هتم أتباع هذه النظرية بالنموّ المعرفي كأساس لجوانب النمو الأخرى, ومنها اللغة "فاللغة نتائج مباشر للنمو المعرفي"، ويعتبرون أنَّ مراحل النمو حلقات مختلفة تقوم على عدم الاستمرارية, فلكلٍّ طبيعتها، وكذلك يعتقدون بأن النمو حصيلة التفاعل بين الفرد والبيئة، ومن بين الذين أسهموا في النظرية المعرفية في تفسير النمو اللغوي ما يلي:
أ- جان بياجيه:
وتمثِّل نظرية "جان بياجيه" الأساس الذي تقوم عليه النظرية المعرفية النمائية, ورغم أن النظرية في حد ذاتها تهتم بطبيعة النمو المعرفي خاصَّة, إلَّا أنها لا تغفل التكامل العضوي بين جوانب النمو بصفة عامة، وقد يكون من الخطأ أن نرى في هذه النظرية انفرادًا بالجانب المعرفي دون الجوانب الأخرى.
ويعتبر "بياجيه" أن النمو بجميع جوانبه يخضع للتفاعل بين الفرد بمكوناته وبين البيئة بعناصرها، فرغم اتفاق الأفراد فيما يتعرَّضون له من خبرات مادية واجتماعية, إلّا أن ما يتميز به كلٌّ منهم من خصائص وقدرات تجعل ناتج التفاعل من هذه الخبرات متباينًا كيفًا وكمًّا. ويقع النمو المعرفي عند "بياجيه" في مراحل متتالية متباينة يمكن تمييزها عن طريق التعرُّف على محتوى كل مرحلة من التراكيب والأبنية المعرفية، وتشير التراكيب المعرفية ببساطة إلى أساليب التعامل مع البيئة، ولذا نجد أن كل مرحلة تختلف عن غيرها من المراحل في أسلوب اكتساب الخبرة واستيعابها، كما يختلف الأفراد فيما بينهم بخصوص ما يتكوَّن لديهم من أبنية معرفية. "محمد رفقي، 1987".
ولقد كان بياجيه piaget من أبرز الباحثين الذين ربطوا نمو اللغة بالنمو المعرفي, فعندما يكون الطفل مخططًا معرفيًّا فإنّه يستطيع تطبيق المدلول اللغوي
عليه "gormly, 1997, 192". ففي المرحلة الحسية الحركية senorimotor تبدأ بذور اللغة في البزوغ؛ حيث يتم استدخال السلوك اللغوي في عمليات التفكير؛ إذ يرى بياجيه أن اللغة يمكن أن تتطوَّر من نهاية المرحلة الحس حركية, وذلك عندما يبدأ التمثّل الداخلي للأشياء والذاكرة، وبمجرد أن يصبح الطفل قادرًا على استخدام اللغة ليتعلَّم أشياء مختلفة عن العالم فإنه يتخطَّى الذكاء الحس حركي؛ حيث يتضمَّن استخدام اللغة القدرة على إدارك الرموز, وتقوم الكلمة مقاوم ما تشير إليه. أما في مرحلة ما قبل العمليات، يرى بياجيه أن الأطفال في هذا السن تواجههم صعوبة في استخدام اللغة في الاتصال؛ إذ كان استخدامها لهذا الغرض يتطلّب منهم القيام بدور المستمع, والتكيف مع الرسالة التي يودون نقلها إليه, حتى يضعوا في اعتبارهم ما الذي قد لا يعرفه الشخص الذي يتحدثون إليه. كما يرى أن الأطفال في مرحلة ما قبل العمليات ينغمسون في الحوار الذاتي حين يتخيلون أنهم يتحدثون إلى شخصٍ ما على الطرف الآخر, وهو ما يطلق عليه الحديث المتمركز حول الذات، وبمجرَّد أن يصبح الحديث اجتماعيًّا بدرجة أكبر, فإن هذه الحوارات الذاتية تختفي, وقرب نهاية فترة ما قبل المدرسة يكتمل نمو اللغة من الناحية العملية, وتتطور المهارات اللغوية وتصبح متناسقة ومعدَّة للقيام بالنطق السليم الذي يختصر أو يختزل المعنى الذي يقصده المتكلّم بطريقة تجعل من الممكن بالنسبة للمستمع أن يحل مثل هذه الشفرة بحدّ أدنى من سوء الفهم. "ج. تيرنر: 1992، 86-87، 136-137".
وجوهر النظرية المعرفية عند بياجيه هو ارتقاء الكفاءة اللغوية كنتيجة للتفاعل بين الطفل والبيئة، وبالرغم من أن أنصار "بياجيه" لا يدَّعون أن النظرية المعرفية في الارتقاء يمكن اعتبارها أيضًا نظرية صريحة في تفسير النمو اللغوي، إلّا أنها مع ذلك تتضمَّن المفاهيم والعلاقات الوظيفية الأساسية التي تسمح لها بالقيام بالدور التفسيري في هذا المجال. والنظرية المعرفية وإن كانت تعارض فكرة "تشومسكي" في وجود تنظيمات موروثة تساعد على تعلُّم اللغة، إلّا أنها في الوقت نفسه لا تتفق مع نظرية التعلُّم في أن اللغة تكتسب عن طريق التقليد والتدعيم لكلمات وجمل معينة ينطق بها الطفل في سياقات موقفية، فاكتساب اللغة في رأي "بياجيه" ليس عملية تشريطية بقدر ما هو وظيفة إبداعية.
إن اكتساب التسمية المبكرة للأشياء والأفعال قد تكون نتيجة التقليد والتدعيم, ولكن "بياجيه" يفرِّق ما بين الكفاءة والأداء, وهو أحد محاور نظرية "تشومسكي", فالأداء في صورة التركيبات التي لم تستقر بعد في حصيلة الطفل اللغوية، وقبل أن تكون قد وقعت نهاية تحت سيطرته التامَّة، يمكن أن تنشأ نتيجة التقليد، إلّا أن الكفاءة لا تكتسب إلّا بناءً على تنظيمات داخلية تبدأ أولية، ثم يعاد تنظيمها بناءً على تفاعل الطفل مع البيئة الخارجية المعرفية، ولكن عندما يتحدَّث "بياجيه" عن تنظيمات داخلية, فإنه لا يعني في الوقت نفسه ما يقصده "تشومسكي" من وجود نماذج التركيب اللغوي, أو القواعد اللغوية, بقدر ما يعني وجود استعداد للتعامل مع الرموز اللغوية التي تعبّر عن مفاهيم تنشأ خلال تفاعل الطفل مع البيئة, منذ المرحلة الأولى وهي المرحلة الحسية الحركية. "محمد عماد إسماعيل 1986".
ب- فيجوتسكي:
ومن ناحية أخرى: قدَّم فيجوتسكي vygotsky رأيًا مختلفًا؛ إذ يعتقد أن اللغة والفكر ينشآن على مرحلتين مختلفتين:
المرحلة قبل العقلية preinllectual: ويطلق عليها أحيانًا فكر ما قبل اللغة.
والمرحلة قبل اللغوية preinllectual stage: ويطلق عليها أيضًا كلام ما قبل العمليات العقلية.
وفي سن العامين يلتقي هذان الخطَّان التطوريان باندماج اللغة والفكر كلما اقترب الطفل من مرحلة ما قبل العمليات, وهنا يتأثَّر فكر الطفل بما يريد أن يقوله، وفضلًا عن ذلك تساعد اللغة الطفل على ترتيب أفكاره وتوصيلها وجود بعض جوانب استقلال كلٍّ من اللغة والفكر, واستمرار هذه الاستقلالية. وتشير التجارب إلى أنَّ فكر ما قبل اللغة يقع في مرحلة النشاط الحسي الحركي، ويستمر الطفل بعد هذه المرحلة إلى استخدام الصور الذهنية والمهارات الحركية mobor skills في الأعمال العملية، وقد يؤدي التعلُّم عن طريق الحفظ عن ظهر قلب learning heart دون استيعاب المعنى إلى كلام ما قبل العمليات الفكرية. "فيصل الزراد: 1990، 75-76".
ويعتقد فيجوتسكي أن التفكير نشاط يعتمد على الكلام الداخلي "التحدث إلى النفس"، والكلام الخارجي "التحدث مع الآخرين"، وهذا التوحُّد بين اللغة والفكر يساعد على تفسير سرعة استخدام الأطفال لمفردات جديدة في وقتٍ يشتد فيه حب الاستطلاع حول الناس والأشياء. ويبدو أنه خلال وقت قليل يكون الطفل قد تعلَّم الكلام ولديه كثيرًا ما يقوله, وبينما يعتقد بياجيه أن اللغة هي ظاهرة للنمو المعرفي، يعتقد فيجوتسكي أن اللغة والمعرفة يتطوران تطورًا منفصلًا "gormly, 1997, 192".
نظرة تكاملية لتفسير اكتساب ونمو اللغة:
من العرض السابق يتضح أن النظريات السابقة في تفسير اكتساب اللغة ونموِّها قد اتخذت موقفًا تنافسيًّا في انتقاداتها لأصحاب النظريات الأخرى, والأفضل الأخذ بوجهة نظر تكاملية لتفسير هذا السلوك المعقَّد؛ لأنه لم يثبت إلى الآن أنَّ منحًى واحدًا نجح بمفرده في تفسير النمو اللغوي. وهذا الاتجاه التكاملي يطلق على أصحاب أنصار النظريات التفاعلية أمثال: بركو berko، إرفن ervin عام "1964"، براون brown عام "1973" الذين قبلوا النظرة العقلية في تطور ونمو اللغة, ولكنهم ركَّزوا على طرق تعلُّم الطفل لقواعد اللغة، ورفضوا وجهة النظر التعلُّمية التي ترى أن الطفل يكتسب اللغة بالتقليد والممارسة، فهم يجادلون بأن الطفل الذي يقلّد الكبار بطريقة سليمة لا يكون قادرًا بالضرورة على إثبات فهمه للقواعد اللغوية النحوية، لذا فهم يركّزون في دراساتهم لتطور اللغة على الطريقة التي يكتسب بها الأطفال المفاهيم.
ولكننا نرى أن آراء سكينر وبندورا وتشومسكي وبياجيه يجب أن تتكامل لتفسير كيفية اكتساب اللغة ونموها، فمن الواضح أننا نتعاطف مع الميل الارتقائي للغة، فهو الذي يمدّنا بالأساس الفطري الكامن للغة، ولكن قد نتعلّم لغتنا نتيجة للجوانب اللغوية الأساسية الخاصة, من خلال الإشراط الإجرائي operant conditioning، ومن خلال التعلُّم بالملاحظة observational learning، ومن ناحية أخرى لا نغفل أثر البيئة التي يعيش فيها الطفل ويترعرع في وسطها.
وعلى هذا: فلكي نتكلم ونكتسب اللغة لا بُدَّ من استعداد فطري ولادي يعمل كأساسٍ تُبْنَى عليه هذه المهارة؛ حيث إن كل أطفال العالم يتكلَّمون اللغة في مراحل متشابهة ومتتابعة، وأن حدوث تعطّل نمائي في أي مرحلة من المراحل يؤثر سلبيًّا على كفاءة اكتساب ونمو اللغة. بالإضافة لذلك: فلا يمكن إنكار دور البيئة وما تقدمه للطفل من تنبيهات مختلفة لنمو اللغة, ومن المتوقَّع أن الطفل إذا تجاوز المراحل الأولى لاكتساب اللغة دون وجود تنبيهات ومثيرات اجتماعية لغوية, أو نماذج يمكن محاكاتها، كانت البيئة فقيرة من الناحية اللغوية، مما لا شكَّ فيه أن مثل هذا الطفل سيصاب بتدهور الوظيفة اللغوية عند الكبر. "جمعة يوسف: 124".
أ- جان بياجيه:
وتمثِّل نظرية "جان بياجيه" الأساس الذي تقوم عليه النظرية المعرفية النمائية, ورغم أن النظرية في حد ذاتها تهتم بطبيعة النمو المعرفي خاصَّة, إلَّا أنها لا تغفل التكامل العضوي بين جوانب النمو بصفة عامة، وقد يكون من الخطأ أن نرى في هذه النظرية انفرادًا بالجانب المعرفي دون الجوانب الأخرى.
ويعتبر "بياجيه" أن النمو بجميع جوانبه يخضع للتفاعل بين الفرد بمكوناته وبين البيئة بعناصرها، فرغم اتفاق الأفراد فيما يتعرَّضون له من خبرات مادية واجتماعية, إلّا أن ما يتميز به كلٌّ منهم من خصائص وقدرات تجعل ناتج التفاعل من هذه الخبرات متباينًا كيفًا وكمًّا. ويقع النمو المعرفي عند "بياجيه" في مراحل متتالية متباينة يمكن تمييزها عن طريق التعرُّف على محتوى كل مرحلة من التراكيب والأبنية المعرفية، وتشير التراكيب المعرفية ببساطة إلى أساليب التعامل مع البيئة، ولذا نجد أن كل مرحلة تختلف عن غيرها من المراحل في أسلوب اكتساب الخبرة واستيعابها، كما يختلف الأفراد فيما بينهم بخصوص ما يتكوَّن لديهم من أبنية معرفية. "محمد رفقي، 1987".
ولقد كان بياجيه piaget من أبرز الباحثين الذين ربطوا نمو اللغة بالنمو المعرفي, فعندما يكون الطفل مخططًا معرفيًّا فإنّه يستطيع تطبيق المدلول اللغوي
عليه "gormly, 1997, 192". ففي المرحلة الحسية الحركية senorimotor تبدأ بذور اللغة في البزوغ؛ حيث يتم استدخال السلوك اللغوي في عمليات التفكير؛ إذ يرى بياجيه أن اللغة يمكن أن تتطوَّر من نهاية المرحلة الحس حركية, وذلك عندما يبدأ التمثّل الداخلي للأشياء والذاكرة، وبمجرد أن يصبح الطفل قادرًا على استخدام اللغة ليتعلَّم أشياء مختلفة عن العالم فإنه يتخطَّى الذكاء الحس حركي؛ حيث يتضمَّن استخدام اللغة القدرة على إدارك الرموز, وتقوم الكلمة مقاوم ما تشير إليه. أما في مرحلة ما قبل العمليات، يرى بياجيه أن الأطفال في هذا السن تواجههم صعوبة في استخدام اللغة في الاتصال؛ إذ كان استخدامها لهذا الغرض يتطلّب منهم القيام بدور المستمع, والتكيف مع الرسالة التي يودون نقلها إليه, حتى يضعوا في اعتبارهم ما الذي قد لا يعرفه الشخص الذي يتحدثون إليه. كما يرى أن الأطفال في مرحلة ما قبل العمليات ينغمسون في الحوار الذاتي حين يتخيلون أنهم يتحدثون إلى شخصٍ ما على الطرف الآخر, وهو ما يطلق عليه الحديث المتمركز حول الذات، وبمجرَّد أن يصبح الحديث اجتماعيًّا بدرجة أكبر, فإن هذه الحوارات الذاتية تختفي, وقرب نهاية فترة ما قبل المدرسة يكتمل نمو اللغة من الناحية العملية, وتتطور المهارات اللغوية وتصبح متناسقة ومعدَّة للقيام بالنطق السليم الذي يختصر أو يختزل المعنى الذي يقصده المتكلّم بطريقة تجعل من الممكن بالنسبة للمستمع أن يحل مثل هذه الشفرة بحدّ أدنى من سوء الفهم. "ج. تيرنر: 1992، 86-87، 136-137".
وجوهر النظرية المعرفية عند بياجيه هو ارتقاء الكفاءة اللغوية كنتيجة للتفاعل بين الطفل والبيئة، وبالرغم من أن أنصار "بياجيه" لا يدَّعون أن النظرية المعرفية في الارتقاء يمكن اعتبارها أيضًا نظرية صريحة في تفسير النمو اللغوي، إلّا أنها مع ذلك تتضمَّن المفاهيم والعلاقات الوظيفية الأساسية التي تسمح لها بالقيام بالدور التفسيري في هذا المجال. والنظرية المعرفية وإن كانت تعارض فكرة "تشومسكي" في وجود تنظيمات موروثة تساعد على تعلُّم اللغة، إلّا أنها في الوقت نفسه لا تتفق مع نظرية التعلُّم في أن اللغة تكتسب عن طريق التقليد والتدعيم لكلمات وجمل معينة ينطق بها الطفل في سياقات موقفية، فاكتساب اللغة في رأي "بياجيه" ليس عملية تشريطية بقدر ما هو وظيفة إبداعية.
إن اكتساب التسمية المبكرة للأشياء والأفعال قد تكون نتيجة التقليد والتدعيم, ولكن "بياجيه" يفرِّق ما بين الكفاءة والأداء, وهو أحد محاور نظرية "تشومسكي", فالأداء في صورة التركيبات التي لم تستقر بعد في حصيلة الطفل اللغوية، وقبل أن تكون قد وقعت نهاية تحت سيطرته التامَّة، يمكن أن تنشأ نتيجة التقليد، إلّا أن الكفاءة لا تكتسب إلّا بناءً على تنظيمات داخلية تبدأ أولية، ثم يعاد تنظيمها بناءً على تفاعل الطفل مع البيئة الخارجية المعرفية، ولكن عندما يتحدَّث "بياجيه" عن تنظيمات داخلية, فإنه لا يعني في الوقت نفسه ما يقصده "تشومسكي" من وجود نماذج التركيب اللغوي, أو القواعد اللغوية, بقدر ما يعني وجود استعداد للتعامل مع الرموز اللغوية التي تعبّر عن مفاهيم تنشأ خلال تفاعل الطفل مع البيئة, منذ المرحلة الأولى وهي المرحلة الحسية الحركية. "محمد عماد إسماعيل 1986".
ب- فيجوتسكي:
ومن ناحية أخرى: قدَّم فيجوتسكي vygotsky رأيًا مختلفًا؛ إذ يعتقد أن اللغة والفكر ينشآن على مرحلتين مختلفتين:
المرحلة قبل العقلية preinllectual: ويطلق عليها أحيانًا فكر ما قبل اللغة.
والمرحلة قبل اللغوية preinllectual stage: ويطلق عليها أيضًا كلام ما قبل العمليات العقلية.
وفي سن العامين يلتقي هذان الخطَّان التطوريان باندماج اللغة والفكر كلما اقترب الطفل من مرحلة ما قبل العمليات, وهنا يتأثَّر فكر الطفل بما يريد أن يقوله، وفضلًا عن ذلك تساعد اللغة الطفل على ترتيب أفكاره وتوصيلها وجود بعض جوانب استقلال كلٍّ من اللغة والفكر, واستمرار هذه الاستقلالية. وتشير التجارب إلى أنَّ فكر ما قبل اللغة يقع في مرحلة النشاط الحسي الحركي، ويستمر الطفل بعد هذه المرحلة إلى استخدام الصور الذهنية والمهارات الحركية mobor skills في الأعمال العملية، وقد يؤدي التعلُّم عن طريق الحفظ عن ظهر قلب learning heart دون استيعاب المعنى إلى كلام ما قبل العمليات الفكرية. "فيصل الزراد: 1990، 75-76".
ويعتقد فيجوتسكي أن التفكير نشاط يعتمد على الكلام الداخلي "التحدث إلى النفس"، والكلام الخارجي "التحدث مع الآخرين"، وهذا التوحُّد بين اللغة والفكر يساعد على تفسير سرعة استخدام الأطفال لمفردات جديدة في وقتٍ يشتد فيه حب الاستطلاع حول الناس والأشياء. ويبدو أنه خلال وقت قليل يكون الطفل قد تعلَّم الكلام ولديه كثيرًا ما يقوله, وبينما يعتقد بياجيه أن اللغة هي ظاهرة للنمو المعرفي، يعتقد فيجوتسكي أن اللغة والمعرفة يتطوران تطورًا منفصلًا "gormly, 1997, 192".
نظرة تكاملية لتفسير اكتساب ونمو اللغة:
من العرض السابق يتضح أن النظريات السابقة في تفسير اكتساب اللغة ونموِّها قد اتخذت موقفًا تنافسيًّا في انتقاداتها لأصحاب النظريات الأخرى, والأفضل الأخذ بوجهة نظر تكاملية لتفسير هذا السلوك المعقَّد؛ لأنه لم يثبت إلى الآن أنَّ منحًى واحدًا نجح بمفرده في تفسير النمو اللغوي. وهذا الاتجاه التكاملي يطلق على أصحاب أنصار النظريات التفاعلية أمثال: بركو berko، إرفن ervin عام "1964"، براون brown عام "1973" الذين قبلوا النظرة العقلية في تطور ونمو اللغة, ولكنهم ركَّزوا على طرق تعلُّم الطفل لقواعد اللغة، ورفضوا وجهة النظر التعلُّمية التي ترى أن الطفل يكتسب اللغة بالتقليد والممارسة، فهم يجادلون بأن الطفل الذي يقلّد الكبار بطريقة سليمة لا يكون قادرًا بالضرورة على إثبات فهمه للقواعد اللغوية النحوية، لذا فهم يركّزون في دراساتهم لتطور اللغة على الطريقة التي يكتسب بها الأطفال المفاهيم.
ولكننا نرى أن آراء سكينر وبندورا وتشومسكي وبياجيه يجب أن تتكامل لتفسير كيفية اكتساب اللغة ونموها، فمن الواضح أننا نتعاطف مع الميل الارتقائي للغة، فهو الذي يمدّنا بالأساس الفطري الكامن للغة، ولكن قد نتعلّم لغتنا نتيجة للجوانب اللغوية الأساسية الخاصة, من خلال الإشراط الإجرائي operant conditioning، ومن خلال التعلُّم بالملاحظة observational learning، ومن ناحية أخرى لا نغفل أثر البيئة التي يعيش فيها الطفل ويترعرع في وسطها.
وعلى هذا: فلكي نتكلم ونكتسب اللغة لا بُدَّ من استعداد فطري ولادي يعمل كأساسٍ تُبْنَى عليه هذه المهارة؛ حيث إن كل أطفال العالم يتكلَّمون اللغة في مراحل متشابهة ومتتابعة، وأن حدوث تعطّل نمائي في أي مرحلة من المراحل يؤثر سلبيًّا على كفاءة اكتساب ونمو اللغة. بالإضافة لذلك: فلا يمكن إنكار دور البيئة وما تقدمه للطفل من تنبيهات مختلفة لنمو اللغة, ومن المتوقَّع أن الطفل إذا تجاوز المراحل الأولى لاكتساب اللغة دون وجود تنبيهات ومثيرات اجتماعية لغوية, أو نماذج يمكن محاكاتها، كانت البيئة فقيرة من الناحية اللغوية، مما لا شكَّ فيه أن مثل هذا الطفل سيصاب بتدهور الوظيفة اللغوية عند الكبر. "جمعة يوسف: 124".