إحتلت إختبارات الإتجاهات النفسية Psychological Attitudes أهمية كبيرة في مجالات علم النفس المختلفة وخاصة علم النفس الإجتماعي Social Psychology لإرتباطها الوثيق بالسلوك الإنساني Human Behavior ،سواءً أكان ذلك من الناحية الأكاديمية (النظرية) أم من الناحية التطبيقية (العملية). ونظر إلى الإتجاه النفسي على انه حالة عقلية نفسية تدفع الفرد نحو مواقف وعناصر بيئية معينة وإصدار حكمه عليها بقبولها أو رفضها . فالإتجاه النفسي يعبر عن حالة نفسية ، وله مكوناته ووظائفه و خصائصه، و يعد من أهم جوانب الشخصية . فقياس الشخصية يعني قياس إتجاه الفرد نحو الظاهرة النفسية المراد قياسها.
تعريف الإتجاه النفسي :-
يصعب تعريف الإتجاه النفسي بدقة في علم النفس شأنه في ذلك شأن الشخصية. ظهرت تعريفات عديدة له منها تعريف ألبورت Allport الذي يرى أن الإتجاه النفسي عبارة عن حالة استعداد عقلي أو عصبي نظٌمت عن طريق الخبرات الشخصية تعمل على توجيه إستجابات الفرد لكل تلك الأشياء والمواقف التي تتعلق بهذا الإستعداد . وتعريف ثرستون Thurstone بأن الإتجاه النفسي تعميم لإستجابات الفرد تعميماً يدفع بسلوكه بعيداً أو قريباً من مدرك معين. كما عرفه توماس بأنه موقف الفرد تجاه إحدى القيم الإجتماعية أو المعايير العامة السائدة في البيئة الخارجية للفرد مثل :- الصدق أو الأمانة أو الشجاعة أو الحلال أو الحرام أو غير ذلك . أما بوجاردوس Bogardus فيرى أن الإتجاه النفسي هو عبارة عن ميل الفرد الذي يدفع بسلوكه تجاه عناصر هذه البيئة الخارجية قريباً منها أو بعيداً عنها متأثراً في ذلك بالمعايير والنظم الموجبه أو السالبة التي تفرضهاهذه البيئة .
تشير هذه التعريفات إلى أن الإتجاه النفسي عبارة عن إستجابة الفرد بالقبول أو الرفض لموضوع معين يمكن أن يكون هذا الموضوع شخصاً أو موقفاً أو غير ذلك .
عند الحديث عن الإتجاهات النفسية علينا أن نبين الصلة بينها و بين بعض الظواهر النفسية . فبين الإتجاهات و عدد من الحالات أوالظاهرات النفسية أشكال من التفاعل أو الترابط مع وجود أشكال اخرى من التباين والإختلاف . يمكن الوقوف هنا عند خمسة من تلك الظاهرات كالآتي :-
1- الإتجاهات والدوافع Attitudes and Motives
إن الإتجاه تهيؤ لسلوك يدعو إليه دافع ما أو أكثر ، والمؤثر هو الذي يحرض الدافع . فالدافع قوة داخلية ثؤثر في ظهور الإتجاه الذي هو أيضاً قوة تتفاعل مع قوة الدافع و تتعاون معه . تتصف الإتجاهات بصفة الدوام والإستمرار النسبي وأنها أكثر شمولاً وعمومية من الدافع . عليه يصبح الدافع مختلفاً عن الإتجاه من حيث هو حالة أو حادثة نفسية .
2- الإتجاهات و الميول (الإهتمامات) :- Attitudes and interests
يعتبر الميل أو الإهتمام خليط من الإحساسات والمشاعر الذاتية وبعض الأنماط السلوكية الموضوعية . يختلف الإتجاه النفسي عن الميل قي الأمور التالية :-
أ‌- تغلب الصبغة العقلية على الإتجاه وبالتالي تضعف الصبغة الإنفعالية . أو العكس تكون الصبغة الإنفعالية غالبة على الميل (الإهتمام) فتكون الصبغة العقلية ضعيفة .
ب‌- هناك إختلاف في درجة الثبات والإستمرار ، فالإتجاه أكثر ثباتاً وإستمراراً في حياة الفرد مما عليه الحال في الميل (الإهتمام) .
ج- وهناك إختلاف في الموضوع أو الهدف . الغالب على موضوعات الإتجاهات أنها إجتماعية وأن العناية بها في المجتمع واضحة . والحال ليست كذلك في موضوع الميل أو هدفه .
د- الإتجاه أكثر عمقاً في بناء الشخص وأشد أثراً من الميل ، وذلك بسبب من غلبة الصبغة العقلية على الإتجاه ،ومن توظيف الإتجاه قناعات الشخص و إعتقادته حيث يغدو هذا الإتجاه قائماً عنده .
3- الإتجاهات والإعتقادات :-
الإعتقادات أحكام ضمنية أو ظاهرة تدل على وجهة نظر للشخص بشأن خاصية أو خصائص لشيء ما أو أمر ما . وهي تعبر عن الصحة أو الخطأ فيما ينسب لذلك الشئ أو الأمر . والإتجاه النفسي ينطوي على عدة إعتقادات وبهذا فهو يختلف عن الإعتقادات .
4- الإتجاهات والقيم :- Attitudes and Values
تؤلف القيم نظاماً عميق المكانة في بنية الشخصية . ومن بين النظريات في طبيعة الشخصية النظرية القائلة : أن الشخصية نظام قيم . فالقيم تعبر عن هدف حياتي معين ، وأنها معيار لسلوك لفرد . والإتجاه النفسي غير ذلك ، فهو يؤلف معياراً للسلوك ، ولا يكون هو ذاته هدفاً حياتياً . ولكن يمكن القول أن الإتجاه تعبير داخلي عن قيمة أو مجموعة قيم ، وأن عمق القيم ونظام عموميتها من حيث الموضوعات التي تتناولها أعظم مما هي الحال في الإتجاهات.
5- الإتجاهات والآراء :- Attitudes and Opinions
يتضح الإختلاف بين الإتجاه النفسي والرأي في النقاط التالية :-
أ‌- أن الرأي حكم محدد يطلق على حادثة محددة في مناسبة ما ، والأمر ليس كذلك في الإتجاه النفسي ذي يعد تهيؤاً للسلوك باتجاه ما نحو أمر ما يمكن أن يظهر ضمن شروط متنوعة وفي مناسبات مختلفة .
ب- إن الصبغة الإنفعالية المرافقة للسلوك المعبر عن الإتحاه هي أكثر بروزاً أو ظهوراً من الصبغة الإنفعالية في الرأي .
ج- يمكن التأكد من صحة الرأي أو الخطأ فيه ، أي من التطابق بين حكم صاحب الرأي و واقع الحال أو الأمر الذي يطلق عليه الحكم ، أما الإتجاه النفسي فلا تتوافر الفرص فيه للتحقق من صحته بعد التأكد من وجوده لدى صاحبه .
د- إن الرأي سلوك واضح يوضع موضع الملاحظة مباشرة ، أما الإتجاه فتهيؤ ضمني لا يلاحظ مباشرة بل تدل عليه أنماط من السلوك بينها الآراء .
طرق قياس الإتجاهات :-
هناك طرق عديدة لقياس الإتجاهات نذكر منها :-
1-طرق تعتمد على التعبير اللفظي للفرد :-
هذا النوع من الأساليب أكثر الطرق تقدماً و تطوراً لأنه يقوم على نظام الإستفتاءات
حيث يمكن الحصول على إجابات لعدد كبير من الأفراد في وقت وجيز .
2- طرق تعتمد على الملاحظة أو المراقبة البصرية للسلوك الحركي للفرد :-
تتطلب عملية الملاحظة للسلوك الحركي وقتاً طويلاً و تكراراً في ظروف مختلفة . فتحديد الإتجاه النفسي للفرد نحو موضوع معين لا يتم من أول ملاحظة أو من ملاحظة واحدة فقط .
3-طرق تعتمد على قياس التعبيرات الإنفعالية :-
وهذه تقوم على دراسة ردود الشخص الإنفعالية على مجموعة من المؤثرات . مثل هذه الطرق لا تصلح لقياس الإتجاهات النفسية عند مجموعة كبيرة من الأفراد. و يستخدم في هذه الطرق إختيار خاص أو مقياس خاص .
صمم عدد كبير من العلماء مقاييس للإتجاهات النفسية نذكر منها هنا أهمها :-
أولاً :- مقياس بوجاردوس Bogardus (1920) :-
يقيس هذا المقياس البعد الإجتماعي أو المسافة الإجتماعية Social Distance بين الجماعات القومية أو العنصرية المختلفة ، أي البعد الإجتماعي بين الأمريكيين والأقليات والقوميات الأخرى . ويحتوي المقياس على بنود تمثل مدى تقبل أو رفض الأمريكي للآخرين. كمثال لهذا المقياس نقدم النموذج التالي:-

جدول رقم () يوضح إستجابات المفحوص في تصنيف المجموعات العنصرية :-
المصاهرة أصدقاء شخصيون جيران زملاء في العمل المواطنة في بلدي لزيارة بلدي يطردون من بلدي
الكنديون
الصينيون
الإنجليز
الفرنسيون
الألمان
الهنود 1
1
1
1
1
1 2
2
2
2
2
2 3
3
3
3
3
3 4
4
4
4
4
4 5
5
5
5
5
5 6
6
6
6
6
6 7
7
7
7
7
7

على المفحوص وضع علامة (دائرة حول الرقم) بالقبول أو الرفض على البنود أو العبارات الموضحة في الجدول .
هذا المقياس يقيس إتجاه التعصب العنصري لدى الأمريكيين . يلاحظ على المقياس صعوبة إستجابة المفحوص بصورة سهلة و بسيطة ، ولذلك نجد أن معظم الإستجابات تقع في المنتصف بين القبول الكامل والرفض الكامل ، (عند الرقم 4) . كما يلاحظ صعوبة حساب الدرجات على هذا المقياس لعدم تساوي الفئات أو الوحدات . فمثلاً ليس من المعقول تساوي المسافة بين التصنيف رقم (5) والتصنيف رقم (6) مع المسافة بين رقم (6) و رقم (7) . ومع ذلك فقد استخدم مقياس بوجاردوس في دراسات عديدة أكدت قدرته و فاعليته . أجرى بوجاردوس تعديلات كثيرة عليه مما دفع كثيراً من الباحثين الإعتماد عليه في قياس الإتجاهات النفسية .
ثانياً :- مقياس ثرستون Thurstone (1929) :-
بنى ثرستون مقياسه هذا على مفهوم تساوي المسافات بين وحداته . استخدم ثرستون في البداية طريقة المقارنة الزوجية التي تتلخص في أن يقارن المفحوصون عبارات المقياس على هيئة أزواج ، ثم يقرروا أي العبارتين أكثر إيجابية أو أكثر سلبية في التعبير عن الإتجاه . وعندما وجد صعوبة في تطبيق طريقته هذه انتقل إلى طريقة أخرى حيث قام بجمع عبارات كثيرة عن الإتجاه المعنى وعرضها على مجموعة كبيرة من المحكمين المدربين الذين يطبق عليهم المقياس نفسه . جهز العبارات مكتوبة على بطاقة مستقلة – ووضح للمحكمين أن هذه العبارات تقيس اتجاهاً نفسياً محدداً في ضوء أحد عشر إختيارٍ يبدأ من الإتفاق الكامل وينتهي بالرفض الكامل مروراً بنقطة متوسطة محايدة . وبعد ذلك قام بتحليل إستجابات المحكمين للتعرف على درجة تشتت العبارات حيث أن تشتتها يدل على درجة وضوحها أو غموضها ، فكلما كانت درجة التشتت كبيرة كانت العبارة أكثر غموضاً ، وعليه أصبحت غير صالحة لقياس الإتجاه . و بناءً على ذلك قام ثرستون ببناء مقياسه عن الإتجاهات النفسية . يحتوي هذا المقياس على عدد من الوحدات أو العبارات لكل منها قيمة معبرة عن موضوع بالنسبة للمقياس ككل ، وكل عبارة تبعد عن الأخرى بنفس الدرجة تقريباً ، و تكتب العبارات بصورة عشوائية ، أي غير مرتبة تصاعدياً أو تنازلياً حسب أوزانها ، و يتكون المقياس من عبارات تتراوح بين (20) و (50) عبارة . ويضع المفحوص علامة (√) إلى جانب العبارة التي يرى أنه موافق عليها. وتدل الأوزان الأقل على الإتجاه السالب بينما تدل الأوزان الأعلى على الإتجاه الإيجابي .
ثالثاً :- مقياس ليكرت Likert :-
تعتبر طريقة ليكرت في قياس الإتجاهات النفسية الأكثر استعمالاً في البحوث النفسية و التربوية . فطريقته تقوم على أن يعد الباحث عدداً من العبارات التي تتصل بالإتجاه المراد قياسه ، ثم يضع أمام كل عبارة عدداً من درجات الموافقة والمعارضة – موافقة كاملة الى رفض كامل (مطلق) – مثلاً :- أوافق بشدة – أوافق – غير متأكد – أرفض – أرفض بشدة . وتعطي هذه الخيارات الخمسة أوزناً : 5،4،3،2،1، في حالة الإتجاه الإيجابي ، 1،2،3،4،5 في حالة الإتجاه السلبي . و يمكن ان تكون الخيارات (7) خياراً أو (3) خيارات – وللسهولة يميل الباحثون إلى استخدام مقياس له ثلاث نقاط (خيارات) . تبين الدرجة الكلية (مجموع درجات العبارات) الإتجاه العام للمفحوص نحو الظاهرة المعينة . فالدرجة المرتفعة تدل على الإتجاه الموجب ، و الدرجة المنخفضة تدل على الإتجاه السالب. عند إعداد مقياسٍ للإتجاهات النفسية يجب على الباحث إتباع الخطوات التالية :-
1- يقوم الباحث بجمع عدد كبير من العبارات التي لها علاقة بالإتجاه المراد قياسه . ويجب عليه أن يدقق في إختيار العبارات ، وذلك من حيث الشكل و البناء ، وأن تكون العبارات تقريرية ومتدرجة بين الموافقة الكاملة و الرفض الكامل ، وأن تمثل موقفاً مثيراً للإتجاه .
2- توزع العبارات على عينة أو فئة من الأفراد الذين سوف يعطي لهم الإستفاء . ويطلب من هؤلاء أن يصنعوا علامة (√) أمام الفئة التي توضح درجة موافقتهم أو عدم موافقتهم عليها . ثم تحسب درجة كل فرد عن طريق جمع درجات إستجابته على كل العبارات بحيث تكون أعلى الدرجات للإتجاهات الإيجابية وأقلها للإتجاهات السالبة مع مراعاة أن يستجيب الفرد لكل البنود عند الإحتمال الذي يناسبه وليس فقط مجرد الموافقة أو عدم الموافقة .
3- بعد تصحيح الإجابات يقوم الباحث بحساب معاملات الإرتباط بين درجات العبارات والدرجة الكلية للمقياس ، ثم يحذف العبارات التي لها معامل ارتباط منخفض أي غير دالة إحصائياً .
فضل كثير من الباحثين طريقة ليكرت لقياس الإتجاهات النفسية وذلك لسهولتها ودرجات ثباتها العالية و تبينها بدقة درجة اتجاه الأفراد نحو المشكلة .