سلوك المساعدة: طبيعته وأصوله
سلوك المساعدة ظاهرة مركبة تتداخل فيها المعايير، والعمليات النفسية، والأخلاق، والأوضاع الاجتماعية التي تحدث فيها، كما أنه قضية كبرى، وليس ظاهرة نفسية فقط حيث له تأثيرات عميقة في حياة الأفراد والجماعات. والمساعدة من القيم السائدة في المجتمعات الإنسانية عامة.
المعايير وسلوك المساعدة:
يتعلم الأطفال في كل الثقافات وفي سن مبكر معايير مهمة تتعلق بسلوك المساعدة.
معيار التبادلية:
يشير إلى التوقعات التي لدى الأفراد عن ضرورة مساعدة من يساعدهم وإلحاق الضرر بمن يلحق بهم الضرر.
سلوك المساعدة: طبيعته وأصوله
المعايير وسلوك المساعدة:
معيار المسئولية الاجتماعية:
يقررأن الفرد يجب أن يساعد الأفراد الذين يعتمدون عليه.
معيار المساواة:
الأفراد يجب أن يكافئوا على جهودهم وأن لا يتضرروا إلا إذا بررت أفعالهم ذلك، ويستند هذا المعيار الاعتقاد الشائع الذي أسماه ليرنر فرضية العالم العادل.
ولا تعني الإشارة إلى المعايير أن هذه المعايير تسبب السلوك أو تفسره، فهناك الكثير من المعايير التي يعيها الأفراد لكنها لا تؤثر في سلوكهم إلا تحت شروط معينة. وتكمن أهمية المعايير في أنها تمثل إطارا مرجعيا يفسر الفرد من خلالها المواقف وعلاقته بها.
سلوك المساعدة: طبيعته وأصوله
الوراثة (الجينات) وسلوك المساعدة:
الفكرة الرئيسة هي أن أي نشاط بشري هدفه زيادة فرص انتقال الجينات واستمرارها من جيل إلى آخر، وذلك لأن الجينات أساس بقاء النوع. ويمكن القول بأن هذه الصياغات الفرضية عاجزة حتى الآن عن تقديم أدلة إمبيريقية تؤيدها، مع العلم أن الأدلة التي تقدمها الفرضيات البديلة أكثر سهولة ووضوحا ومباشرة، حيث تبين أن سلوك المساعدة يمكن خفضه وزيادته بتوفير الظروف الملائمة لذلك. وقد بينت نظرية التعلم الاجتماعي أن البشر مهيئون للاكتساب والتعلم والتغير أكثر مما هم مهيئون للاستجابة بطرق محددة بيولوجيا. فسلوك البشر عبارة عن أفعال كلية هادفة وليس ردود أفعال جزئية.
سلوك المساعدة: طبيعته وأصوله
المساعدة كحدث سلوكي:
شيوع المساعدة كقيمة لا يعني بالضرورة أنها تحدث بالدرجة نفسها، كحدث سلوكي، أو للأسباب نفسها. وسلوك المساعدة سلوك متوافق اجتماعيا. والسلوك المتوافق اجتماعيا هو أي سلوك يحمل قيمة إيجابية في مجتمع ما. وأهم معيار موضوعي لتعريف سلوك المساعدة هو النية. فسلوك المساعدة يُعَرَّف بأنه فعل يهدف إلى إفادة أو نفع كائن آخر. ويرد مصطلح الإيثار أحيانا ويُقصد به سلوك المساعدة.
سلوك المساعدة: طبيعته وأصوله
تعلم المساعدة:
قدمت نظرية التعلم الاجتماعي أشمل إطار نظري علمي لأصول سلوك المساعدة، والسلوك المتوافق اجتماعيا بعامة. فالفرد يتعلم من النماذج كيفية القيام بالسلوك، كما أنهم يذكرونه بالمعايير المرتبطة بهذا السلوك، ويشعرونه بقدرته على القيام به، ويتلقى من خلالهم معلومات عن نتائج السلوك الذي يقومون به. كل ذلك تتضمنه خبرات التعلم بالملاحظة (التعلم بالخبرة النائبة أو التعلم البديل).
أثر سلوك الآخرين على قيام الفرد بالمساعدة:
وجدت إحدى الدراسات أن نسبة من قدموا المساعدة زادت بمقدار 50% عند من شاهدوا قيام نموذج بتقديم المساعدة مقارنة بمن لم يشاهدوا النموذج.
سلوك المساعدة: طبيعته وأصوله
تعلم المساعدة بملاحظة نتائجها على من يقومون بها:
تؤكد نظرية التعلم الاجتماعي على أهمية فهم وإدراك الفرد لنتائج سلوك النماذج عليه. فقد بينت إحدى الدراسات أن الأفراد يتأثرون بالمعلومات التي يتلقونها عن نتائج قيام الآخرين بالمساعدة. فملاحظة نتائج سلبية عن تقديم المساعدة يؤدي إلى خفض وتيرته، والعكس عند ملاحظة نتائج إيجابية، فقد أدت المكافأة إلى زيادة السلوك في الموقف وبعد أسبوع كامل.
أثر المتفرج:
يشير أثر المتفرج إلى الأثر السلبي لحضور الآخرين على تقديم المساعدة.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
الشروط النفسية لتقديم المساعدة في مواقف الطوارئ:
تتصف مواقف الطوارئ بخصائص تجعلها، من الناحية النفسية، تختلف عن غيرها من مواقف الحياة اليومية. ويلخص نموذج لاتين ودارلي الشروط النفسية لحدوث المساعدة في سلسلة من خمسة أحداث:
الانتباه للموقف؛
تفسير الموقف على أنه موقف طوارئ يتطلب المساعدة؛
الشعور بمسئولية التدخل أو المساعدة؛
الاعتقاد بالقدرة والمعرفة اللازمتين لتقديم المساعدة في هذا الموقف؛
اتخاذ قرار المساعدة، وذلك يعتمد على ثقة الفرد ودافعيته.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
الشروط النفسية لتقديم المساعدة في مواقف الطوارئ (تابع):
ركز تحليل لاتين ودارلي على أثر وجود الآخرين على ’تعريف الموقف‘ وعلى ’توزع المسئولية‘. ففي مواقف الطوارئ يبحث الفرد عما يدله على طبيعة ما يحدث. ويعد سلوك الآخرين وتعبيراتهم من أهم المؤشرات بالنسبة للفرد في الموقف. فوجود عدد من الناس في موقف ما يتصرفون كأن كل شيء يسير بصورة طبيعية يؤدي إلى تعريف الموقف على أنه موقف عادي. وبما أن الناس لا يودون الاستجابة بانفعال كبير ثم يتضح أنهم على خطأ، فإن هذا الميل قد يُوجد ما يسمى ’بالتجاهل الجمعي‘.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
الشروط النفسية لتقديم المساعدة في مواقف الطوارئ (تابع):
والأهم من ذلك ما أسماه لاتين ودارلي ’انتشار المسئولية‘، حيث يقلل وجود أفراد آخرين في موقف الطوارئ من احتمال شعور أي منهم بالذنب أو الخوف من عواقب عدم تقديم المساعدة، كما يؤدي إلى حكم خاطئ بأن أحدا ما سيفعل شيئا حيال المشكلة التي يعاني منها المكروب. وبهذا تنخفض مسئولية كل فرد بزيادة عدد الأفراد الذين يحضرون موقف الطوارئ، ويقل احتمال تدخله. وقد تبين من عدة تجارب (انظر/ي ص ص 368-370) أن وجود الآخرين يقلل بالفعل من احتمال تدخل الفرد للمساعدة في مواقف الطوارئ.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
الشروط النفسية لتقديم المساعدة في مواقف الطوارئ (تابع):
أثر النماذج على تقديم المساعدة:
تركز الاقتراحات التي قدمتها دراسات أثر المتفرج على كيفية تأثير وجود الآخرين على استعداد الفرد للمساعدة، وليس على مجرد وجودهم. فوجود شخص آخر يبادر بتقديم المساعدة سيؤدي إلى إقدام الآخرين على تقديمها (زيادة وتيرة سلوك المساعدة لا خفضه). ووجود الآخرين يؤثر في سلوك الفرد من خلال تأثيره في الخطوات الخمس التي يجب حدوثها قبل تقديم المساعدة.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
أثر العزو على سلوك المساعدة:
يشير مفهوم المسئولية في تفسير نظرية العزو لسلوك المساعدة إلى إدراك الفرد لأسباب الضيق الذي تعاني منه الضحية. يرى واينر أن استجابة الفرد لمعاناة الآخر تعتمد على إدراكه أو تفسيره لنوع الأسباب التي أدت إلى حاجته أو ضيقه.
العزو والمساعدة عندما تُقدّم معلومات:
الناس عموما لا يساعدون من يعتقدون أنهم لا يساعدون أنفسهم.
العزو والمساعدة عندما لا تُقدّم معلومات سببية:
عندما لا تقدم معلومات عن أسباب مشكلة الشخص الذي يحتاج إلى المساعدة، فإن الفرد سيتوصل إلى تفسير سببي بناء على أي معلومات متوفرة عن خصائص الموقف. وهنا يأتي دور المخطوطات السببية، ومخطوطات السلوك والأشخاص والقواعد الحدسية في الاستدلال.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
أثر العزو على سلوك المساعدة:
خطأ العزو الأساس والمساعدة:
عندما لا تقدم معلومات عن أسباب مشكلة من يحتاج المساعدة، وعندما لا توجد أمارات موقفية يستشف منها الفرد تلك الأسباب، فقد يعمل خطأ العزو الأساس، وهو ميل الأفراد إلى عزو سلوك الآخرين أو ما يحدث لهم إلى خصائصهم الشخصية ونياتهم. وهذا يعني أن قدرا من عدم تقديم المساعدة أو التردد فيها يمكن إرجاعه إلى خطأ العزو الأساس. ولكن إذا تمكن المرء من النظر إلى المشكلة من منظور الشخص الآخر فسيؤدي ذلك إلى خفض أثر الفاعل-الملاحظ، وزيادة المساعدة.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
حياة المدينة والغمر المعلوماتي وسلوك المساعدة:
تتسم الحياة في المدن الكبرى بكثرة وتنوع الأحداث والأشخاص والاهتمامات اليومية والمثيرات المادية. ويرى ميلغرام أن هناك قيودا على دافع المساعدة في أي مدينة كبرى تنتج من كثافة وتنوع المعلومات مما يؤدي إلى تطوير الأفراد لاستراتيجيات معالجة معلوماتية تحد من كم المعلومات التي يعالجها الفرد. من تلك الاستراتيجيات:
التمييز بين المعلومات ذات الأولوية العالية والأولوية المنخفضة، والتركيز على النوع الأول؛
التعود على قضاء وقت أقصر في الانتباه لكل وحدة معلوماتية، وربما إهمال بعضها؛
تخفيف حدة المعلومات بتقييد الاهتمام ببعض الأفراد على الأقل في حدود التفاعلات العارضة.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
حياة المدينة والغمر المعلوماتي وسلوك المساعدة (تابع):
هناك أدلة مسحية وتجريبية على أن الاستجابة لنفس طلبات المساعدة تكون أعلى في الأرياف منها في المدن المزدحمة. ولكن هذا لا يعني أن حياة المدن الكبرى تخفض من حساسية المرء لمعاناة الآخرين، أو تقلل من استعداده للتعاطف معهم (انظر/ي تجربة قطار الأنفاق)، ولكن تنتج تلك الفروق من اختلاف استراتيجيات معالجة المعلومات التي تتطور في ظل ظروف الحياة في المدن الكبرى عن تلك التي تتطور في ظل ظروف حياة القرى أو مراكز التجمع البشري المحدود. وقد بينت تجربة واينر المختبرية أن التعامل مع مهام متعددة في الوقت نفسه أدى فعلا إلى انخفاض التدخل لمساعدة شخص آخر في موقف طوارئ. وهذا يشير إلى أن الحياة في المدن الكبرى قد تخفض من وتيرة سلوك المساعدة عبر تأثير خصائص تلك الحياة على استراتيجات معالجة المعلومات.
تفاعل العمليات الذهنية والعاطفية في المساعدة
تأثر المزاج على المساعدة:
هناك علاقة دالة بين المزاج (وعلى وجه الخصوص الشعور بالسعادة أو بالحزن) وسلوك المساعدة. لكن هذه الظاهرة أكثر تعقيدا مما تبدو لأول وهلة. فقد لا يؤدي المزاج الإيجابي أحيانا إلى زيادة وتيرة سلوك المساعدة، وقد يؤدي المزاج السلبي إلى زيادة أكبر في وتيرة سلوك المساعدة من المزاج الإيجابي أو المحايد.
تفاعل العمليات الذهنية والعاطفية في المساعدة
تأثر المزاج على المساعدة (تابع):
المزاج الإيجابي والمزاج السلبي والمساعدة:
الأحداث الإيجابية تجعل الأفراد أكثر قابلية للاستجابة لحاجات الآخرين ومساعدتهم. ولكن هل الخبرات السارة هي ما يجعل الأفراد أكثر قابلية لبذل المساعدة أم أن للمزاج وحده، بغض النظر عن أسبابه، تأثير إيجابي على سلوك المساعدة؟ (الأحداث الإيحابية تؤدي إلى المزاج الإيجابي). وقد وجد آيزن وليفن للحالة المزاجية التي ليس لها علاقة بنوع المساعدة المطلوبة ولا بموقفها أثرا على نسبة الموافقة على تقديمها. وعلى الرغم من أن الأحداث الإيجابية يمكن أن تكون أحداثا حياتية بسيطة إلا أن النتائج الموضوعية تبين أن لها أثرا إيجابيا على سلوك المساعدة. كما بينت دراسات عديدة أن الأحداث الحياتية السلبية وإن كانت بسيطة لها تأثيرات سلبية على صحة الفرد. كيف نفسر النتائج المتناقضة لتأثير الحالة المزاجية السلبية كانت والإيجابية على سلوك المساعدة؟
تفاعل العمليات الذهنية والعاطفية في المساعدة
تأثر المزاج على المساعدة (تابع):
المزاج الإيجابي والمزاج السلبي يزيدان المساعدة ولكن لأسباب مختلفة:
يمكن تفسير النتائج المتناقضة لتأثير الحالة المزاجية الإيجابية والسلبية على المساعدة من خلال فرضية إدارة المزاج التي تعتمد على فرضية عامة مفادها أن الأفراد يديرون حالتهم المزاجية في حياتهم اليومية. حسب هذه الفرضية، تزداد المساعدة أو تقل حسب نوع الحادثة التي أدت إلى الحالة المزاجية، وحسب التوقعات المتعلقة بنتائج سلوك المساعدة. فالفرد سيساعد إذا كان سعيدا ما لم يتوقع نتائج سلبية أو خسائر، وسيساعد إذا كانت الحادثة تهدد مشاعر السعادة التي يخبرها. أما في حالة الحزن فإن المساعدة ستزداد إذا كانت ستساعد على تحسين الحالة المزاجية للفرد، أو إذا كان سبب الحزن سلوك الفرد نفسه. وإذا كان موضوع الحزن شخصا آخر فإنه سيزيد من وتيرة سلوك المساعدة أكثر مما لو كان موضوعه الذات (أي الفرد نفسه)، والعكس بالنسبة لمشاعر السعادة.
تفاعل العمليات الذهنية والعاطفية في المساعدة
تأثر المزاج على المساعدة (تابع):
المزاج الإيجابي والمزاج السلبي يزيدان المساعدة ولكن لأسباب مختلفة (تابع):
يرى شاللر وشيالديني أن المزاج السلبي والإيجابي يؤثران على سلوك المساعدة بطرق مختلفة. فبينما يتشابهان في هذا التأثير فإنهما يختلفان في آلياته أو أسبابه. ويعتمد هذا الاختلاف على الوظائف المختلفة التي يخدمها السلوك الناتج من حالات عاطفية مختلفة. فالأفراد عندما يكونون سعداء فإن مصادر الدافعية لديهم تكون أهدافا عليا لا تؤدي إلى المحافظة على وضع عاطفي هيوموستازي (توازن) أو استرجاعه، بل تؤدي إلى المزيد من الاستثارة النفس-اجتماعية-فسيولوجية. أما الأفراد المحزونون فتكون مصادر الدافعية لديهم أهداف يؤدي تحقيقها إلى استعادة التوازن العاطفي. ففرضية المزاج، من وجهة نظر شاللر وشيالديني أكثر انطباقا على الأفراد عندما يكونون في مزاج سيئ.
تفاعل العمليات الذهنية والعاطفية في المساعدة
سلوك المساعدة في الثقافات الجمعية والثقافات الفردانية:
من أكثر الأبعاد النفسية الثقافية شيوعا في الدراسات النفسية الحديثة مفهوم الفردانية-الجمعية وعلاقته بالظواهر السلوكية. ويشير هذا المفهوم إلى اختلاف الثقافات في طبيعة ترابط الفرد-الجماعة. فالثقافات الفردانية تنمي مفهوما للفرد ككيان مستقل، يتصف بمستوى عال من الكفاية الذاتية والاعتماد الذاتي والوعي الذاتي والأهداف الذاتية والتعريف الذاتي للهوية، بينما تنمي الثقافات الجمعية مفهوما للشخص ككيان يرتبط بالجماعة من حيث الأهداف والمعايير وتعريف الذات.
وتشير خلاصة البحوث عبر الحضارية إلى أن سلوك المساعدة يحمل معان مختلفة في الثقافات المختلفة، واكتشاف هذه المعاني سيمكن من زيادة سلوك المساعدة بطرق مختلفة في الثقافات المختلفة. فاستخدام السلطة ورموزها والمعايير الجمعية والأهداف الجمعية في محاولات زيادة سلوك المساعدة قد تكون مؤثرة أكثر في الثقافات الجمعية.
سلوك المساعدة ظاهرة مركبة تتداخل فيها المعايير، والعمليات النفسية، والأخلاق، والأوضاع الاجتماعية التي تحدث فيها، كما أنه قضية كبرى، وليس ظاهرة نفسية فقط حيث له تأثيرات عميقة في حياة الأفراد والجماعات. والمساعدة من القيم السائدة في المجتمعات الإنسانية عامة.
المعايير وسلوك المساعدة:
يتعلم الأطفال في كل الثقافات وفي سن مبكر معايير مهمة تتعلق بسلوك المساعدة.
معيار التبادلية:
يشير إلى التوقعات التي لدى الأفراد عن ضرورة مساعدة من يساعدهم وإلحاق الضرر بمن يلحق بهم الضرر.
سلوك المساعدة: طبيعته وأصوله
المعايير وسلوك المساعدة:
معيار المسئولية الاجتماعية:
يقررأن الفرد يجب أن يساعد الأفراد الذين يعتمدون عليه.
معيار المساواة:
الأفراد يجب أن يكافئوا على جهودهم وأن لا يتضرروا إلا إذا بررت أفعالهم ذلك، ويستند هذا المعيار الاعتقاد الشائع الذي أسماه ليرنر فرضية العالم العادل.
ولا تعني الإشارة إلى المعايير أن هذه المعايير تسبب السلوك أو تفسره، فهناك الكثير من المعايير التي يعيها الأفراد لكنها لا تؤثر في سلوكهم إلا تحت شروط معينة. وتكمن أهمية المعايير في أنها تمثل إطارا مرجعيا يفسر الفرد من خلالها المواقف وعلاقته بها.
سلوك المساعدة: طبيعته وأصوله
الوراثة (الجينات) وسلوك المساعدة:
الفكرة الرئيسة هي أن أي نشاط بشري هدفه زيادة فرص انتقال الجينات واستمرارها من جيل إلى آخر، وذلك لأن الجينات أساس بقاء النوع. ويمكن القول بأن هذه الصياغات الفرضية عاجزة حتى الآن عن تقديم أدلة إمبيريقية تؤيدها، مع العلم أن الأدلة التي تقدمها الفرضيات البديلة أكثر سهولة ووضوحا ومباشرة، حيث تبين أن سلوك المساعدة يمكن خفضه وزيادته بتوفير الظروف الملائمة لذلك. وقد بينت نظرية التعلم الاجتماعي أن البشر مهيئون للاكتساب والتعلم والتغير أكثر مما هم مهيئون للاستجابة بطرق محددة بيولوجيا. فسلوك البشر عبارة عن أفعال كلية هادفة وليس ردود أفعال جزئية.
سلوك المساعدة: طبيعته وأصوله
المساعدة كحدث سلوكي:
شيوع المساعدة كقيمة لا يعني بالضرورة أنها تحدث بالدرجة نفسها، كحدث سلوكي، أو للأسباب نفسها. وسلوك المساعدة سلوك متوافق اجتماعيا. والسلوك المتوافق اجتماعيا هو أي سلوك يحمل قيمة إيجابية في مجتمع ما. وأهم معيار موضوعي لتعريف سلوك المساعدة هو النية. فسلوك المساعدة يُعَرَّف بأنه فعل يهدف إلى إفادة أو نفع كائن آخر. ويرد مصطلح الإيثار أحيانا ويُقصد به سلوك المساعدة.
سلوك المساعدة: طبيعته وأصوله
تعلم المساعدة:
قدمت نظرية التعلم الاجتماعي أشمل إطار نظري علمي لأصول سلوك المساعدة، والسلوك المتوافق اجتماعيا بعامة. فالفرد يتعلم من النماذج كيفية القيام بالسلوك، كما أنهم يذكرونه بالمعايير المرتبطة بهذا السلوك، ويشعرونه بقدرته على القيام به، ويتلقى من خلالهم معلومات عن نتائج السلوك الذي يقومون به. كل ذلك تتضمنه خبرات التعلم بالملاحظة (التعلم بالخبرة النائبة أو التعلم البديل).
أثر سلوك الآخرين على قيام الفرد بالمساعدة:
وجدت إحدى الدراسات أن نسبة من قدموا المساعدة زادت بمقدار 50% عند من شاهدوا قيام نموذج بتقديم المساعدة مقارنة بمن لم يشاهدوا النموذج.
سلوك المساعدة: طبيعته وأصوله
تعلم المساعدة بملاحظة نتائجها على من يقومون بها:
تؤكد نظرية التعلم الاجتماعي على أهمية فهم وإدراك الفرد لنتائج سلوك النماذج عليه. فقد بينت إحدى الدراسات أن الأفراد يتأثرون بالمعلومات التي يتلقونها عن نتائج قيام الآخرين بالمساعدة. فملاحظة نتائج سلبية عن تقديم المساعدة يؤدي إلى خفض وتيرته، والعكس عند ملاحظة نتائج إيجابية، فقد أدت المكافأة إلى زيادة السلوك في الموقف وبعد أسبوع كامل.
أثر المتفرج:
يشير أثر المتفرج إلى الأثر السلبي لحضور الآخرين على تقديم المساعدة.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
الشروط النفسية لتقديم المساعدة في مواقف الطوارئ:
تتصف مواقف الطوارئ بخصائص تجعلها، من الناحية النفسية، تختلف عن غيرها من مواقف الحياة اليومية. ويلخص نموذج لاتين ودارلي الشروط النفسية لحدوث المساعدة في سلسلة من خمسة أحداث:
الانتباه للموقف؛
تفسير الموقف على أنه موقف طوارئ يتطلب المساعدة؛
الشعور بمسئولية التدخل أو المساعدة؛
الاعتقاد بالقدرة والمعرفة اللازمتين لتقديم المساعدة في هذا الموقف؛
اتخاذ قرار المساعدة، وذلك يعتمد على ثقة الفرد ودافعيته.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
الشروط النفسية لتقديم المساعدة في مواقف الطوارئ (تابع):
ركز تحليل لاتين ودارلي على أثر وجود الآخرين على ’تعريف الموقف‘ وعلى ’توزع المسئولية‘. ففي مواقف الطوارئ يبحث الفرد عما يدله على طبيعة ما يحدث. ويعد سلوك الآخرين وتعبيراتهم من أهم المؤشرات بالنسبة للفرد في الموقف. فوجود عدد من الناس في موقف ما يتصرفون كأن كل شيء يسير بصورة طبيعية يؤدي إلى تعريف الموقف على أنه موقف عادي. وبما أن الناس لا يودون الاستجابة بانفعال كبير ثم يتضح أنهم على خطأ، فإن هذا الميل قد يُوجد ما يسمى ’بالتجاهل الجمعي‘.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
الشروط النفسية لتقديم المساعدة في مواقف الطوارئ (تابع):
والأهم من ذلك ما أسماه لاتين ودارلي ’انتشار المسئولية‘، حيث يقلل وجود أفراد آخرين في موقف الطوارئ من احتمال شعور أي منهم بالذنب أو الخوف من عواقب عدم تقديم المساعدة، كما يؤدي إلى حكم خاطئ بأن أحدا ما سيفعل شيئا حيال المشكلة التي يعاني منها المكروب. وبهذا تنخفض مسئولية كل فرد بزيادة عدد الأفراد الذين يحضرون موقف الطوارئ، ويقل احتمال تدخله. وقد تبين من عدة تجارب (انظر/ي ص ص 368-370) أن وجود الآخرين يقلل بالفعل من احتمال تدخل الفرد للمساعدة في مواقف الطوارئ.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
الشروط النفسية لتقديم المساعدة في مواقف الطوارئ (تابع):
أثر النماذج على تقديم المساعدة:
تركز الاقتراحات التي قدمتها دراسات أثر المتفرج على كيفية تأثير وجود الآخرين على استعداد الفرد للمساعدة، وليس على مجرد وجودهم. فوجود شخص آخر يبادر بتقديم المساعدة سيؤدي إلى إقدام الآخرين على تقديمها (زيادة وتيرة سلوك المساعدة لا خفضه). ووجود الآخرين يؤثر في سلوك الفرد من خلال تأثيره في الخطوات الخمس التي يجب حدوثها قبل تقديم المساعدة.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
أثر العزو على سلوك المساعدة:
يشير مفهوم المسئولية في تفسير نظرية العزو لسلوك المساعدة إلى إدراك الفرد لأسباب الضيق الذي تعاني منه الضحية. يرى واينر أن استجابة الفرد لمعاناة الآخر تعتمد على إدراكه أو تفسيره لنوع الأسباب التي أدت إلى حاجته أو ضيقه.
العزو والمساعدة عندما تُقدّم معلومات:
الناس عموما لا يساعدون من يعتقدون أنهم لا يساعدون أنفسهم.
العزو والمساعدة عندما لا تُقدّم معلومات سببية:
عندما لا تقدم معلومات عن أسباب مشكلة الشخص الذي يحتاج إلى المساعدة، فإن الفرد سيتوصل إلى تفسير سببي بناء على أي معلومات متوفرة عن خصائص الموقف. وهنا يأتي دور المخطوطات السببية، ومخطوطات السلوك والأشخاص والقواعد الحدسية في الاستدلال.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
أثر العزو على سلوك المساعدة:
خطأ العزو الأساس والمساعدة:
عندما لا تقدم معلومات عن أسباب مشكلة من يحتاج المساعدة، وعندما لا توجد أمارات موقفية يستشف منها الفرد تلك الأسباب، فقد يعمل خطأ العزو الأساس، وهو ميل الأفراد إلى عزو سلوك الآخرين أو ما يحدث لهم إلى خصائصهم الشخصية ونياتهم. وهذا يعني أن قدرا من عدم تقديم المساعدة أو التردد فيها يمكن إرجاعه إلى خطأ العزو الأساس. ولكن إذا تمكن المرء من النظر إلى المشكلة من منظور الشخص الآخر فسيؤدي ذلك إلى خفض أثر الفاعل-الملاحظ، وزيادة المساعدة.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
حياة المدينة والغمر المعلوماتي وسلوك المساعدة:
تتسم الحياة في المدن الكبرى بكثرة وتنوع الأحداث والأشخاص والاهتمامات اليومية والمثيرات المادية. ويرى ميلغرام أن هناك قيودا على دافع المساعدة في أي مدينة كبرى تنتج من كثافة وتنوع المعلومات مما يؤدي إلى تطوير الأفراد لاستراتيجيات معالجة معلوماتية تحد من كم المعلومات التي يعالجها الفرد. من تلك الاستراتيجيات:
التمييز بين المعلومات ذات الأولوية العالية والأولوية المنخفضة، والتركيز على النوع الأول؛
التعود على قضاء وقت أقصر في الانتباه لكل وحدة معلوماتية، وربما إهمال بعضها؛
تخفيف حدة المعلومات بتقييد الاهتمام ببعض الأفراد على الأقل في حدود التفاعلات العارضة.
العمليات الذهنية في مواقف الطوارئ
حياة المدينة والغمر المعلوماتي وسلوك المساعدة (تابع):
هناك أدلة مسحية وتجريبية على أن الاستجابة لنفس طلبات المساعدة تكون أعلى في الأرياف منها في المدن المزدحمة. ولكن هذا لا يعني أن حياة المدن الكبرى تخفض من حساسية المرء لمعاناة الآخرين، أو تقلل من استعداده للتعاطف معهم (انظر/ي تجربة قطار الأنفاق)، ولكن تنتج تلك الفروق من اختلاف استراتيجيات معالجة المعلومات التي تتطور في ظل ظروف الحياة في المدن الكبرى عن تلك التي تتطور في ظل ظروف حياة القرى أو مراكز التجمع البشري المحدود. وقد بينت تجربة واينر المختبرية أن التعامل مع مهام متعددة في الوقت نفسه أدى فعلا إلى انخفاض التدخل لمساعدة شخص آخر في موقف طوارئ. وهذا يشير إلى أن الحياة في المدن الكبرى قد تخفض من وتيرة سلوك المساعدة عبر تأثير خصائص تلك الحياة على استراتيجات معالجة المعلومات.
تفاعل العمليات الذهنية والعاطفية في المساعدة
تأثر المزاج على المساعدة:
هناك علاقة دالة بين المزاج (وعلى وجه الخصوص الشعور بالسعادة أو بالحزن) وسلوك المساعدة. لكن هذه الظاهرة أكثر تعقيدا مما تبدو لأول وهلة. فقد لا يؤدي المزاج الإيجابي أحيانا إلى زيادة وتيرة سلوك المساعدة، وقد يؤدي المزاج السلبي إلى زيادة أكبر في وتيرة سلوك المساعدة من المزاج الإيجابي أو المحايد.
تفاعل العمليات الذهنية والعاطفية في المساعدة
تأثر المزاج على المساعدة (تابع):
المزاج الإيجابي والمزاج السلبي والمساعدة:
الأحداث الإيجابية تجعل الأفراد أكثر قابلية للاستجابة لحاجات الآخرين ومساعدتهم. ولكن هل الخبرات السارة هي ما يجعل الأفراد أكثر قابلية لبذل المساعدة أم أن للمزاج وحده، بغض النظر عن أسبابه، تأثير إيجابي على سلوك المساعدة؟ (الأحداث الإيحابية تؤدي إلى المزاج الإيجابي). وقد وجد آيزن وليفن للحالة المزاجية التي ليس لها علاقة بنوع المساعدة المطلوبة ولا بموقفها أثرا على نسبة الموافقة على تقديمها. وعلى الرغم من أن الأحداث الإيجابية يمكن أن تكون أحداثا حياتية بسيطة إلا أن النتائج الموضوعية تبين أن لها أثرا إيجابيا على سلوك المساعدة. كما بينت دراسات عديدة أن الأحداث الحياتية السلبية وإن كانت بسيطة لها تأثيرات سلبية على صحة الفرد. كيف نفسر النتائج المتناقضة لتأثير الحالة المزاجية السلبية كانت والإيجابية على سلوك المساعدة؟
تفاعل العمليات الذهنية والعاطفية في المساعدة
تأثر المزاج على المساعدة (تابع):
المزاج الإيجابي والمزاج السلبي يزيدان المساعدة ولكن لأسباب مختلفة:
يمكن تفسير النتائج المتناقضة لتأثير الحالة المزاجية الإيجابية والسلبية على المساعدة من خلال فرضية إدارة المزاج التي تعتمد على فرضية عامة مفادها أن الأفراد يديرون حالتهم المزاجية في حياتهم اليومية. حسب هذه الفرضية، تزداد المساعدة أو تقل حسب نوع الحادثة التي أدت إلى الحالة المزاجية، وحسب التوقعات المتعلقة بنتائج سلوك المساعدة. فالفرد سيساعد إذا كان سعيدا ما لم يتوقع نتائج سلبية أو خسائر، وسيساعد إذا كانت الحادثة تهدد مشاعر السعادة التي يخبرها. أما في حالة الحزن فإن المساعدة ستزداد إذا كانت ستساعد على تحسين الحالة المزاجية للفرد، أو إذا كان سبب الحزن سلوك الفرد نفسه. وإذا كان موضوع الحزن شخصا آخر فإنه سيزيد من وتيرة سلوك المساعدة أكثر مما لو كان موضوعه الذات (أي الفرد نفسه)، والعكس بالنسبة لمشاعر السعادة.
تفاعل العمليات الذهنية والعاطفية في المساعدة
تأثر المزاج على المساعدة (تابع):
المزاج الإيجابي والمزاج السلبي يزيدان المساعدة ولكن لأسباب مختلفة (تابع):
يرى شاللر وشيالديني أن المزاج السلبي والإيجابي يؤثران على سلوك المساعدة بطرق مختلفة. فبينما يتشابهان في هذا التأثير فإنهما يختلفان في آلياته أو أسبابه. ويعتمد هذا الاختلاف على الوظائف المختلفة التي يخدمها السلوك الناتج من حالات عاطفية مختلفة. فالأفراد عندما يكونون سعداء فإن مصادر الدافعية لديهم تكون أهدافا عليا لا تؤدي إلى المحافظة على وضع عاطفي هيوموستازي (توازن) أو استرجاعه، بل تؤدي إلى المزيد من الاستثارة النفس-اجتماعية-فسيولوجية. أما الأفراد المحزونون فتكون مصادر الدافعية لديهم أهداف يؤدي تحقيقها إلى استعادة التوازن العاطفي. ففرضية المزاج، من وجهة نظر شاللر وشيالديني أكثر انطباقا على الأفراد عندما يكونون في مزاج سيئ.
تفاعل العمليات الذهنية والعاطفية في المساعدة
سلوك المساعدة في الثقافات الجمعية والثقافات الفردانية:
من أكثر الأبعاد النفسية الثقافية شيوعا في الدراسات النفسية الحديثة مفهوم الفردانية-الجمعية وعلاقته بالظواهر السلوكية. ويشير هذا المفهوم إلى اختلاف الثقافات في طبيعة ترابط الفرد-الجماعة. فالثقافات الفردانية تنمي مفهوما للفرد ككيان مستقل، يتصف بمستوى عال من الكفاية الذاتية والاعتماد الذاتي والوعي الذاتي والأهداف الذاتية والتعريف الذاتي للهوية، بينما تنمي الثقافات الجمعية مفهوما للشخص ككيان يرتبط بالجماعة من حيث الأهداف والمعايير وتعريف الذات.
وتشير خلاصة البحوث عبر الحضارية إلى أن سلوك المساعدة يحمل معان مختلفة في الثقافات المختلفة، واكتشاف هذه المعاني سيمكن من زيادة سلوك المساعدة بطرق مختلفة في الثقافات المختلفة. فاستخدام السلطة ورموزها والمعايير الجمعية والأهداف الجمعية في محاولات زيادة سلوك المساعدة قد تكون مؤثرة أكثر في الثقافات الجمعية.