إن معظم الجهود الموجهة لمنع ومعالجة الجنوح لم تحقق النتائج المنتظرة منها، وعلى أي حال فيجب أن نلاحظ أن تلك الجهود، حتى تلك التي تحاول استخدام الحلول الممكنة قد ركزت بصورة كبيرة على الشباب الذين لديهم مشكلات خطيرة فالكثير من الطرق التقليدية كالعقاب والوضع في المؤسسات والسجن قد جعلت بصورة عامة الأمور أسوأ مما كانت عليه، لأنها قد تخضع المراهق أو الشاب لصدمة نفسية وخبرات غير سارة، بينما تمده بقليل أو بلا شيء من المساعدة النفسية والتعليمية والترويجية.
وعموما فلا توجد حلولا سحرية لمشكلة الجنوح المتزايد، ولكن يبدو أن الجهود في المستقبل سوف تؤكد على عملية منع الجنوح منذ بدايته والتي تتمثل في برامج الإرشاد الوقائي فالتعرض للبرامج الشاملة للعناية النفسية والمهنية والتربوية التي تهدف إلى تطوير إمكانات المرهقين والشباب, وجدير بالذكر فإن الجنوح لا يعتبر مرضا في حد ذاته، ولكنه عرض لمشكلات أساسية اجتماعية ونفسية واقتصادية وتعليمية ترويجية وجسمية وأيضا فلسفية, كما أن جميع البرامج الإرشادية النفسية التي توجه للوقاية أو علاج الجنوح لا تأتي بالثمرة المرجوة منها، طالما لم تبذل المجهودات الصادقة لتحسين الظروف الاجتماعية التي يحياها المراهقين والشباب والتي تعتبر الأساس المغذي للجنوح، فالفقر، والتدهور الاقتصادي وفقدان المعنى عند المراهقين والشباب، واضطراب تكوين الهوية والصراعات المتزايدة التي يشعر بها الشباب، وعدم وضوح الهدف والانسلاخ عن المجتمع، وعدم توفر القدوة الصالحة، كل هذه العوامل إن لم يوجه إليها جهود صادقة لاحتوائها وتداركها فإن معدل الجنوح سوف يتزايد يوما بعد يوم.
لاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية:
تميل الاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية إلى الظهور أثناء المراحل الانتقالية في حياة المرء والتي تتميز باضطراد النمو الجسمي والنمو المعرفي أو التغيرات التي تحدث في المطالب الأبوية والاجتماعية والتي تؤدي بصورة مؤقتة إلى تعويق توازن واتزان الفرد، وتؤثر جميع هذه العوامل في بداية فترة المراهقة، وبعض من هذه الاضطرابات قد تكون حتمية ومتعذرة الاجتناب، ولكن إلى أي مدى ستكون حدة تلك الاضطرابات والصورة التي ستكون عليها، والوقت الذي ستحدث فيه، كل تلك المظاهر تعتمد على العديد من العوامل، فإن طبيعة تكيف المراهق السابق والضغوط التي تجابهه أثناء سنوات المراهقة قد تؤثر في طبيعة تلك الاضطرابات، وقد تكون تلك الاضطرابات بالنسبة لبعض المراهقين ليست بذات أهمية ولا تدوم طويلا، وقد تكون للبعض الآخر شديدة وحادة وقد تؤدي إلى أعصبة نفسية معوقة أو حتى إلى اضطرابات ذهانية.
والجدير بالذكر، فإننا لا نستطيع في هذا المقام إلقاء الضوء على المجال الكامل لاضطرابات فترة المراهقة من حيث أسبابها ومتطلباتها العلاجية الخاصة، إلا أن الذي سوف تركز عليه في هذا الموجز، هو بعض أشكال الاضطرابات الهامة والرئيسية التي تحدث في فترة المراهقة، مع بعض الملاحظات الإرشادية والعلاجية لوقاية وعلاج مراهقينا.
القلق:
إن بعض مشكلات المراهق قد يسهل تفهمها فالمراهق الذي يسعى لبناء علاقة متبادلة متكافئة مع أعضاء جنسه أو الجنس المخالف والذي يقابل دائما بالرفض أو التوبيخ، قد يصبح قلقا وغير واثق من نفسه، ومن التفاعلات الاجتماعية وبالتالي يميل إلى الانسحاب والعزلة.
ويصعب علينا تقدير ما ينتاب المراهق من اكتئاب بسبب فقد والده أو شخص عزيز عليه، والقلق الحاد والأحلام المزعجة لمراهق قد مر حديثا بخبرة مؤلمة أو سيئة ومع ذلك، فإن أنواع أخرى من الأعراض ليست من السهولة تفهمها، ويرجع ذلك إلى أن المصادر الرئيسية لهذه الأعراض "مثل الخوف من فقدان الحب، أو الخوف من وجود مشاعر غاضبة أو دوافع جنسية غير مقبولة، أو فقدان الإحساس بالهوية الشخصية"، عادة لا يعبر عنها بطريقة شعورية، حيث نجد المراهق يبني بطريقة لا شعورية دفاعات نفسية ضد التعبير عنها، وذلك لأن السماح لمثل هذه البواعث والأحاسيس المضطربة في أن تجد طريقة شعورية للتعبير عنها قد يسبب له قلق مؤلم وشعور بالذنب، وفي بعض الحالات تكون تلك المجهودات الدفاعية غير ذات فعالية، أو تكون فعالة بصورة جزئية, وقد ينتج عن هذا قلقا معمما سواء كان في صورته الحادة أو المزمنة.
إن المراهق الذي يكون لديه رد فعل حاد للقلق، يشعر بخوف مفاجئ كما لو كان شيئا ما سيئا على وشك أن يحدث له فقد يصبح متهيجا ومستاء، ومن السهل أن يروع وأن يخاف، ويخبر ثمة أعراض جسمية كالصداع والدوخة والغثيان أو القيء, ويكون مجال انتباهه محدودا وقد يبدو عليه الذهول والتشتت، كما أن اضطرابات النوم شائعة عند مثل هذه الحالات حيث توجد صعوبة في النوم، وعملية النوم ذاتها قد تكون قصيرة غير مريحة، مصحوبة بالتقلب في الفراش، أو قد تكون مصحوبة بالكوابيس أو المشي أثناء النوم, والمراهق الذي يعاني قلقا حادا، قد يكون في حيرة في العثور على مصدر ذلك القلق حيث قد ينسبه إلى نوعية مختلفة من الظروف والأحداث الخارجية المتفرقة, والفحص الدقيق لمثل هذه الحالات يومئ إلى أن هناك عوامل كثيرة وأساسية متضمنة، وثمة عوامل قد لا يكون المراهق واعيا بها بصورة شعورية، والعلاقات المضطربة بين الوالد والمراهق والاهتمامات المرتبطة بمطالب النضج، أو المخاوف وبالشعور بالذنب المتعلقة بالدوافع الجنسية أو العدوانية.
ويجب أن تجري التدخلات الإرشادية أو العلاجية بصورة مبكرة عندما تكون العوامل المسببة في صورتها الأولية الواضحة وبالتالي يمكن التعامل معها وذلك قبل أن يصبح القلق في صورة حادة وقبل أن يؤثر ذلك في نمط حياة المراهق "وعلى سبيل المثال الانسحاب النفسي، إعاقة العمل المدرسي، الأعراض الجسمية المستمرة كالآلام والإسهال وضيق التنفس والتعب".
كتتاب المراهق
...
اكتئاب المراهق:
كان الكثير من علماء النفس الإكلينيكيين ينكرون أن الاكتئاب يمكن أن يحدث بين الأطفال والمراهقين الصغار، حيث يشيرون إلى أن بداية فترة المراهقة نجد كلا من الذكور والإناث يميلون إلى التعبير عن مشاعرهم بصورة صريحة، ويميلون إلى إنكار الاتجاهات السلبية والنقدية للذات، فهم عادة لا يظهرون الكآبة واليأس والانتقاص من قيمة الذات وذلك كما يفعل الراشدون المصابون بالاكتئاب، إلا أن نتائج الدراسات الحديثة أظهرت أن كثيرا من المراهقين يخفون مشاعر الاكتئاب الكامنة بواسطة طرق مقنعة تندرج من السأم والملل وعدم الارتياح إلى أعراض توهم المرض أو وسواس المرض، وفوق ذلك فإن مشاعر الاكتئاب شائعة إلى حد ما بين المراهقين.
وعادة ما يتخذ اكتئاب المراهق أحد النوعين التاليين، فالنوع الأول يعبر عنه على أنه "إحساس بالفراغ، فقدان تحديد الذات، وكما يوصف لفظيا بأنه حالة فقدان الشخصية Depersonalization, فالمراهق المكتئب قد يشكو من وجود شعور بالنقص أو الفراغ، كما لو كان قد هجر ذاته ولم يحل محلها ذات نامية راشدة ويولد هذا الفراغ مستوى عاليا من القلق، وهذا النوع من الاكتئاب يشبه حالة الحداد، والتي يخبر فيها الشخص المحبوب كجزء من الذات، وقد يكون أقل ضررا، ومن أكثر الأنواع حلا وعلى نقيض من ذلك نجد بعض المراهقين "والتي توحي شكواهم بالإحساس بالفراغ، فإن ذلك قد يشير إلى إمكانية الإصابة بعملية ذهانية ضمنية" حيث نجد المراهق في هذه الحالة ليس لديه القدرة على توجيه مشاعره وأحاسيسه، ولا يمكنه تقييمها أو التعبير عنها. وبالتالي فهو ينكر أصلا وجود مشاعر لديه.
والنمط الثاني: من اكتئاب المراهقة، والذي قد يصعب حله بسهولة، حيث نجد له أساس في خبرات الهزيمة المتكررة على مدى فترة زمنية طويلة، ويحدث هذا النوع بين المراهقين الذين قد جربوا بصورة واقعية كثيرا من الطرق لكي يجدوا حلولا لمشاكلهم ولكي يحققوا أهدافهم الشخصية ذات المعنى بالنسبة لهم إلا أنهم لم يوفقوا في ذلك، سواء كان ذلك بسبب فشل الآخرين في تفهم وتقبل ما يحاول المراهق عمله، أو بسبب عدم الكفاءة الشخصية والتي جعلت الأهداف غير ممكنة التحقيق, كما أن الكثير من محاولات المراهقين للانتحار لم تكن نتيجة باعث مؤقت.
ولكنها في الأغلب تكون نتيجة لسلسلة طويلة من المحاولات الفاشلة للعثور على حلول بديلة للمشكلات والصعوبات التي تواجههم وعادة ما يكون سبب هذا النمط من الاكتئاب يتمركز في فقدان العلاقة ذات المعنى سواء مع الأب، الصديق، أو أي شخص كان المراهق على حب معه
توهم أو وسواس المرض HYPOCHONDRIASIS:
إن مبحث الأغراض الجسمية المرضية، عادة ما يطلق عليه بتوهم أو وسواس المرض, ويشتمل على الانشغال والاهتمام المفرط بوظائف أعضاء الجسم, والمراهقون المصابون بوسواس المرض قد يكونوا مهتمين أو منشغلين بوجود عدم انتظام في ضربات قلوبهم، وفي تنفسهم أو الهضم على الرغم من أن كل هذه الوظائف تكون في حالة عادية تماما.
أو قد نجدهم يبالغون في دلالة وحجم الاعتلالات الجسمية البسيطة، كالأنف المسدود من شدة الزكاة والاضطراب المعوي الخفيف أو التقلص العضلي, وأعراض وسواس المرض على الرغم من أنها قد تحدث في مرحلة الطفولة، إلا أنها أكثر شيوعا أثناء فترة المراهقة، وفي الحقيقة فإن التغيرات الجسمية والجنسية للبلوغ تجذب بصورة حتمية اهتمام المراهق بذاته الجسمية وليس هذا يستغرب وحقيقة فإن قدر معين مما تعتبره انشغالا مفرطا بالجسد بالنسبة للشخص الراشد، قد يمثل ظاهرة نمائية عادية تماما بالنسبة للمراهق.
ومن ناحية أخرى فإن الانشغال الجسمي والاهتمام بها بصورة مفرطة والتي تكون غير قابلة للتغيير قد تومئ باضطرابات داخلية شديدة، وقد تؤدي أعراض الوساوس المرضية عددا من الوظائف فعندما يخبر المراهق أو الشاب قلقا حادا غير أنه يكون غير متأكد من مصدره حينئذ يمكن أن تكون تلك الخبرة غامرة، لدرجة أنها تؤدي إلى الخوف من الجنون فقدرة المرء على العثور على سبب للقلق يساعد في جعله يبدو أكثر معقولية أو منطقية للفرد، وبالتالي أقل غموضا, وقد يصبح التركيز بالنسبة لبعض المراهقين عن الجسم عرضا من أعراض المرض.
إن قلق المراهق المصاب بوسواس المرض قد يتضمن محتوى حقيقيا، وحتى بالرغم من وجود ذلك فعادة ما يكون غير كاف في حد ذاته لكي يفسر درجة الانشغال والاهتمام التي يكون عليها المراهق فكثير من
وظائف الأعضاء سواء كانت حادة أو مزمنة، وقد تؤدي الأخيرة إلى اضطراب سيكوسوماتي حيث تتضمن أحيانا اختلال في تغيرات هيكلية كما تتضح في حالة القرحة المعوية.
وتشير الدراسات في هذا المجال إلى أن الاضطرابات المؤقتة في الوظائف السيكوفسيولجية ليست شائعة في مرحلة منتصف الطفولة أو مرحلة المراهقة، حيث نجد أن الضغوط النفسية لها تأثير ملحوظ إزاء الوظائف المعوية، وكذلك على نشاط الأوعية الدموية للقلب، وكذلك على وظيفة الجهاز العصبي المركزي، فمثلا كثير من الحالات التي تعاني من الاضطرابات في العصارة المؤلمة، واضطرابات المعدة، وحرقان
القلب وانتفاخ البطن وعسر الهضم، عادة ما تظهر ردود فعل الأطفال والمراهقين للضغوط النفسية، وبالمثل فإن معدل ضربات القلب غير العادية والطويلة غالبا ما تكون مصحوبة بحالة قلق حادة أو مزمنة، وقد يشكو المراهق من زيادة ضربات قلبه أو ارتفاع نبضه، ويخشي أحيانا أن يحدث له أزمة قلبية، كما أن صداع التوتر العضلي وآلام الظهر، وآلام الصدر وعدم الراحة، قد تكون جميعها نتيجة للضغوط النفسية, والجدير بالذكر، فإن الاضطرابات السيكوسوماتية أثناء فترة الطفولة والمراهقة يحتاج علاجها اهتماما واعيا بكل جوانب الاضطرابات الجسمية والنفسية والاجتماعية ونمط التفاعل الأسرى التي قد تسهم في جعل هذه الاضطرابات حادة وأكثر خطورة.
اضطرابات الأكل:
ليس بمستغرب إذا نظرنا إلى التغيرات الجسمية والنفسية السريعة التي تحدث في بداية البلوغ أن نرى كثيرا من المراهقين يمرون بفترات قصيرة ينقص فيها وزنهم أو يزداد عن المعايير المقبولة, وعادة ما نجد معظم المراهقين عندما يحدث استقرار لهذا النمو، قد تتناسب أوزانهم من خلال تنظيم التغذية، إلا أننا نرى في بعض الأحيان أن الإفراط في الأكل قد يؤدي إلى السمنة المفرطة الخطيرة، وأحيانا يؤدي إلى فقدان الوزن الخطير، وهو ما يعرف بفقدان الشهية للأكل والمعرف باسم ANOREXIA والذي عادة ما يحدث أثناء فترة المراهقة ويكون أكثر شيوعا بين الإناث عن الذكور, والمراهقون الذين يتسمون بالسمنة المفرطة، أو فقدان الشهية للأكل يميلون إلى الافتقاد الواضح والمحدد لهويتهم كأفراد مستقلين ومميزين قادرين على تحديد وتحقيق أهدافهم الخاصة، وقد يكون فقدان الشهية حالة محيرة فقد يكون لديه إدراك مشوه لصورة ذاته الجسمية، وكثير من المراهقات اللاتي يعانون من فقدان الشهية تبدو المراهقة وكأنها هيكل جلد نحيل من العظام ودائمة الشكوى من قلق زيادة الوزن، وما زالت هناك أسباب كثيرة تكمن وراء هذه الحالة لم نتمكن من معرفتها حتى الآن، كما أننا عادة ما نلاحظ هذه الحالة شائعة بين المراهقين والمراهقات الأثرياء أكثر من المراهقين والمراهقات الفقراء.
وقد تلعب العوامل البيولوجية دورا في ذلك، إلا أن العوامل النفسية تبدو أكثر أهمية, وعادة ما ينزعج الآباء عندما يبدأ فقدان الشهية عند أطفالهم أو مراهقيهم، وكثيرا ما يعبرون بأن طفلهم يبدو عاديا مثل
اقي الأطفال أو المراهقين من حيث الطيبة والهدوء والطاعة والاعتماد على النفس بالإضافة إلى شغفه لإرضاء الآخرين، ومعظم المرهقون والشباب الذين يعانون من فقدان الشهية فإنهم لا شعوريا يشعرون أنهم قد استغلوا وحرموا من توجيه حياتهم الخاصة بهم، وبالتالي أصبحوا غير قادرين على تكوين هوية قوية خاصة بهم, وقد يظهرون حاجة ملحة قهرية في السيطرة على كل جوانب حياتهم خاصة السيطرة والتحكم على أجسامهم, وقد يشعرون أيضا بعدم القدرة على مواجهة مطالب النضج الجنسي، وفقدان الشهية والتي قد تعوق عملية الحيض عند المراهقات وتجعل الخصائص الجنسية الثانوية أقل وضوحا وبروزا.
وتشير الدراسات في هذا المجال إلى أن آباء المراهقة التي تعاني من فقدان الشهية عادة ما كانوا يتسمون بالسيطرة الحازمة والنظام والتنظيم الزائد أثناء فترة الطفولة، لدرجة أن حدث اضطراب عند الطفلة في بناء معنى للهوية والثقة في قدرتها على اتخاذ قراراتها بنفسها.
ومن الواضح أن الوزن الزائد عن الحد أو الوزن الأقل عن الحد، قد يسبب مشكلات خطيرة، وأحيانا فسيولوجية تهدد حياة الفرد، وبالتالي تكون الحاجة ملحة إلى الرعاية الطبية المتخصصة والعلاج النفسي, وبسبب علاقات الوالد والطفل المضطربة وغير المنتظمة والتي تتضمن المشكلات المرتبطة بنمو الاعتماد على النفس والنضج الجنسي، فإن العلاج والإرشاد النفسي يلعب دورا رئيسيا، وأي برنامج علاجي أو إرشادي يجب أن يتضمن المساهمات الأبوية الفعالة.
وبطبيعة الحال فقد يعاني المراهقون أنواعا مختلفة من الاضطرابات النفسية، والتي قد تتضمن المخاوف والرهاب، FEARS & FOBIA, رهاب المدرسة الأهجسة والقهر، على الرغم من أن هذه الاضطرابات عادة ما تنتشر بين الأطفال أكثر من انتشارها بين المراهقين. كما أن نسبة قليلة من المراهقين قد يعانون من بعض الاضطرابات الحادة مثل فصام المراهقة، والذهان التسممي TOXIC PSYCHOSIS
العلاج والإرشاد النفسي للمراهقين:
يحتاج المعالج والمرشد النفسي سواء الذي يعمل بالعلاج النفسي الفردي أو الجماعي إلى تدريب خاص، خاصة الذي يتعامل مع المراهقين.
بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون لديه القدرة على حب المراهقين ويتصف بالدفئ العاطفي والمرونة والصراحة والأمانة، والقدرة على إبداء الرأي، وعدم التحيز والثقة بالنفس والقدرة على وضع حدود بدون عدوانية، وافتقار الدفاعات الشخصية.
والمراهقون لديهم بصيرة أكثر من الأطفال في إدراك الأشياء الزائفة واستغلالها ومع ذلك، فإن اتسم المعالج أو المرشد النفسي بالاعتدال ولا يقلل من إمكانات المراهق حينئذ يمكن أن ينمي شعورا بالثقة والاحترام، ويظل المراهق أيضا في حاجة إلى أن يجعل ذلك واضحا بدرجة كبيرة من قبل المعالج, والمعالج الناجح ذو الفعالية يجب أن يكون مرنا، على استعداد لكي ينتقل من الاستماع إلى التساؤل، إلى إعادة التأكيد، وتوضيح الحقيقة، إلى التفسير، حتى إلى الجدل وإلى وضع الحدود عندما يكون ذلك ضروريا، فالمراهقون ذووا الاضطراب الانفعالي يحتاجون إلى فرض حدود خارجية عليهم نتيجة حالاتهم المضطربة، فهم عادة لا يكونون على مقدرة في أن يضعوا حدودا لأنفسهم.
ويجب أن نضع في أذهاننا -في نفس الوقت- الصراع من أجل الاستقلال، حيث إن بناء الاستقلالية تعتبر مهمة نمائية حرجة بالنسبة للمراهق, ولهذا فإن المعالج أو المرشد النفسي يجب أن يكون منتبها لأخطار السماح بالاستقلالية الطفولية أثناء مرحلة العلاج أو الإرشاد حتى لا يصبح بديلا للصراع الضروري تجاه الاستقلالية الكاملة والاعتماد على الذات، إن إحساس المراهق بهوية محددة واضحة ما تزال في طور النمو، وما تزال غير محددة واضحة المعالم، ومن هنا فالمعالج أو المرشد النفسي كالأب الحكيم يجب أن يكون حذرا من الميول الخادعة وبالتالي يكون عرضة في أن يخلط بين هوية المراهق وهوية الشباب، أو أن يطول فترة العلاج أو الإرشاد بصورة غير ملائمة.
وبإيجاز، فعلى الرغم من اختلاف الأدوار بصورة حتمية في عدد من الجوانب الهامة، فإن الأب الفعال والمعالج والمرشد النفسي الفعال يتقاسمون عددا من الخصائص الضرورية، فكل منهم يحتاج إلى أن يكون جديرا بثقة المراهق واحترامه، كما يحتاج كل منهم إلى إظهار ثقته واحترامه للمراهق كإنسان متفرد، بالإضافة إلى ذلك فإن كلا منهم يحتاج إلى أن يكون ذا سلطة دون استبداد أو تحكم، أو فوضوية، وعادلا وكل
منهم يحتاج إلى أن يكون قادرا على وضع حدود عندما تكون ضرورية ويتسم بالثقة ولا يتسم بالعدوانية، وكذلك إدراك حاجة المراهق الملحة نحو الاستقلال، وعموما فإن كلا العملين ليس سهلا، إلا أن كليهما سوف يكون أقل صعوبة بالنسبة لهؤلاء الأفراد الذين حقيقة يحبون المراهق.
وعموما فلا توجد حلولا سحرية لمشكلة الجنوح المتزايد، ولكن يبدو أن الجهود في المستقبل سوف تؤكد على عملية منع الجنوح منذ بدايته والتي تتمثل في برامج الإرشاد الوقائي فالتعرض للبرامج الشاملة للعناية النفسية والمهنية والتربوية التي تهدف إلى تطوير إمكانات المرهقين والشباب, وجدير بالذكر فإن الجنوح لا يعتبر مرضا في حد ذاته، ولكنه عرض لمشكلات أساسية اجتماعية ونفسية واقتصادية وتعليمية ترويجية وجسمية وأيضا فلسفية, كما أن جميع البرامج الإرشادية النفسية التي توجه للوقاية أو علاج الجنوح لا تأتي بالثمرة المرجوة منها، طالما لم تبذل المجهودات الصادقة لتحسين الظروف الاجتماعية التي يحياها المراهقين والشباب والتي تعتبر الأساس المغذي للجنوح، فالفقر، والتدهور الاقتصادي وفقدان المعنى عند المراهقين والشباب، واضطراب تكوين الهوية والصراعات المتزايدة التي يشعر بها الشباب، وعدم وضوح الهدف والانسلاخ عن المجتمع، وعدم توفر القدوة الصالحة، كل هذه العوامل إن لم يوجه إليها جهود صادقة لاحتوائها وتداركها فإن معدل الجنوح سوف يتزايد يوما بعد يوم.
لاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية:
تميل الاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية إلى الظهور أثناء المراحل الانتقالية في حياة المرء والتي تتميز باضطراد النمو الجسمي والنمو المعرفي أو التغيرات التي تحدث في المطالب الأبوية والاجتماعية والتي تؤدي بصورة مؤقتة إلى تعويق توازن واتزان الفرد، وتؤثر جميع هذه العوامل في بداية فترة المراهقة، وبعض من هذه الاضطرابات قد تكون حتمية ومتعذرة الاجتناب، ولكن إلى أي مدى ستكون حدة تلك الاضطرابات والصورة التي ستكون عليها، والوقت الذي ستحدث فيه، كل تلك المظاهر تعتمد على العديد من العوامل، فإن طبيعة تكيف المراهق السابق والضغوط التي تجابهه أثناء سنوات المراهقة قد تؤثر في طبيعة تلك الاضطرابات، وقد تكون تلك الاضطرابات بالنسبة لبعض المراهقين ليست بذات أهمية ولا تدوم طويلا، وقد تكون للبعض الآخر شديدة وحادة وقد تؤدي إلى أعصبة نفسية معوقة أو حتى إلى اضطرابات ذهانية.
والجدير بالذكر، فإننا لا نستطيع في هذا المقام إلقاء الضوء على المجال الكامل لاضطرابات فترة المراهقة من حيث أسبابها ومتطلباتها العلاجية الخاصة، إلا أن الذي سوف تركز عليه في هذا الموجز، هو بعض أشكال الاضطرابات الهامة والرئيسية التي تحدث في فترة المراهقة، مع بعض الملاحظات الإرشادية والعلاجية لوقاية وعلاج مراهقينا.
القلق:
إن بعض مشكلات المراهق قد يسهل تفهمها فالمراهق الذي يسعى لبناء علاقة متبادلة متكافئة مع أعضاء جنسه أو الجنس المخالف والذي يقابل دائما بالرفض أو التوبيخ، قد يصبح قلقا وغير واثق من نفسه، ومن التفاعلات الاجتماعية وبالتالي يميل إلى الانسحاب والعزلة.
ويصعب علينا تقدير ما ينتاب المراهق من اكتئاب بسبب فقد والده أو شخص عزيز عليه، والقلق الحاد والأحلام المزعجة لمراهق قد مر حديثا بخبرة مؤلمة أو سيئة ومع ذلك، فإن أنواع أخرى من الأعراض ليست من السهولة تفهمها، ويرجع ذلك إلى أن المصادر الرئيسية لهذه الأعراض "مثل الخوف من فقدان الحب، أو الخوف من وجود مشاعر غاضبة أو دوافع جنسية غير مقبولة، أو فقدان الإحساس بالهوية الشخصية"، عادة لا يعبر عنها بطريقة شعورية، حيث نجد المراهق يبني بطريقة لا شعورية دفاعات نفسية ضد التعبير عنها، وذلك لأن السماح لمثل هذه البواعث والأحاسيس المضطربة في أن تجد طريقة شعورية للتعبير عنها قد يسبب له قلق مؤلم وشعور بالذنب، وفي بعض الحالات تكون تلك المجهودات الدفاعية غير ذات فعالية، أو تكون فعالة بصورة جزئية, وقد ينتج عن هذا قلقا معمما سواء كان في صورته الحادة أو المزمنة.
إن المراهق الذي يكون لديه رد فعل حاد للقلق، يشعر بخوف مفاجئ كما لو كان شيئا ما سيئا على وشك أن يحدث له فقد يصبح متهيجا ومستاء، ومن السهل أن يروع وأن يخاف، ويخبر ثمة أعراض جسمية كالصداع والدوخة والغثيان أو القيء, ويكون مجال انتباهه محدودا وقد يبدو عليه الذهول والتشتت، كما أن اضطرابات النوم شائعة عند مثل هذه الحالات حيث توجد صعوبة في النوم، وعملية النوم ذاتها قد تكون قصيرة غير مريحة، مصحوبة بالتقلب في الفراش، أو قد تكون مصحوبة بالكوابيس أو المشي أثناء النوم, والمراهق الذي يعاني قلقا حادا، قد يكون في حيرة في العثور على مصدر ذلك القلق حيث قد ينسبه إلى نوعية مختلفة من الظروف والأحداث الخارجية المتفرقة, والفحص الدقيق لمثل هذه الحالات يومئ إلى أن هناك عوامل كثيرة وأساسية متضمنة، وثمة عوامل قد لا يكون المراهق واعيا بها بصورة شعورية، والعلاقات المضطربة بين الوالد والمراهق والاهتمامات المرتبطة بمطالب النضج، أو المخاوف وبالشعور بالذنب المتعلقة بالدوافع الجنسية أو العدوانية.
ويجب أن تجري التدخلات الإرشادية أو العلاجية بصورة مبكرة عندما تكون العوامل المسببة في صورتها الأولية الواضحة وبالتالي يمكن التعامل معها وذلك قبل أن يصبح القلق في صورة حادة وقبل أن يؤثر ذلك في نمط حياة المراهق "وعلى سبيل المثال الانسحاب النفسي، إعاقة العمل المدرسي، الأعراض الجسمية المستمرة كالآلام والإسهال وضيق التنفس والتعب".
كتتاب المراهق
...
اكتئاب المراهق:
كان الكثير من علماء النفس الإكلينيكيين ينكرون أن الاكتئاب يمكن أن يحدث بين الأطفال والمراهقين الصغار، حيث يشيرون إلى أن بداية فترة المراهقة نجد كلا من الذكور والإناث يميلون إلى التعبير عن مشاعرهم بصورة صريحة، ويميلون إلى إنكار الاتجاهات السلبية والنقدية للذات، فهم عادة لا يظهرون الكآبة واليأس والانتقاص من قيمة الذات وذلك كما يفعل الراشدون المصابون بالاكتئاب، إلا أن نتائج الدراسات الحديثة أظهرت أن كثيرا من المراهقين يخفون مشاعر الاكتئاب الكامنة بواسطة طرق مقنعة تندرج من السأم والملل وعدم الارتياح إلى أعراض توهم المرض أو وسواس المرض، وفوق ذلك فإن مشاعر الاكتئاب شائعة إلى حد ما بين المراهقين.
وعادة ما يتخذ اكتئاب المراهق أحد النوعين التاليين، فالنوع الأول يعبر عنه على أنه "إحساس بالفراغ، فقدان تحديد الذات، وكما يوصف لفظيا بأنه حالة فقدان الشخصية Depersonalization, فالمراهق المكتئب قد يشكو من وجود شعور بالنقص أو الفراغ، كما لو كان قد هجر ذاته ولم يحل محلها ذات نامية راشدة ويولد هذا الفراغ مستوى عاليا من القلق، وهذا النوع من الاكتئاب يشبه حالة الحداد، والتي يخبر فيها الشخص المحبوب كجزء من الذات، وقد يكون أقل ضررا، ومن أكثر الأنواع حلا وعلى نقيض من ذلك نجد بعض المراهقين "والتي توحي شكواهم بالإحساس بالفراغ، فإن ذلك قد يشير إلى إمكانية الإصابة بعملية ذهانية ضمنية" حيث نجد المراهق في هذه الحالة ليس لديه القدرة على توجيه مشاعره وأحاسيسه، ولا يمكنه تقييمها أو التعبير عنها. وبالتالي فهو ينكر أصلا وجود مشاعر لديه.
والنمط الثاني: من اكتئاب المراهقة، والذي قد يصعب حله بسهولة، حيث نجد له أساس في خبرات الهزيمة المتكررة على مدى فترة زمنية طويلة، ويحدث هذا النوع بين المراهقين الذين قد جربوا بصورة واقعية كثيرا من الطرق لكي يجدوا حلولا لمشاكلهم ولكي يحققوا أهدافهم الشخصية ذات المعنى بالنسبة لهم إلا أنهم لم يوفقوا في ذلك، سواء كان ذلك بسبب فشل الآخرين في تفهم وتقبل ما يحاول المراهق عمله، أو بسبب عدم الكفاءة الشخصية والتي جعلت الأهداف غير ممكنة التحقيق, كما أن الكثير من محاولات المراهقين للانتحار لم تكن نتيجة باعث مؤقت.
ولكنها في الأغلب تكون نتيجة لسلسلة طويلة من المحاولات الفاشلة للعثور على حلول بديلة للمشكلات والصعوبات التي تواجههم وعادة ما يكون سبب هذا النمط من الاكتئاب يتمركز في فقدان العلاقة ذات المعنى سواء مع الأب، الصديق، أو أي شخص كان المراهق على حب معه
توهم أو وسواس المرض HYPOCHONDRIASIS:
إن مبحث الأغراض الجسمية المرضية، عادة ما يطلق عليه بتوهم أو وسواس المرض, ويشتمل على الانشغال والاهتمام المفرط بوظائف أعضاء الجسم, والمراهقون المصابون بوسواس المرض قد يكونوا مهتمين أو منشغلين بوجود عدم انتظام في ضربات قلوبهم، وفي تنفسهم أو الهضم على الرغم من أن كل هذه الوظائف تكون في حالة عادية تماما.
أو قد نجدهم يبالغون في دلالة وحجم الاعتلالات الجسمية البسيطة، كالأنف المسدود من شدة الزكاة والاضطراب المعوي الخفيف أو التقلص العضلي, وأعراض وسواس المرض على الرغم من أنها قد تحدث في مرحلة الطفولة، إلا أنها أكثر شيوعا أثناء فترة المراهقة، وفي الحقيقة فإن التغيرات الجسمية والجنسية للبلوغ تجذب بصورة حتمية اهتمام المراهق بذاته الجسمية وليس هذا يستغرب وحقيقة فإن قدر معين مما تعتبره انشغالا مفرطا بالجسد بالنسبة للشخص الراشد، قد يمثل ظاهرة نمائية عادية تماما بالنسبة للمراهق.
ومن ناحية أخرى فإن الانشغال الجسمي والاهتمام بها بصورة مفرطة والتي تكون غير قابلة للتغيير قد تومئ باضطرابات داخلية شديدة، وقد تؤدي أعراض الوساوس المرضية عددا من الوظائف فعندما يخبر المراهق أو الشاب قلقا حادا غير أنه يكون غير متأكد من مصدره حينئذ يمكن أن تكون تلك الخبرة غامرة، لدرجة أنها تؤدي إلى الخوف من الجنون فقدرة المرء على العثور على سبب للقلق يساعد في جعله يبدو أكثر معقولية أو منطقية للفرد، وبالتالي أقل غموضا, وقد يصبح التركيز بالنسبة لبعض المراهقين عن الجسم عرضا من أعراض المرض.
إن قلق المراهق المصاب بوسواس المرض قد يتضمن محتوى حقيقيا، وحتى بالرغم من وجود ذلك فعادة ما يكون غير كاف في حد ذاته لكي يفسر درجة الانشغال والاهتمام التي يكون عليها المراهق فكثير من
وظائف الأعضاء سواء كانت حادة أو مزمنة، وقد تؤدي الأخيرة إلى اضطراب سيكوسوماتي حيث تتضمن أحيانا اختلال في تغيرات هيكلية كما تتضح في حالة القرحة المعوية.
وتشير الدراسات في هذا المجال إلى أن الاضطرابات المؤقتة في الوظائف السيكوفسيولجية ليست شائعة في مرحلة منتصف الطفولة أو مرحلة المراهقة، حيث نجد أن الضغوط النفسية لها تأثير ملحوظ إزاء الوظائف المعوية، وكذلك على نشاط الأوعية الدموية للقلب، وكذلك على وظيفة الجهاز العصبي المركزي، فمثلا كثير من الحالات التي تعاني من الاضطرابات في العصارة المؤلمة، واضطرابات المعدة، وحرقان
القلب وانتفاخ البطن وعسر الهضم، عادة ما تظهر ردود فعل الأطفال والمراهقين للضغوط النفسية، وبالمثل فإن معدل ضربات القلب غير العادية والطويلة غالبا ما تكون مصحوبة بحالة قلق حادة أو مزمنة، وقد يشكو المراهق من زيادة ضربات قلبه أو ارتفاع نبضه، ويخشي أحيانا أن يحدث له أزمة قلبية، كما أن صداع التوتر العضلي وآلام الظهر، وآلام الصدر وعدم الراحة، قد تكون جميعها نتيجة للضغوط النفسية, والجدير بالذكر، فإن الاضطرابات السيكوسوماتية أثناء فترة الطفولة والمراهقة يحتاج علاجها اهتماما واعيا بكل جوانب الاضطرابات الجسمية والنفسية والاجتماعية ونمط التفاعل الأسرى التي قد تسهم في جعل هذه الاضطرابات حادة وأكثر خطورة.
اضطرابات الأكل:
ليس بمستغرب إذا نظرنا إلى التغيرات الجسمية والنفسية السريعة التي تحدث في بداية البلوغ أن نرى كثيرا من المراهقين يمرون بفترات قصيرة ينقص فيها وزنهم أو يزداد عن المعايير المقبولة, وعادة ما نجد معظم المراهقين عندما يحدث استقرار لهذا النمو، قد تتناسب أوزانهم من خلال تنظيم التغذية، إلا أننا نرى في بعض الأحيان أن الإفراط في الأكل قد يؤدي إلى السمنة المفرطة الخطيرة، وأحيانا يؤدي إلى فقدان الوزن الخطير، وهو ما يعرف بفقدان الشهية للأكل والمعرف باسم ANOREXIA والذي عادة ما يحدث أثناء فترة المراهقة ويكون أكثر شيوعا بين الإناث عن الذكور, والمراهقون الذين يتسمون بالسمنة المفرطة، أو فقدان الشهية للأكل يميلون إلى الافتقاد الواضح والمحدد لهويتهم كأفراد مستقلين ومميزين قادرين على تحديد وتحقيق أهدافهم الخاصة، وقد يكون فقدان الشهية حالة محيرة فقد يكون لديه إدراك مشوه لصورة ذاته الجسمية، وكثير من المراهقات اللاتي يعانون من فقدان الشهية تبدو المراهقة وكأنها هيكل جلد نحيل من العظام ودائمة الشكوى من قلق زيادة الوزن، وما زالت هناك أسباب كثيرة تكمن وراء هذه الحالة لم نتمكن من معرفتها حتى الآن، كما أننا عادة ما نلاحظ هذه الحالة شائعة بين المراهقين والمراهقات الأثرياء أكثر من المراهقين والمراهقات الفقراء.
وقد تلعب العوامل البيولوجية دورا في ذلك، إلا أن العوامل النفسية تبدو أكثر أهمية, وعادة ما ينزعج الآباء عندما يبدأ فقدان الشهية عند أطفالهم أو مراهقيهم، وكثيرا ما يعبرون بأن طفلهم يبدو عاديا مثل
اقي الأطفال أو المراهقين من حيث الطيبة والهدوء والطاعة والاعتماد على النفس بالإضافة إلى شغفه لإرضاء الآخرين، ومعظم المرهقون والشباب الذين يعانون من فقدان الشهية فإنهم لا شعوريا يشعرون أنهم قد استغلوا وحرموا من توجيه حياتهم الخاصة بهم، وبالتالي أصبحوا غير قادرين على تكوين هوية قوية خاصة بهم, وقد يظهرون حاجة ملحة قهرية في السيطرة على كل جوانب حياتهم خاصة السيطرة والتحكم على أجسامهم, وقد يشعرون أيضا بعدم القدرة على مواجهة مطالب النضج الجنسي، وفقدان الشهية والتي قد تعوق عملية الحيض عند المراهقات وتجعل الخصائص الجنسية الثانوية أقل وضوحا وبروزا.
وتشير الدراسات في هذا المجال إلى أن آباء المراهقة التي تعاني من فقدان الشهية عادة ما كانوا يتسمون بالسيطرة الحازمة والنظام والتنظيم الزائد أثناء فترة الطفولة، لدرجة أن حدث اضطراب عند الطفلة في بناء معنى للهوية والثقة في قدرتها على اتخاذ قراراتها بنفسها.
ومن الواضح أن الوزن الزائد عن الحد أو الوزن الأقل عن الحد، قد يسبب مشكلات خطيرة، وأحيانا فسيولوجية تهدد حياة الفرد، وبالتالي تكون الحاجة ملحة إلى الرعاية الطبية المتخصصة والعلاج النفسي, وبسبب علاقات الوالد والطفل المضطربة وغير المنتظمة والتي تتضمن المشكلات المرتبطة بنمو الاعتماد على النفس والنضج الجنسي، فإن العلاج والإرشاد النفسي يلعب دورا رئيسيا، وأي برنامج علاجي أو إرشادي يجب أن يتضمن المساهمات الأبوية الفعالة.
وبطبيعة الحال فقد يعاني المراهقون أنواعا مختلفة من الاضطرابات النفسية، والتي قد تتضمن المخاوف والرهاب، FEARS & FOBIA, رهاب المدرسة الأهجسة والقهر، على الرغم من أن هذه الاضطرابات عادة ما تنتشر بين الأطفال أكثر من انتشارها بين المراهقين. كما أن نسبة قليلة من المراهقين قد يعانون من بعض الاضطرابات الحادة مثل فصام المراهقة، والذهان التسممي TOXIC PSYCHOSIS
العلاج والإرشاد النفسي للمراهقين:
يحتاج المعالج والمرشد النفسي سواء الذي يعمل بالعلاج النفسي الفردي أو الجماعي إلى تدريب خاص، خاصة الذي يتعامل مع المراهقين.
بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون لديه القدرة على حب المراهقين ويتصف بالدفئ العاطفي والمرونة والصراحة والأمانة، والقدرة على إبداء الرأي، وعدم التحيز والثقة بالنفس والقدرة على وضع حدود بدون عدوانية، وافتقار الدفاعات الشخصية.
والمراهقون لديهم بصيرة أكثر من الأطفال في إدراك الأشياء الزائفة واستغلالها ومع ذلك، فإن اتسم المعالج أو المرشد النفسي بالاعتدال ولا يقلل من إمكانات المراهق حينئذ يمكن أن ينمي شعورا بالثقة والاحترام، ويظل المراهق أيضا في حاجة إلى أن يجعل ذلك واضحا بدرجة كبيرة من قبل المعالج, والمعالج الناجح ذو الفعالية يجب أن يكون مرنا، على استعداد لكي ينتقل من الاستماع إلى التساؤل، إلى إعادة التأكيد، وتوضيح الحقيقة، إلى التفسير، حتى إلى الجدل وإلى وضع الحدود عندما يكون ذلك ضروريا، فالمراهقون ذووا الاضطراب الانفعالي يحتاجون إلى فرض حدود خارجية عليهم نتيجة حالاتهم المضطربة، فهم عادة لا يكونون على مقدرة في أن يضعوا حدودا لأنفسهم.
ويجب أن نضع في أذهاننا -في نفس الوقت- الصراع من أجل الاستقلال، حيث إن بناء الاستقلالية تعتبر مهمة نمائية حرجة بالنسبة للمراهق, ولهذا فإن المعالج أو المرشد النفسي يجب أن يكون منتبها لأخطار السماح بالاستقلالية الطفولية أثناء مرحلة العلاج أو الإرشاد حتى لا يصبح بديلا للصراع الضروري تجاه الاستقلالية الكاملة والاعتماد على الذات، إن إحساس المراهق بهوية محددة واضحة ما تزال في طور النمو، وما تزال غير محددة واضحة المعالم، ومن هنا فالمعالج أو المرشد النفسي كالأب الحكيم يجب أن يكون حذرا من الميول الخادعة وبالتالي يكون عرضة في أن يخلط بين هوية المراهق وهوية الشباب، أو أن يطول فترة العلاج أو الإرشاد بصورة غير ملائمة.
وبإيجاز، فعلى الرغم من اختلاف الأدوار بصورة حتمية في عدد من الجوانب الهامة، فإن الأب الفعال والمعالج والمرشد النفسي الفعال يتقاسمون عددا من الخصائص الضرورية، فكل منهم يحتاج إلى أن يكون جديرا بثقة المراهق واحترامه، كما يحتاج كل منهم إلى إظهار ثقته واحترامه للمراهق كإنسان متفرد، بالإضافة إلى ذلك فإن كلا منهم يحتاج إلى أن يكون ذا سلطة دون استبداد أو تحكم، أو فوضوية، وعادلا وكل
منهم يحتاج إلى أن يكون قادرا على وضع حدود عندما تكون ضرورية ويتسم بالثقة ولا يتسم بالعدوانية، وكذلك إدراك حاجة المراهق الملحة نحو الاستقلال، وعموما فإن كلا العملين ليس سهلا، إلا أن كليهما سوف يكون أقل صعوبة بالنسبة لهؤلاء الأفراد الذين حقيقة يحبون المراهق.