سيكولوجية الشائعة محمد أحمد النابلسي
في بداية كتابه "سيكولوجية الشائعة" الصادر في العام الماضي يشير الدكتور النابلسي إلى علاقة السياسة بالعلوم الإنسانية والنفسية بصورة خاصة، ليجد أن السياسة قد نجحت في توظيف هذه العلوم لصالحها، ويتخذ من "الشائعة" مثالا على هذا التوظيف بغرض التأثير في قطاعات واسعة من الرأي العام الداخلي، أو الحرب النفسية لتحقيق مكاسب بعيدا عن الأعمال العسكرية القتالية ضد العدو الخارجي.
ويعود المؤلف إلى التاريخ فيروي أمثلة على الاستخدام من قبيل تجربة عقار "مصل الحقيقة" لانتزاع الاعترافات، وهي التجربة التي قام بها أحد عملاء المخابرات عام 1953، وكذلك يروي عن تجارب إنتاج العباقرة عبر أبحاث الهندسة الوراثية في زمن النازية، ومن بعدها المخابرات المركزية الأمريكية، ويشير إلى" إشاعة " عن بعض الجهود السوفيتية في إطار الحرب النفسية .
يعود النابلسي إلى الأدبيات الكلاسيكية التي تناولت " سيكولوجية الشائعة" وأهمها على الإطلاق كتاب بنفس الاسم لمؤلفه " جوردون ألبورت" ومساعدة " ليو بوستمان " وهو كتاب يعتمد على نظرية "الجشتالت" – الألمانية بالأساس في علم النفس، والتي تذهب إلى أن إدراك الأشياء والجزئيات والتفاصيل إنما ينمو إلى أن يضعها في نظام كلي يجمعها ويؤلف بينها ليرسم صورة من البساطة والانتظام تريحنا من توتر الحيرة والمتابعة، وطبقا لهذا الأسلوب في التفكير والتحليل فإن الشائعة تنبثق لتشرح المواقف الصعبة أو الغامضة أو حتى الهامة التي لا يوجد لها تفسير آخر معلن ومنطقي.
" كارل يونغ " الباحث النفسي صاحب المدرسة العلمية المسماة باسمه يذهب لأن الإثارة العاطفية جزء ضروري من مناخ نشوء وانتشار الشائعة فالأفراد القلقون ينشرون الشائعة بحماس أكبر بكثير من الآمنين والمستقرين.
ومن حكايات "الأطباق الطائرة" إلى الشائعات حول محتويات شطائر الهامبرغر في مطاعم "ماكدونالد" تنتشر الأقاويل هنا وهناك، وحتى منذ الشائعة التي أطلقها "نيرون" بأن المسيحيين في روما هم الذين تحولوا إلى كباش فداء لجريمة "نيرون" (هل تعتقد مثلي أن هذه القصة تكررت كثيرا؟!!!)
وجنكيز خان تمكن من الانتصار على خصومه بالشائعات التي صورت جيشه مثل أسراب الجراد التي لا يوقفها شيء، و "شارل مارتل" انتصر على جيش المسلمين بقيادة "عبد الرحمن الغافقي" بنشر شائعة عن أن الغنائم التي يجمعها العرب تتعرض للسلب والنهب فترك الجند مواقعهم لحماية غنائمهم، فانهزموا !!!
و"الشائعة" في تعريف الباحث هي قضية أو عبارة نوعية مقدمة وقابلة للتصديق والتناقل دون ذكر مصدرها أو تدقيق صحتها، وهي بالتالي نوع من الاتصال –بالمعنى الإعلامي– ولكنه يجري لنقل محتوى خاطئ لرسالة تنتشر.
ويذكر المؤلف أنواعا للشائعات منها :
الزاحفة: وهي التي تنتشر ببطيء شديد وسرية تامة .
الاندفاعية: وهي تنتشر بسرعة فائقة، وغالبا ما تكون متعلقة بكوارث طبيعية أو حروب .
الغاطسة: وهي التي تنتشر في ظروف معينة ثم تنتشر ثم تعود نفس الظروف المماثلة لولادتها .
الآملة: وهي التي تحاول إشاعة بعض الآمال في أجواء القهر واليأس.
الخيانة: وهي أكثر ما تحدث في زمن الحروب، وتكون فائقة الغموض .
التمييزية: وهي التي تحمل موقفا من طائفة أو أثنية أو ديانة أو مذهب أو أيدلوجية .
المتحولة: وهي التي تعتمد على معلومة صحيحة جزئيا ولكن يجري تحويرها لتصبح شيئا آخر تماما .
التخويفية: وتنتشر في المناخات الباعثة على الفزع والرعب .
بعد ذلك يتناول الباحث بالحديث مواصفات ومؤهلات النجاح للشائعة فيؤكد أن الأنجح هي القائمة على تشويه واقعة حدثت فعلا، ولكن مع إعادة إنتاجها، وكذلك الشائعات المستندة إلى سوابق حقيقية أو التي ثبت نجاحها من قبل، ومؤهلة لإعادة الطرح والتكرار، وكذلك إشاعات التنبؤ بالمستقبل، والشائعة الأسطورية، التي تتقاطع أو تتفق مع اللاشعور الجمعي أي الثقافة الكامنة السائدة في مجتمع ما، أو ما يمكن تسميته المزاج العام .
ويتناول الكاتب صورة أخرى من صور الشائعات أو إنتاجات "اللاشعور الجمعي، وهي " النكتة "، (ولعلنا نعود إليها في مرة قادمة لأنها تستحق التفصيل) ثم يبحث النابلسي عن دوافع نشر الشائعة لدى الأفراد فيذكر الرغبة في جذب الانتباه، والظهور في صورة العليم بمواطن الأمور، وكذلك الرغبة في دفع القلق أو مقاومته أو محاولة السيطرة عليه، وهناك أيضا دافع الاعتداء أي الرغبة في إيقاع الأذى بالآخرين، ودافع بعث الثقة في النفس أو إثارة الشفقة، ودافع الميل إلى التوقع والاستباق، أو دافع تقديم المعروف أو الجميل.
ثم يعدد الباحث الآثار الناجمة عن الشائعات ويذكر أمثلة من العراق في زمن صدام وما قيل عن المقابر الجماعية، ويفرد المؤلف فصلا كاملا عن شائعات حرب الخليج واحتلال العراق، التي يرى أنها حرب شائعات بامتياز .
في بداية كتابه "سيكولوجية الشائعة" الصادر في العام الماضي يشير الدكتور النابلسي إلى علاقة السياسة بالعلوم الإنسانية والنفسية بصورة خاصة، ليجد أن السياسة قد نجحت في توظيف هذه العلوم لصالحها، ويتخذ من "الشائعة" مثالا على هذا التوظيف بغرض التأثير في قطاعات واسعة من الرأي العام الداخلي، أو الحرب النفسية لتحقيق مكاسب بعيدا عن الأعمال العسكرية القتالية ضد العدو الخارجي.
ويعود المؤلف إلى التاريخ فيروي أمثلة على الاستخدام من قبيل تجربة عقار "مصل الحقيقة" لانتزاع الاعترافات، وهي التجربة التي قام بها أحد عملاء المخابرات عام 1953، وكذلك يروي عن تجارب إنتاج العباقرة عبر أبحاث الهندسة الوراثية في زمن النازية، ومن بعدها المخابرات المركزية الأمريكية، ويشير إلى" إشاعة " عن بعض الجهود السوفيتية في إطار الحرب النفسية .
يعود النابلسي إلى الأدبيات الكلاسيكية التي تناولت " سيكولوجية الشائعة" وأهمها على الإطلاق كتاب بنفس الاسم لمؤلفه " جوردون ألبورت" ومساعدة " ليو بوستمان " وهو كتاب يعتمد على نظرية "الجشتالت" – الألمانية بالأساس في علم النفس، والتي تذهب إلى أن إدراك الأشياء والجزئيات والتفاصيل إنما ينمو إلى أن يضعها في نظام كلي يجمعها ويؤلف بينها ليرسم صورة من البساطة والانتظام تريحنا من توتر الحيرة والمتابعة، وطبقا لهذا الأسلوب في التفكير والتحليل فإن الشائعة تنبثق لتشرح المواقف الصعبة أو الغامضة أو حتى الهامة التي لا يوجد لها تفسير آخر معلن ومنطقي.
" كارل يونغ " الباحث النفسي صاحب المدرسة العلمية المسماة باسمه يذهب لأن الإثارة العاطفية جزء ضروري من مناخ نشوء وانتشار الشائعة فالأفراد القلقون ينشرون الشائعة بحماس أكبر بكثير من الآمنين والمستقرين.
ومن حكايات "الأطباق الطائرة" إلى الشائعات حول محتويات شطائر الهامبرغر في مطاعم "ماكدونالد" تنتشر الأقاويل هنا وهناك، وحتى منذ الشائعة التي أطلقها "نيرون" بأن المسيحيين في روما هم الذين تحولوا إلى كباش فداء لجريمة "نيرون" (هل تعتقد مثلي أن هذه القصة تكررت كثيرا؟!!!)
وجنكيز خان تمكن من الانتصار على خصومه بالشائعات التي صورت جيشه مثل أسراب الجراد التي لا يوقفها شيء، و "شارل مارتل" انتصر على جيش المسلمين بقيادة "عبد الرحمن الغافقي" بنشر شائعة عن أن الغنائم التي يجمعها العرب تتعرض للسلب والنهب فترك الجند مواقعهم لحماية غنائمهم، فانهزموا !!!
و"الشائعة" في تعريف الباحث هي قضية أو عبارة نوعية مقدمة وقابلة للتصديق والتناقل دون ذكر مصدرها أو تدقيق صحتها، وهي بالتالي نوع من الاتصال –بالمعنى الإعلامي– ولكنه يجري لنقل محتوى خاطئ لرسالة تنتشر.
ويذكر المؤلف أنواعا للشائعات منها :
الزاحفة: وهي التي تنتشر ببطيء شديد وسرية تامة .
الاندفاعية: وهي تنتشر بسرعة فائقة، وغالبا ما تكون متعلقة بكوارث طبيعية أو حروب .
الغاطسة: وهي التي تنتشر في ظروف معينة ثم تنتشر ثم تعود نفس الظروف المماثلة لولادتها .
الآملة: وهي التي تحاول إشاعة بعض الآمال في أجواء القهر واليأس.
الخيانة: وهي أكثر ما تحدث في زمن الحروب، وتكون فائقة الغموض .
التمييزية: وهي التي تحمل موقفا من طائفة أو أثنية أو ديانة أو مذهب أو أيدلوجية .
المتحولة: وهي التي تعتمد على معلومة صحيحة جزئيا ولكن يجري تحويرها لتصبح شيئا آخر تماما .
التخويفية: وتنتشر في المناخات الباعثة على الفزع والرعب .
بعد ذلك يتناول الباحث بالحديث مواصفات ومؤهلات النجاح للشائعة فيؤكد أن الأنجح هي القائمة على تشويه واقعة حدثت فعلا، ولكن مع إعادة إنتاجها، وكذلك الشائعات المستندة إلى سوابق حقيقية أو التي ثبت نجاحها من قبل، ومؤهلة لإعادة الطرح والتكرار، وكذلك إشاعات التنبؤ بالمستقبل، والشائعة الأسطورية، التي تتقاطع أو تتفق مع اللاشعور الجمعي أي الثقافة الكامنة السائدة في مجتمع ما، أو ما يمكن تسميته المزاج العام .
ويتناول الكاتب صورة أخرى من صور الشائعات أو إنتاجات "اللاشعور الجمعي، وهي " النكتة "، (ولعلنا نعود إليها في مرة قادمة لأنها تستحق التفصيل) ثم يبحث النابلسي عن دوافع نشر الشائعة لدى الأفراد فيذكر الرغبة في جذب الانتباه، والظهور في صورة العليم بمواطن الأمور، وكذلك الرغبة في دفع القلق أو مقاومته أو محاولة السيطرة عليه، وهناك أيضا دافع الاعتداء أي الرغبة في إيقاع الأذى بالآخرين، ودافع بعث الثقة في النفس أو إثارة الشفقة، ودافع الميل إلى التوقع والاستباق، أو دافع تقديم المعروف أو الجميل.
ثم يعدد الباحث الآثار الناجمة عن الشائعات ويذكر أمثلة من العراق في زمن صدام وما قيل عن المقابر الجماعية، ويفرد المؤلف فصلا كاملا عن شائعات حرب الخليج واحتلال العراق، التي يرى أنها حرب شائعات بامتياز .