قدمة:
جاء وقت كان فيه علماء النفس بصفة عامَّة يعتقدون أن نفس مبادئ الوراثة تحكم كلًّا من السمات الجسمية والعقلية, وقد ركَّز بعض العلماء مثل: تشارلز داروين charles darwin، وكارل بيرسون karl pearson اهتمامهم على العلاقة بين الصفات الجسمية الموروثة والسلوك المترتِّب عليها. وكان ظهور السلوكية سببًا في استبعاد الافتراض بأنَّ السلوك يورث كما تورث السمات الجسمية، وافترضوا أنَّ السلوك يتحدد فقط بالتأثيرات البيئية ويخضع لقوانين التعلم, ومن هنا ثار جدل كبير واتسعت الهوة بين علم الأحياء وعلم النفس، ونتيجة لذلك: فقد واجه علماء السلوك النواحي الوراثية، وتأثَّر علم نفس النمو بصفة خاصَّة بالتقدم الهائل الذي تحقق حديثًا في علم الوراثة؛ لأنه يتضمَّن دراسة الاستعداد البيولوجي، والتأثيرات البيئية، والتفاعل فيما بين كلا المتغيرين.
ولقد اجتذب الأساس البيولوجي للسلوك في الفترة الأخيرة اهتمامًا كبيرًا بسبب ظهور آراء نظرية تنص على أن بعض أنماط السلوك مثل: "اللغة" ما هي إلّا نتيجة حتمية للتكوين الجسمي للكائنات البشرية التي تتفاعل مع ثقافة لغوية معينة, ويقدم هذا الفصل مناقشة عن المبادئ الأساسية للوراثة والتطور، مع الاهتمام بصفة خاصة بآثار الوراثة والتطور على فهم النمو الإنساني، وتأثيرها على النمو النفسي للأطفال بصفة خاصة، ثم نركِّز على البيئة المحيطة بالفرد وتأثيرها على النمو الإنساني، والتفاعل الحادث بين العوامل الوراثية والبيئية في تشكيل الكيان البشري.
نشأة السلوك ونموه:
تشمل دراسة النمو الإنساني كلًّا من:
- النمو الفردي ontogeny.
- النمو التطوري للنوع البشري phylogeny.
والأول: هو دراسة تغيُّر سلوك الفرد على مرِّ الزمن.
والثاني: هو دراسة التغيُّرات السلوكية التي تحدث في شعوب النوع الإنساني speces على مر الزمن.
ودراسة التغيرات السلوكية في الأفراد تشمل فترات زمنية قصيرة "عمر الفرد"، في حين أنَّ التغيرات التي تحدث في النوع البشري "الشعوب" تفهم بفترات طويلة, تشمل عادة أجيالًا عديدة, والتغيرات السلوكية في الأفراد تعكس التفالع بين الأفراد وبيئتهم، ومن الملاحظة الدقيقة للتغيرات السلوكية وضع العلماء مبادئ النمو التي تنطبق على كل أفراد النوع البشري أو الإنساني، والأحداث البيئية التي تتسبَّب في تعديل السلوك behavior modifilation, ومن الملاحظ أن بعض الأنماط السلوكية قلَّما تتأثَّر بتغيرات البيئة مثل أنماط السلوك الحركي مثلًا، في حين أن أنماط أخرى من السلوك تعكس بوضوح التنوّع الثقافي مثل الاتجاهات السياسية.
ودراسة التغيرات السلوكية في النوع البشري لها طابع تطوري، وتؤدي إلى أنماط سلوكية يمكنها التكيف بالبيئة, مثال ذلك: أن الأطفال حديثي الولادة يظهرون انعكاسات عديدة؛ مثل: الانعكاس الكفي palmar reflex، ومن المحتمل أن يكون لها دلالة تطورية, فهؤلاء الأطفال يطبقون أصابهم حول شيء ما عندما يحدث هذا الشيء إثارة في سطح كف اليد، ولهذه الظاهرة دلالتها؛ لأنها لا تتضمَّن عملية القبض بالإبهام والسبابة، أي: أن الإبهام "وهو الذي لا تستخدمه سوى الكائنات البشرية" لا يشترك في سلوك القبض لدى الأطفال بعد ولادتهم بفترة قصيرة، وهم يتوقَّفون عن الاستجابة الانعكاسية للمثير على كف اليد، ويبدأ ظهور عملية القبض بالإبهام والسبابة, ومع أنه لا يمكن اعتبار الإدراك perception تقدمًا تطوريًّا سابق التحديد، إلّا أنه مع ذلك يكون مشتركًا بمهارات على مستوى عالٍ "تعلُّم اللغة مثلًا".. إن الدلالة التطورية المحدَّدة لعملية القبض بالإبهام والسبابة لا يمكن استنتاجها إلى من أنواع السلوك التي تجعلها ممكنة, كما أنَّ الأطفال حديثي الولادة يؤدون حركات سباحة انعكاسية reflexive swimming movements "حركات اليدين إلى الأمام والخلف" سرعان ما تختفي، يحتمل أن يكون هذا الانعكاس سلوكًا مترسبًا فقد دلالته التكيفية منذ وقت بعيد.
ويجب أن نلاحظ أن كلًّا من النمو الفردي، والنمو التطوري للنوع البشري يتضمَّن أنماطًا من السلوك قابلة للتكيُّف مع البيئة في حدود إمكانيات الأنواع والأفراد, وسوف نعرض فيما يلي للآليات الوراثية الأساسية في الأفراد، ثم مبادئ التطور التي تحكم التغير في الفرد والنمو التطوري للنوع البشري.
لآليات الوراثية الأساسية:
لقد استعار علم الأحياء لفظ الوراثة heredity ليدلَّ به على الميراث أو الإرث heir الذي هو ما ينتقل من الموروث إلى الوارث من ممتلكات؛ حيث الوراثة البيولوجية تلقى وتسلم ما يولد المرء مزودًا به للحياة من والديه، إلى أن يستطيع التعلُّم والاكتساب؛ فالوراثة بيولوجيًّا هي نقل السمات traits من جيل إلى جيل عن طريق عملية التناسل.
ولقد تفرَّع من علم الوراثة البيولوجي "الذي يبين انتقال التراكيب الجسمية" علم وراثة السلوك behavior genetics، والعلم الذي هو وظيفة الأعضاء حسيًّا، وحركية، واستعدادًا، وذكاء في المخ والجهاز العصبي, وما يتَّصل بهما من أعضاء, كما يتحدَّث علماء الاجتماع عن الوراثة الثقافية أو الحضارية للنظام الاجتماعي الذي يولَد فيه الفرد فيسر على مقتضاه، والتراث التاريخي الذي يتلقاه. "دسوقي: 1976، 271-272".
وفيما يلي توضيح لأهمِّ الآليات الأساسية للوراثة:
أ- آليات التزواج:
ولنبدأ بآليات التزواج البيولوجية في التناسل التي هي أساس الوراثة المستقبلة؛ حيث يحدث الحمل نتيجة التقاء واتحاد خليتي جنسي متخصصتين عندما تخترق خلية منوية sperm cell البويضة olive - egg cell الأنثوية، وباتِّحاد الخليتين تنشأ خلية واحد جديدة أصغر في حجمها من رأس الدبوس تُسَمَّى بالخلية الملقَّحة أو المخصبة zygote - fertilized cell, هي تحتوي على المادة التكوينية اللازمة لنمو التركيب العضوي, أي: إنها تتكَّون من نواة، يحيط بها السيتوبلازم داخل الأغشية الخارجية، وفي داخل النواة توجَد مقدَّرات الوراثة genes التي هي تنظيمات من موادِّ كيميائية مركَّبة على الخيوط النووية التي تسمَّى بالصبغيات أو الكروموسومات.
الجينات: هي مكونات أو مقدَّرات الوراثة determiners وهي المسئولة عن توريث لون العين أو الشعر، نسيج الشعر، شكل الأنف، طول القامة، لون
الجلد.. إنها تنقل السمات الوراثية لوجود ما يتراوح بين العشر إلى المئات في الكروموسوم الواحد، ولبلوغ ما يحمل الفرد منها إلى ما لا يقل عن 12.000 زوجًا، ويفترض وجود الجينات كمورثات، هي أكياس كيماويات مبثوثة على الصبغات لضرورة تمايز مناطق مختلفة تورّث كلّ منها إحدى السمات السابقة, وتغيّر فاعلية الجينات في السيتوبلازم شكل وخصائص الخلايا، فيتفاعل الجينات مع ظروف البيئة الداخلية تغيّر الخلايا شكلها الأصلي ليتكوّن الكثير من آليات الاستجابة "عضلات، عظام، أعصاب ... إلخ. عن طريق الانقسام الخلوي, كما أنَّ كل جينة بارتباطها مع غيرها تحدث ما لا حصر له من الخصائص. "دسوقي: 1976، 272-273".
أما الكروموسومات: فهي حاملات هذه الموروثات "الجينات" داخل نواة الخلية, ويتميِّز الإنسان بأن نواة خليته تحلّ 23 زوجًا من الكروموسومات، ومهما انقسمت الخلية لتكون خلية جديدة، فلا بُدَّ أن يظل العدد ثابتًا.. وحين يمتد الحيوان المنوي للأب ببويضة الأم، فلا بُدَّ للخلية
شكل "13" كروموسومات الخلية الذكرية والخلية الأنثوية.
المخصَّبة أو اللاقحة أن تتكوَّن منها مناصفة reduction division، ولا تزيد صبغات "كروموسومات" نواتها عن 23 زوجًا، وإن كانت تستقبل 46 زوجًا, معنى ذلك أن تكون الخلية الملقَّحة سيكون نصفها من ناحية الأب والنصف من الأم، فباتِّحاد الحيوان المنوي والبويضة يحدث في اللاقحة تزواج نوعي لكروموسومات الوالدين اللذين لكلٍّ منهما خصائصه الوراثية بدوره من والديه. وهكذا, وعن عملية إعادة تشكيل أزواج الصبغيات على هذا النمو ينشأ ما لا حصر له من اتحاد الجينات "شكل: 12، 13". فإذا فرضنا أن زوج صبغيات "كروموسومات" الأب هو "ب ب"، زوج كروموسومات الأم هو "م م"، والتنصيف والاختزال
لتكوين الخلية المخصَّبة يأخذ واحدة من كل زوج دون أن يأخذهما معًا. والصدفة وحدها هي التي تحدد أيّ فرد أو طرف من كل زوج هو الذي سينضمّ لكل فرد من الزوج المقابل، ففي أحد التكوينات تلتقي "ب م"، وفي الآخر "بَ م"، وفي ثالث "ب مَ" وفي رابع "بَ مَ" انظر شكل "14". وليس اختلاف هؤلاء الأشقاء الأربعة إلّا في انقسام وتزاوج أوّل زوج من الكروموسومات, فإذا تقدَّمنا خطوة أخرى وفرضنا أنَّه يوجد في مني الأب الزوجان "ب بَ، أأَ" وفي بويضة الأم الوجان " م مَ، ل لَ"، يكون لدينا ست عشرة إمكانية للتباين والاختلاف.. وبحساب الاحتمالات في تزواج أحد طرفي الثلاثة والعشرين زوجًا الأبوية بما يقابله من نفس العدد في نواة بويضة الأم، ترتفع احتمالات التباين هذه إلى ما يقرب من 216 و777 و16 إمكانية صدفة في الازدواج فحسب، هذا هو ما يحدث في التقاء بويضة أنثى بحيوان منوي واحد من الأب, ولكن إذا علمنا أن الذكر يفرز للقاح ما يقرب من 17 مليون حيوان منوي في المتوسط، وما نسميه إجمالات بويضة الأنثى يحتوي على نفس العدد من الخلايا القابلة للإخصاب، من هنا يبلغ عدد الاحتمالات الناشئة عن اتحاد بويضة وحيوان منوي معينين حوالي 300 تريليون"أي 300 مليون مليون احتمالًا. "كمال دسوقي: 1976، 271".
ب- قوانين الوراثة:
ليست احتمالات صدفة التزواج بين الصبغيات، وقبل ذلك صدفة التقاء أيّ حيوان منوي بأية بويضة خلوية ليتمَّ بينهما الإخصاب، فبعد ذلك تعمل قوانين الوراثة عملها, تلك القوانين التي كشفت عنها تجارب جريجور مندل منذ أكثر من مائة وخمسين عامًا, ومنها:
1- قانون السيادة والتنحِّي dominance & recessive:
حيث قام مندل بتهجين crossing نباتات طويلة بأخرى قزمية، فاقترنت جينة النبات الطويل "T" بجينة النبات القزم "t"، وقد لاحظ مندل أنه عند تهجينه نباتات طويلة لا تنتج سوى نباتات طويلة، بنباتات قزمية لا تنتج سوى نباتات قزمية, كان الناتج من التهجين كله نباتات طويلة، فكانت السمة الأبوية التي لوحظت في السلالة البنوية الأولى هي سمة الطول التي افترض في ذلك الوقت أنها سائدة
على سمة القزمية التي سميت متنحية. فالتسلط هو انتقال بعض السمات دون تبدل من جيل إلى جيل، أو كون السمة تبدو أكثر شيوعًا وظهورًا من غيرها, وفي الإنسان يسود القصر على الطول، وتسود استدارة الرأس وينتحى الطول، ويسود اللون العسلي للعينين على اللون الأزرق والرمادي، ويسود الأخضر على الأزرق, ويسود قصر النظر وطوله والاستجماتيزم "ضعف التبأور" على النظر العادي. إلخ. "شكل: 15".
2- خصائص الوحدة المستقلة أو الطباع المنفصلة unit characters:
وتعني أن سمات الطول والقصر مثلًا في سيادة إحداها, وتنحي الأخرى لا تمتزج ببعضها البعض، وإنما تظل وحدات منفصلة قائمة بذاتها, إلى أن تظهر في تزواجات مستقبلة, فعندما زاوج مندل بين البذور القصيرة المتنحية الناتجة عن تربية الجيل الثاني جاء الخلف كله قصيرًا، وعندما تلقَّحت النبتة الطويلة في نفس الجيل الثاني لم يستمر في الطول أكثر من ثلث الخلف، وهذا هو مبدأ انعزال الجينات segregation of genes, بمعنى: انعزال وحدة طباع كلٍّ من الوالدين بنسبة ثابتة في خلايا الخلف من غير أن يكون لها تأثير في بعضها البعض.
ولنتذكر أن التكوين الجيني يتكوّن من أزواج، وأن إحدى الجينات هي السائدة, وفي هذا المثال البسيط نجج أن النبات الطويل قد يتكون من الأزواج "TT
أو "Tt" في حين أن النبات القزم لا يتكون إلّا من الزوج المتنحي "t t"، وفي حالتي "tt TT" كانت الصفات العضوية الملحوظة للسلالة "طويلة أو قزمية" تتناسب والتكوين الجيني, ويسمَّى بالصفات العرقية, أي: إنه في الزوج "TT" كان النبات لا يبدو طويلًا فحسب، ولكنه يشتمل أيضًا على كلا الجينين للطول، وفي حالة واحدة نجد أن السلالة طويلة, ولكنها تحتوي على الجينة المتنحية "Tt". والنباتات ذات الأزواج "TT"، "tt" تسمَّى متماثلة اللقاحات "عناصر مشتركة"، ولكن النباتات "T t" تسمَّى متباينة اللقاحات "عناصر مختلفة".
ويجب أن نلاحظ أن مندل قد قام بإجراء تجاربه في ظروف بيئية متحكّم فيها تمامًا، ومهما يكن من أمر فلو أننا زرعنا نبات TT في الرمل، ومجموعة أخرى tt في التربة الخصبة, فإن النبات TT السابق قد يظهر أنه نبات tt.
إن تجارب مندل قد أظهرت أن الجينات تحدد التكوينات العضوية، وأن الأزواج من الجينات هي المسئولة عن الصفات الجسمية، وأنَّ إحدى الجينات سائدة على قرينتها، وأنَّ في حالة تباين اللقاحات، تكون الجينة السائدة ظاهرة جسميًّا. وقد
قدَّم مندل إسهامات أخرى كانت لها أهمية بالغة في فهم تنوع الشعوب, ومن ذلك حقيقة أن التغيّرات تطورية قد حدثت في الأنواع، وأنه باستثناء التَّوَائِم المتطابقة، لا يوجد فردان لهما نفس التكوينات الجينية, وقد حدد ذلك في:
شكل "17" تخطيط توارث صفة سائدة للصفة المريضة z عند خلفه والدين أحدهما سوي والآخر مصاب.
- قانون التمييز: الذي يحكم انفصال أزواج الجينات لتتكون خلايا جنسية. وهكذا فإن الجينة السائدة أو الجينة المتنحية تكون موجودة في خلية جنسية معنية "خلية منوية أو بويضة", ثم لاحظ أن فصل هذه الأزواج المختلفة من الجينات يحدث عشوائيًّا, وبسبب الانفصال العشوائي فلن يكون من المحتمل ألَّا تشترك أي جينة موروثة اشتراكًا ثابتًا مع صفة موروثة أخرى, ومن خلال هذه العمليات فإن توافقات التكوينات الجينية يعتبر لا نهائيًّا.
- وثَمَّةَ قاعدة أخرى تعمل مع الكائنات البشرية لتغيير التعبير الجسمي للجينات, وتعرف هذه العملية باسم التلقيح الخلطي, وهو يحدث أثناء الانقسام الاختزالي, وعملية الخلط تشمل زوجًا من الكروموسومات يحتمل أن يتراكبا.
وفي اللحظة التي تنفصل فيها الكروموسومات، قد يحدث تبادل في الجينات، ومعنى ذلك: أن الصفة الوراثية: "الجينية" للكروموسومات قد تغيرت فعلًا.
ج- الصفات المتَّصلة بالجنس:
لاحظنا فيما سبق أن كل خلية من خلايا الجسم تتكوّن من 23 زوجًا من
الكروموسومات المتشابهة, والواقع أن هذا البيان صحيح بالنسبة لـ"22" زوجًا فقط، أما الزوج الـ"23" فهو كروموسومات الجنس sex chromosoms، وتختلف في الذكور عنها في الإناث؛ فالأنثى لها زوج من الكروموسومات "س س" أو "x x", وللذكر زوج الكروموسومات " س، ص" أو "x y", ولما كان الذكر يحمل كلًّا من الكروموسومات س، ص, فإن الأب هو الذي يقرر جنس المولود. أي أنه إذا كان الحيوان المنوي الناجح في اختراق البويضة يحتوي على كروموسوم "س" فإن الوليد يكون أنثى "فالبويضة لا تحتوي إلّا على كروموسوم "س"، في حين أنه إذا احتوى على الكروموسوم "ص" فإن الوليد يكون ذكرًا، شكل "18".
تلعب كروموسومات الجنس دورًا هامًّا آخر في تحديد الصفات الموروثة للذكور والإناث، إن زوج الكوموسومات التي تحدد الجنس تحتوي أيضًا على جينات أخرى, ولما كانت المادة الكروموسومية للذكور تختلف عنها في الإناث، فإن التكوين الجيني الأساسي يكون مختلفًا، وبالتالي أيضًا الصفات الناتجة.
والعملية ببساطة يمكن تلخيصها كما يلي:
1- الكروموسوم "س" أكبر من الكروموسوم "ص"، ويحتوي على عدد أكبر من الجينات.
2- الذكور لديهم كروموسوم "س" واحد فقط، ولذلك فليس لديهم كروموسوم ثانٍ ذو نشاط مضاد "جينة واحدة تحدد الصفة, وليس زوجان من الجينات".
3- في الذكور جينة معينة توجد على الكروموسوم "س"، وليس على الكروموسوم "ص" هي التي تحدد صفات النسل.
4- تختلف العملية بالنسبة للإناث؛ لأن كل خلية جنسية تحمل كروموسومات "س"، وبالتالي جينات مزدوجة، والجينة المتنحية يجب أن تحدث على كلا الكروموسومين لكي تحدث الصفة: شكل "19". هذا والصفات المرتبطة بالجنس مثل: عمي الألوان، الهيموفيليا "انعدام تجلط الدم"، المهق "الشقرة" albino، الصلع, ونوع ما من سوء التغذية؛ حيث تتضمَّن جينات متنحية تؤدي إلى هذه المظاهر الجسمية السلبية, ونظرًا لأنَّ العمى اللوني والصلع والهيموفيليا أكثر ظهورًا في الرجال وندرة عند النساء، فإنه يفترض ارتباطها بمورثات الجنس, فإذ اتَّحد كروموسوم "س" يحمل أحد هذه الأمراض مع كروموسوم "ص", فسوف يظهر المرض في الخلف الذكر، أمَّا إذا اتحد نفس الكروموسوم "س" الحامل للمرض مع "س" أخرى، الميل إلى الصحة الموجود في س السليمة يلغي المرض, وتولد الأنثى ليس لديها المرض المرتبط بالجنس، والاستثناء غير العادي هو الذي يتمخَّض عنه النادر من حالات المرض في النساء أن ترث الأنثى من خيلتين "س" كلتيهما حاملة للمرض.
- الشواذ الكروموسومية:
إن الدليل المباشر لتأثيرات الوراثة على السلوك ينبثق من الشواذ الكروموسومية, وفي بعض هذه الشواذ مثل أعراض dawn "البله" مثلًا, نستطيع الاستدلال على فساد الوظيفة الوراثية، وأيضًا من الشواذ الوراثية التي لاقت اهتمامًا كبيرًا في السنوات الأخيرة أعراض الفينيل كيتونيوريا "pku" phenyl ketonuria؛ حيث أنَّ التعرف المبكر عليها يساعد على نجاح العلاج, ومن الشواذ الوراثية الأخرى التي أمكن التعرف عليها وتفسيرها أعراض تيرنر turnerK، وأعراض كلينفلتر kleinfelter، وأعراض الـ س ص ص.
وتمثل حالات عرض دوان dawn's syndrpme, أو الحالات المعروفة بالمنغولية حوالي 10% من حالات التخلف العقلي "المتوسط الشديد"، أو واحد لكل 700 حالة من حالات المواليد الأحياء، ويتميِّز أصحابها بسمات بدنية الجنس المغولي، وترجع إلى وجود كروموسوم زائد في أحد كروموسومات الجنس "غالبًا الزوج رقم 21"، فتصبح عدد الكروموزمات في الخلية المخصبة 47 بدلًا من 46 كروموسومًا.. "شكل: 21", وقد وجد أن نسبة الإصابة تزداد بزيادة عمر الأم، كما وجد أن الكروموسومات غير الطبيعية تستحدث بالإشعاع. "فاروق صادق: 1976، 75، محروس الشناوي: 1997، 86، 90".
الأفراد المصابين بالفينيل كيتونوريا "p. k. u "phenylketonuria يعجزون عن توليد إنزيم الكبد الذي يحوّل الفينيل آلانين، وهو حامض أميني، إلى حامض أميني آخر هو الثيروزين, ومثل هذه العملية الأيضية تؤثر على الكبد، وبذلك يؤثر حامض الفينليروفيك على الجهاز العصبي المركزي, ويسبب تلف الخلايا مما يؤدي إلى تخلُّف عقلي.
الـpku ينتقل بواسطة جينة جسمية متنحية واحدة، وهو يحدث في حوالي 6 من كل 10.000 ولادة، ولا يفرق بين الجنسين؛ وحيث أن الجينة المعتلَّة متنحية، فلا بُدَّ من وجودها في كل من الأم والأب, ولحسن الحظ فقد أصبح من الممكن حاليًا التعرف على الـPKU في وقت مبكر, وتخفيف آثاره المدمرة عن طريق نظام غذائي يقل فيه الفينيل آلانين، كما يمكن التعرّف على حاملي الجينة المتنحية. وتتضمَّن الطريقة إعطاء الأفراد المشتبه فيهم كمية زائدة من الفينيل آلانين الذي يهضمه هؤلاء الأفراد بسرعة أقل مما يهضمه بها الأفراد العاديون, وهكذا: فإن التقدم في فهم العمليات الوراثية سوف يساعد الوالدين على اتخاذ قرارات على ضوء المزيد من المعلومات فيما يختص بخطورة
إنجاب أطفال. إن الانتقال الوراثي الـP.K.U في الأطفال من والدين متتامي اللقاحات "الزيجوت" حاملين للجينات المتنحية الـPKU " هي الجينة السائدة, P هي الجينة المتنحية".. شكل "24".
طفلة تعاني تخلف عقلي ناتج عن الفنيل كيتونيوريا
- كذلك فإن شواذ الكروموسومات الجنسية تحدث نتيجة عجز هذه الكروموسومات عن الانقسام بالطريقة الطبيعية, من ذلك:
أ- الحالة المعروفة بأعراض كلينفلتر kleinfelter:
وهي تحدث بسبب عدم حدوث انفصال الجينات في أثناء الانقسام الاختزالي المبدئي، فإن خلية منوية يمكن أن تشتمل على كلا الكروموسومات "س"، "ص" أو لا تشتمل على أي كروموسومات جنسية, وبذلك فإن إخصاب بويضة طبيعية بواسطة خلية منوية "س"، "ص" ينتج زيجوت مع كروموسوم "س" زيادة أي: "س س ص".
ب- كذلك فإن الخلية المنوية عندما تعجز عن إنتاج كروموسومات جنسية، فإن الزيجوت الناتج يولد أنثى لها كروموسوم "س" واحد, وكروموسوم "س", وتسمى هذه الحالة بأعراض تيرنر turner وكلًّا من هاتين الحالتين الشاذتين تؤديان إلى نمو جنسي غير كامل، وإلى درجة من التخلف العقلي, وفي حالة أعراض turner يبدو أن الوظيفة العقلية التي تتضمَّنت العلاقات المكانية أكثر تأثرًا من الأداء الشفوي.
- وهناك شاذة ثالثة ترجع إلى كروموسومات جنسية، وتحدث عندما تلقح خلية منوية "ص ص" بويضة طبيعية مولدة لذكر "س ص ص", وأكثر مظاهر هذه الحالة وضوحًا هو الطول؛ إذ أن الذكور "س ص ص" يبلغ طولهم عادة أكثر من 180سم, وهم قياسًا دون المتوسط من الناحية العقلية, وقد افترض أخيرًا أن الذكر "س ص ص" أكثر ميلًا للعدوانية وارتكاب الجرائم, ومع أنَّ البرهان على هذا الافتراض بعيد عن القطعيِّة، فإن الأفراد الذين لديهم أيّ حالة شاذّة ترجع إلى الكروموسومات الجنسية يحتمل كثيرًا أن يواجهوا صعوبات نفسية "money & shrhardt, 1972".
جاء وقت كان فيه علماء النفس بصفة عامَّة يعتقدون أن نفس مبادئ الوراثة تحكم كلًّا من السمات الجسمية والعقلية, وقد ركَّز بعض العلماء مثل: تشارلز داروين charles darwin، وكارل بيرسون karl pearson اهتمامهم على العلاقة بين الصفات الجسمية الموروثة والسلوك المترتِّب عليها. وكان ظهور السلوكية سببًا في استبعاد الافتراض بأنَّ السلوك يورث كما تورث السمات الجسمية، وافترضوا أنَّ السلوك يتحدد فقط بالتأثيرات البيئية ويخضع لقوانين التعلم, ومن هنا ثار جدل كبير واتسعت الهوة بين علم الأحياء وعلم النفس، ونتيجة لذلك: فقد واجه علماء السلوك النواحي الوراثية، وتأثَّر علم نفس النمو بصفة خاصَّة بالتقدم الهائل الذي تحقق حديثًا في علم الوراثة؛ لأنه يتضمَّن دراسة الاستعداد البيولوجي، والتأثيرات البيئية، والتفاعل فيما بين كلا المتغيرين.
ولقد اجتذب الأساس البيولوجي للسلوك في الفترة الأخيرة اهتمامًا كبيرًا بسبب ظهور آراء نظرية تنص على أن بعض أنماط السلوك مثل: "اللغة" ما هي إلّا نتيجة حتمية للتكوين الجسمي للكائنات البشرية التي تتفاعل مع ثقافة لغوية معينة, ويقدم هذا الفصل مناقشة عن المبادئ الأساسية للوراثة والتطور، مع الاهتمام بصفة خاصة بآثار الوراثة والتطور على فهم النمو الإنساني، وتأثيرها على النمو النفسي للأطفال بصفة خاصة، ثم نركِّز على البيئة المحيطة بالفرد وتأثيرها على النمو الإنساني، والتفاعل الحادث بين العوامل الوراثية والبيئية في تشكيل الكيان البشري.
نشأة السلوك ونموه:
تشمل دراسة النمو الإنساني كلًّا من:
- النمو الفردي ontogeny.
- النمو التطوري للنوع البشري phylogeny.
والأول: هو دراسة تغيُّر سلوك الفرد على مرِّ الزمن.
والثاني: هو دراسة التغيُّرات السلوكية التي تحدث في شعوب النوع الإنساني speces على مر الزمن.
ودراسة التغيرات السلوكية في الأفراد تشمل فترات زمنية قصيرة "عمر الفرد"، في حين أنَّ التغيرات التي تحدث في النوع البشري "الشعوب" تفهم بفترات طويلة, تشمل عادة أجيالًا عديدة, والتغيرات السلوكية في الأفراد تعكس التفالع بين الأفراد وبيئتهم، ومن الملاحظة الدقيقة للتغيرات السلوكية وضع العلماء مبادئ النمو التي تنطبق على كل أفراد النوع البشري أو الإنساني، والأحداث البيئية التي تتسبَّب في تعديل السلوك behavior modifilation, ومن الملاحظ أن بعض الأنماط السلوكية قلَّما تتأثَّر بتغيرات البيئة مثل أنماط السلوك الحركي مثلًا، في حين أن أنماط أخرى من السلوك تعكس بوضوح التنوّع الثقافي مثل الاتجاهات السياسية.
ودراسة التغيرات السلوكية في النوع البشري لها طابع تطوري، وتؤدي إلى أنماط سلوكية يمكنها التكيف بالبيئة, مثال ذلك: أن الأطفال حديثي الولادة يظهرون انعكاسات عديدة؛ مثل: الانعكاس الكفي palmar reflex، ومن المحتمل أن يكون لها دلالة تطورية, فهؤلاء الأطفال يطبقون أصابهم حول شيء ما عندما يحدث هذا الشيء إثارة في سطح كف اليد، ولهذه الظاهرة دلالتها؛ لأنها لا تتضمَّن عملية القبض بالإبهام والسبابة، أي: أن الإبهام "وهو الذي لا تستخدمه سوى الكائنات البشرية" لا يشترك في سلوك القبض لدى الأطفال بعد ولادتهم بفترة قصيرة، وهم يتوقَّفون عن الاستجابة الانعكاسية للمثير على كف اليد، ويبدأ ظهور عملية القبض بالإبهام والسبابة, ومع أنه لا يمكن اعتبار الإدراك perception تقدمًا تطوريًّا سابق التحديد، إلّا أنه مع ذلك يكون مشتركًا بمهارات على مستوى عالٍ "تعلُّم اللغة مثلًا".. إن الدلالة التطورية المحدَّدة لعملية القبض بالإبهام والسبابة لا يمكن استنتاجها إلى من أنواع السلوك التي تجعلها ممكنة, كما أنَّ الأطفال حديثي الولادة يؤدون حركات سباحة انعكاسية reflexive swimming movements "حركات اليدين إلى الأمام والخلف" سرعان ما تختفي، يحتمل أن يكون هذا الانعكاس سلوكًا مترسبًا فقد دلالته التكيفية منذ وقت بعيد.
ويجب أن نلاحظ أن كلًّا من النمو الفردي، والنمو التطوري للنوع البشري يتضمَّن أنماطًا من السلوك قابلة للتكيُّف مع البيئة في حدود إمكانيات الأنواع والأفراد, وسوف نعرض فيما يلي للآليات الوراثية الأساسية في الأفراد، ثم مبادئ التطور التي تحكم التغير في الفرد والنمو التطوري للنوع البشري.
لآليات الوراثية الأساسية:
لقد استعار علم الأحياء لفظ الوراثة heredity ليدلَّ به على الميراث أو الإرث heir الذي هو ما ينتقل من الموروث إلى الوارث من ممتلكات؛ حيث الوراثة البيولوجية تلقى وتسلم ما يولد المرء مزودًا به للحياة من والديه، إلى أن يستطيع التعلُّم والاكتساب؛ فالوراثة بيولوجيًّا هي نقل السمات traits من جيل إلى جيل عن طريق عملية التناسل.
ولقد تفرَّع من علم الوراثة البيولوجي "الذي يبين انتقال التراكيب الجسمية" علم وراثة السلوك behavior genetics، والعلم الذي هو وظيفة الأعضاء حسيًّا، وحركية، واستعدادًا، وذكاء في المخ والجهاز العصبي, وما يتَّصل بهما من أعضاء, كما يتحدَّث علماء الاجتماع عن الوراثة الثقافية أو الحضارية للنظام الاجتماعي الذي يولَد فيه الفرد فيسر على مقتضاه، والتراث التاريخي الذي يتلقاه. "دسوقي: 1976، 271-272".
وفيما يلي توضيح لأهمِّ الآليات الأساسية للوراثة:
أ- آليات التزواج:
ولنبدأ بآليات التزواج البيولوجية في التناسل التي هي أساس الوراثة المستقبلة؛ حيث يحدث الحمل نتيجة التقاء واتحاد خليتي جنسي متخصصتين عندما تخترق خلية منوية sperm cell البويضة olive - egg cell الأنثوية، وباتِّحاد الخليتين تنشأ خلية واحد جديدة أصغر في حجمها من رأس الدبوس تُسَمَّى بالخلية الملقَّحة أو المخصبة zygote - fertilized cell, هي تحتوي على المادة التكوينية اللازمة لنمو التركيب العضوي, أي: إنها تتكَّون من نواة، يحيط بها السيتوبلازم داخل الأغشية الخارجية، وفي داخل النواة توجَد مقدَّرات الوراثة genes التي هي تنظيمات من موادِّ كيميائية مركَّبة على الخيوط النووية التي تسمَّى بالصبغيات أو الكروموسومات.
الجينات: هي مكونات أو مقدَّرات الوراثة determiners وهي المسئولة عن توريث لون العين أو الشعر، نسيج الشعر، شكل الأنف، طول القامة، لون
الجلد.. إنها تنقل السمات الوراثية لوجود ما يتراوح بين العشر إلى المئات في الكروموسوم الواحد، ولبلوغ ما يحمل الفرد منها إلى ما لا يقل عن 12.000 زوجًا، ويفترض وجود الجينات كمورثات، هي أكياس كيماويات مبثوثة على الصبغات لضرورة تمايز مناطق مختلفة تورّث كلّ منها إحدى السمات السابقة, وتغيّر فاعلية الجينات في السيتوبلازم شكل وخصائص الخلايا، فيتفاعل الجينات مع ظروف البيئة الداخلية تغيّر الخلايا شكلها الأصلي ليتكوّن الكثير من آليات الاستجابة "عضلات، عظام، أعصاب ... إلخ. عن طريق الانقسام الخلوي, كما أنَّ كل جينة بارتباطها مع غيرها تحدث ما لا حصر له من الخصائص. "دسوقي: 1976، 272-273".
أما الكروموسومات: فهي حاملات هذه الموروثات "الجينات" داخل نواة الخلية, ويتميِّز الإنسان بأن نواة خليته تحلّ 23 زوجًا من الكروموسومات، ومهما انقسمت الخلية لتكون خلية جديدة، فلا بُدَّ أن يظل العدد ثابتًا.. وحين يمتد الحيوان المنوي للأب ببويضة الأم، فلا بُدَّ للخلية
شكل "13" كروموسومات الخلية الذكرية والخلية الأنثوية.
المخصَّبة أو اللاقحة أن تتكوَّن منها مناصفة reduction division، ولا تزيد صبغات "كروموسومات" نواتها عن 23 زوجًا، وإن كانت تستقبل 46 زوجًا, معنى ذلك أن تكون الخلية الملقَّحة سيكون نصفها من ناحية الأب والنصف من الأم، فباتِّحاد الحيوان المنوي والبويضة يحدث في اللاقحة تزواج نوعي لكروموسومات الوالدين اللذين لكلٍّ منهما خصائصه الوراثية بدوره من والديه. وهكذا, وعن عملية إعادة تشكيل أزواج الصبغيات على هذا النمو ينشأ ما لا حصر له من اتحاد الجينات "شكل: 12، 13". فإذا فرضنا أن زوج صبغيات "كروموسومات" الأب هو "ب ب"، زوج كروموسومات الأم هو "م م"، والتنصيف والاختزال
لتكوين الخلية المخصَّبة يأخذ واحدة من كل زوج دون أن يأخذهما معًا. والصدفة وحدها هي التي تحدد أيّ فرد أو طرف من كل زوج هو الذي سينضمّ لكل فرد من الزوج المقابل، ففي أحد التكوينات تلتقي "ب م"، وفي الآخر "بَ م"، وفي ثالث "ب مَ" وفي رابع "بَ مَ" انظر شكل "14". وليس اختلاف هؤلاء الأشقاء الأربعة إلّا في انقسام وتزاوج أوّل زوج من الكروموسومات, فإذا تقدَّمنا خطوة أخرى وفرضنا أنَّه يوجد في مني الأب الزوجان "ب بَ، أأَ" وفي بويضة الأم الوجان " م مَ، ل لَ"، يكون لدينا ست عشرة إمكانية للتباين والاختلاف.. وبحساب الاحتمالات في تزواج أحد طرفي الثلاثة والعشرين زوجًا الأبوية بما يقابله من نفس العدد في نواة بويضة الأم، ترتفع احتمالات التباين هذه إلى ما يقرب من 216 و777 و16 إمكانية صدفة في الازدواج فحسب، هذا هو ما يحدث في التقاء بويضة أنثى بحيوان منوي واحد من الأب, ولكن إذا علمنا أن الذكر يفرز للقاح ما يقرب من 17 مليون حيوان منوي في المتوسط، وما نسميه إجمالات بويضة الأنثى يحتوي على نفس العدد من الخلايا القابلة للإخصاب، من هنا يبلغ عدد الاحتمالات الناشئة عن اتحاد بويضة وحيوان منوي معينين حوالي 300 تريليون"أي 300 مليون مليون احتمالًا. "كمال دسوقي: 1976، 271".
ب- قوانين الوراثة:
ليست احتمالات صدفة التزواج بين الصبغيات، وقبل ذلك صدفة التقاء أيّ حيوان منوي بأية بويضة خلوية ليتمَّ بينهما الإخصاب، فبعد ذلك تعمل قوانين الوراثة عملها, تلك القوانين التي كشفت عنها تجارب جريجور مندل منذ أكثر من مائة وخمسين عامًا, ومنها:
1- قانون السيادة والتنحِّي dominance & recessive:
حيث قام مندل بتهجين crossing نباتات طويلة بأخرى قزمية، فاقترنت جينة النبات الطويل "T" بجينة النبات القزم "t"، وقد لاحظ مندل أنه عند تهجينه نباتات طويلة لا تنتج سوى نباتات طويلة، بنباتات قزمية لا تنتج سوى نباتات قزمية, كان الناتج من التهجين كله نباتات طويلة، فكانت السمة الأبوية التي لوحظت في السلالة البنوية الأولى هي سمة الطول التي افترض في ذلك الوقت أنها سائدة
على سمة القزمية التي سميت متنحية. فالتسلط هو انتقال بعض السمات دون تبدل من جيل إلى جيل، أو كون السمة تبدو أكثر شيوعًا وظهورًا من غيرها, وفي الإنسان يسود القصر على الطول، وتسود استدارة الرأس وينتحى الطول، ويسود اللون العسلي للعينين على اللون الأزرق والرمادي، ويسود الأخضر على الأزرق, ويسود قصر النظر وطوله والاستجماتيزم "ضعف التبأور" على النظر العادي. إلخ. "شكل: 15".
2- خصائص الوحدة المستقلة أو الطباع المنفصلة unit characters:
وتعني أن سمات الطول والقصر مثلًا في سيادة إحداها, وتنحي الأخرى لا تمتزج ببعضها البعض، وإنما تظل وحدات منفصلة قائمة بذاتها, إلى أن تظهر في تزواجات مستقبلة, فعندما زاوج مندل بين البذور القصيرة المتنحية الناتجة عن تربية الجيل الثاني جاء الخلف كله قصيرًا، وعندما تلقَّحت النبتة الطويلة في نفس الجيل الثاني لم يستمر في الطول أكثر من ثلث الخلف، وهذا هو مبدأ انعزال الجينات segregation of genes, بمعنى: انعزال وحدة طباع كلٍّ من الوالدين بنسبة ثابتة في خلايا الخلف من غير أن يكون لها تأثير في بعضها البعض.
ولنتذكر أن التكوين الجيني يتكوّن من أزواج، وأن إحدى الجينات هي السائدة, وفي هذا المثال البسيط نجج أن النبات الطويل قد يتكون من الأزواج "TT
أو "Tt" في حين أن النبات القزم لا يتكون إلّا من الزوج المتنحي "t t"، وفي حالتي "tt TT" كانت الصفات العضوية الملحوظة للسلالة "طويلة أو قزمية" تتناسب والتكوين الجيني, ويسمَّى بالصفات العرقية, أي: إنه في الزوج "TT" كان النبات لا يبدو طويلًا فحسب، ولكنه يشتمل أيضًا على كلا الجينين للطول، وفي حالة واحدة نجد أن السلالة طويلة, ولكنها تحتوي على الجينة المتنحية "Tt". والنباتات ذات الأزواج "TT"، "tt" تسمَّى متماثلة اللقاحات "عناصر مشتركة"، ولكن النباتات "T t" تسمَّى متباينة اللقاحات "عناصر مختلفة".
ويجب أن نلاحظ أن مندل قد قام بإجراء تجاربه في ظروف بيئية متحكّم فيها تمامًا، ومهما يكن من أمر فلو أننا زرعنا نبات TT في الرمل، ومجموعة أخرى tt في التربة الخصبة, فإن النبات TT السابق قد يظهر أنه نبات tt.
إن تجارب مندل قد أظهرت أن الجينات تحدد التكوينات العضوية، وأن الأزواج من الجينات هي المسئولة عن الصفات الجسمية، وأنَّ إحدى الجينات سائدة على قرينتها، وأنَّ في حالة تباين اللقاحات، تكون الجينة السائدة ظاهرة جسميًّا. وقد
قدَّم مندل إسهامات أخرى كانت لها أهمية بالغة في فهم تنوع الشعوب, ومن ذلك حقيقة أن التغيّرات تطورية قد حدثت في الأنواع، وأنه باستثناء التَّوَائِم المتطابقة، لا يوجد فردان لهما نفس التكوينات الجينية, وقد حدد ذلك في:
شكل "17" تخطيط توارث صفة سائدة للصفة المريضة z عند خلفه والدين أحدهما سوي والآخر مصاب.
- قانون التمييز: الذي يحكم انفصال أزواج الجينات لتتكون خلايا جنسية. وهكذا فإن الجينة السائدة أو الجينة المتنحية تكون موجودة في خلية جنسية معنية "خلية منوية أو بويضة", ثم لاحظ أن فصل هذه الأزواج المختلفة من الجينات يحدث عشوائيًّا, وبسبب الانفصال العشوائي فلن يكون من المحتمل ألَّا تشترك أي جينة موروثة اشتراكًا ثابتًا مع صفة موروثة أخرى, ومن خلال هذه العمليات فإن توافقات التكوينات الجينية يعتبر لا نهائيًّا.
- وثَمَّةَ قاعدة أخرى تعمل مع الكائنات البشرية لتغيير التعبير الجسمي للجينات, وتعرف هذه العملية باسم التلقيح الخلطي, وهو يحدث أثناء الانقسام الاختزالي, وعملية الخلط تشمل زوجًا من الكروموسومات يحتمل أن يتراكبا.
وفي اللحظة التي تنفصل فيها الكروموسومات، قد يحدث تبادل في الجينات، ومعنى ذلك: أن الصفة الوراثية: "الجينية" للكروموسومات قد تغيرت فعلًا.
ج- الصفات المتَّصلة بالجنس:
لاحظنا فيما سبق أن كل خلية من خلايا الجسم تتكوّن من 23 زوجًا من
الكروموسومات المتشابهة, والواقع أن هذا البيان صحيح بالنسبة لـ"22" زوجًا فقط، أما الزوج الـ"23" فهو كروموسومات الجنس sex chromosoms، وتختلف في الذكور عنها في الإناث؛ فالأنثى لها زوج من الكروموسومات "س س" أو "x x", وللذكر زوج الكروموسومات " س، ص" أو "x y", ولما كان الذكر يحمل كلًّا من الكروموسومات س، ص, فإن الأب هو الذي يقرر جنس المولود. أي أنه إذا كان الحيوان المنوي الناجح في اختراق البويضة يحتوي على كروموسوم "س" فإن الوليد يكون أنثى "فالبويضة لا تحتوي إلّا على كروموسوم "س"، في حين أنه إذا احتوى على الكروموسوم "ص" فإن الوليد يكون ذكرًا، شكل "18".
تلعب كروموسومات الجنس دورًا هامًّا آخر في تحديد الصفات الموروثة للذكور والإناث، إن زوج الكوموسومات التي تحدد الجنس تحتوي أيضًا على جينات أخرى, ولما كانت المادة الكروموسومية للذكور تختلف عنها في الإناث، فإن التكوين الجيني الأساسي يكون مختلفًا، وبالتالي أيضًا الصفات الناتجة.
والعملية ببساطة يمكن تلخيصها كما يلي:
1- الكروموسوم "س" أكبر من الكروموسوم "ص"، ويحتوي على عدد أكبر من الجينات.
2- الذكور لديهم كروموسوم "س" واحد فقط، ولذلك فليس لديهم كروموسوم ثانٍ ذو نشاط مضاد "جينة واحدة تحدد الصفة, وليس زوجان من الجينات".
3- في الذكور جينة معينة توجد على الكروموسوم "س"، وليس على الكروموسوم "ص" هي التي تحدد صفات النسل.
4- تختلف العملية بالنسبة للإناث؛ لأن كل خلية جنسية تحمل كروموسومات "س"، وبالتالي جينات مزدوجة، والجينة المتنحية يجب أن تحدث على كلا الكروموسومين لكي تحدث الصفة: شكل "19". هذا والصفات المرتبطة بالجنس مثل: عمي الألوان، الهيموفيليا "انعدام تجلط الدم"، المهق "الشقرة" albino، الصلع, ونوع ما من سوء التغذية؛ حيث تتضمَّن جينات متنحية تؤدي إلى هذه المظاهر الجسمية السلبية, ونظرًا لأنَّ العمى اللوني والصلع والهيموفيليا أكثر ظهورًا في الرجال وندرة عند النساء، فإنه يفترض ارتباطها بمورثات الجنس, فإذ اتَّحد كروموسوم "س" يحمل أحد هذه الأمراض مع كروموسوم "ص", فسوف يظهر المرض في الخلف الذكر، أمَّا إذا اتحد نفس الكروموسوم "س" الحامل للمرض مع "س" أخرى، الميل إلى الصحة الموجود في س السليمة يلغي المرض, وتولد الأنثى ليس لديها المرض المرتبط بالجنس، والاستثناء غير العادي هو الذي يتمخَّض عنه النادر من حالات المرض في النساء أن ترث الأنثى من خيلتين "س" كلتيهما حاملة للمرض.
- الشواذ الكروموسومية:
إن الدليل المباشر لتأثيرات الوراثة على السلوك ينبثق من الشواذ الكروموسومية, وفي بعض هذه الشواذ مثل أعراض dawn "البله" مثلًا, نستطيع الاستدلال على فساد الوظيفة الوراثية، وأيضًا من الشواذ الوراثية التي لاقت اهتمامًا كبيرًا في السنوات الأخيرة أعراض الفينيل كيتونيوريا "pku" phenyl ketonuria؛ حيث أنَّ التعرف المبكر عليها يساعد على نجاح العلاج, ومن الشواذ الوراثية الأخرى التي أمكن التعرف عليها وتفسيرها أعراض تيرنر turnerK، وأعراض كلينفلتر kleinfelter، وأعراض الـ س ص ص.
وتمثل حالات عرض دوان dawn's syndrpme, أو الحالات المعروفة بالمنغولية حوالي 10% من حالات التخلف العقلي "المتوسط الشديد"، أو واحد لكل 700 حالة من حالات المواليد الأحياء، ويتميِّز أصحابها بسمات بدنية الجنس المغولي، وترجع إلى وجود كروموسوم زائد في أحد كروموسومات الجنس "غالبًا الزوج رقم 21"، فتصبح عدد الكروموزمات في الخلية المخصبة 47 بدلًا من 46 كروموسومًا.. "شكل: 21", وقد وجد أن نسبة الإصابة تزداد بزيادة عمر الأم، كما وجد أن الكروموسومات غير الطبيعية تستحدث بالإشعاع. "فاروق صادق: 1976، 75، محروس الشناوي: 1997، 86، 90".
الأفراد المصابين بالفينيل كيتونوريا "p. k. u "phenylketonuria يعجزون عن توليد إنزيم الكبد الذي يحوّل الفينيل آلانين، وهو حامض أميني، إلى حامض أميني آخر هو الثيروزين, ومثل هذه العملية الأيضية تؤثر على الكبد، وبذلك يؤثر حامض الفينليروفيك على الجهاز العصبي المركزي, ويسبب تلف الخلايا مما يؤدي إلى تخلُّف عقلي.
الـpku ينتقل بواسطة جينة جسمية متنحية واحدة، وهو يحدث في حوالي 6 من كل 10.000 ولادة، ولا يفرق بين الجنسين؛ وحيث أن الجينة المعتلَّة متنحية، فلا بُدَّ من وجودها في كل من الأم والأب, ولحسن الحظ فقد أصبح من الممكن حاليًا التعرف على الـPKU في وقت مبكر, وتخفيف آثاره المدمرة عن طريق نظام غذائي يقل فيه الفينيل آلانين، كما يمكن التعرّف على حاملي الجينة المتنحية. وتتضمَّن الطريقة إعطاء الأفراد المشتبه فيهم كمية زائدة من الفينيل آلانين الذي يهضمه هؤلاء الأفراد بسرعة أقل مما يهضمه بها الأفراد العاديون, وهكذا: فإن التقدم في فهم العمليات الوراثية سوف يساعد الوالدين على اتخاذ قرارات على ضوء المزيد من المعلومات فيما يختص بخطورة
إنجاب أطفال. إن الانتقال الوراثي الـP.K.U في الأطفال من والدين متتامي اللقاحات "الزيجوت" حاملين للجينات المتنحية الـPKU " هي الجينة السائدة, P هي الجينة المتنحية".. شكل "24".
طفلة تعاني تخلف عقلي ناتج عن الفنيل كيتونيوريا
- كذلك فإن شواذ الكروموسومات الجنسية تحدث نتيجة عجز هذه الكروموسومات عن الانقسام بالطريقة الطبيعية, من ذلك:
أ- الحالة المعروفة بأعراض كلينفلتر kleinfelter:
وهي تحدث بسبب عدم حدوث انفصال الجينات في أثناء الانقسام الاختزالي المبدئي، فإن خلية منوية يمكن أن تشتمل على كلا الكروموسومات "س"، "ص" أو لا تشتمل على أي كروموسومات جنسية, وبذلك فإن إخصاب بويضة طبيعية بواسطة خلية منوية "س"، "ص" ينتج زيجوت مع كروموسوم "س" زيادة أي: "س س ص".
ب- كذلك فإن الخلية المنوية عندما تعجز عن إنتاج كروموسومات جنسية، فإن الزيجوت الناتج يولد أنثى لها كروموسوم "س" واحد, وكروموسوم "س", وتسمى هذه الحالة بأعراض تيرنر turner وكلًّا من هاتين الحالتين الشاذتين تؤديان إلى نمو جنسي غير كامل، وإلى درجة من التخلف العقلي, وفي حالة أعراض turner يبدو أن الوظيفة العقلية التي تتضمَّنت العلاقات المكانية أكثر تأثرًا من الأداء الشفوي.
- وهناك شاذة ثالثة ترجع إلى كروموسومات جنسية، وتحدث عندما تلقح خلية منوية "ص ص" بويضة طبيعية مولدة لذكر "س ص ص", وأكثر مظاهر هذه الحالة وضوحًا هو الطول؛ إذ أن الذكور "س ص ص" يبلغ طولهم عادة أكثر من 180سم, وهم قياسًا دون المتوسط من الناحية العقلية, وقد افترض أخيرًا أن الذكر "س ص ص" أكثر ميلًا للعدوانية وارتكاب الجرائم, ومع أنَّ البرهان على هذا الافتراض بعيد عن القطعيِّة، فإن الأفراد الذين لديهم أيّ حالة شاذّة ترجع إلى الكروموسومات الجنسية يحتمل كثيرًا أن يواجهوا صعوبات نفسية "money & shrhardt, 1972".