FACTORS LEADING TO WINDESPREAD OF VIOLENCE AMONY
SECONDARY SCHOOL STUDENTS IN GAZA GOVERNORATES
فؤاد علي العاجز
كلية التربية -الجامعة الإسلامية
ملخص تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على العوامل المؤدية إلى تفشي ظاهرة العنف لدى
طلبة المرحلة الثانوية في مدارس محافظات غزة ، بالإضافة إلى تسليط الأضواء على الظاهرة
واقتراح الحلول التي قد تساعد في التخفيف أو الحد منها .
واستخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي لمناسبته لهذا النوع من الدراسات وبلغت عينة
الدراسة 198 معلماً ومعلمة بنسبة قدرها 9,2 % من مجتمع الدراسة موزعين على المناطق
التعليمية الثلاثة (الشمالية ، غزة ، خانيونس) ولتحقيق أهداف الدراسة صمم الباحث استبانة
مكونة من ثلاثة مجالات هي العوامل الاسرية والعوامل المدرسية ، والعوامل التي تعود إلى
وسائل الإعلام).
استخدم الباحث النسب المئوية واختبار "ت" وتحليل التباين الآحادي لمعالجة بيانات الاستبانة،
واشارت نتائج الدراسة إلى أن المجال المتعلق بوسائل الإعلام جاء في المرتبة الأولى من حيث
درجة تأثيره على العنف لدى الطلبة بنسبة مئوية قدرها 80,4 % بينما جاء في المرتبة الثانية
مجال العوامل الأسرية بنسبة قدرها 76,5 % وجاءت العوامل المدرسية في المرتبة الثالثة بنسبة
مئوية قدرها 72,5 % ، كما بينت نتائج الدراسة أنه يوجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى
05 ،) لصالح الذكور ، كما أوضحت النتائج أنه توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند µ دلالة (
01 ،) وبين طلبة المنطقة الشمالية ومنطقة غزة وذلك لصالح طلبة منطقة غزة µ مستوى دلالة (
التعليمية .
وفي ضوء نتائج الدراسة أوصى الباحث بضرورة توجيه الطلبة عند مشاهدة البرامج التلفزيونية
، وتوجيه الأهل إلى إيجاد جو أسري يسوده العدل والمساواة ، وتوجيههم إلى طريق التعامل مع
الأبناء وتزويدهم بالوسائل التربوية الحديثة ، بإلاضافة إلى تشجيع الطلبة عل ممارسة العادات
السلوكية السليمة التي تتلائم مع قوانين المدرسة وانظمتها .
Abstract Variables leading to Violence among high school students
in Gaza Governorotes
The aim of this study was to identify the variables which lead to
Violence among high school students in Gaza Governors, to Shed
light on about this phenomena, and to propose some measures to
reduce it.
The descriptive analytical method was used in this study, and a
sample of 198 high school teachers were selected in a stratified
random way to represent the variables of sex and school district.
To collect the needed data a questionnaire was developed which
consisted of three domains namely : familial variables, school
variables, and media variables. To analyze the dala T. test and One
Way ANOVA were used.
The results indictated that variables related to media had the greatest
effect on violence among high school students with a percentile of
80.4%, followed by the variables related to family with a percentile of
76.5%, and the variables related to school had the least effect on
Violence among high school students with a percentile of 72.5%.
The results also revealed that there were statistically significant
differences µ = 0.05 in the perceptions of the Sample members due to
sex in favor of male teachers. There also were statistically significant
differences in the perceptions of the sample members due to
educational district in favor of northern district teachers.
In the light of these results, the researcher proposed the following
recommendations.
1- Revaluating the programs and materials, presented by public
media and imposing sensorship on violent programs.
2- Directing student to avoide seeing violent programs.
3- Creating a positive atmosphere in the family and using
educational methods in guiding children.
4- Developing self-control among high school students.
مقدمة
لقد خلق الله الإنسان وزوده بأنواع من الدوافع والانفعالات التي إذا أحسن التعامل
معها، واستثمرها الاستثمار الأمثل في حدود ما أمر الله وما نهى عنه، فإن الخير والفائدة
ستعودان عليه وعلى كل من حوله ، ولكنه إذا ترك لنفسه (تحرك أهوائه) فمن المؤكد أنها
ستقوده إلى الانحراف بعيداً عن مسالك الفطرة البشرية السليمة . ومن ثم كان من رحمة
الله عز وجل أن أرسل رسله مبشرين ومنذرين، وأنزل الكتاب والميزان والشرائع، وحد
الحدود والقوانين ، ليكون في ذلك ضمان لاستقامة سلوك الإنسان ، وإذا كان الخير
موجوداً إقتضت حكمة الله أن يكون الشر موجوداً ليمتحن الإنسان في هذه الدنيا ، ومن
أمثلة الشر العنف الذي يقوم به الإنسان ضد أخيه الإنسان ، فقد عرف الإنسان منذ القدم
العنف متمثلاً في قتل قابيل لأخيه هابيل . والإنسان منذ علاقته بالطبيعة وتعامله مع البيئة
الطبيعية عرف العنف كأحد الأساليب التي يتعامل معها مع الطبيعة سواء أكان هدفه جراء
هذا العنف هو الرغبة في البقاء أم تدمير مصادر الطبيعة التي تهدد وجود كيانه وفرض
سيطرته على الطبيعة .
وما من عصر من العصور إلا وتخللته موجات من العنف والعدوان ، واتسم
القرن العشرون بظاهرة العنف سواء أكان على مستوى الدول والشعوب أم الجماعات
والأفراد ، وخطورة هذه الظاهرة تكمن في أنها تسللت إلى الوسط الطلابي داخل
المدارس، الأمر الذي أدى إلى وجود مشكلة حقيقية ، ولقد اهتم كثير من الباحثين بدراسة
ظاهرة العنف بصفة عامة وانتشارها بين الطلاب بصفة خاصة، فقد أشارت دراسة
1) إلى أن ظاهرة العنف تتأثر بعامل الجنس ، وأن العدوان العنيف ) ( (الشوري ، 1982
المباشر يرتبط بالذكور ، أما العدوان اللفظي يرتبط بالإناث أكثر من الذكور ، كما
2) على العلاقة بين العقاب الأسري وكبر حجم الأسرة ) ( أكدت دراسة (كريم ، 1993
والسلوك العنيف لدى الأبناء وبينت دراسة( 3) أن الأسرة تلعب دوراً مهماً في عملية
العنف ، فكلما زاد عدد أفراد الأسرة كلما كان العنف أكثر ، وتوصلت دراسة( 4) إلى أن
مظاهر العنف لدى الطالب الجامعي تمثلت في التمرد والسلوك التسلطي والميول المضادة
للمجتمع .
والعنف كما هو قائم في حياتنا المعاصرة على درجة من التنوع ولذا فلا يمكن أن
يفهم بعيداً عن الإطار التاريخي والتطور العلمي لهذه الظاهرة. ( 5) فالواقع التاريخي
يكشف أنه كلما تعقدت المجتمعات كلما تحول العنف إلى وسيلة لتحقيق أهداف معينة من
قبل الجماعة والأفراد ، وتتنوع هذه الأهداف بتنوع الموقف الذي تتفاعل من خلاله
الجماعة والفرد .
فالعنف في بعض الأحيان وسيلة لتحقيق التفوق والتميز وفي أحيان أخرى يعد وسيلة
لتحقيق التكيف ، وفي أحيان ثالثة يعد وسيلة للمقاومة ، وفي أحيان رابعة يعد وسيلة
.( لتحقيق الهيمنة والضبط
والأمر الذي ليس من اليسير ، أن يتسرب العنف إلى داخل أسوار المدارس التي
هي بمثابة أماكن للتربية والتعليم، وغرس القيم والمبادىء والأخلاق الحميدة والواقع يشهد
أن ظاهرة العنف تفشت في مدارس العالم سواء المتحضر، أو النامي الأمر الذي دفع
الباحث لدراسة هذه الظاهرة في مدارس فلسطين، وخصوصاً مدارس المرحلة الثانوية ،
حيث تزايدت الشكاوى من وجود العنف في هذه المدارس . وكانت هذه الدراسة بمثابة
تسليط الأضواء على هذه الظاهرة والتعرف إلى العوامل المؤثرة على ظاهرة العنف لدى
طلبة المرحلة الثانوية بمدارس السلطة الوطنية الفلسطينية بمحافظات غزة ، وقد تفشى
العنف داخل هذه المدارس متمثلاً في الاعتداءات المستمرة من الطلبة على بعضهم
بالسلاح الأبيض والهراوات وأدوات أخرى . من هنا جاءت فكرة الدراسة؛ وذلك للتعرف
على هذه العوامل ومن ثم وضع المقترحات والتوصيات للحد من هذه الظاهرة الخطيرة .
مشكلة الدراسة وأسئلتها
ويمكن حصر مشكلة الدراسة بالسؤال الرئيس التالي :
ما العوامل المؤدية إلى تفشي ظاهرة العنف لدى طلبة المرحلة الثانوية في مدارس السلطة
الوطنية الفلسطينية بمحافظات غزة من وجهة نظر معلميهم ؟
ويمكن اشتقاق عدد من الأسئلة الفرعية
-1 ما العوامل الأسرية المؤدية إلى تفشي ظاهرة العنف لدى طلبة المرحلة الثانوية في
مدارس السلطة الوطنية الفلسطينية بمحافظات غزة ؟
-2 ما العوامل المدرسية المؤدية إلى تفشي ظاهرة العنف لدى طلبة المرحلة الثانوية في
مدارس السلطة الوطنية الفلسطينية بمحافظات غزة ؟
-3 ما العوامل المتعلقة بوسائل الإعلام المؤدية إلى تفشي ظاهرة العنف لدى طلبة
المرحلة الثانوية في مدارس السلطة الوطنية الفلسطينية بمحافظات غزة ؟
-4 هل تختلف درجة تأثير هذه العوامل باختلاف جنس الطالب (ذكر ، أنثى)؟
-5 هل تختلف درجة تأثير هذه العوامل باختلاف المنطقة التعليمية (الشمالية ، غزة ،
خان يونس) ؟
-6 ما التصور المقترح لمواجهة ظاهرة العنف لدى الطلبة من وجهة نظر المعلمين؟
أهداف الدراسة
ترمي الدراسة إلى تحقيق ما يلي :
-1 التعرف إلى العوامل المؤدية إلى تفشي ظاهرة العنف لدى طلبة المرحلة الثانوية
وأهميتها في تشكيل الشخصية .
-2 تحديد نسبة شيوع مظاهر العنف لدى طلبة المرحلة الثانوية بمحافظات غزة .
-3 الكشف عن درجة الاختلاف في تأثير هذه العوامل باختلاف الجنس (ذكر وأنثى)
واختلاف المنطقة التعليمية (الشمالية ، غزة ، خان يونس).
-4 تسليط الأضواء على المشكلة ووضع بعض الحلول المقترحة لها .
-5 رفع بعض التوصيات في ضوء نتائج الدراسة للمسؤولين والقائمين على التعليم للأخذ
بها.
أهمية الدراسة
تكمن أهمية الدراسة الحالية في أهمية الجانب الذي تتصدى لدراسته حيث تسعى لدراسة
ظاهرة العنف والعوامل المؤدية إلى تفشيها وانتشارها بين طلبة المرحلة الثانوية وتكتسب
الدراسة الحالية أهميتها في كونها :
-1 الدراسة الأولى في مجتمع محافاظات غزة / فلسطين .
-2 قد تفيد العاملين في مجال الإرشاد والتوجيه لتوظيف طاقة العنف في قنوات إيجابية
بناءة تعود بالنفع على الفرد ذاته ومجتمعه .
-3 قد تفيد واضعي المناهج في التخطيط للبرامج الوقائية والعلاجية للطلبة في المرحلة
الثانوية لحل بعض مشكلاتهم التي قد تقلل من ظاهرة العنف .
-4 قد تثير الاهتمام المحلي بموضوع العنف لما له من آثار سلبية على المجتمع.
حدود الدراسة
تقتصر الدراسة الحالية على معلمي المرحلة الثانوية بمحافظات غزة في العام الدراسي
(2001 – 2000)
الحد البشري : معلمو المرحلة الثانوية
الحد المكاني : المدارس الثانوية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية بمحافظات غزة.
2001 م . – الحد الزماني : تم إجراء الدراسة في العام الدراسي 2001
الحد المؤسسي : اقتصرت الدراسة على المدارس الثانوية التابعة للسلطة الوطنية
الفلسطينية وتم استبعاد المدارس الثانوية الخاصة .
تحديد المصطلحات
Violence العنف
تعني ينتهك أو يؤذي أو (Violare) مشتقة من الكلمة اللاتينية Violence كلمة عنف
يغتصب ، وهو استخدام الضغط أو القوة استخداماً غير مشروع أو غير مطابق للقانون
. ( من شأنه التأثير على إرادة فرد ما( 7
ويشير مفهوم العنف إلى عدة معان منها استخدام القوة أو الإكراه غير المشروع
ولتحديد العنف إجرائياً يتطلب الأمر التفرقة بين العنف الشرعي والعنف غير الشرعي ،
فعندما تقوم الدولة باستخدام القوة لحماية القانون والنظام فقد يبدو هذا النمط من السلوك
على أنه عنف شرعي ، أما العنف غير الشرعي فقد يظهر عندما يقوم أحد الأفراد بإلحاق
.( الضرر الجسدي أو النفسي بفرد آخر (قد يكون زميل أو غير زميل) . ( 8
( ويعرفه "العتيق" ( 1994 ) بأنه القوة الجسدية التي تستخدم للإيذاء والضرر .( 9
وقد يمكن تعريف العنف بأنه السلوك الذي يؤدي إلى إلحاق الأذى الشخصي بالآخرين وله
أشكال متعددة منها الإيذاء الجسدي ، والإيذاء اللفظي بالتجريح والشتم السباب والإيذاء
النفسي .
ويعرف "قناوي" ( 1996 ) العنف على أنه أحد الأنماط السلوكية الفردية أو الجماعية التي
( تعبر عن رفض الآخر نتيجة الشعور والوعي بالإحباط في إشباع الحاجات الإنسانية ( 10
ويعرفه "المبحوح" ( 2000 ) هو أي عمل يرتكب ضد الإنسان ويحطم من كرمته
.( وهو يتراوح بين الإهانة بالكلمة واستخدام الضرب ( 11
العنف المدرسي
ويقصد بالعنف في هذه الدراسة السلوك العنيف الذي يقوم به طلبة المرحلة
الثانوية بهدف إلحاق الضرر النفسي والجسمي لغيرهم من الأشخاص سواء أكان ذلك
داخل المدرسة أم خارجها ، ما يعبر عنه الطلبة من خلال العنف المستخدم في هذه
الدراسة
الإطار النظري للدراسة
أشكال العنف
يظهر العنف باشكال ودرجات مختلفة عندما تتوفر الظروف المناسبة لظهوره، ولقد ذكر
أن أكثر أشكال العنف ظهوراً بين المراهقين في الدول غير الصناعية (Balk 1995 و )
هي السرقة والعنف الجسدي والألفاظ غير المناسبة والنشاطات المرتبطة بالجنس وتدمير
.( الممتلكات( 12
ويمكن أن يظهر العنف بين الأفراد في عدة أشكال منها
العنف الجسدي ·
حيث يشترك الجسد في الإعتداء على الآخرين سواء باستخدام أداة أو بدونها
ومن أمثلته الضرب والدفع وغيرها .
العنف الرمزي ·
وهو الذي يمارس فيه سلوك يرمي إلى تحقير الآخرين أو استفزازهم كالامتناع
عن رد السلام أو تجاهل الفرد والإزعاج من خلال الإستهزاء والسخرية من خلال
الحركات أو النظرات وغيرها .
العنف اللفظي ·
وهو الذي يقف عند حدود الكلام ومن أمثلته الشتائم والتهديد وإطلاق الصفات
غير المناسبة.
وقد يكون العنف فردياً حيث يسعى الفرد إلى إلحاق الأذى بغيره من الأفراد
والجماعات أو الأشياء، وقد يكون جماعياً حيث تسعى جماعة إلى إلحاق الأذى بغيرها من
( الجماعات والأفراد. ( 13
وفي دراسة أجراها المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية ( 1998 ) لتعرف مدى
انتشار العنف في المدارس الحكومية وقد توصلت الدراسة إلى العديد من أشكال العنف
سلكها أفرد العينة ومنها ما يلي:
ضرب الطلبة باستخدام أداة . ·
الاعتداء الجسدي على الطلبة بدون استخدام أداة. ·
الشتم والتحقير اللفظي للطلبة. ·
العاجز
9
تخويف وتهديد الطلبة لفظياً. ·
الازعاج وتعطيل الدرس. ·
رفض وتحدي أوامر المعلم. ·
.( الشجار مع الآخرين( 14 ·
أسباب العنف والعوامل المؤثرة فيه
إن الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى العنف كثيرة ومتعددة ومتباينة، حيث أنها
تختلف من فرد إلى آخر، فالسلوك الإنساني بشكل عام سواء كان مقبولاً أم غير
مقبول فهو نتاج تفاعل الإنسان مع بيئته المحيطة به التي يعيش فيها ويتفاعل مع
أفرادها، كما أن الفروق الفردية بين الأشخاص واختلاف البيئات بؤدي إلى تفاعل
الإنسان مع بيئته التي يعيش فيها و هذا بدوره يؤدي إلى وجود أسباب متعددة ومختلفة
تعمل على زيادة احتمال ظهور أشكال العنف عند بعض الأفراد دون غيرهم.
كما أن أسباب العنف وأشكاله وصوره تتعدد وتتنوع مصادره ومثيراته وتتفاوت
الآثار التي تنجم عنه، فإن ذلك يعزى إلى اختلاف الرؤيا العلمية للظاهرة فعلي حين
يرجع البعض العنف إلى أسباب نفسية سيكولوجية يرى البعض الأخر أن العنف مرده
إلى مورثات المملكة الحيوانية التي لم يتخلص الإنسان منها بعد من أسارها:بينما
يذهب فريق ثالث إلى تحميل العوامل الإدراكية مسئولية العنف وقد حدد حريز
( 1996 ) بعض هذه الأسباب والتي منها:( 15 )
العدوانية الغريزية للطبيعة البشرية:
يرجع البعض أعمال العنف إلى العدوان إلى غريزة فطرية في الطبيعة البشرية
فالإنسان الذي أفلت منذ زمن حديث، من إسار مملكة الحيوان لا يزال ذو علاقة وثيقة
بها ولم يتخلص بعد من مورثاتها التي تجعل من بني البشر أكثر ميلاً إلى العنف
.( وتقوى فيه الرغبة في السيطرة على الآخرين."( 16
يعزى الكثيرون العنف إلى أسباب نفسية (سيكولوجية) كامنة في الكيان الذاتي
الداخلي للفرد دون أن يعيروا اهتماماً يذكر إلى الظروف والأوضاع المحيطة بذلك
الفرد وعليه فإن موضوع العنف هو موضوع نفسي لا موضوع اجتماعي ،
وفي هذا المضمار يذهب فرويد إلى القول بأن الحالة النفسية للإنسان هي أساس كل
أعماله.
العوامل الذاتية (الإدراك المعاكس)
العوامل الذاتية أو الإدراك المعاكس للظواهر والأحداث هي العامل الرئيس وفقاً
لهذا المنظور في إثارة العنف ، وقد ذهب عالم الاجتماع الأمريكي "وايت" إلى القول
بأن الحروب لا تندلع بسبب النزاعات الاجتماعية والعسكرية بل بسبب سوء التفاهم
المتبادل بين طرفي النزاع. وقد تضمنت مقدمة دستور هيئة الأمم المتحدة للتربية
إشارة إلى هذا التفسير حين أشارت إلى أن U.N.E.S.S.O والعلوم والثقافة اليونسكو
"جهل الآخرين وحياتهم كان سببأ عاماً خلال تاريخ الجنس البشري لذلك الشك وانعدام
. ( الثقة بين شعوب العالم الذين بهما كثيراً ما انقلبت اختلافاتهم إلى الحروب"( 17
الأسباب الفسيولوجية العصبية
العنف إلى أسباب Skinner وسكنر Delgado يرجع البعض من أمثال دلجادو
عصبية فسيولوجية حيث تبدو مشكلة العنف بمثابة مشكلة سلوك الفرد في الحياة
الاجتماعية مشيرين إلى أنه يمكن اعتبار العدوانية البشرية رد فعل سلوكي صفته
المميزة استعمال القوة في سبيل إلحاق خسارة بالناس أو الأشياء.
الآثار السلبية للتقدم العلمي والتكنولوجي
يرجع فريق من العلماء والباحثين العنف إلى التأثيرالسلبي للثورة العلمية والتقنية،
وهذا الاتجاه يعرف بالاتجاه التكنولوجي ،فالعنف إذن وفقاً لهذا الاتجاه يأتي بدرجة
أساسية من تكنيك (تقنية) الإنتاج والتقدم العلمي والتكنولوجي، ومن أقطاب هذا
الذي يرى أن كل مظاهر Mcluhaan الاتجاه عالم الاجتماع الكندي ماك لوهان
العنف الحالي إنما تقع مسؤليتهما على كاهل التقدم التكنولوجي والعلمي ويقول آرون
"إن انفجار العنف في العالم المعاصر هو الثمن المرتفع الذي يجب أن تدفعه البشرية
لقاء تقدم الحضارة.
الإنفجار السكاني
يرجع البعض أعمال العنف في الحياة الاجتماعية إلى الانجفار السكاني الملحوظ في
الأونة الأخيرة حيث يترتب على الكثافة السكانية العالية انتشار أعمال ومظاهر العنف
التي يمكن أن تقع بين الأفراد والجماعات وذلك نتيجة لانتشار البطالة وانخفاض
مستويات المعيشة والخدمات العامة التي يحظى بها الفرد .
الاضطهاد والإحساس بالظلم
الإضطهاد يكون سبباً أو دافعاً للعنف ، فحيث يشعر البعض أنهم دون مستوى البشر
وأن إنسانيتهم قد أستلبت منهم ، وحيث يكون الفرد محروماً بدرجة كبيرة من التمتع
بحقوقه الأساسية أو عندما يحدث اعتداء على بعض أو كل الحقوق حينئذ يكون الفرد
أو الجماعة على قناعة بإقدامه على ممارسة العنف باعتباره السبيل الذي سوف يغير
من تلك الأوضاع .
ومن هذه الأسباب التي قد تؤدي إلى العنف ما يلي
-1 الحرمان العاطفي وجهل الآباء بضرورة إشباع الحاجات النفسية للأبناء وهذه
الحاجات هي شعور الطفل بأنه موضع اهتمام وتقدير .
-2 تشجيع الآباء لطفلهم في سلوكه العدواني فالأب الذي يستيجب لطفله عندما تنتابه
نوبة من نوبات الغضب إنما هو في الواقع يدعم السلوك العدواني وكذلك
بتشجيعه على ضرب من يعتدي عليه وكذلك الطفل الذي يستسلم لزميله
العدواني يدعو السلوك العدواني عند ذلك الآخر .
تقليد السلوك العدواني لدى الآخرين : إن مشاهدة الأطفال لنموذج عدواني
يجعلهم يقومون بتقليده فلا غرابة إذا رأينا الطفل يقوم بتقليد والده الذي يقوم
بتحطيم ما حوله عندما تنتابه موجة الغضب وذلك يعني أن عملية الملاحظة و
التقليد من العوامل المهمة التي تساعد على تنمية السلوك العدواني لديهم .
-4 استخدام الآباء للعقاب البدني عندما يصدر عن الطفل سلوك عدواني فالعقاب هنا
لا يؤدي إلى التقليل من عنف وعدوانية الطفل وإنما يجعل الآباء من أنفسهم
قدوة أو نموذجاً عدوانياً يلقده الطفل .
-5 التمييز بين الأطفال وما ينتج عنها من غيرة فهذه لها أثرها الكبير في انتهاج
سلوك العنف .
-6 الشعور بالنقص سواء كان في التحصيل الدراسي أو وجود نقص جسمي سواء
كان عاهة أو خلل في الحواس فهنا يلجأ الطفل إلى سلوك العنف كي يوجه
الأنظار إليه .
-7 الخلافات وعدم التوافق بين الوالدين وأمام نظر أطفالهم والتي تؤدي إلى توتر.
-8 الطفل وانفعاله فالأطفال هنا يقتدون بالأبوين .
-9 السيطرة على حياة الطفل في كل صغيرة وكبيرة في حياته ونقده لكل تصرفاته
والسخرية منه .
-10 الإسراف في الحب والتدليل والحماية الزائدة ينمي في الطفل صفات الأنانية
ويجعله دائم التمركز حول ذاته فيتعود تلبية جميع رغباته مهما كانت هذه
الرغبات فالتدليل الزائد يخلق منهم أفراد يميلون للسيطرة .
ومن الأسباب الشائعة لممارسة العنف الغيرة والتنافس من أجل الحصول على صداقة
شخص واهتمامه كالمعلم مثلاً ، كما أن الطفل قد يمارس سلوكاً فيه نوع من العنف
لجذب الاهتمام ضد إنسان لا يحمل له شعوراً بالكراهية ، فقد يضرب الطفل والدته أو
والده من أجل الحصول على انتباهه ، كما أن هذا السلوك قد يهدف إلى الحصول
على التعزيز فالاهتمام والمحبة والاحترام يمكن أن تكون معززات يسعى الفرد
للحصول عليها بطرق عدة ، وقد يظهر العنف من أجل الحصول على معززات
أخرى قد تكون غذائية أو مادية ، وقد يمارس الشخص العنف من أجل التخلص من
موقف مزعج أو خطر مهدد .
ويعد الاختلاف في الرأي والمعتقدات من الأسباب المؤدية إلى العنف بين الأفراد ،
ويعد الصراع على المناطق والدفاع عنها من الأسباب الرئيسة المؤدية إلى العنف ،
كما أن العنف قد يظهر نتيجة عوامل داخل الإنسان بغض النظر عن المثيرات
الخارجية فحدوث خلل فسيولجي في النظام العصبي يؤدي إلى اضطرابات وظيفية في
.( الشحنات الكهروعصبية عند الإنسان"( 18
إضافة إلى ما سبق فإن من العوامل التي تؤدي إلى ظهور العنف بشكل عام والعنف
بين الأطفال بشكل خاص الإحباط ، فالأطفال يمكن أن يقوموا باستجابات مختلفة إذا
تعرضوا للإحباط وقد يكون العدوان إحدى هذه الاستجابات .
لكن معظم الباحثين يرون أن وجود الإحباط وحده لا يكفي لظهور السلوك العدواني الذي
غالباً ما ترجع أسبابه إلى تفاعل عدد من العوامل البيولوجية والتعليمية ، أما العوامل
التعليمية كمسبب للعدوان ، فيقصد بها تلك العمليات الخاصة بالتنشئة الأسرية والتعليم
الإجتماعي المختلفة وهي تتضمن ما يتعلمه الطفل من سلوكيات من أبويه ومن زملائه
وأصدقائه ومن هم في بيئته الاجتماعية … وقد تؤدي العوامل البيولوجية إلى وجود
استعداد فطري عند الطفل نحو العدوان ، ومع هذا فإن خبرات التعلم الأولى هي التي
.( تطبعه اجتماعياً نحو السلوك العدواني أو بعيداً عنه ( 19
كما تعتبر البيئة الأسرية من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى وجود العنف والسلوك
العدواني لدى الأبناء وخصوصاً في الأسر التي يكون فيها الآباء مجرمين متسلطين فالآباء
العدوانيين المتكبرين الذين يميلون إلى فرض نظام بالقوة على أبنائهم يعلمون أبناءهم
الأساليب التعسفية .
1944 ) أن الآباء الذين يعاقبون أبناءهم بعنف هم في واقع الأمر يعلمون ) Daves ويقول
أطفالهم كيف وما هي الظروف التي يمكن فيها للشخص أ ن يعتدي ، فمثل هؤلاء الآباء
قدوة لأبنائهم ، إذ قد يتعلم الأطفال منهم التسلطية عن طريق التقليد ، ويفضلون اللجوء
إلى القوة ليشبعوا حاجاتهم ودوافعهم
ومن الأسباب التي قد تؤدي للعنف أيضاً التعليقات التي يبديها الآخرين أثناء مشاهدة الطفل
للتلفزيون ، وقد اتضح من الدراسات أن رد فعل الطفل لمشاهد العنف التلفزيونية يتوقف
على تصرفات الأشخاص الذين يجلسون معه أثناء رؤيته لها ، فإذا وجد استحساناً أو
تشجيعاً من هؤلاء الأشخاص استحسنها هو الآخر .
ففي دراسة لطلاب إحدى الجامعات كانوا يشاهدون فيها مباراة للملاكمة قسموا إلى
مجموعتين مجموعة كان يجلس فيها أفراد صامتون أثناء المشاهدة وأخرى جلس فيها
أفراداً أظهروا حماساً وأبدوا تعليقات تؤيد العدوان مثل "اضرب" "أديله كمان" وبعد المباراة
تم قياس درجة السلوك العدواني في المعمل وقد تبين أن المجموعة التي تعرضت لسماع
. ( التعليقات المؤيدة للعدوان كانت تسلك بعدوانية أكثر من الأخرى" ( 20
وسائط التربية ومسؤولياتها عن تفشي ظاهرة العنف
لا يستطيع أحد أن ينكر أن وسائط التربية مجتمعة تشارك المسؤولية في تفشي
ظاهرة العنف الطلابي داخل المدارس ، وأنه بالقدر الذي تتخلى فيه هذه الوسائط عن
دورها المثالي الفعال في تربية وإرشاد الأبناء ، يبرز على السطح الجانب السلبي
والمتمثل في العنف والعدوان ومشكلات أخرى ويمكن حصر الحديث عن هذه الوسائط
: ( فيما يلي( 21
أولاً : الأسرة :
الأسرة مجتمع صغير، ووحدة حية ديناميكية تهدف إلى مساعدة الطفل على النمو
المتكامل والمتزن جسمياً من خلال إشباع حاجاته الأساسية كالطعام والشراب ، وعقلياً
من خلال المثيرات والبيئة الثقافية المناسبة لعمره ، ووجدانياً من خلال إشاعة الحب
والدفء والحنان في محيط الأسرة ، واجتماعياً من خلال تدريب الطفل على كيفية
التعامل مع الآخرين واحترام حقوقهم وتمثل القيم، وروحياً وذلك بإكسابه القيم الدينية بما
.( يتناسب وعمره ، وبذلك تعتبر الأسرة مهد الشخصية ( 22
ويقع على الأسرة مسؤوليات اجتماعية كبيرة، إن قامت بها خير قيام فسينشأ
الأفراد نشأة سليمة وإلا فالعنف والعدوان والانطواء والخجل ، ومن هذه المسؤوليات :
تنمية قدرات الطفل الأساسية .
-2 تدريب الطفل على المهارات الحركية .
-3 توجيه الطفل إلى مجتمع الأتراب الصالح .
-4 إبراز وصقل المهارات الشخصية والاهتمام بمشاعر الآخرين .
-5 ضبط سلوك الطفل وتحديد الأخطاء وتصويبها وتقديم النصح .
وقد أكد الإسلام أن الطفل يولد على الفطرة وأبواه إما يهودانه أو ينصرانه أو
يمجسانه. ويعني ذلك أن الأبوين من خلال الأٍسرة يلعبان دوراً مهماً وخطيراً في حياة
الأبناء، وأكدت كثير من الدراسات أن وجود جو متعاون ومتسامح داخل الأسرة، يؤدي
إلى أبناء متسامحين متعاونين، والعكس صحيح فإذا ما اتسم جو الأسرة بالمخاصمة
والشحناء والبغضاء والخلافات المستمرة بين الوالدين، تجعل الأبناء يشعرون بالخوف
والقلق ، مما يولد عندهم ظاهرة العنف والعدوان ومشكلات أخرى .
( ويرى "ديفيد ليكن" أن المكان الصحيح لمحاربة ظاهرة العنف هو المهد ( 23
ويعني بذلك الأسرة ويرى الباحث من خلال التجربة الواقعية العملية مع كثير من طلبة
المدارس أن كثيراً من الطلبة الذين يتصفون بالعنف قد تكون الأسرة هي السبب الرئيس
في ذلك من خلال حث الوالدين الابن على ضرب الزملاء؛ حتى يخافوه ويخشوه وهناك
ظروف نفسية قاهرة وضغط اقتصادي واضح يدفع الأبناء إلى المزيد من العنف لتحقيق
أهداف معينة أو التنفيس عن الكبت.
وإذا كانت الأسرة هي الرائدة في تحمل المسؤولية في تنشئة الأبناء، فلا يمكن
إغفال دور الوسائط الأخرى كالمدرسة مثلاً أو المسجد ، أو النادي ، أو مجتمع الأتراب ،
أو وسائل الإعلام .
ثانياً : المدرسة
المدرسة مؤسسة تربوية اجتماعية خطط لها المجتمع بطريقة مقصودة لتقابل
حاجة من حاجاته الأساسية وهي إعداد شباب المستقبل إعداداً متكاملاً، وتربيتهم وتنشئتهم
من خلال إكسابهم منظومة المجتمع القيمية ، وتزداد أهمية المدرسة كمؤسسة من
مؤسسات التنشئة الاجتماعية باستمرار في وقتنا الحاضر وترجع هذه الأهمية إلى : .
-1 أن الأسرة لم تعد المسؤولة الوحيدة عن التنشئة الاجتماعية، فقد بدأت المدرسة تشارك
الأسرة هذه الوظيفة بسبب التطور الصناعي والاقتصادي .
-2 غزارة التراث الثقافي وتعقده وتراكمه والاتفجار المعرفي والتطور العلمي والتقني .
-3 استنباط اللغة المكتوبة وإبداعها التراث الثقافي والمبتكرات العلمية الحديثة .
-4 اضمحلال أثر الوراثة في تحديد المكانة الاجتماعية التي أصبحت تكتسب عن طريق
.( التعلم( 24
وتقع على كاهل المدرسة مسؤوليات خطيرة منها
-1 بناء الإنسان الصالح وتنمية شخصيته بصورة شاملة متكاملة .
-2 تعليم الطفل أن يعلم نفسه بنفسه وأن يحل مشكلاته وأن ينمي إبداعاته .
-3 نقل التراث الثقافي من الأجيال السالفة إلى الأجيال الحاضرة بالإضافة إلى تبسيطه
وتنقيته من الشوائب والعيوب .
-4 صهر جميع الطلبة في بوتقة واحدة بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية
والثقافية .
والمدرسة تسعى لتحقيق هذه الوظائف جاهدة إلا أنه قد ظهر على السطح أن
المدارس غدت مسارح للعنف الطلابي، وقد يرجع ذلك إلى الأعداد الكبيرة الموجودة في
المدارس وتخلي الآباء عن تربية الأبناء بحجة أن المسئولية الأولى تقع على عاتق
المدرسة .
إن أحداث العنف داخل المدرسة قد ترجع إلى عدد من العوامل منها ما يعود على
الطالب نفسه ، ومنها ما يعود على المعلم أو المدير ، ومنها ما يعود على المنهاج
المدرسي ، ومنها ما هو مشترك بين جميع الأطراف ، فكل هذه العوامل من شأنها أن
تثير الحقد والقلق والصراع والكراهية ، وبالتالي تدفعه إلى السلوك العدواني .
ويعتقد الباحث أن للمدرسة مكانة خاصة في معالجة ظاهرة العنف ، لأنها المكان
الذي يظهر فيه عنف الطلاب بوضوح خلافاً للأسرة، التي يكتم فيها الابن عنفه وعنفوانه
لأسباب مختلفة. ولذلك فإنها البيئة الخصبة لاكتشاف عنفه عن قرب ومعالجته بسرعة ،
. في مهده الأول وهي المدرسة كما بينت دراسة شكور 1997
ثالثاً : مجتمع الأتراب
وهو جماعة أولية تتميز بالتماسك ، وبعلاقات المودة وتتكون من أعضاء
متساوين من حيث المكانة ، وتقوم على مجموعة من الأسس التي تؤدي إلى توثيق صلات
الصداقة ، كتقارب العمل الزمني ، وتشابه الميول وتجاور السكن ، والتقارب في النمو
الجسمي ، وفي القدرات التحصيلية والعقلية والذكاء ، ومن هذه الأسس إشباع الجماعة
.( الحاجات المباشرة لأفرادها( 25
إن أثر جماعة الأتراب في التنشئة الاجتماعية لا يقل عن أهمية دور المؤسسات
الاجتماعية الأخرى كالأسرة والمدرسة ، بل وقد يتعداها في بعض الأحيان وهذه الجماعة
لها دوران رئيسيان هما :
الدور الإيجابي
ويتمثل في مساعدة الطفل في النمو المتكامل جسمياً وانفعالياً واجتماعياً وفي
إعطائه فرصة للتعامل مع أفراد متساويين ومتشابهين في العمر واللغة والميول والتفكير
والحاجات .
الدور السلبي
إن انضمام الشباب لجماعة معينة قبل التعرف على نواياها وأهدافها، قد يعرضه للمزالق
والأخطار، فقد يختار جماعة شريرة منحرفة في سلوكها وشاذة في تصرفاتها ، يكون جل
اهتمامها إيذاء المجتمع وأفراده، وإيقاع الضرر بهم والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم .
وتكمن خطورة مجتمع الأتراب في هذه الحالة بإخلاص الفرد لها والانصياع
لأوامر زعيمها والإحساس التام بالولاء لها . ومما يعقد المشكلة غياب الإشراف الأسري
والإرشاد والتوجيه المدرسي والتربوي ، وبوجود الشللية والصحبة السيئة في تفشي
ظاهرة العنف والعكس صحيح في الصحبة الصالحة الطيبة .
عمق تأثير معايير جماعة الرفاق (Hargreaves) وتوضح دراسة طارد عريفز
على التحصيل المدرسي للأعضاء فيها ، فقد قادت ملاحظته الميدانية لإحدى المدارس
الثانوية إلى تمييز عدد من جماعة الرفاق في هذه الدراسة ، وقد لاحظ الباحث اختلاف
بينة في الأهداف والممارسات لأعضاء الجماعات المختلفة ، ووجدت أن كل جماعة منها
تجتذب أعضاء متشابهين في اهتماماتهم الأكاديمية واتجاهاتهم نحو التعليم المدرسي ، إلا
أنه لاحظ بعض الحالات الاستثنائية يكون فيها العضو مختلفاً في توجهاته الأكاديمية
والسلوكية عن النمط الغالب لأعضاء الجماعة" .
كما دلت الأبحاث على أنه ما يعدل الطفل من القيم والمعايير التي اكتسبها في
المنزل تبعاً لما تتطلبه جماعة الأتراب ، وهذا يجعل لتوجيه الآباء لأطفالهم لاختيار
أصدقائهم أهمية خاصة ، إذ كثيراً ما تؤدي الصداقة الخاطئة إلى أنواع مختلفة من
الإنحراف وغالباً ما يجد الطفل في جماعة النظائر متنفساً لسلوكه العدواني الذي لا
.( يستطيع تحقيقه سواء في جو المدرسة أو جو الأسرة ( 26
رابعاً : وسائل الإعلام
مما لا شك فيه أن وسائل الإعلام والمتمثلة في الإذاعة والتلفاز والصحافة
والمسرح تلعب دوراً مهماً في عملية التنشئة الاجتماعية جنباً إلى جنب مع الأسرة
والمدرسة ومجتمع الأتراب، والأصل أن تكون العلاقة قوية بين هذه المؤسسات مع
بعضها البعض من أجل بناء الإنسان الصالح : فالإذاعة تعتبر من أكثر وسائل التثقيف
والتربية انتشاراً، وترجع أهميتها إلى أن الكلمة المنطوقة ذات أثر كبير؛ لأنها لا تحتاج
إلى معرفة بالقراءة والكتابة . في حين أن التلفاز يمتاز عن الإذاعة في أنه أشد تأثيراً
وأكثر قدرة على جذب الانتباه ومنع التشتت ، ونظراً لأهمية الصحافة أطلق عليها البعض
اسم "السلطة الرابعة" ، وحتى تحقق الصحافة أهدافها لابد أن يكون هدفها منبثقاً من أهداف
المجتمع وقيمه ومبادئه، وأن تعمل على توجيه الفكر للارتقاء به. ويلعب المسرح دوراً
رئيسياً في تبصير الناس بمشكلات مجتمعهم، ومواضع المعاناة فيه بالإضافة إلى غرس
المثل العليا، وتنميتها مثل البعد عن التفكير الاتكالي والأخذ بالتفكير العلمي كأساس
لدراسة المشكلات وحلها .
إن توجيه هذه الوسائل لمنفعة المواطنين أمر بديهي، ولكن قد يحدث أحياناً
بطريقة أو بأخرى مما يؤدي بدوره إلى سلوك سلبي لدى أفراد المجتمع فعلى سبيل المثال
SECONDARY SCHOOL STUDENTS IN GAZA GOVERNORATES
فؤاد علي العاجز
كلية التربية -الجامعة الإسلامية
ملخص تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على العوامل المؤدية إلى تفشي ظاهرة العنف لدى
طلبة المرحلة الثانوية في مدارس محافظات غزة ، بالإضافة إلى تسليط الأضواء على الظاهرة
واقتراح الحلول التي قد تساعد في التخفيف أو الحد منها .
واستخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي لمناسبته لهذا النوع من الدراسات وبلغت عينة
الدراسة 198 معلماً ومعلمة بنسبة قدرها 9,2 % من مجتمع الدراسة موزعين على المناطق
التعليمية الثلاثة (الشمالية ، غزة ، خانيونس) ولتحقيق أهداف الدراسة صمم الباحث استبانة
مكونة من ثلاثة مجالات هي العوامل الاسرية والعوامل المدرسية ، والعوامل التي تعود إلى
وسائل الإعلام).
استخدم الباحث النسب المئوية واختبار "ت" وتحليل التباين الآحادي لمعالجة بيانات الاستبانة،
واشارت نتائج الدراسة إلى أن المجال المتعلق بوسائل الإعلام جاء في المرتبة الأولى من حيث
درجة تأثيره على العنف لدى الطلبة بنسبة مئوية قدرها 80,4 % بينما جاء في المرتبة الثانية
مجال العوامل الأسرية بنسبة قدرها 76,5 % وجاءت العوامل المدرسية في المرتبة الثالثة بنسبة
مئوية قدرها 72,5 % ، كما بينت نتائج الدراسة أنه يوجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى
05 ،) لصالح الذكور ، كما أوضحت النتائج أنه توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند µ دلالة (
01 ،) وبين طلبة المنطقة الشمالية ومنطقة غزة وذلك لصالح طلبة منطقة غزة µ مستوى دلالة (
التعليمية .
وفي ضوء نتائج الدراسة أوصى الباحث بضرورة توجيه الطلبة عند مشاهدة البرامج التلفزيونية
، وتوجيه الأهل إلى إيجاد جو أسري يسوده العدل والمساواة ، وتوجيههم إلى طريق التعامل مع
الأبناء وتزويدهم بالوسائل التربوية الحديثة ، بإلاضافة إلى تشجيع الطلبة عل ممارسة العادات
السلوكية السليمة التي تتلائم مع قوانين المدرسة وانظمتها .
Abstract Variables leading to Violence among high school students
in Gaza Governorotes
The aim of this study was to identify the variables which lead to
Violence among high school students in Gaza Governors, to Shed
light on about this phenomena, and to propose some measures to
reduce it.
The descriptive analytical method was used in this study, and a
sample of 198 high school teachers were selected in a stratified
random way to represent the variables of sex and school district.
To collect the needed data a questionnaire was developed which
consisted of three domains namely : familial variables, school
variables, and media variables. To analyze the dala T. test and One
Way ANOVA were used.
The results indictated that variables related to media had the greatest
effect on violence among high school students with a percentile of
80.4%, followed by the variables related to family with a percentile of
76.5%, and the variables related to school had the least effect on
Violence among high school students with a percentile of 72.5%.
The results also revealed that there were statistically significant
differences µ = 0.05 in the perceptions of the Sample members due to
sex in favor of male teachers. There also were statistically significant
differences in the perceptions of the sample members due to
educational district in favor of northern district teachers.
In the light of these results, the researcher proposed the following
recommendations.
1- Revaluating the programs and materials, presented by public
media and imposing sensorship on violent programs.
2- Directing student to avoide seeing violent programs.
3- Creating a positive atmosphere in the family and using
educational methods in guiding children.
4- Developing self-control among high school students.
مقدمة
لقد خلق الله الإنسان وزوده بأنواع من الدوافع والانفعالات التي إذا أحسن التعامل
معها، واستثمرها الاستثمار الأمثل في حدود ما أمر الله وما نهى عنه، فإن الخير والفائدة
ستعودان عليه وعلى كل من حوله ، ولكنه إذا ترك لنفسه (تحرك أهوائه) فمن المؤكد أنها
ستقوده إلى الانحراف بعيداً عن مسالك الفطرة البشرية السليمة . ومن ثم كان من رحمة
الله عز وجل أن أرسل رسله مبشرين ومنذرين، وأنزل الكتاب والميزان والشرائع، وحد
الحدود والقوانين ، ليكون في ذلك ضمان لاستقامة سلوك الإنسان ، وإذا كان الخير
موجوداً إقتضت حكمة الله أن يكون الشر موجوداً ليمتحن الإنسان في هذه الدنيا ، ومن
أمثلة الشر العنف الذي يقوم به الإنسان ضد أخيه الإنسان ، فقد عرف الإنسان منذ القدم
العنف متمثلاً في قتل قابيل لأخيه هابيل . والإنسان منذ علاقته بالطبيعة وتعامله مع البيئة
الطبيعية عرف العنف كأحد الأساليب التي يتعامل معها مع الطبيعة سواء أكان هدفه جراء
هذا العنف هو الرغبة في البقاء أم تدمير مصادر الطبيعة التي تهدد وجود كيانه وفرض
سيطرته على الطبيعة .
وما من عصر من العصور إلا وتخللته موجات من العنف والعدوان ، واتسم
القرن العشرون بظاهرة العنف سواء أكان على مستوى الدول والشعوب أم الجماعات
والأفراد ، وخطورة هذه الظاهرة تكمن في أنها تسللت إلى الوسط الطلابي داخل
المدارس، الأمر الذي أدى إلى وجود مشكلة حقيقية ، ولقد اهتم كثير من الباحثين بدراسة
ظاهرة العنف بصفة عامة وانتشارها بين الطلاب بصفة خاصة، فقد أشارت دراسة
1) إلى أن ظاهرة العنف تتأثر بعامل الجنس ، وأن العدوان العنيف ) ( (الشوري ، 1982
المباشر يرتبط بالذكور ، أما العدوان اللفظي يرتبط بالإناث أكثر من الذكور ، كما
2) على العلاقة بين العقاب الأسري وكبر حجم الأسرة ) ( أكدت دراسة (كريم ، 1993
والسلوك العنيف لدى الأبناء وبينت دراسة( 3) أن الأسرة تلعب دوراً مهماً في عملية
العنف ، فكلما زاد عدد أفراد الأسرة كلما كان العنف أكثر ، وتوصلت دراسة( 4) إلى أن
مظاهر العنف لدى الطالب الجامعي تمثلت في التمرد والسلوك التسلطي والميول المضادة
للمجتمع .
والعنف كما هو قائم في حياتنا المعاصرة على درجة من التنوع ولذا فلا يمكن أن
يفهم بعيداً عن الإطار التاريخي والتطور العلمي لهذه الظاهرة. ( 5) فالواقع التاريخي
يكشف أنه كلما تعقدت المجتمعات كلما تحول العنف إلى وسيلة لتحقيق أهداف معينة من
قبل الجماعة والأفراد ، وتتنوع هذه الأهداف بتنوع الموقف الذي تتفاعل من خلاله
الجماعة والفرد .
فالعنف في بعض الأحيان وسيلة لتحقيق التفوق والتميز وفي أحيان أخرى يعد وسيلة
لتحقيق التكيف ، وفي أحيان ثالثة يعد وسيلة للمقاومة ، وفي أحيان رابعة يعد وسيلة
.( لتحقيق الهيمنة والضبط
والأمر الذي ليس من اليسير ، أن يتسرب العنف إلى داخل أسوار المدارس التي
هي بمثابة أماكن للتربية والتعليم، وغرس القيم والمبادىء والأخلاق الحميدة والواقع يشهد
أن ظاهرة العنف تفشت في مدارس العالم سواء المتحضر، أو النامي الأمر الذي دفع
الباحث لدراسة هذه الظاهرة في مدارس فلسطين، وخصوصاً مدارس المرحلة الثانوية ،
حيث تزايدت الشكاوى من وجود العنف في هذه المدارس . وكانت هذه الدراسة بمثابة
تسليط الأضواء على هذه الظاهرة والتعرف إلى العوامل المؤثرة على ظاهرة العنف لدى
طلبة المرحلة الثانوية بمدارس السلطة الوطنية الفلسطينية بمحافظات غزة ، وقد تفشى
العنف داخل هذه المدارس متمثلاً في الاعتداءات المستمرة من الطلبة على بعضهم
بالسلاح الأبيض والهراوات وأدوات أخرى . من هنا جاءت فكرة الدراسة؛ وذلك للتعرف
على هذه العوامل ومن ثم وضع المقترحات والتوصيات للحد من هذه الظاهرة الخطيرة .
مشكلة الدراسة وأسئلتها
ويمكن حصر مشكلة الدراسة بالسؤال الرئيس التالي :
ما العوامل المؤدية إلى تفشي ظاهرة العنف لدى طلبة المرحلة الثانوية في مدارس السلطة
الوطنية الفلسطينية بمحافظات غزة من وجهة نظر معلميهم ؟
ويمكن اشتقاق عدد من الأسئلة الفرعية
-1 ما العوامل الأسرية المؤدية إلى تفشي ظاهرة العنف لدى طلبة المرحلة الثانوية في
مدارس السلطة الوطنية الفلسطينية بمحافظات غزة ؟
-2 ما العوامل المدرسية المؤدية إلى تفشي ظاهرة العنف لدى طلبة المرحلة الثانوية في
مدارس السلطة الوطنية الفلسطينية بمحافظات غزة ؟
-3 ما العوامل المتعلقة بوسائل الإعلام المؤدية إلى تفشي ظاهرة العنف لدى طلبة
المرحلة الثانوية في مدارس السلطة الوطنية الفلسطينية بمحافظات غزة ؟
-4 هل تختلف درجة تأثير هذه العوامل باختلاف جنس الطالب (ذكر ، أنثى)؟
-5 هل تختلف درجة تأثير هذه العوامل باختلاف المنطقة التعليمية (الشمالية ، غزة ،
خان يونس) ؟
-6 ما التصور المقترح لمواجهة ظاهرة العنف لدى الطلبة من وجهة نظر المعلمين؟
أهداف الدراسة
ترمي الدراسة إلى تحقيق ما يلي :
-1 التعرف إلى العوامل المؤدية إلى تفشي ظاهرة العنف لدى طلبة المرحلة الثانوية
وأهميتها في تشكيل الشخصية .
-2 تحديد نسبة شيوع مظاهر العنف لدى طلبة المرحلة الثانوية بمحافظات غزة .
-3 الكشف عن درجة الاختلاف في تأثير هذه العوامل باختلاف الجنس (ذكر وأنثى)
واختلاف المنطقة التعليمية (الشمالية ، غزة ، خان يونس).
-4 تسليط الأضواء على المشكلة ووضع بعض الحلول المقترحة لها .
-5 رفع بعض التوصيات في ضوء نتائج الدراسة للمسؤولين والقائمين على التعليم للأخذ
بها.
أهمية الدراسة
تكمن أهمية الدراسة الحالية في أهمية الجانب الذي تتصدى لدراسته حيث تسعى لدراسة
ظاهرة العنف والعوامل المؤدية إلى تفشيها وانتشارها بين طلبة المرحلة الثانوية وتكتسب
الدراسة الحالية أهميتها في كونها :
-1 الدراسة الأولى في مجتمع محافاظات غزة / فلسطين .
-2 قد تفيد العاملين في مجال الإرشاد والتوجيه لتوظيف طاقة العنف في قنوات إيجابية
بناءة تعود بالنفع على الفرد ذاته ومجتمعه .
-3 قد تفيد واضعي المناهج في التخطيط للبرامج الوقائية والعلاجية للطلبة في المرحلة
الثانوية لحل بعض مشكلاتهم التي قد تقلل من ظاهرة العنف .
-4 قد تثير الاهتمام المحلي بموضوع العنف لما له من آثار سلبية على المجتمع.
حدود الدراسة
تقتصر الدراسة الحالية على معلمي المرحلة الثانوية بمحافظات غزة في العام الدراسي
(2001 – 2000)
الحد البشري : معلمو المرحلة الثانوية
الحد المكاني : المدارس الثانوية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية بمحافظات غزة.
2001 م . – الحد الزماني : تم إجراء الدراسة في العام الدراسي 2001
الحد المؤسسي : اقتصرت الدراسة على المدارس الثانوية التابعة للسلطة الوطنية
الفلسطينية وتم استبعاد المدارس الثانوية الخاصة .
تحديد المصطلحات
Violence العنف
تعني ينتهك أو يؤذي أو (Violare) مشتقة من الكلمة اللاتينية Violence كلمة عنف
يغتصب ، وهو استخدام الضغط أو القوة استخداماً غير مشروع أو غير مطابق للقانون
. ( من شأنه التأثير على إرادة فرد ما( 7
ويشير مفهوم العنف إلى عدة معان منها استخدام القوة أو الإكراه غير المشروع
ولتحديد العنف إجرائياً يتطلب الأمر التفرقة بين العنف الشرعي والعنف غير الشرعي ،
فعندما تقوم الدولة باستخدام القوة لحماية القانون والنظام فقد يبدو هذا النمط من السلوك
على أنه عنف شرعي ، أما العنف غير الشرعي فقد يظهر عندما يقوم أحد الأفراد بإلحاق
.( الضرر الجسدي أو النفسي بفرد آخر (قد يكون زميل أو غير زميل) . ( 8
( ويعرفه "العتيق" ( 1994 ) بأنه القوة الجسدية التي تستخدم للإيذاء والضرر .( 9
وقد يمكن تعريف العنف بأنه السلوك الذي يؤدي إلى إلحاق الأذى الشخصي بالآخرين وله
أشكال متعددة منها الإيذاء الجسدي ، والإيذاء اللفظي بالتجريح والشتم السباب والإيذاء
النفسي .
ويعرف "قناوي" ( 1996 ) العنف على أنه أحد الأنماط السلوكية الفردية أو الجماعية التي
( تعبر عن رفض الآخر نتيجة الشعور والوعي بالإحباط في إشباع الحاجات الإنسانية ( 10
ويعرفه "المبحوح" ( 2000 ) هو أي عمل يرتكب ضد الإنسان ويحطم من كرمته
.( وهو يتراوح بين الإهانة بالكلمة واستخدام الضرب ( 11
العنف المدرسي
ويقصد بالعنف في هذه الدراسة السلوك العنيف الذي يقوم به طلبة المرحلة
الثانوية بهدف إلحاق الضرر النفسي والجسمي لغيرهم من الأشخاص سواء أكان ذلك
داخل المدرسة أم خارجها ، ما يعبر عنه الطلبة من خلال العنف المستخدم في هذه
الدراسة
الإطار النظري للدراسة
أشكال العنف
يظهر العنف باشكال ودرجات مختلفة عندما تتوفر الظروف المناسبة لظهوره، ولقد ذكر
أن أكثر أشكال العنف ظهوراً بين المراهقين في الدول غير الصناعية (Balk 1995 و )
هي السرقة والعنف الجسدي والألفاظ غير المناسبة والنشاطات المرتبطة بالجنس وتدمير
.( الممتلكات( 12
ويمكن أن يظهر العنف بين الأفراد في عدة أشكال منها
العنف الجسدي ·
حيث يشترك الجسد في الإعتداء على الآخرين سواء باستخدام أداة أو بدونها
ومن أمثلته الضرب والدفع وغيرها .
العنف الرمزي ·
وهو الذي يمارس فيه سلوك يرمي إلى تحقير الآخرين أو استفزازهم كالامتناع
عن رد السلام أو تجاهل الفرد والإزعاج من خلال الإستهزاء والسخرية من خلال
الحركات أو النظرات وغيرها .
العنف اللفظي ·
وهو الذي يقف عند حدود الكلام ومن أمثلته الشتائم والتهديد وإطلاق الصفات
غير المناسبة.
وقد يكون العنف فردياً حيث يسعى الفرد إلى إلحاق الأذى بغيره من الأفراد
والجماعات أو الأشياء، وقد يكون جماعياً حيث تسعى جماعة إلى إلحاق الأذى بغيرها من
( الجماعات والأفراد. ( 13
وفي دراسة أجراها المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية ( 1998 ) لتعرف مدى
انتشار العنف في المدارس الحكومية وقد توصلت الدراسة إلى العديد من أشكال العنف
سلكها أفرد العينة ومنها ما يلي:
ضرب الطلبة باستخدام أداة . ·
الاعتداء الجسدي على الطلبة بدون استخدام أداة. ·
الشتم والتحقير اللفظي للطلبة. ·
العاجز
9
تخويف وتهديد الطلبة لفظياً. ·
الازعاج وتعطيل الدرس. ·
رفض وتحدي أوامر المعلم. ·
.( الشجار مع الآخرين( 14 ·
أسباب العنف والعوامل المؤثرة فيه
إن الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى العنف كثيرة ومتعددة ومتباينة، حيث أنها
تختلف من فرد إلى آخر، فالسلوك الإنساني بشكل عام سواء كان مقبولاً أم غير
مقبول فهو نتاج تفاعل الإنسان مع بيئته المحيطة به التي يعيش فيها ويتفاعل مع
أفرادها، كما أن الفروق الفردية بين الأشخاص واختلاف البيئات بؤدي إلى تفاعل
الإنسان مع بيئته التي يعيش فيها و هذا بدوره يؤدي إلى وجود أسباب متعددة ومختلفة
تعمل على زيادة احتمال ظهور أشكال العنف عند بعض الأفراد دون غيرهم.
كما أن أسباب العنف وأشكاله وصوره تتعدد وتتنوع مصادره ومثيراته وتتفاوت
الآثار التي تنجم عنه، فإن ذلك يعزى إلى اختلاف الرؤيا العلمية للظاهرة فعلي حين
يرجع البعض العنف إلى أسباب نفسية سيكولوجية يرى البعض الأخر أن العنف مرده
إلى مورثات المملكة الحيوانية التي لم يتخلص الإنسان منها بعد من أسارها:بينما
يذهب فريق ثالث إلى تحميل العوامل الإدراكية مسئولية العنف وقد حدد حريز
( 1996 ) بعض هذه الأسباب والتي منها:( 15 )
العدوانية الغريزية للطبيعة البشرية:
يرجع البعض أعمال العنف إلى العدوان إلى غريزة فطرية في الطبيعة البشرية
فالإنسان الذي أفلت منذ زمن حديث، من إسار مملكة الحيوان لا يزال ذو علاقة وثيقة
بها ولم يتخلص بعد من مورثاتها التي تجعل من بني البشر أكثر ميلاً إلى العنف
.( وتقوى فيه الرغبة في السيطرة على الآخرين."( 16
يعزى الكثيرون العنف إلى أسباب نفسية (سيكولوجية) كامنة في الكيان الذاتي
الداخلي للفرد دون أن يعيروا اهتماماً يذكر إلى الظروف والأوضاع المحيطة بذلك
الفرد وعليه فإن موضوع العنف هو موضوع نفسي لا موضوع اجتماعي ،
وفي هذا المضمار يذهب فرويد إلى القول بأن الحالة النفسية للإنسان هي أساس كل
أعماله.
العوامل الذاتية (الإدراك المعاكس)
العوامل الذاتية أو الإدراك المعاكس للظواهر والأحداث هي العامل الرئيس وفقاً
لهذا المنظور في إثارة العنف ، وقد ذهب عالم الاجتماع الأمريكي "وايت" إلى القول
بأن الحروب لا تندلع بسبب النزاعات الاجتماعية والعسكرية بل بسبب سوء التفاهم
المتبادل بين طرفي النزاع. وقد تضمنت مقدمة دستور هيئة الأمم المتحدة للتربية
إشارة إلى هذا التفسير حين أشارت إلى أن U.N.E.S.S.O والعلوم والثقافة اليونسكو
"جهل الآخرين وحياتهم كان سببأ عاماً خلال تاريخ الجنس البشري لذلك الشك وانعدام
. ( الثقة بين شعوب العالم الذين بهما كثيراً ما انقلبت اختلافاتهم إلى الحروب"( 17
الأسباب الفسيولوجية العصبية
العنف إلى أسباب Skinner وسكنر Delgado يرجع البعض من أمثال دلجادو
عصبية فسيولوجية حيث تبدو مشكلة العنف بمثابة مشكلة سلوك الفرد في الحياة
الاجتماعية مشيرين إلى أنه يمكن اعتبار العدوانية البشرية رد فعل سلوكي صفته
المميزة استعمال القوة في سبيل إلحاق خسارة بالناس أو الأشياء.
الآثار السلبية للتقدم العلمي والتكنولوجي
يرجع فريق من العلماء والباحثين العنف إلى التأثيرالسلبي للثورة العلمية والتقنية،
وهذا الاتجاه يعرف بالاتجاه التكنولوجي ،فالعنف إذن وفقاً لهذا الاتجاه يأتي بدرجة
أساسية من تكنيك (تقنية) الإنتاج والتقدم العلمي والتكنولوجي، ومن أقطاب هذا
الذي يرى أن كل مظاهر Mcluhaan الاتجاه عالم الاجتماع الكندي ماك لوهان
العنف الحالي إنما تقع مسؤليتهما على كاهل التقدم التكنولوجي والعلمي ويقول آرون
"إن انفجار العنف في العالم المعاصر هو الثمن المرتفع الذي يجب أن تدفعه البشرية
لقاء تقدم الحضارة.
الإنفجار السكاني
يرجع البعض أعمال العنف في الحياة الاجتماعية إلى الانجفار السكاني الملحوظ في
الأونة الأخيرة حيث يترتب على الكثافة السكانية العالية انتشار أعمال ومظاهر العنف
التي يمكن أن تقع بين الأفراد والجماعات وذلك نتيجة لانتشار البطالة وانخفاض
مستويات المعيشة والخدمات العامة التي يحظى بها الفرد .
الاضطهاد والإحساس بالظلم
الإضطهاد يكون سبباً أو دافعاً للعنف ، فحيث يشعر البعض أنهم دون مستوى البشر
وأن إنسانيتهم قد أستلبت منهم ، وحيث يكون الفرد محروماً بدرجة كبيرة من التمتع
بحقوقه الأساسية أو عندما يحدث اعتداء على بعض أو كل الحقوق حينئذ يكون الفرد
أو الجماعة على قناعة بإقدامه على ممارسة العنف باعتباره السبيل الذي سوف يغير
من تلك الأوضاع .
ومن هذه الأسباب التي قد تؤدي إلى العنف ما يلي
-1 الحرمان العاطفي وجهل الآباء بضرورة إشباع الحاجات النفسية للأبناء وهذه
الحاجات هي شعور الطفل بأنه موضع اهتمام وتقدير .
-2 تشجيع الآباء لطفلهم في سلوكه العدواني فالأب الذي يستيجب لطفله عندما تنتابه
نوبة من نوبات الغضب إنما هو في الواقع يدعم السلوك العدواني وكذلك
بتشجيعه على ضرب من يعتدي عليه وكذلك الطفل الذي يستسلم لزميله
العدواني يدعو السلوك العدواني عند ذلك الآخر .
تقليد السلوك العدواني لدى الآخرين : إن مشاهدة الأطفال لنموذج عدواني
يجعلهم يقومون بتقليده فلا غرابة إذا رأينا الطفل يقوم بتقليد والده الذي يقوم
بتحطيم ما حوله عندما تنتابه موجة الغضب وذلك يعني أن عملية الملاحظة و
التقليد من العوامل المهمة التي تساعد على تنمية السلوك العدواني لديهم .
-4 استخدام الآباء للعقاب البدني عندما يصدر عن الطفل سلوك عدواني فالعقاب هنا
لا يؤدي إلى التقليل من عنف وعدوانية الطفل وإنما يجعل الآباء من أنفسهم
قدوة أو نموذجاً عدوانياً يلقده الطفل .
-5 التمييز بين الأطفال وما ينتج عنها من غيرة فهذه لها أثرها الكبير في انتهاج
سلوك العنف .
-6 الشعور بالنقص سواء كان في التحصيل الدراسي أو وجود نقص جسمي سواء
كان عاهة أو خلل في الحواس فهنا يلجأ الطفل إلى سلوك العنف كي يوجه
الأنظار إليه .
-7 الخلافات وعدم التوافق بين الوالدين وأمام نظر أطفالهم والتي تؤدي إلى توتر.
-8 الطفل وانفعاله فالأطفال هنا يقتدون بالأبوين .
-9 السيطرة على حياة الطفل في كل صغيرة وكبيرة في حياته ونقده لكل تصرفاته
والسخرية منه .
-10 الإسراف في الحب والتدليل والحماية الزائدة ينمي في الطفل صفات الأنانية
ويجعله دائم التمركز حول ذاته فيتعود تلبية جميع رغباته مهما كانت هذه
الرغبات فالتدليل الزائد يخلق منهم أفراد يميلون للسيطرة .
ومن الأسباب الشائعة لممارسة العنف الغيرة والتنافس من أجل الحصول على صداقة
شخص واهتمامه كالمعلم مثلاً ، كما أن الطفل قد يمارس سلوكاً فيه نوع من العنف
لجذب الاهتمام ضد إنسان لا يحمل له شعوراً بالكراهية ، فقد يضرب الطفل والدته أو
والده من أجل الحصول على انتباهه ، كما أن هذا السلوك قد يهدف إلى الحصول
على التعزيز فالاهتمام والمحبة والاحترام يمكن أن تكون معززات يسعى الفرد
للحصول عليها بطرق عدة ، وقد يظهر العنف من أجل الحصول على معززات
أخرى قد تكون غذائية أو مادية ، وقد يمارس الشخص العنف من أجل التخلص من
موقف مزعج أو خطر مهدد .
ويعد الاختلاف في الرأي والمعتقدات من الأسباب المؤدية إلى العنف بين الأفراد ،
ويعد الصراع على المناطق والدفاع عنها من الأسباب الرئيسة المؤدية إلى العنف ،
كما أن العنف قد يظهر نتيجة عوامل داخل الإنسان بغض النظر عن المثيرات
الخارجية فحدوث خلل فسيولجي في النظام العصبي يؤدي إلى اضطرابات وظيفية في
.( الشحنات الكهروعصبية عند الإنسان"( 18
إضافة إلى ما سبق فإن من العوامل التي تؤدي إلى ظهور العنف بشكل عام والعنف
بين الأطفال بشكل خاص الإحباط ، فالأطفال يمكن أن يقوموا باستجابات مختلفة إذا
تعرضوا للإحباط وقد يكون العدوان إحدى هذه الاستجابات .
لكن معظم الباحثين يرون أن وجود الإحباط وحده لا يكفي لظهور السلوك العدواني الذي
غالباً ما ترجع أسبابه إلى تفاعل عدد من العوامل البيولوجية والتعليمية ، أما العوامل
التعليمية كمسبب للعدوان ، فيقصد بها تلك العمليات الخاصة بالتنشئة الأسرية والتعليم
الإجتماعي المختلفة وهي تتضمن ما يتعلمه الطفل من سلوكيات من أبويه ومن زملائه
وأصدقائه ومن هم في بيئته الاجتماعية … وقد تؤدي العوامل البيولوجية إلى وجود
استعداد فطري عند الطفل نحو العدوان ، ومع هذا فإن خبرات التعلم الأولى هي التي
.( تطبعه اجتماعياً نحو السلوك العدواني أو بعيداً عنه ( 19
كما تعتبر البيئة الأسرية من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى وجود العنف والسلوك
العدواني لدى الأبناء وخصوصاً في الأسر التي يكون فيها الآباء مجرمين متسلطين فالآباء
العدوانيين المتكبرين الذين يميلون إلى فرض نظام بالقوة على أبنائهم يعلمون أبناءهم
الأساليب التعسفية .
1944 ) أن الآباء الذين يعاقبون أبناءهم بعنف هم في واقع الأمر يعلمون ) Daves ويقول
أطفالهم كيف وما هي الظروف التي يمكن فيها للشخص أ ن يعتدي ، فمثل هؤلاء الآباء
قدوة لأبنائهم ، إذ قد يتعلم الأطفال منهم التسلطية عن طريق التقليد ، ويفضلون اللجوء
إلى القوة ليشبعوا حاجاتهم ودوافعهم
ومن الأسباب التي قد تؤدي للعنف أيضاً التعليقات التي يبديها الآخرين أثناء مشاهدة الطفل
للتلفزيون ، وقد اتضح من الدراسات أن رد فعل الطفل لمشاهد العنف التلفزيونية يتوقف
على تصرفات الأشخاص الذين يجلسون معه أثناء رؤيته لها ، فإذا وجد استحساناً أو
تشجيعاً من هؤلاء الأشخاص استحسنها هو الآخر .
ففي دراسة لطلاب إحدى الجامعات كانوا يشاهدون فيها مباراة للملاكمة قسموا إلى
مجموعتين مجموعة كان يجلس فيها أفراد صامتون أثناء المشاهدة وأخرى جلس فيها
أفراداً أظهروا حماساً وأبدوا تعليقات تؤيد العدوان مثل "اضرب" "أديله كمان" وبعد المباراة
تم قياس درجة السلوك العدواني في المعمل وقد تبين أن المجموعة التي تعرضت لسماع
. ( التعليقات المؤيدة للعدوان كانت تسلك بعدوانية أكثر من الأخرى" ( 20
وسائط التربية ومسؤولياتها عن تفشي ظاهرة العنف
لا يستطيع أحد أن ينكر أن وسائط التربية مجتمعة تشارك المسؤولية في تفشي
ظاهرة العنف الطلابي داخل المدارس ، وأنه بالقدر الذي تتخلى فيه هذه الوسائط عن
دورها المثالي الفعال في تربية وإرشاد الأبناء ، يبرز على السطح الجانب السلبي
والمتمثل في العنف والعدوان ومشكلات أخرى ويمكن حصر الحديث عن هذه الوسائط
: ( فيما يلي( 21
أولاً : الأسرة :
الأسرة مجتمع صغير، ووحدة حية ديناميكية تهدف إلى مساعدة الطفل على النمو
المتكامل والمتزن جسمياً من خلال إشباع حاجاته الأساسية كالطعام والشراب ، وعقلياً
من خلال المثيرات والبيئة الثقافية المناسبة لعمره ، ووجدانياً من خلال إشاعة الحب
والدفء والحنان في محيط الأسرة ، واجتماعياً من خلال تدريب الطفل على كيفية
التعامل مع الآخرين واحترام حقوقهم وتمثل القيم، وروحياً وذلك بإكسابه القيم الدينية بما
.( يتناسب وعمره ، وبذلك تعتبر الأسرة مهد الشخصية ( 22
ويقع على الأسرة مسؤوليات اجتماعية كبيرة، إن قامت بها خير قيام فسينشأ
الأفراد نشأة سليمة وإلا فالعنف والعدوان والانطواء والخجل ، ومن هذه المسؤوليات :
تنمية قدرات الطفل الأساسية .
-2 تدريب الطفل على المهارات الحركية .
-3 توجيه الطفل إلى مجتمع الأتراب الصالح .
-4 إبراز وصقل المهارات الشخصية والاهتمام بمشاعر الآخرين .
-5 ضبط سلوك الطفل وتحديد الأخطاء وتصويبها وتقديم النصح .
وقد أكد الإسلام أن الطفل يولد على الفطرة وأبواه إما يهودانه أو ينصرانه أو
يمجسانه. ويعني ذلك أن الأبوين من خلال الأٍسرة يلعبان دوراً مهماً وخطيراً في حياة
الأبناء، وأكدت كثير من الدراسات أن وجود جو متعاون ومتسامح داخل الأسرة، يؤدي
إلى أبناء متسامحين متعاونين، والعكس صحيح فإذا ما اتسم جو الأسرة بالمخاصمة
والشحناء والبغضاء والخلافات المستمرة بين الوالدين، تجعل الأبناء يشعرون بالخوف
والقلق ، مما يولد عندهم ظاهرة العنف والعدوان ومشكلات أخرى .
( ويرى "ديفيد ليكن" أن المكان الصحيح لمحاربة ظاهرة العنف هو المهد ( 23
ويعني بذلك الأسرة ويرى الباحث من خلال التجربة الواقعية العملية مع كثير من طلبة
المدارس أن كثيراً من الطلبة الذين يتصفون بالعنف قد تكون الأسرة هي السبب الرئيس
في ذلك من خلال حث الوالدين الابن على ضرب الزملاء؛ حتى يخافوه ويخشوه وهناك
ظروف نفسية قاهرة وضغط اقتصادي واضح يدفع الأبناء إلى المزيد من العنف لتحقيق
أهداف معينة أو التنفيس عن الكبت.
وإذا كانت الأسرة هي الرائدة في تحمل المسؤولية في تنشئة الأبناء، فلا يمكن
إغفال دور الوسائط الأخرى كالمدرسة مثلاً أو المسجد ، أو النادي ، أو مجتمع الأتراب ،
أو وسائل الإعلام .
ثانياً : المدرسة
المدرسة مؤسسة تربوية اجتماعية خطط لها المجتمع بطريقة مقصودة لتقابل
حاجة من حاجاته الأساسية وهي إعداد شباب المستقبل إعداداً متكاملاً، وتربيتهم وتنشئتهم
من خلال إكسابهم منظومة المجتمع القيمية ، وتزداد أهمية المدرسة كمؤسسة من
مؤسسات التنشئة الاجتماعية باستمرار في وقتنا الحاضر وترجع هذه الأهمية إلى : .
-1 أن الأسرة لم تعد المسؤولة الوحيدة عن التنشئة الاجتماعية، فقد بدأت المدرسة تشارك
الأسرة هذه الوظيفة بسبب التطور الصناعي والاقتصادي .
-2 غزارة التراث الثقافي وتعقده وتراكمه والاتفجار المعرفي والتطور العلمي والتقني .
-3 استنباط اللغة المكتوبة وإبداعها التراث الثقافي والمبتكرات العلمية الحديثة .
-4 اضمحلال أثر الوراثة في تحديد المكانة الاجتماعية التي أصبحت تكتسب عن طريق
.( التعلم( 24
وتقع على كاهل المدرسة مسؤوليات خطيرة منها
-1 بناء الإنسان الصالح وتنمية شخصيته بصورة شاملة متكاملة .
-2 تعليم الطفل أن يعلم نفسه بنفسه وأن يحل مشكلاته وأن ينمي إبداعاته .
-3 نقل التراث الثقافي من الأجيال السالفة إلى الأجيال الحاضرة بالإضافة إلى تبسيطه
وتنقيته من الشوائب والعيوب .
-4 صهر جميع الطلبة في بوتقة واحدة بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية
والثقافية .
والمدرسة تسعى لتحقيق هذه الوظائف جاهدة إلا أنه قد ظهر على السطح أن
المدارس غدت مسارح للعنف الطلابي، وقد يرجع ذلك إلى الأعداد الكبيرة الموجودة في
المدارس وتخلي الآباء عن تربية الأبناء بحجة أن المسئولية الأولى تقع على عاتق
المدرسة .
إن أحداث العنف داخل المدرسة قد ترجع إلى عدد من العوامل منها ما يعود على
الطالب نفسه ، ومنها ما يعود على المعلم أو المدير ، ومنها ما يعود على المنهاج
المدرسي ، ومنها ما هو مشترك بين جميع الأطراف ، فكل هذه العوامل من شأنها أن
تثير الحقد والقلق والصراع والكراهية ، وبالتالي تدفعه إلى السلوك العدواني .
ويعتقد الباحث أن للمدرسة مكانة خاصة في معالجة ظاهرة العنف ، لأنها المكان
الذي يظهر فيه عنف الطلاب بوضوح خلافاً للأسرة، التي يكتم فيها الابن عنفه وعنفوانه
لأسباب مختلفة. ولذلك فإنها البيئة الخصبة لاكتشاف عنفه عن قرب ومعالجته بسرعة ،
. في مهده الأول وهي المدرسة كما بينت دراسة شكور 1997
ثالثاً : مجتمع الأتراب
وهو جماعة أولية تتميز بالتماسك ، وبعلاقات المودة وتتكون من أعضاء
متساوين من حيث المكانة ، وتقوم على مجموعة من الأسس التي تؤدي إلى توثيق صلات
الصداقة ، كتقارب العمل الزمني ، وتشابه الميول وتجاور السكن ، والتقارب في النمو
الجسمي ، وفي القدرات التحصيلية والعقلية والذكاء ، ومن هذه الأسس إشباع الجماعة
.( الحاجات المباشرة لأفرادها( 25
إن أثر جماعة الأتراب في التنشئة الاجتماعية لا يقل عن أهمية دور المؤسسات
الاجتماعية الأخرى كالأسرة والمدرسة ، بل وقد يتعداها في بعض الأحيان وهذه الجماعة
لها دوران رئيسيان هما :
الدور الإيجابي
ويتمثل في مساعدة الطفل في النمو المتكامل جسمياً وانفعالياً واجتماعياً وفي
إعطائه فرصة للتعامل مع أفراد متساويين ومتشابهين في العمر واللغة والميول والتفكير
والحاجات .
الدور السلبي
إن انضمام الشباب لجماعة معينة قبل التعرف على نواياها وأهدافها، قد يعرضه للمزالق
والأخطار، فقد يختار جماعة شريرة منحرفة في سلوكها وشاذة في تصرفاتها ، يكون جل
اهتمامها إيذاء المجتمع وأفراده، وإيقاع الضرر بهم والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم .
وتكمن خطورة مجتمع الأتراب في هذه الحالة بإخلاص الفرد لها والانصياع
لأوامر زعيمها والإحساس التام بالولاء لها . ومما يعقد المشكلة غياب الإشراف الأسري
والإرشاد والتوجيه المدرسي والتربوي ، وبوجود الشللية والصحبة السيئة في تفشي
ظاهرة العنف والعكس صحيح في الصحبة الصالحة الطيبة .
عمق تأثير معايير جماعة الرفاق (Hargreaves) وتوضح دراسة طارد عريفز
على التحصيل المدرسي للأعضاء فيها ، فقد قادت ملاحظته الميدانية لإحدى المدارس
الثانوية إلى تمييز عدد من جماعة الرفاق في هذه الدراسة ، وقد لاحظ الباحث اختلاف
بينة في الأهداف والممارسات لأعضاء الجماعات المختلفة ، ووجدت أن كل جماعة منها
تجتذب أعضاء متشابهين في اهتماماتهم الأكاديمية واتجاهاتهم نحو التعليم المدرسي ، إلا
أنه لاحظ بعض الحالات الاستثنائية يكون فيها العضو مختلفاً في توجهاته الأكاديمية
والسلوكية عن النمط الغالب لأعضاء الجماعة" .
كما دلت الأبحاث على أنه ما يعدل الطفل من القيم والمعايير التي اكتسبها في
المنزل تبعاً لما تتطلبه جماعة الأتراب ، وهذا يجعل لتوجيه الآباء لأطفالهم لاختيار
أصدقائهم أهمية خاصة ، إذ كثيراً ما تؤدي الصداقة الخاطئة إلى أنواع مختلفة من
الإنحراف وغالباً ما يجد الطفل في جماعة النظائر متنفساً لسلوكه العدواني الذي لا
.( يستطيع تحقيقه سواء في جو المدرسة أو جو الأسرة ( 26
رابعاً : وسائل الإعلام
مما لا شك فيه أن وسائل الإعلام والمتمثلة في الإذاعة والتلفاز والصحافة
والمسرح تلعب دوراً مهماً في عملية التنشئة الاجتماعية جنباً إلى جنب مع الأسرة
والمدرسة ومجتمع الأتراب، والأصل أن تكون العلاقة قوية بين هذه المؤسسات مع
بعضها البعض من أجل بناء الإنسان الصالح : فالإذاعة تعتبر من أكثر وسائل التثقيف
والتربية انتشاراً، وترجع أهميتها إلى أن الكلمة المنطوقة ذات أثر كبير؛ لأنها لا تحتاج
إلى معرفة بالقراءة والكتابة . في حين أن التلفاز يمتاز عن الإذاعة في أنه أشد تأثيراً
وأكثر قدرة على جذب الانتباه ومنع التشتت ، ونظراً لأهمية الصحافة أطلق عليها البعض
اسم "السلطة الرابعة" ، وحتى تحقق الصحافة أهدافها لابد أن يكون هدفها منبثقاً من أهداف
المجتمع وقيمه ومبادئه، وأن تعمل على توجيه الفكر للارتقاء به. ويلعب المسرح دوراً
رئيسياً في تبصير الناس بمشكلات مجتمعهم، ومواضع المعاناة فيه بالإضافة إلى غرس
المثل العليا، وتنميتها مثل البعد عن التفكير الاتكالي والأخذ بالتفكير العلمي كأساس
لدراسة المشكلات وحلها .
إن توجيه هذه الوسائل لمنفعة المواطنين أمر بديهي، ولكن قد يحدث أحياناً
بطريقة أو بأخرى مما يؤدي بدوره إلى سلوك سلبي لدى أفراد المجتمع فعلى سبيل المثال