علم النفس والمخابرات 1 ، تأليف: د. عمر هارون الخليفة
التاريخ: 14 يونيو 2000
الجاسوسية حلقة مفقودة يلفها غموض لا ينتهي ، موسكو استخدمت 300 ألف جاسوس في ذروة قوتها تهدف هذه المحاولة البحثية بصورة محددة الى دراسة العالم السري لتطبيقات علم النفس الكبرى في مجال المخابرات. وأنه لأمر مشروع بالإدلاء بشهادة عن حسن أو سوء توظيف علم النفس. إن البحث في هذا المجال الغامض أو السري قد يثير تساؤل البعض: ما هي علاقة الباحث بالمخابرات؟ يحملني هذا السؤال للقول بصورة واضحة بأني لست عميلا أو جاسوسا أو متعاونا مع أي من المخابرات من قريب أو بعيد ولم أكن كذلك. ولكني أدرك الدور المهم الذي يقوم به علم النفس في مجال الاستخبارات. ويعتبر التجسس ثاني اقدم مهنة بعد الدعارة ولا أدري لماذا كانتا أقدم مهنتين على وجه الأرض. ويعتقد البعض مثلا, فولكمان بأنها ثالث مهنة. وتكتسب السمعة السيئة الرديئة نفسها التي اكتسبتها المهنتان التاريخيتان السابقتان عليهما, كما قال أحد المؤرخين, فإن التجسس كان إحدى ثلاث مهن بدائية ظهرت في بداية التجربة الإنسانية على هذا الكوكب: الشامان, والجاسوس والعاهرة. وتختلف مسألة تحديد أي من تلك المهن التي اكتسبت سمعة رديئة أكثر من غيرها باختلاف الآراء وليس هناك اختلاف في الرأي, مع ذلك, حول أي من المهن التي اكتسب سمعة أشد غموضا. جاسوس لكل اللغات وهناك تسميات متشابهة لكلمة (جاسوس) في اللغات الأجنبية. فهي بالفرنسية (ايسبيون) , وبالإنجليزية (سباي) , وبالإيطالية (سبيوني) , وبالأسبانية (ايسبيون) , وبالروسية (شبيون) , وبالألمانية (سبيون) . وفي اللغة العربية قد تستخدم تسمية (المخبر) أو (العميل) أو (رجل الاستخبارات) أو (رجل المخابرات) وهم كلهم جواسيس. ويأتي هذا (الجاسوس) أو (الجاسوسة) من كل أوساط المجتمع بمختلف طبقاته الاجتماعية ومستوياته التعليمية والمهنية والأخلاقية. قد يكون (الجاسوس) طالبا أو بروفسوراً في جامعة, جنديا أو ضابطا في الشرطة, مراسلا أو وزيرا في وزارة, ممرضا أو طبيبا في مستشفى, نادلا أو مديرا لمطعم, مضيفا أو قبطانا في طائرة, عاملا أو مالكا لفندق, محررا أو مالكا لصحيفة, مذيعا أو رئيسا للتلفزيون, حارسا أو سفيرا في سفارة. قد يكون (الجاسوس) رئيسا لدولة وعميلا في الوقت نفسه لمخابرات أجنبية. قد يأتي (الجاسوس) من أسرة مفككة مصدعة وقد يأتي من أسرة متماسكة ومحافظة اجتماعيا. قد يكون الجاسوس بدوام كلي أو جزئي وقد يكون عميل مزدوج, جاسوس مع بلده وجاسوس ضد بلده في الوقت نفسه. قد تكون (الجاسوسة) سكرتيرة حسناء فائقة الجمال وقد تكون قبيحة لا تلفت الانتباه إلا بقبحها ربما تنفع لأعمال الستر أو التغطية. وقد يكون (الجاسوس) أباك أو أمك, أخاك أو أختك, زوجك أو زوجتك, خالك أو عمك, صديقك أو زميلك, جارك أو رئيسك, وقد تدري أو لا تدري بأنه (جاسوس) أو (جاسوسة) شيطانا أو ملاكا. وقد يكون (الجاسوس) أنت الذي يقرأ هذا الكتاب فما يميزك من الصفات أعلاه ويا ترى لماذا أصبحت (جاسوسا) ؟ ومع تشابه تسميات (جاسوس) في اللغات المختلفة هناك تشابه في ردود الأفعال نحو الجواسيس بالرغم من اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والمهنية والعلمية والأخلاقية. وحتى في هذه الأيام في وقت جعلت مؤسسات التجسس الوطنية المتعددة عملية التجسس حقيقة راسخة, فإن كلمة (الجاسوس) ما زالت كلمة غير لطيفة. وهذا هو السبب الذي جعل مؤسسات التجسس تفضل أن تطلق على نفسها وكالة استخبارات. ومهما اعترفت الملاحظات الساخرة السياسية الحديثة بضرورة الحاجة إلى استطلاع متطفل على أفراد معينين في عالم محفوف بالأخطار, فإن التجسس ليس مهنة يفضلها الآباء لأبنائهم. صحيح جدا بأن هناك غموض وعقبات كبيرة أمام دراسة موضوع مستور ومحجوب يرتبط بتطبيقات علم النفس الميدانية أو العملية في عمل الجواسيس والمخبرين ولكن مع ذلك الستر والاحتجاب هناك أهمية لمحاولة المغامرة في دراسة هذا الموضوع الشائك. فهناك غياب لهذه العينة من الدراسات في المكتبة العربية. صحيح جدا بأن هناك بعض الكتب عن الحرب النفسية, وبعض الأفلام أو المسلسلات عن الجاسوسية, وبعض الروايات عن الجواسيس, وبعض التغطيات الصحفية عن موضوعات شتى عن عالم المخابرات. ولكن في حدود علم الباحث ليس هناك بحث عربي موضوعي يعالج تطبيقات علم النفس في مجال المخابرات. يقع عالم التجسس بين الحقيقة الصعبة والخيال الغريب. عرفناه في شخصية لورنس العرب المحيرة والغامضة, وكذلك في شخصيات جون فيليبي وايليا كوهين, ورأفت الهجان. وفي هذا المجال أخذتنا روايات أجاثا كرستي إلى عالم بوليسي ملئ بالأعمال القذرة يتجلى فيها بطل خارق يكشف عن المجرمين, ويعمل كمحقق وعميل وجاسوس في آن واحد. وجاءت روايات الجاسوس ارسين لوبين لتظهر شخصية الجاسوس المحببة والذكية, وكذلك روايات جيمس بوند التي انتقلت إلى السينما وذاع صيتها في جميع أنحاء العالم, وبات العميل رقم 007 مثلا للصغار والمراهقين وموضع اهتمام الكبار وإعجابهم (بوست, 1990). في تقديري, فإن جزءا مهما من معركة اليوم السياسية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية تقع في قلب عملية التجسس. وتبرز المعالجة السينمائية أو الروائية الممتازة لهذه الشخصيات وتوضح من غير شك الدور الكبير لعالم التجسس عامة. عموما كانت هناك زيادة في مساحة حرية المعالجة للأعمال السينمائية والروائية المرتبطة بموضوع المخابرات وذلك لأن هذه الأعمال تقدم الحقيقة بلغة أدبية وربما بقدر من الغموض والتمويه والإثارة. ولكن عندما يعالج موضوع الاستخبارات بصورة مكشوفة وعلنية من خلال أعمال أكاديمية أو مذكرات صارخة تقل مساحة الحرية المتاحة. صائد الجواسيس أدى انكشاف أجهزة الاستخبارات إلى اهتمام الرأي العام بها, وقد حاولت الحكومة البريطانية عبثا منع نشر كتاب (صائد الجواسيس) , وهو يتحدث عن مذكرات ضابط سابق من جهاز الاستخبارات يدعى بيتر رايت, واستنفرت أجهزة الجمارك في المطارات والمواني البريطانية وبدأت عملية تفتيش لا مثيل لها للقادمين, وخاصة من أمريكا. فقد خرجت لندن عن وقارها المزعوم وديمقراطيتها العريقة لتشن حملة واسعة لكتاب (صائد الجواسيس) . وتجاهلت إسرائيل هذا الدرس وحاولت عام 1990 وقف نشر كتاب لضابط سابق في الموساد هو فكتور أوستروفسكي في الولايات المتحدة وكندا وفشلت أيضا. لا تستطيع المجتمعات الديمقراطية أن تصمد بثبات في وجه الضغوط من أجل محاسبة ومراقبة أجهزتها السرية, ويعتبر هذا صحيحا عندما تتوجه جهود الاستخبارات نحو مواطني الدولة وليس نحو الجيوش الأجنبية أو الجواسيس. ولكن مع هذه الضغوط الموجهة نحو الاستخبارات فلقد قام ماركس بنشر أهم كتاب على الاطلاق عن استخدام المخابرات المركزية الأمريكية لعلم النفس وهو كتاب (مرشح إنسان منشوريا) وذلك في حدود المباح أو الحرية المقيدة في مراجعة بعض وثائق المخابرات. ولقد ذكرنا (بعض) لأنه تم رفض مراجعة البعض الآخر. في تقديري, إن الحرب الحالية بين الأمم, خاصة المتقدمة أو الصناعية ستكون حرب معلومات أو حرب مخبرين أو حرب جواسيس, وليس حرب اقتتال وبندقية وكلاشنكوف في كل الأوقات. فكيف يا ترى يمكننا فهم هذه الحلقة المهمة من حلقات الصرع الدولي؟ بدأت الدراسات الأكاديمية, على حسب قول بلاك وموريس تهتم بما عرف أنه (الحلقة المفقودة) التي بدونها لا يمكن فهم السياسة ولا الحرب ولا الدبلوماسية ولا العلاقات الدولية بشكل صحيح. وكانت الولايات المتحدة الرائدة في هذا المجال, وذلك على الرغم من انفتاحها الواضح في موضوع الاستخبارات. ومع ذلك فقد حدث تقدم معتبر في بلدان أخرى, ففي بريطانيا أشار بعض المؤرخين من أمثال كريستوفر أندرو الى أنه يمكن أن تحاط الأبحاث العميقة والأعمال الجادة ببعض القيود السخيفة والتافهة بحجة الأمن القومي. وهكذا تتزايد المؤتمرات الدولية والندوات والنشرات مثل بيروقراطيات الاستخبارات والأمن. في القرن العشرين جرى نشر جيوش من الجواسيس خلال فترة من التاريخ تميزت بحروب مستمرة إلى حد كبير. وكلما كانت هناك حروب كان هناك جواسيس أيضا. ولو عرفنا أن الاتحاد السوفيتي استخدم أكثر من 300000 جاسوس في ذروة قوته, وأن الولايات المتحدة استخدمت جيشا من الجواسيس أقل من هذا الرقم بقليل, فربما يمكننا أن نعرف مدى عمق جذور التجسس في بنية الحضارة الحديثة. وأطلق على هذا القرن في بعض الأحيان قرن الجواسيس والسبب في ذلك هو أن الرغبة الدائمة في الحصول على المعلومات عند الدول الصناعية الحديثة أوجدت جيوشا من الجواسيس الذين قاموا بمثل هذا الدور الحاسم في مجرى تاريخ العالم. وهناك بعض الجواسيس كانت لأفعالهم تأثيرات دراماتيكية على التاريخ وهؤلاء هم الرجال والنساء الذين أثروا على نحو مباشر على مصير الإمبراطوريات والشعوب وحتى التاريخ نفسه. فيا ترى كم من الجواسيس العرب من كان له هذا التأثير؟ ربما لا يمكننا معرفة ذلك نتيجة لصعوبات البحث في العالم السري للمخابرات من جهة ومن جهة ثانية عزوف أو لامبالاه أو رفض علماء النفس العرب البحث السيكولوجي في هذا المجال الاستراتيجي. وعلى الرغم من استراتيجية هذا المجال و جوهريته أو لبابيته ينظر أحد علماء النفس العرب أنه من القشور. قد يرفض بعض علماء النفس العرب تقبل الفكرة القائلة بالتزاوج بين الاستعمار وعلم النفس, وبين الحرب وعلم النفس, وبين المخابرات وعلم النفس. ولكن مهما كان الرفض فهناك علاقات شائكة التداخل, ومعقدة التفاعل بين هذه القوى. إذ تحتاج هذه العلاقات لملاحظة فاحصة لتحديد مخالب علم النفس وتحتاج لقراءة ناقدة لكشف الحساب, ولشحن أو لتعزيز فيض من الذكريات لأخذ الدروس والعبر منها. ويمكن القول بأن روح الاستعمار والإمبريالية ذات المخالب الحادة قد سرت في أوردة وشرايين علم النفس, وأن عظمة وعملقة علم النفس تقف من خلفها المخابرات بدعمها السخي لتطور مفاهيمه, ونظرياته, ومناهجه, وتقانته لكي يكون أكثر حدة في مخالبه. فيا تري متى يصل علماء النفس العرب إلى تلك النقطة المحددة التي يقبلون فيها سوء استخدام علمهم بواسطة رفقائهم من علماء النفس في جزء آخر من العالم؟ والسؤال المحير هو كيف نقرأ وندرس ونبحث في علم النفس دون الإحساس بهذه السيطرة؟ مع العلم بأن الإحساس باب مهم من أبواب علم النفس العام ! أو دون الإحساس بعملية التحكم مع العلم بأن هناك ثلاثة أهداف مركزية لعلم النفس من بينها الضبط أوالتحكم. وإنه لأمر عجب, إذ أن كبرياء بعض علماء النفس العرب لا تود أن تجرح علم النفس الغربي بأي مخالب, مع أن اسكنر نفسه عبر عن تجريح مخالب علم النفس لحرية وكرامة الإنسان, وحسب تعبيره فان الناس قد تم التلاعب بهم. ويعترف عالم الإنسان مالينوسكي قائلا وبعد عشرين عاما من العمل الانتروبولوجي وجد نفسه كما كانت, في موقفها الخاص, بمحاولة لدراسة الإنسان بطريقة تسئ للانسان, تجرح إنسانيته, تماما كما جرحت الفيزياء والكيمياء والطبيعيات الطبيعة في السنوات السابقة. إن المحاولة الهروبية لدفن الرؤوس في الرمال من عدم المواجهة, أو النظرة البريئة الوديعة لتطبيقات علم النفس, والقول بأنه علم طاهر, وعفيف, ونقي, وتقي, هي من العوامل التي حولت علم النفس في العالم العربي لكي يكون بلا لون, وبلا رائحة, وبلا طعم وفوق كل ذلك بلا مخالب. مفارقات و يعتمد هذا البحث على النظرة القائلة بأن واحدا من أهم جوانب التطبيقات العالمية لعلم النفس وضوحا هو المفارقة بين عملية التطبيق بالجملة, والتطبيق بالقطاعي وبـ المخالب الحادة و باللامخالب. وتعني العملية الأولى الاستخدام الأشمل أو الأوسع أو الأكبر لعلم النفس في السياسة الدولية, وخاصة في الاستعمار والحرب الباردة بقصد التحكم, واستخدامه في المخابرات بصورة خفية ومستورة, بينما تعني الثانية الاستخدام الأصغر لعلم النفس في المجال التربوي, والعلاجي, والمهني. وتبعا لهذا التعريف يبدو أن علماء النفس في الغرب في حالة من الاستعداد المهني لتطبيق علم النفس بفعالية بالجملة (الماكرو), وبالقطاعي (المايكرو) على السواء. وبتعبير آخر, فأنه استخدام مزدوج يقوم بكلا الدورين, أو يلعب على الحبلين بصورة واعية وهادفة. لذلك كانت نتائج علم النفس في الغرب أكبر من طموحاته لأنه يقوم بأداء كل من الفرائض, والنوافل بجدة. وبالمقابل ربما يمكن القول بأن هناك عدم تهيئة نفسية لعلماء النفس في العالم العربي بتطبيق علم النفس بفعالية حتى على مستوى القطاعي (المايكرو) أو لا يقوم علم النفس بأداء حتى النوافل بوجهها الأكمل. وتبعا لعدم التهيئة النفسية لم ينجح علم النفس في العالم العربي بتحقيق طموحاته المذكورة في مقدمات كتبه وهي: الفهم, والتنبؤ, والتحكم. وجانب ثان من جوانب المفارقة هو محاولة علماء النفس العرب شرنقة علم النفس داخل قوقعة صغيرة لا تسمن ولا تغني من جوع, وهذه الشرنقة جعلت علماء النفس العرب يتعرضون أكثر من أي مجموعة أخرى من علماء النفس في العالم لعملية غسيل الدماغ بعلم النفس نفسه, مما عزز زيادة التهميش وتعميق الهزائم النفسية في العالم العربي. ومن جهة أخرى, ساعدت هذه الرؤية الضيقة والتقليصية لعلم النفس على حصول انتصارات لصالح قوى تعرف كيف تطبق علم النفس بصورة فائقة الفائدة. وجانب ثالث من جوانب المفارقة في تأسيس علم النفس بأن وزارات الدفاع وأجهزة المخابرات في الدول الغربية هي التي تصدر القرارات أو تبادر بتطور علم النفس وتطبيقاته في مجال الاختيار والتدريب وتمول الأبحاث للأغراض الدفاعية الكبرى ويختار لها أكفاء علماء النفس وأعرق الجامعات ومراكز البحوث بينما لا علاقة واضحة لعلم النفس في العالم العربي بأغراض الدفاع ولا ندري إذا كانت هناك مخابرات عربية واحدة تقدم بحثا لتطور علم النفس أو لتطبيقاته. أو حتى تعين علماء نفس كاملي الدوام أو تستقطب علماء وجواسيس من أقسام علم النفس. وجانب رابع من جوانب المفارقة هو ممانعة علماء النفس في الغرب من الالتزام بالمعايير الأخلاقية لتطبيقات علم النفس وتبعا لذلك يتم تطبيقه في كثير من الأحيان بصورة إجرامية, وتسامح علماء النفس العرب بمراعاة هذه المعايير وتطبيق علم النفس بصورة مثالية. وفي هذا الجانب أقتبس ما عبر عنه اسكنر بقوله إن تكنولوجيا السلوك تعتبر من الناحية الأخلاقية محايدة ويمكن استخدامها من جانب المجرمين أو القديسين. وبكلمات أخرى, إن رؤية الشفقة والرحمة لدى علماء النفس العرب تقابلها في أحايين كثيرة رؤية القسوة والعدوانية عند علماء النفس في الغرب. ولكي نفهم طبيعة العلاقة بين التطبيق بالجملة, والتطبيق بالقطاعي هناك أهمية لتتبع تاريخ علم النفس الضارب بجذوره العميقة في الاستعمار, خاصة ارتباطه بالامبراطوريتين : الألمانية, والبريطانية. ويعتمد البحث على النظرة القائلة بأن مفاهيم ونظريات ومناهج علم النفس بلغة أنثروبولوجية, هي عبارة عن أسلاف غائرة في الاستعمار, وبلغة نباتية, أن زهرة علم النفس المعاصرة تقف على جذور شجرة عميقة في الامبريالية. وهناك أهمية لأن ندرس طبيعة الحلف بين علم النفس وعلم الانسان وتهليلهما للتحكم والسيطرة وزيادة قبضة الغرب على اللاغرب. إن هذا التهليل ساعد على تعزيز مخالب علم النفس بصورة حادة ومبرمجة واستراتيجية. لذلك لا بد من سبر هذه الأغوار الاستعمارية, والجذور الامبريالية لمخالب علم النفس. أولا بوسعنا القول أنه من غير قراءة عميقة غائصة في تاريخ علم النفس وتأسيسه البحت في ألمانيا, وتأسيسه التطبيقي في بريطانيا, وتطوره التعلمي الكلاسيكي في روسيا, وارتقائه الإمبريالي لقمة إفرست في امريكا, سوف نفشل في تحديد علاقة علم النفس الاستراتيجية بالحرب الباردة, وهو هدف مركزي للدراسة الحالية. وثانيا بوسعنا القول كذلك بأنه من غير قراءة ذكية لعلاقة علم النفس بالمخابرات البريطانية والأمريكية, ولأبحاث غسيل الدماغ, والقياس النفسي, والتنويم المغناطيسي, والباراسيكولوجيا, وتقانة التجسس, والحرب النفسية, ومعرفة القوة الخفية وراء تمويل هذه الأبحاث سوف نفشل في فك شفرة من شفرات مخالب علم النفس في استخدامه المستور في المخابرات. وثالثا بوسعنا القول كذلك انه من غير قراءة موسوعية لمعرفة دور مخالب علم النفس في إطار العلاقات العربية الإسرائيلية من خلال معرفة مخالب علم النفس في اختيار وتدريب الجواسيس, وكيفية صياغة الحرب النفسية, وتنظيم العمليات الإرهابية, واستغلال الجمعيات العالمية السيكولوجية, وتنميط الشخصية العربية, والإغتيالات بواسطة الموساد سوف نفشل في وعي أو تشخيص بعض أسباب الهزائم النفسية أمام إسرائيل بمخالب حادة. ورابعا بوسعنا القول أنه من غير قراءة دقيقة لأهداف علم النفس كما هي في كتب المقدمات, ومعرفة بعض قضايا البحث السيكولوجي في العالم العربي سوف نفشل في تحديد ما المقصود بالتحكم بالقطاعي و اللامخالب في علم النفس وهو هدف مركزي للدراسة الحالية. وسوف تكون رؤيتنا في هذا الكتاب رؤية تاريخية في مجملها ترتبط بـتاريخ علم النفس لكي نؤكد لعلماء النفس العرب ونحدد كما نفصل الاثباتات التاريخية لعلاقة علم النفس بالاستعمار والحرب الساخنة والباردة وبالمخابرات