إن البيت المسلم أول ما اهتم الإسلام ببنائه بعد الفرد المسلم، فمن البيت المسلم تتفرع سائر أوامر الرحم والقرابة والصبر وغيرها من الصلات التي تظل تمتد وتتسع إلى أن تتحول إلى مجتمع متكامل وثيق الوشائج متين الروابط.
في البيت تربي كل أسرة أبناءها وتدربهم لتحمل تبعات الحياة والعمران الإنساني بكل ما لديها من الحب والنصح والمودة. وأعضاء كل أسرة يودون من صميم قلوبهم أن يخلفهم من أبنائهم - من هم خير منهم وأصلح شأناً: فالبيت هو جذر العمران البشري وأساسه الحضاري، وعلى متانة وسلامة هذا الجذر تتوقف سلامة المجتمع وصحته ومتانته، فلا غرابة أن يوليه الإسلام كل هذه العناية، وأن يمنحه كل هذه الرعاية.
إن الصورة الوحيدة التي يعترف الإسلام بصحتها - لعلاقة جنسية بين الرجل والمرأة هي الزواج، وذلك بأن يرضى كل من الرجل والمرأة بالاضطلاع بما يناط به من تبعات الحياة حتى يترتب على أساسها بيت يصلح أن يكون بنية في بناء اجتماعي سليم، ولذلك شدّد الإسلام على سائر العلاقات الأخرى التي يمكن أن تنشأ بين الرجل والمرأة ولم يعدها من قبيل الهنات الطبيعية التي يمكن التساهل فيها، ولم يعاملها معاملة الرذائل القاصرة والضرر، بل اعتبرها خطراً كبيراً، يمكن أن يأتي على قواعد العمران الاجتماعي، ويهدد المجتمعات بالفناء والانقراض. فهو يحرّم مثل هذه العلاقة تحريماً قاطعاً باتاً، ويعدّها من الجرائم القانونية الخطيرة، يجعل لكل من يأتيها من أفراد المجتمع عقوبات شديدة وذلك كي لا تشيع في المجتمع الفاحشة وتنشأ العلاقات المدمرة وليتطهر المجتمع من العوامل والدواعي التي تحمل الرجل والمرأة على إتيان العلاقات الجنسية التي لا تبعة تحتها أو تهيئ لها الأسباب، وليست أحكام الحجاب الإسلامي، وتحريم اختلاط الرجال بالنساء والحجز على شيوع الغناء الفاحش والرقص والصور والفواحش وانتشارها إلا لهذا الغرض نفسه، فإن هدف الإسلام الأسمى، ومقصده الأساسي هو تقوية البيت وصيانته من عوامل الضعف والانحلال، وتحويل المتعة الجسدية إلى وسيلة خادمة لبناء الأسرة وإيجاد الحضارة لا إلى غاية تقصد لذاتها.
فإن الإسلام لا يكتفي بأن يجوز العلاقة المشروعة - النكاح - فحسب، بل يعدها من العمل الصالح وجزءاً من العبادة - ولذلك يكره أشد الكراهة أن يتبتل الرجل أو المرأة وينقطعا عن الزوج. فهو يحث كل شاب أن يحمل على عاتقيه ما حمله أبوه قبله من أعباء التبعات العمرانية إذا بلغت إليه النوبة. وكذلك لا يعد الرهبانية من الحسنات، بل يعدها بدعة شنيعة تناقض فطرة الله كل المناقضة، وأيضاً لا ينظر بعين الاستحسان إلى التقاليد والعادات التي تجعل الزواج من الأمور الصعبة. بل يريد أن يجعل الزواج أسهل عمل وأيسره في المجتمع، ويجعل الزنا والفسق أصعب عمل وأشقه. ولأجل هذا الغرض لم يحرم الإسلام إلا الأرحام والقرابات المخصوصة، وأحلّ للمرء أن يتزوج بعدها ممن شاء من الأقارب والأباعد.
وقد قضى على الفوارق المختلفة وقوض دعائمها تقويضاً، وأذن للمسلمين كافة إذناً تاماً أن يتزاوجوا فيما بينهم، وأمرهم بتحري البساطة والاعتدال في صداق المرأة وجهازها إلى حد يستطيعه سائر الناس، ولا حاجة لإبرام عقد النكاح في نظر الإسلام إلى قاضٍ أو فقيه أو مسجل عقود أو كنيسة أو رجل دين، بل الحق أن ليست عقدة النكاح في المجتمع الإسلامي إلا وظيفة بسيطة جداً يمكن إبرامها بتراضي الزوجين البالغين وعلم ورضى ولي أمر المرأة بشهادة اثنين من الرجال العدول إلا أنه لا ينبغي أن يتم هذا العقد سراً وخفية، بل يجب أن يكون جهراً وعلانية في القرية أو في الحي أو المحلة. والإسلام قد جعل الرجل قواماً على زوجته مشرفاً على شؤون البيت ليقرها على أساس متين ونظام حسن. وقد أمر المرأة بطاعة بعلها وخدمته كما أمر الذرية بطاعة الوالدين وخدمتهما، وهو لا يستحسن نظاماً للبيت مزعزع الأركان لا مدير له ولا مقوم، وليس فيه من يكون مسؤولاً عن أخلاق أهل البيت ومعاملاتهم وشؤونهم المختلفة، فإذا كان من المعلوم أنه لا يمكن أن يستقيم نظام لبيت من البيوت إلا بالقوام والمشرف على أمور، كان رب البيت أجدر وأليق من غيره لهذا المنصب الجليل في نظر الإسلام. إلا أنه ليس معنى ذلك أن الرجل قد جعله الإسلام راعياً قاهراً على أفراد البيت يسوسهم كيف يشاء، وأن المرأة فوضت إليه له مملوكة لا شأن لها في تدبير البيت ولا نفوذ. فالمودة والرحمة هما الأساس الحقيقي للعشرة البيتية في الإسلام، فإذا كان على المرأة أن تطيع بعلها، فكذلك يجب على الزوج - على حد سواء - أن يستعمل نفوذه فيما يعود على الأسرة بالفلاح والسعادة والهناء، ولا يستعمله في الجور والعدوان، ولا يريد الإسلام أن يبقي على الصلة الزوجية إلا ما دامت فيها حلاوة المودة والرحمة أو إسكان المعاشرة بالمعروف على الأقل. وإذا لم تبق هذه المعاشرة ممكنة، فهناك يخير الإسلام الرجل أن يطلق زوجته، والمرأة أن تخالع بعلها، وكذلك يجعل للقاضي المسلم أن يفسخ النكاح إذا انقلب وبالاً بدلاً من الرحمة، وتعذر العيش الهاني بين الزوجين.
تدابير وقائية:
لقد اتخذ الإسلام تدابير كفيلة بتعديل الميل الجنسي لدى الإنسان ليبعده عن العلاقات الجنسية المحرّمة وليكفل له الاتجاه نحو الزواج الشرعي - وحده - وهذه التدابير تتلخص فيما يلي:
1. تحديد العورات للجنسين:
كان الناس قبل الإسلام (كما هم اليوم في معظم أقطار الدنيا) لا يرون العري شيئاً مشيناً بالنسبة للرجال، ولا بالنسبة للنساء، بل كان العرب يطوفون بالبيت عراة، نساء ورجالاً، ويعتبرون ذلك من القربات، وليس هناك نظام اجتماعي قديم أو حديث اعتنى بتحديد العورات غير الإسلام. والعورة في اصطلاح الإسلام: كل ما يجب ستره من أعضاء الجسم. ولما جاء الإسلام حدّد لكل من الجنسين عورته، فعورة الرجل ما بين سرّته وركبته.
قال رسول الله (ص): "عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته"[1]. وقال: "ما فوق الركبتين من العورة وما أسفل من السرة من العورة"[2]. فحرّم الإسلام على الرجال إبراز هذه الأعضاء الداخلة ضمن هذه الحدود ولم يستثنِ غير زوجة الرجل. قال عليه الصلاة والسلام: "احفظ عورتك إلا من زوجتك"[3].
أما عورة المرأة فجميع جسدها غير الوجه والكفين عند الحاجة، فحرام على المرأة أن تبرز شيئاً من أعضاء جسدها لأي رجل عدا من ذكرتهم الآية الكريمة: )لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَائِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ...([4].
وما عدا هؤلاء فلا يحل لها أن تبرز شيئاً من أعضاء جسدها غير الوجه والكفين أمامهم كذلك حرّم عليها أن تلبس ما يشف عن عورتها أو بعضها "أي والكفين أمامهم". كذلك حرّم عليها أن تلبس ما يشف عن عورتها أو بعضها "أي النـزعات والمحركات الشهوانية التي تزيد في الميل الجنسي وتجعل الجنس شغل الجنسين الشاغل".
2. الاستئذان لدخول البيت:
لما كان الإنسان في بيته يتحلل من كثير من القيود ولما كان الغالب على النساء في بيوتهن أن يكنّ على حالة غير حالتهن في الخارج - أوجب الإسلام على الذكور من أهل البيت أن لا يدخلوا بدون استئذان حتى لا يروا نساء بيوتهم في حال لا ينبغي لهم رؤيتهن فيها )وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ...([5]. وبلوغ الحلم يعني نشأة الشعور الجنسي لديهم. والإسلام يريد أن يصونهم من المحركات حتى في داخل بيوتهم.
كذلك حرّم على غير المحارم وأهل البيت دخول بيوت سواهم بدون إذن أهله مهما كانت درجة المودة والصداقة بين الطرفين )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا...([6] والقصد من هذا وضع حد بين داخل البيت وخارجه حتى يكون أهل البيت في مأمن من أن يقتحم غيرهم منازلهم وحتى حينما يكون الحضور لحاجة من الحاجات فلا ينبغي لغير المحارم والأزواج سؤال تلك الحاجات إلا من وراء حجاب. )... وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ...( وهذا الطهر الذي تشير إليه الآية - هو الطهر من المحركات والنوازع الشهوانية. والله أعلم.
3. منع الخلوة واللمس:
والتدبير الثالث الذي اتخذه الإسلام هو تحريم اختلاء رجل بامرأة إلا أن يكون زوجها. فلا ينفرد رجل وامرأة في بيت، أو سفر أو سواها إلا أن يكون زوجها، أو من ذوي محارمها. قال عليه الصلاة والسلام: "إياكم والدخول على النساء". فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ (أي أخا الزوج) قال: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ"[7] لأنه لا يشبه بدخوله إلى بيت أخيه في الغالب.
كذلك حرّم على غير الزوج أن يمس شيئاً من جسد المرأة إلا للضرورة كندا ومثلاً قال رسول الله: "من مسّ كف امرأة ليس منها بسبيل وضع على كفه جمرة يوم القيامة"[8]. وحين بايع رسول الله (ص) النساء على الإيمان لم يأخذ بأيديهن ولم يصافحهن وقال: "إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة"[9].
وهذه الأحكام تخص النساء اللواتي يشتهين من الرجال، لا العجائز اللواتي لا يرجون نكاحاً، قال تعالى: )وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ...([10]. وكذلك لا تحرم الخلوة بهن ولا لمسهن ما دام ذلك لا يؤدي إلى الافتتان بهن.
النظر:
لما كان النظر سبباً مهماً من أسباب التحريك الجنسي فقد حرّمه الإسلام هو الآخر قال تعالى: )قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...([11]. وقال رسول الله (ص) لعلي كرّم الله وجهه: "يا علي لا تتبع النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة"[12].
وسأل جابر عن نظر الفجأة فقال رسول الله (ص): "اصرف بصرك"[13].
فتنة اللسان:
حرّم الإسلام التمتع بالقول والخضوع به لأنه قد يكون سبباً لافتتان أحد الجنسين بالآخر: )... إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا([14] وكثيراً ما يتلذذ الناس بحكاية الأحوال الجنسية كما يتلذذون بسماعها لعلاقتها الوثيقة ببعث الشعور الجنسي.
وقد يلتذ الرجل بوصف المرأة كما تلتذ هي بوصف الرجل لها وكل ذلك مشمول بالنهي داخل في التحريم، مؤد إلى إشاعة الفاحشة: )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ([15]. وقد نبّه الإسلام على ذلك كله وتتبع سائر شعبه ومسالكه حتى نهى رسول الله (ص) الزوجة أن تصف أحوال غيرها من النساء لزوجها فقال عليه السلام: "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها"[16]. ونهى الزوجين أن يتحدثا عن أحوالهما الجنسية لغيرهما كي لا تشيع الفاحشة في المجتمع ويزداد الشعور الجنسي لدى أعضائه.
مفاتن أخرى
لقد بلغ من حرص الإسلام على تطهير الفرد والمجتمع أن أمر بكل ما يؤدي إلى اعتدال ميله الجنسي مما لا يمكن لغير منـزلة العليم الخبير أن يبلغه - سبحانه - وحده الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فلم يكتف باتخاذ ما تقدم فقط وإنما تتبع سائر مثيرات الفتنة - كما أشرنا - نهاها أن تجعل فيه ما يمكن أن يكون مثيراً )... وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ...([17]، كذلك نهاها عن التطيب والاستعطار الذي يلفت الأنظار إليها فحرّم عليها أن تجتاز الطرقات أو تغشى المجتمعات مستعطرة فقال عليه السلام: "كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بالمَجْلِسِ، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي زَانِيَةً"[18] وقال أيضاً: "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً"[19].
وخلاصة القول إن كل ما من شأنه أن يثير الغرائز من قول أو حركة أو عمل أو صوت حرام، كالأفلام الغرامية والقصص والمسرحيات والروايات التي تساعد على إثارة الغرائز والأغاني الخليعة والاختلاط والتبرج كل ذلك قد حرّمه الإسلام لحفظ العلاقة بين زوجي الإنسان من التردي والسقوط إلى الدرك الحيواني، ولحماية المجتمع من كل ما يسيء ويخرج بعلاقات أعضائه عن القصد والاعتدال.
قال عليه الصلاة والسلام: "سيكون في آخر أمتي رجال يركبون السروج كأشباه الرجال ينـزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات رؤوسهن كأسنة البخت العجاف إلعنوهن فإنهن ملعونات".
تدابير رادعة:
الحدود والتعازير
إن - هناك - كثيراً من الوصايا والتوجيهات القرآنية والنبوية المشتملة على الترغيب في الالتزام بآداب الإسلام وتعاليمه، والترهيب من مخالفتها - في هذا المجال قد تقدم ذكر بعضها - فإذا لم يكف ذلك كله في دفع رجل أو امرأة إلى الالتزام بهذه الوصايا والآداب، والتقيد بتلك الأوامر والنواهي، والبحث عن الطريق المشروع لتلبية حاجات الغريزة، وارتكاب مخالفة من هذا النوع بأن ترتكب جريمة الزنا أو اللواط فإن الإسلام قد وضع عقوبات رادعة زاجرة، تطبيقها كفيل بأن يجعل هذا النوع من الرجال أو النساء يمتنع ويزدجر عن مقارفة هذه الجريمة، وينظر إلى سلوك السبيل السليم ألا وهو النكاح الشرعي الذي يجعل من الزواج التزاماً جاداً، فيه كل فرص البقاء والدوام ما أمكن. ولذلك فإن كل طرف من طرفي الزواج مطالب بتوفير سائر الشروط التي تحقق ذلك من ناحية، ورعايتها وصيانتها بعد ذلك، والوفاء بمتطلباتها كملاحظة السن المناسبة والبكارة والنبوبة في المرأة، والكفاءة العامة، والصداق المناسب، وحرية الاختيار، والوصاية البعيدة عن التحكم والأنانية، والنوايا الطيبة، والقرار السليم والعزم الصادق من الطرفين على جعل هذه الرابطة دائمة باقية، وكذلك حرّم الإسلام زواج التجربة والاختيار والزواج المؤقت وسائر أنواع الارتباط العابر بين الجنسين.
ومن هنا يعاقب الإسلام بعقوبات تبدو لمن لا يفهمها مشوبة بالقسوة، ولكن التدبير السليم لها يوضح أنها عقوبات مناسبة تماماً لتلك الجرائم الخطيرة، فهو يعاقب الزاني أو اللائط المحصن (أي المتزوج) بالرجم بالحجارة حتى الموت، ويوصي أن تكون العقوبة معلنة ليزدجر كل من قد تحدثه نفسه بهذه الجريمة عنها من الرجال والنساء ويعاقب الزناة من غير المتزوجين بمائة جلدة مع النفي لمدة عام.
وهناك عقوبات تأديبية تعزيرية فوضت لأولياء الأمور يعاقبون بها من يرتكب أموراً دون ذلك.
في البيت تربي كل أسرة أبناءها وتدربهم لتحمل تبعات الحياة والعمران الإنساني بكل ما لديها من الحب والنصح والمودة. وأعضاء كل أسرة يودون من صميم قلوبهم أن يخلفهم من أبنائهم - من هم خير منهم وأصلح شأناً: فالبيت هو جذر العمران البشري وأساسه الحضاري، وعلى متانة وسلامة هذا الجذر تتوقف سلامة المجتمع وصحته ومتانته، فلا غرابة أن يوليه الإسلام كل هذه العناية، وأن يمنحه كل هذه الرعاية.
إن الصورة الوحيدة التي يعترف الإسلام بصحتها - لعلاقة جنسية بين الرجل والمرأة هي الزواج، وذلك بأن يرضى كل من الرجل والمرأة بالاضطلاع بما يناط به من تبعات الحياة حتى يترتب على أساسها بيت يصلح أن يكون بنية في بناء اجتماعي سليم، ولذلك شدّد الإسلام على سائر العلاقات الأخرى التي يمكن أن تنشأ بين الرجل والمرأة ولم يعدها من قبيل الهنات الطبيعية التي يمكن التساهل فيها، ولم يعاملها معاملة الرذائل القاصرة والضرر، بل اعتبرها خطراً كبيراً، يمكن أن يأتي على قواعد العمران الاجتماعي، ويهدد المجتمعات بالفناء والانقراض. فهو يحرّم مثل هذه العلاقة تحريماً قاطعاً باتاً، ويعدّها من الجرائم القانونية الخطيرة، يجعل لكل من يأتيها من أفراد المجتمع عقوبات شديدة وذلك كي لا تشيع في المجتمع الفاحشة وتنشأ العلاقات المدمرة وليتطهر المجتمع من العوامل والدواعي التي تحمل الرجل والمرأة على إتيان العلاقات الجنسية التي لا تبعة تحتها أو تهيئ لها الأسباب، وليست أحكام الحجاب الإسلامي، وتحريم اختلاط الرجال بالنساء والحجز على شيوع الغناء الفاحش والرقص والصور والفواحش وانتشارها إلا لهذا الغرض نفسه، فإن هدف الإسلام الأسمى، ومقصده الأساسي هو تقوية البيت وصيانته من عوامل الضعف والانحلال، وتحويل المتعة الجسدية إلى وسيلة خادمة لبناء الأسرة وإيجاد الحضارة لا إلى غاية تقصد لذاتها.
فإن الإسلام لا يكتفي بأن يجوز العلاقة المشروعة - النكاح - فحسب، بل يعدها من العمل الصالح وجزءاً من العبادة - ولذلك يكره أشد الكراهة أن يتبتل الرجل أو المرأة وينقطعا عن الزوج. فهو يحث كل شاب أن يحمل على عاتقيه ما حمله أبوه قبله من أعباء التبعات العمرانية إذا بلغت إليه النوبة. وكذلك لا يعد الرهبانية من الحسنات، بل يعدها بدعة شنيعة تناقض فطرة الله كل المناقضة، وأيضاً لا ينظر بعين الاستحسان إلى التقاليد والعادات التي تجعل الزواج من الأمور الصعبة. بل يريد أن يجعل الزواج أسهل عمل وأيسره في المجتمع، ويجعل الزنا والفسق أصعب عمل وأشقه. ولأجل هذا الغرض لم يحرم الإسلام إلا الأرحام والقرابات المخصوصة، وأحلّ للمرء أن يتزوج بعدها ممن شاء من الأقارب والأباعد.
وقد قضى على الفوارق المختلفة وقوض دعائمها تقويضاً، وأذن للمسلمين كافة إذناً تاماً أن يتزاوجوا فيما بينهم، وأمرهم بتحري البساطة والاعتدال في صداق المرأة وجهازها إلى حد يستطيعه سائر الناس، ولا حاجة لإبرام عقد النكاح في نظر الإسلام إلى قاضٍ أو فقيه أو مسجل عقود أو كنيسة أو رجل دين، بل الحق أن ليست عقدة النكاح في المجتمع الإسلامي إلا وظيفة بسيطة جداً يمكن إبرامها بتراضي الزوجين البالغين وعلم ورضى ولي أمر المرأة بشهادة اثنين من الرجال العدول إلا أنه لا ينبغي أن يتم هذا العقد سراً وخفية، بل يجب أن يكون جهراً وعلانية في القرية أو في الحي أو المحلة. والإسلام قد جعل الرجل قواماً على زوجته مشرفاً على شؤون البيت ليقرها على أساس متين ونظام حسن. وقد أمر المرأة بطاعة بعلها وخدمته كما أمر الذرية بطاعة الوالدين وخدمتهما، وهو لا يستحسن نظاماً للبيت مزعزع الأركان لا مدير له ولا مقوم، وليس فيه من يكون مسؤولاً عن أخلاق أهل البيت ومعاملاتهم وشؤونهم المختلفة، فإذا كان من المعلوم أنه لا يمكن أن يستقيم نظام لبيت من البيوت إلا بالقوام والمشرف على أمور، كان رب البيت أجدر وأليق من غيره لهذا المنصب الجليل في نظر الإسلام. إلا أنه ليس معنى ذلك أن الرجل قد جعله الإسلام راعياً قاهراً على أفراد البيت يسوسهم كيف يشاء، وأن المرأة فوضت إليه له مملوكة لا شأن لها في تدبير البيت ولا نفوذ. فالمودة والرحمة هما الأساس الحقيقي للعشرة البيتية في الإسلام، فإذا كان على المرأة أن تطيع بعلها، فكذلك يجب على الزوج - على حد سواء - أن يستعمل نفوذه فيما يعود على الأسرة بالفلاح والسعادة والهناء، ولا يستعمله في الجور والعدوان، ولا يريد الإسلام أن يبقي على الصلة الزوجية إلا ما دامت فيها حلاوة المودة والرحمة أو إسكان المعاشرة بالمعروف على الأقل. وإذا لم تبق هذه المعاشرة ممكنة، فهناك يخير الإسلام الرجل أن يطلق زوجته، والمرأة أن تخالع بعلها، وكذلك يجعل للقاضي المسلم أن يفسخ النكاح إذا انقلب وبالاً بدلاً من الرحمة، وتعذر العيش الهاني بين الزوجين.
تدابير وقائية:
لقد اتخذ الإسلام تدابير كفيلة بتعديل الميل الجنسي لدى الإنسان ليبعده عن العلاقات الجنسية المحرّمة وليكفل له الاتجاه نحو الزواج الشرعي - وحده - وهذه التدابير تتلخص فيما يلي:
1. تحديد العورات للجنسين:
كان الناس قبل الإسلام (كما هم اليوم في معظم أقطار الدنيا) لا يرون العري شيئاً مشيناً بالنسبة للرجال، ولا بالنسبة للنساء، بل كان العرب يطوفون بالبيت عراة، نساء ورجالاً، ويعتبرون ذلك من القربات، وليس هناك نظام اجتماعي قديم أو حديث اعتنى بتحديد العورات غير الإسلام. والعورة في اصطلاح الإسلام: كل ما يجب ستره من أعضاء الجسم. ولما جاء الإسلام حدّد لكل من الجنسين عورته، فعورة الرجل ما بين سرّته وركبته.
قال رسول الله (ص): "عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته"[1]. وقال: "ما فوق الركبتين من العورة وما أسفل من السرة من العورة"[2]. فحرّم الإسلام على الرجال إبراز هذه الأعضاء الداخلة ضمن هذه الحدود ولم يستثنِ غير زوجة الرجل. قال عليه الصلاة والسلام: "احفظ عورتك إلا من زوجتك"[3].
أما عورة المرأة فجميع جسدها غير الوجه والكفين عند الحاجة، فحرام على المرأة أن تبرز شيئاً من أعضاء جسدها لأي رجل عدا من ذكرتهم الآية الكريمة: )لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَائِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ...([4].
وما عدا هؤلاء فلا يحل لها أن تبرز شيئاً من أعضاء جسدها غير الوجه والكفين أمامهم كذلك حرّم عليها أن تلبس ما يشف عن عورتها أو بعضها "أي والكفين أمامهم". كذلك حرّم عليها أن تلبس ما يشف عن عورتها أو بعضها "أي النـزعات والمحركات الشهوانية التي تزيد في الميل الجنسي وتجعل الجنس شغل الجنسين الشاغل".
2. الاستئذان لدخول البيت:
لما كان الإنسان في بيته يتحلل من كثير من القيود ولما كان الغالب على النساء في بيوتهن أن يكنّ على حالة غير حالتهن في الخارج - أوجب الإسلام على الذكور من أهل البيت أن لا يدخلوا بدون استئذان حتى لا يروا نساء بيوتهم في حال لا ينبغي لهم رؤيتهن فيها )وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ...([5]. وبلوغ الحلم يعني نشأة الشعور الجنسي لديهم. والإسلام يريد أن يصونهم من المحركات حتى في داخل بيوتهم.
كذلك حرّم على غير المحارم وأهل البيت دخول بيوت سواهم بدون إذن أهله مهما كانت درجة المودة والصداقة بين الطرفين )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا...([6] والقصد من هذا وضع حد بين داخل البيت وخارجه حتى يكون أهل البيت في مأمن من أن يقتحم غيرهم منازلهم وحتى حينما يكون الحضور لحاجة من الحاجات فلا ينبغي لغير المحارم والأزواج سؤال تلك الحاجات إلا من وراء حجاب. )... وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ...( وهذا الطهر الذي تشير إليه الآية - هو الطهر من المحركات والنوازع الشهوانية. والله أعلم.
3. منع الخلوة واللمس:
والتدبير الثالث الذي اتخذه الإسلام هو تحريم اختلاء رجل بامرأة إلا أن يكون زوجها. فلا ينفرد رجل وامرأة في بيت، أو سفر أو سواها إلا أن يكون زوجها، أو من ذوي محارمها. قال عليه الصلاة والسلام: "إياكم والدخول على النساء". فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ (أي أخا الزوج) قال: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ"[7] لأنه لا يشبه بدخوله إلى بيت أخيه في الغالب.
كذلك حرّم على غير الزوج أن يمس شيئاً من جسد المرأة إلا للضرورة كندا ومثلاً قال رسول الله: "من مسّ كف امرأة ليس منها بسبيل وضع على كفه جمرة يوم القيامة"[8]. وحين بايع رسول الله (ص) النساء على الإيمان لم يأخذ بأيديهن ولم يصافحهن وقال: "إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة"[9].
وهذه الأحكام تخص النساء اللواتي يشتهين من الرجال، لا العجائز اللواتي لا يرجون نكاحاً، قال تعالى: )وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ...([10]. وكذلك لا تحرم الخلوة بهن ولا لمسهن ما دام ذلك لا يؤدي إلى الافتتان بهن.
النظر:
لما كان النظر سبباً مهماً من أسباب التحريك الجنسي فقد حرّمه الإسلام هو الآخر قال تعالى: )قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...([11]. وقال رسول الله (ص) لعلي كرّم الله وجهه: "يا علي لا تتبع النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة"[12].
وسأل جابر عن نظر الفجأة فقال رسول الله (ص): "اصرف بصرك"[13].
فتنة اللسان:
حرّم الإسلام التمتع بالقول والخضوع به لأنه قد يكون سبباً لافتتان أحد الجنسين بالآخر: )... إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا([14] وكثيراً ما يتلذذ الناس بحكاية الأحوال الجنسية كما يتلذذون بسماعها لعلاقتها الوثيقة ببعث الشعور الجنسي.
وقد يلتذ الرجل بوصف المرأة كما تلتذ هي بوصف الرجل لها وكل ذلك مشمول بالنهي داخل في التحريم، مؤد إلى إشاعة الفاحشة: )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ([15]. وقد نبّه الإسلام على ذلك كله وتتبع سائر شعبه ومسالكه حتى نهى رسول الله (ص) الزوجة أن تصف أحوال غيرها من النساء لزوجها فقال عليه السلام: "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها"[16]. ونهى الزوجين أن يتحدثا عن أحوالهما الجنسية لغيرهما كي لا تشيع الفاحشة في المجتمع ويزداد الشعور الجنسي لدى أعضائه.
مفاتن أخرى
لقد بلغ من حرص الإسلام على تطهير الفرد والمجتمع أن أمر بكل ما يؤدي إلى اعتدال ميله الجنسي مما لا يمكن لغير منـزلة العليم الخبير أن يبلغه - سبحانه - وحده الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فلم يكتف باتخاذ ما تقدم فقط وإنما تتبع سائر مثيرات الفتنة - كما أشرنا - نهاها أن تجعل فيه ما يمكن أن يكون مثيراً )... وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ...([17]، كذلك نهاها عن التطيب والاستعطار الذي يلفت الأنظار إليها فحرّم عليها أن تجتاز الطرقات أو تغشى المجتمعات مستعطرة فقال عليه السلام: "كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بالمَجْلِسِ، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي زَانِيَةً"[18] وقال أيضاً: "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً"[19].
وخلاصة القول إن كل ما من شأنه أن يثير الغرائز من قول أو حركة أو عمل أو صوت حرام، كالأفلام الغرامية والقصص والمسرحيات والروايات التي تساعد على إثارة الغرائز والأغاني الخليعة والاختلاط والتبرج كل ذلك قد حرّمه الإسلام لحفظ العلاقة بين زوجي الإنسان من التردي والسقوط إلى الدرك الحيواني، ولحماية المجتمع من كل ما يسيء ويخرج بعلاقات أعضائه عن القصد والاعتدال.
قال عليه الصلاة والسلام: "سيكون في آخر أمتي رجال يركبون السروج كأشباه الرجال ينـزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات رؤوسهن كأسنة البخت العجاف إلعنوهن فإنهن ملعونات".
تدابير رادعة:
الحدود والتعازير
إن - هناك - كثيراً من الوصايا والتوجيهات القرآنية والنبوية المشتملة على الترغيب في الالتزام بآداب الإسلام وتعاليمه، والترهيب من مخالفتها - في هذا المجال قد تقدم ذكر بعضها - فإذا لم يكف ذلك كله في دفع رجل أو امرأة إلى الالتزام بهذه الوصايا والآداب، والتقيد بتلك الأوامر والنواهي، والبحث عن الطريق المشروع لتلبية حاجات الغريزة، وارتكاب مخالفة من هذا النوع بأن ترتكب جريمة الزنا أو اللواط فإن الإسلام قد وضع عقوبات رادعة زاجرة، تطبيقها كفيل بأن يجعل هذا النوع من الرجال أو النساء يمتنع ويزدجر عن مقارفة هذه الجريمة، وينظر إلى سلوك السبيل السليم ألا وهو النكاح الشرعي الذي يجعل من الزواج التزاماً جاداً، فيه كل فرص البقاء والدوام ما أمكن. ولذلك فإن كل طرف من طرفي الزواج مطالب بتوفير سائر الشروط التي تحقق ذلك من ناحية، ورعايتها وصيانتها بعد ذلك، والوفاء بمتطلباتها كملاحظة السن المناسبة والبكارة والنبوبة في المرأة، والكفاءة العامة، والصداق المناسب، وحرية الاختيار، والوصاية البعيدة عن التحكم والأنانية، والنوايا الطيبة، والقرار السليم والعزم الصادق من الطرفين على جعل هذه الرابطة دائمة باقية، وكذلك حرّم الإسلام زواج التجربة والاختيار والزواج المؤقت وسائر أنواع الارتباط العابر بين الجنسين.
ومن هنا يعاقب الإسلام بعقوبات تبدو لمن لا يفهمها مشوبة بالقسوة، ولكن التدبير السليم لها يوضح أنها عقوبات مناسبة تماماً لتلك الجرائم الخطيرة، فهو يعاقب الزاني أو اللائط المحصن (أي المتزوج) بالرجم بالحجارة حتى الموت، ويوصي أن تكون العقوبة معلنة ليزدجر كل من قد تحدثه نفسه بهذه الجريمة عنها من الرجال والنساء ويعاقب الزناة من غير المتزوجين بمائة جلدة مع النفي لمدة عام.
وهناك عقوبات تأديبية تعزيرية فوضت لأولياء الأمور يعاقبون بها من يرتكب أموراً دون ذلك.