يتناول هذا الفصل الأسس العامة لرعاية الجنين والأم الحامل, ونبدأ بعرض العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ما قبل الولادة, ثم ننتقل إلى أساليب الإرشاد اللازمة للوالدين عامة والأم خاصة في هذه المرحلة.
العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ما قبل الولادة:
يتأثر النمو في طور ما قبل الولادة بمجموعةٍ من العوامل, تؤدي إلى السواء أو الخلل في التتابع العادي الذي وصفناه في هذا الباب, ونعرض فيما يلي العوامل التي أكدتها البحوث التجريبية.
1- خصائص الأم:
من العوامل المؤثرة في نمو الطفل في طور ما قبل الولادة عمر الأم, فقد تأكد أن الحمل قبل سن العشرين قد يؤدي إلى فقدان الطفل أو نموه مشوهًا, وقد يكون سبب ذلك أن كثيرًا من النساء لا يبلغ النضج الجسمي قبل هذا السن "ربما عند سن 18", وعلى هذا, فإن الأم الصغيرة التي لا تزال في مرحلة النمو الجسمي قد يكون جهازها التناسلي أقلّ اكتمالًا, أو أنها قد تكون في حاجة أكثر إلى معظم غذائها في نموها هي، ويؤدي ذلك إلى بعض الأخطار على الجنين.
وبالمثل, فإن الأمهات بعد سن الخامسة والثلاثين يواجهن مشكلاتٍ أثناء الولادة, بالإضافة إلى احتمال وفاة الجنين وتشوهه إذا وُلِدَ حيًّا, ومعظم هذه الحالات تنشأ لدى الأم الكبيرة التي تلد في هذا السن لأول مرة, والمشكلات في هذه الحالة تفوق مشكلات الأم الصغيرة, أما بالنسبة للأمهات الكبيرات اللاتي سبق لهن الولادة, فعادةً ما يكمل الجنين مدة الأشهر التسعة ويلدن بطريقة طبيعية.
ويؤثر في نمو الجنين عدد مرات الحمل السابقة للأم؛ فالأم التي تحمل أكثر من أربع مراتٍ يتعرض جنينها في هذه الحالة إلى مشكلات نمو أكثر من الأم التي تحمل عددًا أقل من المرات, إلّا أن الملاحظ أن الولادة الثانية للأم تكون عادةً
أيسر من الولادة الأولى, ويرتبط عدد مرات الحمل بالطبع بسن الأم, فمن البديهي أن تكون الأم التي تلد أكثر من 4مرات أكبر سنًّا من تلك التي تلد عددًا أقل من المرات إذا تساوى سن الزواج.
ويؤثر في نمو الجنين الحالة الانفعالية للأم, إلّا أننا يجب أن نذكر أن هذا العامل لم يدرس بعد دراسة كافية على أمهات الأجنة البشرية, بسبب صعوبة تصميم مثل هذه البحوث التي تنتمي إلى دراسة التفاعل بين الأم والجنين, وتقدير أثر هذا التفاعل في نموه, وقد اقتصرت معظم البحوث على الظواهر التي يمكن أن تقاس بموضوعية, وخاصة النشاط البيولوجي والنشاط الحسي, ولهذا فإن معظم هذه البحوث أجريت على الحيوانات، ومنها اتضح بصفةٍ عامَّةٍ أن تعرض الأم الحيوانية الحامل للضغوط الانفعالية يؤدي إلى تغير سلوك النسل, ومن ذلك زيادة الانفعالية لديه "Mussen 1970", ويبدو من ذلك أن من المنطقي استنتاج: أن الحالة الانفعالية للأم تؤثر في نمو جنينها؛ فالأم غير السعيدة في حياتها الزوجية تشعر بالقلق نتيجة للحمل, وحتى الأم السعيدة تشعر أحيانًا بالقلق من عملية الولادة, وخاصة إذا كانت للمرة الأولى, وقد تأكد تأثير هذه الحالات على الجنين بالرغم من عدم وجود ارتباط مباشر بين الجهاز العصبي لكلٍّ من الأم والطفل, وقد ينشأ الأثر عن نشاط الجهاز العصبي المستقل للأم الذي يستثير الغدد الصماء لإفراز هورمونات؛ مثل: الأدرينالين الذي يصاحب الحالات الانفعالية مثل القلق, والهورمونات يمكنها أن تخترق المشيمة, وتدخل في المسمار الرئيسي لدم الجنين, وفي دراسة مبكرة قام بها سونتاج "Sontage 1987" أن الأطفال الذين يتَّسِمون بكثرة النشاط أثناء الحمل ربما نتيجة لقلق الأم، يظهرون فيما بعد الكثير من الصراخ والتلوي والإسهال ومشكلات التغذية, كما أكَّدَ باحثون آخرون "Copans 1974" بعد ذلك أعراضًا أخرى لأطفال هؤلاء الأمهات؛ مثل: القئ المتكرر, والحساسية للأصوات, وقد تؤثر الحالة الانفعالية للأم أيضًا في زيادة النشاط الحركي للجنين "Ridgway 1987"؛ فإذا استمر التوتر الانفعالي والقلق طوال فترة الحمل, فإنه قد يؤدي إلى صعوبات جمة أثناء الولادة.
وحالما يولد الطفل من أمٍّ شديدة القلق, وعلى درجةٍ من الاعتمادية على الآخرين, ولديها اتجاهات متناقضة أو سلبية إزاء الحمل, فإن طفلها يكون زائد النشاط, مفرط الحساسية, وغير منتظم في طعامه ونومه وعادات الإخراج عنده، بالإضافة إلى ما قد يعانيه من أمراضٍ خلال السنوات الثلاث الأولى من حياته "Stott 1971", وهذه الحالة المزاجية قد تكون وراثية، وقد ترجع مباشرة إلى القلق الزائد عند الأم.
إلّا أننا نحب أن ننبه إلى أن النتائج السابقة ترتبط بالحالة الانفعالية الشديدة طويلة المدى لدى الأم, ولا نتوقع أن يؤدي الضغط النفسي العادي أو القلق المتوسط أو المؤقت, إلى آثارٍ خطيرة في الجنين.
- التغذية:
التغذية غير الكافية للأم تؤدي أيضًا إلى مشكلاتٍ في نمو الجنين؛ لأن الأم هي المصدر الوحيد لغذائه، ولهذا ينصح أطباء النساء والولادة الأمهات في الوقت الحاضر بأن يزيد وزنهن خلال الشهور الثلاثة الأولى من الحمل بمعدل ثلاثة أو أربعة أرطال على الأقل "ما بين 1,5-2،8 كيلو جرامًا"، ثم بمعدل رطل "حوالي نصف كيلو جرام" في الأسبوع تقريبًا بعد ذلك، بزيادة كلية مقدارها 24 -28 رطلًا "بين 12-14جرامًا". ويتوقف ذلك على التوازن الغذائي للطعام الذي تتناوله الأم؛ حيث يجب أن يشمل البروتين والدهون والكربوهيدرات والمعادن والفيتامينات.
ومعظم النتائج التي حصل عليها الباحثون عن علاقة التغذية بنمو ما قبل الولادة, جاءت من البحوث التي أُجْرِيَت على الأمهات سيئات التغذية, وتأكد أن خطر هذا العامل على الأم الحامل يكون أشد حين يحدث في الشهور الثلاثة الأولى من حياة الجنين، كما أن هذه المخاطر قد تظهر حين يحدث سوء التغذية في الفصل المتآخر من الحمل "أي: الشهور الثلاثة الأخيرة"؛ ففي هذه المرحلة يتزايد بسرعة عدد خلايا مخ الجنين كما يصل فيها الجنين إلى معظم وزنه المعتاد عند الولادة, وقد أكدت البحوث التي أجريت على الحيوانات أن الغذاء غير الملائم للأم ينتج في الجنين عدد أقل من الخلايا العصبية "Liebert et 1986", ولهذا فإن من المتوقع للأمهات سيئات التغذية في هذه الفترة, أن يلدن أطفالًا ذوي مخٍّ أقل في عدد خلاياه العصبية, وذوي وزن منخفض, وبالإضافة إلى ذلك فإن كثيرًا من الدراسات الارتباطية أكدت وجود علاقة بين النقص الغذائي لدى الأم والولادة المبتسرة, أو نقص الوزن عند الولادة, أو ولادة الجنين ميتًا, أو التخلف في النمو, بالإضافة إلى التخلف العقلي.
وتتوقف الآثار طويلة الأمد لسوء التغذية أثناء الحمل على نظام تغذية الطفل بعد ولاته, فإذا تعرض الطفل الوليد لسوء التغذية بسبب انخفاض المستوى الاقتصادي الاجتماعي؛ فالأرجح أنه سينمو بنقائص جسمية وعقلية, ومن حسن الحظ أن التعويض الغذائي الذي يُقَدَّمُ للأم خلال النصف الثاني من فترة الحمل, أو يقدَّم للأطفال عقب الولادة مباشرة, يساعد في خفض آثار سوء التغذية المبكر.
وعلى أية حالٍ, فلا يزال موضوع سوء التغذية وأثره في الجنين في حاجةٍ إلى مزيد من البحث, والسؤال هو: هل سوء التغذية لدى الأم لا يقابل ببساطة الحاجات الغذائية لدى الجنين، أم أنه أيضًا يلعب دورًا غير مباشر في زيادة تعرض الأم للأمراض وتعقيدات الولادة؟
- الأمراض:
من المعلوم في الوقت الحاضر أن كثيرًا من الفيروسات تستطيع أن تخترق المشيمة, وتؤثر بشدة في الجنين, ويزداد ذلك وضوحًا إذا علمنا أن الجنين لا يتوافر له جهاز مناعة ناضج يقاوم الأمراض المختلفة.
ومن الأمراض التي تؤثر في الجنين تلك تتعرض لها الأم بالطبع، وأشهر هذه الأمراض الحصبة الألمانية التي عرفت بخطرها على الجنين منذ عام 1942؛ فإصابة الأم بهذا المرض قد يؤدي إلى فقدان الطفل بصره وسمعه, وقد يعاني من اضطراب القلب والكبد والبنكرياس والتخلف العقلي, ويزداد خطر الحصبة الألمانية خلال الشهور الأولى من الحمل؛ حين يزداد احتمال السقط أو ولادة الطفل ميتًا، أو الولادة قبل الأوان، ويقدر عدد النقائص التي تحدث نتيجة لهذا المرض خلال الشهر الأول من الحمل بحوالي 50%، كما تأكد أن خطر الحصبة الألمانية لا يكون بنفس الدرجة من الشدة على الطفل إذا أصيبت الأم بعد ثلاثة أشهر من الحمل.
ومن الأمراض المعدية الخطيرة أيضًا مرض الزهري, الذي يؤثر في الجنين، إلّا أن أثره عكس اتجاه الحمى الألمانية؛ فهو أشد خطرًا بعد أن يبلغ الجنين ثلاثة أشهر من العمر إذا أصيبت به الأم في هذه الفترة.
وتوجد أمراض أخرى لها أثار مختلفة في الجنين, يوضحها الجدول رقم "8-1".
4- العقاقير والمخدرات:
يتأثر الجنين بما تتعاطه الأم من العقاقير "ويشمل ذلك الأدوية"؛ فبعض الأدوية التي تشمل المهدئات أو بعض الهرمونات "وخاصة الهرمونات الجنسية" تؤثر تأثيرًا سلبيًّا على نمو الجنين، ويشمل ذلك حبوب منع الحمل إذا تعاطتها الأم دون أن تعلم أنها حامل.
ويدخل في باب العقاقير المسكرات والمخدرات, وقد تأكَّد منذ زمنٍ طويلٍ أن تعاطي الأم للخمور "حتى ولو بمقدار بسيط" يؤدي إلى ضمور رأس الجنين, وسوء نشاط قلبه وأطرافه ومفاصله ووجهه, ويتوقع لهذا الجنين أن يظهر نشاطًا زائدًا وبعض النوبات التشنجية, وقد حدد بعض الباحثين "راجع: Shaffer 1985 136" عرضًا مرضيًّا يسمى "كحولية الجنين"، ويلاحظ على الطفل الذي يولد ولديه هذا المرض أنه يكون أصغر حجمًا, وأخفّ وزنًا, بالنسبة للطفل العادي، وأن نموه الجسمي يتخلف عن أقرانه طوال الطفولة والمراهقة. كما أن معظم هؤلاء الأطفال يحصلون على درجات أقل من المتوسط في اختبارات الذكاء، وكثيرون منهم يصنفون على أنهم متخلفون عقليًّا.
وقد أجريت دراسات على تدخين الأم للحشيش, أكدت أنه يؤدي إلى حدوث شذوذ سلوكي يظهر في الطفل الوليد, كما أجريت دراسات على عقاقير الهلوسة LSD1, أكدت أن الأم التي تتعاطى هذه العقاقير قبل الحمل أو أثناءه, تتعرض للإجهاض التلقائي، أو إلى أن يولد الطفل وفيه عيوب تكوينية, ومنها شذوذ الكرموزومات, فإذا أضفنا إلى ذلك أن الأمهات اللاتي يتعاطين هذه المخدرات وغيرها عادةً ما يكنّ من المريضات, أو من سيئات التغذية, أو من المدمنات على أنواعٍ من العقاقير الأخرى كالخمور, يمكننا أن ندرك المخاطر المحدقة بأطفالهن.
ولعل من أخطر النتائج التي تَمَّ التوصل إليها, هي ما يدور حول تعاطي المخدرات المهدئة مثل: الأفيون والهيروين والكودين والميثادون والمورفين, فقد تأكد أن أطفال المدمنات على هذه المواد يصبحون مدمنين وهم في الرحم, وحين يولدون يكون حجمهم أقل من الحجم المعتاد, بل لوحظ على هذا الطفل بعد ولادته "وقد توقف بالطبع عن التعاطي بسبب انفصاله الجسدي عن الأم" أنه يعاني من القيء والإسهال والتشنج, والتي قد تؤدي بحياة الطفل إذا لم تعالج, وإذا عاش الطفل فإنه يظهر أعراض التهيج وحَدَّةَ الطبع والصراخ الحاد والارتعاش الشديدة, وعدم القدرة على النوم، والنشاط الزائد، ومشكلات التنفس، والشهية الكبيرة للطعام، والإسهال، والقيء "Householder et al 1982", وهذه الاضطرابات قد تستمر لمدة شهرين أو ثلاثة, وقد يصبح بعضها طويل الأمد, ويظهر في صورة نشاط زائد, وضعف في مدى الانتباه.
- التدخين:
أكدت نتائج البحوث التي أجريت حول أثر تدخين الأمهات على نمو الجنين, أن تدخين الأم يؤثر مباشرة في الجنين بتعطيل أو تأخير معدل نموه، كما يزيد المخاطرة بحدوث الإجهاض التلقائي "السقط" أو موت الجنين. وقد تأكد أيضًا أن أطفال الأمهات المدخنات "وخاصة أولئك اللاتي يدخن بشراهة" قد يولدون بنقائص واضحة في النمو الجسمي والعقلي والانفعالي, وقد يكون السبب في ذلك إلى جانب أثر التدخين المباشر الناتج عن النيكوتين والآثار الجانبية لأول أكسيد الكربون, أن الأمهات المدخنات عادةً ما يكن سيئات التغذية, أو قد يكنَّ من اللاتي يتعاطين الخمور والمخدرات، وقد تضاف هذه الآثار السلبية إلى آثار التدخين؛ فتحدث نتائج أكثر خطرًا "Lefkowittz 1981".
ويوضح الجدول رقم "8-2" الآثار المحتملة على الجنين الناتجة عن تناول الأم العقاقير والعناصر الكيميائية والمخدرات والتدخين.
- مخاطر البيئة:
توجد مجموعة عوامل تؤثر في الإنسان على وجه العموم، ويمتد أثرها إلى الجنين في رحم الأم بالطبع, تجمعها تسمية عامة هي مخاطر البيئة، ويشمل ذلك آثار الإشعاع؛ فقد تأكد أن كل امرأة حامل عاشت في نطاق نصف ميل, بعيدًا عن الانفجار الذري الذي تعرضت له اليابان في الحرب العالمية الثانية, ولدت طفلًًا ميتًا، وأن 75% من النساء الحوامل اللاتي عشن في نطاق ميل وربع من هذا الانفجار الذري ولدن أطفال مشوهين أو معوقين, ومعظمهم مات عقب الولادة, بل إنه حتى التعرض الكلينيكي لجرعة من الإشعاع، كما هو الحال في أشعة أكس، يؤدي إلى الخلل الوراثي والإجهاض التلقائي ونقائص جسمية خطيرة, أهمها الكروموزمات وسيولة الدم, وخاصة إذا تعرضت الأم لهذه الأشعة في المرحلة الأولى من الحمل, ولعل أهم الابتكارات التكنولوجية التي أفادت الإنسانية، وخاصة صحة الأم والجنين، التصوير بالموجات فوق الصوتية الذي حلَّ محل التصوير بالإشعاع.
وقد امتدَّ الاهتمام في السنوات الأخيرة إلى تلوث البيئة, وقد تأكد أن تلوث الماء الذي تشربه الأم, والطعام الذي تأكله, والهواء الذي تستنشقه, يؤذي نمو المضغة والجنين, وبالطبع, فإن معدَّل التلوث يزداد في المناطق الصناعية. إن مخلفات المصانع التي تتألف من الرصاص والزنك والزئبق والأنتيمون، والتي تصب في الهواء وفي مصادر مياه الشرب، ناهيك عن مخلفات فضلات البشر التي تلجأ بعض دول العالم الثالث إلى التخلص منها بصرفها في الأنهار والبحار، لها آثار ضارة في تعويق الصحة الجسمية للإنسان وقدراته العقلية، وتؤثر بدورها على الأجنة في الأرحام.
العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ما قبل الولادة:
يتأثر النمو في طور ما قبل الولادة بمجموعةٍ من العوامل, تؤدي إلى السواء أو الخلل في التتابع العادي الذي وصفناه في هذا الباب, ونعرض فيما يلي العوامل التي أكدتها البحوث التجريبية.
1- خصائص الأم:
من العوامل المؤثرة في نمو الطفل في طور ما قبل الولادة عمر الأم, فقد تأكد أن الحمل قبل سن العشرين قد يؤدي إلى فقدان الطفل أو نموه مشوهًا, وقد يكون سبب ذلك أن كثيرًا من النساء لا يبلغ النضج الجسمي قبل هذا السن "ربما عند سن 18", وعلى هذا, فإن الأم الصغيرة التي لا تزال في مرحلة النمو الجسمي قد يكون جهازها التناسلي أقلّ اكتمالًا, أو أنها قد تكون في حاجة أكثر إلى معظم غذائها في نموها هي، ويؤدي ذلك إلى بعض الأخطار على الجنين.
وبالمثل, فإن الأمهات بعد سن الخامسة والثلاثين يواجهن مشكلاتٍ أثناء الولادة, بالإضافة إلى احتمال وفاة الجنين وتشوهه إذا وُلِدَ حيًّا, ومعظم هذه الحالات تنشأ لدى الأم الكبيرة التي تلد في هذا السن لأول مرة, والمشكلات في هذه الحالة تفوق مشكلات الأم الصغيرة, أما بالنسبة للأمهات الكبيرات اللاتي سبق لهن الولادة, فعادةً ما يكمل الجنين مدة الأشهر التسعة ويلدن بطريقة طبيعية.
ويؤثر في نمو الجنين عدد مرات الحمل السابقة للأم؛ فالأم التي تحمل أكثر من أربع مراتٍ يتعرض جنينها في هذه الحالة إلى مشكلات نمو أكثر من الأم التي تحمل عددًا أقل من المرات, إلّا أن الملاحظ أن الولادة الثانية للأم تكون عادةً
أيسر من الولادة الأولى, ويرتبط عدد مرات الحمل بالطبع بسن الأم, فمن البديهي أن تكون الأم التي تلد أكثر من 4مرات أكبر سنًّا من تلك التي تلد عددًا أقل من المرات إذا تساوى سن الزواج.
ويؤثر في نمو الجنين الحالة الانفعالية للأم, إلّا أننا يجب أن نذكر أن هذا العامل لم يدرس بعد دراسة كافية على أمهات الأجنة البشرية, بسبب صعوبة تصميم مثل هذه البحوث التي تنتمي إلى دراسة التفاعل بين الأم والجنين, وتقدير أثر هذا التفاعل في نموه, وقد اقتصرت معظم البحوث على الظواهر التي يمكن أن تقاس بموضوعية, وخاصة النشاط البيولوجي والنشاط الحسي, ولهذا فإن معظم هذه البحوث أجريت على الحيوانات، ومنها اتضح بصفةٍ عامَّةٍ أن تعرض الأم الحيوانية الحامل للضغوط الانفعالية يؤدي إلى تغير سلوك النسل, ومن ذلك زيادة الانفعالية لديه "Mussen 1970", ويبدو من ذلك أن من المنطقي استنتاج: أن الحالة الانفعالية للأم تؤثر في نمو جنينها؛ فالأم غير السعيدة في حياتها الزوجية تشعر بالقلق نتيجة للحمل, وحتى الأم السعيدة تشعر أحيانًا بالقلق من عملية الولادة, وخاصة إذا كانت للمرة الأولى, وقد تأكد تأثير هذه الحالات على الجنين بالرغم من عدم وجود ارتباط مباشر بين الجهاز العصبي لكلٍّ من الأم والطفل, وقد ينشأ الأثر عن نشاط الجهاز العصبي المستقل للأم الذي يستثير الغدد الصماء لإفراز هورمونات؛ مثل: الأدرينالين الذي يصاحب الحالات الانفعالية مثل القلق, والهورمونات يمكنها أن تخترق المشيمة, وتدخل في المسمار الرئيسي لدم الجنين, وفي دراسة مبكرة قام بها سونتاج "Sontage 1987" أن الأطفال الذين يتَّسِمون بكثرة النشاط أثناء الحمل ربما نتيجة لقلق الأم، يظهرون فيما بعد الكثير من الصراخ والتلوي والإسهال ومشكلات التغذية, كما أكَّدَ باحثون آخرون "Copans 1974" بعد ذلك أعراضًا أخرى لأطفال هؤلاء الأمهات؛ مثل: القئ المتكرر, والحساسية للأصوات, وقد تؤثر الحالة الانفعالية للأم أيضًا في زيادة النشاط الحركي للجنين "Ridgway 1987"؛ فإذا استمر التوتر الانفعالي والقلق طوال فترة الحمل, فإنه قد يؤدي إلى صعوبات جمة أثناء الولادة.
وحالما يولد الطفل من أمٍّ شديدة القلق, وعلى درجةٍ من الاعتمادية على الآخرين, ولديها اتجاهات متناقضة أو سلبية إزاء الحمل, فإن طفلها يكون زائد النشاط, مفرط الحساسية, وغير منتظم في طعامه ونومه وعادات الإخراج عنده، بالإضافة إلى ما قد يعانيه من أمراضٍ خلال السنوات الثلاث الأولى من حياته "Stott 1971", وهذه الحالة المزاجية قد تكون وراثية، وقد ترجع مباشرة إلى القلق الزائد عند الأم.
إلّا أننا نحب أن ننبه إلى أن النتائج السابقة ترتبط بالحالة الانفعالية الشديدة طويلة المدى لدى الأم, ولا نتوقع أن يؤدي الضغط النفسي العادي أو القلق المتوسط أو المؤقت, إلى آثارٍ خطيرة في الجنين.
- التغذية:
التغذية غير الكافية للأم تؤدي أيضًا إلى مشكلاتٍ في نمو الجنين؛ لأن الأم هي المصدر الوحيد لغذائه، ولهذا ينصح أطباء النساء والولادة الأمهات في الوقت الحاضر بأن يزيد وزنهن خلال الشهور الثلاثة الأولى من الحمل بمعدل ثلاثة أو أربعة أرطال على الأقل "ما بين 1,5-2،8 كيلو جرامًا"، ثم بمعدل رطل "حوالي نصف كيلو جرام" في الأسبوع تقريبًا بعد ذلك، بزيادة كلية مقدارها 24 -28 رطلًا "بين 12-14جرامًا". ويتوقف ذلك على التوازن الغذائي للطعام الذي تتناوله الأم؛ حيث يجب أن يشمل البروتين والدهون والكربوهيدرات والمعادن والفيتامينات.
ومعظم النتائج التي حصل عليها الباحثون عن علاقة التغذية بنمو ما قبل الولادة, جاءت من البحوث التي أُجْرِيَت على الأمهات سيئات التغذية, وتأكد أن خطر هذا العامل على الأم الحامل يكون أشد حين يحدث في الشهور الثلاثة الأولى من حياة الجنين، كما أن هذه المخاطر قد تظهر حين يحدث سوء التغذية في الفصل المتآخر من الحمل "أي: الشهور الثلاثة الأخيرة"؛ ففي هذه المرحلة يتزايد بسرعة عدد خلايا مخ الجنين كما يصل فيها الجنين إلى معظم وزنه المعتاد عند الولادة, وقد أكدت البحوث التي أجريت على الحيوانات أن الغذاء غير الملائم للأم ينتج في الجنين عدد أقل من الخلايا العصبية "Liebert et 1986", ولهذا فإن من المتوقع للأمهات سيئات التغذية في هذه الفترة, أن يلدن أطفالًا ذوي مخٍّ أقل في عدد خلاياه العصبية, وذوي وزن منخفض, وبالإضافة إلى ذلك فإن كثيرًا من الدراسات الارتباطية أكدت وجود علاقة بين النقص الغذائي لدى الأم والولادة المبتسرة, أو نقص الوزن عند الولادة, أو ولادة الجنين ميتًا, أو التخلف في النمو, بالإضافة إلى التخلف العقلي.
وتتوقف الآثار طويلة الأمد لسوء التغذية أثناء الحمل على نظام تغذية الطفل بعد ولاته, فإذا تعرض الطفل الوليد لسوء التغذية بسبب انخفاض المستوى الاقتصادي الاجتماعي؛ فالأرجح أنه سينمو بنقائص جسمية وعقلية, ومن حسن الحظ أن التعويض الغذائي الذي يُقَدَّمُ للأم خلال النصف الثاني من فترة الحمل, أو يقدَّم للأطفال عقب الولادة مباشرة, يساعد في خفض آثار سوء التغذية المبكر.
وعلى أية حالٍ, فلا يزال موضوع سوء التغذية وأثره في الجنين في حاجةٍ إلى مزيد من البحث, والسؤال هو: هل سوء التغذية لدى الأم لا يقابل ببساطة الحاجات الغذائية لدى الجنين، أم أنه أيضًا يلعب دورًا غير مباشر في زيادة تعرض الأم للأمراض وتعقيدات الولادة؟
- الأمراض:
من المعلوم في الوقت الحاضر أن كثيرًا من الفيروسات تستطيع أن تخترق المشيمة, وتؤثر بشدة في الجنين, ويزداد ذلك وضوحًا إذا علمنا أن الجنين لا يتوافر له جهاز مناعة ناضج يقاوم الأمراض المختلفة.
ومن الأمراض التي تؤثر في الجنين تلك تتعرض لها الأم بالطبع، وأشهر هذه الأمراض الحصبة الألمانية التي عرفت بخطرها على الجنين منذ عام 1942؛ فإصابة الأم بهذا المرض قد يؤدي إلى فقدان الطفل بصره وسمعه, وقد يعاني من اضطراب القلب والكبد والبنكرياس والتخلف العقلي, ويزداد خطر الحصبة الألمانية خلال الشهور الأولى من الحمل؛ حين يزداد احتمال السقط أو ولادة الطفل ميتًا، أو الولادة قبل الأوان، ويقدر عدد النقائص التي تحدث نتيجة لهذا المرض خلال الشهر الأول من الحمل بحوالي 50%، كما تأكد أن خطر الحصبة الألمانية لا يكون بنفس الدرجة من الشدة على الطفل إذا أصيبت الأم بعد ثلاثة أشهر من الحمل.
ومن الأمراض المعدية الخطيرة أيضًا مرض الزهري, الذي يؤثر في الجنين، إلّا أن أثره عكس اتجاه الحمى الألمانية؛ فهو أشد خطرًا بعد أن يبلغ الجنين ثلاثة أشهر من العمر إذا أصيبت به الأم في هذه الفترة.
وتوجد أمراض أخرى لها أثار مختلفة في الجنين, يوضحها الجدول رقم "8-1".
4- العقاقير والمخدرات:
يتأثر الجنين بما تتعاطه الأم من العقاقير "ويشمل ذلك الأدوية"؛ فبعض الأدوية التي تشمل المهدئات أو بعض الهرمونات "وخاصة الهرمونات الجنسية" تؤثر تأثيرًا سلبيًّا على نمو الجنين، ويشمل ذلك حبوب منع الحمل إذا تعاطتها الأم دون أن تعلم أنها حامل.
ويدخل في باب العقاقير المسكرات والمخدرات, وقد تأكَّد منذ زمنٍ طويلٍ أن تعاطي الأم للخمور "حتى ولو بمقدار بسيط" يؤدي إلى ضمور رأس الجنين, وسوء نشاط قلبه وأطرافه ومفاصله ووجهه, ويتوقع لهذا الجنين أن يظهر نشاطًا زائدًا وبعض النوبات التشنجية, وقد حدد بعض الباحثين "راجع: Shaffer 1985 136" عرضًا مرضيًّا يسمى "كحولية الجنين"، ويلاحظ على الطفل الذي يولد ولديه هذا المرض أنه يكون أصغر حجمًا, وأخفّ وزنًا, بالنسبة للطفل العادي، وأن نموه الجسمي يتخلف عن أقرانه طوال الطفولة والمراهقة. كما أن معظم هؤلاء الأطفال يحصلون على درجات أقل من المتوسط في اختبارات الذكاء، وكثيرون منهم يصنفون على أنهم متخلفون عقليًّا.
وقد أجريت دراسات على تدخين الأم للحشيش, أكدت أنه يؤدي إلى حدوث شذوذ سلوكي يظهر في الطفل الوليد, كما أجريت دراسات على عقاقير الهلوسة LSD1, أكدت أن الأم التي تتعاطى هذه العقاقير قبل الحمل أو أثناءه, تتعرض للإجهاض التلقائي، أو إلى أن يولد الطفل وفيه عيوب تكوينية, ومنها شذوذ الكرموزومات, فإذا أضفنا إلى ذلك أن الأمهات اللاتي يتعاطين هذه المخدرات وغيرها عادةً ما يكنّ من المريضات, أو من سيئات التغذية, أو من المدمنات على أنواعٍ من العقاقير الأخرى كالخمور, يمكننا أن ندرك المخاطر المحدقة بأطفالهن.
ولعل من أخطر النتائج التي تَمَّ التوصل إليها, هي ما يدور حول تعاطي المخدرات المهدئة مثل: الأفيون والهيروين والكودين والميثادون والمورفين, فقد تأكد أن أطفال المدمنات على هذه المواد يصبحون مدمنين وهم في الرحم, وحين يولدون يكون حجمهم أقل من الحجم المعتاد, بل لوحظ على هذا الطفل بعد ولادته "وقد توقف بالطبع عن التعاطي بسبب انفصاله الجسدي عن الأم" أنه يعاني من القيء والإسهال والتشنج, والتي قد تؤدي بحياة الطفل إذا لم تعالج, وإذا عاش الطفل فإنه يظهر أعراض التهيج وحَدَّةَ الطبع والصراخ الحاد والارتعاش الشديدة, وعدم القدرة على النوم، والنشاط الزائد، ومشكلات التنفس، والشهية الكبيرة للطعام، والإسهال، والقيء "Householder et al 1982", وهذه الاضطرابات قد تستمر لمدة شهرين أو ثلاثة, وقد يصبح بعضها طويل الأمد, ويظهر في صورة نشاط زائد, وضعف في مدى الانتباه.
- التدخين:
أكدت نتائج البحوث التي أجريت حول أثر تدخين الأمهات على نمو الجنين, أن تدخين الأم يؤثر مباشرة في الجنين بتعطيل أو تأخير معدل نموه، كما يزيد المخاطرة بحدوث الإجهاض التلقائي "السقط" أو موت الجنين. وقد تأكد أيضًا أن أطفال الأمهات المدخنات "وخاصة أولئك اللاتي يدخن بشراهة" قد يولدون بنقائص واضحة في النمو الجسمي والعقلي والانفعالي, وقد يكون السبب في ذلك إلى جانب أثر التدخين المباشر الناتج عن النيكوتين والآثار الجانبية لأول أكسيد الكربون, أن الأمهات المدخنات عادةً ما يكن سيئات التغذية, أو قد يكنَّ من اللاتي يتعاطين الخمور والمخدرات، وقد تضاف هذه الآثار السلبية إلى آثار التدخين؛ فتحدث نتائج أكثر خطرًا "Lefkowittz 1981".
ويوضح الجدول رقم "8-2" الآثار المحتملة على الجنين الناتجة عن تناول الأم العقاقير والعناصر الكيميائية والمخدرات والتدخين.
- مخاطر البيئة:
توجد مجموعة عوامل تؤثر في الإنسان على وجه العموم، ويمتد أثرها إلى الجنين في رحم الأم بالطبع, تجمعها تسمية عامة هي مخاطر البيئة، ويشمل ذلك آثار الإشعاع؛ فقد تأكد أن كل امرأة حامل عاشت في نطاق نصف ميل, بعيدًا عن الانفجار الذري الذي تعرضت له اليابان في الحرب العالمية الثانية, ولدت طفلًًا ميتًا، وأن 75% من النساء الحوامل اللاتي عشن في نطاق ميل وربع من هذا الانفجار الذري ولدن أطفال مشوهين أو معوقين, ومعظمهم مات عقب الولادة, بل إنه حتى التعرض الكلينيكي لجرعة من الإشعاع، كما هو الحال في أشعة أكس، يؤدي إلى الخلل الوراثي والإجهاض التلقائي ونقائص جسمية خطيرة, أهمها الكروموزمات وسيولة الدم, وخاصة إذا تعرضت الأم لهذه الأشعة في المرحلة الأولى من الحمل, ولعل أهم الابتكارات التكنولوجية التي أفادت الإنسانية، وخاصة صحة الأم والجنين، التصوير بالموجات فوق الصوتية الذي حلَّ محل التصوير بالإشعاع.
وقد امتدَّ الاهتمام في السنوات الأخيرة إلى تلوث البيئة, وقد تأكد أن تلوث الماء الذي تشربه الأم, والطعام الذي تأكله, والهواء الذي تستنشقه, يؤذي نمو المضغة والجنين, وبالطبع, فإن معدَّل التلوث يزداد في المناطق الصناعية. إن مخلفات المصانع التي تتألف من الرصاص والزنك والزئبق والأنتيمون، والتي تصب في الهواء وفي مصادر مياه الشرب، ناهيك عن مخلفات فضلات البشر التي تلجأ بعض دول العالم الثالث إلى التخلص منها بصرفها في الأنهار والبحار، لها آثار ضارة في تعويق الصحة الجسمية للإنسان وقدراته العقلية، وتؤثر بدورها على الأجنة في الأرحام.