الجسمية التي تصاحب الصراخ تكون إشارةً إلى أن الوليد يريد الانتباه إليه, أي أنها تصبح نوعًا من الاتصال غير اللفظي, وبالإضافة إلى الصراخ, فإن الوليد قد يصدر أصواتًا انفجارية تشبه التنفس العميق, وتصدر دون أن يكون لها معنًى أو قصد, وإنما تحدث بالصدفة البحتة حينما تتصل الأحبال الصوتية بعضها ببعض، وتسمى هذه الأصوات قرقرات "وهي أشبه بصوت السائل الذي يمر فيه الهواء"، ثم تقوى هذه الأصوات وتتحول إلى ما يسمى المناغاة في المرحلة التالية, والتي تعتبر أساس الكلام.
5- النمو الحسي: تنتاب دراسة النمو الحسيّ عند الوليد صعوبات منهجية خاصة, لعجز الوليد عن استخدام أسلوب التقرير الذاتي, وهو الأسلوب الأكثر شيوعًا في بحوث سيكلوجية الحواس, والمحكّ الوحيد للحكم على وجود النشاط الحسي أو عدم وجوده عند الوليد, هو الاستجابة الحركية لمثيرٍ حسيٍّ, ويقع على عضو الحس موضع الاهتمام "وهو المحك الذي استخدم مع الجنين أيضًا كما بينا في الفصل السابق" وذلك على الرغم من أن الباحث قد يصعب عليه التمييز أحيانًا بين ما إذا كانت الاستجابة الحركية صدرت نتيجة استثارة المثير, أو هي جزء من النشاط الكتلي العام للوليد، ومن ناحيةٍ أخرى, فإن عدم صدور الاستجابة لا يعني بالضرورة عدم وجود الإحساس، فربما يكون المثير المستخدم ضعيفًا، واستخدام المثيرات الأقوى قد يؤذي أعضاء الحسّ التي لا تزال رقيقة عند الوليد, ومع ذلك يمكن القول: إننا نعرف في الوقت الحاضر أن الطفل يكون قادرًا على التمييز الحسيّ منذ ميلاده, وخاصة بالنسبة لحاستي البصر والسمع؛ فبالنسبة للبصر نجد أن الشبكية في العين, والتي تحتوي على خلايا الإحساس البصري, لا تصل إلى نموها الكامل عند الميلاد, ومعنى ذلك أن الوليد قد يكون لديه عند الميلاد عمى ألوان كلي أوجزئي, وخلال الأسبوع من الميلاد يمكن لمعظم الأطفال الاستجابة للضوء بعلامات عدم الارتياح.
أما السمع: فيكون عند الميلاد في أدنى الدرجات, إذا قارنا هذه الحاسة بالحواس الأخرى؛ فمعظم الأطفال يكونون في حالة صمم كليٍّ تقريبًا عند الميلاد, ولعدة أيام, بسبب انسداد الأذن الوسطى بالسائل الأميني. فحتى الأصوات العالية القريبة من الأذن لا تنتج إلّا استجابات ضئيلة في أحسن الحالات, وتظهر علامات الاستجابة للصوت في الفترة من اليوم الثالث إلى اليوم السابع بعد الولادة.
أما حاستا الشم والذوق, فتكونان على درجة كبيرة من النموِّ عند الميلاد
وكذلك توجد الحساسية الجلدية للمس والضغط والحرارة والألم, وبعض أجزاء الجسم تكون أكثر حساسية من البعض الآخر، ولعل أشدها حساسية الشفاه, أما بالنسبة للحساسية العضوية, فإن تقلصات الجوع تكون على درجة كبيرة من النمو عند الولادة, وتظهر بعدها بوقت وجيز.
وبسبب القصور النسبي في نمو عضوي الحسِّ الأساسيين, وهما العين والأذن, فلا نتوقع للوليد أن يكون على درجة من الوعي بما يحدث في البيئة المحيطة به، فقد يكون" شعوره مضطربًا مختلطًا" على النحو الذي يصفه وليم جيمس. وبسبب أن عقل الوليد يختلف عن عقل الطفل الأكبر منه, وبسبب أن خبرته ترتبط بخبرته السابقة في الرحم, فإن الوليد يشعر بالعالم شعورًا مختلفًا، يشبهه كيرت كوفكا بما يحدث عندما يستمع الشخص غير الموسيقيّ لمقطوعة موسيقية بطريقة تختلف عن استماع الخبير بالموسيقى لها.
ونتيجةً لعدم توافر الوعي بالبيئة المحيطة، وعدم نموّ المخ بدرجة كافية, فإننا نستطيع أن نصف الوليد بأنه "كائن غير قادر على التعلم" وخاصة خلال الأيام الأولى من ولادته، ويصدق هذا على أبسط صور التعلم؛ كالتعلم الشرطي والتعلم الترابطي، إذا استثينا بعض صور الاشتراط, والتي تحدث في موقف التغذية.
6- انفعالات الوليد: بسبب عدم التآزر في نشاط الوليد, فإن من غير المنطقيّ أن نتوقع أن تكون حالات الانفعالية عند الميلاد محددة تحديدًا دقيقًا في شكل انفعالات معينة, ولهذا نجد الباحثين في العادة يصنفون استجابات الوليد إلى نوعين: استجابات سارة وإيجابية, واستجابات غير سارة أو سالبة "Hurlock". ويمكن أن تظهر الاستجابات غير السارة بتغيير وضع الوليد بطريقة مفاجئة, أو بإحداث أصواتٍ مزعجةٍ عالية جدًّا أو مفاجئة, أو بتعطيل حركاته التلقائية، أو بوضعه في فراشٍ مبلل, أو وضع شيء بارد جدًّا على جلده. فقد لوحظ أنه يبكي ويصرخ استجابةً لمثل هذه المثيرات, أما الاستجابات السارة فيمكن إظهارها بالربت والهزّ والحضن والمصّ.
الواقع أن الاستجابات السارة أقلّ تحديدًا وأكثر غموضًا من الاستجابات غير السارة, وتقترب من حالات الهدوء والسكون أكثر من كونها حالات انفعالية, والخاصية المميزة للتكوين الانفعالي لدى الوليد هي عدم وجود تدرج في الاستجابات يشير إلى درجات مختلفة من الحدة، فمهما كان المثير, تكون الاستجابة الناتجة بنفس الدرجة من الحدة.
7- بداية تكوين الشخصية: توجد أدلة على وجود فروق بين الأطفال
منذ الولادة في بعض الخصائص المزاجية, تظهرها الفروق في معدل النشاط، وتؤلف الاستعدادات التي تنمو فيما بعد, وتتطور إلى سماتٍ للشخصية, وتظهر هذه الفروق على وجه الخصوص في استجابات الطفل للطعام, وفي سلوك البكاء, وفي النشاط الحركي, ولا شكّ أن بعض العوامل المؤثرة في الشخصية تعود إلى فترة ما قبل الولادة، فأيّ اضطراب في بيئة ما قبل الولادة نتيجةً للعمليات الانفعالية للأم, قد تحدث تغيرات في سلوك الوليد، وقد تؤدي إلى حالات النشاط الزائد, أو عدم الاستقرار في سلوكه.
ولا يوجد دليل علميّ -كما قلنا- على تأثير ما يسمى صدمة الميلاد "أي: الصدمة النفسية التي يقال أن الوليد يشعر بها نتيجة الانفصال عن الأم بالولادة" في الشخصية, وربما يكون العامل الأكثر أهمية هو اتجاه الأم نحو الوليد, كما ينعكس في سلوكها، وخاصة اتجاهات الرفض، وكذلك القلق والتوتر والاضطراب الذي تبديه الأم إزاء وليدها، وهو ما ناقشناه بالتفصيل في بداية هذا الفصل.
ومما يفيد في تغيير اتجاهات الأم نحو عملية الولادة, ما تلجأ إليه بعض المجتمعات الحديثة من تنظيم فصول حول ولادة الطفل ورعايته, وفي هذه الفصول تقدم للأمهات من غير ذوات الخبرة السابقة "وربما الأزواج أيضًا" معلومات حول ما يحدث أثناء الوضع، كما تتدرب أمهاتٌ على أفضل أساليب
التنفس والاسترخاء التي تسهل هذه العملية, وتؤكد البحوث التي أجريت على فعالية هذه الفصول, أنها تؤثر في خبرة الأم، فهي تشعر باسترخاءٍ أكثر أثناء الوضع، وتدرك العملية على أنها أكثر يسرًا وسهولة "Shaffer 1985".
ويؤدي وجود الزوج في غرفة الولادة إلى شعورٍ أخف بآلام الوضع، وقد يكون ذلك ناتجًا عن الدعم العاطفي الذي يقدمه الزوج لها في هذا الموقف الحرج, وخبرة الأب بعملية الولادة تجعله يزداد ارتباطًا بالطفل فيما بعد.
ومع ذلك, فإن الخبرات الشائعة عند معظم الأمهات أنهن يشعرن ببعض الاكتئاب والضيق والتوتر خلال فترة تمتد من 3-8 أيام بعد الولادة, ومن الغريب أن هذه المشاعر تكون أكثر حِدَّةً لدى الأمهات اللاتي يشعرن بسعادةٍ أكبر خلال الأشهر الأخيرة من الحمل، كما لا توجد فروق جوهرية في هذه المشاعر بين الأمهات اللاتي يلدن أطفالًا أصحاء, أو يلدن أطفال غير أسوياء, أو يموت أطفالهن بعد الولادة, إلّا أن هذه المشاعر عادةً ما تكون مؤقتة, وسرعان ما تزول بعد عدة أيام أو أسابيع, ويرجع بعض الباحثين هذه المشاعر إلى ما تتناوله بعض الأمهات من أدوية خلال الوضع, كما أن بعض الأمهات قد يشعرن بهذه المشاعر السلبية نتيجة إهمالهنّ عقب الولادة, والاهتمام المبالغ فيه بالوليد من جانب الأهل والأصدقاء, ويعتبر البعض الآخر من الباحثين أن هذه المشاعر نوعٌ من الاستجابة السيكلوجية للتغيرات الهورمونية التي تحدث في جسم الأم, حتى تحوله من الحالة التي كان عليها أثناء الحمل إلى الحالة العادية التي يجب أن يكون عليها, ومهما كان السبب, فإن محض وجود هذه المشاعر التي لم نتنبه إليها إلّا في السنوات الأخيرة, يدعونا إلى ضرورة العناية بالأم عقب الولادة, وأن يسعى المقربون إليها بتقديم الدعم, والانتباه لها خلال هذه الفترة الحرجة.
اتجاهات الإخوة إزاء الوليد:
يُعَدُّ ميلادُ طفلٍ جديد لأسرة لديها أطفال آخرون حدثًا تمتزج في اتجاهاتهم نحوه استجابات القبول باستجابات الرفض, فعادة ما يشعر الإخوة أن الأم تهجرهم بذهابها إلى مستشفى الولادة, وتهملهم عقب عودتها منها. ولهذا نجد هؤلاء الأطفال يبحثون عن الاهتمام والرعاية بإصدار بعض الأفعال الشاذة, حينما تكون الأم مشغولة بإطعام الوليد الجديد أو رعايته, ويصدرون هذه الأفعال عادةً بسبب مشاعر الغيرة.
ومعنى هذا: أن على الوالدين أن يخصصا بعض الوقت للاهتمام بأطفالهم الكبار, حتى يشعروا بأنهم لا يزالون موضع رعايتهم وحبهم، مع ضرورة الحرص على عدم المبالغة في ذلك, ولعل حكمة الأبوة والأمومة هي التي تعين الوالدين على مواجهة تحدي الشعور بالغيرة عند الإخوة الكبار, وذلك من خلال تهيئة جَوٍّ يشعرهم بأهميتهم كأعضاء في الأسرة, وقد يحل هذه المشكلة أن يتناوب الوالدان في مهمة رعاية الوليد؛ بحيث يحظى الأطفال الكبار برعاية كلٍّ منهما, كما قد يساعد في حلها أن يُطْلَبَ من الأخ الكبير أن يظهر كفاءته من خلال تقديم يد العون للوليد, سواء في إطعامه أو حمامه أو تغيير ملابسه.
الاتجاهات نحو جنس الطفل:
يحدد جنس الطفل نموه الكليّ منذ لحظة ميلاده, فالضغوط الثقافية من الوالدين, ثم من المعلمين وجماعات الأقران, ومن المجتمع ككل بعد ذلك, تستخدم وتمارس على الطفل منذ ولادته, وتزداد عامًا بعد عام, حتى يكوّن الطفل الاتجاهات المناسبة لجنسه, ويظهر أنماط السلوك التي تتناسب مع معايير الثقافة, والطفل الذي يتعلم أن يسلك على النحو "المطلوب" من جنسه, يحظى بالتقبل الاجتماعي, كما أن بعض خبرات التعلم التي يتعرض لها الطفل في المنزل وفي المدرسة وفي الملعب وغير ذلك من المجالات يحددها أيضًا الجنس.
ولا شكَّ أن أهم الآثار الناتجة عن جنس الطفل هو اتجاهات الوالدين نحوه؛ فقد أثبتت الدراسات التي أجريت على تفضيل الوالدين لأيّ الجنسين, أن التفضيل التقليدي للولد, وخاصة للطفل الأول, لازالت له السيادة في كثير من الثقافات، فإذا وُجِدَ طفل واحد في الأسرة، يفضل الآباء الحصول على أخٍ له لا أخت, وحينما يوجد عدد من الأطفال في الأسرة, فإن الأبوين يفضلان في العادة أسرة تتكون من أطفال من الجنسين بأعداد متساوية تقريبًا.
وبالطبع, فإن التفضيل القوي لطفل من جنس معين, له تأثيراته الواضحة على الاتجاهات الوالدية, والتي تؤثر بدورها في سلوك الوالدين نحو الطفل, وفي علاقاتهما معه؛ فالأمهات اللاتي يفضلن الأبناء الذكور يكن أكثر ميلًا للقسوة على البنات, وبالمثل, فإن الآباء يعاملون الطفل بما يتفق مع درجة تقبلهم لجنسه.
الاتجاهات نحو التوائم:
من الشائع أن الأم تنتج بويضة واحدة في المرة الواحدة, ويترتب على ذلك توأمان من النوع الذي يسمى توائم أخوية, والتي يعوزها التشابه في النواحي الجسمية والنفسية, وقد تكون التوائم الأخوية من نفس الجنس أو من الجنسين, ومعنى ذلك أنها تكون مختلفة في الخصائص الوراثية، بل قد تختلف في بيئة ما قبل الولادة "الرحم" من حيث موضع كل منهما في مشيمته وحبله السري.
وقد يحدث أن تنقسم البويضة الواحدة المخصبة إلى قسمين أو أكثر في المراحل الأولى من الإخصاب، وينمو كل قسم إلى شخص كامل مستقلٍّ، وينتج عن ذلك توأمان, أو أكثر, من النوع الذي يسمى التوائم المتطابقة؛ وحيث أن هذه التوائم تنتج من نفس الخلية المخصبة, فإنها تتطابق تطابقًا تامًّا في الخصائص الوراثية.
وبالطبع, فإن لعدد الأجنة في الرحم في المرة الأولى تأثيره على سير النمو, سواء قبل الولادة أو بعدها؛ فالتوائم المتطابقة مثلًا تتشابه كثيرًا في النمو الجسمي والعقلي, بسبب التشابه في العوامل الوراثية, ويؤثر ذلك في أنماط شخصياتهم تأثيرًا يختلف عن الإخوة العاديين, أو حتى التوائم الأخوية "غير المتطابقة", وفي فترة ما قبل الولادة نجد أن وجود أكثر من جنينٍ واحدٍ يجعل الطفل يشارك غيره في مكانٍ مهيأ لطفل واحد، وقد يؤثر هذا التزاحم في النمو الطبيعي لعضلات الأجنة، بل قد يؤدي إلى ولادة مبتسرة "أي: قبل الموعد"، والتي يزيد احتمال حدوثها كلما زاد عدد الأجنة في الرحم, ولذلك كثيرًا ما نجد أن احتمال استمرار حياة التوائم بعد الولادة أقل من احتمال حياة الوليد الواحد.
وفي بيئة ما بعد الولادة, نجد أن اتجاهات الوالدين وطرق تربيتهما للأطفال تختلف بالنسبة للوليد الواحد عنها للتوائم, مما يؤثر في النمو في كلِّ حالة؛ فالأمهات يرفضن أحيانًا التوائم, وكثير من الآباء يحاول أن يهيئ للتوائم بيئةً متشابهة بعد الولادة، ولذلك فعادةً ما يعاملونهم كما لو كانوا ينتمون بعضهم لبعض, ويصدق هذا على التوائم المتطابقة, وعلى التوائم الأخوية من نفس الجنس, وبالطبع يؤثر ذلك في النمو الاجتماعي للتوائم. ففي سنوات ما قبل المدرسة يظهر عليهم ميلٌ للتنافس في جذب انتباه الكبار, وفي محاكاة بعضهم بعضها، وفي اعتماد بعضهم على بعضٍ, أكثر من اعتمادهم على غيرهم, وحين يكبر التوائم يظهر بينهم سلوك التنافس المعتاد بين الأخوة، وكذلك مشاعر النقص؛ لأن كلًّا منهما يعوزه الاستقلال, ويقارن دائمًا بتوأمه في جميع صور السلوك, ولذلك قد ينتج عن ذلك كله مشاعر الإحباط, وكما هو الحال في جميع العلاقات الاجتماعية, قد يقوم أحد التوأمين بدور القيادة, ويقوم الآخر بدور التبعية، ويؤثر ذلك بالطبع في علاقاتهم الاجتماعية بالآخرين.
وقد يصعب على التوائم المتطابقة تنمية الإحساس بالذات؛ لأنه من المستحيل أحيانًا على الطفل في هذه الحالة أن يميز بين ذاته والتوأم باعتباره جزءًا من الآخرين, وهذا النقص في مفهوم الذات يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإحباط والصراع, واستجابات العدوان التي تترك أثرها على الشخصية.
خصائص نمو الوليد:
هذه المرحلة هي أقصر مراحل النموّ؛ فهي تبدأ مع الولادة, وتنتهي عندما يبلغ الطفل أسبوعين تقريبًا, وفي هذه المرحلة لا يحدث نموٌّ كبيرٌ, وإنما تحدث عدة صورٍ من التكيف مع الحياة الجديدة, ولذلك في العادة توصف مرحلة الوليد بأنها مرحلة هضبة في النمو, وهذا التكيف الذي أشرنا إليه يحدث عقب الولادة وقطع الحبل السري مباشرةً, ويتمثل في أربعة أنواع هي:
1- تكيف للتغيرات في درجة الحرارة بعد الانتقال من درجة حرارة ثابتة في الرحم, إلى درجة متغيرة تتراوح بين 28، 37 درجة مئوية في المستشفى أو المنزل.
2- تكيف لعملية التنفس, والذي يعني: اتساع الرئتين باعتبارهما مصدر الإمداد بالأوكسجين, بدلًا من المشيمة والحبل السريّ اللذين كان يعتمد عليهما الجنين في التنفس قبل الولادة.
3- تكيف لعملية المصِّ والبلع باعتبارهما وسيلتا الحصول على الغذاء بعد الولادة, بدلًا من التغذية التي كان يتلقاها الجنين من المشيمة والحبل السري.
4- تكيف لعملية الإخراج من خلال أجهزة التبول والتبرز, بدلًا من أن يكون ذلك خلال الحبل السري والمشيمة.
هذه الأنواع الأربعة من التكيّف عادةً ما تكون صعبة على الوليد، ويتضح ذلك من أن وزنه ينقص خلال الأسبوع الأول بعد الولادة الذي يستغرقه في هذه التكيفات, ثم يبدأ بعد ذلك في الزيادة، وقد يجد بعض الأطفال عملية التكيف هذه في غاية الصعوبة، وربما لذلك تكون أعلى نسبة وفياتٍ بين الأطفال في هذه الفترة.
وبالطبع توجد عدة عوامل تؤثر في تكيف الوليد لحياة ما بعد الولادة, هي على وجه الخصوص نوع الولادة, وصحة الأم, وحالتها الانفعالية فترة ما قبل الولادة, والظروف التي توجد في بيئة ما بعد الولادة، وهي عوامل تناولناها بالتفصيل فيما سبق.
ونعرض فيما يلي خصائص النمو خلال هذه الفترة القصيرة، وقبل ذلك, يجب أن نؤكد أن مولد الوليد لا يعني أن فترة حمله بالضرورة 280يومًا، فبعض الأطفال يولدون قبل الأوان, والبعض الآخر يولد بعده, وفي هذه الأحوال, فإن من الواضح أن نفس المستوى من النمو لن يظهر في جميع الأطفال حديثي الولادة.
- النمو الجسمي: عند الميلاد يكون وزن الوليد في المتوسط 1/2 7رطلًا "حوالي 4كيلو جرامات" وطوله 1/2 19 بوصة "حوالي 39سنتيمترًا", ويكون الذكور أطول وأثقل قليلًا من الإناث, وتوجد بالطبع فروق فردية داخل الجنس الواحد في ذلك, وهذ الفروق تكون أكبر في الوزن منها في الطول, والاختلاف والتباين في الحجم لا يعتمد على الجنس بقدر اعتماده على العوامل الموجودة في بيئة ما قبل الولادة, وخاصة طعام الأم أثناء الحمل, وقد ناقشنا ذلك في الفصل السابق, ويسبب وجود علاقة بين نظام تغذية الأم أثناء الحمل وحجم الطفل عند الميلاد, نجد أن متوسط حجم أطفال المناطق المنخفضة في المستوى الاقتصادي والاجتماعي يكون أقل من أطفال المناطق المرتفعة في هذا المستوى, والطفل الأول يكون وزنه في العادة أقل من الطول والوزن من إخوته الذين يولدون بعده.
وخلال الأيام الأولى بعد الولادة ينقص وزن الطفل في العادة، ولو أن ذلك ليس قاعدة عامة, فمن الشائع أن ينقص الوزن بمقدار 6-7% من الوزن عند الميلاد, وفي اليوم العاشر بعد الميلاد تقريبًا يستعيد معظم الأطفال جزءًا كبيرًا من وزنهم المفقود, وقد سبق لنا أن فسرنا ذلك بظروف التكيف لبيئة ما بعد الولادة.
وتكون عضلات الوليد ملساء صغيرة, وصعبة التحكم فيها, ووقت الميلاد يكون النمو الحادث في عضلات الرقبة والساقين أقل من اليدين والذراعين, وتكون العظام شأنها شأن العضلات لينة ومرنة, ولذلك تكون سهلة التشوه, ويكون الجلد ناعمًا, ولونه أقرب إلى اللون القرنفلي, وكثيرًا ما نجد في الوليد شعرًا ناعمًا أزغب في الرأس والظهر، إلّا أنه سرعان ما يزول, وتكون الغدد الدمعية عند الولادة غير نشطة, إلّا أنه مع بلوغ الطفل يومه الخامس يبدأ في البكاء بدموع.
ومن حيث نسب الجسم نلاحظ أن الرأس تبلغ ربع طول الجسم تقريبًا, بمقارنتها برأس الراشد التي تبلغ حوالي 1/7 طول الجسم كله, وتكون منطقة الجمجمة أكبر بكثير من باقي الرأس، بينما تكون منطقة الذقن صغيرة جدًّا، وتكون الرقبة قصيرة جدًّا, ويبلغ حجم العينين درجة النضج تقريبًا, إلّا أن حركة العين لا تخضع للتحكم بسبب ضعف عضلاتها, وتكون الأنف صغيرة ومسطحة تقريبًا بالنسبة للوجه, ويبدو الفم كما لو كان فتحة ضيقة بسبب ضيق الشفتين. وفي الجذع تكون الأكتاف ضيقة, بينما تكون البطن كبيرة ومنتفخة, ومن حيث تناسب الأذرع والسيقان لدى أطفال هذه الفترة, نجدها أقصر من الرأس والجذع, وتكون الأيدي والأقدام صغيرة منمنمة.
- النمو الفسيولوجي: مع الميلاد تبدأ وظائف الجسم في العمل حتى تقوم بمهام الاتزان البدني "الهوميوستازى", التي كان يقوم بها جسم الأم أثناء الحمل, وبالطبع فإن هذا النشاط يكون صعبًا عقب الولادة بسبب ضعف الجهاز العصبي المستقل, إلّا أن هذه الحالة سرعان ما تتغير مع النضج التدريجي لهذا الجهاز, ومن أسباب وفيات الأطفال في هذه المرحلة ضعف الاتزان البدني, ومع الولادة تبدأ وظائف التنفس في العمل. ومن الملاحظ على الوليد أن دقات قلبه تكون سريعة حتى يحافظ على ضغط الدم العادي مع قلب صغير الحجم, وتكون درجة حرارة الطفل أعلى من المعتاد, وتظهر حركات منعكس المصّ مع الميلاد، وبالطبع يتطلب الأمر بعض الوقت "عدة أسابيع" حتى ينتظم إيقاع الجوع، وبالتالي, فإن مطالب الجوع لدى الطفل حديث الولادة غير منتظمة, ليس بالنسبة للزمن فقط, وإنما بالنسبة للكمية أيضًا, كما أن وظائف الإخراج تبدأ في العمل بعد ساعات قليلة من الميلاد, ويتفاوت مقدار ما يخرجه الوليد من البول والبراز حسب الزمن والكمية أيضًا.
وينام الوليد حوالي 80% من الوقت، ولا يوقظه إلّا بعض المثيرات الداخلية؛ مثل: عدم الراحة, أو الألم, أو الجوع، ولا يؤثر فيه من المثيرات الخارجية إلّا الضوضاء الشديدة جدًّا, أو التغييرات المفاجئة في درجة الحرارة.
3- حركات الوليد: يبدأ النشاط الحركي عند الإنسان مبكرًا أثناء فترة الحمل، ويزداد قوةً, ويصبح أكثر حدوثًا مع نمو الجنين, وبعد الولادة وخروج الجنين من الرحم تظهر بوضوح حركات الوليد التي تتسم بأنها غير متآزرة, وغير موجهة, بسبب عدم النضج الفسيولوجي العصبي، ولعل هذا أحد أسباب عجز الوليد, وبالرغم من الطبيعة العشوائية في حركات اليد, فإنها يمكن أن تنقسم إلى فئتين:
أ- النشاط الكتلى: ويشمل الحركات العامة للجسم كله، ومن الملاحظ أنه لو تعرَّض أيّ جزء من أجزاء جسم الوليد لمثيرٍ حسيٍّ تكون الاستجابة هي حركة الجسم كله, فمثلًا حين تستثار اليد اليسرى لا يحرك الطفل الذراع الأيسر فقط, وإنما الذراع الأيمن أيضًا, وقد يحرّك ساقيه, ويلوي جذعه, ويحرك رأسه ذات اليمين وذات الشمال، فإذا كان المثير شديدًا يصرخ أيضًا, وبسبب هذا النشاط الكتلي غير المميز, يبذل الوليد مقدارًا هائلًا من الطاقة, يُقَدَّرُ بضعفٍ أو ثلاثة أمثال ما يبذله الشخص الراشد, إذا وضعنا نسبة وزن كلٍّ منهما في الاعتبار, فإذا أضفنا إلى ذلك الصراخ, نجد أن الطفل سرعان ما يجهد ويتعب, ويزداد النشاط في حالات الجوع والألم وعدم الراحة، وأكثر أجزاء الجسم حركةً هي الجذع والساقان
وأقلها الرأس, ويتحرك الوليد بالطبع أثناء اليقظة أكثر منه أثناء النوم.
ب- النشاط النوعي, والذي يشتمل على أجزاء معينة محددة من الجسم, ومن هذه الأنشطة النوعية التي توجد منذ الميلاد, الأفعال المنعكسة1؛ كمنعكس الصراخ, وطرف العين, والشفتين, واللسان, والمصّ, وانتفاض الركبة, والانثناء, والعطش, وغيرها, وأول ما يظهر من هذه الأفعال المنعكسة ماله أهمية في المحافظة على بقاء الكائن الحي, أما الأفعال المنعكسة الأخرى الأخرى, التي ليس لها نفس الأهمية في بقاء الوليد, فإنها تظهر متأخرة نسبيًّا بعد الولادة بعدة ساعات أو أيام, ثم تختفي بعد أشهر قليلة, ومن أشهر هذه الأفعال المنعكسة منعكس بابينسكي Babinski "ثنى أصابع القدم"، ومنعكس داروين Darwin "القبض", ومنعكس مورو Moro "العناق, والذي يظهر حين يستلقي الوليد على ظهره على مائدة أو حشية صلبة, فإنه يقذف ذراعيه في حركة أشبه بالعناق".
وتظهر أيضًا عند الميلاد استجابات عامة غير الأفعال المنعكسة "والتي تستخدم مجموعة من العضلات أكبر مما يستخدم في الأفعال المنعكسة" مثل: تثبيت البصر على الضوء, والحركات التلقائية للعين, وإفراز الدموع, واستجابات الأكل؛ كالمصِّ والبلع وحركات اللسان والشفتين ومصِّ الأصابع والحركات الإيقاعية للفم والفواق, بالإضافة إلى حركات تقطيب الحاجبين وتحريك الرأس وإدارة الجذع وانتفاض الجسم وحركات اليد والذراعين, وحركات الرفس وحركات الساقين والقدمين, وجميع هذه الحركات تكون غير تآزرية, وغير محددة وغير موجهة, ومع ذلك فهي مهمة؛ لأنها الأساس الذي تُبْنَى عليه الحركات الماهرة, التي تكون على أعلى درجات التآزر فيما بعد, نتيجة للتعلم.
4- أصوات الوليد: يظهر الصراخ في العادة منذ الميلاد أو بعده بقليل, وصراخ الوليد هو فعلٌ منعكسٌ تمامًا, وينتج عن اندفاع الهواء بسرعةٍ إلى الأحبال الصوتية, مما يسبب حركتها، وله وظيفة فسيولوجية مباشرة, فوظيفةُ الصرخة الأولى عقب الميلاد, هي توسيع الرئتين؛ بحيث تسمحان بالتنفس وتزويد الدم بكمية الأوكسجين.
وبعد الميلاد بقليل تظهر هذه الصرخات تغيرات في الشدة والحدة والاستمرار, وعادةً ما تصبح لها معانٍ مرتبطة بالأحوال الفسيولوجية للوليد؛ مثل: الجوع والألم وعدم الراحة والتعب, ويصاحب صراخ الوليد حركات جسمية
مختلفة، وكلما زاد الصراخ حدةً زادت معه الحركات الجسمية, وهذه الحركات الجسمية التي تصاحب الصراخ تكون إشارةً إلى أن الوليد يريد الانتباه إليه, أي أنها تصبح نوعًا من الاتصال غير اللفظي, وبالإضافة إلى الصراخ, فإن الوليد قد يصدر أصواتًا انفجارية تشبه التنفس العميق, وتصدر دون أن يكون لها معنًى أو قصد, وإنما تحدث بالصدفة البحتة حينما تتصل الأحبال الصوتية بعضها ببعض، وتسمى هذه الأصوات قرقرات "وهي أشبه بصوت السائل الذي يمر فيه الهواء"، ثم تقوى هذه الأصوات وتتحول إلى ما يسمى المناغاة في المرحلة التالية, والتي تعتبر أساس الكلام.
5- النمو الحسي: تنتاب دراسة النمو الحسيّ عند الوليد صعوبات منهجية خاصة, لعجز الوليد عن استخدام أسلوب التقرير الذاتي, وهو الأسلوب الأكثر شيوعًا في بحوث سيكلوجية الحواس, والمحكّ الوحيد للحكم على وجود النشاط الحسي أو عدم وجوده عند الوليد, هو الاستجابة الحركية لمثيرٍ حسيٍّ, ويقع على عضو الحس موضع الاهتمام "وهو المحك الذي استخدم مع الجنين أيضًا كما بينا في الفصل السابق" وذلك على الرغم من أن الباحث قد يصعب عليه التمييز أحيانًا بين ما إذا كانت الاستجابة الحركية صدرت نتيجة استثارة المثير, أو هي جزء من النشاط الكتلي العام للوليد، ومن ناحيةٍ أخرى, فإن عدم صدور الاستجابة لا يعني بالضرورة عدم وجود الإحساس، فربما يكون المثير المستخدم ضعيفًا، واستخدام المثيرات الأقوى قد يؤذي أعضاء الحسّ التي لا تزال رقيقة عند الوليد, ومع ذلك يمكن القول: إننا نعرف في الوقت الحاضر أن الطفل يكون قادرًا على التمييز الحسيّ منذ ميلاده, وخاصة بالنسبة لحاستي البصر والسمع؛ فبالنسبة للبصر نجد أن الشبكية في العين, والتي تحتوي على خلايا الإحساس البصري, لا تصل إلى نموها الكامل عند الميلاد, ومعنى ذلك أن الوليد قد يكون لديه عند الميلاد عمى ألوان كلي أوجزئي, وخلال الأسبوع من الميلاد يمكن لمعظم الأطفال الاستجابة للضوء بعلامات عدم الارتياح.
أما السمع: فيكون عند الميلاد في أدنى الدرجات, إذا قارنا هذه الحاسة بالحواس الأخرى؛ فمعظم الأطفال يكونون في حالة صمم كليٍّ تقريبًا عند الميلاد, ولعدة أيام, بسبب انسداد الأذن الوسطى بالسائل الأميني. فحتى الأصوات العالية القريبة من الأذن لا تنتج إلّا استجابات ضئيلة في أحسن الحالات, وتظهر علامات الاستجابة للصوت في الفترة من اليوم الثالث إلى اليوم السابع بعد الولادة.
أما حاستا الشم والذوق, فتكونان على درجة كبيرة من النموِّ عند الميلاد
وكذلك توجد الحساسية الجلدية للمس والضغط والحرارة والألم, وبعض أجزاء الجسم تكون أكثر حساسية من البعض الآخر، ولعل أشدها حساسية الشفاه, أما بالنسبة للحساسية العضوية, فإن تقلصات الجوع تكون على درجة كبيرة من النمو عند الولادة, وتظهر بعدها بوقت وجيز.
وبسبب القصور النسبي في نمو عضوي الحسِّ الأساسيين, وهما العين والأذن, فلا نتوقع للوليد أن يكون على درجة من الوعي بما يحدث في البيئة المحيطة به، فقد يكون" شعوره مضطربًا مختلطًا" على النحو الذي يصفه وليم جيمس. وبسبب أن عقل الوليد يختلف عن عقل الطفل الأكبر منه, وبسبب أن خبرته ترتبط بخبرته السابقة في الرحم, فإن الوليد يشعر بالعالم شعورًا مختلفًا، يشبهه كيرت كوفكا بما يحدث عندما يستمع الشخص غير الموسيقيّ لمقطوعة موسيقية بطريقة تختلف عن استماع الخبير بالموسيقى لها.
ونتيجةً لعدم توافر الوعي بالبيئة المحيطة، وعدم نموّ المخ بدرجة كافية, فإننا نستطيع أن نصف الوليد بأنه "كائن غير قادر على التعلم" وخاصة خلال الأيام الأولى من ولادته، ويصدق هذا على أبسط صور التعلم؛ كالتعلم الشرطي والتعلم الترابطي، إذا استثينا بعض صور الاشتراط, والتي تحدث في موقف التغذية.
6- انفعالات الوليد: بسبب عدم التآزر في نشاط الوليد, فإن من غير المنطقيّ أن نتوقع أن تكون حالات الانفعالية عند الميلاد محددة تحديدًا دقيقًا في شكل انفعالات معينة, ولهذا نجد الباحثين في العادة يصنفون استجابات الوليد إلى نوعين: استجابات سارة وإيجابية, واستجابات غير سارة أو سالبة "Hurlock". ويمكن أن تظهر الاستجابات غير السارة بتغيير وضع الوليد بطريقة مفاجئة, أو بإحداث أصواتٍ مزعجةٍ عالية جدًّا أو مفاجئة, أو بتعطيل حركاته التلقائية، أو بوضعه في فراشٍ مبلل, أو وضع شيء بارد جدًّا على جلده. فقد لوحظ أنه يبكي ويصرخ استجابةً لمثل هذه المثيرات, أما الاستجابات السارة فيمكن إظهارها بالربت والهزّ والحضن والمصّ.
الواقع أن الاستجابات السارة أقلّ تحديدًا وأكثر غموضًا من الاستجابات غير السارة, وتقترب من حالات الهدوء والسكون أكثر من كونها حالات انفعالية, والخاصية المميزة للتكوين الانفعالي لدى الوليد هي عدم وجود تدرج في الاستجابات يشير إلى درجات مختلفة من الحدة، فمهما كان المثير, تكون الاستجابة الناتجة بنفس الدرجة من الحدة.
7- بداية تكوين الشخصية: توجد أدلة على وجود فروق بين الأطفال
منذ الولادة في بعض الخصائص المزاجية, تظهرها الفروق في معدل النشاط، وتؤلف الاستعدادات التي تنمو فيما بعد, وتتطور إلى سماتٍ للشخصية, وتظهر هذه الفروق على وجه الخصوص في استجابات الطفل للطعام, وفي سلوك البكاء, وفي النشاط الحركي, ولا شكّ أن بعض العوامل المؤثرة في الشخصية تعود إلى فترة ما قبل الولادة، فأيّ اضطراب في بيئة ما قبل الولادة نتيجةً للعمليات الانفعالية للأم, قد تحدث تغيرات في سلوك الوليد، وقد تؤدي إلى حالات النشاط الزائد, أو عدم الاستقرار في سلوكه.
ولا يوجد دليل علميّ -كما قلنا- على تأثير ما يسمى صدمة الميلاد "أي: الصدمة النفسية التي يقال أن الوليد يشعر بها نتيجة الانفصال عن الأم بالولادة" في الشخصية, وربما يكون العامل الأكثر أهمية هو اتجاه الأم نحو الوليد, كما ينعكس في سلوكها، وخاصة اتجاهات الرفض، وكذلك القلق والتوتر والاضطراب الذي تبديه الأم إزاء وليدها، وهو ما ناقشناه بالتفصيل في بداية هذا الفصل.