لقد اختلف العلماء فيما بينهم حول الأسباب المؤدية لحدوث التوحد ، وبعض العلماء والباحثين يؤكدون انه لم يتم التوصل بعد إلى تحديد العوامل المباشرة والأساسية لحدوث التوحد ؛ إلا أن البحوث والدراسات التى تناولت هذا الجانب أشارت إلى أنه ينشأ من مشكلات وعوامل عديدة منها الأسرية ، والنفسية ، والبيولوجية ، والكيميائية ، وسوف يتم عرض هذه العوامل كالتالى :-
1. أسباب نفسية و أسرية:
يرى البعض أن أسباب الإصابة بالتوحد إنما ترجع إلى أساليب التنشئة الوالدية الخاطئة وإلى شخصية الوالدين غير السوية وأسلوب التربية يسهم فى حدوث الاضطراب.
ويؤكد ذلك ليوكانر ( 1943 )Leo Kanner إلى أن أعراض الإصابة بالتوحد لدى الأطفال تعود إلى عدم نضج و تطور الأنا وهذا يحدث فى الحالتين التاليتين:
- نتيجة نمو الأنا بطريقة خاطئة خلال الثلاث السنوات الأولى من حياة الطفل .
- نتيجة المناخ النفسى الشيء الذى يعيش فيه الطفل .
كما وجد أن آباء الأطفال المصابين بالتوحد يتسمون بالبرود الانفعالى ، والوسواسية ، والعزوف عن الأخريين ، والذكاء والميل إلى النمطية , ونتيجة لهذا الجمود العاطفى والانفعالى في شخصية الوالدين والمناخ الأسرى عامة يؤدى إلى عدم تمتع الطفل بالاستثارة اللازمة من خلال العلاقات الداخلية فى الأسرة , و من هنا يظهر الأساس المرضى الذى يكون نتيجة فشل ( أنا ) الطفل فى تكوين إدراكه للأم التى تعد بمثابة المثل الأول لعالمه الخارجى ؛ فالطفل التوحدى لم تسنح له الفرصة لتوجيه أو تركيز طاقته النفسية نحو موضوع أو شخص آخر منفصل عنه.
( لورناوينج: 1994 - 63 )
وتؤكد ذلك دراسة أو جورمان O`Gorman (1990) بأن الفشل فى تكوين علاقة عاطفية بين الطفل ووالديه قد تكون أحد أسباب إعاقة التوحد ؛ فالطفل يعانى من التوحد من هجر الأم له أو طول فترة غيابها عنه ، وقد ترجع الإعاقة إلى عدم قبول كل من الأم والطفل لإقامة علاقة عاطفية بينهما .
ومن الدراسات التى تؤكد على دور العوامل النفسية فى الإصابة بالتوحد دراسة ميريلا كياراند ( 1992 ) على أن العوامل النفسية تساهم فى إبراز أهمية التكوين الأولى لشخصية الطفل كما يبرر مدى احتياج الطفل لبيئة آمنة ومريحة يستطيع فيها أن يخوض تجربة ايجابية من خلال لقائه مع الأشخاص الذين يكفلون له الحماية ، ويشبعون احتياجاته ، كما يساعدونه على اتساع أفقه ويطلقون له العنان ليتحرك بحرية .
ويرى عمر بن الخطاب خليل ( 1991 ، 85 ) أن أنصار وجهة النظر هذه يؤكدون على الخبرات الأولى فى حياة الطفل لما لها من تأثير على مراحل نموه التالية وأن الفشل فى إقامة علاقات مع الطفل قد تكون الأسباب القوية للاضطرابات خاصة الانفعالية مما يؤدى إلى انسحابه وعزلته داخل أسواره الذاتية.
وعلى الجانب الآخر رفض البعض هذه الآراء وذهبوا إلى أن التوحد عامل مستقل عن الآباء ولا يرتبط بوجود الأم أو غيابها ، وأن خبرات الطفل خلال مراحل حياته لا تسبب المرض وأنه ليس كل آباء الأطفال المصابين بالتوحد تنقصهم القدرة على حب أطفالهم .
وتتفق العديد من الدراسات على أنه ليس للوالدين دخل فى إصابة طفلهم بالتوحد ومنهم دراسة عمر بن الخطاب خليل ( 1994 ، 105 ) حيث توصلت نتائجها إلى انه لا توجد فروق دالة إحصائيا بين شخصيات أباء الأطفال المصابين بالتوحد وآباء الأطفال الأسوياء على استخبار إيزيك للشخصية ، وأيضا أكدت نتائج دراسة ديمير ومكادوا Demyer & Mcodoo (1994) على أن شخصية أباء الأطفال التوحديين لا تختلف عن شخصية وسمات أباء الأطفال المضطربين بإضطرابات أخرى , وأن أمهات الأطفال التوحديين لديهم نفس المشكلات النفسية.
وهكذا يتضح أن معظم الدراسات الحديثة أكدت على عدم وجود مبرر يسمح للوالدين بأن يعتقدوا بأنهم تسببوا فى إصابة طفلهم بالتوحد.
2. أسبــاب بيـولـوجيـة :
بدأ الاهتمام يتجه إلى دور العوامل البيولوجية فى حدوث اضطراب التوحد ، وبسبب ما تم نشره عن النظريات النفسية بأنها لم تعد تفسر أسباب هذا الاضطراب ، وبسبب ما يظهر على الأطفال التوحديين من معاناة فى أنواع مختلفة من الإعاقات البيولوجية فإن هناك اهتمام بالنواحى البيولوجية كسبب فى حدوث التوحد ، هذا ما أكدته دراسة سميرة السعد ( 1998 ، 135 ) من أن أسباب إعاقة التوحد ترجع إلى مشكلة بيولوجية ، وليست نفسية فقد تكون الحصبة الألمانية أو ارتفاع الحرارة المؤثرة أثناء الحمل ، أو وجود غير طبيعى لكروموسومات تحمل جينات معينة أو تلفا بالدماغ أثناء الحمل أو أثناء الولادة لأى سبب مثل نقص الأوكسجين مما يؤثر على الجسم والدماغ ، وتظهر أعراض التوحد وفيما يلى عرض لهذه الأسباب :-
أ – العوامل الجينية :
توصلت بعض الدراسات إلى أن هناك ارتباط بين اضطراب التوحد وشذوذ الكروموسومات مثل دراسة زوناللى وداجت Zonalli & Degett (1998 )والتى أشارت نتائجها إلى أن هناك ارتباط بين هذا الاضطراب وبين كروموسوم يسمى كرموسوم " أكس الهش " ؛ فهذا الكروموسوم مسئول عن حدوث خلل فى الناحية العقلية حيث يؤدى إلى التخلف العقلى ، وهذا الكروموسوم يدخل بنسبة 5 : 16 % فى كل الحالات ، وقد يوضح هذا الارتباط زيادة عدد الأولاد عن البنات فى الإصابة بالتوحد.
كما تؤكد دراسة هارولد وبينجامين (Harold & Benjamin ( 1998 ، ودراسة هولين Howlin (1998) من أن التوحد يرجع إلى عوامل جينية ؛ فقد لوحظ أن حوالى من ( 2 : 4% ) من أشقاء الأطفال التوحديين يصابون بهذه الإعاقة بمعدل 50 مرة أكثر من عامة الناس ، وأن معدل حدوث التوحد فى التوائم المتماثلة هو 36 % بينما فى التوائم غير المتماثلة يحدث بمعدل يساوى صفراً , في حين تختلف معها دراسة ميشيا ولوجيا (1997) Micha & Lwgia التى أوضحت نتائجها أن التوحد يحدث بمعدل 96% فى التوائم المتماثلة ويحدث بمعدل 27% فى التوائم غير المتماثلة .
وتؤكد دراسة هولين(1998) Howlin على أن انتشار التوحد بين أطفال ولدوا لإخوة يعانون من التوحد فى أسرهم يزيد 210 ضعفا عن انتشاره بين أطفال المجتمع العام ويعنى ذلك أن احتمال ولادة أطفال توحديين أكثر بكثير عندما يكون لهم أخوه يعانون من التوحد.
وقد ثبت ذلك من خلال نتائج دراسة بارلى ورتر (Barley & Rutter ( 1998 حيث وصلت النسبة إلى 8.6 % وإذا كان الطفل المعوق الأول ذكر فأن هذه النسبة تكون 7% ولكنها ترتفع إلى 14.5 إذا كان الطفل السابق أنثى ، وبذلك ترى ريتا جوردن وسيتوارت بيول ( 2007 , 4 ) أن العوامل المرتبطة بالجينات تلعب دورا هاما فى حدوث إعاقة التوحد ، ولكنها لا تملك الإجابة الكاملة أو المسئولية الكاملة .
ب – المضاعفات الولادية قبل الولادة :
يشير كلا من ( عثمان فراج: 2002 ، 61 ؛ سوسن الحلبى: 2005 ، 315 ؛ ماجد عمارة: 2005 ؛ لورنا وينج: 1994 ، 65 ) على أن الدراسات والتحاليل الطبية تؤكد على معاناة طفل التوحد من حالات قصور عضوى أو حيوى منها ما يحدث أثناء فترة الحمل ، وبالتالى يؤثر على الجنين ، ومن أمثلتها إصابة الأم بالحصبة الألمانية أو حالة من حالات قصور التمثيل ، أو حالات التصلب الدرنى ومنها حالات الريت Rett .
وقد أشار ميهر (Mehr ( 1993 إلى انه من العوامل التى تمثل خطر قبل الولادة الإصابة بالحصبة الألمانية ، والإصابة بفيروس سيتومجالو Cytomegalo Virus ، وفى تقارير بحوث بيرنارد (1995)Bernard تبين وجود خلل أو إصابة أو قطع فى نسيج مركز ساق المخ Brain Stem ، والذى يعرف باسم جهاز التنبيه التشابهى ، وهو النسيج الذى يتحكم فى استقبال عمليات الاستثارة ، والانتباه ، والنوم فتضعف قدرة الجهاز العصبى المركزى أو مخ الجنين على الاستجابة للمثيرات الخارجية ، وحساسيته لها أو الشعور بما يحدث فى عالمه المحيط به .
أيضا يذكر محمد خطاب ( 2005 ، 425 ) أن هناك حالات حدوث عالية لتعقيدات فى مرحلة ما قبل الولادة لدى الأطفال المصابين باضطراب التوحد ، رغم أن بعضها قد يكون عرضاً.
وفى مرحلة الحمل قد يؤثر نزيف الأم بعد الشهور الثلاثة الاولى على الجنين وأيضا المواد الموجودة فى بطن الجنين ، والسائل الداخلى المحيط بالجنين كما تشير بعض الأدلة الى حدوث عالى التأثير للعقاقير التى تتعاطاها الأم أثناء فترة الحمل على الأجنة ، والنتيجة هى ميلاد الطفل التوحدى.
وبذلك أثبتت نتائج الأبحاث والدراسات الطبية فى عدد من المعاهد الطبية فى أمريكا وانجلترا وكندا إلى أن مضاعفات ما قبل الولادة هى أكثر لدى أطفال التوحد منها فى غيرهم من الأسوياء ، أو حتى المصابين بإضطرابات أخرى ، كما يلاحظ وجود عيوب خلقية طفيفة لدى التوحديين أكثر من أشقائهم ومن أقرانهم الأسوياء ، وهذا يشير إلى وجود مضاعفات مهمة حدثت للحمل فى الشهور الثلاثة الأولى .
ويذكر محمود حمودة ( 1991 , 106 ) أن هناك مضاعفات عديدة تحدث أثناء الولادة وتكثر فى ولادة الأطفال التوحديين عن غيرهم مثل الولادة المبكرة والأطفال المبتسرين وتأخر الولادة ، وذكر لورناوينج ( 1994 , 65 ) فى دراسته أنه من الصعوبات الشديدة التى تحدث خلال الولادة نقص الأوكسجين ، والذى يؤدى إلى إصابة المولود بصعوبات بصرية حادة وبتلف دماغى وبإضطرابات توحدية.
ويذكر ماجد عماره ( 2005 ، 225 ) أن الاختناق والتهاب الدماغ وتشنجات الرضع تحدث أثناء الولادة ، وأكد ذلك دراسة محمد الدفراوى ( 1998 ، 95 ) التى تناولت هذه العوامل الولادية وقبل الولادية عن "الطفولة التوحد فى الأطفال التوحديين والتقييمات والمصاحبات الإكلينيكية " وذلك على عينة مكونة من 37 طفلا تم تشخيصهم على أنهم توحديين ، وقام الباحث بمعرفة المشاكل التى حدثت لهم أثناء فترة الحمل والولادة وما بعد الولادة حتى يعرف إذا كانت هذه المشكلات مرتبطة بحدوث اضطرابات التوحديين أم لا ، كما قام بدراسة المشكلات أو الصعوبات التى واجهت الأم أثناء ولادة أخوه هؤلاء الأطفال التوحديين ، وقد وجد أن هناك زيادة فى المشاكل أثناء ولادة الأطفال التوحديين ذات دلالة إحصائية عالية أكبر من التى رصدت لدى إخوة هؤلاء الأطفال .
جـ- العوامل البيوكيميائية:
تناولت العديد من الدراسات الأسباب المرضية المؤدية لحدوث التوحد وهذه الدراسات تناولت فحص الأنسجة وعملية الأيض والهرمونات والأحماض الأمينية وأيضا دور الموصلات العصبية فى حدوث التوحد.
ويذكر لويس مليكه ( 1998 ، 185 ) أن معظم الدراسات اتفقت على أن مستوى السيروتونين فى الدم أعلى لدى الأطفال التوحديين مقارنة بالأطفال الأسوياء.
إلا أنه يبدو أن السيروتينيميا Serotonemia الموجودة فى حوالى 30% من الأطفال التوحديين أكثر ارتباطا بانخفاض مستوى الذكاء ، وفى عينة صغيرة من المرضى وجدت ارتباطات دالة بين ارتفاع نسبة السيروتينيميا Hyperserotonemia ونقص السائل المخى النخاعى ، ومن هذه الدراسات دراسة كينتاند (1995 ) Quintand التى أوضحت نتائجها ارتفاع فى معدل السيروتونين ( عنصر كيميائى طبيعى فى الدم ) فى (30 : 50 %) من المصابين بالتوحد حيث ترتفع مستويات السيروتونين فى الدم بنسبة 5% عن المعدل الطبيعى.
وأيضا دراسة مكبرايد وآخرون (1998, p. 767) Mcbrid et al., والتى استهدفت التعرف على تأثير التشخيص ، والسلالة ، والبلوغ على مستوى السيروتونين فى الصفائح الدموية فى التوحديين والمتخلفين عقليا ، حيث تم قياس مستوى السيروتونين فى الصفائح الدموية لدى 77 من الأسوياء كمجموعة ضابطة ، 22 من المتخلفين عقليا لديهم إعاقة معرفية قبل البلوغ ، وأشارت النتائج إلى أن من بين أطفال ما قبل البلوغ الذين تم تشخيصهم كتوحديين زيادة فى تركيز السيروتونين أكثر من الضابطة ، كما أشارت أيضا إلى انخفاض معدل السيروتونين بعد البلوغ عن معدله قبل البلوغ ، ولم توجد فروق دالة بين السلالات المختلفة .
بينما وجدت دراسة ينج ونيتبيك (Young & Nettebeck (1994, 186 بعض الأجسام المضادة فى مستقبلات السيروتونين لدى بعض الأطفال المصابين بالتوحد ، وأن انخفاض مستويات السيروتونين فى الدم يؤدى الى اختفاء الأعراض المرضية ، وارتقاء السلوك التكيفى .
وقد قام جوردون ( 1994, 73 ) Gordon بعلاج اضطراب التوحد عن طريق إعطاء عقاقير تخفض من مستوى السيروتونين فى الدم ، حيث أدى هذا العلاج إلى تحسين ملحوظ فى طريقة الكلام والسلوك الاجتماعى ، واستمرت هذه التحسينات لمدة ثلاث شهور بعد توقف إعطاء العقار ، وكذلك وجد أن تناول الطفل التوحدى لأدوية تعمل على خفض مستوى الدوبامين أدى أيضا إلى خفض حدة أعراض التوحد مثل سلوك إيذاء الذات والحركات النمطية المتكررة .
كما أكدت عدة بحوث أخرى على وجود عوامل كيميائية فى حالات التوحد ومن بينها بحث أجرى فى السويد ، وتبين منه أن درجة تركيز حمض الهرموفانيك أكثر ارتفاعا فى السائل المخى المنتشر بين أنسجة المخ والنخاع الشوكى فى حالات التوحد مقارنة بالأطفال العاديين .
كما لوحظ فى دراسات أخرى زيادة فى تركيز إحدى الناقلات أو المواصلات العصبية وهو السيروتونيم Serotonim فى دم 40% من الأطفال التوحديين ، وعندما أمكن خفض هذا التركيز باستخدام عقار فينفولامين Fenfulamine لوحظ تحسن فى الأداء اللغوى .
(Campbell & Guava: 1995 , p.p. 1262-1269 )
وفى دراسة قام بها كان وكانى إدوارد (1998) Kane, p & Kane, E للتعرف على شذوذ الأيض من خلال عينات دم وبول 50 طفل يعانون من التوحد ، وكشفت النتائج أن هناك ارتفاع مميز فى سلسلة طويلة من الأحماض الدهنية K وهو ما تم تفسيره بأن تراكم الأحماض الدهنية له تأثيرات ضارة على المخ والغدد الصماء وأنظمة المناعة ، وكلها مميزة للإضطراب التوحدى , كما أن معدل البيتااندرومين Beta Endromine من المناعة التفاعلية فى البلازما لدى التوحديين كانت ناقصة بدرجة دالة إحصائيا مقارنة بالأسوياء .
3. خلل فى الجهاز العصبى المركزى :
قد ترجع إعاقة التوحد إلى خلل فى بعض وظائف الجهاز العصبى المركزى فقد يكون هناك قصورا معينا فى الوظائف الفسيولوجية والكهربائية ؛ وقد أثبتت دراسة بلوتين وآخرون ( 1998 )Balottin, et al., أن صورة الرنين المغناطيسى التى تقارن الأشخاص التوحديين والمجموعة الضابطة من الأشخاص العاديين وجدت بأن الحجم الكلى للمخ يتزايد لدى المصابين بالتوحدية والنسبة الكبرى للزيادة فى الحجم حدثت فى كل من : الفص القذالى Occipital lobe , والفص الجدارى Barietal lobe , والفص الصدغى Temporal Lobe ولم توجد فروقا فى الفصوص الأمامية .
كما أثبتت دراسة إيمان أبو العلا ( 1995 ، 135 ) أن تصوير المخ بالأشعة المقطعية والتصوير بالرنين المغناطيسى يشير إلى احتمال وجود دور لجذع المخ فى حالات التوحد ، كما انه توجد اضطرابات فى أسفل المخ والجهد المستثار لهؤلاء الأطفال بنسبة كبيرة ، ولكنها اضطرابات عديمة الخصوصية وغير ثابتة فى كافة الأبحاث .
ويعتقد رمضان القذافى ( 1994 ، 215 ) أن الاضطراب العضوى الذى يصيب بعض مراكز المخ قد يؤدى إلى إحداث خلل فى وظائف تلك المراكز ، وخاصة فى مجالات الإدراك والتوافق الحركى.
كما تشير دراسات تريفارتن وآخرون ( 1996 ) Treavarthen, el at., الى وجود أدلة حديثة على وجود اضطراب فى وظيفة الخلايا العصبية المنتشرة فى مركز المخ وبصفة خاصة فى مراكز الانتباه والتعلم .
ويؤكد أديلسون Edelson (1998) أنه من خلال فحص أدمغة الموتى من التوحديين وجد أن منطقتان فى الجهاز الطرفى كانتا أقل تطوراً وهما اللوزة والخصيتين ، وهاتان المنطقتان مسئولتان عن العواطف والعدوان والمدخل الحسى والتعلم ، كما وجد أيضا نقص فى خلايا بركينيين Parkinie فى المخيخ Cerebellum مستخدمين التصوير بالرنين المغناطيسى ، كما وجد أن منطقتان فى المخيخ والفصيصات القرمية 6 , 7 حيث كان أصغر بدلالة إحصائية عن الأسوياء ، ومن المثير للاهتمام أن بعض الأفراد التوحديين لديهم فصيصات قرمية 6 , 7 أكبر من الأسوياء .
و فى دراسة قام بها كاوسكى وآخرونKawasaki, et al., (1997, p. 20) بهدف التعرف على اختلال وظائف المخ لدى 158 مريضاً بالتوحد من خلال فحص تغيرات غير طبيعية فى رسم المخ الكهربى والتعرف على نشوء مرض الصرع فى المراهقين المصابين بالتوحد ، وكشفت النتائج أن 47.5 من المرضى لديهم هذه التغيرات الغير طبيعية فى المنطقة الجبهية فى المخ.
4. تأثير الفيروس فى حدوث التوحد :
يذكر عبد الرحمن سليمان ( 2003 ، 55 ) أن البحوث والدراسات الأكثر حداثة أشارت هى الأخرى إلى أن هناك فيروسات معينة بالإضافة إلى فيروس الحصبة الألمانية تؤدى إلى حدوث التوحد كفيروس الهيربس البسيط Herpes Simplex ، بالإضافة إلى فيروس عراك الخلايا Thcytomegalo Virus .
وهناك نظرية مهمة فى هذا الصدد ترى أن أحد الفيروسات التى سبق الإشارة إليها يمكن أن تنتقل عن طريق العدوى إلى الطفل وهو لا يزال فى الرحم غير أن هذا الفيروس يكون عند الحد الأدنى له من إحداث الإصابة ، ومن ثم يولد الطفل ويبدو أنه طبيعيا سويا عند الولادة , ثم ينشط عن طريق ضغوط الحياة الطبيعية .
وهذه النظرية تزودنا على أقل تقدير – بتفسير ممكن ، وشرح مقبول لكثير من الأسباب والأعراض التى وردت فى تقارير الكثير من الآباء والأمهات من أن طفلهم العادى أو السوى يصبح توحدياً نتيجة أو بعد هذه الإصابة ، ومن هذه الدراسات التى أكدت على ذلك دراسة ريملاند وباكر Rimland & Baker (1996) حيث توصلا إلى أن الفيروس يمكن أن يصيب الجنين وهو فى بطن أمه إصابة بسيطة وعند الميلاد يظهر الطفل طبيعى , إلا أن هذا الفيروس يكون كامن فى الطفل ثم ينشط بسبب ضغوط الحياة .
5. تأثير التلوث البيئى :
يرى أديلسون Edelson (1998) فى دراسته انه لا يوجد برهان علمى حتى هذا الوقت عن التأثير البيئى على التوحد , رغم أن انتشار السموم فى البيئة يمكن أيضا أن يؤدى إلى حدوث التوحد ، حيث وجد معدل عالى للسموم فى بلدة صغيرة تسمى ليومينستر Leomensterتابعة لولاية ماساتشوستس حيث يوجد مصنع نظارات شمسية ، ووجد أن أعلى نسبة لحالات اضطراب التوحد كانت فى البيوت التى يهب بها رياح دخان هذا المصنع.
1. أسباب نفسية و أسرية:
يرى البعض أن أسباب الإصابة بالتوحد إنما ترجع إلى أساليب التنشئة الوالدية الخاطئة وإلى شخصية الوالدين غير السوية وأسلوب التربية يسهم فى حدوث الاضطراب.
ويؤكد ذلك ليوكانر ( 1943 )Leo Kanner إلى أن أعراض الإصابة بالتوحد لدى الأطفال تعود إلى عدم نضج و تطور الأنا وهذا يحدث فى الحالتين التاليتين:
- نتيجة نمو الأنا بطريقة خاطئة خلال الثلاث السنوات الأولى من حياة الطفل .
- نتيجة المناخ النفسى الشيء الذى يعيش فيه الطفل .
كما وجد أن آباء الأطفال المصابين بالتوحد يتسمون بالبرود الانفعالى ، والوسواسية ، والعزوف عن الأخريين ، والذكاء والميل إلى النمطية , ونتيجة لهذا الجمود العاطفى والانفعالى في شخصية الوالدين والمناخ الأسرى عامة يؤدى إلى عدم تمتع الطفل بالاستثارة اللازمة من خلال العلاقات الداخلية فى الأسرة , و من هنا يظهر الأساس المرضى الذى يكون نتيجة فشل ( أنا ) الطفل فى تكوين إدراكه للأم التى تعد بمثابة المثل الأول لعالمه الخارجى ؛ فالطفل التوحدى لم تسنح له الفرصة لتوجيه أو تركيز طاقته النفسية نحو موضوع أو شخص آخر منفصل عنه.
( لورناوينج: 1994 - 63 )
وتؤكد ذلك دراسة أو جورمان O`Gorman (1990) بأن الفشل فى تكوين علاقة عاطفية بين الطفل ووالديه قد تكون أحد أسباب إعاقة التوحد ؛ فالطفل يعانى من التوحد من هجر الأم له أو طول فترة غيابها عنه ، وقد ترجع الإعاقة إلى عدم قبول كل من الأم والطفل لإقامة علاقة عاطفية بينهما .
ومن الدراسات التى تؤكد على دور العوامل النفسية فى الإصابة بالتوحد دراسة ميريلا كياراند ( 1992 ) على أن العوامل النفسية تساهم فى إبراز أهمية التكوين الأولى لشخصية الطفل كما يبرر مدى احتياج الطفل لبيئة آمنة ومريحة يستطيع فيها أن يخوض تجربة ايجابية من خلال لقائه مع الأشخاص الذين يكفلون له الحماية ، ويشبعون احتياجاته ، كما يساعدونه على اتساع أفقه ويطلقون له العنان ليتحرك بحرية .
ويرى عمر بن الخطاب خليل ( 1991 ، 85 ) أن أنصار وجهة النظر هذه يؤكدون على الخبرات الأولى فى حياة الطفل لما لها من تأثير على مراحل نموه التالية وأن الفشل فى إقامة علاقات مع الطفل قد تكون الأسباب القوية للاضطرابات خاصة الانفعالية مما يؤدى إلى انسحابه وعزلته داخل أسواره الذاتية.
وعلى الجانب الآخر رفض البعض هذه الآراء وذهبوا إلى أن التوحد عامل مستقل عن الآباء ولا يرتبط بوجود الأم أو غيابها ، وأن خبرات الطفل خلال مراحل حياته لا تسبب المرض وأنه ليس كل آباء الأطفال المصابين بالتوحد تنقصهم القدرة على حب أطفالهم .
وتتفق العديد من الدراسات على أنه ليس للوالدين دخل فى إصابة طفلهم بالتوحد ومنهم دراسة عمر بن الخطاب خليل ( 1994 ، 105 ) حيث توصلت نتائجها إلى انه لا توجد فروق دالة إحصائيا بين شخصيات أباء الأطفال المصابين بالتوحد وآباء الأطفال الأسوياء على استخبار إيزيك للشخصية ، وأيضا أكدت نتائج دراسة ديمير ومكادوا Demyer & Mcodoo (1994) على أن شخصية أباء الأطفال التوحديين لا تختلف عن شخصية وسمات أباء الأطفال المضطربين بإضطرابات أخرى , وأن أمهات الأطفال التوحديين لديهم نفس المشكلات النفسية.
وهكذا يتضح أن معظم الدراسات الحديثة أكدت على عدم وجود مبرر يسمح للوالدين بأن يعتقدوا بأنهم تسببوا فى إصابة طفلهم بالتوحد.
2. أسبــاب بيـولـوجيـة :
بدأ الاهتمام يتجه إلى دور العوامل البيولوجية فى حدوث اضطراب التوحد ، وبسبب ما تم نشره عن النظريات النفسية بأنها لم تعد تفسر أسباب هذا الاضطراب ، وبسبب ما يظهر على الأطفال التوحديين من معاناة فى أنواع مختلفة من الإعاقات البيولوجية فإن هناك اهتمام بالنواحى البيولوجية كسبب فى حدوث التوحد ، هذا ما أكدته دراسة سميرة السعد ( 1998 ، 135 ) من أن أسباب إعاقة التوحد ترجع إلى مشكلة بيولوجية ، وليست نفسية فقد تكون الحصبة الألمانية أو ارتفاع الحرارة المؤثرة أثناء الحمل ، أو وجود غير طبيعى لكروموسومات تحمل جينات معينة أو تلفا بالدماغ أثناء الحمل أو أثناء الولادة لأى سبب مثل نقص الأوكسجين مما يؤثر على الجسم والدماغ ، وتظهر أعراض التوحد وفيما يلى عرض لهذه الأسباب :-
أ – العوامل الجينية :
توصلت بعض الدراسات إلى أن هناك ارتباط بين اضطراب التوحد وشذوذ الكروموسومات مثل دراسة زوناللى وداجت Zonalli & Degett (1998 )والتى أشارت نتائجها إلى أن هناك ارتباط بين هذا الاضطراب وبين كروموسوم يسمى كرموسوم " أكس الهش " ؛ فهذا الكروموسوم مسئول عن حدوث خلل فى الناحية العقلية حيث يؤدى إلى التخلف العقلى ، وهذا الكروموسوم يدخل بنسبة 5 : 16 % فى كل الحالات ، وقد يوضح هذا الارتباط زيادة عدد الأولاد عن البنات فى الإصابة بالتوحد.
كما تؤكد دراسة هارولد وبينجامين (Harold & Benjamin ( 1998 ، ودراسة هولين Howlin (1998) من أن التوحد يرجع إلى عوامل جينية ؛ فقد لوحظ أن حوالى من ( 2 : 4% ) من أشقاء الأطفال التوحديين يصابون بهذه الإعاقة بمعدل 50 مرة أكثر من عامة الناس ، وأن معدل حدوث التوحد فى التوائم المتماثلة هو 36 % بينما فى التوائم غير المتماثلة يحدث بمعدل يساوى صفراً , في حين تختلف معها دراسة ميشيا ولوجيا (1997) Micha & Lwgia التى أوضحت نتائجها أن التوحد يحدث بمعدل 96% فى التوائم المتماثلة ويحدث بمعدل 27% فى التوائم غير المتماثلة .
وتؤكد دراسة هولين(1998) Howlin على أن انتشار التوحد بين أطفال ولدوا لإخوة يعانون من التوحد فى أسرهم يزيد 210 ضعفا عن انتشاره بين أطفال المجتمع العام ويعنى ذلك أن احتمال ولادة أطفال توحديين أكثر بكثير عندما يكون لهم أخوه يعانون من التوحد.
وقد ثبت ذلك من خلال نتائج دراسة بارلى ورتر (Barley & Rutter ( 1998 حيث وصلت النسبة إلى 8.6 % وإذا كان الطفل المعوق الأول ذكر فأن هذه النسبة تكون 7% ولكنها ترتفع إلى 14.5 إذا كان الطفل السابق أنثى ، وبذلك ترى ريتا جوردن وسيتوارت بيول ( 2007 , 4 ) أن العوامل المرتبطة بالجينات تلعب دورا هاما فى حدوث إعاقة التوحد ، ولكنها لا تملك الإجابة الكاملة أو المسئولية الكاملة .
ب – المضاعفات الولادية قبل الولادة :
يشير كلا من ( عثمان فراج: 2002 ، 61 ؛ سوسن الحلبى: 2005 ، 315 ؛ ماجد عمارة: 2005 ؛ لورنا وينج: 1994 ، 65 ) على أن الدراسات والتحاليل الطبية تؤكد على معاناة طفل التوحد من حالات قصور عضوى أو حيوى منها ما يحدث أثناء فترة الحمل ، وبالتالى يؤثر على الجنين ، ومن أمثلتها إصابة الأم بالحصبة الألمانية أو حالة من حالات قصور التمثيل ، أو حالات التصلب الدرنى ومنها حالات الريت Rett .
وقد أشار ميهر (Mehr ( 1993 إلى انه من العوامل التى تمثل خطر قبل الولادة الإصابة بالحصبة الألمانية ، والإصابة بفيروس سيتومجالو Cytomegalo Virus ، وفى تقارير بحوث بيرنارد (1995)Bernard تبين وجود خلل أو إصابة أو قطع فى نسيج مركز ساق المخ Brain Stem ، والذى يعرف باسم جهاز التنبيه التشابهى ، وهو النسيج الذى يتحكم فى استقبال عمليات الاستثارة ، والانتباه ، والنوم فتضعف قدرة الجهاز العصبى المركزى أو مخ الجنين على الاستجابة للمثيرات الخارجية ، وحساسيته لها أو الشعور بما يحدث فى عالمه المحيط به .
أيضا يذكر محمد خطاب ( 2005 ، 425 ) أن هناك حالات حدوث عالية لتعقيدات فى مرحلة ما قبل الولادة لدى الأطفال المصابين باضطراب التوحد ، رغم أن بعضها قد يكون عرضاً.
وفى مرحلة الحمل قد يؤثر نزيف الأم بعد الشهور الثلاثة الاولى على الجنين وأيضا المواد الموجودة فى بطن الجنين ، والسائل الداخلى المحيط بالجنين كما تشير بعض الأدلة الى حدوث عالى التأثير للعقاقير التى تتعاطاها الأم أثناء فترة الحمل على الأجنة ، والنتيجة هى ميلاد الطفل التوحدى.
وبذلك أثبتت نتائج الأبحاث والدراسات الطبية فى عدد من المعاهد الطبية فى أمريكا وانجلترا وكندا إلى أن مضاعفات ما قبل الولادة هى أكثر لدى أطفال التوحد منها فى غيرهم من الأسوياء ، أو حتى المصابين بإضطرابات أخرى ، كما يلاحظ وجود عيوب خلقية طفيفة لدى التوحديين أكثر من أشقائهم ومن أقرانهم الأسوياء ، وهذا يشير إلى وجود مضاعفات مهمة حدثت للحمل فى الشهور الثلاثة الأولى .
ويذكر محمود حمودة ( 1991 , 106 ) أن هناك مضاعفات عديدة تحدث أثناء الولادة وتكثر فى ولادة الأطفال التوحديين عن غيرهم مثل الولادة المبكرة والأطفال المبتسرين وتأخر الولادة ، وذكر لورناوينج ( 1994 , 65 ) فى دراسته أنه من الصعوبات الشديدة التى تحدث خلال الولادة نقص الأوكسجين ، والذى يؤدى إلى إصابة المولود بصعوبات بصرية حادة وبتلف دماغى وبإضطرابات توحدية.
ويذكر ماجد عماره ( 2005 ، 225 ) أن الاختناق والتهاب الدماغ وتشنجات الرضع تحدث أثناء الولادة ، وأكد ذلك دراسة محمد الدفراوى ( 1998 ، 95 ) التى تناولت هذه العوامل الولادية وقبل الولادية عن "الطفولة التوحد فى الأطفال التوحديين والتقييمات والمصاحبات الإكلينيكية " وذلك على عينة مكونة من 37 طفلا تم تشخيصهم على أنهم توحديين ، وقام الباحث بمعرفة المشاكل التى حدثت لهم أثناء فترة الحمل والولادة وما بعد الولادة حتى يعرف إذا كانت هذه المشكلات مرتبطة بحدوث اضطرابات التوحديين أم لا ، كما قام بدراسة المشكلات أو الصعوبات التى واجهت الأم أثناء ولادة أخوه هؤلاء الأطفال التوحديين ، وقد وجد أن هناك زيادة فى المشاكل أثناء ولادة الأطفال التوحديين ذات دلالة إحصائية عالية أكبر من التى رصدت لدى إخوة هؤلاء الأطفال .
جـ- العوامل البيوكيميائية:
تناولت العديد من الدراسات الأسباب المرضية المؤدية لحدوث التوحد وهذه الدراسات تناولت فحص الأنسجة وعملية الأيض والهرمونات والأحماض الأمينية وأيضا دور الموصلات العصبية فى حدوث التوحد.
ويذكر لويس مليكه ( 1998 ، 185 ) أن معظم الدراسات اتفقت على أن مستوى السيروتونين فى الدم أعلى لدى الأطفال التوحديين مقارنة بالأطفال الأسوياء.
إلا أنه يبدو أن السيروتينيميا Serotonemia الموجودة فى حوالى 30% من الأطفال التوحديين أكثر ارتباطا بانخفاض مستوى الذكاء ، وفى عينة صغيرة من المرضى وجدت ارتباطات دالة بين ارتفاع نسبة السيروتينيميا Hyperserotonemia ونقص السائل المخى النخاعى ، ومن هذه الدراسات دراسة كينتاند (1995 ) Quintand التى أوضحت نتائجها ارتفاع فى معدل السيروتونين ( عنصر كيميائى طبيعى فى الدم ) فى (30 : 50 %) من المصابين بالتوحد حيث ترتفع مستويات السيروتونين فى الدم بنسبة 5% عن المعدل الطبيعى.
وأيضا دراسة مكبرايد وآخرون (1998, p. 767) Mcbrid et al., والتى استهدفت التعرف على تأثير التشخيص ، والسلالة ، والبلوغ على مستوى السيروتونين فى الصفائح الدموية فى التوحديين والمتخلفين عقليا ، حيث تم قياس مستوى السيروتونين فى الصفائح الدموية لدى 77 من الأسوياء كمجموعة ضابطة ، 22 من المتخلفين عقليا لديهم إعاقة معرفية قبل البلوغ ، وأشارت النتائج إلى أن من بين أطفال ما قبل البلوغ الذين تم تشخيصهم كتوحديين زيادة فى تركيز السيروتونين أكثر من الضابطة ، كما أشارت أيضا إلى انخفاض معدل السيروتونين بعد البلوغ عن معدله قبل البلوغ ، ولم توجد فروق دالة بين السلالات المختلفة .
بينما وجدت دراسة ينج ونيتبيك (Young & Nettebeck (1994, 186 بعض الأجسام المضادة فى مستقبلات السيروتونين لدى بعض الأطفال المصابين بالتوحد ، وأن انخفاض مستويات السيروتونين فى الدم يؤدى الى اختفاء الأعراض المرضية ، وارتقاء السلوك التكيفى .
وقد قام جوردون ( 1994, 73 ) Gordon بعلاج اضطراب التوحد عن طريق إعطاء عقاقير تخفض من مستوى السيروتونين فى الدم ، حيث أدى هذا العلاج إلى تحسين ملحوظ فى طريقة الكلام والسلوك الاجتماعى ، واستمرت هذه التحسينات لمدة ثلاث شهور بعد توقف إعطاء العقار ، وكذلك وجد أن تناول الطفل التوحدى لأدوية تعمل على خفض مستوى الدوبامين أدى أيضا إلى خفض حدة أعراض التوحد مثل سلوك إيذاء الذات والحركات النمطية المتكررة .
كما أكدت عدة بحوث أخرى على وجود عوامل كيميائية فى حالات التوحد ومن بينها بحث أجرى فى السويد ، وتبين منه أن درجة تركيز حمض الهرموفانيك أكثر ارتفاعا فى السائل المخى المنتشر بين أنسجة المخ والنخاع الشوكى فى حالات التوحد مقارنة بالأطفال العاديين .
كما لوحظ فى دراسات أخرى زيادة فى تركيز إحدى الناقلات أو المواصلات العصبية وهو السيروتونيم Serotonim فى دم 40% من الأطفال التوحديين ، وعندما أمكن خفض هذا التركيز باستخدام عقار فينفولامين Fenfulamine لوحظ تحسن فى الأداء اللغوى .
(Campbell & Guava: 1995 , p.p. 1262-1269 )
وفى دراسة قام بها كان وكانى إدوارد (1998) Kane, p & Kane, E للتعرف على شذوذ الأيض من خلال عينات دم وبول 50 طفل يعانون من التوحد ، وكشفت النتائج أن هناك ارتفاع مميز فى سلسلة طويلة من الأحماض الدهنية K وهو ما تم تفسيره بأن تراكم الأحماض الدهنية له تأثيرات ضارة على المخ والغدد الصماء وأنظمة المناعة ، وكلها مميزة للإضطراب التوحدى , كما أن معدل البيتااندرومين Beta Endromine من المناعة التفاعلية فى البلازما لدى التوحديين كانت ناقصة بدرجة دالة إحصائيا مقارنة بالأسوياء .
3. خلل فى الجهاز العصبى المركزى :
قد ترجع إعاقة التوحد إلى خلل فى بعض وظائف الجهاز العصبى المركزى فقد يكون هناك قصورا معينا فى الوظائف الفسيولوجية والكهربائية ؛ وقد أثبتت دراسة بلوتين وآخرون ( 1998 )Balottin, et al., أن صورة الرنين المغناطيسى التى تقارن الأشخاص التوحديين والمجموعة الضابطة من الأشخاص العاديين وجدت بأن الحجم الكلى للمخ يتزايد لدى المصابين بالتوحدية والنسبة الكبرى للزيادة فى الحجم حدثت فى كل من : الفص القذالى Occipital lobe , والفص الجدارى Barietal lobe , والفص الصدغى Temporal Lobe ولم توجد فروقا فى الفصوص الأمامية .
كما أثبتت دراسة إيمان أبو العلا ( 1995 ، 135 ) أن تصوير المخ بالأشعة المقطعية والتصوير بالرنين المغناطيسى يشير إلى احتمال وجود دور لجذع المخ فى حالات التوحد ، كما انه توجد اضطرابات فى أسفل المخ والجهد المستثار لهؤلاء الأطفال بنسبة كبيرة ، ولكنها اضطرابات عديمة الخصوصية وغير ثابتة فى كافة الأبحاث .
ويعتقد رمضان القذافى ( 1994 ، 215 ) أن الاضطراب العضوى الذى يصيب بعض مراكز المخ قد يؤدى إلى إحداث خلل فى وظائف تلك المراكز ، وخاصة فى مجالات الإدراك والتوافق الحركى.
كما تشير دراسات تريفارتن وآخرون ( 1996 ) Treavarthen, el at., الى وجود أدلة حديثة على وجود اضطراب فى وظيفة الخلايا العصبية المنتشرة فى مركز المخ وبصفة خاصة فى مراكز الانتباه والتعلم .
ويؤكد أديلسون Edelson (1998) أنه من خلال فحص أدمغة الموتى من التوحديين وجد أن منطقتان فى الجهاز الطرفى كانتا أقل تطوراً وهما اللوزة والخصيتين ، وهاتان المنطقتان مسئولتان عن العواطف والعدوان والمدخل الحسى والتعلم ، كما وجد أيضا نقص فى خلايا بركينيين Parkinie فى المخيخ Cerebellum مستخدمين التصوير بالرنين المغناطيسى ، كما وجد أن منطقتان فى المخيخ والفصيصات القرمية 6 , 7 حيث كان أصغر بدلالة إحصائية عن الأسوياء ، ومن المثير للاهتمام أن بعض الأفراد التوحديين لديهم فصيصات قرمية 6 , 7 أكبر من الأسوياء .
و فى دراسة قام بها كاوسكى وآخرونKawasaki, et al., (1997, p. 20) بهدف التعرف على اختلال وظائف المخ لدى 158 مريضاً بالتوحد من خلال فحص تغيرات غير طبيعية فى رسم المخ الكهربى والتعرف على نشوء مرض الصرع فى المراهقين المصابين بالتوحد ، وكشفت النتائج أن 47.5 من المرضى لديهم هذه التغيرات الغير طبيعية فى المنطقة الجبهية فى المخ.
4. تأثير الفيروس فى حدوث التوحد :
يذكر عبد الرحمن سليمان ( 2003 ، 55 ) أن البحوث والدراسات الأكثر حداثة أشارت هى الأخرى إلى أن هناك فيروسات معينة بالإضافة إلى فيروس الحصبة الألمانية تؤدى إلى حدوث التوحد كفيروس الهيربس البسيط Herpes Simplex ، بالإضافة إلى فيروس عراك الخلايا Thcytomegalo Virus .
وهناك نظرية مهمة فى هذا الصدد ترى أن أحد الفيروسات التى سبق الإشارة إليها يمكن أن تنتقل عن طريق العدوى إلى الطفل وهو لا يزال فى الرحم غير أن هذا الفيروس يكون عند الحد الأدنى له من إحداث الإصابة ، ومن ثم يولد الطفل ويبدو أنه طبيعيا سويا عند الولادة , ثم ينشط عن طريق ضغوط الحياة الطبيعية .
وهذه النظرية تزودنا على أقل تقدير – بتفسير ممكن ، وشرح مقبول لكثير من الأسباب والأعراض التى وردت فى تقارير الكثير من الآباء والأمهات من أن طفلهم العادى أو السوى يصبح توحدياً نتيجة أو بعد هذه الإصابة ، ومن هذه الدراسات التى أكدت على ذلك دراسة ريملاند وباكر Rimland & Baker (1996) حيث توصلا إلى أن الفيروس يمكن أن يصيب الجنين وهو فى بطن أمه إصابة بسيطة وعند الميلاد يظهر الطفل طبيعى , إلا أن هذا الفيروس يكون كامن فى الطفل ثم ينشط بسبب ضغوط الحياة .
5. تأثير التلوث البيئى :
يرى أديلسون Edelson (1998) فى دراسته انه لا يوجد برهان علمى حتى هذا الوقت عن التأثير البيئى على التوحد , رغم أن انتشار السموم فى البيئة يمكن أيضا أن يؤدى إلى حدوث التوحد ، حيث وجد معدل عالى للسموم فى بلدة صغيرة تسمى ليومينستر Leomensterتابعة لولاية ماساتشوستس حيث يوجد مصنع نظارات شمسية ، ووجد أن أعلى نسبة لحالات اضطراب التوحد كانت فى البيوت التى يهب بها رياح دخان هذا المصنع.