قد شهد القرن الماضي تطورات متسارعة وعديدة في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والتكنولوجية والتربوية والسياسية والاقتصادية والعسكري والعملية وغيرها، ترتب عليها حدوث تغيرات واضحة وملموسة في كافة مناحي حياة الإنسان، الأمر الذي تسبب في تعقد أمور الحياة وزيادة التحديات والمطالب وارتفاع مستوى الضغوط النفسية، ولما كان حقل علم النفس يعنى أصلا بدراسة السلوك الإنساني في محاولة لفهم هذا السلوك والتنبؤ به وضبطه بهدف رفع كفاءة الأفراد على التكيف والإنتاج والعيش السليم، فقد بات من الأهمية الانتباه الى هذا الموضوع وزيادة عدد المهتمين به من مختصين وباحثين ودارسين، حيث لم يعد الاهتمام به يقصر على مستوى النظرية فحسب، بل تعدى ذلك الى توظيف مبادئه ومفاهيمه في الميادين المتعددة، وهذا ما أدى الى ظهور الفروع التطبيقية المختلفة منه كعلم النفس التربوي والعسكري والرياضي والصناعي والتنظيمي والجنائي وغيرها، إضافة الى الفروع النظرية، وعنيت العديد من المؤسسات المدنية والسياسية والعسكرية والتربوية تعنى بهذا الجانب وعملت على تعيين الموظفين ممن يحملون المؤهلات العلمية في مجال علم النفس ضمن كوادرها، واستخدمت أقسام تحت مسميات مختلفة في مثل هذه المؤسسات مهمتها معالجة المشكلات السلوكية التي يعاني منها أفرادها والعمل على توجيه سلوكهم وتحفيزهم من اجل مساعدتهم على التكيف والإنتاج والعطاء، وتعدى ذلك الى اعتبار مساق مدخل علم النفس متطلبا إجباريا في معظم الجامعات، وفي المجال التربوي، نال موضوع علم النفس أهمية كبرى ولاسيما موضوع التعلم منه، اذ تم إعادة بناء المناهج وتطويرها في ضوء مبادئ التعلم ومفاهيمه والاستفادة من دراسة النمو في تصميم واختيار أساليب التدريس وتنفيذها وعملية القياس والتقويم التربوي.
وبالرغم من التطبيق الواسع لمبادئ علم النفس في الميادين المختلفة من الحياة الى ان هذا الحقل ما زال في تطور مستمر كونه يركز على دراسة السلوك الانساني، فالإنسان كائن معقد وفريد يصعب الإحاطة بكافة جوانب شخصيته المتعددة، ومن هنا نلاحظ يوميا مكتشفات وتطورات جديدة في هذا الشأن، مما يتطلب إعادة النظر في المؤلفات السابقة وتقديم ما هو جديد ومثبت في هذا الموضوع من اجل تعريف القارئ والمختص بهذه التطورات للاستفادة منها نظريا وعمليا.
وبهذا فإن المؤلف يعد مساهمة في هذا المجال، وقد عمدنا الى الرجوع الى احدث المراجع والدراسات في مجال عمل النفس من اجل تزويد القارئ بمعلومات صحيحة وموثقة حول السلوك الانساني، وقد حاولنا جاهدين ان نكون موضوعيين ودقيقين في مواضيعه المختلفة.
ولما كان هذا المؤلف يعتبر مدخلا لعلم النفس تم إعداده للطلبة الجامعيين المبتدئين او أولئك الذين ليس لديهم معرفة سابقة بموضوع علم النفس، فقد تم التركيز على المفاهيم والمبادئ والقضايا الرئيسية في علم النفس مبتعدين كل البعد عن التفاصيل المقعدة وغير الضرورية، ويقع هذا الكتاب في اثني عشر فصلا تتناول مواضيع عديدة تشكيل محور اهتمام علم النفس، وتتمثل في الفصول التالية:
الفصل الأول: يتعرض الى موضوع علم النفس العام من حيث تعريفه ونشأته وتطوره ومساهمة الفلسفة ومدارس علم النفس المختلفة في تطوره، إضافة الى أهدافه وفروعه وطرق البحث المتبعة فيه.
الفصل الثاني: يتناول الأسس البيولوجية للسلوك والتطور التاريخي للاهتمام بفسيولوجيا السلوك وأجزاء الجهاز العصبي: الدماغ والنخاع الشوكي والجهاز العصبي المحيطي ووظائفها المتعددة في السلوك والنشاط الإنساني، كما ويتعرض الى طرق دراسة الدماغ وأنواع النواقل العصبية، وجهاز الغدد ودوره في الوظائف النفسية.
الفصل الثالث: يتعرض لموضوعات الإحساس والانتباه والإدراك من حيث طبيعتها والعوامل المؤثرة فيها وأثرها في عملية التعلم وفي النشاط السلوكي الإنساني، كما يتطرق أيضا الى نظريات الانتباه وأنواع الإحساس والخداع الإدراكي.
الفصل الرابع: يتناول موضوع النمو الإنساني من حيث تعريفه ومبادئه واثر العوامل الوراثية والبيولوجية والبيئية فيه، كنا ويتعرض الى التقسيمات المختلفة لمراحل النمو وخصائصها المتعددة.
الفصل الخامس: يتناول موضوع التعلم الإنساني من حيث تعريفه وخصائصه والعوامل المؤثرة فيه، ويتطرق أيضا الى نظريات التعلم المختلفة التي حاولت تفسير حدوث السلوك وتغييره كالنظريات السلوكية والمعرفية.
الفصل السادس: يتناول موضوع الذاكرة البشرية، من حيث طبيعتها وطرق قياسها وأنواعها وأثرها في التعلم والنشاط الإنساني، ويتناول ايضا عمليات معرفية مثل الاكتساب والتذكر والتخزين والنسيان وأسبابه وطرق تحسين أداء الذاكرة على التخزين والتذكر.
الفصل السابع: يتعرض لموضوع الدافعية الإنسانية من حيث تعريفها ووظائفها في السلوك الإنساني. ويتطرق أيضا الى أنواع الدوافع والنظريات المختلفة التي حاولت تفسير طبيعة الدوافع لدى الأفراد، كما ويدرس علاقة الدافعية في التحصيل والانجاز والطرق المتبعة في قياسها.
الفصل الثامن: يتناول موضوع الذكاء والفروق الفردية في القدرات العقلية، حيث يتعرض الى التعاريف المختلفة للذكاء وطرق قياسه ونظرياته المتعددة، كما ويتعرض الى الأنماط المعرفية المتبعة في التفكير وموضوع الذكاء العاطفي والتفكير الابتكاري من حيث تعريفه والعوامل المؤثرة فيه وطرق تنميته.
الفصل التاسع: يتعرض الى موضوع اللغة من حيث تعريفها ووظائفها وأشكالها وكيفية تطورها والنظريات التي تعرضت الى موضوع النمو اللغوي وعلاقة اللغة بالتفكير.
الفصل العاشر: يتعرض الى موضوع الشخصية الإنسانية من حيث تعريفها ووظيفتها والعوامل المؤثرة في بناءها ويتناول ايضا عددا من النظريات في مجال الشخصية.
الفصل الحادي عشر: يتناول موضوع الانفعالات من حيث تعريفها وطبيعتها والمظاهر المرتبة بها، كما يتناول اثر العوامل الوراثية والبيئية في الانفعال والنظريات المتعددة التي حاولت تفسير السلوك الانفعالي.