أ. د. صفوت فرج د. هبه ابراهيم
قسم علم النفس-كلية الآداب –جامعة الكويت قسم علم النفس-كلية الآداب جامعة المنيا
البنية السيكومتريـة والعاملـية
لمقياس تنسى لمفهوم الذات
يصنف الكتاب السنوي للمقاييس العقلية Mental Measurments Yearbook طبعه عام 1972 . (Krisen, 1972) مقياس تنسى لمفهوم الذات بين أهم عشر مقاييس للشخصية حظيت ببحوث واهتمام من الباحثين ، ورغم أن الكثير من المقاييس تحصل على قدر كبير من الاهتمام على امتداد فترة زمنية محدوده ، إلا أننا وبعد أكثر من خمسة وعشرين عاما من تقرير بوروس ، ومن خلال مسح الكتروني شامل نتبين أن هذا المقياس مازال اداه أساسية هامة في عدد ضخم من البحوث تجاوز الألفي بحث على امتداد عامي 95 - 1996 وتشير هذه الظاهرة إلى أن الاهتمام بهذا المقياس كانت له مبررات هامة بما جعله يسهم بشكل جيد في النشاط البحثي والإرشادي والإكلينيكي كما ساعد على نمو المعرفة السيكلوجية بجوانب سلوكية متعددة .
ويتمثل الاختلاف الرئيسي بين مقياس تنسى لمفهوم الذات Tennessee self concept الذي صممه ونشره وليام فيتس W.Fitts عام 1965 وبين غيره من مقاييس الشخصية في أن استراتيجية بناءه تعتمد لا على تقرير الفرد لسلوكه أو الطريقة التي يعتقد أنه يسلك بها ، بل تعتمد على مفهومه لذاته ، فالذات هنا عبارة عن هوية محددة المعالم ، فكرة المرء عنها أكثر وضوحا وحسما من فكرته عما سيكون عليه سلوكه في موقف معين ، مع تعدد المواقف وتباين المتغيرات في كل واحد منها .
ويشير مفهوم الذات إلى خبرة الشخص بذاته أو محصله خبراته بذاته من كل المواقف السلوكية وهذا هو المعني الذي استخدم به المصطلح منذ وليام جيمس حول نهاية القرن الماضي (James 1890) ، وهو المعنى نفسه الذي ظل عليه لدى البورت ثم ليكي (Allport, 1961; Lecky 1961) مرورا بمازلو ، وريمي ، وميرفي ، وسينج وكومبس (Maslow, 1954; raimy,) (1943; Murphy, 1947; snygg and Combs, 1949) مفهوم الذات مفهوم إدراكي متكامل غير واضح المعالم من حيث خصائصه أو الطريقة التي يتشكل بها ، ولكنه شديد الوضوح في تعبيره عن نفسه وفي تشكيله لسلوك الفرد وخريطة سماته المزاجية .
قد لا يكون التوقف عند تعريف المفهوم مجديا إذا يثير من الجدل أكثر مما يثير من الانفاق (Epstein, 1973; Banister and Agnew, 1976; Jordan and Merrifield, 1981) وعلى هذا يكفي فقط الأنطلاق من نقطة بداية أكثر ثباتا ترى أن مفهوم الذات تكوين متشابك من عمليات وعوامل ذاتية غير محددة المعالم ويقف خلف هوية الفرد وسلوكه الفريد في المواقف المختلفة ( فرج وكامل 1985 ، ص 7) وعندما تصبح الاستنباطات القائمة على قياس المفهوم صادقة ، ويتسق سلوك الفرد في ضوء مفهومه عن ذاته فإننا نكون إزاء مفهوم بنائي Construct عامل له قدر من الصلابة والتماسك المنهجي الذي لا يمكن انكاره .
يوضح التراث البحثي الأكثر حداثة هذه الحقيقة . من ذلك ما أظهرته دراسة برايد وآخرون من حصول مفحوصاتهم من الاناث اللاتي تعرضن للأنتهاك الجنسي في طفولتهن على درجات منخفضة في مقاييس الصحة العقلية على مقياس تنسى وبفرق جوهري عن العينة الضابطة . وكان تقديرهن للذات الجسمية أكثر انخفاضا ، وارتبطت ذكريات الانتهاك الجنسي ومستويات رعاية الأسرة خلال الطفولة بالتقدير الذاتي ومفهوم الذات (Brayden et al., 1995) .
في المقابل تظهر دراسة لكيلي أن الجهود المختلفة للرعاية والترفيه والتدريب والعلاج تؤدي بصورة جيدة إلى تحسن مفهوم الشخص عن ذاته ، ظهر ذلك من خلال علاج امرأة تعرضت لأعتداء جنسى من أحد محارمها بأسلوب روجرز والعلاج الجشطالتي وبما أدي إلى زيادة جوهرية في كل درجات مقاييس مفهوم الذات (Kelly, 1993) .
ولاحظ كرفيتز وآخرون أن الازواج المصابون بتلف في المخ يعانون من تقدير منخفض لذواتهم مقارنة بعينه ضابطة ، وقد ظهر أن تلف المخ يؤثر في مدى واتجاه العلاقات بين جوانب مفهوم الذات والتباين في الفشل الزواجي لدى هؤلاء الرجال . (Kravetz et al., 1995) .
وأظهرت دراسة لفينز ونيكولز حدوث تحسن جوهري في كل أبعاد مقاييس الذات لدى أفراد لديهم اصابات في المخ بعد حصولهم على برنامج بحري ترفيهي (Fines and Nichols, 1994) .
ويذكر أبتر وآخرون (Apter et al., 1994) أن قصار القامة ومحدودي النمو يتسمون بتقدير منخفض بدرجة داله لذواتهم مقارنة بالأفراد أصحاب الطول السوي بالنسبة لأعمارهم . بينما لا توجد فروق جوهرية في مفهوم الذات بين أصحاب القامات القصيرة وأصحاب القامة المحدودة وبما يصنفهم جميعا في فئة واحدة . وبينت دراسة سالوكن حدوث تغيرات إيجابية في مفهوم الذات لدى مجموعة من الذكور والإناث أعمارهم بين 12 - 18 عاما نتيجة لتحصيلهم عددا من المهارات الرياضية وتحسنهم في الالعاب بعد تدريب لمدة 10 أسابيع (Salokun, 1994) .
وبينما كان مفهوم الذات منخفض إكلينيكيا لدى مجموعة من الراشدين الذين يعانون من اعاقات تعلم (Lewandowski & Arcongelo, (1994) . كان هناك مفهوم إيجابي للذات مرتبطا بالإنجاز الأكاديمي لدى التلاميذ الموهوبين في الفصلين السابع والثامن . ولم يرتبط لدى التلاميذ الضعفاء (Garzarelli et al., 1993) وهو ما يعني أن الاعاقة التعليمية ترتبط بانخفاض مفهوم الذات ، بينما لا يكون الضعفاء تعليميا أصحاب مفهوم سلبي عن الذات في الوقت الذي يكون فيه الموهوبون أصحاب مفهوم إيجابي عن الذات . ويبدو أن التفوق الدراسي يرتبط باستمرار بالمفهوم الإيجابي عن الذات ، فقد ظهرت في هذا السياق ارتباطات دالة تشير إلى أن الدرجة الكلية في اختبارات الرياضيات تزيد مع زيادة قبول الفرد لذاته واحساسه بقيمته الشخصية وكفاءته (Jackson and Canada, 1995) . وقد أظهر الجانحون المقيمون بمؤسسات الأحداث مؤشرات على مستوى نفس مرضى Psycho pathology أعلى على خمسة مقاييس للذات في مقياس تنسى مقارنة بغير الجانحين ، وأظهر تحليل داله التمييز أن مقاييس تكامل الشخصية واضطرابات الشخصية هي الأكثر أهمية في التمييز بين الجماعات المختلفة (Evans et al., 1994) ويبدو هنا أن كون هؤلاء الاحداث الجانحين محتجزين في مؤسسة ، ويدركون نظرة المجتمع لهم أسهم في خفض مفهومهم عن ذواتهم ، يؤكد ذلك ما أظهرته دراسة الطالب وجريفن فعند مقارنتهما بين مجموعتين من التلاميذ الجانحين بين 13 - 16 عاما حيث صنف أفراد المجموعة الأولى باعتبارهم جانحين بينما لم يصنف أفراد المجموعة الثانية تحت هذا المسمى واعتمد في تحديدهم على مقاييس التقرير الذاتي وأدائهم عليه ، أظهر أفراد مجموعة الجانحين المصنفين مفهوما منخفضا عن ذواتهم من غير المصنفين . وظهر في الوقت نفسه فرق جوهري في مفهوم الذات بين المجموعتين معا ومجموعة ضابطة من غير الجانحين (Altalib and Griffin 1994) .
وعندما قارن سيرليز بين مجموعتين من أطفال الآباء الصم ، المجموعة الأولي لأطفال يسمعون والثانية لأطفال لا يسمعون كانت الفروق جوهرية في مقاييس السلوك والذات الأخلاقية ولم تظهر فروق على بقية مقاييس الذات (Searls, 1993) .
معني هذا أن تعرض الفرد لخبرات حادة أو لأوضاع غير سوية أو اتسامه بخصائص مرضية يعد داله لمفهومه السلبي عن ذاته . وهو ما يتسق مع ما توصلت إليه ذو الفقاري من وجود فروق جوهرية بين مجموعتين إكلينيكيتين من عصابيين وفصاميين وبين مجموعة من الأسوياء في مفهوم الذات حيث اتسمت المجموعتين الإكلينيكيتين بمفهوم ذات أكثر سلبية وانحرافا ، مع عدم ملاحظة فروق جوهرية في مفهوم الذات بين العصابيين والفصاميين (Zolfaghari, 1993) .
رغم هذا الثراء في النتائج ذات الطبيعة الإكلينيكية وسعة استخدام المقياس في البحوث إلا أنه يندر وجود دراسات سيكومترية تتناوله ويجري فحصه من خلالها وهي بحوث تبدو أساسية وجوهرية وتتزايد أهميتها عندما يكون المقياس واسع الاستخدام وتشير نتائجه إلى دلائل على صدق التكوين Construct Validity .
ومع ذلك فإن والش وزملاؤه يشيرون إلى أن أغلب الدراسات التي جرت على مدى عدة سنوات على المقياس اثارت تساؤلات منهجية حول صدقه . وأن أغلب هذه الدراسات استخدمت أساليب عاملية وانتهت نتائجها إلى عدم تدعيم بنية المقياس كما قدمها فيتس (Walsh et al., 1989) .
يدعو كل ذلك إلى إجراء فحص منهجي وسيكومتري للمقياس . ويتضمن مقياس تنسى لمفهوم الذات وعانا جيدا من البنود (100 بند) كما يتضمن مجموعة من المقاييس الفرعية . يترتب على ذلك ضرورة فحص هذه الخصائص وبيان ما فيها من إيجابية وسلبية ، يضاف إلى ذلك ضرورة فحص بنيته العاملية ، فالاكتفاء بالبناء السيكلوجي والسيكومتري النظرى للمقياس لا يكفي ما لم تدعمه الدراسة العاملية الأمبريقية التي يكشف عنها تحليل مكوناته الأساسية .
أن الكثير من القضايا السيكومترية مثل أحادية البنود Univocality وتصنيفها عامليا وقابلية الخصائص التي يقيسها المقياس لإعادة الانتاج Replicability والنسبة من حجم التباين الكلي على المقياس التي تستخلص عامليا ودلالتها من الأمور الجوهرية التي تضفي ثراء حقيقيا على المقياس ، وتسعي هذه الدراسة لتقديم تحليل سيكومتري وعاملي لمقياس تنسي لمفهوم الذات .
منهج الدراسة :
طبق مقياس تنسي لمفهوم الذات ترجمة فرج وكامل (1985) على عينة من 199 مفحوصا من طلاب وطالبات كليات الآداب بجامعتي عين شمس والمنيا في المرحلة العمرية 19 - 22 عاما . وبالإضافة إلى تصحيح أداء كل مفحوص في العينة ليحصل على درجات على مقاييس الذات والمقاييس الإكلينيكية والإرشادية في إطار دراسة أوسع . انصبت هذه الدراسة على الاجراءات الآتية :_
1 - فحص البنية النظرية للاختبار لإبراز البنود المستخدمة في قياس أكثر من سمة إكلينيكية أو مفهوم من مفاهيم الذات .
2 - حساب معاملات الارتباط بين البنود الـ 100 في المقياس للحصول على مصفوفة ارتباطية يبلغ حجمها 4950 معاملا . للارتباط . ورغم أن التباين في الدرجة على البند محدود ( من 1 إلى 5) وبما يؤثر في كفاءة معامل ارتباط بيرسون (فرج ، 1996) إلا أن هذه المعامل للأرتباط هو الأكثر مناسبة في ضوء التزامنا بعدم دمج أي تقديرات على البنود للإقلال من فئات الإجابة عليها ( مثال ذلك دمج إجابات 1، 2 في فئة الدرجة 1 أو الإجابات 4 ، 5 في فئة الدرجة 3) وبحيث نحافظ على حساسية الدرجة في دقة تعبيرها عن إجابة المفحوص وهي ميزة يوفرها المقياس .
3 - حللت المصفوفة الارتباطية الناتجه عامليا بطريقة المكونات الأساسية لهويتلنج (Hotteling Principle Componants) ( فرج 1985) وبأستخدام محك التوقف عن استخلاص العوامل التي لا يصل جذرها الكامن إلى الواحد الصحيح . وأدى هذا الأجراء إلى حصولنا على مصفوفة عاملية تتضمن 32 عاملا تتضمن 71.8% من تباين المصفوفة الارتباطية في الوقت الذي بلغ فيه أقصى نسبة شيوع لمتغير في المصفوفة العاملية 82.4% وأدنى شيوع لمتغير 61.66% (المتغيرين 24 ، 27 على الترتيب). ورغم أن عدد العوامل الناتجة بعد كبيرا نسبيا بما يوحي أن محك التوقف (جذر كامن واحد صحيح) كان حلا متساهلا ، وبما يثير قضية استخلاص عدد محدود أو عدد أكثر من العوامل ومزايا وعيوب كل حل منهما. رغم هذا فإن اختيارات الباحث هنا تبدو محدوده فأستخدام أسلوب كاتل (Cattell, 1966) الـ Scree test يُتجنب غالبا لأنه يتطلب قرارا ذاتيا من الباحث (Wood et al., 1996) واستخدام طرق أخرى أكثر فعالية وكفاءة من الجذر الكامن 1.0 لكايزر مثل الأجراء الجزئي لأدنى متوسط average Partial procedure minimum الذي ينصح به فليكار (Velicer, 1076) أو التحليل الموازي Parallel analysis لهورن (Horn, 1965) يتعذر بالنسبة لمصفوفه ارتباطيه بهذا الحجم يجرى تحليلها في ضوء حقيقة أن هذه الأساليب مازالت حتى الآن غير مبرمجه للأستخدام على الحاسب الالكتروني * .
4 - حسب ثبات البنود بطريقة اعادة الأختبار Test-Retest على عينة محدوده من 40 طالبا وطالبة بفاصل زمني أربعة عشر يوما ** وكانت النتائج مرضيه وهى التي يعرضها الجدول رقم (1) .
5 - قبلت بالنسبة لصدق المقياس المحكات والتقديرات التي توصل إليها فرج وكامل في دراسة سابقة (1985).
________________________
* نتيجة لهذا الحجم الكبير للمصفوفة العاملية (32×100) تعذر إجراء تدويرها على الحاسب الرئيسي لجامعة الكويت حيث لم يتمكن من تنفيذ الاجراء التكراري iteration (25) مرة لمصفوفة كل عامل (رفع رتبتها) وهو اجراء ضروري في مصفوفه بهذا الحجم .
** أجريت تجربه الثبات لبنود المقياس على طلاب وطالبات من قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة الكويت وبنفس مواصفات العينة الأصلية للدراسة.
نتائج الدراسة :
يعرض الجدول رقم (1) نتائج حساب الثبات لبنود الاختبار محسوبه بطريقة إعادة الاختبار بعد 14 يوما وباستخدام معامل ارتباط بيرسون . ويلاحظ من الجدول أن المعاملات جميعها تقع بين الستينات والسبعينات بوسيط معامل ثبات 0.712 باستثناء بند واحد كان ثباته 0.587 وهو البند رقم 27 ويلاحظ أن هذا البند كان أقل البنود شيوعا في التحليل العاملي إذ كانت نسبة شيوعه 0.6166 أوضحت المصفوفة الارتباطية الناتجة بعض المؤشرات الارتباطية الهامة حيث نلاحظ نسبة الارتباطات الدالة بين البنود في مستويات احتمالية مختلفة .
وهو ما يشير إلى صلاحية المصفوفة للتحليل العاملي من ناحية ، بينما يشير من ناحية أخرى إلى سيادة مناخ ارتباطي متجانس فيها . وهو أمر يدعو للتوقف قليلا إزاء وجود هذه النسبة من الارتباطات لا بين بنود تقيس خصائص مزاجية ومفاهيم ادراكية فحسب ، بل وتقيس مجموعة من المفاهيم المرضية المتباينة . غير أن التساؤل قد لا يثير مخاوف حادة اذا وضعنا في اعتبارنا حقيقة أن الارتباطات بين البنود اعتمدت على الدرجات الخام في سلمها المباشر ، في حين أن درجات الكثير من المقاييس الفرعية تعتمد أما على مقلوب درجة بعض البنود أو على استخلاص عرض من درجة مركبة ، ويبين جدول رقم (2) عدد الارتباطات الدالة ونسبها المئوية بالنسبة للحجم الكلي للمصفوفة الارتباطية البالغ 4950 معامل .
قسم علم النفس-كلية الآداب –جامعة الكويت قسم علم النفس-كلية الآداب جامعة المنيا
البنية السيكومتريـة والعاملـية
لمقياس تنسى لمفهوم الذات
يصنف الكتاب السنوي للمقاييس العقلية Mental Measurments Yearbook طبعه عام 1972 . (Krisen, 1972) مقياس تنسى لمفهوم الذات بين أهم عشر مقاييس للشخصية حظيت ببحوث واهتمام من الباحثين ، ورغم أن الكثير من المقاييس تحصل على قدر كبير من الاهتمام على امتداد فترة زمنية محدوده ، إلا أننا وبعد أكثر من خمسة وعشرين عاما من تقرير بوروس ، ومن خلال مسح الكتروني شامل نتبين أن هذا المقياس مازال اداه أساسية هامة في عدد ضخم من البحوث تجاوز الألفي بحث على امتداد عامي 95 - 1996 وتشير هذه الظاهرة إلى أن الاهتمام بهذا المقياس كانت له مبررات هامة بما جعله يسهم بشكل جيد في النشاط البحثي والإرشادي والإكلينيكي كما ساعد على نمو المعرفة السيكلوجية بجوانب سلوكية متعددة .
ويتمثل الاختلاف الرئيسي بين مقياس تنسى لمفهوم الذات Tennessee self concept الذي صممه ونشره وليام فيتس W.Fitts عام 1965 وبين غيره من مقاييس الشخصية في أن استراتيجية بناءه تعتمد لا على تقرير الفرد لسلوكه أو الطريقة التي يعتقد أنه يسلك بها ، بل تعتمد على مفهومه لذاته ، فالذات هنا عبارة عن هوية محددة المعالم ، فكرة المرء عنها أكثر وضوحا وحسما من فكرته عما سيكون عليه سلوكه في موقف معين ، مع تعدد المواقف وتباين المتغيرات في كل واحد منها .
ويشير مفهوم الذات إلى خبرة الشخص بذاته أو محصله خبراته بذاته من كل المواقف السلوكية وهذا هو المعني الذي استخدم به المصطلح منذ وليام جيمس حول نهاية القرن الماضي (James 1890) ، وهو المعنى نفسه الذي ظل عليه لدى البورت ثم ليكي (Allport, 1961; Lecky 1961) مرورا بمازلو ، وريمي ، وميرفي ، وسينج وكومبس (Maslow, 1954; raimy,) (1943; Murphy, 1947; snygg and Combs, 1949) مفهوم الذات مفهوم إدراكي متكامل غير واضح المعالم من حيث خصائصه أو الطريقة التي يتشكل بها ، ولكنه شديد الوضوح في تعبيره عن نفسه وفي تشكيله لسلوك الفرد وخريطة سماته المزاجية .
قد لا يكون التوقف عند تعريف المفهوم مجديا إذا يثير من الجدل أكثر مما يثير من الانفاق (Epstein, 1973; Banister and Agnew, 1976; Jordan and Merrifield, 1981) وعلى هذا يكفي فقط الأنطلاق من نقطة بداية أكثر ثباتا ترى أن مفهوم الذات تكوين متشابك من عمليات وعوامل ذاتية غير محددة المعالم ويقف خلف هوية الفرد وسلوكه الفريد في المواقف المختلفة ( فرج وكامل 1985 ، ص 7) وعندما تصبح الاستنباطات القائمة على قياس المفهوم صادقة ، ويتسق سلوك الفرد في ضوء مفهومه عن ذاته فإننا نكون إزاء مفهوم بنائي Construct عامل له قدر من الصلابة والتماسك المنهجي الذي لا يمكن انكاره .
يوضح التراث البحثي الأكثر حداثة هذه الحقيقة . من ذلك ما أظهرته دراسة برايد وآخرون من حصول مفحوصاتهم من الاناث اللاتي تعرضن للأنتهاك الجنسي في طفولتهن على درجات منخفضة في مقاييس الصحة العقلية على مقياس تنسى وبفرق جوهري عن العينة الضابطة . وكان تقديرهن للذات الجسمية أكثر انخفاضا ، وارتبطت ذكريات الانتهاك الجنسي ومستويات رعاية الأسرة خلال الطفولة بالتقدير الذاتي ومفهوم الذات (Brayden et al., 1995) .
في المقابل تظهر دراسة لكيلي أن الجهود المختلفة للرعاية والترفيه والتدريب والعلاج تؤدي بصورة جيدة إلى تحسن مفهوم الشخص عن ذاته ، ظهر ذلك من خلال علاج امرأة تعرضت لأعتداء جنسى من أحد محارمها بأسلوب روجرز والعلاج الجشطالتي وبما أدي إلى زيادة جوهرية في كل درجات مقاييس مفهوم الذات (Kelly, 1993) .
ولاحظ كرفيتز وآخرون أن الازواج المصابون بتلف في المخ يعانون من تقدير منخفض لذواتهم مقارنة بعينه ضابطة ، وقد ظهر أن تلف المخ يؤثر في مدى واتجاه العلاقات بين جوانب مفهوم الذات والتباين في الفشل الزواجي لدى هؤلاء الرجال . (Kravetz et al., 1995) .
وأظهرت دراسة لفينز ونيكولز حدوث تحسن جوهري في كل أبعاد مقاييس الذات لدى أفراد لديهم اصابات في المخ بعد حصولهم على برنامج بحري ترفيهي (Fines and Nichols, 1994) .
ويذكر أبتر وآخرون (Apter et al., 1994) أن قصار القامة ومحدودي النمو يتسمون بتقدير منخفض بدرجة داله لذواتهم مقارنة بالأفراد أصحاب الطول السوي بالنسبة لأعمارهم . بينما لا توجد فروق جوهرية في مفهوم الذات بين أصحاب القامات القصيرة وأصحاب القامة المحدودة وبما يصنفهم جميعا في فئة واحدة . وبينت دراسة سالوكن حدوث تغيرات إيجابية في مفهوم الذات لدى مجموعة من الذكور والإناث أعمارهم بين 12 - 18 عاما نتيجة لتحصيلهم عددا من المهارات الرياضية وتحسنهم في الالعاب بعد تدريب لمدة 10 أسابيع (Salokun, 1994) .
وبينما كان مفهوم الذات منخفض إكلينيكيا لدى مجموعة من الراشدين الذين يعانون من اعاقات تعلم (Lewandowski & Arcongelo, (1994) . كان هناك مفهوم إيجابي للذات مرتبطا بالإنجاز الأكاديمي لدى التلاميذ الموهوبين في الفصلين السابع والثامن . ولم يرتبط لدى التلاميذ الضعفاء (Garzarelli et al., 1993) وهو ما يعني أن الاعاقة التعليمية ترتبط بانخفاض مفهوم الذات ، بينما لا يكون الضعفاء تعليميا أصحاب مفهوم سلبي عن الذات في الوقت الذي يكون فيه الموهوبون أصحاب مفهوم إيجابي عن الذات . ويبدو أن التفوق الدراسي يرتبط باستمرار بالمفهوم الإيجابي عن الذات ، فقد ظهرت في هذا السياق ارتباطات دالة تشير إلى أن الدرجة الكلية في اختبارات الرياضيات تزيد مع زيادة قبول الفرد لذاته واحساسه بقيمته الشخصية وكفاءته (Jackson and Canada, 1995) . وقد أظهر الجانحون المقيمون بمؤسسات الأحداث مؤشرات على مستوى نفس مرضى Psycho pathology أعلى على خمسة مقاييس للذات في مقياس تنسى مقارنة بغير الجانحين ، وأظهر تحليل داله التمييز أن مقاييس تكامل الشخصية واضطرابات الشخصية هي الأكثر أهمية في التمييز بين الجماعات المختلفة (Evans et al., 1994) ويبدو هنا أن كون هؤلاء الاحداث الجانحين محتجزين في مؤسسة ، ويدركون نظرة المجتمع لهم أسهم في خفض مفهومهم عن ذواتهم ، يؤكد ذلك ما أظهرته دراسة الطالب وجريفن فعند مقارنتهما بين مجموعتين من التلاميذ الجانحين بين 13 - 16 عاما حيث صنف أفراد المجموعة الأولى باعتبارهم جانحين بينما لم يصنف أفراد المجموعة الثانية تحت هذا المسمى واعتمد في تحديدهم على مقاييس التقرير الذاتي وأدائهم عليه ، أظهر أفراد مجموعة الجانحين المصنفين مفهوما منخفضا عن ذواتهم من غير المصنفين . وظهر في الوقت نفسه فرق جوهري في مفهوم الذات بين المجموعتين معا ومجموعة ضابطة من غير الجانحين (Altalib and Griffin 1994) .
وعندما قارن سيرليز بين مجموعتين من أطفال الآباء الصم ، المجموعة الأولي لأطفال يسمعون والثانية لأطفال لا يسمعون كانت الفروق جوهرية في مقاييس السلوك والذات الأخلاقية ولم تظهر فروق على بقية مقاييس الذات (Searls, 1993) .
معني هذا أن تعرض الفرد لخبرات حادة أو لأوضاع غير سوية أو اتسامه بخصائص مرضية يعد داله لمفهومه السلبي عن ذاته . وهو ما يتسق مع ما توصلت إليه ذو الفقاري من وجود فروق جوهرية بين مجموعتين إكلينيكيتين من عصابيين وفصاميين وبين مجموعة من الأسوياء في مفهوم الذات حيث اتسمت المجموعتين الإكلينيكيتين بمفهوم ذات أكثر سلبية وانحرافا ، مع عدم ملاحظة فروق جوهرية في مفهوم الذات بين العصابيين والفصاميين (Zolfaghari, 1993) .
رغم هذا الثراء في النتائج ذات الطبيعة الإكلينيكية وسعة استخدام المقياس في البحوث إلا أنه يندر وجود دراسات سيكومترية تتناوله ويجري فحصه من خلالها وهي بحوث تبدو أساسية وجوهرية وتتزايد أهميتها عندما يكون المقياس واسع الاستخدام وتشير نتائجه إلى دلائل على صدق التكوين Construct Validity .
ومع ذلك فإن والش وزملاؤه يشيرون إلى أن أغلب الدراسات التي جرت على مدى عدة سنوات على المقياس اثارت تساؤلات منهجية حول صدقه . وأن أغلب هذه الدراسات استخدمت أساليب عاملية وانتهت نتائجها إلى عدم تدعيم بنية المقياس كما قدمها فيتس (Walsh et al., 1989) .
يدعو كل ذلك إلى إجراء فحص منهجي وسيكومتري للمقياس . ويتضمن مقياس تنسى لمفهوم الذات وعانا جيدا من البنود (100 بند) كما يتضمن مجموعة من المقاييس الفرعية . يترتب على ذلك ضرورة فحص هذه الخصائص وبيان ما فيها من إيجابية وسلبية ، يضاف إلى ذلك ضرورة فحص بنيته العاملية ، فالاكتفاء بالبناء السيكلوجي والسيكومتري النظرى للمقياس لا يكفي ما لم تدعمه الدراسة العاملية الأمبريقية التي يكشف عنها تحليل مكوناته الأساسية .
أن الكثير من القضايا السيكومترية مثل أحادية البنود Univocality وتصنيفها عامليا وقابلية الخصائص التي يقيسها المقياس لإعادة الانتاج Replicability والنسبة من حجم التباين الكلي على المقياس التي تستخلص عامليا ودلالتها من الأمور الجوهرية التي تضفي ثراء حقيقيا على المقياس ، وتسعي هذه الدراسة لتقديم تحليل سيكومتري وعاملي لمقياس تنسي لمفهوم الذات .
منهج الدراسة :
طبق مقياس تنسي لمفهوم الذات ترجمة فرج وكامل (1985) على عينة من 199 مفحوصا من طلاب وطالبات كليات الآداب بجامعتي عين شمس والمنيا في المرحلة العمرية 19 - 22 عاما . وبالإضافة إلى تصحيح أداء كل مفحوص في العينة ليحصل على درجات على مقاييس الذات والمقاييس الإكلينيكية والإرشادية في إطار دراسة أوسع . انصبت هذه الدراسة على الاجراءات الآتية :_
1 - فحص البنية النظرية للاختبار لإبراز البنود المستخدمة في قياس أكثر من سمة إكلينيكية أو مفهوم من مفاهيم الذات .
2 - حساب معاملات الارتباط بين البنود الـ 100 في المقياس للحصول على مصفوفة ارتباطية يبلغ حجمها 4950 معاملا . للارتباط . ورغم أن التباين في الدرجة على البند محدود ( من 1 إلى 5) وبما يؤثر في كفاءة معامل ارتباط بيرسون (فرج ، 1996) إلا أن هذه المعامل للأرتباط هو الأكثر مناسبة في ضوء التزامنا بعدم دمج أي تقديرات على البنود للإقلال من فئات الإجابة عليها ( مثال ذلك دمج إجابات 1، 2 في فئة الدرجة 1 أو الإجابات 4 ، 5 في فئة الدرجة 3) وبحيث نحافظ على حساسية الدرجة في دقة تعبيرها عن إجابة المفحوص وهي ميزة يوفرها المقياس .
3 - حللت المصفوفة الارتباطية الناتجه عامليا بطريقة المكونات الأساسية لهويتلنج (Hotteling Principle Componants) ( فرج 1985) وبأستخدام محك التوقف عن استخلاص العوامل التي لا يصل جذرها الكامن إلى الواحد الصحيح . وأدى هذا الأجراء إلى حصولنا على مصفوفة عاملية تتضمن 32 عاملا تتضمن 71.8% من تباين المصفوفة الارتباطية في الوقت الذي بلغ فيه أقصى نسبة شيوع لمتغير في المصفوفة العاملية 82.4% وأدنى شيوع لمتغير 61.66% (المتغيرين 24 ، 27 على الترتيب). ورغم أن عدد العوامل الناتجة بعد كبيرا نسبيا بما يوحي أن محك التوقف (جذر كامن واحد صحيح) كان حلا متساهلا ، وبما يثير قضية استخلاص عدد محدود أو عدد أكثر من العوامل ومزايا وعيوب كل حل منهما. رغم هذا فإن اختيارات الباحث هنا تبدو محدوده فأستخدام أسلوب كاتل (Cattell, 1966) الـ Scree test يُتجنب غالبا لأنه يتطلب قرارا ذاتيا من الباحث (Wood et al., 1996) واستخدام طرق أخرى أكثر فعالية وكفاءة من الجذر الكامن 1.0 لكايزر مثل الأجراء الجزئي لأدنى متوسط average Partial procedure minimum الذي ينصح به فليكار (Velicer, 1076) أو التحليل الموازي Parallel analysis لهورن (Horn, 1965) يتعذر بالنسبة لمصفوفه ارتباطيه بهذا الحجم يجرى تحليلها في ضوء حقيقة أن هذه الأساليب مازالت حتى الآن غير مبرمجه للأستخدام على الحاسب الالكتروني * .
4 - حسب ثبات البنود بطريقة اعادة الأختبار Test-Retest على عينة محدوده من 40 طالبا وطالبة بفاصل زمني أربعة عشر يوما ** وكانت النتائج مرضيه وهى التي يعرضها الجدول رقم (1) .
5 - قبلت بالنسبة لصدق المقياس المحكات والتقديرات التي توصل إليها فرج وكامل في دراسة سابقة (1985).
________________________
* نتيجة لهذا الحجم الكبير للمصفوفة العاملية (32×100) تعذر إجراء تدويرها على الحاسب الرئيسي لجامعة الكويت حيث لم يتمكن من تنفيذ الاجراء التكراري iteration (25) مرة لمصفوفة كل عامل (رفع رتبتها) وهو اجراء ضروري في مصفوفه بهذا الحجم .
** أجريت تجربه الثبات لبنود المقياس على طلاب وطالبات من قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة الكويت وبنفس مواصفات العينة الأصلية للدراسة.
نتائج الدراسة :
يعرض الجدول رقم (1) نتائج حساب الثبات لبنود الاختبار محسوبه بطريقة إعادة الاختبار بعد 14 يوما وباستخدام معامل ارتباط بيرسون . ويلاحظ من الجدول أن المعاملات جميعها تقع بين الستينات والسبعينات بوسيط معامل ثبات 0.712 باستثناء بند واحد كان ثباته 0.587 وهو البند رقم 27 ويلاحظ أن هذا البند كان أقل البنود شيوعا في التحليل العاملي إذ كانت نسبة شيوعه 0.6166 أوضحت المصفوفة الارتباطية الناتجة بعض المؤشرات الارتباطية الهامة حيث نلاحظ نسبة الارتباطات الدالة بين البنود في مستويات احتمالية مختلفة .
وهو ما يشير إلى صلاحية المصفوفة للتحليل العاملي من ناحية ، بينما يشير من ناحية أخرى إلى سيادة مناخ ارتباطي متجانس فيها . وهو أمر يدعو للتوقف قليلا إزاء وجود هذه النسبة من الارتباطات لا بين بنود تقيس خصائص مزاجية ومفاهيم ادراكية فحسب ، بل وتقيس مجموعة من المفاهيم المرضية المتباينة . غير أن التساؤل قد لا يثير مخاوف حادة اذا وضعنا في اعتبارنا حقيقة أن الارتباطات بين البنود اعتمدت على الدرجات الخام في سلمها المباشر ، في حين أن درجات الكثير من المقاييس الفرعية تعتمد أما على مقلوب درجة بعض البنود أو على استخلاص عرض من درجة مركبة ، ويبين جدول رقم (2) عدد الارتباطات الدالة ونسبها المئوية بالنسبة للحجم الكلي للمصفوفة الارتباطية البالغ 4950 معامل .