عامل وراثي هام يلعب دورًا خطيرًا في نمو الجنين, وهو ما يسمى عامل الريصص, ويشار إليه باختصار المصطلح1 "Rh" وهو بروتين وراثي يوجد في دماء حوالي 85% من الأصل العام للسكان, وتنشأ المشكلة حين يحمل الأب هذا العامل ولا تحمله الأم
فحينئذ يصبح الجنين حاملًا له, فإذا اتصل دم الجنين بدم الأم, فإن جهاز المناعة لدى الأم قد ينتج أجسامًا مضادة antibodies تحمى جسمها من بروتين Rh الغريب عليه, وتؤدي هذه الأجسام المضادة إلى القضاء على خلايا الدم الحمراء لدى الطفل, والتي تحمل الأوكسجين، وهذه الحالة تسمى الحمراوية erythroblas tosis, وتؤدي إلى وفاة الطفل قبل الولادة أو بعدها, أو إلى تخلفه العقلي إذا عاش.
وهذه الآثار لا تظهر عادةً أثناء الحمل لأول مرة؛ لأن عامل الريصص لا يستطيع أن يخترق المشيمة حينئذ، إلّا أن دم الأم قد يستقبل هذا العالم بعد ذلك عند انشقاق المشيمة لحظة الولادة، وحينئذ يبدأ جسم الأم في إنتاج الأجسام المضادة, فإذا حملت مرة أخرى تخترق هذه الأجسام المضادة المشيمة وتقضي على الجنين, ويمكن الوقاية من ذلك بتناول الأم عند ولادة طفلها الأول مادةً تمنع تكوّن الأجسام المضادة, تسمى: rho GAM.
الإرشاد الوراثي:
يعد الإرشاد الوراثي genetic couseling أحد المجالات الحديثة التي ظهرت في السنوات الأخيرة بهدف المساعدة في إعطاء المهتمين المعلومات الطبية الناجمة عن التطورات المتزايدة في ميدان الوراثة الإنسانية، وتفسير هذه المعلومات، وبخاصة للزوجين, وتشمل هذه المعلومات ما يتصل باحتمال وراثة الطفل خصائص مرضية وراثية معينة "ومنها الاضطرابات التي أشرنا إليه في الفصل السادس, وعامل الريصص الذي أشرنا إليه أنفًا". وهذه المعلومات تفيد الوالدين في اتخاذ قرارهما بالنسبة للزواج أولًا, وإنجاب الأطفال بعده.
ويهتم الإرشاد الوراثي أيضًا بالعوامل الأخرى التي تؤثر في الجنين, بالإضافة التي العوامل الوراثية، ومنها نوعية بيئة ما قبل الولادة التي قد تؤثر في حياة الطفل قبل ولادته, ومهمة المرشد الوراثي هي تزويد الوالدين بأكبر قدر من المعلومات لزيادة فرص الحصول على طفلٍ سويّ.
وتوجد عدة طرق في الوقت الحاضر لتوفير هذه المعلومات عن الوراثة للوالدين قبل الحمل, ومن ذلك الحصول على تاريخ الأسرة الطبي لملاحظة وجود أي مشكلات صحية, أو أمراض معينة في عائلتي الوالدين. وأما الطريقة الأخرى -وهي الأكثر دقة- فتتمثل في فحص الحاملات الوراثية لأمراض معينة لدى كلٍّ من الوالدين من خلال الفحص المعملى لدم كلٍّ منهما وبوله وإفرازاته العرقية.
أما في حالة الحمل, فتوجد بعض الطرق المتاحة لتشخيص اضطرابات الصبغيات "الكروموزومات" أو الأمراض, أو غير ذلك من النقائص في الجنين
لنامي في رحم الأم, وتسمى هذه الطرق الحديثة بالتشخيص قبل الولادي natal diagnosin pre, وقد أصبحت هذه الطرق ممكنة بعد التوصل إلى إجراء علمي هام يسمى التحليل الأميني المصغر aminocentesis, وهو إجراء لا يجب استخدامه قبل انقضاء 14 أسبوعًا على الحمل، وفيه تؤخذ عينة صغيرة من السائل الأميني المحيط بالجنين, وذلك باستخدام إبرة مفرغة دقيقة طويلة تغرز في بطن الأم لتصل إلى الرحم, ومن المعروف أن هذا السائل يحتوي على خلايا الجلد التي يتلخص منها الجنين النامي, وبعد الحصول على هذه العينة يتم تنميتها في مزرعة معملية، ثم تحلل ميكروسكوبيًّا لمعرفة الخصائص الكروموزومية والوراثية والأيضية للجنين, وبهذه الطريقة يمكن تشخيص جنس الجنين, بالإضافة إلى حوالي مائة نقص وراثي.
ويوصي الأطباء بإجراء مثل هذا التشخيص للأمهات اللواتي يحتمل أن يظهرن خللًا وراثيًّا, ويشمل ذلك الأمهات اللاتي يتجاوز عمرهن 35سنة، أو اللواتي ولدن لأسر لها تاريخ من الخلل الوراثي, ومما يدعونا إلى الاطمئنان أن حوالي 97% من هذه الحالات يؤكد التحليل الأميني لأجنتهن أنهم خالون من أي خلل مشكوك فيه, أما إذا وجد الطبيب أن الجنين يعاني من خلل وراثي, فإنه يستطيع أن يقلل من خطره، بل قد يستطيع أن يصححه بإجراء مباشر عند الولادة أو بعدها مباشرة، بل أن بعض التطورات الحديثة في التكنولوجيا الطبية جعلت من الممكن تصحيح الخلل أثناء فترة الحمل ذاتيًّا باستخدام أساليب الجراحة أو التطبيب.
وهكذا يعين المرشد الوراثي الوالدين أثناء حمل الأم أو عند الولادة؛ من خلال تزويدها بالمعلومات المبكرة عن نقائص طفلها, كما يساعدهما على الوصول إلى قرارٍ حكيمٍ حول الاختبارات والمخاطر, حتى يمكنهما التعامل مع المشكلات التي يمكن أن تحدث، أو التخطيط لأسرتهما في المستقبل.
رعاية الأم الحامل:
يتضح لنا من مناقشتنا السابقة, أن الأم الحامل في حاجة إلى برنامج كامل للرعاية، يطلق على هذا البرنامج في الوقت الحاضر برنامج رعاية الأمومة والطفولة mother-child care, وتوجه هذه البرامج إلى الأمهات من مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية، إلّا أن الفئات الأولى بالرعاية تلك التي تعاني من الضغوط الاقتصادية على وجه الخصوص, ويؤكد ذلك البحوث التي أُجْرِيَتْ في السنوات الأخيرة حول ما يسميه بيرش وجاسو، Birch Gussow" 1970] دورة الفقر cycle of poverty, وهي نظرية تؤكد أن آثار انخفاض المستوى
الاقتصادي الاجتماعي تنتقل بالفعل من جيل إلى جيل, ويوضح ذلك الشكل رقم "8-1".
ويرى بيرش وجاستو أن آثار الفقر تبدأ منذ أمد طويل قبل الحمل؛ لأنها جزء من التاريخ النمائي للأم؛ فالأم التي تنشأ في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة, لا تصل عادةً إلى درجة كافية من النمو في مختلف النواحي، ومن ذلك النمو الطولي, وحيث أن نمو الطول يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصحة الجسمية, فإنه يعد أيضًا منبئًا جيدًّا بمدى ملاءمة رحم الأم كبيئة للطفل قبل ولادته.
ويزداد الموقف تعقيدًا في أن الأم التي تعيش في ظروف اقتصادية اجتماعية سيئة, تكون أكثر احتمالًا من الأخرى التي تعيش في ظروفٍ أفضل؛ من حيث الولادة المبكرة, وإنجاب عدد أكبر من الأطفال، والحمل حتى مرحلة أكثر تأخيرًا من عمرها, وهذه العوامل الثلاثة تتنبأ أيضًا بتعقيدات الحمل والولادة.
وتستمر الظروف الاجتماعية الاقتصادية السيئة في تجميع آثارها خلال فترة الحمل ذاتها, وتعد التغذية أحد الجوانب الأساسية من المشكلة, فعلى الرغم من أنّ الأم الحامل تحصل عادةً على احتياجاتها من السعرات الحرارية, إلّا أن نظامها الغذائي قد تنقصه بعد القيم الغذائية, وتظهر هذه المشكلة خاصة بالنسبة لنقص الألبان والخضروات والفواكة الطازجة والبروتين, وقد أكدت البحوث وجود علاقة وثيقة بين غذاء الأم وكثير من الظروف السيئة التي يتعرض لها الطفل قبل الولادة وبعدها.
ومن المكونات الهامة لبرامج رعاية الحامل، إلى جانب الاهتمام بنظام تغذيتها، ما تحصل عليه من رعاية طبية، والتي يجب أن تقوم بدورها الوقائي، بمعنى: أن الإشراف المستمر على صحة الأم الحامل يفيد في حمايتها من الاضطرابات التي قد تتعرض لها أثناء الولادة, وتقليل آثار العوامل التي لا تخضع للتحكم, ومن المهم أن نشير هنا إلى أن الأمهات اللواتي يحتمل أن يتعرضن لمخاطر نتيجة نقص المناعة الطبية قبل الولادة, هن أولئك اللاتي لا يحصلن عليها، بصرف النظر عن المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأم. ويزداد هذا الخطر استفحالًا إذا كانت برامج الرعاية لا تُقَدَّمُ لهنَّ بالفعل, وخاصة اللاتي ينتمين إلى المستويات الاقتصادية الاجتماعية المنخفضة, وإذا كانت الإحصائيات في الولايات المتحدة تؤكد أن حوالي 75% من هؤلاء الأمهات لا تُقَدَّمُ لهن رعاية طبية أثناء الحمل إلّا بعد انقضاء ستة أشهر من الحمل "Goldhaber 1986", فما بال الحال في الدول النامية؟!
وجميع هذه الظروف السابقة على الولادة تستمر في إحداث آثارها بعد ولادة الطفل، فالتاريخ النمائي والتعليمي للوالدين يجعلهما أقلّ كفاءة في الحصول على مهن من مستوى مرتفع, كما أن عمر الأم, وعدد الأطفال في الأسرة, وقصر الفاصل الزمني بين كل ولادة لطفل وآخر, يؤدي إلى موقفٍ يجعل الرعاية الوالدية للأطفال أكثر صعوبة, وتاريخ الأطفال قبل الولادة يجعلهم أكثر تعرضًا للأمراض, وصعوبة الشفاء, وهذه الظروف جميعًا تؤدي إلى سوء الأداء في المدرسة, ونقص التعليم، وبهذا تبدأ دورة الفقر من جديد.
فحينئذ يصبح الجنين حاملًا له, فإذا اتصل دم الجنين بدم الأم, فإن جهاز المناعة لدى الأم قد ينتج أجسامًا مضادة antibodies تحمى جسمها من بروتين Rh الغريب عليه, وتؤدي هذه الأجسام المضادة إلى القضاء على خلايا الدم الحمراء لدى الطفل, والتي تحمل الأوكسجين، وهذه الحالة تسمى الحمراوية erythroblas tosis, وتؤدي إلى وفاة الطفل قبل الولادة أو بعدها, أو إلى تخلفه العقلي إذا عاش.
وهذه الآثار لا تظهر عادةً أثناء الحمل لأول مرة؛ لأن عامل الريصص لا يستطيع أن يخترق المشيمة حينئذ، إلّا أن دم الأم قد يستقبل هذا العالم بعد ذلك عند انشقاق المشيمة لحظة الولادة، وحينئذ يبدأ جسم الأم في إنتاج الأجسام المضادة, فإذا حملت مرة أخرى تخترق هذه الأجسام المضادة المشيمة وتقضي على الجنين, ويمكن الوقاية من ذلك بتناول الأم عند ولادة طفلها الأول مادةً تمنع تكوّن الأجسام المضادة, تسمى: rho GAM.
الإرشاد الوراثي:
يعد الإرشاد الوراثي genetic couseling أحد المجالات الحديثة التي ظهرت في السنوات الأخيرة بهدف المساعدة في إعطاء المهتمين المعلومات الطبية الناجمة عن التطورات المتزايدة في ميدان الوراثة الإنسانية، وتفسير هذه المعلومات، وبخاصة للزوجين, وتشمل هذه المعلومات ما يتصل باحتمال وراثة الطفل خصائص مرضية وراثية معينة "ومنها الاضطرابات التي أشرنا إليه في الفصل السادس, وعامل الريصص الذي أشرنا إليه أنفًا". وهذه المعلومات تفيد الوالدين في اتخاذ قرارهما بالنسبة للزواج أولًا, وإنجاب الأطفال بعده.
ويهتم الإرشاد الوراثي أيضًا بالعوامل الأخرى التي تؤثر في الجنين, بالإضافة التي العوامل الوراثية، ومنها نوعية بيئة ما قبل الولادة التي قد تؤثر في حياة الطفل قبل ولادته, ومهمة المرشد الوراثي هي تزويد الوالدين بأكبر قدر من المعلومات لزيادة فرص الحصول على طفلٍ سويّ.
وتوجد عدة طرق في الوقت الحاضر لتوفير هذه المعلومات عن الوراثة للوالدين قبل الحمل, ومن ذلك الحصول على تاريخ الأسرة الطبي لملاحظة وجود أي مشكلات صحية, أو أمراض معينة في عائلتي الوالدين. وأما الطريقة الأخرى -وهي الأكثر دقة- فتتمثل في فحص الحاملات الوراثية لأمراض معينة لدى كلٍّ من الوالدين من خلال الفحص المعملى لدم كلٍّ منهما وبوله وإفرازاته العرقية.
أما في حالة الحمل, فتوجد بعض الطرق المتاحة لتشخيص اضطرابات الصبغيات "الكروموزومات" أو الأمراض, أو غير ذلك من النقائص في الجنين
لنامي في رحم الأم, وتسمى هذه الطرق الحديثة بالتشخيص قبل الولادي natal diagnosin pre, وقد أصبحت هذه الطرق ممكنة بعد التوصل إلى إجراء علمي هام يسمى التحليل الأميني المصغر aminocentesis, وهو إجراء لا يجب استخدامه قبل انقضاء 14 أسبوعًا على الحمل، وفيه تؤخذ عينة صغيرة من السائل الأميني المحيط بالجنين, وذلك باستخدام إبرة مفرغة دقيقة طويلة تغرز في بطن الأم لتصل إلى الرحم, ومن المعروف أن هذا السائل يحتوي على خلايا الجلد التي يتلخص منها الجنين النامي, وبعد الحصول على هذه العينة يتم تنميتها في مزرعة معملية، ثم تحلل ميكروسكوبيًّا لمعرفة الخصائص الكروموزومية والوراثية والأيضية للجنين, وبهذه الطريقة يمكن تشخيص جنس الجنين, بالإضافة إلى حوالي مائة نقص وراثي.
ويوصي الأطباء بإجراء مثل هذا التشخيص للأمهات اللواتي يحتمل أن يظهرن خللًا وراثيًّا, ويشمل ذلك الأمهات اللاتي يتجاوز عمرهن 35سنة، أو اللواتي ولدن لأسر لها تاريخ من الخلل الوراثي, ومما يدعونا إلى الاطمئنان أن حوالي 97% من هذه الحالات يؤكد التحليل الأميني لأجنتهن أنهم خالون من أي خلل مشكوك فيه, أما إذا وجد الطبيب أن الجنين يعاني من خلل وراثي, فإنه يستطيع أن يقلل من خطره، بل قد يستطيع أن يصححه بإجراء مباشر عند الولادة أو بعدها مباشرة، بل أن بعض التطورات الحديثة في التكنولوجيا الطبية جعلت من الممكن تصحيح الخلل أثناء فترة الحمل ذاتيًّا باستخدام أساليب الجراحة أو التطبيب.
وهكذا يعين المرشد الوراثي الوالدين أثناء حمل الأم أو عند الولادة؛ من خلال تزويدها بالمعلومات المبكرة عن نقائص طفلها, كما يساعدهما على الوصول إلى قرارٍ حكيمٍ حول الاختبارات والمخاطر, حتى يمكنهما التعامل مع المشكلات التي يمكن أن تحدث، أو التخطيط لأسرتهما في المستقبل.
رعاية الأم الحامل:
يتضح لنا من مناقشتنا السابقة, أن الأم الحامل في حاجة إلى برنامج كامل للرعاية، يطلق على هذا البرنامج في الوقت الحاضر برنامج رعاية الأمومة والطفولة mother-child care, وتوجه هذه البرامج إلى الأمهات من مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية، إلّا أن الفئات الأولى بالرعاية تلك التي تعاني من الضغوط الاقتصادية على وجه الخصوص, ويؤكد ذلك البحوث التي أُجْرِيَتْ في السنوات الأخيرة حول ما يسميه بيرش وجاسو، Birch Gussow" 1970] دورة الفقر cycle of poverty, وهي نظرية تؤكد أن آثار انخفاض المستوى
الاقتصادي الاجتماعي تنتقل بالفعل من جيل إلى جيل, ويوضح ذلك الشكل رقم "8-1".
ويرى بيرش وجاستو أن آثار الفقر تبدأ منذ أمد طويل قبل الحمل؛ لأنها جزء من التاريخ النمائي للأم؛ فالأم التي تنشأ في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة, لا تصل عادةً إلى درجة كافية من النمو في مختلف النواحي، ومن ذلك النمو الطولي, وحيث أن نمو الطول يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصحة الجسمية, فإنه يعد أيضًا منبئًا جيدًّا بمدى ملاءمة رحم الأم كبيئة للطفل قبل ولادته.
ويزداد الموقف تعقيدًا في أن الأم التي تعيش في ظروف اقتصادية اجتماعية سيئة, تكون أكثر احتمالًا من الأخرى التي تعيش في ظروفٍ أفضل؛ من حيث الولادة المبكرة, وإنجاب عدد أكبر من الأطفال، والحمل حتى مرحلة أكثر تأخيرًا من عمرها, وهذه العوامل الثلاثة تتنبأ أيضًا بتعقيدات الحمل والولادة.
وتستمر الظروف الاجتماعية الاقتصادية السيئة في تجميع آثارها خلال فترة الحمل ذاتها, وتعد التغذية أحد الجوانب الأساسية من المشكلة, فعلى الرغم من أنّ الأم الحامل تحصل عادةً على احتياجاتها من السعرات الحرارية, إلّا أن نظامها الغذائي قد تنقصه بعد القيم الغذائية, وتظهر هذه المشكلة خاصة بالنسبة لنقص الألبان والخضروات والفواكة الطازجة والبروتين, وقد أكدت البحوث وجود علاقة وثيقة بين غذاء الأم وكثير من الظروف السيئة التي يتعرض لها الطفل قبل الولادة وبعدها.
ومن المكونات الهامة لبرامج رعاية الحامل، إلى جانب الاهتمام بنظام تغذيتها، ما تحصل عليه من رعاية طبية، والتي يجب أن تقوم بدورها الوقائي، بمعنى: أن الإشراف المستمر على صحة الأم الحامل يفيد في حمايتها من الاضطرابات التي قد تتعرض لها أثناء الولادة, وتقليل آثار العوامل التي لا تخضع للتحكم, ومن المهم أن نشير هنا إلى أن الأمهات اللواتي يحتمل أن يتعرضن لمخاطر نتيجة نقص المناعة الطبية قبل الولادة, هن أولئك اللاتي لا يحصلن عليها، بصرف النظر عن المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأم. ويزداد هذا الخطر استفحالًا إذا كانت برامج الرعاية لا تُقَدَّمُ لهنَّ بالفعل, وخاصة اللاتي ينتمين إلى المستويات الاقتصادية الاجتماعية المنخفضة, وإذا كانت الإحصائيات في الولايات المتحدة تؤكد أن حوالي 75% من هؤلاء الأمهات لا تُقَدَّمُ لهن رعاية طبية أثناء الحمل إلّا بعد انقضاء ستة أشهر من الحمل "Goldhaber 1986", فما بال الحال في الدول النامية؟!
وجميع هذه الظروف السابقة على الولادة تستمر في إحداث آثارها بعد ولادة الطفل، فالتاريخ النمائي والتعليمي للوالدين يجعلهما أقلّ كفاءة في الحصول على مهن من مستوى مرتفع, كما أن عمر الأم, وعدد الأطفال في الأسرة, وقصر الفاصل الزمني بين كل ولادة لطفل وآخر, يؤدي إلى موقفٍ يجعل الرعاية الوالدية للأطفال أكثر صعوبة, وتاريخ الأطفال قبل الولادة يجعلهم أكثر تعرضًا للأمراض, وصعوبة الشفاء, وهذه الظروف جميعًا تؤدي إلى سوء الأداء في المدرسة, ونقص التعليم، وبهذا تبدأ دورة الفقر من جديد.