مقدمة
...
تقديم الطبعة الرابعة:
تصدر الطبعة الرابعة من كتاب "نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين" بعد أن استقبلت طبعاته السابقة بحمد الله وتوفيقه استقبالًا كريمًا طيبًا من الأروقة الأكاديمية في مصر والعالم العربي, وهو ما يحمل من معاني المسئولية أكبر مما يحمل من الشعور بالفخر والاعتزاز.
وهذا الكتاب هو كتابنا المشترك الثاني بعد كتابنا الأول: "علم النفس التربوي", وإذا كان موضوع هذا الكتاب هو "نمو الإنسان", فإنه بذلك يعد امتدادًا وتوسيعًا لآفاق كتابنا الأول، فعلم نفس النمو لم يستقل أبدًا عن ميدان علم النفس التربوي مجاله الرحب وأفقه الواسع، فكل بحث في النمو الإنساني وكل دراسة حوله إنما تتم وعين الكاتب وقلب الباحث على طرق تويجه هذا النمو؛ بحيث يتحقق للإنسان في كل مراحل حياته هذا التآلف السعيد بين عالمه الشخصي وعالمه الاجتماعي، وعلماء النفس التربويون هم كتيبة من فيلقٍ عظيم من المتخصصين في العلوم الإنسانية, يسعون جاهدين ليحققوا للإنسان حلمه المنشود.
والكتاب الذي بين يديك هو وصف لأبدع رحلات الإنسان، هذه الرحلة المعجزة التي تبدأ به خلية أحاديث التكوين, ويتحول خلالها إلى جنين, فطفل, فمراهق, فشاب, فراشد, فكهل, ثم إلى شيخ, فهرم فانٍ. هذه الرحلة التي وصفها القرآن الكريم في مواضع كثيرة، والتي تتضمن الكثير من آيات الله -سبحانه وتعالى- وسنته في خلقه.
وقد وجَّه تصنيف مراحل النمو في هذا الكتاب تقسيم القرآن الكريم لها.
يقول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} . [الروم: 54] .
وقد عبَّر الكتاب عن هذه المراحل الثلاث الكبرى بما نسميه: "المراحل الكبرى" في حياة الإنسان, أو "الأعمال الثلاثة" للإنسان, ومعنى ذلك أن هذا الكتاب لم يلتزم بالتقسيم الشهير لنمو الإنسان, وإنما سار على نحو يتفق مع التقسيم
القرآني إلى مرحلتين للضعف, بينهما مرحلة قوة, هي مرحلة الرشد, والضعف الأول "ضعف الطفولة والصبا والشباب" هو ضعف التحول إلى الرشد، أما الضعف الثاني: "ضعف الشيخوخة والهرم" فهو ضعف التحول عن الرشد.
وقد جاءت الطبعة الرابعة من الكتاب في ستة أبواب. تناول الباب الأول الأسس العامة التي تقوم عليها دراسة النمو الإنساني, ويتألف من خمسة فصول. تناول الفصل الأول طبيعة النمو الإنساني وقضاياه الأساسية, وفي الفصل الثاني: عرض لأصول علم النفس في الغرب، وفي الفصل الثالث: محاولة لتحديد الوجهة الإسلامية لعلم نفس النمو, وتطلَّبَ ذلك السعي البحثَ في النمو الإنساني كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ثم عند فقهاء المسلمين ومفكريهم وفلاسفتهم, ثم بناء نموذج النمو الإسلامي في هذا الإطار الإسلامي الشامل.
وفي الفصل الرابع: عرض لمناهج البحث في النمو الإنساني؛ بدأناه بتوصيف مركز للصلة الوثيقة بين المنهج العلمي في البحث والتصور الإسلامي للمعرفة، ثم تناولنا بشيء من التفصيل والتقويم الطرق المنوعة التي يستخدمها الباحثون المحدثون في هذا الميدان. أما الفصل الخامس: فقد خصصناه للنماذج النظرية للنمو الإنساني, مع التركيز خاصةً على نموذج بياجيه في النمو المعرفي، ونموذ إريكسون في النمو الانفعالي والوجداني، ونموذج كولبرج في النمون الخلقي والاجتماعي.
أما الباب الثاني: فيتناول مرحلة الجنين, والتي تعد جزءًا من العمر الأول للإنسان, والعمر الأول للإنسان هو تلك المرحلة الكبرى التي تبدأ بتكوين الجنين في الرحم, وتنتهي بدخول الإنسان عالم الراشدين, هي مرحلة تتسم بالضعف حسب الوصف القرآني لها، إلّا أنه ضعف التحول إلى القوة "أي: الرشد". ولهذا نلاحظ على هذه المرحلة الكبرى تحسنًا مستمرًّا مضطردًا يومًا بعد يوم, وعامًا بعد عام, تحقيقًا لهذه الغاية. وقد جاء الباب الثاني حول أطوار مرحلة الجنين في ثلاثة فصول, التزمنا فيها بالتقسيم القرآني لها؛ ففي الفصل السادس تناولنا تكوين النطفة, وفي الفصل السابع عرضنا لأطوار نمو الجنين ابتداءً من طور النطفة الأمشاج, فطور العلقة, فطور المضغة, فطور تكوين العظام والعضلات "اللحم", فطور التسوية، ثم خصَّصّنا الفصل الثامن لرعاية الجنين والأم الحامل.
ويمتد العمر الأول للإنسان إلى الباب الثالث الذي خصصناه لمرحلة الطفولة.
ومرة أخرى التزمنا في تصنيف أطوار هذه المرحلة بالتقسيم الإسلامي لها, وقد
عدل سابقا من قبل health psychologist في الأحد أغسطس 31, 2014 1:33 am عدل 2 مرات