تختلفُ شِدَّة الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة عِنْدَ كلٍّ من الرِّجال والنِّساء الأصحَّاء من شَخْصٍ إلى آخر؛ ولكن رُبَّما يَكونُ نَقْصُ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة التي تؤثِّر في ملايين النَّاس في العالم أكثر الأشياء صُعوبةً في التَّقْييم والمعالجة، وأكثرها نقصاً في التَّقْدير وإهمالاً وغُموضاً، وهي اضطرابٌ جِنْسِي مخيِّب للأمل. هذا، ويُوَاجَهُ مُقَدِّمو الرِّعاية الصحيَّة بالكثيرِ من الدِّراسات السَّريريَّة حولَ مختلف الاضطرابات الجِنْسِيَّة الأخرى، ولكن لا توجدُ أدلَّةٌ متعلِّقَة بتشخيصِ نقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة وتَدْبيرها بشكلٍ صَحيح، ولا وسائلُ موضوعيَّة لتَقْييم ذلك أو قياسه، مع الكثير من الأوهام والجهل حولَ هذا الموضوع. وكثيراً ما يُشخَّصُ نقصُ الرَّغْبَة أو الشَّهْوة الجِنْسِيَّة عِنْدَ الرِّجال على أنَّه اضطرابٌ في الانتصاب خطأً، ويُعالجَ على أساسِ ذلك، ولذلك تَكونُ النَّتائِجُ سيِّئَة جدّاً في معظم الحالات.
علاوةً على ذلك، لم يَثْبُتْ وُجودُ دَوْرٍ فعَّال بشكلٍ خاص لجميع الأطعمة المستخدَمَة عادةً في تَعْزيز الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، والأعشاب، والجَروعات مثل الجِينسنغ والذُّبابَة الإِسْبانِيَّة والذُّرَّاح والكافيار والمَحار والشُّوكولاته والفريز والأَطْعِمَة التَّوابليَّة (الكَثيرَة التَّوابِل) والجِنْكَة ذات الفصَّيْن والمقادير المعتدلة من الكحول. وفي الحالات التي نجحت فيها هذه الموادُ في زيادة الشهوةِ الجِنْسِيَّة لدى بعض الرِّجال، ربَّما كانَ ذلك بسبب أنَّها تُلْجِم المثبِّطات الجِنْسِيَّة الذهنيَّة أو تعمل على المستوى التَّحْفيزي أو على مستوىً نفسيٍّ آخر.
"الفياغريَّة"
مع تَوفُّر مُثَبِّطاتِ الفُسْفُودَايسْتِراز من الفئة 5 ونجاحها، مثل الفياغرا والسيالس والليفيترا، في استعادةِ الأداء الجِنْسِي الطَّبيعي، أصبحَ ملايينُ الرِّجال الذين يعانون من عجز في تحقيق الانتصاب قادرين على إحراز انتصاب قوي ومستمر يسمحُ بمجانسة مرضية. ولكنَّ هذه الأدويةَ لا تستطيعُ زيادةَ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة النَّاقِصَة، ولذلك ليس من المستغرب أن تَكونَ هناك مجموعةٌ كبيرة من الرِّجال القادرين على بلوغِ الانتصاب لكن مع رغبةٍ خفيفة أو من دون رغبةٍ فِعْليَّة في القيام في ذلك. ويَعْمَدُ بعضُ هؤلاء الرِّجال عوضاً عن ممارسة الجنس إلى قضاء أوقاتهم في لعب الغولف أو مشاهدَة التِّلْفزيون؛ وقد يشعرُ الكثيرُ من الآخرين بالخيبة نتيجةَ نقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة لديهم ويتمنَّوْنَ كثيراً أن يتمتَّعوا بالمتعة الجنسيَّة من جديد. إنَّ مصطلحَ الفِياغريَّة مصطلحٌ راهن اقتُرِحَ للتَّعْبيرِ عن رغبةٍ كبيرة لدى الرِّجال الرَّاغبين والقادرين على استعمال أحد أَدْوِيَةِ معالجة العجز في تحقيق الانتصاب بهدف بلوغه، لكنَّهم يفتقرون إلى الحافِز النَّفْسي أو الفيزيولوجي لممارسةِ الجنس، وهذا ما يؤدِّي إلى خَيْبةٍ شَديدة عِنْدَ شريكاتهم الجِنْسِيَّات.
نَظريَّاتُ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة
لا تَزالُ الظَّاهِرَةُ الدِّماغية المعقَّدة للرَّغْبَة الجِنْسِيَّة غيرَ مفهومةٍ جيِّداً، رغمَ النَّظريَّات المختلفة المتعلِّقَة بآليتها. وقد اقترحَ ماسترز وجونسون "النَّظريَّةَ الخَطِّيَّة" في البداية، وهي تَنصُّ على أنَّ "الأفكارَ، والأَخْيِلَة الجِنْسِيَّة، والرَّغْبَة المتأصِّلة في تَفْريغ التَّوتُّر الجِنْسِي وإعتاقه هي واصماتُ هذه الرَّغْبَة". وقد أكَّدا على أنَّ "التَّجربةَ الشَّخْصية للشَّبَقِ في كلا الشَّريكين الجِنْسِيين يجب أن تسبقَ أيَّةَ إطلاقٍ أو ابتدارٍ للجِنْسانيَّة".
لكنَّ الحياةَ الحقيقية تُبْدي فروقاً عامَّة بين شُعور الشَّريك بالرَّغْبَةِ الجِنْسِيَّة؛ فمثلاً، هناك اختلافٌ في تَوْقيت النَّشاطِ الجِنْسِي وتواتره؛ كما أنَّ دخولَ الزوجين في النَّشاطِ الجِنْسِي لا يعودُ إلى رغبةٍ داخليَّة فقط، وإنَّما إلى دوافعَ غيرِ جِنْسِيَّة أيضاً، مثل إرضاء الشَّريكة وصَرْف انتباهها عن الأفكار المملَّة أو السَّأم أو كمكافئةٍ زوجيَّة أو لأسباب أخرى ارتباطيَّة أو شخصيَّة؛ ويُصْطَلَحُ على تسميةِ ذلك باسم "الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة الاستقباليَّة" مقابل "الرَّغْبَة الفاعِلَة". وبذلك، يَفْسَحُ الطِّرازُ الخطِّي المُفْرِط التَّبْسيط المجالَ فوراً نحو فرضيَّات متعدِّدَة العوامل أو "حلقيَّة" للعلاقَةِ المُتَبادلة بين الرَّغْبَةِ الجِنْسِيَّة والتَّهيُّج الجِنْسِي والأداء، ويتأثَّرُ بدوافع شعوريَّة ولاشعوريَّة.
استناداً إلى نظريَّة جانسِين، تَتَبَدَّى الرَّغْبَةُ الجِنْسِيَّة بطرازٍ ثنائي المرحلة لتَحْليل المعلومات (جانسين وزملاؤه 2000)؛ ففي المرحلةِ الأولى، تُحَضِّرُ المُنَبِّهاتُ الجِنْسِيَّة دون العَتَبَة (مثل الأَخْيِلَة والأفكار اللاشعوريَّة) الجهازَ الجِنْسِي للتَّهيُّج بِجعلِهِ مُسْتَقْبِلاً لإدراك المُنَبِّهات الشَّبقيَّة (مثل اللَّمْس، والنَّظر، والصَّوْت، والرَّائحة). وبعد هذا الاحتقان التَّحْفيزي الأوَّلي، قد يصبحُ الرَّجلُ مُدْرِكاً لهذا الحافز على أنَّه رغبةٌ تتحوَّل إلى متعةٍ ورضا بالتَّجربةِ الجِنْسِيَّة. وبذلك، يقترحُ جانسين أن طورَ التَّهيُّج يَسْبقُ الرَّغْبَةَ ويُحفِّزها.
في المرحلةِِ الثانية، يَقومُ التَّهَيُّجُ الجِنْسِي العقلي بتَحْوير النَّوَاقِل العصبيَّة في المراكز الحوفيَّة للدِّماغ، ممَّا يؤدِّي إلى إفراز النَّاقل العصبي الميسِّر "الأُوكْسيتوسين"، في حين يُلْجِمُ النَّاقِلَ العصبي المثبِّط السِّيروتونين. وتنبِّه هذه العمليَّةُ، من خلال تَفْعيل المركز الجِنْسِي في النُّخاعِ الشَّوْكي العجزي، الأعصابَ الحوضيَّة والقضيبيَّة لإحداثِ احتقانٍ وانتصاب في القضيب، ممَّا يعزِّز أو يزيد رغبةَ الرَّجُل وشهوته (موليمان وفان لانكفيلد 2004). ولكن، خلال المرحلة الثانية، يمكن أن تُحْصِرَ المُنَبِّهاتُ المثبِّطَة مثل الاستغراقِ الذهني، والقَلق، والغضب، والخوف من الإخفاق، والأفكار غير الجِنْسِيَّة العمليَّةَ وتُجْهضها ممَّا يقودُ إلى زوالِ الرَّغْبَة والتَّهَيُّج.
نَقْصُ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة
يُعرَّفُ اضطرابُ نقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة (HSDD) في الدَّليل التَّشْخيصي والإحصائي للاضطراباتِ النَّفْسية (الطَّبعة الرابعة، 1994) بأنَّه "الغياب المستمر أو المتكرِّر أو نقص التخيُّلات الجِنْسِيَّة والرَّغْبَة بالنَّشاط الجِنْسِي بسبب عواملَ تؤثِّر في الوَظيفة الجِنْسِيَّة، مثل العمر والجنس وسياق الحياة". من الصعوبة بمكان تَقْييمُ الانتشار الحقيقي لاضطرابِ نَقْص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة الذي يتراوحُ ما بين 0 - 15٪ في الدِّراساتِ المعتمدة على السكَّان، وهو تقديرٌ خاطئ بشكلٍ مؤكَّد، لا سيَّما وأنَّ معظمَ الرِّجال لا يُظْهِرون مشاكلَهم الجِنْسِيَّة ما لم يُسْألوا عنها بشكلٍ واضح من قِبَل أطبائهم.
يعتمدُ تَقْييمُ مشكلة الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة على أسئلةٍ مباشرة وواضحَة يطرحها الطَّبيبُ على المريض فيما يتعلَّق بالحافزِ والرَّغْبَة الجِنْسِيَّة. ويمكن الحصولُ على معلوماتٍ أخرى مفيدة من شَريكة المريض أو باستعمال استبيانات مثل قائمَة جَرْد الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة أو جَرْد غولومبُوك روست للإشباع الجِنْسِي.
ينجمُ نقصُ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة عن ضروبٍ واسعَة من العوامل البَيولوجيَّة والنَّفْسية، بما في ذلك تقدُّمُ العمر واضطراباتٌ طبِّية مختلفة مثل داء الشرايين التاجيَّة، والفشل القلبي، ومُتَلازِمَة نقص المَناعة المُكْتَسَبة AIDS، والفشل الكلوي. كما أنَّ بعضَ ممارسي رياضَة كمال الأَجْسام والمصابين باضطراباتِ الأكل يكونون عُرْضةً لنقصِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة أيضاً. وتشتملُ الاضطراباتُ النفسيَّة الأكثر تَرافُقاً بنَقْصِ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة على الاكتئاب، والقلق، والغضب، واضطرابات العَلاقات.
خبرٌ عاجِل: الرَّغْبَة تكمن في الـ DNA[58]
رغم أنَّه باتَ من المقبول التَّسْليمُ بأنَّ الرَّغْبَةَ لدى كلا الجِنْسِين تعتمد على عواملَ نفسيَّة وهُرْمونيَّة، لكن لا يوجدُ إثباتٌ علمي نوعي يدعمُ هذه النَّظرية؛ غير أنَّ دراسةً نُشْرَتْ حديثاً في الطبِّ النَّفْسي الجزيئي (إيبشتاين 2006) بتفحُّصِ ال DNA لدى 148 فرداً صَحيحاً من طلبةِ الجامعة الذُّكور والإناث، أظهرت أنَّ نقصَ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة المسجَّل ذاتيَّاً كانَ مرتبطاً بفوارق جينيَّة (وراثيَّة)، أي بتفاوتٍ في جين يُدْعَى المستقبلة D4؛ وقد يعني ذلك أنَّ نقصَ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة يمكن أن يُعَدَّ حالةً بَيولوجيَّة طبيعية وليس حالة نفسية. ولكنَّ هذا الاكتشافَ اللافت للنَّظر يحتاج بالطَّبْع إلى إثباتٍ بدراسات أخرى في عدَّة مراكز قبلَ القَبول به من قِبَل المجتمعِ الطبِّي.
المسببات الهُرْمونيَّة
إنَّ الأسبابَ الهُرْمونيَّة لنقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة معقَّدةٌ. ولكن، أصبحَ من المقبول طبيَّاً أنَّ نَقْصَ تِسْتوستيرون المصل يمكن أن يؤدِّي إلى غياب أو نقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة لدى الرِّجال المسنِّين والنِّساء بعد سن اليَأْس؛ وقد يتفاوتُ معدَّلُ وقوع هذه الظاهرة لدى الرِّجال المسنِّين، مثلما سنناقش أكثر في هذا الفصل، ما بين 5 و20٪. وكتذكير بفيزيولوجيَّة هذا الهرمون، دعونا نذكر رؤوسَ أقلام عن آليَّةِ إنتاجه؛ فالوِطاءُ في الدِّماغ يُفْرِزُ هُرْموناً يُدْعَى الهُرْمون المُطْلِق لمُوَجِّهَةِ الغُدَدِ التَّناسُلِيَّة (GnRH)، وهو ينبِّه الغدَّةَ النُّخامية [المتوضِّعَة في قاعدة الدِّماغ تحت التَّصالُبَة البصريَّة التي تمثِّلُ الجُزْءَ الوطائي المتشكِّل من تَصالُب العَصبين البصريين القادمين من النِّصْف الإنسي للشبكيَّة] لإنتاج هُرْمونَيْن: الهرمون المنبِّه للجريبات (FSH) الذي يساهمُ في إنتاجِ النِّطاف، والهرمون المُلَوْتِن (LH) الذي ينبِّه خلايا لايديغ في الخصيتين لإنتاج الهرمون الذكري "التِّسْتوستيرون" (يُفْرَزُ معظمُه من الخُصيتين، وبعضُه من الغُدَّتين الكُظْريتين).
يمارسُ التِّسْتوستيرون أَدْواراً رئيسيَّة في تَكْوين النِّطاف والتَّمايُز الجِنْسِي الجنيني (انظرْ اللوحةَ الجانبية اللاحقَة) والنُّضْج عِنْدَ البلوغ وإفراز الموجِّهات النُّخاميَّة للغددِ التَّناسليَّة. كما يؤثِّرُ في إفراز الجسم للإريثروبويتين (هرمونٌ يُفْرَزُ من الكليتين البالغتين، ينبِّه إنتاجَ الكريات الحُمْر من نقي العظم) ونموِّ العضلات وقوَّتها وإفراز الأنسولين والحساسيَّة له وشاكلة شحميَّات المصل وضغط الدَّم.
تَكونُ تراكيزُ الهُرْمون المنبِّه للجُرَيْب، والهرمون المُلَوْتِن، والتِّسْتوستيرون منخفضةً لدى الوليد الذكر، لكنَّها لا تلبث أن ترتفعَ بعدَ عدَّة أشهر من الولادة، ثمَّ تنخفضُ من جديد بعمر 9 - 12 شهراً. وتزداد مستوياتُ الهرمون الملوتن والهرمون المنبِّه للجريب شَيْئاً فشيئاً من عمر 6 - 8 سنوات حتى اكتمال البلوغ، ويترافق ذلك مع ارتفاع ثابت في التِّسْتوستيرون بعمر 12 - 14 سنة نتيجةً لفَرْطِ الإفراز الليلي للهُرْمون المُلَوْتِن في منتصف البلوغ. وكما ذكرنا سابقاً، ينتجُ الرِّجالُ نحو 5 ميليغرام من التِّسْتوستيرون في اليوم.
لكن، يمكن أن يضطربَ إفرازُ التِّسْتوستيرون بسبب آفات صبغيَّة أو جينيَّة (خِلْقيَّة) أو مرضيَّة في الخصيتين أو النُّخامى أو الوطاء. كما أنَّ لَجْمَ الوطاء أو النُّخامى نتيجة المستوياتِ المرتفعة للتِّسْتوستيرون أو الإسْتراديول أو البرولاكتين في الدَّم إلى نَقْصِ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة أو نَقْص أو غياب الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة.
ونُلَخِّص فيما يلي الأعضاءَ الغدِّية الصَّماوية المساهمة وهرموناتها:
= الوطاء - الهُرْمون المُطْلِق لمُوَجِّهَةِ الغُدَدِ التَّناسُلِيَّة، وهرموناتٌ أخرى.
= الغُدَّة النُّخاميَّة - تُفْرِز البرولاكتين من خلايا متخصِّصَة، والهُرْمون المُلَوْتِن والهرمون المنبِّه للجُرَيْب وموجِّهاتٍ أخرى للغُدَد التَّناسليَّة والهُرْمون البشري الموجِّه للغُدَد التَّناسليَّة (HCG).
= الخُصْيَتان - تُفْرِزان معظمَ التِّسْتوستيرون (نحو 90٪) من خلايا لايديغ المتخصِّصَة.
= الغدَّتان الكُظْريَّتان - تُفْرِزان القَليلَ من التِّسْتوستيرون (نحو 10٪) والأدرينالين وهرموناتٍ أخرى.
التِّسْتوستيرون والهرموناتُ الأخرى أثناء الحمل
يحصلُ التَّمايزُ الجِنْسِي لدى الجنين بَعْدَ الأسبوع السادس من الحمل، تحت تأثير عِدَّة جينات، لا سيَّما الجين SRY على النَّاحية المحدِّدَة للجِنْس في الصبغي Y. وفي هذا الوقت، تُشَكِّلُ الخصيتان البدائيَّتان خلايا لايديغ وخلايا سيرتولي (التي تقدِّمَ الدَّعْمَ، والتَّغْذية، والحماية للنِّطاف النَّاميَة) والمادَّة المثبِّطة الموليريَّة (MIS)، حيث تؤدِّي هذه المادَّةُ إلى تراجُع قَنَوات الكُلْوَةِ الجَنينِيَّةِ المُوَسَّطَةِ الإِضافِيَّة، وإلاَّ فإنَّها - لا تُنْتَج هذه المادَّةُ عِنْدَ الإناث - تتشكِّل البوقَيْن (أنبوبَيْ فالوب) والرَّحِم والثُّلْثَين العلويين من المهبل.
يَكونُ تَشَكُّلُ التِّسْتوستيرون من الكوليسترول مَسْؤولاً عن ظهورِ القنوات التَّناسليَّة الذكرية، بما في ذلك الأسهر، والبربخ، والحُوَيْصِلتان المَنَوِيَّتان من قَنَاتِيْ الكُلْوَةِ الجَنينِيَّةِ المَوَسَّطَة. ويعزِّزُ الهرمونُ الملوتن المشيمي الإفرازَ الأولي للتِّسْتوستيرون من خلايا لايديغ الجديدة؛ وتبدأ في الوقتِ نفسِه - وفي مرحلةٍ باكرة من الحمل - الغدَّةُ النُّخامية الجنينيَّة عِنْدَ كلٍّ من الذكور والإناث بتركيب وتخزين الهرمون الملوتن والهرمون المنبِّه للجريب الخاصَّيْن بها، وتفرزهما بتراكيزَ مرتفعة، وهذا ما يساهمُ في إفراز التِّسْتوستيرون. وبَْدءاً من الشَّهْرِ الرابع من الحمل، تَتخلَّقُ الأعضاءُ التَّناسليَّة الظاهرة عِنْدَ الذكر (القَضيب والصَّفن) تحت تَأْثير ثُنائِيِّ هيدروتِسْتوستيرون الذي يتحوَّل من التِّسْتوستيرون بفِعْل أنـزيم مختزلة ألفا 5.
فَرْطُ برولاكتين الدَّم
يَتصاحبُ ارتفاعُ برولاكتين المصل والذي يُسمَّى بالعامية "بهرمون الحليب" أو فَرْط برولاكتين الدَّم لدى كلٍّ من الرِّجال والنِّساء باضطراباتٍ في الوظائف التَّناسليَّة، ويمكن أن يُثبِّطَ بشكلٍ مباشر بعضَ المراكز الجِنْسِيَّة في الدَّماغ. ولدى الرِّجال، قد يُثَبِّطُ ارتفاعُ البرولاكتين إفرازَ الهُرْمون المُطْلِق لمُوَجِّهَةِ الغُدَدِ التَّناسُلِيَّة GnRH الذي ينبِّه عادةً الغدَّةَ النُّخاميَّة لإفراز الهرمون الملوتن الذي يحثّ الخصيتين على إنتاجِ التِّسْتوستيرون. وقد تشتملُ الأعراضُ النَّاجمة عن فَرْطِ برولاكتين الدَّم على نقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، والعجز في تحقيق الانتصاب، والعُقْم، ونقص القُدْرة. كما قد يقودُ نقصُ مستوى التِّسْتوستيرون المرافق إلى تخلخل العظام، وتساقُط الشَّعْر، ونقص الكتلة العضلية أيضاً (يمكن أن يؤدِّي فرطُ برولاكتين الدَّم عِنْدَ الإناث، كما هو مفصَّل في الفصل السابع عشر، إلى التَّأْثير في إفراز الهرمونات من المبيضين، واضطراب الخصوبة، والرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، والتَّهَيُّج الجِنْسِي، وفقد بلوغ النشوة الجنسية فَضْلاً عن المجانسة المؤلمة لدى أغلبية النِّساء المصابات).
يمكن أن تؤدِّي أمراضٌ مختلفة، وحتَّى بعض الحالات الفيزيولوجيَّة، إلى ارتفاع تركيز البرولاكتين في المصل؛ ويكونُ السَّببُ الأكثر شيوعاً هو وجود ورم غدِّي في الغدَّة النُّخامِيَّة (الورم الظِّهاري الحميد). وينجمُ فرطُ برولاكتين الدَّم في حالات نادرة عن نقصٍ في عدد الغُدَد المُفْرِزَة للبُرولاكتين في النُّخامى، أو عن ورم في الوطاء أو بالقرب منه. وتشتملُ الأسبابُ الأخرى على بعض الأدوية التي تُعَدُّ مناهضاتٍ لمستقبلات الدُّوبامين (تُلْغِي تأثيرَ مستقبلات الدُّوبامين)، مثل بَعْض مضادَّات الذُّهان، ومضادَّات ارتفاع ضغط الدَّم، ومُضادَّات الاكتئاب (مثبِّطات اِسْتِرْداد السِّيروتونين الانتقائية)، وقصور الدَّرقيَّة (نَقْص نشاط الغدَّة الدَّرقيَّة وإفرازها الهرموني)، وبعض الحالات الأخرى مثل إصابةِ جدار الصَّدْر والفشل الكلوي المزمن. ولكن، لا يُعْثَر على سببٍ لدى عددٍ كبير من المرضى المصابين بارتفاع البرولاكتين رغم الاستقصاءات الواسِعَة.
يَقومُ تَشْخيصُ فَرْط برولاكتين الدَّم على القصَّة الطبيَّة الشاملة، مع تأكيدٍ خاص على الأعراض الجِنْسِيَّة وعلى أيَّة تغيُّرات في الرُّؤْيَة أو صُداع مزمن يمكن أن يَدُلاَّ على وجود آفة نخاميَّة أو دماغية. ويُتْبَعُ الفَحْصُ الجسدي الكامل، بما في ذلك تَقْييم حقل الرؤية، بتَقْييمٍ مختبري. وتُقاسُ التَّراكيزُ المصليَّة للبرولاكتين، والتِّسْتوستيرون، والهرمونات النُّخامِيَّة الأخرى مَرَّتين على الأقل، ويُفَضَّل أن يَكونَ ذلك في الصَّباح. وفي حالاتِ ارتفاع البرولاكتين، يمكن أن تساعدَ الدِّراساتُ الشُّعاعيَّة بالمرنان MRI والتَّصْوير المَقْطَعِي المُحَوْسَب CT والتَّصْوير المقطعي بقَذْف البوزيترون PET scan (في حالاتٍ نادرة) في كشف ورمٍ غدِّي نخامي أو ورمٍ حميد أو خبيث آخر في الدَّماغ.
يَعْتَمِدُ علاج فرط برولاكتين الدَّم النَّاجم عن ورمٍ غدِّي على الأدوية المُنْهِضَة للدُّوبامين، مثل الكابرغولين أو البروموكربتين لإِنْقاص البرولاكتين ورفع مستوى التِّسْتوستيرون. وتكونُ هذه المعالجةُ في العادة ناجحةً جدّاً في استعادةِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة والفحوليَّة وتحسين إمكانيَّة الإخصاب؛ كما قد تُنْقِص الأعراضَ العصبية النَّاجمة عن الورم الغدِّي، لا سيَّما إذا كانَ الورمُ أكبرَ من 1 سم، ويمتدُّ خارجَ السَّرْج التُّرْكي (البنيَة العظميَّة للجمجمة التي تحيط بالنُّخامَى)، ويضغط على العصبِ البصري أو الجيب الكهفي أو الوتدي (جيبان هوائيان في عظام القحف).
لقد لاحظتُ أثناء ممارستي أنَّ عدداً كبيراً من المرضى المصابين بفرط برولاكتين الدَّم، مع مستوياتٍ طبيعية لتِسْتوستيرون المصل، يَسْتعيدون الرَّغْبَةَ الجِنْسِيَّة بَعْدَ المعالجة بأحد هذه الأدوية. وعلاوةً على ذلك، يُبْدي حتَّى بعض المرضى الذين لديهم مستوياتٌ طبيعية للبرولاكتين والتِّسْتوستيرون في المصل استجابةً لها لأسبابٍ غير معروفة يمكن أن تشتملَ على تأثيرٍ مباشر في المراكز الدَّماغية المسؤولة عن الرَّغْبَةِ الجِنْسِيَّة. ولا بدَّ من دراساتٍ إضافيَّة توقعية ومزدوجة التَّعْمية مضبوطة في عدَّة مراكز لإثبات هذه الملاحظات الأوليَّة.
تشتملُ التَّأْثيراتُ الجانبيَّة لعقاقير الكابرغولين والبروموكربتين على الغثيان، وانخفاض ضغط الدَّم الوضعي (انخفاض ضغط الدَّم عِنْدَ الوقوف)، والتشوُّش الذهني. أمَّا التَّفاعلاتُ الأخرى الأقل شُيُوعاً فهي الاكتئاب، وعدم تحمُّل الكحول، وانسداد الأنف، وظاهرة رينو التي تَتجلَّى بتضيُّق الشرايين المحيطية في اليدين عِنْدَ التُّعرُّضِ للبرد. وفي بعض الحالات، عندما لا توجد استجابةٌ للمعالجةِ الدَّوائية أو إذا كانَ الورمُ الغدِّي بحجم يزيد عن 3 سنتم، يمكن أن يُستَطَبُّ الاستئصالُ الجراحي. ويُلْجأُ إلى العِلاَج بالأَشِعَّة بشكلٍ رئيسي للوقايةِ من النُّكْس بعد استئصال ورمٍ عملاق (يمكن إعطاءُ البروموكربتين للنِساء في حالات الحمل المتصاحِب بفَرْطِ برولاكتين الدَّم، أو بعد المعالجة، طوالَ الحمل من دون تَشْكيل خطر على الجنين).
قُصُورُ الغُدُد التَّناسليَّة
يُعَدُّ قصورُ الغُدَد التَّناسليَّة حالةً مرضية ناجمة عن انخفاض مستوى التِّسْتوستيرون، وهو الهرمونُ الذَّكري الذي يؤثِّر في الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة والفحوليَّة. هذا، ويَتكوَّن التِّسْتوستيرون الكلِّي في المصل من ثَلاثةِ أجْزاء: يكونُ نحو 2٪ من التِّسْتوستيرون عِنْدَ الذَّكر الطَّبيعي حرَّاً (غير مرتبط)، ونحو 65٪ مرتبطاً ارتباطاً رخواً بالألبومين أو البروتينات الأخرى في المصل، بينما يرتبطُ الباقي (الجُزْء الثالث) بالغلوبولين الرَّابط للهرمونات المَصْلِيَّة (SHBG). ويُعَدُّ التِّسْتوستيرون الحر والمرتبط بالألبومين هو الفعَّال بَيولوجيَّاً فقط؛ ويساهمُ كلاهما في التِّسْتوستيرون المتوفِّر حيويَّاً لدى الذكر، والذي يحوِّر وظائفَ الأندروجين الموصوفَة سابقاً. ويمكن عِنْدَ مرحلةٍ ما بعد البلوغ أن يؤدِّي أيُّ انخفاضٍ كبير في تركيز تِسْتوستيرون المصل، لا سيَّما التِّسْتوستيرون الحر، إلى خللِ الأداء الجِنْسِي، بما في ذلك النَّقْص الجزئي أو الغياب الكلِّي للشَّهْوَة الجِنْسِيَّة.
تَتفاوتُ تراكيزُ الغلوبولين الرَّابط للهرمونات المَصْلِيَّة من شخصٍ إلى آخر، وتتغيَّرُ بسبب العمر أو الأمراض المزمنة، ممَّا يؤثِّر في قياس التِّسْتوستيرون. وتشتملُ الحالاتُ الكثيرَة التي يمكن أن تؤثِّر في قياس قيم التِّسْتوستيرون، بإنقاصِ الغلوبولين الرَّابط للهرمونات المَصْلِيَّة أو زيادته: على السِّمْنَة، وقصور الدرقيَّة، وإعطاء الهُرْمونات الذكريَّة أو الأنثويَّة، والمتلازمة الكُلائيَّة (داءٌ كلوي تنكُّسي متصاحب بوَذَمة، وارتفاع كوليسترول المَصْل، وزيادة إفراغ الألبومين في البول)، وضخامة النِّهايات (فرط إفراز هرمون النموِّ النخامي مع ضخامة العظام)، وتقدُّم العمر، وفرط الدرقيَّة، والعَدْوَى بفيروس العوز المناعي البشري، والتشمُّع الكبدي، واستعمال مضادَّات الاختلاج. ولذلك، يُعَدُّ القياسُ الدَّقيق للتِّسْتوستيرون الفعَّال (أي الحر والمرتبط بالألبومين) ضرورياً لتشخيصِ قُصور الغُدَد التَّناسليَّة ومعالجته.
مع تقدم الرجل في العمر، يَنْخفضُ تِسْتوستيرون المصل بشكلٍ طَبيعي بمقدار 1٪ تقريباً كلَّ سنة بعد عمر الخمسين. ولكنَّ معدَّلَ النَّقْص لا يَكون ثابتاً: حيث يبلغُ نحو 2 - 5٪ للذين تتراوح أعمارهم بين 40 - 49 سنة، و6 - 30٪ للذين تتراوح أعمارهم بين 50 - 59 سنة، و20 - 45٪ للذين تتراوح أعمارهم بين 60 - 69 سنة، و43 - 70٪ للذين تتراوح أعمارهم بين 70 - 79 سنة، و91٪ للذين تجاوزوا 80 سنة. وعندما ينقصُ تركيزُ التِّسْتوستيرون لدى بعضِ الرِّجال المسنِّين وتحصلُ تغيُّراتٌ سريرية، يَعْزو بَعْضُ الأطبَّاء هذه التَّغيُّراتِ إلى التَّقدُّم في العمر، بينما يعزوها آخرون إلى انخفاضِ التِّسْتوستيرون بشكلٍ خاص. لقد أُعْطِيَ انخفاضُ تركيز هذا الهرمون مع العمر، مَصْحوباً بأعراضِه السَّريرية، أسماءَ مختلفة مثل إِياس الذُّكُور (سنِّ اليأس عندَ الذُّكُور)، وانخفاض الأَنْدروجين لدى الذَّكر المسن، وقصور الغُدُد التَّناسليَّة المتأخِّر والمصحوب بأعراض. وخلافاً لسنِّ اليأس لدى الإناث، يكون بَدْءُ سنِّ اليأس لدى الذكور بطيئاً ومخاتلاً.
يُقَدَّرُ، حسب دراسة ماساشوستس لشيخوخة الذُّكور (MMAS)، أنَّ نحو 2.5 مليون رجل تتراوح أعمارهم بين 40 - 69 سنة يعانون من قصورِ الغدد التَّناسليَّة في الولايات المتحدة (بمعدَّل انتشار يبلغ نحو 12.3٪ لكل مئة ألف رجل)، مع ظهور نحو 481 ألف حالة جديدة سنوياً (آروجو وزملاؤه 2004). وتشتملُ العلاماتُ والأعراض غير النَّوْعية لعَوَز الأندروجين على:
= نقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة.
= العجز في تحقيق الانتصاب.
= نَقْص القُدْرات الفكريَّة، والذَّاكرة، والتَّرْكيز الذهني.
= اضطراب (التَّوَجُّه) الاهتداء الحيِّزي.
= تَغيُّرات المزاج.
= الاكتئاب، والنَّكد، والحُزْن، والغضب، ونقص المتعة بالحياة.
= فَقْر الدَّم.
= نَقْص الكتلة، والقوَّة العضلية، والطَّاقة، والتَّحمُّل، والمقدرة على التَّمْرين.
= نَقْص الطَّاقة، والحافز، والدَّافِع.
= نَقْص الثِّقَة بالنَّفْس والعدوانيَّة.
= الأَرَق، واضطرابات النَّوْم.
= نَقْص الطَّاقَة والأداء العملي.
= تَراكُم الدُّهْن في أسفل البطن.
= نَقْص الشعر، والطول، وبطء نموِّ اللحية.
= التَّعَب، وتراجُع الأداء العملي.
= فَقْر الدَّم، والتَّغيُّرات الجلديَّة، والأَوْجاع العضليَّة، واحتمال حدوث تَخَلْخُل العظام.
= التناذر الاستقلابي مع زيادة تركيز السكر والشحميات والكوليسترول في الدم وارتفاع الضغط الدموي وتكوين الدهن في أسفل البطن.
= زيادة وُقوع كسور الورك، وداء السكري النَّاجِم عن مقاومة الأنسولين (داء السكري من النَّمط الثاني)، ونَقْص البروتين الشَّحْمِي المُرْتَفِع الكَثافَة (الكوليسترول الجيِّد).
رغمَ أنَّ قُصورَ الغُدَد التَّناسليَّة قد رُبْطَ بزيادةِ معدَّل وُقوع سرطان البروستات، الذي كان مترافقاً بدرجة ومرحلة سيِّئة من السَّرطان، لكنَّ دراسةَ ماساشوستس لشيخوخة الذُّكور لم تجد علاقةً لسرطان البروستات بمستوياتِ تِسْتوستيرون المصل الكلِّي أو التِّسْتوستيرون الحر أو الغُلوبولين الرَّابِط للهُرْمونات المَصْلِيَّة أو الإِسْتراديُول أو الأَنْدروستيرون (بونتِس وزملاؤه 2006).
مع حصولِ بعضِ الأعراض، لا سيَّما عِنْدَ إجراء فحصين مختبريين متتاليين على الأقل بين السَّاعة الثامنة صباحاً والعاشرة صباحاً يُظْهِران مستوىً لتِسْتوستيرون المصل أقل من القيمة الطَّبيعية البالغة 300 مكغ/100 مل أو انخفاضاً نوعيَّاً في التِّسْتوستيرون المتوفِّر حيوياً، يمكن وَضْعُ تَشْخيص بوجود عوز الأندروجين بكلِّ ثقة.
ينبغي الاحتفاظُ بمعالجةِ قُصُور الغدد التَّناسليَّة بالتِّسْتوستيرون للرِّجال الذين لديهم أعراضٌ وعلامات هامَّة، ويمكن أن تُعزِّزَ إسترات التِّسْتوستيرون المتناولة عبر الفم، أو بتَطْبيقِ المعالجةِ بواسطة الهُلام أو اللُّصاقات الجلدية أو أُسْلوب الخد (أقراص توضَع تحت اللثة) أو الحقن داخل العضلات السريعة أو البطيئة المفعول أو البُذَيْرات تحت الجلد، الرَّغْبَةَ الجِنْسِيَّة وتحسِّن الأداءَ الجِنْسِي. كما قد تحسِّن أيضاً القدراتِ الذهنيَّةَ، والمزاج، والاكتئاب، والكتلة العضلية والعظميَّة، والقوَّة، والنَّشاط، وفقر الدَّم وتُقَلِّل من وقوع الكسور المرتبطة بتخلخلِ العظام، وتزيد عافيةَ الرَّجُل ونوعيَّة الحياة لديه، وتُنْقِص الخطرَ القلبي الوعائي. وينبغي أن تَكونُ المعالجةُ المعيضة للتِّسْتوستيرون فرديَّةً (خاصَّة بكلِّ مريض) للحصولِ على أفضل النَّتائِج مع أقل التَّأْثيرات الجانبيَّة، ولا بدَّ من مراقبة المريض بشكلٍ دوري لتقييم كفاءتها والانتباه إلى التَّفاعلات الجانبيَّة.
خَبرٌ عاجِل: الفوائدُ الخاصَّة للمعالجةِ بالتِّسْتوستيرون في بَعْضِ حالاتِ قُصور الغُدَد التَّناسلية وخَلل الأداء الجِنْسِي
لوحظ حديثاً ترافقُ قُصور الغدد التَّناسلية مع نقص في معدل هرمون الذكورة التستوستيرون أيضاً مع حالةٍ غير صحيَّة تُدْعَى المتلازمة الاستقلابيَّة؛ وتتصفُ هذه المتلازمةُ بسِمْنَة مركزية ومقاومة للأنسولين مع داء سكري من النَّمط الثاني أو اضطراب تحمُّل الغلوكوز، وزيادة ثلاثيَّات الغليسيريد في المصل (دهون طبيعية تُصَنَّعُ من السُّكِّريَّات)، ونَقْص تركيز الكوليسترول الجيِّد وفرط ضغط الدَّم. ويمكن أن تؤدِّي المعالجةُ بالتِّسْتوستيرون إلى إبطاء أو عَكْس ترقِّي المتلازمة الاستقلابيَّة باتِّجاه داء سكري صريح وداء قلبي وعائي، ويمكن أن تقي من حدوثِ خللٍ مرافق في الأداءِ الجِنْسِي، لا سيَّما في الحالات المترافقة مع انخفاض واضح في التِّسْتوستيرون الحر. وعلاوةً على ذلك، يبدو أنَّ قصورَ الغدد التَّناسلية والعجز في تحقيق الانتصاب أكثرُ شيوعاً لدى الرِّجال المصابين بفيروس نَقْصِ المناعة البشرية المكتسب HIV والذين يمكن أن يستجيبوا جيِّداً أيضاً للمعالجةِ المعيضة للتِّسْتوستيرون.
لكنَّ المعالجةَ بإعاضة التِّسْتوستيرون مضادُّ استطبابٍ بوجود سرطان البروستات أو الثَّدْي أو بوجود جساوة (قَساوَة) أو عُقَيْدَة في البروستات أو عدم تناظر فيها، أو إذا كانَ المستضدُّ النَّوْعي للبروستات في المصل (PSA) أكثرَ من 3 مكغ/مل أو الهيماتوكريت (حجم الكريَّات الحمر في عيِّنَة الدم المُثَفَّل) أكثر من 50٪، أو بوجود توقُّف التَّنَفُّس النَّوْمي غير معالَج أو الفشل القلبي الشَّديد أو أعراض السَّبيل البولي السُّفْلي الشَّديدة والنَّاجمة عن فَرْط التَّنسُّج البروستاتِي الحميد. وتشتملُ الأخطارُ والتَّأْثيرات الجانبية المحتملة لهذه المعالجةِ على تَنْبيه سرطان البروستات الخفي وزيادة حجم البروستات، مع تفاقُم الأعراض البولية الانسدادية، والحوادث القلبية الوعائية، واحتباس السَّوائِل، والثُّنْدُؤَة (فَرْط نمو الثديين عِنْدَ الذكر)، وتوقُّف التَّنفُّس النَّوْمي المتفاقِم مع فرط الشخير أثناء النوم والنعاس خلال النهار، وكَثْرَة الكريات الحمر (زيادة كتلة الكريات الحمر الإجمالية في الدَّم). أمَّا المضاعفاتُ الأخرى المرافقة لاستعمال بَعْض المُسْتَحْضَرات الفموية للتِّسْتوستيرون (غير المرخَّصة أو المتوفِّرَة في الولايات المتحدة) فقد تضمُّ نقصَ الكوليسترول الجيِّد وزيادة خطر الأمراض أو الحوادث القلبيَّة الوعائية والسُّمِّيَّة الكبديَّة المتوقَّعَة.
المسببات الرَّئيسية الأخرى
بَعيداً عن الاضطراباتِ الهرمونيَّة المستبطنة (الخفيَّة)، يمكن أن تساهمَ عِدَّةُ عوامل بَيولوجيَّة ونفسية أخرى في نقصِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة؛ ومن بين أكثر هذه العوامل شُيُوعاً العمرُ، واضطراباتٌ طبِّية مختلفة (انظرْ لاحقاً)، واضطرابات الأكل، والأدوية المضادَّة للاكتئاب، وتمارين كمال الأجسام. وتشتملُ الأسبابُ الأخرى لنَقْصِ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة على الاكتئاب، والقلق، والغضب، ومتلازمة الكرب التَّالية للرَّضْح، وصراع العلاقات.
الشَّيْخوخَةُ أو تَقدُّمُ العمر
ربَّما يَكونُ تقدُّمُ العمر السَّببَ الجسدي الأكثر شيوعاً لنقصِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، حيث يحصل تراجعٌ تدريجي في الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة بعد عمر الأربعين؛ ولكنَّ ذلك لا يعني أنَّ النِّساءَ أو الرِّجالَ المسنِّين غيرُ مُهْتَمِّين بالجِنْس، بل العكس هو الصَحيح؛ حيث إنَّ الثلثين تقريباً يحافظون على رغبةٍ خفيفة إلى متوسِّطة في الدُّخول في النَّشاط الجِنْسِي. وقد تؤثِّر الحالاتُ الطبِّية المزمنة المختلفة وبَعْضُ الأدوية في هذه الرَّغْبَة. ومع ذلك، يمكن أن يحقق أغلبيةُ الرِّجال المسنين انتصاباً جيِّداً، مع أنَّه يكون أقلَّ ممَّا كان عليه سابقاً، كما يستطيعون بلوغَ النشوة والقذف بشكلٍ مقبول. ويعاني بعضُ الرِّجال المسنِّين من الاكتئاب، والقلق، وغياب الشَّريكة، والخوف من الموت، ومن مشاكلَ عائليةٍ ونفسية وكلُّ ذلك قد يعوقُ الرَّغْبَةَ الجِنْسِيَّة لديهم. ولكن لا تُسْتطَبُّ المعالجةُ بالتِّسْتوستيرون في غياب قُصور الغُدَد التَّناسليَّة.
الحالاتُ الطبِّية
تشتملُ الأسبابُ الطبِّية لنَقْصِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة على السَّكْتَة، والصَّرْع، والفشل الكلوي المزمن، وداء الشرايين التَّاجيَّة، والفشل القلبي، وعَدْوى الهيف HIV أو الإيدز، والتهاب المفاصل المزمن. كما أنَّ المرضى المعالجين بالدِّيال[59]بسبب مرضٍ كلوي يكونون أكثرَ إصابةً بنقص الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة من أولئك الذين خضعوا لزراعة الكليَة غالباً. ويمكن أن تؤدِّي الأدوية أيضاً إلى نقصِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، مثل الهرموناتِ الأنثويَّة والهرمون المُطْلِق للمُوَجِّهَة التَّناسليَّة GnRH ومضادَّات الأندروجين المستعمَلَة في سرطان البروستات النَّقيلي والأدوية الدُّوبامينيَّة الفِعْل (المنبِّهَة للدُّوبامين) كاللِّيفودوبا (الذي ينبِّه تأثيرَ الدُّوبامين في الدَّماغ) المُسْتَعْمَل في داء باركنسون. ولا يوجد حتَّى الآن - وللأسف - معالجةٌ فعَّالة لنَقْصِ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة مشتقَّة من مُعْظَمِ هذه العَوَامِل الجسديَّة سوى تَغْيير أو إيقاِفِ الأدوية لفترةٍ قَصيرَة تحت إشرافٍ طبِّي إذا كان ذلك متيسِّراً طبيَّاً.
العَوَامِلُ النَّفْسية المرضيَّة والنَّفْسية
يُعَدُّ نقصُ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة الاضطرابَ الجِنْسِي الأكثر شُيُوعاً في عياداتِ الطِّبِّ النَّفْسي الخارجيَّة، لا سيَّما عند أولئك المصابين بالفُصام والذين يتناولون مضادَّاتِ الذُّهان، أو المصابين بالاكتئاب الكبير (مع أو من دون أدوية). ويمكن أن يؤثِّرَ نقصُ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة لدى أكثر من 40٪ من الرِّجال المكتئبين؛ ومن جهةٍ أخرى، قد يُبْدي أكثر من 10٪ زيادةً في الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة. كما قد تؤدِّي الأدويةُ المضادَّة للاكتئاب إلى نَقْصِ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة، لذلك يجب أن يستعملَها المرضى المُكْتَئِبون - الذين لا يزالون مهتمِّين بالجِنْس - بانتباهٍ وحذر وشكل انتقائي.
تمارسُ اضطراباتُ العَلاقَة دَوْراً هامَّاً، لكنَّه غيرُ مُقَدَّر غالباً، في إنقاص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة؛ فالتَّنَافُرُ الجسدي، ومسائل النَّظافة، والاستياء، والغضب، والشَّكّ،ُ والبُغْض، والقذف الباكر، والتَّجارب الجِنْسِيَّة الرَّاضَّة الماضيَة، والزِّنان والغَيْرَة، وعدم الرِّضا عن العلاقة كلُّها عواملُ هامَّةٌ يمكن أن تحتاج إلى معالجةٍ نفسية وطَلْب المشورة بشأنِ العلاقة أو الزَّواج لتَدْبيرها.
معالجاتٌ في الأفق
يمكن أن تقدِّمَ بعضُ العوامل المُسْتَقْصاة حديثاً، مثل محوِّرات مستقبلات الأندروجين التي تزيد كفاءةَ مُسْتَقْبِلات التِّسْتوستيرون، مفاتيحَ جديدةً للمعالجةِ المأمونة والفعَّالة لقصور الغُدَد التَّناسليَّة. ولقد طُرِحَتْ عدَّةُ عوامل دوائية، مثل اليُوهمبين والنِّتْروميد (تَوْليفة من مانح لأُكْسيد النِّتْريك، والأَرْجينين المُيَاسِر L-arginine، واليُوهمبين) ومُنْهِضات الدُّوبامين بما في ذلك الأَبومورفين تحت اللسان بجرعةٍ عالية (الأُبْريما؛ انظرْ وصفَ الأبومورفين في الفصل 11) كمنبِّهات محتملة للرَّغْبَةِ الجِنْسِيَّة. وهي، مثلُها مثلُ محوِّرات مستقبلات الأندروجين، قد أعطت بعضَ النَّتائِج الأوَّلية المشجِّعَة، إلاَّ أنَّ معظمَ تلك الدِّراسات افتقرت إلى أنظمةٍ سُلَّميَّة (ذات درجات) صالحة ومعايير موضوعيَّة لتَقْييم كفاءة المركَّبات وسلامتها. وهناك عدَّةُ شركات أدوية تعمل على تطوير مُضادَّات انتقائيَّة للبِبْتيد العَصَبِي واي (Y) تُلْجِم تأثيرَ بعض النَّوَاقِل العصبيَّة المُنْقِصَة للرَّغْبة، والتي قد تَثْبُتُ في نهاية المطاف فائدتُها في تدبيرِ نَقْصِ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة.
قد يكونُ لبعض الرَّوائح المُسْتَقْبَلَة على المستوى الشُّعوري، مثل العُطور، القدرةُ على تحريض الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة عِنْدَ الإنسان، ربَّما بتعزيز ضفائر حسِّية أخرى كالرؤيَة واللَّمْس، والمساهمة في الصُّورَة المركَّبة للشَّريكة الجذَّابة (غولمير وغرين 1998). ولقد أظهرت الفيروموناتُ، وهي موادُ كيميائيَّة معيَّنة ذات روائح تُسْتَقْبَلُ على المستوى دون العَتَبَة، القدرةَ على تحريض الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، المجانسة، والتَّكاثُر في قرود الرِّيْسيوس والخنازير، لكن لم تَثْبُتْ كفاءتُها بَعْدُ في الإنسان.
لكنَّ القليلَ من الدِّراسات الحديثَة ارتأت أنَّ بعضَ الفيرومونات التَّرْكيبيَّة يمكن أن تزيدَ معدَّلات اللِّقاءات والسُّلوك الجِنْسِي لدى الرِّجال. وأظهرت دراساتٌ أخرى أنَّ إضافةَ فيرومون معيَّن (لم يُعْرَفْ تركيبُه بعد) إلى كريم الحلاقَة عِنْدَ الرِّجال يوميَّاً يبدو أنَّه يزيد رغبتَه الجِنْسِيَّة نحو عِنْدَ الشَّريكَة الأنثى (كولتر وزملاؤه 1998). وقد يَكونُ للاستعمالِ المستقبلي لهذه المواد تأثيرٌ كبير في تَدْبير نَقْصِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، لا سيَّما عندما تُشْرَكُ بأنواعٍ أخرى من المعالجة، ولا بدَّ من دراساتٍ أخرى في هذا الميدان الجديد.
علاوةً على ذلك، لم يَثْبُتْ وُجودُ دَوْرٍ فعَّال بشكلٍ خاص لجميع الأطعمة المستخدَمَة عادةً في تَعْزيز الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، والأعشاب، والجَروعات مثل الجِينسنغ والذُّبابَة الإِسْبانِيَّة والذُّرَّاح والكافيار والمَحار والشُّوكولاته والفريز والأَطْعِمَة التَّوابليَّة (الكَثيرَة التَّوابِل) والجِنْكَة ذات الفصَّيْن والمقادير المعتدلة من الكحول. وفي الحالات التي نجحت فيها هذه الموادُ في زيادة الشهوةِ الجِنْسِيَّة لدى بعض الرِّجال، ربَّما كانَ ذلك بسبب أنَّها تُلْجِم المثبِّطات الجِنْسِيَّة الذهنيَّة أو تعمل على المستوى التَّحْفيزي أو على مستوىً نفسيٍّ آخر.
"الفياغريَّة"
مع تَوفُّر مُثَبِّطاتِ الفُسْفُودَايسْتِراز من الفئة 5 ونجاحها، مثل الفياغرا والسيالس والليفيترا، في استعادةِ الأداء الجِنْسِي الطَّبيعي، أصبحَ ملايينُ الرِّجال الذين يعانون من عجز في تحقيق الانتصاب قادرين على إحراز انتصاب قوي ومستمر يسمحُ بمجانسة مرضية. ولكنَّ هذه الأدويةَ لا تستطيعُ زيادةَ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة النَّاقِصَة، ولذلك ليس من المستغرب أن تَكونَ هناك مجموعةٌ كبيرة من الرِّجال القادرين على بلوغِ الانتصاب لكن مع رغبةٍ خفيفة أو من دون رغبةٍ فِعْليَّة في القيام في ذلك. ويَعْمَدُ بعضُ هؤلاء الرِّجال عوضاً عن ممارسة الجنس إلى قضاء أوقاتهم في لعب الغولف أو مشاهدَة التِّلْفزيون؛ وقد يشعرُ الكثيرُ من الآخرين بالخيبة نتيجةَ نقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة لديهم ويتمنَّوْنَ كثيراً أن يتمتَّعوا بالمتعة الجنسيَّة من جديد. إنَّ مصطلحَ الفِياغريَّة مصطلحٌ راهن اقتُرِحَ للتَّعْبيرِ عن رغبةٍ كبيرة لدى الرِّجال الرَّاغبين والقادرين على استعمال أحد أَدْوِيَةِ معالجة العجز في تحقيق الانتصاب بهدف بلوغه، لكنَّهم يفتقرون إلى الحافِز النَّفْسي أو الفيزيولوجي لممارسةِ الجنس، وهذا ما يؤدِّي إلى خَيْبةٍ شَديدة عِنْدَ شريكاتهم الجِنْسِيَّات.
نَظريَّاتُ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة
لا تَزالُ الظَّاهِرَةُ الدِّماغية المعقَّدة للرَّغْبَة الجِنْسِيَّة غيرَ مفهومةٍ جيِّداً، رغمَ النَّظريَّات المختلفة المتعلِّقَة بآليتها. وقد اقترحَ ماسترز وجونسون "النَّظريَّةَ الخَطِّيَّة" في البداية، وهي تَنصُّ على أنَّ "الأفكارَ، والأَخْيِلَة الجِنْسِيَّة، والرَّغْبَة المتأصِّلة في تَفْريغ التَّوتُّر الجِنْسِي وإعتاقه هي واصماتُ هذه الرَّغْبَة". وقد أكَّدا على أنَّ "التَّجربةَ الشَّخْصية للشَّبَقِ في كلا الشَّريكين الجِنْسِيين يجب أن تسبقَ أيَّةَ إطلاقٍ أو ابتدارٍ للجِنْسانيَّة".
لكنَّ الحياةَ الحقيقية تُبْدي فروقاً عامَّة بين شُعور الشَّريك بالرَّغْبَةِ الجِنْسِيَّة؛ فمثلاً، هناك اختلافٌ في تَوْقيت النَّشاطِ الجِنْسِي وتواتره؛ كما أنَّ دخولَ الزوجين في النَّشاطِ الجِنْسِي لا يعودُ إلى رغبةٍ داخليَّة فقط، وإنَّما إلى دوافعَ غيرِ جِنْسِيَّة أيضاً، مثل إرضاء الشَّريكة وصَرْف انتباهها عن الأفكار المملَّة أو السَّأم أو كمكافئةٍ زوجيَّة أو لأسباب أخرى ارتباطيَّة أو شخصيَّة؛ ويُصْطَلَحُ على تسميةِ ذلك باسم "الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة الاستقباليَّة" مقابل "الرَّغْبَة الفاعِلَة". وبذلك، يَفْسَحُ الطِّرازُ الخطِّي المُفْرِط التَّبْسيط المجالَ فوراً نحو فرضيَّات متعدِّدَة العوامل أو "حلقيَّة" للعلاقَةِ المُتَبادلة بين الرَّغْبَةِ الجِنْسِيَّة والتَّهيُّج الجِنْسِي والأداء، ويتأثَّرُ بدوافع شعوريَّة ولاشعوريَّة.
استناداً إلى نظريَّة جانسِين، تَتَبَدَّى الرَّغْبَةُ الجِنْسِيَّة بطرازٍ ثنائي المرحلة لتَحْليل المعلومات (جانسين وزملاؤه 2000)؛ ففي المرحلةِ الأولى، تُحَضِّرُ المُنَبِّهاتُ الجِنْسِيَّة دون العَتَبَة (مثل الأَخْيِلَة والأفكار اللاشعوريَّة) الجهازَ الجِنْسِي للتَّهيُّج بِجعلِهِ مُسْتَقْبِلاً لإدراك المُنَبِّهات الشَّبقيَّة (مثل اللَّمْس، والنَّظر، والصَّوْت، والرَّائحة). وبعد هذا الاحتقان التَّحْفيزي الأوَّلي، قد يصبحُ الرَّجلُ مُدْرِكاً لهذا الحافز على أنَّه رغبةٌ تتحوَّل إلى متعةٍ ورضا بالتَّجربةِ الجِنْسِيَّة. وبذلك، يقترحُ جانسين أن طورَ التَّهيُّج يَسْبقُ الرَّغْبَةَ ويُحفِّزها.
في المرحلةِِ الثانية، يَقومُ التَّهَيُّجُ الجِنْسِي العقلي بتَحْوير النَّوَاقِل العصبيَّة في المراكز الحوفيَّة للدِّماغ، ممَّا يؤدِّي إلى إفراز النَّاقل العصبي الميسِّر "الأُوكْسيتوسين"، في حين يُلْجِمُ النَّاقِلَ العصبي المثبِّط السِّيروتونين. وتنبِّه هذه العمليَّةُ، من خلال تَفْعيل المركز الجِنْسِي في النُّخاعِ الشَّوْكي العجزي، الأعصابَ الحوضيَّة والقضيبيَّة لإحداثِ احتقانٍ وانتصاب في القضيب، ممَّا يعزِّز أو يزيد رغبةَ الرَّجُل وشهوته (موليمان وفان لانكفيلد 2004). ولكن، خلال المرحلة الثانية، يمكن أن تُحْصِرَ المُنَبِّهاتُ المثبِّطَة مثل الاستغراقِ الذهني، والقَلق، والغضب، والخوف من الإخفاق، والأفكار غير الجِنْسِيَّة العمليَّةَ وتُجْهضها ممَّا يقودُ إلى زوالِ الرَّغْبَة والتَّهَيُّج.
نَقْصُ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة
يُعرَّفُ اضطرابُ نقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة (HSDD) في الدَّليل التَّشْخيصي والإحصائي للاضطراباتِ النَّفْسية (الطَّبعة الرابعة، 1994) بأنَّه "الغياب المستمر أو المتكرِّر أو نقص التخيُّلات الجِنْسِيَّة والرَّغْبَة بالنَّشاط الجِنْسِي بسبب عواملَ تؤثِّر في الوَظيفة الجِنْسِيَّة، مثل العمر والجنس وسياق الحياة". من الصعوبة بمكان تَقْييمُ الانتشار الحقيقي لاضطرابِ نَقْص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة الذي يتراوحُ ما بين 0 - 15٪ في الدِّراساتِ المعتمدة على السكَّان، وهو تقديرٌ خاطئ بشكلٍ مؤكَّد، لا سيَّما وأنَّ معظمَ الرِّجال لا يُظْهِرون مشاكلَهم الجِنْسِيَّة ما لم يُسْألوا عنها بشكلٍ واضح من قِبَل أطبائهم.
يعتمدُ تَقْييمُ مشكلة الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة على أسئلةٍ مباشرة وواضحَة يطرحها الطَّبيبُ على المريض فيما يتعلَّق بالحافزِ والرَّغْبَة الجِنْسِيَّة. ويمكن الحصولُ على معلوماتٍ أخرى مفيدة من شَريكة المريض أو باستعمال استبيانات مثل قائمَة جَرْد الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة أو جَرْد غولومبُوك روست للإشباع الجِنْسِي.
ينجمُ نقصُ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة عن ضروبٍ واسعَة من العوامل البَيولوجيَّة والنَّفْسية، بما في ذلك تقدُّمُ العمر واضطراباتٌ طبِّية مختلفة مثل داء الشرايين التاجيَّة، والفشل القلبي، ومُتَلازِمَة نقص المَناعة المُكْتَسَبة AIDS، والفشل الكلوي. كما أنَّ بعضَ ممارسي رياضَة كمال الأَجْسام والمصابين باضطراباتِ الأكل يكونون عُرْضةً لنقصِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة أيضاً. وتشتملُ الاضطراباتُ النفسيَّة الأكثر تَرافُقاً بنَقْصِ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة على الاكتئاب، والقلق، والغضب، واضطرابات العَلاقات.
خبرٌ عاجِل: الرَّغْبَة تكمن في الـ DNA[58]
رغم أنَّه باتَ من المقبول التَّسْليمُ بأنَّ الرَّغْبَةَ لدى كلا الجِنْسِين تعتمد على عواملَ نفسيَّة وهُرْمونيَّة، لكن لا يوجدُ إثباتٌ علمي نوعي يدعمُ هذه النَّظرية؛ غير أنَّ دراسةً نُشْرَتْ حديثاً في الطبِّ النَّفْسي الجزيئي (إيبشتاين 2006) بتفحُّصِ ال DNA لدى 148 فرداً صَحيحاً من طلبةِ الجامعة الذُّكور والإناث، أظهرت أنَّ نقصَ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة المسجَّل ذاتيَّاً كانَ مرتبطاً بفوارق جينيَّة (وراثيَّة)، أي بتفاوتٍ في جين يُدْعَى المستقبلة D4؛ وقد يعني ذلك أنَّ نقصَ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة يمكن أن يُعَدَّ حالةً بَيولوجيَّة طبيعية وليس حالة نفسية. ولكنَّ هذا الاكتشافَ اللافت للنَّظر يحتاج بالطَّبْع إلى إثباتٍ بدراسات أخرى في عدَّة مراكز قبلَ القَبول به من قِبَل المجتمعِ الطبِّي.
المسببات الهُرْمونيَّة
إنَّ الأسبابَ الهُرْمونيَّة لنقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة معقَّدةٌ. ولكن، أصبحَ من المقبول طبيَّاً أنَّ نَقْصَ تِسْتوستيرون المصل يمكن أن يؤدِّي إلى غياب أو نقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة لدى الرِّجال المسنِّين والنِّساء بعد سن اليَأْس؛ وقد يتفاوتُ معدَّلُ وقوع هذه الظاهرة لدى الرِّجال المسنِّين، مثلما سنناقش أكثر في هذا الفصل، ما بين 5 و20٪. وكتذكير بفيزيولوجيَّة هذا الهرمون، دعونا نذكر رؤوسَ أقلام عن آليَّةِ إنتاجه؛ فالوِطاءُ في الدِّماغ يُفْرِزُ هُرْموناً يُدْعَى الهُرْمون المُطْلِق لمُوَجِّهَةِ الغُدَدِ التَّناسُلِيَّة (GnRH)، وهو ينبِّه الغدَّةَ النُّخامية [المتوضِّعَة في قاعدة الدِّماغ تحت التَّصالُبَة البصريَّة التي تمثِّلُ الجُزْءَ الوطائي المتشكِّل من تَصالُب العَصبين البصريين القادمين من النِّصْف الإنسي للشبكيَّة] لإنتاج هُرْمونَيْن: الهرمون المنبِّه للجريبات (FSH) الذي يساهمُ في إنتاجِ النِّطاف، والهرمون المُلَوْتِن (LH) الذي ينبِّه خلايا لايديغ في الخصيتين لإنتاج الهرمون الذكري "التِّسْتوستيرون" (يُفْرَزُ معظمُه من الخُصيتين، وبعضُه من الغُدَّتين الكُظْريتين).
يمارسُ التِّسْتوستيرون أَدْواراً رئيسيَّة في تَكْوين النِّطاف والتَّمايُز الجِنْسِي الجنيني (انظرْ اللوحةَ الجانبية اللاحقَة) والنُّضْج عِنْدَ البلوغ وإفراز الموجِّهات النُّخاميَّة للغددِ التَّناسليَّة. كما يؤثِّرُ في إفراز الجسم للإريثروبويتين (هرمونٌ يُفْرَزُ من الكليتين البالغتين، ينبِّه إنتاجَ الكريات الحُمْر من نقي العظم) ونموِّ العضلات وقوَّتها وإفراز الأنسولين والحساسيَّة له وشاكلة شحميَّات المصل وضغط الدَّم.
تَكونُ تراكيزُ الهُرْمون المنبِّه للجُرَيْب، والهرمون المُلَوْتِن، والتِّسْتوستيرون منخفضةً لدى الوليد الذكر، لكنَّها لا تلبث أن ترتفعَ بعدَ عدَّة أشهر من الولادة، ثمَّ تنخفضُ من جديد بعمر 9 - 12 شهراً. وتزداد مستوياتُ الهرمون الملوتن والهرمون المنبِّه للجريب شَيْئاً فشيئاً من عمر 6 - 8 سنوات حتى اكتمال البلوغ، ويترافق ذلك مع ارتفاع ثابت في التِّسْتوستيرون بعمر 12 - 14 سنة نتيجةً لفَرْطِ الإفراز الليلي للهُرْمون المُلَوْتِن في منتصف البلوغ. وكما ذكرنا سابقاً، ينتجُ الرِّجالُ نحو 5 ميليغرام من التِّسْتوستيرون في اليوم.
لكن، يمكن أن يضطربَ إفرازُ التِّسْتوستيرون بسبب آفات صبغيَّة أو جينيَّة (خِلْقيَّة) أو مرضيَّة في الخصيتين أو النُّخامى أو الوطاء. كما أنَّ لَجْمَ الوطاء أو النُّخامى نتيجة المستوياتِ المرتفعة للتِّسْتوستيرون أو الإسْتراديول أو البرولاكتين في الدَّم إلى نَقْصِ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة أو نَقْص أو غياب الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة.
ونُلَخِّص فيما يلي الأعضاءَ الغدِّية الصَّماوية المساهمة وهرموناتها:
= الوطاء - الهُرْمون المُطْلِق لمُوَجِّهَةِ الغُدَدِ التَّناسُلِيَّة، وهرموناتٌ أخرى.
= الغُدَّة النُّخاميَّة - تُفْرِز البرولاكتين من خلايا متخصِّصَة، والهُرْمون المُلَوْتِن والهرمون المنبِّه للجُرَيْب وموجِّهاتٍ أخرى للغُدَد التَّناسليَّة والهُرْمون البشري الموجِّه للغُدَد التَّناسليَّة (HCG).
= الخُصْيَتان - تُفْرِزان معظمَ التِّسْتوستيرون (نحو 90٪) من خلايا لايديغ المتخصِّصَة.
= الغدَّتان الكُظْريَّتان - تُفْرِزان القَليلَ من التِّسْتوستيرون (نحو 10٪) والأدرينالين وهرموناتٍ أخرى.
التِّسْتوستيرون والهرموناتُ الأخرى أثناء الحمل
يحصلُ التَّمايزُ الجِنْسِي لدى الجنين بَعْدَ الأسبوع السادس من الحمل، تحت تأثير عِدَّة جينات، لا سيَّما الجين SRY على النَّاحية المحدِّدَة للجِنْس في الصبغي Y. وفي هذا الوقت، تُشَكِّلُ الخصيتان البدائيَّتان خلايا لايديغ وخلايا سيرتولي (التي تقدِّمَ الدَّعْمَ، والتَّغْذية، والحماية للنِّطاف النَّاميَة) والمادَّة المثبِّطة الموليريَّة (MIS)، حيث تؤدِّي هذه المادَّةُ إلى تراجُع قَنَوات الكُلْوَةِ الجَنينِيَّةِ المُوَسَّطَةِ الإِضافِيَّة، وإلاَّ فإنَّها - لا تُنْتَج هذه المادَّةُ عِنْدَ الإناث - تتشكِّل البوقَيْن (أنبوبَيْ فالوب) والرَّحِم والثُّلْثَين العلويين من المهبل.
يَكونُ تَشَكُّلُ التِّسْتوستيرون من الكوليسترول مَسْؤولاً عن ظهورِ القنوات التَّناسليَّة الذكرية، بما في ذلك الأسهر، والبربخ، والحُوَيْصِلتان المَنَوِيَّتان من قَنَاتِيْ الكُلْوَةِ الجَنينِيَّةِ المَوَسَّطَة. ويعزِّزُ الهرمونُ الملوتن المشيمي الإفرازَ الأولي للتِّسْتوستيرون من خلايا لايديغ الجديدة؛ وتبدأ في الوقتِ نفسِه - وفي مرحلةٍ باكرة من الحمل - الغدَّةُ النُّخامية الجنينيَّة عِنْدَ كلٍّ من الذكور والإناث بتركيب وتخزين الهرمون الملوتن والهرمون المنبِّه للجريب الخاصَّيْن بها، وتفرزهما بتراكيزَ مرتفعة، وهذا ما يساهمُ في إفراز التِّسْتوستيرون. وبَْدءاً من الشَّهْرِ الرابع من الحمل، تَتخلَّقُ الأعضاءُ التَّناسليَّة الظاهرة عِنْدَ الذكر (القَضيب والصَّفن) تحت تَأْثير ثُنائِيِّ هيدروتِسْتوستيرون الذي يتحوَّل من التِّسْتوستيرون بفِعْل أنـزيم مختزلة ألفا 5.
فَرْطُ برولاكتين الدَّم
يَتصاحبُ ارتفاعُ برولاكتين المصل والذي يُسمَّى بالعامية "بهرمون الحليب" أو فَرْط برولاكتين الدَّم لدى كلٍّ من الرِّجال والنِّساء باضطراباتٍ في الوظائف التَّناسليَّة، ويمكن أن يُثبِّطَ بشكلٍ مباشر بعضَ المراكز الجِنْسِيَّة في الدَّماغ. ولدى الرِّجال، قد يُثَبِّطُ ارتفاعُ البرولاكتين إفرازَ الهُرْمون المُطْلِق لمُوَجِّهَةِ الغُدَدِ التَّناسُلِيَّة GnRH الذي ينبِّه عادةً الغدَّةَ النُّخاميَّة لإفراز الهرمون الملوتن الذي يحثّ الخصيتين على إنتاجِ التِّسْتوستيرون. وقد تشتملُ الأعراضُ النَّاجمة عن فَرْطِ برولاكتين الدَّم على نقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، والعجز في تحقيق الانتصاب، والعُقْم، ونقص القُدْرة. كما قد يقودُ نقصُ مستوى التِّسْتوستيرون المرافق إلى تخلخل العظام، وتساقُط الشَّعْر، ونقص الكتلة العضلية أيضاً (يمكن أن يؤدِّي فرطُ برولاكتين الدَّم عِنْدَ الإناث، كما هو مفصَّل في الفصل السابع عشر، إلى التَّأْثير في إفراز الهرمونات من المبيضين، واضطراب الخصوبة، والرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، والتَّهَيُّج الجِنْسِي، وفقد بلوغ النشوة الجنسية فَضْلاً عن المجانسة المؤلمة لدى أغلبية النِّساء المصابات).
يمكن أن تؤدِّي أمراضٌ مختلفة، وحتَّى بعض الحالات الفيزيولوجيَّة، إلى ارتفاع تركيز البرولاكتين في المصل؛ ويكونُ السَّببُ الأكثر شيوعاً هو وجود ورم غدِّي في الغدَّة النُّخامِيَّة (الورم الظِّهاري الحميد). وينجمُ فرطُ برولاكتين الدَّم في حالات نادرة عن نقصٍ في عدد الغُدَد المُفْرِزَة للبُرولاكتين في النُّخامى، أو عن ورم في الوطاء أو بالقرب منه. وتشتملُ الأسبابُ الأخرى على بعض الأدوية التي تُعَدُّ مناهضاتٍ لمستقبلات الدُّوبامين (تُلْغِي تأثيرَ مستقبلات الدُّوبامين)، مثل بَعْض مضادَّات الذُّهان، ومضادَّات ارتفاع ضغط الدَّم، ومُضادَّات الاكتئاب (مثبِّطات اِسْتِرْداد السِّيروتونين الانتقائية)، وقصور الدَّرقيَّة (نَقْص نشاط الغدَّة الدَّرقيَّة وإفرازها الهرموني)، وبعض الحالات الأخرى مثل إصابةِ جدار الصَّدْر والفشل الكلوي المزمن. ولكن، لا يُعْثَر على سببٍ لدى عددٍ كبير من المرضى المصابين بارتفاع البرولاكتين رغم الاستقصاءات الواسِعَة.
يَقومُ تَشْخيصُ فَرْط برولاكتين الدَّم على القصَّة الطبيَّة الشاملة، مع تأكيدٍ خاص على الأعراض الجِنْسِيَّة وعلى أيَّة تغيُّرات في الرُّؤْيَة أو صُداع مزمن يمكن أن يَدُلاَّ على وجود آفة نخاميَّة أو دماغية. ويُتْبَعُ الفَحْصُ الجسدي الكامل، بما في ذلك تَقْييم حقل الرؤية، بتَقْييمٍ مختبري. وتُقاسُ التَّراكيزُ المصليَّة للبرولاكتين، والتِّسْتوستيرون، والهرمونات النُّخامِيَّة الأخرى مَرَّتين على الأقل، ويُفَضَّل أن يَكونَ ذلك في الصَّباح. وفي حالاتِ ارتفاع البرولاكتين، يمكن أن تساعدَ الدِّراساتُ الشُّعاعيَّة بالمرنان MRI والتَّصْوير المَقْطَعِي المُحَوْسَب CT والتَّصْوير المقطعي بقَذْف البوزيترون PET scan (في حالاتٍ نادرة) في كشف ورمٍ غدِّي نخامي أو ورمٍ حميد أو خبيث آخر في الدَّماغ.
يَعْتَمِدُ علاج فرط برولاكتين الدَّم النَّاجم عن ورمٍ غدِّي على الأدوية المُنْهِضَة للدُّوبامين، مثل الكابرغولين أو البروموكربتين لإِنْقاص البرولاكتين ورفع مستوى التِّسْتوستيرون. وتكونُ هذه المعالجةُ في العادة ناجحةً جدّاً في استعادةِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة والفحوليَّة وتحسين إمكانيَّة الإخصاب؛ كما قد تُنْقِص الأعراضَ العصبية النَّاجمة عن الورم الغدِّي، لا سيَّما إذا كانَ الورمُ أكبرَ من 1 سم، ويمتدُّ خارجَ السَّرْج التُّرْكي (البنيَة العظميَّة للجمجمة التي تحيط بالنُّخامَى)، ويضغط على العصبِ البصري أو الجيب الكهفي أو الوتدي (جيبان هوائيان في عظام القحف).
لقد لاحظتُ أثناء ممارستي أنَّ عدداً كبيراً من المرضى المصابين بفرط برولاكتين الدَّم، مع مستوياتٍ طبيعية لتِسْتوستيرون المصل، يَسْتعيدون الرَّغْبَةَ الجِنْسِيَّة بَعْدَ المعالجة بأحد هذه الأدوية. وعلاوةً على ذلك، يُبْدي حتَّى بعض المرضى الذين لديهم مستوياتٌ طبيعية للبرولاكتين والتِّسْتوستيرون في المصل استجابةً لها لأسبابٍ غير معروفة يمكن أن تشتملَ على تأثيرٍ مباشر في المراكز الدَّماغية المسؤولة عن الرَّغْبَةِ الجِنْسِيَّة. ولا بدَّ من دراساتٍ إضافيَّة توقعية ومزدوجة التَّعْمية مضبوطة في عدَّة مراكز لإثبات هذه الملاحظات الأوليَّة.
تشتملُ التَّأْثيراتُ الجانبيَّة لعقاقير الكابرغولين والبروموكربتين على الغثيان، وانخفاض ضغط الدَّم الوضعي (انخفاض ضغط الدَّم عِنْدَ الوقوف)، والتشوُّش الذهني. أمَّا التَّفاعلاتُ الأخرى الأقل شُيُوعاً فهي الاكتئاب، وعدم تحمُّل الكحول، وانسداد الأنف، وظاهرة رينو التي تَتجلَّى بتضيُّق الشرايين المحيطية في اليدين عِنْدَ التُّعرُّضِ للبرد. وفي بعض الحالات، عندما لا توجد استجابةٌ للمعالجةِ الدَّوائية أو إذا كانَ الورمُ الغدِّي بحجم يزيد عن 3 سنتم، يمكن أن يُستَطَبُّ الاستئصالُ الجراحي. ويُلْجأُ إلى العِلاَج بالأَشِعَّة بشكلٍ رئيسي للوقايةِ من النُّكْس بعد استئصال ورمٍ عملاق (يمكن إعطاءُ البروموكربتين للنِساء في حالات الحمل المتصاحِب بفَرْطِ برولاكتين الدَّم، أو بعد المعالجة، طوالَ الحمل من دون تَشْكيل خطر على الجنين).
قُصُورُ الغُدُد التَّناسليَّة
يُعَدُّ قصورُ الغُدَد التَّناسليَّة حالةً مرضية ناجمة عن انخفاض مستوى التِّسْتوستيرون، وهو الهرمونُ الذَّكري الذي يؤثِّر في الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة والفحوليَّة. هذا، ويَتكوَّن التِّسْتوستيرون الكلِّي في المصل من ثَلاثةِ أجْزاء: يكونُ نحو 2٪ من التِّسْتوستيرون عِنْدَ الذَّكر الطَّبيعي حرَّاً (غير مرتبط)، ونحو 65٪ مرتبطاً ارتباطاً رخواً بالألبومين أو البروتينات الأخرى في المصل، بينما يرتبطُ الباقي (الجُزْء الثالث) بالغلوبولين الرَّابط للهرمونات المَصْلِيَّة (SHBG). ويُعَدُّ التِّسْتوستيرون الحر والمرتبط بالألبومين هو الفعَّال بَيولوجيَّاً فقط؛ ويساهمُ كلاهما في التِّسْتوستيرون المتوفِّر حيويَّاً لدى الذكر، والذي يحوِّر وظائفَ الأندروجين الموصوفَة سابقاً. ويمكن عِنْدَ مرحلةٍ ما بعد البلوغ أن يؤدِّي أيُّ انخفاضٍ كبير في تركيز تِسْتوستيرون المصل، لا سيَّما التِّسْتوستيرون الحر، إلى خللِ الأداء الجِنْسِي، بما في ذلك النَّقْص الجزئي أو الغياب الكلِّي للشَّهْوَة الجِنْسِيَّة.
تَتفاوتُ تراكيزُ الغلوبولين الرَّابط للهرمونات المَصْلِيَّة من شخصٍ إلى آخر، وتتغيَّرُ بسبب العمر أو الأمراض المزمنة، ممَّا يؤثِّر في قياس التِّسْتوستيرون. وتشتملُ الحالاتُ الكثيرَة التي يمكن أن تؤثِّر في قياس قيم التِّسْتوستيرون، بإنقاصِ الغلوبولين الرَّابط للهرمونات المَصْلِيَّة أو زيادته: على السِّمْنَة، وقصور الدرقيَّة، وإعطاء الهُرْمونات الذكريَّة أو الأنثويَّة، والمتلازمة الكُلائيَّة (داءٌ كلوي تنكُّسي متصاحب بوَذَمة، وارتفاع كوليسترول المَصْل، وزيادة إفراغ الألبومين في البول)، وضخامة النِّهايات (فرط إفراز هرمون النموِّ النخامي مع ضخامة العظام)، وتقدُّم العمر، وفرط الدرقيَّة، والعَدْوَى بفيروس العوز المناعي البشري، والتشمُّع الكبدي، واستعمال مضادَّات الاختلاج. ولذلك، يُعَدُّ القياسُ الدَّقيق للتِّسْتوستيرون الفعَّال (أي الحر والمرتبط بالألبومين) ضرورياً لتشخيصِ قُصور الغُدَد التَّناسليَّة ومعالجته.
مع تقدم الرجل في العمر، يَنْخفضُ تِسْتوستيرون المصل بشكلٍ طَبيعي بمقدار 1٪ تقريباً كلَّ سنة بعد عمر الخمسين. ولكنَّ معدَّلَ النَّقْص لا يَكون ثابتاً: حيث يبلغُ نحو 2 - 5٪ للذين تتراوح أعمارهم بين 40 - 49 سنة، و6 - 30٪ للذين تتراوح أعمارهم بين 50 - 59 سنة، و20 - 45٪ للذين تتراوح أعمارهم بين 60 - 69 سنة، و43 - 70٪ للذين تتراوح أعمارهم بين 70 - 79 سنة، و91٪ للذين تجاوزوا 80 سنة. وعندما ينقصُ تركيزُ التِّسْتوستيرون لدى بعضِ الرِّجال المسنِّين وتحصلُ تغيُّراتٌ سريرية، يَعْزو بَعْضُ الأطبَّاء هذه التَّغيُّراتِ إلى التَّقدُّم في العمر، بينما يعزوها آخرون إلى انخفاضِ التِّسْتوستيرون بشكلٍ خاص. لقد أُعْطِيَ انخفاضُ تركيز هذا الهرمون مع العمر، مَصْحوباً بأعراضِه السَّريرية، أسماءَ مختلفة مثل إِياس الذُّكُور (سنِّ اليأس عندَ الذُّكُور)، وانخفاض الأَنْدروجين لدى الذَّكر المسن، وقصور الغُدُد التَّناسليَّة المتأخِّر والمصحوب بأعراض. وخلافاً لسنِّ اليأس لدى الإناث، يكون بَدْءُ سنِّ اليأس لدى الذكور بطيئاً ومخاتلاً.
يُقَدَّرُ، حسب دراسة ماساشوستس لشيخوخة الذُّكور (MMAS)، أنَّ نحو 2.5 مليون رجل تتراوح أعمارهم بين 40 - 69 سنة يعانون من قصورِ الغدد التَّناسليَّة في الولايات المتحدة (بمعدَّل انتشار يبلغ نحو 12.3٪ لكل مئة ألف رجل)، مع ظهور نحو 481 ألف حالة جديدة سنوياً (آروجو وزملاؤه 2004). وتشتملُ العلاماتُ والأعراض غير النَّوْعية لعَوَز الأندروجين على:
= نقص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة.
= العجز في تحقيق الانتصاب.
= نَقْص القُدْرات الفكريَّة، والذَّاكرة، والتَّرْكيز الذهني.
= اضطراب (التَّوَجُّه) الاهتداء الحيِّزي.
= تَغيُّرات المزاج.
= الاكتئاب، والنَّكد، والحُزْن، والغضب، ونقص المتعة بالحياة.
= فَقْر الدَّم.
= نَقْص الكتلة، والقوَّة العضلية، والطَّاقة، والتَّحمُّل، والمقدرة على التَّمْرين.
= نَقْص الطَّاقة، والحافز، والدَّافِع.
= نَقْص الثِّقَة بالنَّفْس والعدوانيَّة.
= الأَرَق، واضطرابات النَّوْم.
= نَقْص الطَّاقَة والأداء العملي.
= تَراكُم الدُّهْن في أسفل البطن.
= نَقْص الشعر، والطول، وبطء نموِّ اللحية.
= التَّعَب، وتراجُع الأداء العملي.
= فَقْر الدَّم، والتَّغيُّرات الجلديَّة، والأَوْجاع العضليَّة، واحتمال حدوث تَخَلْخُل العظام.
= التناذر الاستقلابي مع زيادة تركيز السكر والشحميات والكوليسترول في الدم وارتفاع الضغط الدموي وتكوين الدهن في أسفل البطن.
= زيادة وُقوع كسور الورك، وداء السكري النَّاجِم عن مقاومة الأنسولين (داء السكري من النَّمط الثاني)، ونَقْص البروتين الشَّحْمِي المُرْتَفِع الكَثافَة (الكوليسترول الجيِّد).
رغمَ أنَّ قُصورَ الغُدَد التَّناسليَّة قد رُبْطَ بزيادةِ معدَّل وُقوع سرطان البروستات، الذي كان مترافقاً بدرجة ومرحلة سيِّئة من السَّرطان، لكنَّ دراسةَ ماساشوستس لشيخوخة الذُّكور لم تجد علاقةً لسرطان البروستات بمستوياتِ تِسْتوستيرون المصل الكلِّي أو التِّسْتوستيرون الحر أو الغُلوبولين الرَّابِط للهُرْمونات المَصْلِيَّة أو الإِسْتراديُول أو الأَنْدروستيرون (بونتِس وزملاؤه 2006).
مع حصولِ بعضِ الأعراض، لا سيَّما عِنْدَ إجراء فحصين مختبريين متتاليين على الأقل بين السَّاعة الثامنة صباحاً والعاشرة صباحاً يُظْهِران مستوىً لتِسْتوستيرون المصل أقل من القيمة الطَّبيعية البالغة 300 مكغ/100 مل أو انخفاضاً نوعيَّاً في التِّسْتوستيرون المتوفِّر حيوياً، يمكن وَضْعُ تَشْخيص بوجود عوز الأندروجين بكلِّ ثقة.
ينبغي الاحتفاظُ بمعالجةِ قُصُور الغدد التَّناسليَّة بالتِّسْتوستيرون للرِّجال الذين لديهم أعراضٌ وعلامات هامَّة، ويمكن أن تُعزِّزَ إسترات التِّسْتوستيرون المتناولة عبر الفم، أو بتَطْبيقِ المعالجةِ بواسطة الهُلام أو اللُّصاقات الجلدية أو أُسْلوب الخد (أقراص توضَع تحت اللثة) أو الحقن داخل العضلات السريعة أو البطيئة المفعول أو البُذَيْرات تحت الجلد، الرَّغْبَةَ الجِنْسِيَّة وتحسِّن الأداءَ الجِنْسِي. كما قد تحسِّن أيضاً القدراتِ الذهنيَّةَ، والمزاج، والاكتئاب، والكتلة العضلية والعظميَّة، والقوَّة، والنَّشاط، وفقر الدَّم وتُقَلِّل من وقوع الكسور المرتبطة بتخلخلِ العظام، وتزيد عافيةَ الرَّجُل ونوعيَّة الحياة لديه، وتُنْقِص الخطرَ القلبي الوعائي. وينبغي أن تَكونُ المعالجةُ المعيضة للتِّسْتوستيرون فرديَّةً (خاصَّة بكلِّ مريض) للحصولِ على أفضل النَّتائِج مع أقل التَّأْثيرات الجانبيَّة، ولا بدَّ من مراقبة المريض بشكلٍ دوري لتقييم كفاءتها والانتباه إلى التَّفاعلات الجانبيَّة.
خَبرٌ عاجِل: الفوائدُ الخاصَّة للمعالجةِ بالتِّسْتوستيرون في بَعْضِ حالاتِ قُصور الغُدَد التَّناسلية وخَلل الأداء الجِنْسِي
لوحظ حديثاً ترافقُ قُصور الغدد التَّناسلية مع نقص في معدل هرمون الذكورة التستوستيرون أيضاً مع حالةٍ غير صحيَّة تُدْعَى المتلازمة الاستقلابيَّة؛ وتتصفُ هذه المتلازمةُ بسِمْنَة مركزية ومقاومة للأنسولين مع داء سكري من النَّمط الثاني أو اضطراب تحمُّل الغلوكوز، وزيادة ثلاثيَّات الغليسيريد في المصل (دهون طبيعية تُصَنَّعُ من السُّكِّريَّات)، ونَقْص تركيز الكوليسترول الجيِّد وفرط ضغط الدَّم. ويمكن أن تؤدِّي المعالجةُ بالتِّسْتوستيرون إلى إبطاء أو عَكْس ترقِّي المتلازمة الاستقلابيَّة باتِّجاه داء سكري صريح وداء قلبي وعائي، ويمكن أن تقي من حدوثِ خللٍ مرافق في الأداءِ الجِنْسِي، لا سيَّما في الحالات المترافقة مع انخفاض واضح في التِّسْتوستيرون الحر. وعلاوةً على ذلك، يبدو أنَّ قصورَ الغدد التَّناسلية والعجز في تحقيق الانتصاب أكثرُ شيوعاً لدى الرِّجال المصابين بفيروس نَقْصِ المناعة البشرية المكتسب HIV والذين يمكن أن يستجيبوا جيِّداً أيضاً للمعالجةِ المعيضة للتِّسْتوستيرون.
لكنَّ المعالجةَ بإعاضة التِّسْتوستيرون مضادُّ استطبابٍ بوجود سرطان البروستات أو الثَّدْي أو بوجود جساوة (قَساوَة) أو عُقَيْدَة في البروستات أو عدم تناظر فيها، أو إذا كانَ المستضدُّ النَّوْعي للبروستات في المصل (PSA) أكثرَ من 3 مكغ/مل أو الهيماتوكريت (حجم الكريَّات الحمر في عيِّنَة الدم المُثَفَّل) أكثر من 50٪، أو بوجود توقُّف التَّنَفُّس النَّوْمي غير معالَج أو الفشل القلبي الشَّديد أو أعراض السَّبيل البولي السُّفْلي الشَّديدة والنَّاجمة عن فَرْط التَّنسُّج البروستاتِي الحميد. وتشتملُ الأخطارُ والتَّأْثيرات الجانبية المحتملة لهذه المعالجةِ على تَنْبيه سرطان البروستات الخفي وزيادة حجم البروستات، مع تفاقُم الأعراض البولية الانسدادية، والحوادث القلبية الوعائية، واحتباس السَّوائِل، والثُّنْدُؤَة (فَرْط نمو الثديين عِنْدَ الذكر)، وتوقُّف التَّنفُّس النَّوْمي المتفاقِم مع فرط الشخير أثناء النوم والنعاس خلال النهار، وكَثْرَة الكريات الحمر (زيادة كتلة الكريات الحمر الإجمالية في الدَّم). أمَّا المضاعفاتُ الأخرى المرافقة لاستعمال بَعْض المُسْتَحْضَرات الفموية للتِّسْتوستيرون (غير المرخَّصة أو المتوفِّرَة في الولايات المتحدة) فقد تضمُّ نقصَ الكوليسترول الجيِّد وزيادة خطر الأمراض أو الحوادث القلبيَّة الوعائية والسُّمِّيَّة الكبديَّة المتوقَّعَة.
المسببات الرَّئيسية الأخرى
بَعيداً عن الاضطراباتِ الهرمونيَّة المستبطنة (الخفيَّة)، يمكن أن تساهمَ عِدَّةُ عوامل بَيولوجيَّة ونفسية أخرى في نقصِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة؛ ومن بين أكثر هذه العوامل شُيُوعاً العمرُ، واضطراباتٌ طبِّية مختلفة (انظرْ لاحقاً)، واضطرابات الأكل، والأدوية المضادَّة للاكتئاب، وتمارين كمال الأجسام. وتشتملُ الأسبابُ الأخرى لنَقْصِ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة على الاكتئاب، والقلق، والغضب، ومتلازمة الكرب التَّالية للرَّضْح، وصراع العلاقات.
الشَّيْخوخَةُ أو تَقدُّمُ العمر
ربَّما يَكونُ تقدُّمُ العمر السَّببَ الجسدي الأكثر شيوعاً لنقصِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، حيث يحصل تراجعٌ تدريجي في الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة بعد عمر الأربعين؛ ولكنَّ ذلك لا يعني أنَّ النِّساءَ أو الرِّجالَ المسنِّين غيرُ مُهْتَمِّين بالجِنْس، بل العكس هو الصَحيح؛ حيث إنَّ الثلثين تقريباً يحافظون على رغبةٍ خفيفة إلى متوسِّطة في الدُّخول في النَّشاط الجِنْسِي. وقد تؤثِّر الحالاتُ الطبِّية المزمنة المختلفة وبَعْضُ الأدوية في هذه الرَّغْبَة. ومع ذلك، يمكن أن يحقق أغلبيةُ الرِّجال المسنين انتصاباً جيِّداً، مع أنَّه يكون أقلَّ ممَّا كان عليه سابقاً، كما يستطيعون بلوغَ النشوة والقذف بشكلٍ مقبول. ويعاني بعضُ الرِّجال المسنِّين من الاكتئاب، والقلق، وغياب الشَّريكة، والخوف من الموت، ومن مشاكلَ عائليةٍ ونفسية وكلُّ ذلك قد يعوقُ الرَّغْبَةَ الجِنْسِيَّة لديهم. ولكن لا تُسْتطَبُّ المعالجةُ بالتِّسْتوستيرون في غياب قُصور الغُدَد التَّناسليَّة.
الحالاتُ الطبِّية
تشتملُ الأسبابُ الطبِّية لنَقْصِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة على السَّكْتَة، والصَّرْع، والفشل الكلوي المزمن، وداء الشرايين التَّاجيَّة، والفشل القلبي، وعَدْوى الهيف HIV أو الإيدز، والتهاب المفاصل المزمن. كما أنَّ المرضى المعالجين بالدِّيال[59]بسبب مرضٍ كلوي يكونون أكثرَ إصابةً بنقص الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة من أولئك الذين خضعوا لزراعة الكليَة غالباً. ويمكن أن تؤدِّي الأدوية أيضاً إلى نقصِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، مثل الهرموناتِ الأنثويَّة والهرمون المُطْلِق للمُوَجِّهَة التَّناسليَّة GnRH ومضادَّات الأندروجين المستعمَلَة في سرطان البروستات النَّقيلي والأدوية الدُّوبامينيَّة الفِعْل (المنبِّهَة للدُّوبامين) كاللِّيفودوبا (الذي ينبِّه تأثيرَ الدُّوبامين في الدَّماغ) المُسْتَعْمَل في داء باركنسون. ولا يوجد حتَّى الآن - وللأسف - معالجةٌ فعَّالة لنَقْصِ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة مشتقَّة من مُعْظَمِ هذه العَوَامِل الجسديَّة سوى تَغْيير أو إيقاِفِ الأدوية لفترةٍ قَصيرَة تحت إشرافٍ طبِّي إذا كان ذلك متيسِّراً طبيَّاً.
العَوَامِلُ النَّفْسية المرضيَّة والنَّفْسية
يُعَدُّ نقصُ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة الاضطرابَ الجِنْسِي الأكثر شُيُوعاً في عياداتِ الطِّبِّ النَّفْسي الخارجيَّة، لا سيَّما عند أولئك المصابين بالفُصام والذين يتناولون مضادَّاتِ الذُّهان، أو المصابين بالاكتئاب الكبير (مع أو من دون أدوية). ويمكن أن يؤثِّرَ نقصُ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة لدى أكثر من 40٪ من الرِّجال المكتئبين؛ ومن جهةٍ أخرى، قد يُبْدي أكثر من 10٪ زيادةً في الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة. كما قد تؤدِّي الأدويةُ المضادَّة للاكتئاب إلى نَقْصِ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة، لذلك يجب أن يستعملَها المرضى المُكْتَئِبون - الذين لا يزالون مهتمِّين بالجِنْس - بانتباهٍ وحذر وشكل انتقائي.
تمارسُ اضطراباتُ العَلاقَة دَوْراً هامَّاً، لكنَّه غيرُ مُقَدَّر غالباً، في إنقاص الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة؛ فالتَّنَافُرُ الجسدي، ومسائل النَّظافة، والاستياء، والغضب، والشَّكّ،ُ والبُغْض، والقذف الباكر، والتَّجارب الجِنْسِيَّة الرَّاضَّة الماضيَة، والزِّنان والغَيْرَة، وعدم الرِّضا عن العلاقة كلُّها عواملُ هامَّةٌ يمكن أن تحتاج إلى معالجةٍ نفسية وطَلْب المشورة بشأنِ العلاقة أو الزَّواج لتَدْبيرها.
معالجاتٌ في الأفق
يمكن أن تقدِّمَ بعضُ العوامل المُسْتَقْصاة حديثاً، مثل محوِّرات مستقبلات الأندروجين التي تزيد كفاءةَ مُسْتَقْبِلات التِّسْتوستيرون، مفاتيحَ جديدةً للمعالجةِ المأمونة والفعَّالة لقصور الغُدَد التَّناسليَّة. ولقد طُرِحَتْ عدَّةُ عوامل دوائية، مثل اليُوهمبين والنِّتْروميد (تَوْليفة من مانح لأُكْسيد النِّتْريك، والأَرْجينين المُيَاسِر L-arginine، واليُوهمبين) ومُنْهِضات الدُّوبامين بما في ذلك الأَبومورفين تحت اللسان بجرعةٍ عالية (الأُبْريما؛ انظرْ وصفَ الأبومورفين في الفصل 11) كمنبِّهات محتملة للرَّغْبَةِ الجِنْسِيَّة. وهي، مثلُها مثلُ محوِّرات مستقبلات الأندروجين، قد أعطت بعضَ النَّتائِج الأوَّلية المشجِّعَة، إلاَّ أنَّ معظمَ تلك الدِّراسات افتقرت إلى أنظمةٍ سُلَّميَّة (ذات درجات) صالحة ومعايير موضوعيَّة لتَقْييم كفاءة المركَّبات وسلامتها. وهناك عدَّةُ شركات أدوية تعمل على تطوير مُضادَّات انتقائيَّة للبِبْتيد العَصَبِي واي (Y) تُلْجِم تأثيرَ بعض النَّوَاقِل العصبيَّة المُنْقِصَة للرَّغْبة، والتي قد تَثْبُتُ في نهاية المطاف فائدتُها في تدبيرِ نَقْصِ الشَّهْوَة الجِنْسِيَّة.
قد يكونُ لبعض الرَّوائح المُسْتَقْبَلَة على المستوى الشُّعوري، مثل العُطور، القدرةُ على تحريض الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة عِنْدَ الإنسان، ربَّما بتعزيز ضفائر حسِّية أخرى كالرؤيَة واللَّمْس، والمساهمة في الصُّورَة المركَّبة للشَّريكة الجذَّابة (غولمير وغرين 1998). ولقد أظهرت الفيروموناتُ، وهي موادُ كيميائيَّة معيَّنة ذات روائح تُسْتَقْبَلُ على المستوى دون العَتَبَة، القدرةَ على تحريض الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، المجانسة، والتَّكاثُر في قرود الرِّيْسيوس والخنازير، لكن لم تَثْبُتْ كفاءتُها بَعْدُ في الإنسان.
لكنَّ القليلَ من الدِّراسات الحديثَة ارتأت أنَّ بعضَ الفيرومونات التَّرْكيبيَّة يمكن أن تزيدَ معدَّلات اللِّقاءات والسُّلوك الجِنْسِي لدى الرِّجال. وأظهرت دراساتٌ أخرى أنَّ إضافةَ فيرومون معيَّن (لم يُعْرَفْ تركيبُه بعد) إلى كريم الحلاقَة عِنْدَ الرِّجال يوميَّاً يبدو أنَّه يزيد رغبتَه الجِنْسِيَّة نحو عِنْدَ الشَّريكَة الأنثى (كولتر وزملاؤه 1998). وقد يَكونُ للاستعمالِ المستقبلي لهذه المواد تأثيرٌ كبير في تَدْبير نَقْصِ الرَّغْبَة الجِنْسِيَّة، لا سيَّما عندما تُشْرَكُ بأنواعٍ أخرى من المعالجة، ولا بدَّ من دراساتٍ أخرى في هذا الميدان الجديد.