العلاقات الشخصية
الوحدة، والتجاذب، والنفور
العلاقات الشخصية وأنماطها
العلاقات الشخصية أكثر أنواع العلاقات الاجتماعية دلالة في حياة الأشخاص وأكثرها تأثيرا في أفكارهم ومشاعرهم وسلوكهم.
تمييز العلاقات الشخصية عن غيرها من العلاقات الاجتماعية:
تسمى العلاقات الشخصية كذلك لأنها تحدث بين أشخاص (قرابة-زواج-صداقة، مثلا)، ولتمييزها عن غيرها من العلاقات الاجتماعية كعلاقات جماعة أو فئة اجتماعية بأخرى.
العلاقات الشخصية وأنماطها
تمييز العلاقات الشخصية عن غيرها من العلاقات الاجتماعية (تابع):
ومما يميز العلاقات الشخصية أنها تتضمن ارتباطا حميما بين شخصين أو أكثر. هذا يعني:
أولا، أن تفاعلات الفرد في محيط العلاقات الشخصية لا تحكمها القواعد الرسمية أو التنظيمية، وإنما ما لدى الأفراد المتفاعلين من إدراكات وعواطف متبادلة وأهداف مشتركة،
ثانيا، أن ما ينتقل من معلومات ومشاعر شخصية أثناء هذه التفاعلات يعبر بدرجة كبيرة عن خبرات الأفراد الذاتية كحالاتهم الانفعالية واعتقاداتهم الخاصة التي تتعلق بموقف أطرافها من هذه العلاقات.
العلاقات الشخصية وأنماطها
تمييز العلاقات الشخصية عن غيرها من العلاقات الاجتماعية (تابع):
كما تتصف العلاقات الشخصية، نسبة إلى غيرها من العلاقات الاجتماعية، بالاستمرارية. وتتفاوت كثافة ونوعية العلاقات من شخص إلى آخر، ومن نمط علاقة إلى أخر. وتصف شبكة العلاقات الاجتماعية كم ونوع العلاقات التي يقيمها الفرد مع الآخرين. فالجانب الكمي يشير إلى عدد علاقات الفرد، ويشير الجانب النوعي إلى عدة خصائص أهمها درجة المساندة الاجتماعية المادية والمعنوية.
العلاقات الشخصية وأنماطها
العلاقات الشخصية كظاهرة إنسانية عامة:
يتباين متوسط عدد أصدقاء الفرد من مجتمع إلى آخر، لكن الصداقة ظاهرة إنسانية عامة. ويقال هذا في أنماط وقواعد الارتباط بين أفراد الجنسين، وفي كل أنواع العلاقات الشخصية. والعلاقات الشخصية ليست ظواهر جامدة. فقد تتغير علاقات الشخص عبر حياته، وقد تكون تلك العلاقات مصدر سعادة عظيمة وقد تكون مصدر ضغوط متنوعة. والعلاقة الواحدة قد تكون أحيانا مصدر أهداف الفرد ودافعيته، وهي نفسها قد تكون أحيانا مصدر ألم وشكوك ذاتية لدى أطرافها عن مدى أهميتها. ومع هذا فالناس يعيشون مع بعضهم، ويعتمدون على علاقاتهم الشخصية بطرق مختلفة، ولحاجات متعددة. وهناك اتفاق عام على أن الكثير من نشاطات الفرد يتعلق بتكوين العلاقات واستمرارها.
العلاقات الشخصية وأنماطها
العلاقات الشخصية كظاهرة إنسانية عامة (تابع):
الارتباط بالآخرين حاجة أساس، ويظهر هذا في مرحلة مبكرة من عمر الفرد (من خلال ارتباطه بحاضنته عند استجابتها لحاجاته البيولوجية). وتتكون لديه من خلال خبرات الارتباط بالآخرين مفاهيم وتوقعات عن مواقف العلاقات مع الآخرين، وعن نفسه في تلك المواقف. وستؤثر هذه المفاهيم والتوقعات على كم وكيفية ارتباطاته المستقبلية بغض النظر عن طبيعة أهدافها ودوافعها. وبمرور الوقت تتسع شبكة علاقاته الاجتماعية، ولكن العلاقات الشخصية تبقى من أهم مظاهر تفاعلاته ضمن هذه الشبكة مهما تغيرت بيئته الاجتماعية، ومهما تغيرت مدخلات هذه الشبكة.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
المساندة الاجتماعية وأحداث الحياة الضاغطة:
وعلى الرغم من الأسس البيولوجية لبداية خبرات اتصال الفرد الإنساني بالآخرين، إلا أن علاقاته الشخصية-وفي سن مبكرة جدا-تحكمها البناءات والعمليات النفسية في مواقف التفاعل.
تتراوح أحداث الحياة الضاغطة من المنغصات اليومية إلى سوء التفاهم الشخصي في محيط الأسرة أو العمل، إلى أعباء المعيشة ومتطلبات الحياة، إلى أحداث مثل فقد الأعزاء أو الطلاق أو الديون أو الطرد من العمل، الخ.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
المساندة الاجتماعية وأحداث الحياة الضاغطة:
وتشير نتائج دراسات أحداث الحياة الضاغطة وعلاقتها بالمشكلات الجسمية إلى الآثار السلبية لأحداث الحياة الضاغطة على الصحة، ودور المساندة الاجتماعية في التخفيف من تلك الآثار. فقد وجدت إحدى الدراسات أن توفر المساندة الاجتماعية يخفف من حدة تأثيرات أحداث الحياة الضاغطة على صحة النساء الحوامل، حيث كانت صعوبات الحمل كالنزيف والولادة المبتسرة وغيرها أقل عند النساء اللواتي يجدن مساندة اجتماعية مقارنة بمن يفتقدنها. ويبدو أن المساندة الاجتماعية تعمل كواق من التأثيرات السلبية لأحداث الحياة الضاغطة على صحة النساء الحوامل.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
المساندة الاجتماعية وأحداث الحياة الضاغطة:
وتتأثر صحة المرء العقلية بالعلاقات الشخصية كما تتأثر بها صحته الجسمية. فقد وجدت دراسة لعينة كبيرة أن العلاقات الشخصية التي توفر المساندة تخفف من تأثيرات احداث الحياة الضاغطة. فارتباط الفرد مع الآخرين بعلاقات توفر له المساندة في مواجهة صعوبات الحياة له علاقة قوية برضاه عن حياته، وبصحته الجسمية ومقاومته للأمراض، وبصحته العقلية وبأدائه كعضو في المجتمع.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
الوحدة النفسية: طبيعتها وتأثيراتها وطرق التعامل معها:
هل الوحدة النفسية قاتلة، كما يقول عامة الناس؟ أن فقد أحد الزوجين يعجِّل بظهور المشاكل الصحية عند الآخر، كما وجدت إحدى الدراسات.
الوحدة والعزلة مسميان لظاهرتين مختلفتين.
فالعزلة تصف غياب أو انخفاض درجة التفاعل مع الآخرين، بينما تصف الوحدة مشاعر ذاتية قد يخبرها المرء بدرجات متفاوتة وهو مع أناس تربطه بهم علاقات شخصية حميمة. فالوحدة، كما تقول بريم، ”شعور بالحرمان وعدم الرضا ينتج بسبب تفاوت نوع العلاقات الاجتماعية التي نرغب فيها ونوع العلاقات التي نعيشها.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
الوحدة النفسية: طبيعتها وتأثيراتها وطرق التعامل معها:
نحن نشعر بالوحدة عندما نكون بمفردنا إذا كنا نفضل أن نكون مع شخص ما، ونشعر بالوحدة عندما نكون مع أناس آخرين إذا كنا نفضل أن نكون مع غيرهم.
وترتبط الوحدة بمشاعر متنوعة تختلف من موقف إلى آخر. وقد صنف الباحثون مشاعر الوحدة في أربع فئات: مشاعر اليأس، ومشاعر الاكتئاب، ومشاعر تحقير الذات، ومشاعر الملل المتعجل.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
الوحدة النفسية: طبيعتها وتأثيراتها وطرق التعامل معها:
والوحدة خبرة فردية معقدة وليست أحادية البعد، حيث تشترك مع الاكتئاب والخجل (القلق الاجتماعي) في مظاهر متعددة، مع وجود فروق مهمة بينها. فالوحدة ترتبط بالعلاقات مع الآخرين بينما الاكتئاب حالة عاطفية عامة تتعلق بمشاعر الفرد في مجالات متعددة. وتختلف مشاعر الوحدة عن مشاعر الخجل في أن مشاعر الوحدة تنتج من خلل في العلاقات القائمة، بينما الخجل عزوف عن التفاعل مع الآخرين يصحبه مشاعر قصور في التفاعل بينهم.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
الوحدة والعمر:
تؤكد الدراسات أن مشاعر الوحدة تقل بتقدم العمر، وأن أعلى مستوى لها يكون في مرحلة المراهقة المتأخرة.
وتعزى هذه الفروق العمرية في الوحدة إلى أن الصغير لم تتحدد معالم هويته كفرد في علاقته ببيئته الاجتماعية ومتطلباتها، كما أن علاقاته الاجتماعية تتغير باستمرار.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
الوحدة والجنس والحالة الاجتماعية:
الذكور عموما أكثر شعورا بالوحدة من الإناث قبل الزواج.
أما بعد الزواج فالمتزوجات أكثر شعورا بالوحدة من أزواجهن، بينما تكون درجة الوحدة أعلى عند الرجال الذين لم يتزوجوا أو طلقوا أو ترملوا.
والمتزوجون أقل شعورا بالوحدة من العزاب الذين طلقوا أو ترملوا.
وعندما يعزل أثر الطلاق أو الترمل فإن الفروق بين المتزوجين ومن لم يتزوجوا إطلاقا غير دالة.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
عوامل نشوء الوحدة واستمرارها:
يعتمد الفرد عاطفيا ومعلوماتيا على الآخرين بطريقتين مترابطتين.
ويتجسد الاعتماد العاطفي فيما يوفره ارتباط الفرد بالآخرين من حاجات جسمية ونفسية. فالطفل يتعلم في سن مبكرة أن يربط بين وجود الآخرين ومشاعر الراحة والطمأنينة والثقة. ويتعلم الربط بين هذه المشاعر الإيجابية وأنماط سلوكية معينة، وتعبيرات لفظية وغير لفظية تظهر في سلوك الآخرين.
ويتمثل الاعتماد المعلوماتي في حاجة الفرد إلى المعلومات التي تؤكد صحة آرائه واعتقاداته عن عالمه الاجتماعي، وكيفية التعامل معه، وعن نفسه وقدراته. فالعلاقات الشخصية التي لا تخدم هذه الوظائف النفسية ستؤدي إلى تنامي مشاعر الوحدة.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
عوامل نشوء الوحدة واستمرارها:
ما الذي يؤدي إلى افتقار العلاقات الشخصية لتلك الخصائص؟
هناك مؤشرات قوية على علاقة قوية بين عدد من الأحداث النفسية والوحدة:
تغيرات في مفاهيم الفرد وأهدافه في العلاقة الشخصية: فالعلاقات التي لا تتغير فيها أنماط التفاعل بما يتناسب مع تغيرات مفاهيم أطرافها ستزيد مشاعر الوحدة.
الطريقة التي يعزو بها أطراف العلاقة مشاعرهم وسلوكهم تؤثر على استمرار أو انخفاض مشاعر الوحدة لديهم. إن كيفية فهم الفرد لمشاعر الوحدة تؤدي إلى اختلاف ردود فعله لهذه المشاعر وسلوكه المستقبلي حيالها. وقد بينت دراسات عديدة ارتباط برود العلاقات الزوجية بكيفية تفسير ما يثيره أحد الزوجين في الآخر من مشاعر، وكيفية تفسير سلوك الآخر.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
عوامل نشوء الوحدة واستمرارها:
الطريقة التي يعزو بها أطراف العلاقة مشاعرهم وسلوكهم تؤثر على استمرار أو انخفاض مشاعر الوحدة لديهم (تابع).
وترتبط مشاعر الوحدة بتقدير الذات، وتقدير الذات يرتبط بالعزو. كما أن عزو الفرد للأحداث أو المشاعر السلبية يؤثر على تقدير الذات، وتقدير الذات يؤثر على طريقة العزو لهذه الأحداث، وهذه كلها تؤثر وتتأثر بالسلوك الاجتماعي. فمشاعر الوحدة وتأثيراتها تتمثل في علاقات متشابكة بين عدد من الأبعاد النفسية. وأي تغير في جانب من العلاقات يؤدي إلى تغير في جوانب أخرى.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
استجابات الأفراد وتعاملهم مع الوحدة:
تختلف مشاعر الوحدة من موقف إلى آخر، ومن فرد إلى آخر، كما تختلف طرق الاستجابة لمشاعر الوحدة. حدد كل من روبنشتاين وشيفر أربع فئات من هذه الاستجابات وهي: السلبية الحزينة، والانعزال النشط، والتواصل الاجتماعي، والسلوك التشتيتي. بعض هذه الاستجابات سلبية وبعضها إيجابي. بيد أن أكثر الطرق فعالية في التعامل مع الوحدة هي تغيير واقع العلاقات الشخصية سلوكيا أو ذهنيا.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
استجابات الأفراد وتعاملهم مع الوحدة:
طرق التعامل الذهنية تتضمن محاولة تغيير اعتقادات الفرد عن نفسه وعن العلاقات الاجتماعية، وتغيير توقعاته عما يمكن أن يحصل عليه منها أو ما يمكن أن يحدث فيها. فالأفراد الذين لا تتغير مفاهيمهم وتوقعاتهم عن العلاقة الزوجية بعد سنوات من الزواج قد يواجهون صعوبات تنبع من إدراكهم لفشل زواجهم، وقد لا يتفق هذا الإدراك مع حقيقة العلاقة الزوجية عند غالبية الأفراد. وقد بينت الدراسات أن مجرد التفكير بطريقة إيجابية يؤدي إلى تعامل أفضل مع صعوبات الحياة الاجتماعية.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
استجابات الأفراد وتعاملهم مع الوحدة:
وتتركز استراتيجية التعامل السلوكية مع الوحدة في القيام بسلوك يبعث على الرضى عن الذات، ويثير مشاعر إيجابية في الفرد، ومحاولة تغيير طرق التعامل مع أطراف العلاقة الشخصية. ويمكن للفرد أن يتدرب ذاتيا لتحسين المهارات الاجتماعية التي تعوزه في التعامل مع الآخرين.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
تعريف التجاذب ومظاهره:
يتعلق التجاذب بنتائج التفاعلات الأولى على نمو العلاقة الشخصية. والمظهر الأساس للتجاذب هو شعور الفرد بالرغبة في استمرار التفاعل مع فرد آخر، أو محاولته تهيئة ذلك. ويتميز التجاذب بالاختيارية.
الألفة والتجاذب:
أول عوامل التجاذب بين الأفراد هي الألفة، حيث يميل الفرد إلى الأفراد الذين يألفهم. وقد وجدت بعض الدراسات أن فرصة التفاعل أو المواجهة بين الأفراد هي أكثر العوامل المؤدية إلى نشوء العلاقات. كما اعتمد تكوين الصداقات على القرب بين مساكن الأفراد (المسافة الوظيفية وليست المسافة المكانية).
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
الألفة والتجاذب (تابع):
وقد وجد زاينس أنه كلما زاد مستوى التعرض للمثيرات زادت إيجابية تقييمه من قبل الأفراد. لكن دراسات مجرد التعرض تؤكد فقط أن هذا التأثير لا يمكن تفسيره بغير الألفة. فالألفة بمثير ما تزيد من جاذبيته مقارنة بمثير آخر غير مألوف.
كما يمكن أن يحدث هذا الأثر حتى عندما لا يكون الفرد على وعي بالمثير (عندما يكون المثير دون مستوى الوعي). لكن أثر مجرد التعرض الذي كشفت عنه هذه الدراسات يتوقف عند تهيئة الفرد للتفاعل ولا تبين أن تكرار التفاعل يؤدي إلى التجاذب، حيث تشير دراسات أخرى إلى أن مجرد تكرار التفاعل لا يرتبط بالتجاذب، فالدراسات تبين أنه كلما قل الرضا عن العلاقة قل التفاعل بين الأزواج.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
أثر ظروف التفاعل ونتائجه على التجاذب:
القاعدة العامة هي أنه كلما زادت إيجابية ظروف التفاعل ونتائجه كلما زادت رغبة الأفراد في تكراره.
ظروف التفاعل ومفهوم الذات:
ينجذب الفرد إلى الآخرين الذين يؤدي تفاعله معهم إلى تقييم ذاته إيجابيا، أو إلى محافظته على تقييم ذاته. ويمكن أن يؤثر تفاعل الفرد مع الآخرين على مفهوم ذاته بطرق مختلفة، كالمقارنة الاجتماعية، والتعزيز اللفظي من قبل الآخرين، والمعلومات الإيجابية التي ينقلونها صراحة أو ضمنا عنه. وليس بالضرورة أن تكون استجابات الآخرين المعززة لفظية، فالناس عموما يميلون إلى من يجعلهم يشعرون بطريقة إيجابية نحو ذواتهم، سواء كان ذلك عن طريق الاستجابات اللفظية كالمديح أو الإطراء، أو غير اللفظية كإظهار الاهتمام بهم.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
ظروف التفاعل ومفهوم الذات (تابع):
لكن الإطراء قد يؤدي إلى نتائج عكسية (تقييم سلبي للمادح). وفي هذا الشأن، هناك اقتراحان متعارضان:
الأول: الإطراء يؤدي دائما إلى الانجذاب لمصدره خصوصا عندما يكون تقدير الذات منخفضا، سواء كان حالة أو سمة، وهذه الفرضية تسمى بتحيز الإيجابية.
الثاني: يعتمد أثر الإطراء على تقدير المرء لذاته. فالفرد الذي يقيم ذاته سلبيا سينفر ممن يطريه، والذي يقيم ذاته إيجابيا سينجذب إلى من يطريه. والفرضية الأخيرة تؤكد أهمية الاتساق بين نظرة الفرد لنفسه ونظرة الآخرين له (نظرية التناسب الاجتماعي-سيكورد وباكمان-من نظريات الاتساق الذهني، والنظرية البديلة لها هي نظرية إثبات الذات-سوان).
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
ظروف التفاعل ومفهوم الذات (تابع):
حُلَّ التناقض بين نتائج تلك الدراسات في ضوء نظرية العزو التي تؤكد أن العامل الحاسم هو كيفية تفسير الفرد لإطراء الآخر له.
فإذا عزاه إلى أسباب خارجية فسينخفض الانجذاب إلى الآخر، أما إذا أدرك أن الإطراء صادق فإنه سينجذب إليه. وهنا يأتي دور تقدير الذات. فالأفراد ذوو التقدير المرتفع لذواتهم سيعزون إطراء الآخرين لهم على أنه يعكس ما يراه الآخرون فيهم بالفعل، ولذلك سينجذبون إليهم.
أما ذوو التقدير المنخفض لذواتهم فسيعزون إطراء الآخرين لهم على أنه نتيجة لضغوط خارجية، أو كنوع من المجاملة أو الاستهزاء، ولذلك فإنهم سينفرون منهم.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
أثر العاطفة في موقف التفاعل على التجاذب:
تؤثر الحالة المزاجية للفرد أثناء تفاعله مع الآخرين على انجذابه لهم. ويصدق ذلك سواء كان سبب تلك الحالة العاطفية سلوك الآخر نفسه أو لأسباب أخرى ليس لها صلة بموقف التفاعل.
السلوك غير اللفظي والتجاذب:
السلوك غير اللفظي جزء رئيس من التفاعلات اليومية. فطريقة النظر، وطريقة الجلوس، والمسافة التي يفضل الفرد أن تفصله عن الآخرين أثناء الحديث أو الجلوس (الحيز الشخصي)، واللمس، الخ، كلها تؤدي وظائف اتصالية مهمة.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
السلوك غير اللفظي والتجاذب (تابع):
وقد بينت دراسات مبكرة أن الناس يوظفون التقارب الجسدي عندما تكون أهداف التفاعل حميمة، كما بينت أنه يختلف من ثقافة إلى أخرى. لكن أثر تخطي الآخرين للحيز الشخصي على مشاعر الفرد الموقفية نحوهم يعتمد على نوع التفاعل. فإذا كان سلوك الآخر وديا فإن تخطيه للحيز الشخصي يزيد من جاذبيته، والعكس إذا كان سلوكه سلبيا. وهذا يعني أن شعور الفرد بتخطي الآخر لحيزه الشخصي يكثف أثر المشاعر التي يستثيرها الموقف، سلبا أو إيجابا، ولكنه لا يحدد نوع هذه المشاعر، وهذا ينطبق على التحديق العيني.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
الاستثارة في موقف التفاعل والتجاذب:
دور الاستثارة الفسيولوجية في التجاذب يعتمد على دلالة الموقف وسلوك الآخر بالنسبة للفرد (تأثير مشابه لتأثير تخطي الحيز الشخصي).
الجاذبية الفيزيقية والتجاذب:
المظهر الخارجي أكثر خصائص الشخصية بروزا في التفاعل بين الأشخاص. ومن المنطقي أن تكون هناك علاقة موجبة بين الجاذبية الفيزيقية والتجاذب الشخصي. فالتقييم الأولي قد يؤثر على خصائص أخرى أقل بروزا ووضوحا-أي قد يحدث توقعات متحيزة لدى الفرد عن الخصائص السلوكية والشخصية للفرد موضوع التقييم مما يؤدي إلى زيادة جاذبيته.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
الجاذبية الفيزيقية والتجاذب:
وقد دلت الدراسات أن للجاذبية الفيزيقية أثر دال على إدراك الفرد لخصائص الآخرين، وهو ما سمي بالصورة النمطية للجاذبية الفيزيقية. فالناس يدركون علاقة وهمية بين المظهر الخارجي والخصائص الشخصية. ومن الأحرى أن تفهم هذه النتائج في ضوء ثلاث نقاط مهمة:
تؤكد الدراسات أن العلاقة بين الجاذبية الفيزيقية والتجاذب ليست دائما علاقة ذات وجهة أحادية. فالانجذاب لشخص ما غير جاذبيته الفيزيقية، والألفة به، قد تؤديان إلى زيادة تقدير درجة جاذبيته الفيزيقية.
تخضع الجاذبية الفيزيقية للخصوصية الفردية والثقافية والمجتمعية.
قد تكون الجاذبية الفيزيقية مؤثرة في التفاعلات الأولى، ولكن سرعان ما يبدأ تأثير عوامل أخرى قد تقلل وقد تزيد من أثر الجاذبية الفيزيقية.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
التشابه والتجاذب بين الأشخاص:
هل يؤدي التشابه بين الأفراد إلى التجاذب بينهم؟ هل يؤدي التضاد بين الأشخاص إلى التجاذب بينهم؟
الدراسات المبكرة لأثر تشابه الاتجاهات على التجاذب:
وجد نيوكمب دلائل تبين وجود علاقة بين تشابه اتجاهات الأفراد وتكون الصداقات بينهم. ويفسر نيوكمب العلاقة بين تشابه الاتجاهات والتجاذب على أنها نتيجة لما أسماه الضغط نحو التجانس، وهي فكرة شبيهة بفكرة التوازن عند هايدر، إلا أن نيوكمب يؤكد أن عدم الاتساق الذهني ليس له أهمية نفسية خارج محيط الاتصال. فعدم الاتفاق مع شخص غير محبوب لن يكون دافعا لتغيير اتجاهات الفرد أو لاتجاهات ذلك الشخص إلا عندما تكون هناك ظروف تفرض الاتصال معه. كما اقترح نيوكمب أن أهمية التوازن نابعة من خاصية التعزيز.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
الدراسة التجريبية لتأثير تشابه الاتجاهات على التجاذب:
توصل بيرن من خلال دراساته التجريبية المضبوطة إلى صياغة قانون تشابه الاتجاه-التجاذب، حيث يتوقع وجود علاقة طردية بين تشابه اتجاهات الأفراد ودرجة تجاذبهم. فعندما كانت اتجاهات شخص مجهول مشابهة لاتجاهات المفحوصين، كانت درجات تقييمهم لذكائه وأخلاقه ورغبتهم في التعرف عليه وتوقعاتهم حول مدى استمتاعهم برفقته أكبر منها عندما كانت اتجاهاته مناقضة لاتجاهاتهم، سواء كانت اتجاهاتهم نحو موضوعات مهمة أو غير مهمة، ولكن بدرجة أقل.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
مقارنة أثر التشابه في الاتجاهات والتشابه في القدرات:
وجد ميللر وسولز أن تشابه اتجاهات وقدرات الفرد مع اتجاهات وقدرات آخرين يزيدان درجة تفضيله أو رغبته في العمل معهم، إلا أن تأثير التشابه في الاتجاهات أكبر. كما بينت دراسة أخرى لهما أن أثر تشابه قدرات الفرد مع قدرات الآخرين على انجذابه لهم يعتمد على تشابه اتجاهاته مع اتجاهاتهم. فقدرات الآخرين تكون مؤثرة على درجة انجذابه لهم في حال أدرك أنهم يشبهونه في الاتجاهات. والذي يبدو أن تفاعل الفرد مع أشخاص يشبهونه في الاتجاهات أهم من الناحية النفسية من قدرتهم على الإسهام في عمل مشترك. وهذا يدعم بقوة نظرية المقارنة الاجتماعية في تكون العلاقات الشخصية ووظائفها.
الوحدة، والتجاذب، والنفور
العلاقات الشخصية وأنماطها
العلاقات الشخصية أكثر أنواع العلاقات الاجتماعية دلالة في حياة الأشخاص وأكثرها تأثيرا في أفكارهم ومشاعرهم وسلوكهم.
تمييز العلاقات الشخصية عن غيرها من العلاقات الاجتماعية:
تسمى العلاقات الشخصية كذلك لأنها تحدث بين أشخاص (قرابة-زواج-صداقة، مثلا)، ولتمييزها عن غيرها من العلاقات الاجتماعية كعلاقات جماعة أو فئة اجتماعية بأخرى.
العلاقات الشخصية وأنماطها
تمييز العلاقات الشخصية عن غيرها من العلاقات الاجتماعية (تابع):
ومما يميز العلاقات الشخصية أنها تتضمن ارتباطا حميما بين شخصين أو أكثر. هذا يعني:
أولا، أن تفاعلات الفرد في محيط العلاقات الشخصية لا تحكمها القواعد الرسمية أو التنظيمية، وإنما ما لدى الأفراد المتفاعلين من إدراكات وعواطف متبادلة وأهداف مشتركة،
ثانيا، أن ما ينتقل من معلومات ومشاعر شخصية أثناء هذه التفاعلات يعبر بدرجة كبيرة عن خبرات الأفراد الذاتية كحالاتهم الانفعالية واعتقاداتهم الخاصة التي تتعلق بموقف أطرافها من هذه العلاقات.
العلاقات الشخصية وأنماطها
تمييز العلاقات الشخصية عن غيرها من العلاقات الاجتماعية (تابع):
كما تتصف العلاقات الشخصية، نسبة إلى غيرها من العلاقات الاجتماعية، بالاستمرارية. وتتفاوت كثافة ونوعية العلاقات من شخص إلى آخر، ومن نمط علاقة إلى أخر. وتصف شبكة العلاقات الاجتماعية كم ونوع العلاقات التي يقيمها الفرد مع الآخرين. فالجانب الكمي يشير إلى عدد علاقات الفرد، ويشير الجانب النوعي إلى عدة خصائص أهمها درجة المساندة الاجتماعية المادية والمعنوية.
العلاقات الشخصية وأنماطها
العلاقات الشخصية كظاهرة إنسانية عامة:
يتباين متوسط عدد أصدقاء الفرد من مجتمع إلى آخر، لكن الصداقة ظاهرة إنسانية عامة. ويقال هذا في أنماط وقواعد الارتباط بين أفراد الجنسين، وفي كل أنواع العلاقات الشخصية. والعلاقات الشخصية ليست ظواهر جامدة. فقد تتغير علاقات الشخص عبر حياته، وقد تكون تلك العلاقات مصدر سعادة عظيمة وقد تكون مصدر ضغوط متنوعة. والعلاقة الواحدة قد تكون أحيانا مصدر أهداف الفرد ودافعيته، وهي نفسها قد تكون أحيانا مصدر ألم وشكوك ذاتية لدى أطرافها عن مدى أهميتها. ومع هذا فالناس يعيشون مع بعضهم، ويعتمدون على علاقاتهم الشخصية بطرق مختلفة، ولحاجات متعددة. وهناك اتفاق عام على أن الكثير من نشاطات الفرد يتعلق بتكوين العلاقات واستمرارها.
العلاقات الشخصية وأنماطها
العلاقات الشخصية كظاهرة إنسانية عامة (تابع):
الارتباط بالآخرين حاجة أساس، ويظهر هذا في مرحلة مبكرة من عمر الفرد (من خلال ارتباطه بحاضنته عند استجابتها لحاجاته البيولوجية). وتتكون لديه من خلال خبرات الارتباط بالآخرين مفاهيم وتوقعات عن مواقف العلاقات مع الآخرين، وعن نفسه في تلك المواقف. وستؤثر هذه المفاهيم والتوقعات على كم وكيفية ارتباطاته المستقبلية بغض النظر عن طبيعة أهدافها ودوافعها. وبمرور الوقت تتسع شبكة علاقاته الاجتماعية، ولكن العلاقات الشخصية تبقى من أهم مظاهر تفاعلاته ضمن هذه الشبكة مهما تغيرت بيئته الاجتماعية، ومهما تغيرت مدخلات هذه الشبكة.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
المساندة الاجتماعية وأحداث الحياة الضاغطة:
وعلى الرغم من الأسس البيولوجية لبداية خبرات اتصال الفرد الإنساني بالآخرين، إلا أن علاقاته الشخصية-وفي سن مبكرة جدا-تحكمها البناءات والعمليات النفسية في مواقف التفاعل.
تتراوح أحداث الحياة الضاغطة من المنغصات اليومية إلى سوء التفاهم الشخصي في محيط الأسرة أو العمل، إلى أعباء المعيشة ومتطلبات الحياة، إلى أحداث مثل فقد الأعزاء أو الطلاق أو الديون أو الطرد من العمل، الخ.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
المساندة الاجتماعية وأحداث الحياة الضاغطة:
وتشير نتائج دراسات أحداث الحياة الضاغطة وعلاقتها بالمشكلات الجسمية إلى الآثار السلبية لأحداث الحياة الضاغطة على الصحة، ودور المساندة الاجتماعية في التخفيف من تلك الآثار. فقد وجدت إحدى الدراسات أن توفر المساندة الاجتماعية يخفف من حدة تأثيرات أحداث الحياة الضاغطة على صحة النساء الحوامل، حيث كانت صعوبات الحمل كالنزيف والولادة المبتسرة وغيرها أقل عند النساء اللواتي يجدن مساندة اجتماعية مقارنة بمن يفتقدنها. ويبدو أن المساندة الاجتماعية تعمل كواق من التأثيرات السلبية لأحداث الحياة الضاغطة على صحة النساء الحوامل.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
المساندة الاجتماعية وأحداث الحياة الضاغطة:
وتتأثر صحة المرء العقلية بالعلاقات الشخصية كما تتأثر بها صحته الجسمية. فقد وجدت دراسة لعينة كبيرة أن العلاقات الشخصية التي توفر المساندة تخفف من تأثيرات احداث الحياة الضاغطة. فارتباط الفرد مع الآخرين بعلاقات توفر له المساندة في مواجهة صعوبات الحياة له علاقة قوية برضاه عن حياته، وبصحته الجسمية ومقاومته للأمراض، وبصحته العقلية وبأدائه كعضو في المجتمع.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
الوحدة النفسية: طبيعتها وتأثيراتها وطرق التعامل معها:
هل الوحدة النفسية قاتلة، كما يقول عامة الناس؟ أن فقد أحد الزوجين يعجِّل بظهور المشاكل الصحية عند الآخر، كما وجدت إحدى الدراسات.
الوحدة والعزلة مسميان لظاهرتين مختلفتين.
فالعزلة تصف غياب أو انخفاض درجة التفاعل مع الآخرين، بينما تصف الوحدة مشاعر ذاتية قد يخبرها المرء بدرجات متفاوتة وهو مع أناس تربطه بهم علاقات شخصية حميمة. فالوحدة، كما تقول بريم، ”شعور بالحرمان وعدم الرضا ينتج بسبب تفاوت نوع العلاقات الاجتماعية التي نرغب فيها ونوع العلاقات التي نعيشها.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
الوحدة النفسية: طبيعتها وتأثيراتها وطرق التعامل معها:
نحن نشعر بالوحدة عندما نكون بمفردنا إذا كنا نفضل أن نكون مع شخص ما، ونشعر بالوحدة عندما نكون مع أناس آخرين إذا كنا نفضل أن نكون مع غيرهم.
وترتبط الوحدة بمشاعر متنوعة تختلف من موقف إلى آخر. وقد صنف الباحثون مشاعر الوحدة في أربع فئات: مشاعر اليأس، ومشاعر الاكتئاب، ومشاعر تحقير الذات، ومشاعر الملل المتعجل.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
الوحدة النفسية: طبيعتها وتأثيراتها وطرق التعامل معها:
والوحدة خبرة فردية معقدة وليست أحادية البعد، حيث تشترك مع الاكتئاب والخجل (القلق الاجتماعي) في مظاهر متعددة، مع وجود فروق مهمة بينها. فالوحدة ترتبط بالعلاقات مع الآخرين بينما الاكتئاب حالة عاطفية عامة تتعلق بمشاعر الفرد في مجالات متعددة. وتختلف مشاعر الوحدة عن مشاعر الخجل في أن مشاعر الوحدة تنتج من خلل في العلاقات القائمة، بينما الخجل عزوف عن التفاعل مع الآخرين يصحبه مشاعر قصور في التفاعل بينهم.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
الوحدة والعمر:
تؤكد الدراسات أن مشاعر الوحدة تقل بتقدم العمر، وأن أعلى مستوى لها يكون في مرحلة المراهقة المتأخرة.
وتعزى هذه الفروق العمرية في الوحدة إلى أن الصغير لم تتحدد معالم هويته كفرد في علاقته ببيئته الاجتماعية ومتطلباتها، كما أن علاقاته الاجتماعية تتغير باستمرار.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
الوحدة والجنس والحالة الاجتماعية:
الذكور عموما أكثر شعورا بالوحدة من الإناث قبل الزواج.
أما بعد الزواج فالمتزوجات أكثر شعورا بالوحدة من أزواجهن، بينما تكون درجة الوحدة أعلى عند الرجال الذين لم يتزوجوا أو طلقوا أو ترملوا.
والمتزوجون أقل شعورا بالوحدة من العزاب الذين طلقوا أو ترملوا.
وعندما يعزل أثر الطلاق أو الترمل فإن الفروق بين المتزوجين ومن لم يتزوجوا إطلاقا غير دالة.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
عوامل نشوء الوحدة واستمرارها:
يعتمد الفرد عاطفيا ومعلوماتيا على الآخرين بطريقتين مترابطتين.
ويتجسد الاعتماد العاطفي فيما يوفره ارتباط الفرد بالآخرين من حاجات جسمية ونفسية. فالطفل يتعلم في سن مبكرة أن يربط بين وجود الآخرين ومشاعر الراحة والطمأنينة والثقة. ويتعلم الربط بين هذه المشاعر الإيجابية وأنماط سلوكية معينة، وتعبيرات لفظية وغير لفظية تظهر في سلوك الآخرين.
ويتمثل الاعتماد المعلوماتي في حاجة الفرد إلى المعلومات التي تؤكد صحة آرائه واعتقاداته عن عالمه الاجتماعي، وكيفية التعامل معه، وعن نفسه وقدراته. فالعلاقات الشخصية التي لا تخدم هذه الوظائف النفسية ستؤدي إلى تنامي مشاعر الوحدة.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
عوامل نشوء الوحدة واستمرارها:
ما الذي يؤدي إلى افتقار العلاقات الشخصية لتلك الخصائص؟
هناك مؤشرات قوية على علاقة قوية بين عدد من الأحداث النفسية والوحدة:
تغيرات في مفاهيم الفرد وأهدافه في العلاقة الشخصية: فالعلاقات التي لا تتغير فيها أنماط التفاعل بما يتناسب مع تغيرات مفاهيم أطرافها ستزيد مشاعر الوحدة.
الطريقة التي يعزو بها أطراف العلاقة مشاعرهم وسلوكهم تؤثر على استمرار أو انخفاض مشاعر الوحدة لديهم. إن كيفية فهم الفرد لمشاعر الوحدة تؤدي إلى اختلاف ردود فعله لهذه المشاعر وسلوكه المستقبلي حيالها. وقد بينت دراسات عديدة ارتباط برود العلاقات الزوجية بكيفية تفسير ما يثيره أحد الزوجين في الآخر من مشاعر، وكيفية تفسير سلوك الآخر.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
عوامل نشوء الوحدة واستمرارها:
الطريقة التي يعزو بها أطراف العلاقة مشاعرهم وسلوكهم تؤثر على استمرار أو انخفاض مشاعر الوحدة لديهم (تابع).
وترتبط مشاعر الوحدة بتقدير الذات، وتقدير الذات يرتبط بالعزو. كما أن عزو الفرد للأحداث أو المشاعر السلبية يؤثر على تقدير الذات، وتقدير الذات يؤثر على طريقة العزو لهذه الأحداث، وهذه كلها تؤثر وتتأثر بالسلوك الاجتماعي. فمشاعر الوحدة وتأثيراتها تتمثل في علاقات متشابكة بين عدد من الأبعاد النفسية. وأي تغير في جانب من العلاقات يؤدي إلى تغير في جوانب أخرى.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
استجابات الأفراد وتعاملهم مع الوحدة:
تختلف مشاعر الوحدة من موقف إلى آخر، ومن فرد إلى آخر، كما تختلف طرق الاستجابة لمشاعر الوحدة. حدد كل من روبنشتاين وشيفر أربع فئات من هذه الاستجابات وهي: السلبية الحزينة، والانعزال النشط، والتواصل الاجتماعي، والسلوك التشتيتي. بعض هذه الاستجابات سلبية وبعضها إيجابي. بيد أن أكثر الطرق فعالية في التعامل مع الوحدة هي تغيير واقع العلاقات الشخصية سلوكيا أو ذهنيا.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
استجابات الأفراد وتعاملهم مع الوحدة:
طرق التعامل الذهنية تتضمن محاولة تغيير اعتقادات الفرد عن نفسه وعن العلاقات الاجتماعية، وتغيير توقعاته عما يمكن أن يحصل عليه منها أو ما يمكن أن يحدث فيها. فالأفراد الذين لا تتغير مفاهيمهم وتوقعاتهم عن العلاقة الزوجية بعد سنوات من الزواج قد يواجهون صعوبات تنبع من إدراكهم لفشل زواجهم، وقد لا يتفق هذا الإدراك مع حقيقة العلاقة الزوجية عند غالبية الأفراد. وقد بينت الدراسات أن مجرد التفكير بطريقة إيجابية يؤدي إلى تعامل أفضل مع صعوبات الحياة الاجتماعية.
دور العلاقات الشخصية في الصحة والتكيف
استجابات الأفراد وتعاملهم مع الوحدة:
وتتركز استراتيجية التعامل السلوكية مع الوحدة في القيام بسلوك يبعث على الرضى عن الذات، ويثير مشاعر إيجابية في الفرد، ومحاولة تغيير طرق التعامل مع أطراف العلاقة الشخصية. ويمكن للفرد أن يتدرب ذاتيا لتحسين المهارات الاجتماعية التي تعوزه في التعامل مع الآخرين.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
تعريف التجاذب ومظاهره:
يتعلق التجاذب بنتائج التفاعلات الأولى على نمو العلاقة الشخصية. والمظهر الأساس للتجاذب هو شعور الفرد بالرغبة في استمرار التفاعل مع فرد آخر، أو محاولته تهيئة ذلك. ويتميز التجاذب بالاختيارية.
الألفة والتجاذب:
أول عوامل التجاذب بين الأفراد هي الألفة، حيث يميل الفرد إلى الأفراد الذين يألفهم. وقد وجدت بعض الدراسات أن فرصة التفاعل أو المواجهة بين الأفراد هي أكثر العوامل المؤدية إلى نشوء العلاقات. كما اعتمد تكوين الصداقات على القرب بين مساكن الأفراد (المسافة الوظيفية وليست المسافة المكانية).
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
الألفة والتجاذب (تابع):
وقد وجد زاينس أنه كلما زاد مستوى التعرض للمثيرات زادت إيجابية تقييمه من قبل الأفراد. لكن دراسات مجرد التعرض تؤكد فقط أن هذا التأثير لا يمكن تفسيره بغير الألفة. فالألفة بمثير ما تزيد من جاذبيته مقارنة بمثير آخر غير مألوف.
كما يمكن أن يحدث هذا الأثر حتى عندما لا يكون الفرد على وعي بالمثير (عندما يكون المثير دون مستوى الوعي). لكن أثر مجرد التعرض الذي كشفت عنه هذه الدراسات يتوقف عند تهيئة الفرد للتفاعل ولا تبين أن تكرار التفاعل يؤدي إلى التجاذب، حيث تشير دراسات أخرى إلى أن مجرد تكرار التفاعل لا يرتبط بالتجاذب، فالدراسات تبين أنه كلما قل الرضا عن العلاقة قل التفاعل بين الأزواج.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
أثر ظروف التفاعل ونتائجه على التجاذب:
القاعدة العامة هي أنه كلما زادت إيجابية ظروف التفاعل ونتائجه كلما زادت رغبة الأفراد في تكراره.
ظروف التفاعل ومفهوم الذات:
ينجذب الفرد إلى الآخرين الذين يؤدي تفاعله معهم إلى تقييم ذاته إيجابيا، أو إلى محافظته على تقييم ذاته. ويمكن أن يؤثر تفاعل الفرد مع الآخرين على مفهوم ذاته بطرق مختلفة، كالمقارنة الاجتماعية، والتعزيز اللفظي من قبل الآخرين، والمعلومات الإيجابية التي ينقلونها صراحة أو ضمنا عنه. وليس بالضرورة أن تكون استجابات الآخرين المعززة لفظية، فالناس عموما يميلون إلى من يجعلهم يشعرون بطريقة إيجابية نحو ذواتهم، سواء كان ذلك عن طريق الاستجابات اللفظية كالمديح أو الإطراء، أو غير اللفظية كإظهار الاهتمام بهم.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
ظروف التفاعل ومفهوم الذات (تابع):
لكن الإطراء قد يؤدي إلى نتائج عكسية (تقييم سلبي للمادح). وفي هذا الشأن، هناك اقتراحان متعارضان:
الأول: الإطراء يؤدي دائما إلى الانجذاب لمصدره خصوصا عندما يكون تقدير الذات منخفضا، سواء كان حالة أو سمة، وهذه الفرضية تسمى بتحيز الإيجابية.
الثاني: يعتمد أثر الإطراء على تقدير المرء لذاته. فالفرد الذي يقيم ذاته سلبيا سينفر ممن يطريه، والذي يقيم ذاته إيجابيا سينجذب إلى من يطريه. والفرضية الأخيرة تؤكد أهمية الاتساق بين نظرة الفرد لنفسه ونظرة الآخرين له (نظرية التناسب الاجتماعي-سيكورد وباكمان-من نظريات الاتساق الذهني، والنظرية البديلة لها هي نظرية إثبات الذات-سوان).
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
ظروف التفاعل ومفهوم الذات (تابع):
حُلَّ التناقض بين نتائج تلك الدراسات في ضوء نظرية العزو التي تؤكد أن العامل الحاسم هو كيفية تفسير الفرد لإطراء الآخر له.
فإذا عزاه إلى أسباب خارجية فسينخفض الانجذاب إلى الآخر، أما إذا أدرك أن الإطراء صادق فإنه سينجذب إليه. وهنا يأتي دور تقدير الذات. فالأفراد ذوو التقدير المرتفع لذواتهم سيعزون إطراء الآخرين لهم على أنه يعكس ما يراه الآخرون فيهم بالفعل، ولذلك سينجذبون إليهم.
أما ذوو التقدير المنخفض لذواتهم فسيعزون إطراء الآخرين لهم على أنه نتيجة لضغوط خارجية، أو كنوع من المجاملة أو الاستهزاء، ولذلك فإنهم سينفرون منهم.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
أثر العاطفة في موقف التفاعل على التجاذب:
تؤثر الحالة المزاجية للفرد أثناء تفاعله مع الآخرين على انجذابه لهم. ويصدق ذلك سواء كان سبب تلك الحالة العاطفية سلوك الآخر نفسه أو لأسباب أخرى ليس لها صلة بموقف التفاعل.
السلوك غير اللفظي والتجاذب:
السلوك غير اللفظي جزء رئيس من التفاعلات اليومية. فطريقة النظر، وطريقة الجلوس، والمسافة التي يفضل الفرد أن تفصله عن الآخرين أثناء الحديث أو الجلوس (الحيز الشخصي)، واللمس، الخ، كلها تؤدي وظائف اتصالية مهمة.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
السلوك غير اللفظي والتجاذب (تابع):
وقد بينت دراسات مبكرة أن الناس يوظفون التقارب الجسدي عندما تكون أهداف التفاعل حميمة، كما بينت أنه يختلف من ثقافة إلى أخرى. لكن أثر تخطي الآخرين للحيز الشخصي على مشاعر الفرد الموقفية نحوهم يعتمد على نوع التفاعل. فإذا كان سلوك الآخر وديا فإن تخطيه للحيز الشخصي يزيد من جاذبيته، والعكس إذا كان سلوكه سلبيا. وهذا يعني أن شعور الفرد بتخطي الآخر لحيزه الشخصي يكثف أثر المشاعر التي يستثيرها الموقف، سلبا أو إيجابا، ولكنه لا يحدد نوع هذه المشاعر، وهذا ينطبق على التحديق العيني.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
الاستثارة في موقف التفاعل والتجاذب:
دور الاستثارة الفسيولوجية في التجاذب يعتمد على دلالة الموقف وسلوك الآخر بالنسبة للفرد (تأثير مشابه لتأثير تخطي الحيز الشخصي).
الجاذبية الفيزيقية والتجاذب:
المظهر الخارجي أكثر خصائص الشخصية بروزا في التفاعل بين الأشخاص. ومن المنطقي أن تكون هناك علاقة موجبة بين الجاذبية الفيزيقية والتجاذب الشخصي. فالتقييم الأولي قد يؤثر على خصائص أخرى أقل بروزا ووضوحا-أي قد يحدث توقعات متحيزة لدى الفرد عن الخصائص السلوكية والشخصية للفرد موضوع التقييم مما يؤدي إلى زيادة جاذبيته.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
الجاذبية الفيزيقية والتجاذب:
وقد دلت الدراسات أن للجاذبية الفيزيقية أثر دال على إدراك الفرد لخصائص الآخرين، وهو ما سمي بالصورة النمطية للجاذبية الفيزيقية. فالناس يدركون علاقة وهمية بين المظهر الخارجي والخصائص الشخصية. ومن الأحرى أن تفهم هذه النتائج في ضوء ثلاث نقاط مهمة:
تؤكد الدراسات أن العلاقة بين الجاذبية الفيزيقية والتجاذب ليست دائما علاقة ذات وجهة أحادية. فالانجذاب لشخص ما غير جاذبيته الفيزيقية، والألفة به، قد تؤديان إلى زيادة تقدير درجة جاذبيته الفيزيقية.
تخضع الجاذبية الفيزيقية للخصوصية الفردية والثقافية والمجتمعية.
قد تكون الجاذبية الفيزيقية مؤثرة في التفاعلات الأولى، ولكن سرعان ما يبدأ تأثير عوامل أخرى قد تقلل وقد تزيد من أثر الجاذبية الفيزيقية.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
التشابه والتجاذب بين الأشخاص:
هل يؤدي التشابه بين الأفراد إلى التجاذب بينهم؟ هل يؤدي التضاد بين الأشخاص إلى التجاذب بينهم؟
الدراسات المبكرة لأثر تشابه الاتجاهات على التجاذب:
وجد نيوكمب دلائل تبين وجود علاقة بين تشابه اتجاهات الأفراد وتكون الصداقات بينهم. ويفسر نيوكمب العلاقة بين تشابه الاتجاهات والتجاذب على أنها نتيجة لما أسماه الضغط نحو التجانس، وهي فكرة شبيهة بفكرة التوازن عند هايدر، إلا أن نيوكمب يؤكد أن عدم الاتساق الذهني ليس له أهمية نفسية خارج محيط الاتصال. فعدم الاتفاق مع شخص غير محبوب لن يكون دافعا لتغيير اتجاهات الفرد أو لاتجاهات ذلك الشخص إلا عندما تكون هناك ظروف تفرض الاتصال معه. كما اقترح نيوكمب أن أهمية التوازن نابعة من خاصية التعزيز.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
الدراسة التجريبية لتأثير تشابه الاتجاهات على التجاذب:
توصل بيرن من خلال دراساته التجريبية المضبوطة إلى صياغة قانون تشابه الاتجاه-التجاذب، حيث يتوقع وجود علاقة طردية بين تشابه اتجاهات الأفراد ودرجة تجاذبهم. فعندما كانت اتجاهات شخص مجهول مشابهة لاتجاهات المفحوصين، كانت درجات تقييمهم لذكائه وأخلاقه ورغبتهم في التعرف عليه وتوقعاتهم حول مدى استمتاعهم برفقته أكبر منها عندما كانت اتجاهاته مناقضة لاتجاهاتهم، سواء كانت اتجاهاتهم نحو موضوعات مهمة أو غير مهمة، ولكن بدرجة أقل.
التجاذب بين الأشخاص وأسبابه
مقارنة أثر التشابه في الاتجاهات والتشابه في القدرات:
وجد ميللر وسولز أن تشابه اتجاهات وقدرات الفرد مع اتجاهات وقدرات آخرين يزيدان درجة تفضيله أو رغبته في العمل معهم، إلا أن تأثير التشابه في الاتجاهات أكبر. كما بينت دراسة أخرى لهما أن أثر تشابه قدرات الفرد مع قدرات الآخرين على انجذابه لهم يعتمد على تشابه اتجاهاته مع اتجاهاتهم. فقدرات الآخرين تكون مؤثرة على درجة انجذابه لهم في حال أدرك أنهم يشبهونه في الاتجاهات. والذي يبدو أن تفاعل الفرد مع أشخاص يشبهونه في الاتجاهات أهم من الناحية النفسية من قدرتهم على الإسهام في عمل مشترك. وهذا يدعم بقوة نظرية المقارنة الاجتماعية في تكون العلاقات الشخصية ووظائفها.