تُعَدُّ عملية ولادة الطفل حدثًا هامًّا لجميع الأطراف؛ فخلال الأسابيع الأخيرة من الحمل يزداد اهتمام الوالدين بالولادة, وخاصة إذا كانت تحدث لأول مرة, وحالما تتم الولادة تشعر الأم "والأب إن كان حاضرًا للحدث" بالإنهاك والراحة معًا, ومع لمس الأم للمولود, تشعر حقًّا بالإعجاز الإلهي العظيم, الذي خلق من جسدها هذا الكائن الإنساني الجديد.
والسؤال التقليدي الذي يطرحه الوالدان دائمًا هو: كيف يمكن حساب الموعد التقريبي للولادة؟ وللإجابة على هذا السؤال نقول: إن أطباء النساء والتوليد كانوا يستخدمون لزمنٍ طويلٍ قاعدة مشهورة اقترحها نايجيلي Naegele, تتخلص في معرفة تاريخ بداية آخر دورة شهرية للأم، ثم يضاف إلى هذا التاريخ7 أيام، ويطرح منه 3شهور, مع تعديل السنة الشمسية إذا تطلب الأمر ذلك.
ونوضح ذلك بالمثال الآتي: نفرض أن بداية آخر دورة شهرية للأم كانت يوم 8 نوفمبر "الشهر الحادي عشر من سنة" عام 1996، فإن تقدير الموعد التقريبي للولادة حسب هذه القاعدة, يكون يوم 15 أغسطس عام 1997 على النحو التالي:
أما إذا كانت بداية آخر دورة شهرية هو 18 فبراير عام 1996 مثلًا, فإن موعد الولادة المتوقع يصبح 25 نوفمبر من نفس العام "1996".
وبالطبع فإن دقة هذه القاعدة تتوقف على التقدير الصحيح لبداية آخر دورة شهرية, والتي تقررها المرأة وحدها, وهناك عوامل قد لا تجعل تقديرها لهذا التاريخ صحيحًا، إلّا أنه مع ظهور تكنولوجيا التصوير فوق الصوتي, أمكن تصوير الأجنة؛ بحيث يمكن الوصول إلى تقديرات أكثر دقة.
ومن حقائق علم التوليد أن الجنين قبيل ولادته ببضعة أيام أو أسابيع, عادةً ما يتخذ وضعًا خاصًّا داخل الرحم؛ حيث تكون رأسه إلى أسفل, ورجلاه وقدماه إلى أعلى, وهو وضع الاستعداد البيولجي للولادة, ويسمى التخفف Lightening.
ومن العلامات الأساسية المميزة لاقتراب الولادة المخاض Labour "وهو ما يسمَى بالعامية الطلق"، وهو العملية التي يدفع بها الجنين خارج الرحم، وتحدث خلال فترة تمتد بين بضع ساعات وبضع أسابيع بعد عملية التخفف, وتنقسم عملية المخاض إلى ثلاث مراحل:
1- المرحلة الأولى وهي الأطول، وتستمر لفترة تمتد من 12-15 ساعة, في حالة الولادة الأولى، وما بين 6-8 ساعات للولادات التالية, وفيها يتسع عنق الرحم من خلال سلسلة من التقلصات العضلية, تتم في البداية على فترات زمنية طولها 20 دقيقة, ثم تصبح أكثر حدوثًا مع اقتراب الولادة, ومن نتائج هذه التقلصات تمزق الأغشية التي تحيط بالجنين، والذي يصاحبه تدفق السائل الأميني إلى الخارج, وبانتهاء هذه المرحلة يصل اتساع عنق الرحم إلى حوالي أربعة بوصات.
2- المرحلة الثانية أقصر من المرحلة السابقة, ولكنها أكثر حدّةً, وتبدأ مع اكتمال اتساع عنق الرحم, وتنتهي بخروج الجنين, وعند الأمهات اللاتي يلدن لأول مرةٍ تستغرق هذه المرحلة حوالي 90 دقيقة، ثم تستغرق حوالي نصف هذا الوقت في الولادات التالية, ومن الخصائص المميزة لهذه المرحلة, أن الأم تلعب دورًا إيجابيًّا في دفع الجنين خلال قناة الولادة، ويمثل جهدها حوالي 50% من المجهود المطلوب، بينما كانت تقلصات الرحم في المرحلة السابقة لا إرادية, وتلعب عضلات البطن دورًا أساسيًّا في هذه المرحلة؛ بحيث تعين على دفع الجنين إلى العالم الخارجي, ويبدأ ذلك بظهور رأس الطفل أولًا، وعادةً ما تخرج, وبعدئذٍ يتم قطع الحبل السري, الذي يكون بالطبع لا يزال متصلًا بالمشيمة حتى هذه اللحظة, وحالما تستقبل رئتا الطفل الوليد الهواء خلال القناة الأنفية تتوقف تمامًا وظيفة الحبل السري في استقبال الأوكسجين من المشيمة, ويحدث ذلك من خلال إفراز مادةٍ هلامية داخل الحبل السري, تؤدي إلى غلق أنبوبة الهواء فيه, وفي بعض المستشفيات يتم تقويم حالة الجسمية -عقب ولادته مباشرة- باستخدام مقياسٍ أعددته فيرجينيا أبسجر منذ عام 1953، ويتم ذلك بعد دقيقة واحدة من الولادة, ثم يتكرر بعد 5دقائق, ثم بعد 10 دقائق بعد الولادة, ويشمل هذا المقياس تقديرة الحالة الجسمية في ضوء خمس علامات هي: معدل القلب، الجهد التنفسي، الحساسية للأفعال المنعكسة، العضلات، لون البشرة, فإذا كانت الدرجة
في هذه الأبعاد منخفضة, دلَّ ذلك على أن الحالة التي عليها الطفل تستدعي رعاية خاصة.
3- المرحلة الثالثة من المخاض: تحدث بعد حوالي20 دقيقة من الوضع, وحينئذ تشعر الأم ببعض التقلصات القوية، وتدل على إخراج الأم للمشيمة والحبل السري, والأغشية الأخرى التي كانت تحيط بالطفل, وبإخراج هذه الأشياء تكون عملية الولادة قد اكتملت.
ويؤثر في الوليد يسر الولادة أو عسرها, والسرعة التي يتنفس بها عقب خروجه من الرحم, ومن الأخطار الهامة التي تنشأ عن الولادة العسرة, النزيف الذي ينتج عن الضغط على رأس الجنين, والذي قد يؤدي إلى تهتك بعض الأوعية الدموية في المخ, ومن هذه الأخطار أيضًا صعوبة أن يبدأ الطفل في التنفس عقب انفصاله مباشرةً عن المصدر الأمومي للأوكسجين, وكلٌّ من نزيف المخ, والفشل في التنفس, يؤثر في كمية الأوكسجين في الخلايا العصبية للمخ, ويؤدي إلى حالة مرضية تسمى نقص أوكسجين الأنسجة Anoxia. ومن المعروف أن الخلايا العصبية في الجهاز العصبي المركزي تحتاج إلى الأوكسجين, فإذا حُرِمَتْ منه تموت, وإذا فقد الوليد كميةً كبيرةً من خلاياه العصبية في هذه الفترة, فإنه يعاني من تلفٍ خطيرٍ في المخ, وقد يؤدي به ذلك إلى الوفاة، وإذا عاش, فإنه قد يعاني من نقائص جسمية وعقلية ونفسية خطيرة.
خبرة الولادة لدى الوليد:
هل خبرة الولادة تُعَدُّ من الخبرات السارة أو الأليمة لدى الوليد؟ يمتلئ الفولكلور النفسي إجابات عديدة على هذا السؤال، لعل أشهرها هذا التفسير الدرامي لصرخة الميلاد، والتي اعتبرها بعض الأدباء والفنانين صرخة احتجاج على الميلاد ورفض له، بينما هي في جوهرها ميكانيزم فيزيائي طبيعي ناتج عن دخول الهواء إلى الجهاز التنفسي للطفل لأول مرة.
من العلماء الذين أجابوا بهذه الإجابة على هذا السؤال "أي: اعتبار خبرة الميلاد خبرة أليمة" عالم التحليل النفسي أوتو رانك O. Rank, الذي استخدم عام 1929 هذا التعبير الذي شاع في التراث السيكلولوجي باسم "صدمة الميلاد" Trauma, وعنده أن الطفل الذي كان يعيش، وهو جنين، في بيئة دافئة ناعمة مشبعة للحاجات هي بيئة الرحم، تأتي عليه لحظة الميلاد فيطرد من هذه البيئة إلى عالم مختلف, وفي لحظة المواجهة الأولى لهذا العالم يعاني الطفل فجأةً البرد والألم والجوع واندفاع الأوكسجين إلى الرئتين, وتزداد صدمة الميلاد حدةً عند
الأطفال الذين يعانون من عسر الولادة, وفي رأي رانك, أن هذه الصدمة إذا كانت شديدةً تجعلهم على درجة عالية من القلق والعصابية طوال حياتهم.
وعلى الرغم من أن هذه الأفكار يعوزها الأساس العلمي، ورفضها الكثيرون, وعلى رأسهم أستاذ رانك نفسه وهو سيجموند فرويد، فإن طبيبًا فرنسيًّا معاصرًا, يسمى فردريك ليبويير, أعاد إحيائها في كتاب شهير ظهر له عام 1975 "Leboyer 1975", ويعترض ليبويير على بعض الممارسات الشائعة في طب التوليد؛ مثل: القطع المتسرع للحبل السري، والاستثارة المفاجئة للطفل حتى يتنفس، ووزن الطفل في ميزان معدني بارد، وترويع الوليد بوضع نترات الفضة في عينيه، وفصل الطفل عن أمه عقب ولاته مباشرة, ويصف هذه الإجراءات وغيرها بأنها أساليب لتعذيب الأطفال الأبرياء, وفي رأيه أن الولادة يمكن أن تكون أقل "صدمية" إذا استخدم الأطباء طريقته الرقيقة الحانية في التوليد, والتي يصفها في كتابه بالتفصيل.
ومن التطورات الهامة التي حدثت أيضًا في فن التوليد الحديث, إعادة الاهتمام بالجوانب المتصلة بالعلاقات الإنسانية أثناء خبرة الولادة، وزيادة مشاركة الآباء في هذه العملية, ومن ذلك السماح للأب بالوجود داخل غرفة المخاض والوضع بالمستشفيات؛ بحيث يقترب موقف الولادة من الجو العائلي الذي يعيش فيه الوالدان, مع السماح للوليد بعد ولادته بالبقاء معظم اليوم مع أمه, بالإضافة إلى تنظيم فصول خاصة "للإعداد للولادة" تنظمها بعض المستشفيات, ويشترك فيها الوالدان، وتعتمد دروس هذه الفصول على أفكار طبيبين شهيرين, أحدهما بريطاني هو جرانتلي ديك-ريد، والثاني فرنسي هو فرنادر لاميز, والهدف منها تزويد الوالدين بالمعلومات الأساسية عن عملية الولادة تمهيدًا لاستقبال الطفل.
والسؤال التقليدي الذي يطرحه الوالدان دائمًا هو: كيف يمكن حساب الموعد التقريبي للولادة؟ وللإجابة على هذا السؤال نقول: إن أطباء النساء والتوليد كانوا يستخدمون لزمنٍ طويلٍ قاعدة مشهورة اقترحها نايجيلي Naegele, تتخلص في معرفة تاريخ بداية آخر دورة شهرية للأم، ثم يضاف إلى هذا التاريخ7 أيام، ويطرح منه 3شهور, مع تعديل السنة الشمسية إذا تطلب الأمر ذلك.
ونوضح ذلك بالمثال الآتي: نفرض أن بداية آخر دورة شهرية للأم كانت يوم 8 نوفمبر "الشهر الحادي عشر من سنة" عام 1996، فإن تقدير الموعد التقريبي للولادة حسب هذه القاعدة, يكون يوم 15 أغسطس عام 1997 على النحو التالي:
أما إذا كانت بداية آخر دورة شهرية هو 18 فبراير عام 1996 مثلًا, فإن موعد الولادة المتوقع يصبح 25 نوفمبر من نفس العام "1996".
وبالطبع فإن دقة هذه القاعدة تتوقف على التقدير الصحيح لبداية آخر دورة شهرية, والتي تقررها المرأة وحدها, وهناك عوامل قد لا تجعل تقديرها لهذا التاريخ صحيحًا، إلّا أنه مع ظهور تكنولوجيا التصوير فوق الصوتي, أمكن تصوير الأجنة؛ بحيث يمكن الوصول إلى تقديرات أكثر دقة.
ومن حقائق علم التوليد أن الجنين قبيل ولادته ببضعة أيام أو أسابيع, عادةً ما يتخذ وضعًا خاصًّا داخل الرحم؛ حيث تكون رأسه إلى أسفل, ورجلاه وقدماه إلى أعلى, وهو وضع الاستعداد البيولجي للولادة, ويسمى التخفف Lightening.
ومن العلامات الأساسية المميزة لاقتراب الولادة المخاض Labour "وهو ما يسمَى بالعامية الطلق"، وهو العملية التي يدفع بها الجنين خارج الرحم، وتحدث خلال فترة تمتد بين بضع ساعات وبضع أسابيع بعد عملية التخفف, وتنقسم عملية المخاض إلى ثلاث مراحل:
1- المرحلة الأولى وهي الأطول، وتستمر لفترة تمتد من 12-15 ساعة, في حالة الولادة الأولى، وما بين 6-8 ساعات للولادات التالية, وفيها يتسع عنق الرحم من خلال سلسلة من التقلصات العضلية, تتم في البداية على فترات زمنية طولها 20 دقيقة, ثم تصبح أكثر حدوثًا مع اقتراب الولادة, ومن نتائج هذه التقلصات تمزق الأغشية التي تحيط بالجنين، والذي يصاحبه تدفق السائل الأميني إلى الخارج, وبانتهاء هذه المرحلة يصل اتساع عنق الرحم إلى حوالي أربعة بوصات.
2- المرحلة الثانية أقصر من المرحلة السابقة, ولكنها أكثر حدّةً, وتبدأ مع اكتمال اتساع عنق الرحم, وتنتهي بخروج الجنين, وعند الأمهات اللاتي يلدن لأول مرةٍ تستغرق هذه المرحلة حوالي 90 دقيقة، ثم تستغرق حوالي نصف هذا الوقت في الولادات التالية, ومن الخصائص المميزة لهذه المرحلة, أن الأم تلعب دورًا إيجابيًّا في دفع الجنين خلال قناة الولادة، ويمثل جهدها حوالي 50% من المجهود المطلوب، بينما كانت تقلصات الرحم في المرحلة السابقة لا إرادية, وتلعب عضلات البطن دورًا أساسيًّا في هذه المرحلة؛ بحيث تعين على دفع الجنين إلى العالم الخارجي, ويبدأ ذلك بظهور رأس الطفل أولًا، وعادةً ما تخرج, وبعدئذٍ يتم قطع الحبل السري, الذي يكون بالطبع لا يزال متصلًا بالمشيمة حتى هذه اللحظة, وحالما تستقبل رئتا الطفل الوليد الهواء خلال القناة الأنفية تتوقف تمامًا وظيفة الحبل السري في استقبال الأوكسجين من المشيمة, ويحدث ذلك من خلال إفراز مادةٍ هلامية داخل الحبل السري, تؤدي إلى غلق أنبوبة الهواء فيه, وفي بعض المستشفيات يتم تقويم حالة الجسمية -عقب ولادته مباشرة- باستخدام مقياسٍ أعددته فيرجينيا أبسجر منذ عام 1953، ويتم ذلك بعد دقيقة واحدة من الولادة, ثم يتكرر بعد 5دقائق, ثم بعد 10 دقائق بعد الولادة, ويشمل هذا المقياس تقديرة الحالة الجسمية في ضوء خمس علامات هي: معدل القلب، الجهد التنفسي، الحساسية للأفعال المنعكسة، العضلات، لون البشرة, فإذا كانت الدرجة
في هذه الأبعاد منخفضة, دلَّ ذلك على أن الحالة التي عليها الطفل تستدعي رعاية خاصة.
3- المرحلة الثالثة من المخاض: تحدث بعد حوالي20 دقيقة من الوضع, وحينئذ تشعر الأم ببعض التقلصات القوية، وتدل على إخراج الأم للمشيمة والحبل السري, والأغشية الأخرى التي كانت تحيط بالطفل, وبإخراج هذه الأشياء تكون عملية الولادة قد اكتملت.
ويؤثر في الوليد يسر الولادة أو عسرها, والسرعة التي يتنفس بها عقب خروجه من الرحم, ومن الأخطار الهامة التي تنشأ عن الولادة العسرة, النزيف الذي ينتج عن الضغط على رأس الجنين, والذي قد يؤدي إلى تهتك بعض الأوعية الدموية في المخ, ومن هذه الأخطار أيضًا صعوبة أن يبدأ الطفل في التنفس عقب انفصاله مباشرةً عن المصدر الأمومي للأوكسجين, وكلٌّ من نزيف المخ, والفشل في التنفس, يؤثر في كمية الأوكسجين في الخلايا العصبية للمخ, ويؤدي إلى حالة مرضية تسمى نقص أوكسجين الأنسجة Anoxia. ومن المعروف أن الخلايا العصبية في الجهاز العصبي المركزي تحتاج إلى الأوكسجين, فإذا حُرِمَتْ منه تموت, وإذا فقد الوليد كميةً كبيرةً من خلاياه العصبية في هذه الفترة, فإنه يعاني من تلفٍ خطيرٍ في المخ, وقد يؤدي به ذلك إلى الوفاة، وإذا عاش, فإنه قد يعاني من نقائص جسمية وعقلية ونفسية خطيرة.
خبرة الولادة لدى الوليد:
هل خبرة الولادة تُعَدُّ من الخبرات السارة أو الأليمة لدى الوليد؟ يمتلئ الفولكلور النفسي إجابات عديدة على هذا السؤال، لعل أشهرها هذا التفسير الدرامي لصرخة الميلاد، والتي اعتبرها بعض الأدباء والفنانين صرخة احتجاج على الميلاد ورفض له، بينما هي في جوهرها ميكانيزم فيزيائي طبيعي ناتج عن دخول الهواء إلى الجهاز التنفسي للطفل لأول مرة.
من العلماء الذين أجابوا بهذه الإجابة على هذا السؤال "أي: اعتبار خبرة الميلاد خبرة أليمة" عالم التحليل النفسي أوتو رانك O. Rank, الذي استخدم عام 1929 هذا التعبير الذي شاع في التراث السيكلولوجي باسم "صدمة الميلاد" Trauma, وعنده أن الطفل الذي كان يعيش، وهو جنين، في بيئة دافئة ناعمة مشبعة للحاجات هي بيئة الرحم، تأتي عليه لحظة الميلاد فيطرد من هذه البيئة إلى عالم مختلف, وفي لحظة المواجهة الأولى لهذا العالم يعاني الطفل فجأةً البرد والألم والجوع واندفاع الأوكسجين إلى الرئتين, وتزداد صدمة الميلاد حدةً عند
الأطفال الذين يعانون من عسر الولادة, وفي رأي رانك, أن هذه الصدمة إذا كانت شديدةً تجعلهم على درجة عالية من القلق والعصابية طوال حياتهم.
وعلى الرغم من أن هذه الأفكار يعوزها الأساس العلمي، ورفضها الكثيرون, وعلى رأسهم أستاذ رانك نفسه وهو سيجموند فرويد، فإن طبيبًا فرنسيًّا معاصرًا, يسمى فردريك ليبويير, أعاد إحيائها في كتاب شهير ظهر له عام 1975 "Leboyer 1975", ويعترض ليبويير على بعض الممارسات الشائعة في طب التوليد؛ مثل: القطع المتسرع للحبل السري، والاستثارة المفاجئة للطفل حتى يتنفس، ووزن الطفل في ميزان معدني بارد، وترويع الوليد بوضع نترات الفضة في عينيه، وفصل الطفل عن أمه عقب ولاته مباشرة, ويصف هذه الإجراءات وغيرها بأنها أساليب لتعذيب الأطفال الأبرياء, وفي رأيه أن الولادة يمكن أن تكون أقل "صدمية" إذا استخدم الأطباء طريقته الرقيقة الحانية في التوليد, والتي يصفها في كتابه بالتفصيل.
ومن التطورات الهامة التي حدثت أيضًا في فن التوليد الحديث, إعادة الاهتمام بالجوانب المتصلة بالعلاقات الإنسانية أثناء خبرة الولادة، وزيادة مشاركة الآباء في هذه العملية, ومن ذلك السماح للأب بالوجود داخل غرفة المخاض والوضع بالمستشفيات؛ بحيث يقترب موقف الولادة من الجو العائلي الذي يعيش فيه الوالدان, مع السماح للوليد بعد ولادته بالبقاء معظم اليوم مع أمه, بالإضافة إلى تنظيم فصول خاصة "للإعداد للولادة" تنظمها بعض المستشفيات, ويشترك فيها الوالدان، وتعتمد دروس هذه الفصول على أفكار طبيبين شهيرين, أحدهما بريطاني هو جرانتلي ديك-ريد، والثاني فرنسي هو فرنادر لاميز, والهدف منها تزويد الوالدين بالمعلومات الأساسية عن عملية الولادة تمهيدًا لاستقبال الطفل.